آبائيات

موسى والسبعين شيخا ع6 – سفر العدد للعلامة أوريجينوس

موسى والسبعين شيخا ع6 - سفر العدد للعلامة أوريجينوس

موسى والسبعين شيخا ع6 – سفر العدد للعلامة أوريجينوس

موسى والسبعين شيخا ع6 - سفر العدد للعلامة أوريجينوس
موسى والسبعين شيخا ع6 – سفر العدد للعلامة أوريجينوس

 

 

العظة السادسة

موسى والسبعين شيخًا – زواج موسى والحبشية

         في كثير من النصوص قرأت جملة لضيق الوقت وعظمة الأسرار لا تسمح لنا أن نتحدث عنها كلها. ولكن سنستطيع حينئذ أن نقطف بعض الأزهار في هذه السهول الواسعة، وليس كل الأزهار التي تستطيع أن تقدمها الأرض، لكن بقدر ما يكفي حتى نشتم الرائحة العطرة. كذلك عندما نذهب إلى الينابيع، فلا يجب أن نأخذ كل الماء الذي يُسال من مصدر فياض. لكن فقط ما يلزم لكي يقتل عطش حنجرة جافة، أنه لا يجب أن نشرب من الماء العذب بإفراط وإلا يكون ضارًا.

 

موسى والشيوخ

         1ـ قال الكتاب المقدس ” خرج موسى وكلم الشعب بكلام الرب” (عد11: 24)، طالما يصغى موسى لكلام الرب ويأخذ تعاليمه منه، فهو بالداخل، أنه يمكث بالداخل ويعيش في الخلوة الأكثر سرية. لكن عندما يتكلم للجموع والشعب وعندما يمارس خدمته نحو الناس فأنه لا يستطيع أن يمكث بالداخل يقول الكتاب المقدس فليخرج للخارج، ما هي الفكرة المتضمنة في هذا الكلام؟ إذا علم معلم الكنيسة أسرارًا عميقة لحد ما، إذا ألقى بعض الخطب السرية والخفية عن حكمة الله “بين الكاملين” مادام يظل في الأفكار العميقة، يجب أن نقول بأنه بالداخل وأنه يمكث بالداخل.

         لكن عندما يكلم الجموع ويعلن ما يكفي للإنسان العادي وما يمكن أن يفهمه عامة الناس نقول بأنه خرج للخارج وأنه كلم الشعب بكلام الله. بولس كما يتراءى لي عمل هذا أيضًا أنه كان بالداخل عندما قال ” نعلم بحكمة بين الكاملين، ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون، بل نتكلم بحكمة الله في سر الحكمة التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر” (1كو 6: 8)، انظر بولس وهو في الداخل كيف أطلع على الأسرار الداخلية الإلهية، عندما استلم هذه التعاليم. لكن عندما يذهب للجموع اسمع ما يعلمه “ لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم“، ” لا يسرق السارق فيما بعد“، ” لكل واحد امرأته ولكل واحدة رجلها” هذه الكلمات وكل الكلمات الأخرى التي بنفس الطريقة هي تعاليم بولس الرسول “خارجًا للخارج” والتي يعلمها للشعب كما فعل موسى النبي.

 

الروح المشترك للشيوخ

         2ـ لكن فلننظر إلى إصحاح آخر: أنه يحكي فيه بأن ” موسى اختار سبعين رجلاً من شيوخ الشعب وأوقفهم حول الخيمة وأخذ الله من الروح الذي على موسى وجعل على السبعين شيخًا، ولما حل عليهم الروح قال الكتاب: الكل تنبأوا“، الكتاب قال بأن الله أخذ من الروح الذي على موسى وأعطى منه للسبعين شيخًا. وليس المعنى أن الله أخذ من جوهر موسى الجسدي والمادي وجزأه على سبعين جزء وأعطى لكل شيخ قسم صغير، أنه يكون من عدم التقوى أن ندرك طبيعة الروح القدس بهذه الطريقة.

         لكن فلنفهم أيضًا الرمز المكتوب في هذا النص الغامض، موسى والروح الذي عليه هما مثل مصباح ساطع جدًا وأنار الله منه السبعين الآخرين، فلمعان النور الأول قد بسط على المصابيح الأخرى بدون أن يضعف المصدر من هذه المشاركة، وبهذه الطريقة ينسب للنص معنى مقدس ” الله أخذ من الروح الذي على موسى، وأعطى منه للسبعين شيخًا” (عد11: 25).

 

الشروط الواجب توافرها لحلول الروح القدس في النفس

         3 ـ لكن فلننظر إلى ما يلي ” روح الله حل عليهم والكل تنبأوا” الروح في الكتاب المقدس لا يحل على أي إنسان، لكن فقط على القديسين والطوباويين، روح الله حل على الذين لهم قلب نقي وعلى الذين يطهرون أنفسهم من الخطية، وبالعكس أنه لا يسكن في جسد تتسلط عليه الخطية، حتى ولو سكن في هذا الجسد وقتًا معينًا. الروح القدس لا يمكنه احتمال الشركة مع روح الشر، فإنه بكل تأكيد في لحظة الخطية نجد أن روح الشر هو الذي يكون في داخل نفس الخاطئ وهو يلعب دوره فيها وذلك عندما نترك روح الشر يدخل وعندما نستقبله فينا بواسطة أفكار دنسة ورغبات دنسة فالروح القدس حينئذ يكون مليئًا بالحزن وبالضيق أن أمكنني أن أتجرأ وأعبر بهذا التعبير. لذلك الرسول وهو عالم بأن الأشياء تحدث أيضًا بهذا الشكل قد أعطى النصيحة “ لا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء” (أف4: 30). إذًا بالخطية نجعل الروح القدس يحزن، بالعكس بحياة صالحة ومقدسة، سنمهد للروح القدس مكانًا فينا ليستريح. أيضًا مما قد قُص علينا الآن بأن الروح القدس قد حل على الشيوخ السبعين، ألم يمجد حياتهم وألم يظهر لهم عن فضائلهم، كما أن الروح القدس قد حل عليهم بسبب نقاوة قلوبهم، وصفاء نفوسهم واستعدادهم للفهم، فهو يحل فيهم حالاً، أنه لا يرضى أبدًا بالتأخير إذ يجد هناك أرضًا مستحقة لأعماله. الكتاب المقدس يقول بالحقيقة “ روح الله حل عليهم والكل تنبأوا” (عد 11: 25).

 

الروح القدس حل على يسوع المسيح

         إذن حل الروح القدس على الذين تنبأوا، ولكنه لم يستقر كما استقر على المخلص. لذلك قد كتب عنه ” ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب” (إش11: 2ـ 3). لكن ربما تقولون إنك لم تذكر لنا من قال عن المسيح أكثر مما قيل عن الناس الآخرين، حيث إنه قد قيل عن الآخرين إن الروح قد حل عليهم، وذلك كما قيل عن المخلص ” روح الله حل عليه” لكن لاحظ جيدًا أنه غير مكتوب في أي مكان أن روح الرب قد حل على أشخاص آخرين بهذه القدرة. هذا نلاحظه في هذه النبوة، أننا بكل تأكيد نجد أن جوهر روح الرب نفسه الذي لا يمكن أن يكتب تحت اسم موحد قد بين بكلمات عديدة، وقد حل على “الأصل” الذي من ذرية يسى. عندي أيضًا شاهد آخر يمكنني به أن أثبت وأؤكد بأن الروح قد حل على سيدي ومخلصي بطريقة خارقة وبطريقة مختلفة عن الأشخاص الآخرين، وهو يوحنا المعمدان الذي قال عنه ” الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقرًا عليه، فهذا هو…” (يو1: 33).

         فلو أن الله قال ” سترى الروح نازلاً” بدون أن يضيف، ومستقرًا عليه فقد يكون المسيح غير مميز عن الآخرين ولكنه أضاف، ومستقرًا عليه، حتى يكون المخلص مميزًا بهذه العلامة التي لا نستطيع أن نجدها في مكان آخر. فإنه غير مكتوب إطلاقًا عن الأشخاص الآخرين أن الروح القدس قد استقر على أحد منهم.

 

واستقر عليه وحده:

         فلا تعتقد بأني أقلل من شأن الأنبياء، فهم أنفسهم يعلمون أني لم أصغرهم بوضع ربي يسوع المسيح فوقهم، فالكل يتذكر هذه الكلمات ولا يجد أي شخص آخر قيل عنه: “ الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر” (1بط 2: 22)، فلأنه هو الوحيد الذي لم يفعل خطية استقر الروح عليه ومكث فيه. فإنه بالحقيقة قد قيلت عنه هذه الكلمات الوحيدة والعجيبة التي ذكرت أعلاه: ” لم يفعل خطية” فمن الواضح بأن كل الأشخاص الآخرين فعلوا الخطية. وإذا كان الكل خطاة فبالضرورة يكون الأنبياء أيضًا، وكيف نستطيع أن نقول إنه في لحظة الخطية يمكث الروح القدس؟

         وأنه يبدو لك بأنه غير معقول أن الأنبياء بعدما حل عليهم الروح القدس قد أخطأوا؟ فلنرجع لموسى نفسه الذي نتكلم عنه والذي يعتبر الأكبر والأعجب من بين الأنبياء. أنه كتب عن نفسه، أنه شهد على نفسه هذه الشهادة بأنه أخطأ بقوله: “ اسمعوا أيها المردة. أمن هذه الصخرة نخرج لكم ماء” (عد20: 10)، بهذه الكلمات لم يقدس الرب بماء الخصام، وبمعنى آخر إنه لم يكن لديه ثقة بقوة الله، وبدلاً من أن يقول: “الله يستطيع أن يخرج ماء من هذه الصخرة، نجده أجاب بعدم يقين، أمن هذه الصخرة نخرج لكم ماء؟”

         حيث إن الله حسب له هذه الكلمات خطية. فبكل تأكيد أنها لم تأت من الروح القدس ولكن من روح الخطية. وإن كان الكتاب المقدس يبين أن أحد الأنبياء الكبار مثل موسى كان أحيانًا حاصلاً على الروح القدس وأحيانًا في وقت الخطية غير حاصل عليه، فبكل تأكيد يجب أن نفكر بنفس الطريقة عن الأنبياء الآخرين. ماذا نقول عن داود؟ أنه يعتبر أن الروح القدس ممكن أن يسحب ويؤخذ منه فهو يصلي حتى لا يؤخذ منه بقوله ” لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدس لا تنزعه مني” وفي الآية التالية يطلب داود الهبة التي قد سحبت منه بسبب الخطية قائلاً: ” رد لي بهجة خلاصك وبروح مقتدرتك أعضدني“.

         لماذا نتذكر سليمان؟ شخص لم يقل بأنه يرجح أحكامه أو يبني هيكل الله بدون حضور الروح القدس، وبالعكس فإنه مع وجود الروح القدس قد شيد الهياكل لأبالسة وفتح ذراعيه للنساء والأثمة.

         والنبي الذي قد دون في الكتاب الثالث من كُتب الملوك قد أرسل إلى بيت إيل بأمر الله، فبواسطة روح الرب قد نطق بكلمات الله، لكن لا يجب أن نصدق أنه بواسطة روح الرب خالف أمر الرب، بأن لا يأكل خبزًا في بيت إيل وأنه بسبب الخطية قتل بواسطة أسد (1مل 13: 11)، ولكن سيطول بنا الحديث لو استعرضنا كل الأنبياء.

         بدون أن نؤكد ذلك تمامًا، اعتقد بالنسبة لي أن بعض أفعال الناس العادية، توجد فيها الأشياء التي حتى ولو أنها خالية من الخطية تبدو مع ذلك غير مستحقة لوجود الروح القدس. فمثال الزواج الشرعي هو خالي من الخطية ومع ذلك في الأثناء التي تتم فيها الأعمال الزوجية لا يعطي وجود الروح القدس حتى ولو كان كما يبدو لي أن الذي يتمم أعمال التناسل هو نبي. وهناك أعمال أخرى لا تكفي القوة البشرية لإتمامها وليس من الضروري أو ليس من المناسب أن يكون الروح القدس موجودًا فيها. إننا بنوع من الاستطراد بحثنا هذه النقطة ولكننا نريد فقط أن نبين بأنه فقط في ربي ومخلصي يسوع المسيح روح الرب يمكث دائمًا عليه “استقر عليه” أما على القديسين والشيوخ السبعين. الذين قد ذكرناهم، فلم يحل عليهم روح الله ولم يؤثر فيهم إلا لمدة محدودة والتي تتناسب مع تنفيذ عمله بواسطتهم، والتي تعتبر مفيدة للذين كان عملهم لخدمته.

 

المرأة الكوشية وكنيسة اليهود

         الدرس الذي قرأناه يبين لنا أن موسى تزوج من حبشية كوشية. ومريم وهارون عاتبًا موسى لزواجه من هذه الحبشية بقولهما “هل كلم الرب موسى وحده ألم يكلمنا نحن أيضًا؟” ويقول الكتاب المقدس   ” الرب سمع ثم أمرهم أن يخرجوا إلى خيمة الاجتماع، وجاءت عليهم دينونة، فمريم أصبحت برصاء“، وبعد ذلك دعيت للمحلة (انظر عد12: 1ـ 15). لكن نشرح ذلك باختصار نقول بأن مريم هي رمز الشعب البداني، موسى رمز لشريعة الله، وهو الذي تزوج من امرأة كوشية منبئًا باتحاد جميع الأمم بالرب.

         موسى هو الذي يرمز إلى الشريعة الروحية، إذن باتخاذها زوجة له نبوة لقبول الأمم، ومريم التي هي جماعة اليهود الحاليين[1]، وسخطت هي وهارون في نفس الوقت، بمعنى آخر الكهنة والفريسيين أيضًا. إذن الشعب القديم مازال ينقصه الاحترام نحو موسى إلى الآن الذي هو رمز لمخلصنا وهو لا يعلمنا ختان الجسد وحفظ السبت والتقدمات الدموية ولكن أمرنا بختان القلب وبطلان الخطية. وأن نحتفل بالأعياد بفطير الإخلاص والحق ونقدم ذبائح الشكر وليس ذبائح من البهائم.

         الرب إذًا أدانهما وأيد الزواج من الكوشية، والرب سمح لموسى أن يسكن معها وأن يستقر معها، ولكن حجز مريم خارج المحلة، وجعلها زيادة على ذلك تخرج خارج خيمة الاجتماع. وهارون قد طُرَد معها. فضلاً عن ذلك مريم أصبحت برصاء. انظر الآن هذا الشعب انظر البرص الذي تركته له الخطية، أي ظلام قد ملأه، أي عبادة شنيعة، أي منظر مخيف هو فيه، ومع ذلك هذا البرص لن يمكث دائمًا لكن عند اقتراب الزمان من نهايته، سيدعي للمحلة حقًا، وفي نهاية العالم عندما يدخل ملء الأمم “حينئذ سيخلص جميع إسرائيل” (رو11: 25)، وفي تلك اللحظة سيترك البرص وجه مريم وستحصل على مجد الإيمان وعظمة معرفة المسيح، وسيرجع وجهها مرة أخرى إلى لمعانة عندما تتحد الرعيتان معًا حينئذ لا تكون إلا رعية واحدة وراعٍ واحد، وحينئذ يجب أن يقال حقًا ” يالعمق غنى الله وحكمته وعلمه الذي أغلق على الجميع معًا في العصيان لكي يرحم الجميع…” (رو11: 32، 33) في المسيح يسوع ربنا الذي له المجد إلى أبد الآبدين آمين.

 

[1] هرون يمثل الكهنوت اليهودي ومريم تمثل جماعة اليهود.

موسى والسبعين شيخا ع6 – سفر العدد للعلامة أوريجينوس