وظائف اللاويين في خيمة الاجتماع ع5 – سفر العدد للعلامة أوريجينوس
وظائف اللاويين في خيمة الاجتماع ع5 - سفر العدد للعلامة أوريجينوس
وظائف اللاويين في خيمة الاجتماع ع5 – سفر العدد للعلامة أوريجينوس
العظة الخامسة
وظائف اللاويين في خيمة الاجتماع
4 ـ يقول الرب لموسى وهارون اللذين يستشيرانه ” لا تحذفا من سبط عشائر القهاتيين من وسط أبناء اللاويين، عشيرة قهات، لكن أفعلاً لهم هذا فيعيشوا ولا يموتوا عند اقترابهم من قدس الأقداس” (عد 4: 18). فلنفهم المعنى الحرفي من القصة، وبمساعدة المسيح الرب ننتقل من المعنى الحرفي إلى المعنى الروحي.
المعنى الحرفي
إذًا فلنفهم أولاً تجهيز خيمة الاجتماع، تخيل أيضًا قدس الأقداس، المنفصل عن القدس بواسطة حجاب، ولا يسمح لأي إنسان بالدخول فيه و النظر إليه إلا إذا كان كاهنًا، بعد ذلك نفهم كيف كانت الخيمة تطوى عند ارتحال المحلة. وكيف كان الكهنة – هارون وأولاده في داخل قدس الأقداس، يغطون كل شئ بمفارشه وأغطيته، ثم يتركونها في أماكنها، وبعد ذلك يدخل أولاد قهات المخصصين لهذا الواجب ويجعلونهم يحملون على أكتافهم كل الأشياء التي قد غطتها أياديهم الكهنوتية، ولهذا السبب قد قال السيد الرب “ لا تحذفوا من سبط اللاويين عشيرة قهات” (عد4: 18)، لأنه كان يجب أن يحذفوا إذا لمسوا أشياء قدس الأقداس مكشوفة وبدون غطاء، وهو غير مسموح ليس فقط أن تلمس بل أن لا ينظر إليها أيضًا، إلا محجوبة.
السر: الأعمال والعلم
إذا فهمت القصة، اصعد الآن نحو بهجة السر، وتأمل نور الشريعة الروحية، إذا كانت عين إدراكك نقية. كل من هو ضمن كهنة الله، فهو مستحق بأن يكشف الأمور الإلهية وأن يرى الأسرار التي لا يكون غيرهم مؤهلين للتأمل فيها، وهو الذي يستطيع أن يدخل حيث لا يستطيع الآخرون الدخول. هذا بالنسبة لنا هو هارون أو أحد أبناء هارون. بالنسبة لمثل هذا الإنسان فقط يكون تابوت العهد مكشوفًا بدون حجاب، ويرى القسط الذي فيه المن، ويتأمل ويفهم “الكفارة” أنه يتطلع على “الشاروبين الاثنين”، والمائدة المقدسة والمنارة المضيئة، ومذبح البخور، أنه يتأمل ويفهم كل هذا بالروح. إننا نعني الذي يهتم بكلام الله بأسرار الحكمة ولا ينشغل إلا بالله وبأدواته المقدسة[1].
ففي هذه الحالة ألم يحمل على الأكتاف قدس الأقداس مغطى بأحجبة[2]؟ لكي ندرك هذا بأكثر وضوح، سنقتبس أمثلة من الكتاب المقدس، فموسى بلا شك كان يعلم معنى الختان الحقيقي وكان يعلم معنى الفصح الحقيقي. وكان يعلم معاني أعياد الهلال الحقيقية والسبوت الحقيقية[3]. ومع أنه علم كل هذه الحقائق جيدًا بالروح. إلا أنه كان يحجبها تحت المظهر وظل الأشياء الجسدية، وبينما كان يعلم بأن “الفصح الحقيقي” الذي يجب أن يذبح، هو المسيح. كان يأمر بأن يذبح حمل الفصح الجسدي، وبينما كان يعلم بأن عيد الفطير يجب أن يحتفل به بفطير ” الإخلاص والحق” (1كو 5: 7، 8)، كان يأمر بعمل الفطير من الدقيق، كذلك قدس الأقداس، كان موسى يعطيه للآخرين لحمله بمعنى أنه كان يأمرهم بواجبات الأعمال ليتمموها. لكن سلمها لهم مغطاة ومحجوبة. أما الأكتاف فقد أظهرنا مرارًا بأنها في كثير من نصوص الكتاب المقدس، رمز الأعمال أيضًا من ضمن حفظ القوانين الكنسية، ألا يجب بأن يتممها الكل بدون أن يعلموا السبب. مثلاً وضع الركوع في الصلوات[4]، والاتجاه نحو الشرق بخلاف كل اتجاه آخر[5]. اعتقد بأنه ليس سهلاً، معرفة السبب بالعقل أيضًا بالنسبة لإدراك سر الافخارستيا، أو شرح الطقوس في تأدية هذا السر، أو طقوس سر المعمودية، مع مراسيمه ورموزه، والأسئلة والأجوبة الخاصة بها. من الذي يستطيع أن يشرح ذلك بدون صعوبة؟ لكن بينما نحن نحمل هذه الأثقال على أكتافنا مغطاة ومحجوبة، وعندما نتبع هذه الوصايا مثلما تسلمناها من الكاهن الأكبر وأولاده، إذن عندما نخضع لمثل هذه الأوامر بدون أن ندرك المعنى، فأننا نرفع على أكتافنا ونحمل السر الإلهي مغطى وملفوفًا إلا إذا وجد هارون أو أحد أبناء هارون، الذي له الحق في أن يراها عريانة ومكشوفة. وذلك غير مسموح لهم إلا بشرط أن يعرفوا واجبهم بأن يحجبوها ويغطوها، عندما يراد بأن تعطى للآخرين وتسلم لتتميم الأعمال.
أعمال الأعمال
2ـ بعد ذلك قيل للاويين بأنهم في الخدمة من بداية سن 25 سنة حتى خمسين سنة. “كل لاوى” يقول الكتاب المقدس “ الذي يتقدم لعمل الأعمال وللأعمال التي تجلب من خيمة الاجتماع والذي يعمل عمل الخدمة فيها” (عد4: 47).
تأمل هنا دقة الألفاظ في الكتاب الإلهي عندما تكون مسألة أعمال أولاد إسرائيل، أنه لا يقول عمل الأعمال، لكن الأعمال فحسب. عندما تكون خدمة اللاويين، أنه لا يقول الأعمال فقط، لكن أعمال الأعمال. كذلك أيضًا بجانب الأشياء المقدسة، يوجد “قدس الأقداس”، وبالمثل بجانب الأعمال يوجد “عمل الأعمال”، من هنا استخلص بأن موسى كان مدركًا بأنه توجد أعمال مرئية، لكن مليئة بمعنى سرى ومخفي عبر عنها ليس فقط بكلمة أعمال لكن “عمل الأعمال”، وتلك التي أدركها موسى بأنها عامة ومحدودة في الوقت الحاضر، قد دعاها ببساطة أعمال. إذًا يوجد “عمل الأعمال” بمعنى حسب رأيي كل التي كتبت سواء في النص الحاضر أو في سفر الخروج أو في أي كتب أخرى بموجب أسرار مختفية. والتي تتم جزئيًا في العهد الحاضر، وجزئيًا في العهد المستقبل. وفي غضون ذلك كما قلنا، عمل الأعمال ليست مخصصة لكل شخص لكن للاويين فقط.
العددان 25، 50
واللاويين أنفسهم لم يستدعوا لهذه الأعمال إلا من سن 25 سنة حتى خمسين. في العددين 25، 50 الرموز المقدسة ليست غائبة[6].
العدد 25 يعني كمال الخمس حواس بعملية ضرب 5× 5. هذا ما يثبت أن الإنسان الذي دعى لإنجاز عمل الأعمال في الأسرار هو الإنسان الكامل من كل نواحيه، بواسطة التعدد وطهارة الحواس. أما العدد 50 فإنه يتضمن رمزًا مقدسًا للعفو، والرحمة، وتوجد نصوص كثيرة عنه في الكتاب القدس أعطتنا مرارًا إثباتات عديدة عنه: فإنه في السنة الخمسين الذي تدعى عند العبرانيين “اليوبيل”، السنة التي يتم فيها إسقاط الملكية وحق الاستخدام، والديون كذلك اليوم الخمسون بعد الفصح قد أعطى كيوم عيد في الشريعة. كذلك عندما كان المسيح الرب في الإنجيل يعلم مثل العفو والرحمة، وضع في المثل مديونين الواحد مدين بخسمين والآخر بخمسمائة دينار. إذًا 50، 500 عددان نسبيان، حيث أن 50× 10 ـ 500 لكن هذا العدد هو مقدس لسبب آخر إذ السبع سبعات نضيف إليها كمال العدد واحد، سنحصل على خمسمائة. كذلك إذا أضفنا لسبعين سبعة كمال العدد عشرة سنحصل على خمسمائة، وإذا أردنا أيضًا أن نجمع أمثلة أكثر للسر المتضمن في العددين 50، 500 نجد في هذا الكتاب أيضًا أعدادًا بين يدينا البعض يقدم لله الـ 50 من الغنيمة، أي الذين لم يذهبوا للحرب، البعض يقدم خمس الخمسات، وليس بدون سبب هنا يوجد العددان 50، 500 وفي سفر التكوين عندما طرح الله موضوع المغفرة لسدوم، فرئيس الآباء إبراهيم، لإدراكه هذه الأسرار بدأ بعدد 50 متضرعًا لله لصالح سدوم وقال: “عسى أن يكون خمسون بارًا في المدينة ألا تصفح عن المدينة من أجل الخمسين بارًا الذين فيها؟” (تك18: 24).
الأحجبة
3ـ ولكن فلنعد لموضوعنا يجب على اللاويين أن يهتموا بالأشياء المقدسة حتى “سن الخمسين”. الذين في الدرجة الأقل يقومون بالأعمال، والأحسن يقومون “بعمل الأعمال”، بينما الذين هم أكثر سموًا فيجب عليهم أن يخدموا الأعمال الروحية، ويدخلوا “قدس الأقداس” (عد 4: 34)، هنا الأغطية التي يجب أن يغطي بها، وإعطاءه لأولاد قهات لحمله على أكتافهم وأخذه بأيديهم بينما الآخرون يرتبون كل واحد حسب رتبته. كما شرح كل هذا من قبل عدة مرات. ولكن لكي لا يسبب هذا الحذر الزائد للأغطية والاحجبة اليأس والحزن لدى السامعين سنحاول أن نكشف بعض النقاط التي نستطيع أن نعلنها بدون خطر والتي نستطيع أن نتأمل فيها بدون تجديف، لأننا قد دعينا مثلما قلنا من قبل: “ جنس مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب اقتناء” (1بط 2: 9).
أمتعة الخيمة:
القديسون
فلنفهم إذن أن خيمة الاجتماع هي مجموعة القديسين الذين يشملهم عهد الله. يوجد في هذه الخيمة شخصيات أكثر استحقاقًا وعلوًا في البر، بعضهم قد دعوا “منارة الضوء” هم بلا شك الرسل أنفسهم لأنهم يضيئون إلى الذين يقتربون إلى الله، ولكن آخرون أيضًا، في خيمة الله هذه يشيرون لكل الذين يدخلون نور المعرفة والحكمة، هؤلاء يحملون اسم المنارة الرمزي. وآخرون سيكونون “المائدة المقدسة” فهم كل الذين يمسكون خبز الله، الذي يجدد ويغذي النفوس “ الجائعة إلى البر” (مت 5: 6).
آخرون سيكونون “مذبح البخور” فهم كل الذين ينشغلون ليل نهار في هيكل الله في أصوام وصلوات، والذين لا يصلون لأنفسهم فقط بل أيضًا لأجل كل الشعب، الذين قد أوكل الله لهم هذه الأسرار قد سمّوا “تابوت العهد”. والذين في ثقة قوية، بواسطة تقدمة الصلوات وفي تقريب الابتهالات والتضرعات، يصالحون الله مع الناس ويتوسلون إلى الله لأجل عصيان الشعب فهؤلاء سيدعون “مذبح الذهب”. والذين قد استحقوا فيض العلم وكثرة ثروة معرفة الله يستطيعون أن يكونوا “شاروبيم” حيث إن الشاروبيم تترجم إلى لغة آخرى: غزارة المعرفة.
المحمولون بواسطة الملائكة :
لكن كل الذين قد قدموا بالرموز المتعددة أعلاه يجب أن يحملوا، ويحملوا على الأكتاف. لذلك فالملائكة ” الذين أرسلوا للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص” (عب1: 14)، هم في رأيي الحاملون لكل الذين قد ذكرناهم. حقًا عندما تطوي هذه الخيمة مرة أخرى، وعندما نبدأ الدخول هناك في القدس ونرحل نحو بلاد الموعد فالذين هم حقيقة قديسون يعيشون في قدس الأقداس وسيتقدمون موآزرين بواسطة الملائكة، وحتى تنصب خيمة الله مرة أخرى سيكونون محمولين على أكتاف الملائكة ومرفوعين على أيديهم.
وأمام هذه الصورة قال النبي بالروح: “ لأنه يوصى ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك، على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك” (مز91: 11ـ12).
الشيطان اعتقد بأنها يقصد بها المخلص، ولكن أعمته شراسته، فلم يفهم هذا الكلام السري لأن المخلص لم يكن في حاجة إلى الملائكة لكي لا تصدم بحجر رجله. الشيطان يجدف على الكتاب الإلهي بتطبيق هذه الكلمات على المخلص، أنه ليس لأجله، لكن لأجل جميع القديسين، قيل إن الله قد أعطى أمرًا لملائكته إكرامًا لشعبه لكي لا تصدم بحجر رجله. كل هذا المزمور ينطبق على الأبرار أكثر من انطباقه على المخلص. فالذي يحفظه الرب من ” الهلاك ومن شيطان الظهيرة” (مز91: 6)، ليس هو المخلص، هذه الفكرة بعيدة عنا، حاشا لله لأن كل إنسان مبرر، والأبرار هم الذين في حاجة إلى عون ملائكة الله، حتى لا تسحقهم الأبالسة، وحتى لا يحرق قلبهم “ السهم الذي يطير في الظلمات“.
يؤكد بولس بنفس السر بأن البعض يجب أن يكونوا محمولين من الملائكة على السحب ” لكن نحن الأحياء، الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء” (1تس4: 16). فالذين قد قبلوا تنقية عميقة وقد أصبحوا منخفضين من أثقال الخطية سوف يختطفوا بواسطة الملائكة، أما الذين مازالوا مثقلين ببعض بقايا النجاسة فسوف يحملون ركائز الخيمة والأروقة وكل الأشياء التي قد عددت بواسطة الكتاب المقدس فهل تحمل إذًا بواسطة اللاويين وليس بواسطة الإسرائيليين لسبب سبق أن أوضحناه بطريقة عابرة فقط، حتى نترك لأفكار السامعين الذي أوقدت فيهم الرغبة الحارة لكى يغتنوا باشتعال أنفسهم بنور العلم، وليكتشفوا الحقائق الكبيرة بنظرة خارقة. أما نحن فنطلب من الرب أن يجعلنا محمولين أو مرفوعين بواسطة أمثال هؤلاء الحمال، وأن نكون محفوظين من السهم الذي يطير في الظلمات ومن الهلاك ومن شيطان الظهيرة، حتى لا تصدم رجلنا بحجر “حتى نصل إلى مكان الموعد بنعمة ربنا يسوع المسيح”. الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين.
[1] بمعنى الذي ليس هو فقط “قديس” مكرس لله بنعمته لكن “كامل” الذي يكون منفصلاً كلية عن الروح العالمية والجسدانية، ومنشغل كلية في رؤية الله.
[2] تمييز بين العلم والأعمال، الكمال والأقل الأولون يعلمون السر، والآخرون لا يرون إلا مظهره وينفذون وصاياه بدون أن يفهموها.
[3] هذه الفكرة بأن موسى كان يعرف كل السر بالروح، هجرها علم اللاهوت المسيحي في العصور التالية. واعتبر موسى مجرد مفسر جزئي للسر بينما كشف السر بملئه للمسيحي الذي أخذ من المسيح مفتاح معرفة الأسرار.
[4] يجب ثنى الركب عندما يقر بخطاياه لله، طالبًا منه الشفاء والغفران، هذا الوضع هو رمز الإنسان الذي يخشع والذي يخضع. يجب أن نقر بأن هذه الرموز هي الأكثر بساطة في فهمها لكل مؤمن أما الوضع العادي للصلاة فكان وضع الوقوف.
[5] كذلك من الذي لا يعلم أن الشرق يعني صريحًا بأننا يجب عند الصلاة أن ننظر لهذه الناحية وهذا رمز لنفس ناظرة نحو الشرق أي نحو النور الحقيقي.
[6] يجب ربط هذه الخواطر حول الرقميين 25، 50 بتلك المتعلقة بالرقمين 5، 10 (عظة 22: 1؛ تكوين 16: 6).وعند فيلون الأسكندرى الرقم 50 هو رقم الحرية الكاملة. وهو يقول عنه “هو أقدس الأرقام” (الحياة التأملية 8: 65)، واكلميندس الأسكندرى يقدم تفسيرًا مماثلاً لتفسير أوريجينوس “العدد 50 هو رمز للرجاء والغفران في يوم الخمسين” (المتنوعات 6: 87).