Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تنظيم المحلة ع2 – سفر العدد للعلامة أوريجينوس

تنظيم المحلة ع2 – سفر العدد للعلامة أوريجينوس

تنظيم المحلة ع2 – سفر العدد للعلامة أوريجينوس

 

 

العظة الثانية

تنظيم المحلة

 

         1ـ تعلمنا من الدرس الأول للعدد أن جيش الله، بعد خروجه من مصر وسفره وسط الصحراء، قد فحص، بمعنى أنه أحصى وعد من قبل موسى وهارون ووزع بين الأسباط، وهذا الجيش كان مقدرًا بعدد معين، وقلنا عندما شرحنا هذا التعداد بالنسبة لمشمول الكتاب، بأنه يصف الطريقة التي بها ذهب شعب الله خارجًا من هذا العالم نحو أرض الميعاد، أي نحو أرض السلاطين. أو نحو مجد ملكوت السموات ونحو حيازته، لقد كان منقادًا حسب بعض التصنيف وحسب درجة الاستحقاق لكل واحد ويوضح ذلك بمراسيم الشريعة وتخطيط “ظل” لمعاني ” الخيرات العتيدة” (عب10: 1).

 

الترتيب بموجب موسى وبولس الرسول

         اليوم يعلمنا الدرس الذي قُرئ بأية طريقة قد نصب خدام الله ترتيب المحلة بواسطة الذين ” لا يختلطون بأمور العالم”. وكلم الرب موسى وهارون قائلاً بأن يجلس بنو إسرائيل في المحلة كل واحد على حسب رتبته، وبحسب رايته، وعلى حسب بيوت آبائهم، وبأن بني إسرائيل “يجلسون قبالة خيمة الاجتماع وحولها”، وبأن كل رجل يتقدم في المحلة على حسب رايته وعلى حسب بيت آبائه” (انظر عد 2: 1ـ 2).

         قال بولس الرسول من ناحيته “وليكن كل شئ بلياقة وبحسب ترتيب” (1كو14: 40). ألا يبدو بأنه هو نفس روح الله الذي تكلم به موسى؟ وتكلم به بولس الرسول، موسى أمر بأن يسيروا بترتيب في المحلة، وبولس يعطي التعليم لكل شئ بحسب ترتيب في الكنيسة. موسى الذي كان يخدم الناموس يأمر بأن يحفظ الترتيب في المحلة، بولس الرسول خادم الإنجيل يريد أن يحترم المسيحي الترتيب ليس فقط في أعماله بل وأيضًا في ملابسه. قال أيضًا “ كذلك النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة” (1تي2: 9)، وأختم بأنهما لا يريدان فقط بأن يحفظ الترتيب في تتميم الواجبات وفي الملبس، بل يعنيان أنه يوجد أيضًا ترتيب للنفس، وعلى هذا الترتيب ينطبق النص، كل واحد يتقدم بحسب رتبته.

         هذه الرتبة تعرف خاصة بثمارها، بالأعمال إلاَّ أننا نعرفها أيضًا بعظمة الأفكار حيث إنه كثيرًا ما يحدث بأن شخصًا ما ليس عنده إلا أفكار دنيئة ووضيعة ويتلذذ بالماديات الأرضية، ويصل بحيلة لرتب مرتفعة في الكهنوت أو في منبر المعلمين، وأن شخصًا آخر روحانيًا متحررًا من الانشغالات الأرضية ويستطيع أن يفحص كل شئ “ ولا يحكم فيه من أحد” (كو2: 15)، يشغل أقل رتبة في الكهنوت أو يكون معدودًا مع عامة الشعب، وهذا في نفس الوقت هو احتقار لتعاليم الناموس وتعاليم الإنجيل، ولا يكون هذا العمل بحسب ترتيب.

         ونحن أيضًا إذا كنا منزعجين ومهتمين بالمأكل والمشرب ولا ننشغل إلا بمنافع هذا العالم، إذا كنا لا نعطي لله إلا ساعة أو ساعتين كل يوم في الذهاب إلى الكنيسة للصلاة أو لسماع كلمة من كلام الله إذن نحن نعمل على الأخص لإشباع احتياجاتنا العالمية، ولإرضاء احتياجات المعدة. وبذلك لا نتمم التعليم الذي يقول “يسير كل واحد على حسب رتبته”، أو التعليم الذي يقول ” وليكن كل شئ بلياقة وبحسب ترتيب“. فالترتيب الذي وضعه الرب المسيح هو أن ” نطلب أولاً ملكوت الله وبره” (مت6: 33)، وأن نؤمن بأن ” كل هذه سيزيدها الله لنا”، وإن كل إنسان “يسير حسب رتبته”.

         أتعتقد بأن الذين لهم لقب قسوس، الذين يفتخرون بانتسابهم لرتبة الكهنوت، يسيرون على حسب رتبتهم ويعملون كل ما يصلح لرتبتهم؟ على هذا النمط أتعتقد بأن الشمامسة يسيرون على حسب رتبة الشماسية لخدمتهم؟ إذن من أين يأتي ما نسمعه أحيانًا من أناس مجدفين يقولون أنظر هذا الأسقف. هذا القسيس. هذا الشماس؟ ألا يقال كل هذا عندما نشاهد الكاهن أو خادم الله يقصر في واجبات رتبته ويخالف الرتبة الكهنوتية ورتبة اللاويين؟

         ماذا سأقول عن العذارى، وعن النساك، أو عن كل الذين يقومون بخدمة دينية؟ إذا قصروا من جهة الحشمة والاحتشام، والرزانة، ألم يتهمهم موسى في الحال ويقول لهم “ بأن كل رجل يسير على حسب رايته” (عدد2:2)، إذن كل واحد يعرف رايته، بأن يفهم ما يلزم للرتبة التي يشغلها بأن يزن أعماله، وينظم أيضًا كلماته وتصرفاته وأيضًا ملابسه لكي تتفق مع مقتضيات الرتبة التي انتسب إليها، حتى لا نسمع قول الله الذي يقول ” أسمى يجدف عليه بين الأمم بسببكم” (مز36: 20ـ 23).

 

العلامات، درجات الاستحقاق

         2 ـ انظروا من وجهة أخرى ما تعنيه “وعلى حسب رايتة” ومن رأيي أن الرايات هي العلامات التي يتميز بها كل فرد من الأفراد، مثلاً كل الرجال يتشابهون لكن توجد علامة خاصة مميزة لكل واحد، وفي تقاطيع وجهه، في القوام، في الهيئة، في الملبس، وهذه المميزات هي التي تميز بولس عن بطرس. أحيانًا أيضًا ليس من الضروري أن يظهر المرء نفسه لكي نرى العلامة المميزة له. فمن صوته، من نبرات حنجرته، يُعرف الشخص، وكل واحد يُعرف بعلامة خاصة. خارجًا عن كل رؤية جسدية بنفس الطريقة أعتقد أنه توجد في النفوس علامات مختلفة.

         إحداها: عندها حركات عذبة لذيذة جدًا، ساكنة، هادئة، متساوية. الثانية لها علامات منزعجة، فخورة، خشنة أكثر شدة، أكثر غضبًا. الواحدة يقظة، حكيمة بصيرة واعية، نشطة؛ والأخرى كسولة مسترخية، مهملة، غافلة. والبعض يكون لهم علامات أكثر والآخرون يكونون أقل. ويمكنني التأكيد أنه ربما يوجد اختلاف بين النفوس البشرية كما يوجد اختلاف بين الوجوه مثلما يبينه هذا القول، الذي خطر ببالي من سليمان الحكيم: “ كما الوجوه تختلف عن الآخر كذلك قلوب الناس تختلف” (أم27: 19س).

         ” كل واحد” كما يقول موسى ” يسير على حسب رايته” بمعنى أن الذي له علامات سفلية ودنيئة يسير بأكثر فجر أو أكثر غطرسة والتي لا تناسب علامات روحه. لكي نوضح أيضًا هذا الاختلاف للعلامات، سنضيف هذه المقارنة. كل الذين قد تعلموا القراءة والكتابة يعرفون جيدًا 24 حرفًا، إذًا درسوا أصول الكتابة باليونانية و 23 حرفًا إذا درسوها باللاتينية. أنهم يستخدمون في الكتابة كل ما لديهم للكتابة. ومع هذا فالألفا A في كتابة بطرس تختلف عن الألفا في كتابة بولس. وكذلك سنجد بأن كل رجل يعرف الكتابة له علامات خاصة به في الكتابة لكي ينسخ كل حرف من حروف الهجاء. أيضًا نستطيع التعرف على بعض العلامات وعلى بعض الإشارات لليد التي كتبت حرف الهجاء. فالحرف B واحد، ولكن في تشابه الحروف يسجل اختلاف العلامات.

         لو ظهر لك المثال واضحًا فأنه يمر خلال تحركات العقل ونفوس الذين يكونون وسائل الأعمال، انظر ” الصك المكتوب علينا” (كو2: 14)، وانظر مثلاً كيف أن روح بولس تميل نحو الطهارة، وروح بطرس كذلك. لكن طهارة بولس لها مميزات خاصة به وطهارة بطرس لها مميزات أخرى، حتى لو ظهرت أنها نفس الطهارة وطهارة الواحد تلزم إقماع الجسد “وتستعبده” وقال أيضًا “خوفًا من”[1] فطهارة الآخر لا تخشى ما معناه “خوفًا من” (1كو9: 27).

         كذلك البر له بعض من الخواص لبولس ولبطرس. كذلك الحكمة وكل الفضائل، إذن حتى عند الذين قد ذكرناهم كمثال. توجد اختلافات شخصية مع أن الفضائل هي واحدة من قبل روح الله. فكل الرجال الآخرين لهم علامات خاصة بهم في شعورهم وفضائلهم، هذا لأن موسى كان ينظر ذلك بطريقة رمزية فكتب في الشريعة “ بأن كل واحد يسير في المحلة على حسب رايته” (عدد2:2).

         لكن يمكن أن يحدث بواسطة الأعمال الحسنة والغيرة أن نعبر من العلامات السفلى إلى العلامات العليا والأكثر عظمة. والواقع إذا فهمنا جيدًا إن كل محتويات الشريعة هي “ ظل الخيرات العتيدة” (عب10: 1)، أي الزمن الذي نترجي فيه حدوث القيامة، وحينئذ تكون لدينا الثقة، خاصة وإذ نحن في الحياة الحاضرة، نشتاق إلى خيرات أفضل بحسب مثال الرسول الذي قال “ ننسى ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدام” (في3: 13). لكي يمكننا في وقت قيامة الأموات، الذي سيكون فيه اختلاف بين استحقاقات الناس كما ” أن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد” (1كو15: 41)، أن ننتقل من العلامات السفلى إلى العلامات العليا والأكثر مجدًا حتى نتساوى مع الكواكب الأكثر بريقًا. فالطبيعة البشرية يمكن أن تنمو في الحياة حتى نتساوى عند القيامة من الأموات، ليس فقط بمجد النجوم، لكن أيضًا ببهاء الشمس. حيث أنه كتب “حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت الله” (مت 13: 43)، من هنا يأتي أيضًا الذين كانوا في درجات سفلى الذي يقول عنهم موسى “ بحسب رايته بحسب بيت آبائه” (عدد2:2).

 

العائلات والأبوة

         أما بالنسبة للكلمة ” بحسب بيت آبائه“، نفس الكلمة قد استعملت باليونانية في النص الذي فيه قال الرسول “ بسبب هذا أحنى ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح الذي منه تسمى كل عشيرة (أو أبوة) في السموات وعلى الأرض” (أف3: 14ـ15)، الذي يسميه بولس الرسول أبوه يسميه المترجم اللاتيني عائله، لكن الكلمة هي نفسها باليونانية هذه الأبوة (العائلات) التي قد أشار إليها بولس الرسول في السموات. بينما موسى يشير إليها على الأرض. تحت رموز الشريعة؛ أنه ينصحنا بأن نسير بحسب هذه العائلات حتى نستطيع أن نكون منضمين للأبوة السماوية. يوجد حقًا، كما أعلن بولس الرسول آنفًا، أبوة أو عائلات في السماء بينما يمكن أن نجد الأبوة في نص آخر ما يسميه بولس الرسول “ كنيسة أبكار مكتوبين في السموات” (عب12: 23)، سنكون فيها إذا سرنا بحسب الترتيب، وإذا عملنا كل شئ بلياقة وبحسب ترتيب؛ إن لم يوجد فينا أي شئ مشوش، أي شئ قلق، أي شئ من العار. إذًا ” سيضيئون كضياء السماء” ونحن سنضئ مثل النجوم ومثل الشمس أيضًا” (دا 12: 3)، في ملكوت الله بفضل المسيح ربنا الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين.

 

 

[1] أقمع جسدي واستعبده خوفًا من بعد أن أكرز للآخرين أكون أنا مرفوضًا.

 

تنظيم المحلة ع2 – سفر العدد للعلامة أوريجينوس

Exit mobile version