الظهور الإلهى في معمودية المسيح – ق. يوحنا ذهبى الفم – د. سعيد حكيم
الظهور الإلهى في معمودية المسيح - ق. يوحنا ذهبى الفم - د. سعيد حكيم
الظهور الإلهى في معمودية المسيح – ق. يوحنا ذهبى الفم – د. سعيد حكيم
الظهور الإلهى (الإبيفانيا) معمودية المسيح
اليوم تفرحون جميعكم وأنا وحدى أشعر بالحزن، لأنى عندما أنظر نحو العطاء الروحى والغنى غير المحدود الذى للكنيسة، ثم أفكر فى أن هذا الجمع ـ بعد انتهاء هذا العيد ـ سيترك الكنيسة مرة أخرى ويختفى، تتألم نفسى جدًا وتتوجع. فعلى الرغم من أن الكنيسة قد وَلدت أبناءً كثيرين لا تستطيع أن تستمتع بهم إلاّ عندما يأتى عيد أو احتفال.
كم سيكون الابتهاج الروحى، كم سيكون الفرح، كم سيكون المجد الإلهى، وكم ستكون استفادة النفوس لو أنه فى كل اجتماع امتلأت جوانب الكنيسة بكل أولادها ؟!
إن كل من البحارة وقادة السفن يصنعون كل ما فى وسعهم لكى يجتازوا عرض البحر ويصلوا بالسفينة إلى بر الأمان ، بينما نحاول نحن وبكل الطرق خلال مسيرة حياتنا أن نزيد من متاعبنا ، غارقين باستمرار فى أمور هذا العالم متجولين داخل أروقة الأسواق والمحاكم فى حين أننا لا نتقابل فى الكنيسة سوى مرة أو مرتين طول العام.
ألا تجهلون أنه كما توجد الموانى على سواحل البحار، هكذا أقام الله الكنائس فى المدن ، حتى عندما نلجأ إليها نهدأ من ضجيج المدن ونتمتع بهدوء وسلام داخلى لا يُحد .
لأنه هنا داخل الكنيسة لا يوجد خوف ، لا من تضارب أمواج، ولا من هجوم لصوص، ولا من حملات مجرمين، ولا من هبوب رياح، ولا من هجمات وحوش، لأن الكنيسة هى ميناء مُحصن من كل هذه الأشياء ، فهى الميناء الروحى للنفوس.
هذه الأمور، التى أتحدث عنها، أنتم شهود لها. فلو أن شخص ما تطلع داخل ضميركم سيجد فيه هدوء وسلام عظيم حيث لا غضب يجعله يتضايق ولا شهوة تشتعل ولا فساد يجعله يفنى ولا افتخار يجعله ينتفخ ولا عشق للمجد الباطل يجعله يفسد، لكن هذه الأمور الوحشية قد أُخضعت، لأن سماع الكتب الإلهية هى بالضبط مثل لحن إلهى يسرى داخل النفس ويميت هذه الشهوات الحيوانية. وإذ توجد الإمكانية أن نتمتع بحياة تقوية فائقة فإن كثيرًا من صور البؤس والتعاسة ستختفى. ألاّ يجب إذن أن نأتى جميعًا وباستمرار نحو أمنا كلنا وأعنى الكنيسة ؟! لأن أى شركة ستكون أكثر أهمية من شركة الكنيسة ؟ وأى معاشرة ستكون أكثر نفعًا من معاشرة الكنيسة ؟ وما هى معوقات لقاءنا فى الكنيسة؟ ستقول لى إن الفقر قد صار لى عائق عن هذا اللقاء الرائع ، ولكن هذا مبرر غير صحيح.
أيام الأسبوع هى سبعة أيام، هذه الأيام السبعة قد قسّمها الله معنا ولم يعط لنفسه أيام أكثر ولنا أيام أقل، أو بمعنى أفضل لم يقسمها ولا حتى مناصفةً ، بمعنى أنه لم يحتفظ لنفسه بثلاثة أيام وأعطانا ثلاثة أيام. لكنه أعطى لك ستة أيام ولنفسه ترك يومًا واحدًا. وأنت لا تقبل فى هذا اليوم أن تتحرر من أمور هذا العالم. فهذا الذى يصنعه أولئك الذين يسرقون الأشياء المقدسة، هذا الأمر نفسه تتجرأ وتفعله أنت أيضًا فى هذا اليوم، فبينما هذا اليوم مقدس ومخصص لسماع الأقوال الروحية، تسرقه وتستخدمه للاهتمامات العالمية، ولماذا أقول إن اليوم كله (يوم الرب)؟ لأن هذا الذى فعلته الأرملة صاحبة الفلسين، يجب أن تفعله أنت أيضًا فى يوم الرب. إذ أنه كما أعطت المرأة الفلسين وحصلت على نعمة عظيمة من الله، هكذا أنت أيضًا اقرض الله ساعتين ووقتها ستقدم لبيتك ربحًا يدوم أيام كثيرة . لكن إذا كنت لا تقبل أن تصنع هذا وأنت تسعى لتحقيق مكسب أرضى، ففكر إنك ربما برفضك التنازل عن جزء صغير من ساعات اليوم أنك تخسر تعب سنين بأكملها، فحين يصير الله هلى هامش حياتك فإنه يعرف كيف يجعل الأموال التى جمعتها تزول، وهذا ما قاله لليهود مهددًا إياهم إذ أنهم أظهروا عدم اهتمام برعاية الهيكل: ” انتظرتم كثيرًا وإذا هو قليل ولما أدخلتموه البيت نفخت عليه لماذا يقول رب الجنود” (حجى9:1).
أخبرنى إذن لو أن مجيئك إلى الكنيسة هو لمرة أو مرتين فى العام ماذا أستطيع أن أعلّمك من الأمور الضرورية ؟ أى الأمور الخاصة بالنفس ، بالجسد، بالأبدية، بطول أناة الله، بالمسامحة، بالتوبة، بالمعمودية، بغفران الخطايا، بخلق السموات والعالم والأرض، بطبيعة البشر، بطبيعة الملائكة، بمحاربات الشياطين وحيَلهم ، بطرق المعيشة، بعقائد الإيمان، بالإيمان المستقيم، وبالهرطقات الفاسدة ؟!
هذه الأمور وأكثر منها يجب أن يعرفها الإنسان المسيحى ويعطى عنها إجابات لمن يسألونه. لكن لا يمكنكم أن تتعلموا ولو جزء صغير من هذه الموضوعات، لو كان حضوركم مرة واحدة إلى الكنيسة، كأمر على سبيل العادة وبدون أى اهتمام. وتأتون بسبب الاحتفال بالعيد وليس بدافع من نفس تقية. لأنه سيكون أمر مفرح جدًا لو أن المرء استطاع بقدومه إلى الكنيسة لحضور الاجتماعات أن يعرف هذه الأمور بالتدقيق .
إن كثيرين من الحاضرين معنا فى الكنيسة عندما يفكرون فى تسليم الأبناء والعبيد لمعلمى الفنون الذين يعدونهم لهذه المهارات ويجهزون لهم مكانًا للإقامة والطعام وكل الأمور الأخرى بعيدًا عن منازلهم لتحقيق هذا الهدف. فإن سكنى هؤلاء الأبناء والعبيد مع معلميهم وإقامتهم المستمرة معهم وعدم السماح لهم بالتردد على المنزل يحقق إلمامًا أكثر فى التعلم، دون أن يعطل مسيرة هذا التعليم أى اهتمام آخر.
لكن الآن الأمر يتعلق بتعلّم فن ليس بالفن العادى ولكن بفن أرقى وأرفع من كل الفنون الأخرى أى الفن الخاص بكيفية أن تكونوا مقبولين أمام الله، وأن تنالوا الخيرات السماوية.
هل تظنون أنكم تستطيعون أن تحصلوا على هذه الخيرات وأنتم قادمون إلى الكنيسة بلا مبالاة ؟ ألاّ يُعد هذا الأمر حماقة ؟ لأن هذا التعليم يحتاج إلى حرص وتركيز كبير، اسمعوا ماذا يقول السيد المسيح: “ احملوا نيرى عليكم لأن وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم ” (مت29:11). وأيضًا يقول النبى : “ هلموا أيها البنون استمعوا إليه فأعلمكم مخافة الرب ” (مز11:34)، وأيضًا يقول: ” كفوا واعلموا إنى أنا الله أتعالى بين الأمم أتعالى فى الأرض ” (مز10:46). وهكذا فإن الذى ينوى أن يتمتع بالحكمة يحتاج إلى تعليم كثير.
تعالوا بنا نتحدث عن موضوع احتفال اليوم لأن كثيرين يحتفلون ويعرفون أسماء الأعياد ولكنهم يجهلون الأسباب التى من أجلها صارت هذه الأعياد. إن احتفال اليوم يُسمى ” إبيفانيا ” (الظهور) وهو معروف للجميع، لكن هذه الإبيفانيا هل هى واحدة أم اثنين ـ هذا لا يعرفونه ـ الأمر الذى يمثل خجلاً كبيرًا ويستحق كثيرًا من اللوم، فبينما كل عام يحتفلون بهذا العيد فهم يجهلون أمره.
شئ هام إذن أن أقول لمحبتكم إن الأمر لا يتعلق بظهور واحد ولكن بظهورين، واحد هو الذى حدث فى مثل هذا اليوم والثانى سيصير فى المستقبل وسيحدث بطريقة مجيدة فى المجيء الثانى. اسمعوا ماذا يقول بولس عن كل ظهور من الاثنين وهو يكتب لتيطس بشأن احتفال اليوم (أى المعمودية) ” لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى فى العالم الحاضر ” وللظهور الثانى فى المجئ الثانى يكتب “ منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح ” (تى11:2ـ 13). وأيضًا يقول النبى عن هذا الظهور الثانى ” تتحول الشمس لظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجئ يوم الرب العظيم المخوف ” (يوئيل13:2) .
لكن لأى سبب سُمى إبيفانيا ؟ بسبب أنه اليوم الذى فيه قدَّس طبيعة المياه، لذلك فى مساء يوم هذا العيد يُحضر الجميع المياه ويضعونها داخل البيت محتفظين بها طول العام[1]، لأن اليوم تقدست المياه ومعجزة تقديس هذه المياه تتضح من أن طبيعة هذه المياه المقدسة لا تتغير طوال العام. ومرات كثيرة بعد سنتين أو ثلاث سنوات يبقى نظيفًا ونقيًا على الرغم من مرور كل هذا الزمن.
لكن لأى سبب سُمى إبيفانيا ؟ بسبب أن المسيح صار معروفًا للجميع عندما تعمد لأنه حتى ذلك اليوم كان غير معروف من كثيرين . اسمع ماذا يقول يوحنا المعمدان ” فى وسطكم قائم الذى لستم تعرفونه ” (يو26:1) . ولماذا يستحق هذا الأمر التقدير والاهتمام ؟ لأن الآخرين كانوا يجهلونه وفى ذات الوقت كان يوحنا المعمدان نفسه لا يعرفه حتى ذلك اليوم ، لأنه قال ” وأنا لم أكن أعرفه لكن الذى أرسلنى لأعمد بالماء ذاك قال لى الذى ترى الروح نازلاً عليه ومستقرًا عليه فهذا هو الذى يعمد بالروح القدس ” (يو33:1).
ويوجد أمر هام أيضًا وهو أن نوضح لأى سبب أتى المسيح ليعتمد، وما هو نوع معموديته ؟
كانت توجد المعمودية اليهودية والتى كانت معنية بنظافة الجسد فقط وليس بخطايا الضمير فلو أن شخص ارتكب خطية الزنا أو تجرأ أن يسرق أو ارتكب مخالفة أخرى فإن هذه المعمودية لم تكن تخلصه من هذه الخطايا، لكن لو أن شخصًا لمس عظام أموات أو تناول أطعمة محرمة أو عاد من دفن ميت أو اقترب من أموات ، كان يغتسل ويبقى دنسًا حتى المساء وبعد ذلك يتطهر لأنه يقول ” ومن مس فراشه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسًا إلى المساء ” (لا5:15) . وبعد ذلك يتطهر لأنه فى الحقيقة هذه الأمور لم تكن نجسة لكنها فقط كانت غير مكتملة روحيًا . وبهذه الممارسات جعلهم الله أنقياء وأعدهم لتلك اللحظة لكى يكونوا أكثر استعدادًا وفى صورة أفضل لفهم الأمور الأكثر سموًا .
إذن فالمعمودية اليهودية لم تكن تخلّص من الخطايا ولكن فقط كانت معنية بالتطهير من النجاسة الجسدية ، بينما معموديتنا ليست هكذا بل هى أفضل وأعلى وأسمى ومملوءة بنعمة عظيمة وهى تخلص من الخطايا وتمسح النفس وتمنح الروح القدس. ثم كانت هناك معمودية يوحنا التى هى بالتأكيد أفضل من المعمودية اليهودية، ولكنها أيضًا كانت أقل من معموديتنا، فهى بطريقة ما تمثل جسرًا بين المعموديتين لأن يوحنا لم يقود الشعب نحو حفظ التطهيرات الجسدية لكنه وعظهم ونصحهم أن يبتعدوا عن هذه الأمور وعن الخطية ويعودوا للفضيلة وأن يعتمدوا وهم يترجوا خلاصهم بالأعمال الحسنة وليس بنظافة الماء ومعموديات أخرى. لأنه لم يقل اغسل ملابسك واغسل جسدك وستصير نظيفًا ولكنه قال ” اصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة” (مت8:3) .
أما من جهة أن معمودية يوحنا هى أفضل من المعمودية اليهودية وأقل من معموديتنا نحن فهذا راجع إلى أن معمودية يوحنا لا تمنح الروح القدس ولا تهب غفران الخطايا الذى يعطى بالنعمة الإلهية لأن يوحنا يكرز بالتوبة فقط ولا يملك سلطان الغفران. ولهذا السبب قال ” أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذى يأتى بعدى هو أقوى منى هو سيعمدكم بالروح ونار” (مت11:3) . وماذا يعنى بالروح القدس ونار ؟ تذكروا أرجوكم يوم الخمسين حيث ظهرت ألسنة من نار أمام الرسل وحلت على كل واحد منهم .
أما أن معمودية يوحنا لم تكن تملك منح الروح القدس ولا غفران الخطايا فهذا واضح من الآتى :
عندما تقابل بولس مع بعض التلاميذ سألهم ” هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم قالوا له ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس فقال لهم فبماذا اعتمدتم فقالوا بمعمودية يوحنا فقال بولس إن يوحنا عمّد بمعمودية التوبة ” (أع2:19ـ4) .
إذن فهى معمودية توبة وليست معمودية غفران . لكن لأى هدف كان يوحنا يُعمد ؟ قال للشعب أن يؤمنوا بالذى يأتى بعده أى بالمسيح يسوع أما التلاميذ فلما سمعوا من بولس اعتمدوا باسم الرب يسوع ولما وضع يديه عليهم حل الروح القدس عليهم (أع4:19ـ6) .
أرأيتم كيف كانت معمودية يوحنا ناقصة وإلا لما عمّدهم بولس أو وضع يديه عليهم. ولكنه الآن إذ قد صنع هذين الأمرين فقد أظهر امتياز المعمودية الرسولية وأن معمودية يوحنا كانت أقل بكثير من معموديتنا.
الآن يجب أن نشرح لماذا تعمَّد المسيح وبأى معمودية تعمد، لا بالمعمودية اليهودية ولا بمعموديتنا التى صارت فيما بعد حيث إنه غير محتاج لغفران الخطايا. إذ كان بلا خطية، لأن الكتاب يقول “الذى لم يفعل خطية ولا يوجد فى فمه غش” (1بط22:2). وأيضًا ” من منكم يبكتنى على خطية ” (يو46:8). كما أن جسده لم يكن يخلو من الروح . لأنه كيف يكون هذا ممكنًا والجسد قد حُبِلَ به من الروح القدس ؟ إذن طالما أن هذا الجسد لم يخلو من الروح القدس وكان بلا خطية فلأى سبب تعمد ؟ بداية يجب أن نعرف بأى معمودية قد تعمد ؟ ووقتها سيصبح هذا الأمر مفهومًا.
معمودية المسيح إذن، لم تكن المعمودية اليهودية ولا المعمودية التى نمارسها الآن، لكن كانت معمودية يوحنا. لماذا ؟ بهدف أن نتعلم من طبيعة هذه المعمودية أنه لم يُعمَّد من يوحنا من أجل غفران الخطايا ولا لأنه فى احتياج لعطية الروح القدس (مثلنا). ولكى لا يظن أحد ممن كانوا حاضرين عند نهر الأردن أنه ذاهب إلى هناك لطلب التوبة كما يذهب الآخرون، فإننا نجد يوحنا الذى قال للآخرين: ” اصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة“(مت8:3). يقول للمسيح ” أنا احتاج أن اعتمد منك وأنت تأتى إلىَّ ” (مت 14:3) .
قال هذا لكى يوضح أن يسوع لم يذهب إليه لنفس السبب الذى من أجله يذهب الآخرين وأنه غير محتاج بالمرة لأن يعتمد لهذا السبب، فهو أعظم من المعمدان نفسه بشكل فائق وأنقى منه بما لا يُقارن .
لأى سبب تعمّد إذن طالما أن هذا لم يحدث لطلب التوبة أو لغفران الخطايا أو لمنح الروح القدس ؟ حدث لسببين آخرين الأول هو الذى أورده التلميذ (يوحنا المعمدان) والثانى هو ما قاله يسوع ليوحنا .
ماذا يقول يوحنا عن سبب هذه المعمودية ؟ لكى يعلم الكثيرين كما قال بولس ” إن يوحنا عمّد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذى يأتى بعده ” (أع4:19) هذه كانت أهمية المعمودية . لأنه لكى يذهب إلى منزل كل أحد ومعه المسيح ويقترب من الأبواب ويدعوهم خارجًا ويقول لهم أن هذا هو ابن الله، هذا الوضع سيجعل هذه الشهادة أمرًا مشكوكًا فيه وسيكون أمرًا صعبًا جدًا. أيضًا أن يأخذه معه إلى المجمع ويشير إليه بنفس الطريقة أنه هو ابن الله سيكون هذا الأمر موضع شك. لكن أن يأتى المسيح نحو يوحنا بهدف أن يعتمد فى نفس اللحظة التىاجتمع فيها كل الناس من كل مدينة نحو نهر الأردن وبقوا على شاطئى النهر وهناك يقبل الشهادة السمائية التى صارت بفم الآب وبحلول الروح القدس على شكل حمامة هذا جعل الشهادة التى أعطاها يوحنا أمرًا غير مشكوك فيه. ولهذا قال “وأنا أيضًا لم أكن أعرفه ” جاعلاً لشهادته مصداقية أكثر. ولأنه كانت بينهما صلة قرابة حسب الجسد ” هوذا أليصابات نسيبتك هى أيضًا حبلى بابن فى شيخوختها ” (لو36:1). ولأنهما كانا أقارب ولكى لا يظهر أن يوحنا يعطى الشهادة للمسيح بسبب صلة القرابة رتبت نعمة الروح القدس أن يقضى يوحنا كل سنوات حياته السابقة بالصحراء لكى لا يظهر أن شهادته التى أعطاها للمسيح كانت بسبب صداقة أو شئ شبه ذلك ولكن كما تعلم هذا من الله هكذا فعل بأن جعله معروفًا للناس ولذلك قال ـ وأنا لم أكن أعرفه ـ ومن أين عرفه هو أيضًا ؟ يقول ” لكن الذى أرسلنى لأعمد بالماء ذاك قال لى الذى ترى الروح نازلاً ومستقرًا عليه فهذا هو الذى يعمد بالروح القدس ” (يو33:1) .
وهكذا ترون أن لهذا حل الروح القدس . وهذا لا يعنى أن حلوله كان لأول مرة ولكن لكى يُظهِر المسيا الذى بشَّر به جاعلاً إياه معروفًا من الجميع كما تشير باصبع ، بحلوله على هيئة حمامة . ولهذا أتى ليعتمد وأيضًا لسبب آخر أورده هو نفسه عندما قال ” أنا أحتاج أن أعتمد منك وأنت تأتى إلىَّ أجاب سوع وقال : اسمح الآن لأنه ينبغى لنا أن نكمل كل بر ” (مت14:3ـ15) .
أرأيت العبد الصالح ؟ أرأيت الرب المتواضع ؟ ماذا يعنى أن نكمل كل بر، إن حفظ الوصايا يُدعى بر تمامًا مثلما يقول الكتاب ” وكانا كلاهما بارين أمام الله سالكين فى جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم ” (لو6:1) ولأنه كان يجب على جميع الناس أن يتمموا هذه الوصايا ولأنه لم يستطع أحد أن يحقق هذه الوصايا فى كمالها ، لهذا أتى المسيح وأكمل تحقيق هذه الوصايا . وأى وصية نفذها بالمعمودية أن يخضع للنبى كانت وصية . تمامًا كما أختتن وقدم ذبيحة وحفظ السبوت وشارك فى أعياد يهودية هكذا أكمل ما تبقى وخضع للنبى الذى كان يعمد ولأن هذه كانت إرادة الله أن يعتمد الجميع ، اسمع ماذا يقول يوحنا ” الذى أرسلنى لأعمد بالماء ” (يو33:1) . وأيضًا يقول المسيح ” وجميع الشعب إذ سمعوا والعشارون برروا الله معتمدين بمعمودية يوحنا وأما الفريسيون والناموسيون فرفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم غير معتمدين منه ” (لو29:7ـ30) .
إذن لو أن هذا يشكل وصية فى أن يخضع الإنسان لله ، فإن الله أرسل يوحنا لكى يعمد الشعب وأيضًا فإن المسيح أتم هذه الوصية (المعمودية) مع كل الوصايا والفرائض القانونية الأخرى. أى أنه افترض أن وصايا الناموس كانت توصى بدفع مائتى دينار. هذا الدين كان يجب أن يدفعه جنسنا الإنسانى ولم يدفعه وكنا تحت حكم الموت لأننا كنا مسئولين عن كل هذا الدين . عندما أتى المسيح ووجدنا تحت حكم الموت أسقط هذا الإلتزام ودفع عنا الدين وحرر هؤلاء الذين لم يكن لديهم أن يدفعوا . ولهذا لم يقل يجب أن تصنعوا هذه وتلك ولكن قال : أن نكمل كل بر (مت15:3) أنا السيد الذى يملك هكذا يقول الرب ويجب أن أدفع عن هؤلاء الذين لا يملكون .
هذا هو سبب المعمودية لكى يظهر أنه يحفظ كل وصايا الناموس . ولهذا فإن الروح نزل على هيئة حمامة . لأنه فى كل مرة يصير تصالح مع الله تظهر حمامة . ففى حادثة فلك نوح أتت حمامة ماسكة غصن زيتون مُعلنًة محبة الله للبشر والخلاص من الطوفان ، والآن يظهر الروح على هيئة حمامة وليس جسد حمامة، هذه الأمور يجب أن نعرفها جيدًا، وفى نفس الوقت فإن الإنسان الروحى يجب ألاّ يكون ملومًا وأن يكون نقيًا وحسن النية تمامًا كما يقول المسيح “إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات ” (مت3:18). فى قصة الفلك عندما توقف الطوفان استقر على الأرض ، بينما هذا الفلك (جسد المسيح) عندما هدأ الغضب الإلهى صعد إلى السماء وهو الآن يوجد عن يمين الآب . ولأننى تذكرت الجسد السيدى أرى أنه من الضرورى أن أكلمكم كلام قليل عن هذا الأمر ثم أنهى حديثى .
أعرف أن كثيرين منا يقتربون من المائدة المقدسة كعادة فى هذا العيد . لكن كما قلت مرات كثيرة، عندما نحتاج أن نتناول يجب ألاّ نميز بين الأعياد، فأولاً يجب أن ننقى الضمير، وبعدها نقترب من الذبيحة المقدسة، لأن الإنسان الدنس وغير النقى لا يُسمح له ولا حتى فى العيد أن يشارك فى هذه المائدة المقدسة. بينما الشخص النقى والتائب توبة حقيقية الذى تطهرّ من خطاياه، هذا الإنسان يستطيع ليس فقط فى هذا العيد ولكن بشكل دائم أن يشارك فى الإفخارستيا الإلهية وأن يتمتع عن استحقاق بعطايا الله. لكنى لا أعرف كيف يُهمل هذا الأمر من البعض، والذين وهم مملوؤن من شرور كثيرة ، يذهبون للمشاركة فى الإفخارستيا المقدسة عندما يرون أن هذا العيد قد اقترب كما لو كان هذا اليوم (يوم الإبيفانيا) يدفعهم دفعًا نحو التناول، بينما غير مسموح لهم ليس فقط بالمشاركة بل أيضًا أن يتطلعوا نحو هذا السر. من بين هؤلاء يوجد أشخاص معروفون لنا وسأقوم بإقناعهم بنفسى. لكن هؤلاء غير المعروفين لدىَّ سأتركهم لدينونة الله الذى يعرف خفايا أفكار كل أحد . إذن فكل هذه الخطايا الواضحة سأحاول أن أقوّمها.
ما هى الخطية إذن؟! هى أن تقتربوا من تناول الأسرار المقدسة بدون مخافة الله وبلا رعدة، وأيضًا المزاحمة ودفع الآخرين والضوضاء أثناء التناول، هذه الأمور قد قلتها مرارًا كثيرة ولن أتوقف عن أن أرددها . ألاّ ترون ماذا يحدث فى الألعاب الأوليمبية عندما يمر لاعب منتصر بالملعب حاملاً إكليلاً على رأسه لابسًا لباسه وماسكًا عصا فى يده ، كم يكون حفظ النظام فى الوقت الذى ينادى فيه المذيع لكى يلتزموا بالهدوء ولكى يسلكوا بلباقة وأدب؟ كيف لا يكون أمر غير معقول فهناك حيث يمر الموكب العالمى، يسود الهدوء، بينما عندما يدعون المسيح بالقرب منهم يسود ضوضاء كثيرة؟!! فى الملعب يسود الهدوء، وفى الكنيسة يسود صراخ؟!! فى البحر يسود هدوء وفى الميناء أمواج؟!! أخبرنى إذن لماذا نفتعل الضوضاء؟ لماذا نستعجل ؟ هل لأن الاهتمامات العالمية تلح عليك أن تفعل ذلك؟ وهل تلك الاهتمامات العالمية تتذكرها فى تلك الساعة (وقت التناول)؟ وهل تعتقد أنك توجد على الأرض؟ أتظن أنك توجد مع الناس؟ كيف لا يكون هذا التصرف نموذجًا لقلب متحير، لأنك تظن فى هذه الساعة أنك تقف على الأرض وأنك غير مشارك فى جوقة الملائكة الذين رنمت معهم اللحن السرى ومعهم قدمت لله لحن الانتصار. ولهذا فإن المسيح دعانا نسورًا قائلاً ” حيث تكون الجثة هناك تجتمع النسور ” (لو37:17) لكى نرتفع نحو السماء لكى نطير عاليًا متحررين من أثقالنا بواسطة أجنحة الروح. عكس ذلك فإننا نُسحب إلى أسفل مثل الحيات ونأكل من الطين .
أتريدون أن أقول لكم من أين تأتى الضوضاء ؟ لأننا لا نغلق الأبواب أثناء ممارسة الليتورجيا ، وتذهبون قبل التناول إلى بيوتكم ، الأمر الذى يُشكل احتقارًا كبيرًا للسر . ماذا تفعل أيها الإنسان ؟ فبينما المسيح حاضرًا والملائكة تقف حوله وأخوتك مازالوا يتناولون من هذه المائدة المقدسة والتى تُقدم لك أنت أيضًا ، أتترك كل هذا وترحل ؟ لو كنت مدعو لعشاء هل تستطيع أن تترك المائدة وترحل حتى لو شبعت طالما أن الأصدقاء مازالوا جالسين على المائدة ؟ بينما هنا حيث تُمارس الأسرار المقدسة ومازالت الليتورجيا مستمرة تترك كل هذا فى المنتصف وترحل ، لماذا ؟! وكيف يكون كل من يفعل هذا مستحقًا للمسامحة ؟ وأى تبرير ستعطى ؟
أتريدون أن أقول لكم بمن يليق مثل هذا العمل أى أن تتركوا الليتورجيا قبل أن تنتهى ولا تشاركون فى الألحان الإفخارستية ولا تشاركون فى المائدة المقدسة، ربما يكون هذا الذى أريد أن أقوله أمرًا ثقيلاً ولكن يجب أن أقوله بسبب عدم مبالاة الكثيرين. عندما شارك يهوذا فى العشاء الأخير، بينما كان الجميع يجلسون إلى المائدة ، قام قبل الآخرين ورحل. هؤلاء الذين يرحلون قبل انتهاء الإفخارستيا هم يشبهونه لأنه لو لم يرحل ويترك المائدة لم يكن قد صار خائنًا. لو لم يهجر التلاميذ لم يكن ليهلك. لو لم يقطع نفسه عن باقى الرعية لما وجده الثعلب بمفرده ليأكله. لو لم ينفصل عن الرعية لما قبض عليه الشيطان ، ولهذا فهو ذهب ورحل مع اليهود بينما التلاميذ ذهبوا مع السيد وقدموا الشكر له ، أترى إذن أن الطلبة الأخيرة للإفخارستيا قد صارت على هذا النموذج .
والآن أيها الأحباء لنفكر فى هذه الأمور ولنخف من دينونة الله المُعدة لنا. المسيح أعطاك جسده وأنت لا تبادله ولو حتى بالكلام أو بالشكر من أجل هذا الذى تناولته. فعندما تستمتع بطعام جسدى تشكر من قدمه لك. لكن حين تشارك فى الطعام الروحى الذى يتجاوز كل الكون المرئى وغير المرئى وأنت الإنسان ذو الطبيعة الزهيدة لا تنتظر حتى نهاية الإفخارستيا لكى تشكر بالقول والفعل. كيف لا تكون هذه الأمور مستحقة للعقاب؟ هذه الأمور أقولها لكم لكى تلتزموا الهدوء. هذه تُسمى أسرار وهى أسرار بالفعل. عندما تُمارس الأسرار يجب أن يسود هدوء كبير ونظام فى تقوى تتلاءم مع السر. ولنقترب من هذه الذبيحة المقدسة لكى نستحق عطف الله وحنوه وتتنقى نفوسنا ونترجى الخيرات الأبدية بالنعمة ومحبة البشر اللواتى ليسوع المسيح، الذى له المجد مع الله الآب والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور كلها . آمين .
1 ومازالت الكنيسة تحرص على أن تمارس هذا الطقس القديم، ليس فقط فى عيد الغطاس بل وأيضًا فى خميس العهد وعيد الرسل.