آبائياتأبحاث

التبرير والنعمة بين چون كالڨن ويوحنا ذهبي الفم – د. أنطون جرجس عبد المسيح

التبرير والنعمة بين چون كالڨن ويوحنا ذهبي الفم - د. أنطون جرجس عبد المسيح

التبرير والنعمة بين چون كالڨن ويوحنا ذهبي الفم – د. أنطون جرجس عبد المسيح

المحتوى

التبرير والنعمة بين چون كالڨن ويوحنا ذهبي الفم - د. أنطون جرجس عبد المسيح
التبرير والنعمة بين چون كالڨن ويوحنا ذهبي الفم – د. أنطون جرجس عبد المسيح

 

التبرير والنعمة بين چون كالڨن ويوحنا ذهبي الفم

سوف ندرس في هذا البحث القصير موضوع التبرير وعمل النعمة بين چون كالفن كممثل عن حركة الإصلاح البروتستانتي وكأحد أبرز رجالات الإصلاح البروتستانتي المؤثرين في كافة الطوائف البروتستانتية بجميع أشكالها وأنواعها، وبين ق. يوحنا ذهبي الفم كممثل عن اللاهوت الأرثوذكسي الشرقي، وكأحد أبرز معلمي وخطباء الكنيسة على مر العصور. وهدفنا في هذا البحث هو إظهار جوانب كل فكر من فكري هذين اللاهوتيين المسيحيين المؤثرين كُلٌّ في مجاله اللاهوتي. ونهدف أيضًا لتوضيح مواطن الاختلاف الشديد والعميق بين اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي واللاهوت المصلح الغربي البروتستانتي. سنبدأ أولاً بعرض جوانب فكر چون كالفن حول موضوع التبرير والنعمة، ثم سنقوم بعرض جوانب فكر ق. يوحنا ذهبي الفم حول نفس الموضوع.

التبرير والنعمة عند چون كالڨن

وراثة الخطية الأصلية من آدم

يشير چون كالفن إلى أن الخطيئة انتقلت من الإنسان الأول إلى كل نسله، لأننا نحمل فسادًا فطريًا من رحم أمنا. لذلك نحن جميعًا، وقد انحدرنا من زرعٍ نجسٍ، ووُلِدنا موبوئون بعدوى الخطيئة. إننا في الواقع كنا، قبل أن نرى نور العالم، دنسين وملطَّخين في نظر الله.[1] نسمع أن نجاسة الوالدين تنتقل إلى الأولاد، بحيث إن الجميع من دون استثناء يكونون ملوثين منذ ولادتهم. فالخطيئة والموت دخلا مع آدم لكنهما أُبطلا في المسيح. فالدينونة لا يمكنها أن تطال أولئك الذين لم يطلهم ذنب الخطيئة.[2] عندما يُقال إننا وقعنا تحت دينونة الله بسبب خطيئة آدم، يجب ألا نفهم ذلك كما لو أننا نحن غير المذنبين والأبرياء، حملنا ذنب خطيئته، بل بمعنى أننا، من خلال تعديه وقعنا في شرك اللعنة، لذلك يُقال إنه جعلنا مذنبين [وراثة الذنب الشخصي]. ثم يستشهد كالفن بأوغسطينوس ليؤكد على وراثة الذنب، حيث يدعو أوغسطينوس الخطيئة غالبًا بـ ”خطيئة الآخر“ ليوضح أنها تنتقل بيننا عن طريق التناسل، لكنه مع ذلك يعلن أنها تخص كل واحد.[3]

ولادة أطفال مذنبين

ويوضح كالفن أن الأطفال لا يتحدون من ولادة والديهم الروحية، بل من ولادتهم الجسدية، ومن هنا، سواء أكان الإنسان غير مؤمن مذنب، أم مؤمنًا بريئًا، فهو لا يلد أطفالاً أبرياء بل مذنبين، إذ هو يلدهم من طبيعة فاسدة. فالذنب هو من الطبيعة [الذنب الطبيعي تعليم مانوي]، أمَّا التقديس فهو من النعمة للخارقة للطبيعة.[4] لذلك حتى الأطفال الرضع -بينما هم يحملون دينونتهم من رحم أمهم- ليسوا مذنبين بسبب خطيئة آخر، بل بسبب خطيئتهم. فعلى الرغم من أن ثمار خطيئتهم لم تظهر بعد، فإن البذرة [بذرة الخطية] موجودة داخلهم. في الحقيقة، كل طبيعتهم هي بذرة خطيئة في عيني الله، لأنه بدون ذنبٍ لا توجد تهمةٌ.[5]

الفساد الكلي للطبيعة البشرية

يرى چون كالفن إن كل ملكات الإنسان -بسبب فساد الطبيعة – مُفسَدة ومنحرفة إلى الباطل، حتى إن كل أفعاله يهددها الاعتلال المتمادي والإفراط في إشباع الشهوات، لأن هذه الميول لا يمكنها أن تنفصل عن عدم التقييد [أي مُقيَّدة تمامًا بالشر والخطيئة]. لهذا نعتبرها فاسدةً شديدة الأذى. وإن أردت الإيجاز، فإننا نعلم أن جميع الشهوات البشرية شريرة، ونتهمها بالخطيئة؛ ليس في كونها طبيعية، بل لأنها جامحة. وإلى ذلك، نعتبرها جامحة لأنه لا يخرج شيء نقي أو مخلص من طبيعة ملوثة وفاسدة [الفساد التام والكامل].[6] نحن منحرفون وفاسدون في كل جزء من طبيعتنا.[7]

ثم ينتقد كالفن التعريف المدرسي للخطيئة الأصلية [تعريف أنسلم وچون دنس سكوت] على أنها ”نقص البر الأصلي الذي يجب أن يوجد فينا“ [تعريف سلبي غير ديناميكي عند كالفن]، حيث يرى أنهم لم يعبِّروا بشكلٍ فعالٍ عن قوة الخطيئة الأصلية وديناميكيتها [حركتها وفعاليتها، تعليم مانوي صرف]. فطبيعتنا ليست محرومة وفارغة من الخير فقط، بل خصبة ومثمرة لكل شر بحيث لا يمكنها أن تكون عاطلة عن العمل [يقصد ديناميكية الخطية الأصلية وعملها في الطبيعة البشرية].[8] فيقول كالفن أن الإنسان بكامله مغمور -كما من طوفان- من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، بحيث لا يوجد فيه جزء في مأمن من الخطيئة، وكل ما يخرج منه منسوب إلى الخطيئة.[9]

خطية الطبيعة أو الخطية الطبيعية

يرى كالفن أن الإنسان بسبب طبيعته المنحرفة هو بالطبيعة مكروه من الله، ومن هنا، لا يخشى أوغسطينوس، بسبب طبيعة الإنسان الفاسدة، أن يسميها ”طبيعية“ تلك الخطايا التي لابد أن تسيطر على جسدنا، في كل مرة تكون فيها نعمة الله غائبة.[10]

الإرادة المقيَّدة بالشر

يشير كالفن إلى أن أوغسطينوس يسخر من عبارة (الإرادة الحرة)، عندما يقول: إن الإرادة هي حقًا حرة لكن غير محرَّرة: حرة [معدومة] من البرّ لكن مستعبدة للخطيئة! ويستطرد كالفن قائلاً إن أوغسطينوس عندما يؤكد أن حرية الإنسان ليست سوى عتق أو تحرير من البر [معدومة البر]، يبدو أنه يتهكم على اسمها الفارغ. ويرى كالفن إنه بسبب عدم إمكانية استخدام هذه العبارة بدون حطرٍ كبيرٍ، فيرى أنه من الأفضل إلغائها؛ لأنه إلغائها يدر بالفائدة الكبيرة على الكنيسة، وهو شخصيًا يفضل عدم استخدامها، ويريد من الآخرين أن يتبعوا نصيحته ويمتنعون عن ذلك.[11] ويعترف كالفن أن كل مفكري الكنيسة [أي آباء الكنيسة من أول المسيحية حتى عصره]، باستثناء أوغسطينوس، تكلموا بصورة غامضة ومتفاوتة عن هذه المسألة [أي حرية الإرادة بعد السقوط]، بحيث لا يمكن اكتساب أيّ شيء من كتاباتهم.[12] كما يؤكد كالفن أن عقيدة الإرادة الحرة دائمًا ما تسلب الله مجده، لأنه في كل مرة تغزو هذه الشهوة [حرية الإرادة] ذهننا، وتدفعنا إلى السعي وراء شيء يكمن فينا وليس في الله، يجب أن ندرك أن الذي أوحى بها ليس سوى المشير ذاته الذي أغوى أبوينا الأولين ليصيرا كالله عارفين الخير والشر (تك 3: 5).[13] لذا يقول كالفن إن الإرادة المجرَّدة من الحرية تكون بالضرورة منجذبة نحو الشر، أو منقادة نحوه.[14]

رفض التجسّد غير المشروط

يرفض كالفن فكرة تجسُّد الله حتى لو لم يسقط آدم في الخطية، ويناقش الأمر قائلاً: ولنفترض أن عدونا اعترض مرةً جديدةً على خطة الله بحجة أنها تعتمد على سقوط الإنسان الذي سبق أن رآه. يكفيني تمامًا أن أقول، إن كل الذين يعتزمون أن يسألوا أو يسعوا أن يعرفوا عن المسيح أكثر مما رسمه الله بقضائه السرمديّ، يبدأون بجرأةٍ شريرةٍ بابتكار مسيحٍ جديدٍ، ويرى كالفن أن بولس الرسول تعمَّد أن يضع حواجز حول أذهاننا، بحيث في كل مرة يُشار فيها إلى المسيح لا نبتعد مطلقًا عن نعمة المصالحة.[15]

ماهية الغضب الإلهي

يرى چون كالفن أن الخطاة واقعون تحت غضب الله ولعنته حتى يغفر ذنبهم. ولما كان الله قاضيًا بارًا، فهو لا يسمح بكسر شريعته بدون عقاب، بل هو على أهبة الاستعداد للمعاقبة.[16] ولأن الإنسان انفصل عن الله بسبب الخطية، وأصبح وارثًا للدينونة، وتحت لعنة الموت الأبدي، محرومًا من كل رجاء بالخلاص، بعيدًا عن كل بركة من الله، عبدًا للشيطان، أسيرًا تحت نير الخطيئة، مصيره النهائي هلاك مروع بدأ يعمل فيه منذ الآن؛ وبينما الإنسان في هذه الحال، شفع المسيح له كمحامٍ، واحتمل في جسده العقاب الذي كانت دينونة الله العادلة تنذر بإنزاله بكل الخطاة؛ وطهره بدمه من كل الشرور التي جعلته مكروهًا عند الله؛ وهكذا من خلال كفارة المسيح نال رضا الله الآب، وقُبِلَت ذبيحة المسيح المقدَّمة لأجله. وهدَّأ المسيح غضب الله بشفاعته التي بها حلَّ سلام الله على البشر.[17]

رفض كالڨن نزول المسيح إلى الجحيم

يرفض كالفن نزول المسيح إلى الجحيم وكرازته هناك للأرواح وتحريره لهم من قبضة إبليس، حيث يرى كالفن أن كلمة ’هاوية‘ تُستخدم غالبًا في الكتاب المقدس للإشارة إلى القبر. ’فالهاوية‘ تُفهم غالبًا بمعنى ’القبر‘.[18] فمن السذاجة أن نظن أن تُحتجز أرواح الموتى في سجنٍ. وما الحاجة إذًا لأن ينزل روح المسيح إلى هناك ليحررهم؟[19]

استحقاق ذبيحة المسيح بالنعمة فقط

يرى كالفن أنه بمعزل عن مسرة الله لا يقدر المسيح أن يستحق شيئًا. لكن استحقاقه جاء من كونه عُيَّن ليسترضي غضب الله من خلال ذبيحته، وليمحو تعدياتنا بطاعته. باختصار: بقدر ما كان استحقاق المسيح يعتمد على نعمة الله وحدها التي رسمت لنا طريقة الخلاص هذه، فهي تتعارض تمامًا مع كل البر البشري بقدر ما نعمة الله تتعارض.[20]

التبرير المجاني بذبيحة المسيح المسكنة للغضب الإلهي

وهذا يعني أننا نحن الذين ”بالطبيعة أبناء الغضب“ (أف 2: 3) ومُبعدين عنه بسبب الخطيئة، قد نلنا من خلال ذبيحة المسيح التبرير المجاني واسترضينا الله وسكنا غضبه.[21]

المبادلة العقابية ودفع ثمن العقوبة

فإن كانت نتيجة سفكه دمه هي عدم نسبة خطايانا إلينا، يكون أنه قد تم إرضاء دينونة الله من خلال هذا الثمن.[22] فلو لم يصنع المسيح تكفيرًا عن خطايانا، لما كان قيل إنه أرضى الله عن طريق حمله العقاب الذي خضعنا له.[23] ويعلن الرسول بوضوح أن المسيح قد دفع الثمن ليفدينا من عقاب الموت،[24] فالله [الآب] قدَّم ثمن الفداء في موت المسيح، ثم يدعونا إلى الالتجاء إلى دم المسيح، بحيث بعد أن نلنا البر يمكننا أن نقف مطمئنين أمام عرش الله.[25]

مفهوم التبرير من منظور قضائي

يُقال إنه مبرَّر في عيني الله مَن يحسبه الله في حكمه مبررًا، ومَن قُبِلَ من أجل بره هو. في الحقيقة، لأن الخطيئة رجس في عيني الله، لا يستطيع خاطئ أن يكون مرضيًا عنده ما دام يظل خاطئًا. وأينما كانت الخطيئة ظهر غضب الله ونقمته أيضًا. ويُحسَب مبررًا مَن لا يُعتبر في حالة خاطئ، بل في حالة إنسان بار، ولهذا السبب، يقف ثابتًا أمام كرسي دينونة الله فيما يسقط جميع الخطاة. فإذَا دُعِيَ إنسان بريء أمام كرسي قضاء قاضٍ منصفٍ، حيث يُقضَى له على أساس براءته، يُقال إنه ’مبرَّر‘ أمام القاضي. وهكذا يقف مبرَّرًا أمام الله مَن قد تحرَّر من زمرة الخطاة فيشهد الله لبره ويؤكده. وبالطريقة نفسها، مَن وُجِدت حياته في الطهارة والقداسة التي تستحق أن يُشهد لها بالبر أمام عرش الله، يُقال إنه مبرَّر بالأعمال، أو هو مَن بقداسة أفعاله يُرضِي قضاء الله. على العكس، إن مَن لا يفي مقاييس بر الأعمال، فيتمسك بالبر الذي في المسيح بالإيمان، فيلبسه، فهذا هو مَن لا يبدو في نظر الله كإنسان خاطئ، بل كإنسانٍ بار. فالتبرير هو ببساطة القبول الذي يستقبلنا به الله في رحاب نعمته كأبرار. وإنه يعود إلى محو الخطايا ببر المسيح.[26]

التبرير بالإيمان والنعمة فقط

يرى كالفن أن التبرير هو بالإيمان فقط، بحيث إن بر الإيمان يختلف عن بر الأعمال إلى درجة أنه إذا ثبتُ الواحد انتفى الآخر. من ثم يلزم منطقيًا أنه ما دام قد بقي أقل جزءٍ ممكنٍ من بر الأعمال، تظل لنا الفرصة للافتخار به. أمَّا إن كان الإيمان ينفي إمكانية الافتخار كليًا، فلا يمكن أن تكون لبر الأعمال علاقةً ببرّ الإيمان. فالبر بحسب النعمة يُنسَب إلى الإيمان، ولا يقوم على الأعمال، ووداعًا إذًا لأحلام الذين يبتدعون برًا نابعًا من الإيمان والأعمال معًا.[27] فالأعمال لازمة لبر الناموس، ولكنها غير مطلوبة لبر الإيمان، فيتبين جليًا من هذه العلاقة، أن الذين يُبرَّرون بالإيمان يُبرَّرون بدون أيّ اعتبار لاستحقاق الأعمال، وفي الواقع، بدون أي استحقاق للأعمال. فنحن ننال الميراث من الإيمان، كما من نعمة. لذلك هذا الميراث مجاني، لأنه يُقتبل بالإيمان، لأنه مرتكز كليًا على رحمة الله وبدون مساعدة الأعمال.[28] لا شك في أن كل ما يستحق المدح في الأعمال إنما هو من نعمة الله؛ وليس من مثقال ذرة منها ما يحق لنا أن نعزوه إلى ذواتنا.[29]

سبق التعيين المزدوج للخلاص والهلاك

يرى كالفن أن الله قد عيَّن بحسب تصميمه الأزلي الثابت أولئك الذين قضى منذ زمن بعيد مرةً وإلى الأبد، بأن يقبلهم للخلاص؛ وكذلك الذين من الجانب الآخر، يُخصِّصهم للهلاك. ونجزم بأنه، فيما يتعلق بالمختارين، رسم الله قصده من منطلق رحمته المعطاة مجانًا بغض النظر عن استحقاق الإنسان، ولكنه بحسب قضائه العادل الذي لا عيب فيه مع كونه لا يُسبر غوره، قد أوصد باب الحياة أمام مَن سلَّمهم للعنة الأبدية. أمَّا بين المختارين، فنعتبر الدعوة [الإلهية] شهادةً لاختيارهم. ثم نؤمن أن التبرير علامة أخرى لإعلانه، إلى أن يأتوا إلى المجد الذي يكمن فيه تحقيق الاختيار. أمَّا الرب فيختم مختاريه بالدعوة والتبرير، بحيث إنه بإيقافه الأشرار من معرفة اسمه أو من تقديس روحه، يعلن بتلك السمات المميَّزة أي نوع من الدينونة ينتظرهم.[30] كما لم يتعد التعيين السابق كونه تطبيق العدالة الإلهية -سرًا، في الواقع، ولكن على حق -لأنه من المؤكد أنهم استحقوا أن يُعيَّنوا لهذه الحال، فمن المؤكد أيضًا أن الهلاك الذي يصيبهم بحسب التعيين السابق هو عين العدل والحق. كما أن هلاكهم يتوقف على اختيار الله السابق بحيث إن علته ومناسبة حدوثه كائنتان في ذواتهم. سقط الإنسان الأول لأن الله رأى ذلك ملائمًا؛ أمَّا لماذا حكم الله هكذا فالأمر خفي عنا. ومع ذلك حكم هكذا لأنه رأى أن مجد اسمه يتجلى بذلك كما ينبغي.[31]

 

 

التبرير والنعمة عند ق. يوحنا ذهبي الفم

دحض وراثة الخطية الأصلية من آدم

على العكس من اعتقاد كالفن بوراثة خطية آدم، يرفض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة وراثة الخطية الأصلية من آدم، بل يرى أن الخطية حملت الموت للجميع، أي سار الموت إلى الجميع من جراء خطيئة آدم، وليس خطيئته نفسها، حيث يقول التالي:

”وقد حاول أن يشرح كيف وبأي طريقة دخل الموت إلى العالم وساد عليه، ويقول إن هذا حدث بخطية الإنسان الواحد [أي آدم]. وماذا يعني بقوله: ’وفي شخصه اجتاز الموت إلى جميع الناس؟‘، يعني أن الموت قد اجتاز إلى الجميع لأنه [أي آدم] سقط في الخطية، وأولئك الذين لم يأكلوا من الشجرة جميعهم صاروا مائتين في شخصه“.[32]

ويشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى أن خطية آدم التي حدثت في الفردوس، قد حملت الموت للجميع، وقد ساد الموت واستبد على البشر كالتالي:

”غير أنه لابد وأن نسأل ما هي الخطية التي وُجِدَت في ذلك الزمان [أي قبل الناموس]؟ يقول البعض إن بولس الرسول يشير إلى الخطية التي حدثت في الفردوس، طالما أنها لم تكن قد بطُلَت بعد، بل إن ثمرها قد أينع، حيث إن هذه الخطية قد حملت الموت إلى الجميع، وقد ساد الموت واستبد“.[33]

ويشرح ق. يوحنا ذهبي الفم كيف ملك الموت على جميع الذين آتوا من آدم، على الرغم من أنهم لم يأكلوا من الشجرة مع آدم كالتالي:

”وكيف ملك الموت؟ على شبه تعدي آدم. ولهذا فإن آدم هو مثال للمسيح. وكيف يقول إنه مثال المسيح؟ لأنه كما أن الذين آتوا من آدم على الرغم من أنهم لم يأكلوا من الشجرة، إلا أن الموت ملك عليهم، وهكذا صار آدم سببًا [علةً] للموت الذي دخل إلى العالم، بسبب الأكل من الشجرة، هكذا أيضًا، فإن أولئك الذين انحدروا من المسيح، على الرغم من أنهم لم يعملوا أعمالاً بارةً، إلا أن المسيح صار سببًا للبر الذي منحه للجميع بواسطة صليبه“.[34]

ويدحض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة إدانة شخص بسبب خطية آخر في سياق دحضه لفكرة وراثة خطية آدم كالتالي:

”ما يقوله يعني الآتي: فلو أن الخطية قد استطاعت أن تصنع كل هذا (أن يجتاز الموت لجميع الناس)، وبالطبع من خلال خطية إنسان واحد، فكيف لا تستطيع نعمة الله، وليس فقط نعمة الله الآب، بل والابن أيضًا أن تحقق الكثير (أي خلاص الجميع)؟ وهذا يُعد أكثر تماشيًا مع المنطق. لأنه أن يُدان أحد بسبب خطية آخر، فمن الواضح أن هذا ليس مبررًا كافيًا (بحسب المنطق الإنساني)، بيد أن يخلُص أحد بسبب عطية الآخر، فهذا أكثر قبولاً وأكثر تماشيًا مع المنطق. فلو أن البشرية قد أُضِيرت بالخطية، فبالأولى كثيرًا ستنال فيض النعمة وعطية البر. إذًا، فالطبيعي والأكثر تماشيًا مع العقل والمنطق، قد برهن عليه الرسول بولس كما سبق وأشرنا، فطالما أنه قد قَبِلت فكرة أن بخطية الواحد قد اجتاز الموت إلى الجميع، سيصير مِن السهل قبول أنه بعطية الواحد سيخلُص الجميع، وكون أن هذا الخلاص هو ضرورة حتمية، فقد دلَّل عليه في الآيات الآتية“.[35]

ويفسر ق. يوحنا ذهبي الفم آية (رو 5: 19) ”لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِلَ الكثيرون خطاة هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبرارًا“، ويوضح كيف جعل آدم نسله خطاةً؟ ولكنه لم يذكر أي شيء عن توريث آدم خطيئته لنسله، بل ما نتج عن خطيئته أن الجميع صاروا فانيين من الفاني كالتالي:

”لأنه أن يكون ذاك [أي آدم] قد أخطأ وصار فانيًا، وأن كل مَن انحدر منه قد أخطأوا وصاروا فانيين، فهذا لا يُعد أمرًا غير طبيعي على الإطلاق، ولكن أن يصير آخر [أي المسيح] خطيةً بسبب معصية ذاك [أي آدم]، فأيّ علاقة طبيعية يمكن أن تقوم هنا؟ لأن هكذا سيُعتبر هذا الإنسان خاطئًا، دون أن يكون مسئولاً عن الحكم، طالما أنه لم يصر من ذاته خاطئًا. إذًا، ماذا تعني هنا كلمة ’خطاة‘؟ من ناحيتي يبدو لي أنهم تحت حكم الدينونة ومحكوم عليهم بالموت. ومن حيث أنه بموت آدم، قد صرنا جميعًا فانيين، فهذا قد بيَّنه الرسول بولس بوضوحٍ وبطرقٍ كثيرةٍ“.[36]

ولادة الأطفال بلا خطية

يُؤكِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على حقيقة أنَّ نفوس الأطفال بعد السقوط ليست شريرة مثلها مثل نفوس الأبرار، وعلى العكس، مما أدَّعى أوغسطينوس وكالفن بأن نفوس الأطفال شريرة ووارثة للخطية الأصلية رأسًا من نفس آدم الخاطئة كالتالي:

”لأن ’نفوس الأبرار هي في يد الله‘ (حك 3: 1). وإنْ كانت نفوس الأبرار هكذا، فإن نفوس أولئك الأطفال أيضًا؛ فليست هي شريرة، ونفوس الخاطئين أيضًا تُسَاق مباشرةً من هنا“.[37]

يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أنَّ الأطفال بلا خطية، وأنهم يُعمَّدون لينالوا عطايا البر، والتقديس، والتبني، وسُكنى الروح القدس فيهم، وليس بسبب وراثة الخطية الأصلية. حيث يقول التالي:

”ولهذا السبب نفسه نُعمِّد حتى الأطفال، ولو أنهم بلا خطية، ولكن لكي ما ينالوا بقية العطايا من تقديس، وبر، واختبار للتبني والميراث، حتى يشَّبوا إخوةً وأعضاءً، ويصيروا هيكلاً للروح“.[38]

يؤكِّد ق. يوحنا ذهبي الفم في سياق تفسيره لحادثة قتل أطفال بيت لحم على خلو الأطفال من أية خطية موروثة أو فعلية، كما يؤكِّد على دخولهم الملكوت ونوالهم المكافآت – بخلاف أوغسطينوس وكالفن اللذين يؤكِّدان على أن مصير الأطفال غير المعمَّدين هو جهنم والهلاك الأبدي- بالرغم من أنهم كانوا قبل تدبير خلاص الرب، ولم يكونوا مُعمَّدين للخلاص من الخطية الأصلية الموروثة بحسب المفهوم اﻷوغسطيني والكالفيني. حيث يقول التالي:

قد يُقال: أيّ نوع من الخطايا كان لهؤلاء الأطفال بحيث كان يجب أن يمحوه؟ حتى لو لم توجد خطايا، فإنه توجد مجازاة بمكافآت للذين يقاسون الشر هنا. فبأيّ شيء تضرر به الأطفال الصغار لدى ذبحهم لسبب مثل هذا؟ تقولون: لأنهم كانوا سيُحقِّقون أعمالاً عظيمةً وكثيرةً من البر لو عاشوا […] لهذا السبب يدخر الله لهم بشكلٍ مبكرٍ مكافأة ليست بصغيرة بإنهاء حياتهم لسبب كهذا. ولو كان الأطفال سيصيرون أشخاصًا عظامًا لما كان الله قد سمح لهم بأن يُختطَفوا قبلاً؛ لأنه إنْ كان الله يحتمل بآلام عظيمة جدًا الذين سوف يعيشون في الشر على الدوام، فبالحري أكثر ألا يأذن لهؤلاء الأطفال بالرحيل، لو سبق وعرف أنهم سيحرزون أمورًا عظيمةً“.[39]

يرى ق. يوحنا ذهبي الفم، على العكس من أوغسطينوس وكالفن، أن موت الأطفال الأبرياء مغبوط، حيث يقول التالي:

”أنظر أنت تعيش خمسين أو مائة عام، تصبح ثريًا، ويصير لك أولادًا، وتعطي مهورًا ليتزوج أبناؤك وبناتك، وتسيطر وتحكم على أمم وشعوب. وبعد كل هذا يأتي الموت، وبعد الموت تأتي الدينونة التي ليس لها نهاية وليس فيها توبة. هذا هو السبب في أننا نعتبر أولئك الذين يموتون أطفالاً مباركين، ولهذا نقول كلنا نتمنى لو أننا مُتنا عندما كُنا أطفالاً! لأنه بالنسبة لنا نحن الأشخاص الأكبر سنًا، يكون كأس الموت خطيرًا بسبب خطايانا، بينما يكون الموت للأطفال نافعًا. وما نعتقده بداية العقاب هناك، فإنه بالنسبة لهؤلاء الأطفال بداية الخلاص، إذ ما هي الأشياء التي سيعطي الأطفال حسابًا عليها إذا لم يختبروا الخطيئة؟ من أجل ماذا سيُعاقبون عندما لا يكونون قد عرفوا الخير والشر بعد؟ […] أيها الأطفال المباركون، إن رقادكم مبارك أيضًا! يا موت غير الفاسدين إنك بداية الحياة الأبدية الحقيقية! أيتها النهاية يا بداية الفرح الذي لا ينتهي“.[40]

دحض التعليم بخطية الطبيعة أو الخطية الطبيعية

ينكر ذهبي الفم فكرة ”خطية الطبيعة“، التي نادى بها كلٌّ من أوغسطينوس وكالفن، حيث يؤكد ذهبي الفم على حرية الإرادة في اختيار الفضيلة أو الرذيلة قائلاً:

”ماذا يعني بقوله ’بالطبيعة‘؟ إنه يقصد بكلمة الطبيعة هنا الولادة، ’كالباقين أيضًا‘، أي دون أن نتصرف في أيّ شيء بطريقة روحية. وحتى لا يُتهَم الجسد، ولكي لا يعتقد أحد أن هذا يمثل خطيةً كبيرةً، لاحظ كيف يُجنِّبهم ذلك بقوله: ’عاملين مشيئات الجسد والأفكار‘، أي شهوات اللذة. لقد أثارنا غضب الله، أي أننا كنا سبب الغضب، وليس شيئًا آخر سوى ذلك. لأنه كما أن الذي يُولَد من إنسان، هو بالطبيعة إنسان، هكذا نحن أيضًا، وكذلك الباقين، كُنا بالطبيعة أبناء الغضب“.[41]

وينفي ق. يوحنا ذهبي الفم أيضًا موضوع خطية الطبيعة في موضع آخر قائلاً:

”إنه قال: ربما أخطأ بنيّ وجدَّفوا على الله في قلوبهم. وإنْ كان هذا شيئًا ليس في طبيعتهم، لكنهم على كل حال بشر مُعرَّضون للسقوط. ألم تكن له هو نفسه مثل هذه الأفكار أبدًا؟ لذلك مهم جدًا الخوف والحذر حتى من هذه الخطايا الخفية“.[42]

حرية والإرادة ورفض الإرادة المقيَّدة بالشر

يرفض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة القدرية أو الجبرية على فعل الخير أو الشر، بل يرى أن الله يريد مننا أن نكون صالحين بإرادتنا كالتالي:

”أرأيت كيف أن هذا (الإيمان) أكثر صعوبةً؟ إذًا، فهو يُبرهن على كل شيء بالإيمان، لأن التأثير على الإرادة بواسطة الأفكار الإنسانية أكثر صعوبةً جدًا من التأثير على الطبيعة. ولهذا السبب فإن الله ذاته يرغب أن نكون صالحين بإرادتنا“.[43]

ويؤكد ذهبي الفم على أن السقوط في الخطية ناتج عن رغبة إرادية، لأن الإنسان لا يُجبَر على ارتكاب الخطية كالتالي:

”لكي نُدرِك أن السقوط في الخطية ناتج عن رغبة إرادية، فالإنسان لا يُجبَر على ارتكاب الخطية“.[44]

ويتحدث ذهبي الفم عن أن ممارسة البر أو ممارسة الإثم هو رهن بموقف النفس، وليس له علاقة بطبيعتها، داحضًا بذلك أي تعليم عن القدرية والجبرية، يجعل من البشر أبرارًا أو خطاةً بالطبيعة كالتالي:

”وبناءً على ذلك، فإن الجسد يوجد بين حالة الإثم والبر، مثلما يحدث بالنسبة للآلات (هناك آلات إثم وآلات بر)، وارتكاب الإثم أو ممارسة البر يتوقف على مَن يستخدم الآلات. كما يحدث مع الجندي الذي يحارب من أجل وطنه، والسارق الذي يتسلَّح ليهجم المواطنين، الاثنان يتحصنان بنفس الأسلحة. إذًا، فالجريمة ليست عملاً يتعلق بنوع السلاح المستخدَم، بل هي مسئولية أولئك الذين يستخدمون هذه الأسلحة لكي يفعلوا الشر. وهذا يمكن أن نقوله بالطبع في حالة الجسد، حيث يصير فعل الإثم أو فعل البر رهنًا بموقف النفس، وهذا ليس له علاقة بطبيعتها. لأن العين إذَا نظرت نظرةً غير بريئة للجمال، صارت آلةً للإثم، لا بحسب طبيعتها أو عملها، لأن عمل العين هو أن تنظر، لكن هذا النظر لا يكون للشر، ولكن إذَا نظرت العين نظرةً غير نقية، فسيكون ذلك راجعًا للفكر الخبيث الذي أمر بهذا“.[45]

يرفض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة الإرادة المقيدة بالشر بعد السقوط، وفكرة العجز التام للطبيعة البشرية عن فعل الخير، مدافعًا عن حرية إرادة الإنسان في اختيار الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، كالتالي:

”لكنك قد تقول إني مُضطر بسبب طبيعتي، نعم أنا أحب المسيح، لكنني مجبر بسبب طبيعتي. فإذَا كنت تعاني من العوز والقهر، فستنال الصفح، ولكن إنْ كان سقوطك بسبب اللامبالاة، فلن تنال أيّ صفح. إذًا، لنفحص هذا الأمر بالتدقيق، أي هل كان ارتكاب الخطايا نتيجةً لإجبار وإكراه، أم نتيجة تراخي ولامبالاة كبيرة للغاية. يقول الناموس: ’لا تقتل‘، أي إجبار وأي إكراه هنا؟ إذًا، فأنت تُكرِه نفسك على القتل. لأنه مَن منا يريد أن يغمس سيفه في رقبة قريبه، ويصبغ يده بالدماء؟ لا أحد. أرأيت أن العكس هو ما يحدث، فحين يخطئ المرء، لا يكون هذا راجعًا لضغوط وإكراه. لأن الله وضع حنوًا ورفقًا في طبيعتنا، حتى نحب بعضنا بعضًا، لأن الكتاب يقول: ’كل حيوان يحب نظيره، وكل إنسان قريبه‘ (سي 13: 15). أرأيت كيف أننا نحمل في طبيعتنا بذور الفضيلة؟ بينما بذور الشر، فهي خارج الطبيعة، فإنْ سادت علينا بذور الشر، فهذا دليل على تراخينا الشديد“.[46]

ويرفض ذهبي الفم الإرادة المقيدة بالشر في موضع آخر قائلاً:

”والقوانين الوضعية أيضًا تعرف أن تصفح عن الخطايا التي تُرتكَب تحت ضغوط، ولا وجود لخطية تُرتكَب تحت ضغوط، بل أن الخطايا تنشأ من الفجور. فالله لم يخلق الطبيعة الإنسانية لترتكب الخطية بهذا الشكل، لأنه لو حدث هذا، لما كان هناك عقاب أو دينونة، لأننا نحن أيضًا لا نُحاسَب عن الخطايا التي تُرتكَب تحت ضغوط أو بالإكراه، وبالأكثر جدًا، يصفح الله الكليّ الصلاح، والمحب للبشر محبة فائقة، عن الخطايا التي تُرتكَب تحت ضغوط“.[47]

ويرفض ذهبي الفم فكرة ”خطية الطبيعة“، التي نادى بها أوغسطينوس في صراعه مع الهرطقة البيلاجية، ونادى بها أيضًا چون كالفن، حيث يؤكد على أن الفضيلة هي التي تتوافق مع الطبيعة، بينما الشر هو بخلاف الطبيعة تمامًا كالتالي:

”أرأيت كيف أن الفضيلة تتوافق مع الطبيعة، بينما الشر هو بخلاف الطبيعة تمامًا، كما هو الحال مع المرض والصحة؟ وما الذي يجبرك أن تكذب وأن تقسم؟ ليس هناك ما يدفع لذلك، فهذا أمر نلجأ إليه بمحض إرادتنا، وليس فيه أيّ إجبار“.[48]

وينكر ذهبي الفم فكرة ”خطية الطبيعة“ والإرادة البشرية المقيَّدة بالشر بعد السقوط، والعجز التام للطبيعة البشرية عن فعل الخير بعد السقوط، بل يؤكد على مبدأ التآزر أو السينرچيا بين النعمة والأعمال، ويشدد على أنه لا يوجد شيء شرير في الطبيعة قائلاً:

”إن اهتمام الجسد هو التمتع، والإسراف، والطمع، وكل خطية. ولكن لماذا يدعو اهتمام الجسد، حيث إن الجسد لا يمكنه أن يفعل شيئًا بدون النفس؟ إنه لا يقول هذا لإدانة الجسد، مثلما يقول: ’الإنسان الطبيعيّ‘ (1كو2: 14)، فهو لا يقول هذا لكي يدين النفس. لأنه لا الجسد ولا النفس لديهما القدرة من ذاتهما أن يصنعا أيّ شيء نبيل وعظيم، إنْ لم ينالا نعمة من فوق. من أجل هذا، فإن الأمور التي تمارسها النفس من ذاتها، تُسمَى ’أمور طبيعية‘، ليس لأنها طبيعية بالحق، بل لأنها تقود إلى الهلاك، إذ إنها لا تنال المعونة من الله. لأن الأعين أيضًا هي أعضاء جيدة، ولكنها بدون النور ترتكب أخطاءً لا حصر لها، وهذا يرجع لمرضها، وليس لطبيعتها. إذًا، لو كانت الأخطاء طبيعية، ما كُنا لنستطيع أن نستخدمها، حيث يجب أن نستخدمها؛ لأنه لا يوجد شيء شرير بالطبيعة“.[49]

يرفض ق. يوحنا ذهبي الفم رفضًا تامًا فكرة أن الطبيعة البشرية تُمارِس الشر بطريقة تلقائية، مثلما تحدَّث أوغسطينوس عن الإرادة المقيَّدة بالشر، والذنب الأصلي، وخطية الطبيعة. حيث يقول التالي:

”لاحظ أيضًا إنه قال عنه: يحيد عن كل شر، وليس فقط عن شر دون شر. أين هم الذين يقولون إن الطبيعة البشرية مائلة بطريقة تلقائية نحو الشر؟ أية مخالفة وأية شرائع جعلت أيوب على ما هو عليه؟ فلأن الكتاب قال: لأنه لا إنسان صديق في الأرض يعمل صلاحًا ولا يخطئ (جا٧: ٢٠)، لذلك وصف الكتاب أيوب بأنه بلا لوم (كاملاً). فليس فقط أنه لم يقترف أي عمل مُلوَّث بالخطية، بل أنه لم يقترف ولا حتى ما هو ملوم ومذموم“.[50]

مفهوم الغضب الإلهي

يضع ذهبي الفم مفهومًا وتعريفًا للغضب الإلهي، حيث يرى أن المرء عندما لا يتجاوب مع صلاح الله، ولا يرجع حتى بالتحذير من سلوكه المنحرف، فإنه بذلك يقسي قلبه جدًا مستهينًا بمحبة الله الفائقة له. فالسبب في الدينونة ليس الله الذي يدين، بل الإنسان الخاطئ، لذلك عندما يسمع الإنسان عن ”غضب الله“، فلا يتصور أنه في الله بغضة، بل استعلان دينونة الله كالتالي:

”عندما لا يتجاوب المرء مع صلاح الله، ولا يرجع حتى بالتحذير عن سلوكه المنحرف. فهل توجد قسوة قلب أكثر من هذا؟ وبعدما أوضَّح الرسول بولس محبة الله للبشر، فإنه يتحدث عن العقاب أيضًا، وكيف أنه لا مفر من العقاب لمن لا يُقدِّم توبةً. لاحظ كيف يستخدم الكلمات بكل دقة، لأنه يقول: ’تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب‘، مبينًا أن الدينونة ستحدث على أية حال، وأن السبب فيها، ليس الله الذي يدين، بل الذي يُدان، أي الإنسان الخاطئ، إذ يقول: ’تذخر لنفسك‘، أي أنت الذي تذخر لنفسك الغضب، وليس الله هو الذي يذخره لك. لأن الله فعل ما ينبغي فعله، وخلقك قادرًا أن تميِّز بين الخير والشر، وأظهر لك طول أناة، وأنذرك باليوم المخيف، وكل هذا لكي يقودك إلى التوبة. فلو أنك تماديت في عنادك، فإنك ’تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة‘. ولكيلا تعتقد عند سماعك لكلمة ’غضب‘، إنه يوجد لدى الله بغضة، فإنه يضيف عبارة ’دينونة الله العادلة‘. وحسنًا قال ’استعلان‘، لأن وقتها يُستعلن هذا ’الغضب‘، عندما سينال كل واحد ما يستحقه“.[51]

نزول المسيح وكرازته في الجحيم

على العكس من تعليم چون كالفن بعدم نزول المسيح إلى الجحيم، يتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن نزول المسيح إلى الجحيم، وتحطيمه لطغيان الموت وقوته قائلاً:

”لأن الحياة الحاضرة هي حقًا أوان المحادثة الحقة، أما بعد الموت فتكون الدينونة والعقاب. قيل: ’في الهاوية مَن يحمدك؟‘ (مز 6: 5). كيف إذًا ’كسَّر مصاريع نحاس وقطع عوارض حديد؟‘ (مز 107: 16). بواسطة جسده؛ إذ أظهر أولاً جسدًا خالدًا محطمًا طغيان الموت. ويشير أيضًا هذا إلى تحطم قوة الموت، وليس إلى حل خطايا الذين ماتوا قبل مجيء المسيح. وإن لم يكن الأمر هكذا، بل خلَّص جميع الذين كانوا قبله في الجحيم، فكيف يقول: ’ستكون لأرض سدوم وعمورة […] حالة أكثر احتمالاً‘ (مت 10: 15)؟ لأن هذا القول يفترض أن أولئك سيُعاقبون أيضًا ولو بصورة أخف. ومع أنهم قاسوا هنا أيضًا العقاب لأقصى شدةً، فرغم ذلك، لن يخلصهم حتى هذا. وإنْ كان الأمر معهم على هذا النحو، فبالأولى كثيرًا مع الذين لم يقاسوا شيئًا“.[52]

مفهوم التبرير من الجانب الشفائي

يشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى مفهوم التبرير الشفائي وليس القضائي، حيث يرى أن المسيح، الذي خلَّصنا من الجحيم ومن الخطايا ووهبنا الحياة، مثل شخص أتى إلى شخص آخر مريض بالحمى ولم يخلصه فقط من المرض، بل جعله في حالة بهية وقوية وممجَّدة كالتالي:

”لأنه لم يخلِّصنا من الجحيم فقط، ولكن ومن الخطايا أيضًا، ووهبنا الحياة، وتلك الأمور الأخرى التي تكلَّمنا عنها مرات عديدة. تمامًا كما لو أن شخصًا كان مريضًا بارتفاع في درجة الحرارة، وأتى آخر ولم يخلِّصه فقط من المرض، لكن جعله في وضع بهي وقوي وممجَّد، وأيضًا كما لو كان شخص جائعًا ثم أشبعه آخر وليس هذا فقط، بل جعله مالكًا لأموال كثيرة، ثم قاده إلى سلطة كبيرة“.[53]

فيرى ذهبي الفم أن بر المسيح قد لاشى ومحا الخطية، وجرَّد الموت من أسلحته، وقضى وأنهى على مملكة الخطية، ومنحنا خيرات لا تُحصَى، وخيرات الدهر الآتي، والحياة الأبدية. نجد أن محور حديث ذهبي الفم هو عن منح الحياة الحقيقية للإنسان، وليس التركيز على تخليصه من العقوبة والخطية فقط، حيث يقول التالي:

”قال هذا لكي يقدم الخطية كما لو كانت ملكًا، والموت مثل جندي يخضع لأوامره، ويأخذ مؤونته منه. وبناءً على ذلك، فلو أن الخطية قدَّمت مؤونةً للموت، فمن الواضح جدًا أن البر الذي لاشى الخطية، والذي أتى بالنعمة لم يُجرِّد الموت فقط من أسلحته، بل وقضى عليه أيضًا، وأنهى على كل مملكة الخطية تمامًا، وذلك على قدر عظمة البر مقارنةً بالخطية، وهذا البر قد أتى لا بمساعدة إنسان أو ملاك، لكنه أتى من خلال معونة الله ونعمته، حتى يقود حياتنا إلى الوضع الأسمى، وإلى خيرات لا تُحصَى، خاصةً وأن حياة الدهر الآتي هي بلا نهاية، لكي تعرف من الآن امتياز هذه الحياة. لأن الخطية انتزعتنا خارج الحياة الحاضرة، لكن عندما أتت النعمة لم تهبنا الحياة الحاضرة فقط، بل وهبتنا الحياة الأبدية أيضًا. كل هذا منحنا إياه المسيح. إذًا، لا تشك في الحياة الأبدية، طالما أنك تبرَّرت، لأن البر هو أسمى من الحياة، إذ إنه هو الذي يلد الحياة الحقيقية“.[54]

دحض المبادلة العقابية ودفع ثمن العقوبة

يدحض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة الإبدال العقابي ودفع ثمن عقوبة الخطية مؤكدًا على أن إنساننا العتيق قد دُفِنَ مع المسيح، وأقامنا معه، وأنه قد خلَّصنا، وتبرَّرنا، وصرنا أبناءً، وتقدَّسنا وأصبحنا أخوةً للابن الوحيد الجنس، وورثنا معه، متَّحدين معه في جسدٍ واحدٍ، وإلى هذا الجسد المتَّحد بالرأس ننتمي، لأننا متَّحدين بالابن كالتالي:

”لأننا لم نحصل على قدر بسيط من النعمة يكفي فقط لمحو الخطية، بل حصلنا على فيض النعمة. لأنه بالحقيقة قد أُنقِذنا من الجحيم، وابتعدنا عن الشر، ووُلِدنا مرةً أخرى من الله. بل وأقامنا، ما دام أن إنساننا العتيق قد دُفِنَ، وخلَّصنا، وتبرَّرنا، وصرنا أبناءً، وتقدَّسنا وأصبحنا أخوةً للابن الوحيد الجنس، وورثة معه، واتحدنا معه في جسد واحد، وإلى هذا الجسد نحن ننتمي، وكما أن الجسد متَّحد بالرأس، هكذا اتَّحدنا نحن أيضًا به [أي بالابن]“.[55]

ويستطرد ق. يوحنا ذهبي الفم مشيرًا إلى مفهوم الثمن أو الدَّين، وهو دَّين الموت الذي ماته ليبطل به الموت ويشفي به طبيعتنا الفانية من خلال فيض النعمة التي حصلنا عليها بموته من أجلنا كالتالي:

”كل هذا دعاه بولس الرسول ’فيض النعمة‘ مُظهرًا هكذا أننا لم نحصل فقط على ما يُضمد الجرح، لكن حصلنا على شفاء وجمال وكرامة، وعلى رتب تفوق كثيرًا طبيعتنا الفانية. وكل أمر من هذه الأمور، كان كافيًا وحده أن يبطِل الموت، إلا أنه عندما يتضح أن كل هذه الأمور قد ساعدت معًا في إبطاله، فلن يكون له أثر بعد ذلك، ولن يكون ممكنًا أن يخيِّم بظلاله حولنا، طالما أنه قد انتهى كليةً. تمامًا كما لو أن شخصًا قد وضع آخر في السجن لأنه مديون له بعشرة فلسات، وليس هذا فقط، بل ووضع في السجن أيضًا زوجته وأولاده وخدامه، بسبب هذا الدَّين، ثم أتى شخص آخر ودفع ليس فقط عشرة فلسات، بل ومنح آلاف العملات الذهبية، وقاد السجين إلى الحاشية الملكية، وإلى عرش السلطة العليا، وجعله شريكًا في الكرامة السامية، وفي الأمور الأخرى المشرِقة، فيصير من غير الممكن أن يتذكر بعد ذلك الفلسات التي اقترضها. هذا ما حدث لنا، لأن المسيح دفع أكثر جدًا من قيمة الدَّين الذي كان علينا. وما دفعه كان عظيمًا جدًا، بقدر اتساع البحر، إذا ما قُورِنَ بنقطة ماء صغيرة. إذًا، ينبغي عليك أيها الإنسان ألا تشك في شيء عندما ترى كل هذا الغنى الوفير من الخيرات، ولا تفحص كيف انطفأت شرارة الموت والخطية، عندما غمر هذا البحر الكبير من الهبات الوفيرة هذه الشرارة المتقدة. وهذا ما أشار إليه بولس قائلاً: ’الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة‘ (رو5: 17)“.[56]

بل يرى ق. يوحنا ذهبي الفم أن الموت لم يكن عقوبةً، بل كان الموت في صالح الإنسان لمنع تأبيد الخطية والشر إلى الأبد، وبالتالي، كان الموت خيرًا للبشر وليس عقوبةً كالتالي:

أننا لم نُضار مطلقًا من أن الموت قد ملك على الجميع، بل إننا قد ربحنا، بكوننا قد صرنا فانيين، أولاً، لأنه لو كان لنا جسدًا غير قابل للموت، فإن ذلك سيكون دافع للاستمرار في ارتكاب الخطية، ثانيًا، لكي تكون لدينا دوافع غير محدودة في جهادنا لتحقيق التقوى. لأنه بالحقيقة عندما يكون الموت حاضرًا، وعندما ننتظره، فإنه يقنعنا أن نكون متواضعين، ومتعقلين، وبسطاء، وأن نتخلص من كل شر. ومع هذا، فمن الأفضل أن نقول أولاً أننا ربحنا بالموت خيرات أخرى وفيرة، لأنه من هنا استُعلِنَت أكاليل الشهداء، ومكافآت الرسل. هكذا تبرَّر هابيل، وهكذا تبرَّر إبراهيم الذي قدَّم ابنه ذبيحةً، وهكذا أيضًا تبرَّر يوحنا الذي مات لأجل المسيح، وأيضًا الفتية الثلاثة، كما تبرَّر دانيال. لأنه لو أردنا البر، فلن يستطيع الموت ولا الشيطان نفسه أن يُسبِّب لنا ضررًا أو أذى“.[57]

ويوضح ذهبي الفم أنه يليق بالله أن يخلص وليس أن يعاقب، لذلك فعل كل هذه الأشياء وفقًا لخطته من جهة خلاص البشرية كالتالي:

”مع الوضع في الاعتبار أن الخطية ليست مثل الهبة، والموت ليس كالحياة، وأيضًا من المستحيل أن يُوضَع الشيطان في مقارنة مع الله، لأن الفروق غير محدودة ولا تُحصَى. إذًا، هذا قد حدث بالنظر إلى قدرة ذاك الذي فعل كل هذه الأشياء، ووفقًا لخطة الله من جهة خلاص البشرية –لأن ما يليق بالله بالأكثر هو أن يخلص لا أن يُعاقِب– وهنا مكمن التميُّز والانتصار“.[58]

التبرير بالإيمان والأعمال معًا

يُشدِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على المبدأ الأرثوذكسي المهم جدًا وهو مبدأ التآزر أو السينرچيا بين النعمة والأعمال، حيث يرى أننا بعدما تبرَّرنا بالنعمة، فإننا نحتاج لأسلوب حياة مناسب، ونُظهِر محاولةً تليق بهذه العطية لتطبيق مثل هذا الأسلوب، وذلك من خلال الاعتناء بالمحبة تاج كل الخيرات، وأن نظهرها بمحاولات كثيرة بمساعدة الآخرين وليس بمجرد الكلام والمحاضرات الكثيرة كالتالي:

لأنه بعد هذه النعمة التي تبرَّرنا بها، فإن الأمر يحتاج لأسلوب حياة مناسب، فلنُظهِر محاولةً تليق بهذه العطية، لتطبيق مثل هذا الأسلوب، ولنعتني أن نحفظ المحبة التي هي تاج كل الخيرات، وأن نُظهِرها ولو بمحاولات كثيرة. لأن المحبة لا تعني الكلام فقط، ولا المحاضرات الكثيرة، ولكنها تكمن في مساعدة الآخر، إذ أنها تَظهر في الأعمال“.[59]

ويشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى أن البر يُحسَب للإنسان من حيث أنه آمن بالله، ولكن هذا الإيمان لا يُحسَب له برًا إذَا لم يُقدِّم شيئًا كالتالي:

”إذًا، هل الذي يعمل يُعد أعظم؟ لا على الإطلاق. لأن البر يُحسَب للإنسان من حيث أنه آمن بالله. إلا أن هذا الإيمان لا يُحسَب له برًا إذَا لم يُقدِّم شيئًا“.[60]

رفض سبق التعيين المزدوج للخلاص أو الهلاك

يرفض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة ”سبق التعيين المزدوج“ سواء للخلاص أو للهلاك، التي نادى بها أوغسطينوس ومن بعده قادة الإصلاح مارتن لوثر وچون كالفن، حيث يرى ق. يوحنا ذهبي الفم أن سبق التعيين الذي تحدث عنه بولس الرسول يشير إلى علم الله السابق، وليس لاختياره بعض البشر للخلاص، والبعض الآخر للهلاك كالتالي:

”وحتى لا يُعتقَد أن الإرادة الحرة قد أُبطِلَت، وهي موضع مسرة أكثر من أيّ شيء، فإنه يشدد على النصيب الصالح. لأن النصيب المرتبط بالقرعة، لا علاقة له بالفضيلة، بل يأتي عشوائيًا، كما يبدو الأمر كما لو كانت القرعة قد تمت، وبناءً على ذلك تم اختياركم. غير أن الاختيار تم على أساس المشيئة الإلهية الصالحة، لأنه يقول ’سبق فعيَّنهم‘، بمعنى أفرزنا بعدما اختارنا لنفسه، أي أنه عرفنا قبل أن ننال نصيبًا، لأن علم الله السابق عجيب، وهو عالم بكل شيء قبل أن يحدث. ولكن لاحظ كيف يحاول الرسول بولس بكل الطرق أن يبرهن على أن الله لم يغير قراره، بل هذه هي خطته منذ البدء. حتى لا نكون أقل من اليهود في شيء من حيث اختيار الله، ومن أجل هذا صنع كل شيء لتحقيق هذا الغرض“.[61]

ويؤكد ذهبي الفم على أن معنى ”سبق التعيين“ هو علم الله السابق بالذين سيكونون من نصيبه كالتالي:

”هنا أيضًا يشير إلى العناية الإلهية الفائقة، من حيث أننا خُتِمنا، فهو لم يشر فقط أنه ميَّزنا لسبق تعييننا أو سبق اختيارنا، بل أشار أيضًا إلى أولئك الذين سيكونون من نصيبه، هكذا أفرز الله أولئك ليؤمنوا، وختمهم لينالوا خيرات الدهر الآتي. أرأيت كيف أنه بمرور الزمن، جعل هؤلاء مستحقين للإعجاب؟ أي أنهم كانوا موجودين في علمه السابق فقط، ولم يكونوا معروفين لأحد، ولكن عندما خُتِموا، صاروا معروفين“.[62]

ويفسر ذهبي الفم معنى ”سبق التعيين“، بأنه علم الله السابق والأزليّ الذي يعرف به الأمور المستقبلية والتي ستحدث، وهكذا يكون قد حدَّدها أو عيَّنها حسب قصد الدهور كالتالي:

”يقول إنه أُعلِنَ الآن، إلا أنه لم يتقرر الآن (أي سبق تدبيره منذ الأزل)، وتقرر من فوق. ’حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا‘، أي بحسب سابق علمه الأزليّ، لأنه كان يعرف مقدمًا الأمور المستقبلية والأمور التي ستحدث، وهكذا فقد حدَّدها أو عيَّنها. ’حسب قصد الدهور‘، تلك التي خلقها بيسوع المسيح. أي أن كل شيء قد خُلِقَ بيسوع المسيح“.[63]

 

[1] چون كالفن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، (لبنان: دار منهل الحياة، 2018)، 2: 1، ص 234.

[2] المرجع السابق، 2: 1، ص 235.

[3] المرجع السابق، 2: 1، ص 237.

[4] المرجع السابق، 2: 1، ص 236، 237.

[5] المرجع السابق، 2: 1، ص 238.

[6] المرجع السابق، 3: 3، ص 560.

[7] المرجع السابق، 2: 1، ص 237.

[8] المرجع السابق، 2: 1، ص 238.

[9] المرجع السابق، 2: 1، ص 239.

[10] المرجع السابق، 2: 1، ص 240. أنظر مصطلح ”الخطية الطبيعية“ عند أوغسطينوس

Augustine, On Genesis in the Literal sense, I. i. 3, (MPL 34.221); Contra Julianum, opus imperfectum, V. x1, (MPL 45.1477).

[11] المرجع السابق، 2: 2، ص 250، 251.

[12] المرجع السابق، 2: 2، ص 251.

[13] المرجع السابق، 2: 2، ص 252.

[14] المرجع السابق، 2: 3، ص 276.

[15] المرجع السابق، 2: 12، ص 438، 439.

[16] المرجع السابق، 2: 16، ص 469.

[17] المرجع السابق، ص 469، 470.

[18] المرجع السابق، ص 476.

[19] المرجع السابق، ص 477.

[20] المرجع السابق، 2: 17، ص 491.

[21] المرجع السابق، ص 492.

[22] المرجع السابق، ص 492، 493.

[23] المرجع السابق، ص 493.

[24] المرجع السابق.

[25] المرجع السابق، ص 493، 494.

[26] چون كالفن، أسس الدين المسيحي مج 2، ترجمة مجموعة من المترجمين، (لبنان: دار منهل الحياة، 2018)، 3: 11، ص 678.

[27] المرجع السابق، 3: 11، ص 692، 693.

[28] المرجع السابق، 3: 11، ص 696، 697.

[29] المرجع السابق، 3: 15، ص 736.

[30] المرجع السابق، 3: 21، ص 867، 868.

[31] المرجع السابق، 3: 23، ص 891.

[32] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013)، عظة 11: 1، ص 246.

[33] المرجع السابق.

[34] المرجع السابق، ص 247.

[35] المرجع السابق، ص 248.

[36] المرجع السابق، ص 251.

[37] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح إنجيل متى ج2، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، (لبنان، 1998)، عظة 28: 3، ص 51.

[38] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على المعمودية، ترجمة: القمص مرقريوس الأنبا بيشوي، (وادي النطرون: دير الأنبا بيشوي، 2007)، عظة 3: 6، ص 64.

[39] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح إنجيل متى ج١، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، (لبنان، 1996)، عظة ١: ٣، ص ١٠٧، ١٠٨.

[40] نيقولاوس ب. فاسيلياذيس، سر الموت، ترجمة: أ. غالب خليل إبراهيم والأب د. ميشال سابا، (لبنان: دار المشرق، 2011)، ص 410، 411. وقول ق. يوحنا ذهبي الفم مأخوذ من عظة حول الصبر وحول عدم البكاء بمرارة على الموتى، مجموعة الآباء اليونان. آ. 60، 728.

[41] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016)، عظة 4: 1، ص 77.

[42] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير سفر أيوب، ترجمة: نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، تعليق على (أي١: ٥ س)، ص ٢٠.

[43] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016)، عظة 3: 2، ص 61.

[44] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013)، عظة 6: 3، ص 146.

[45] المرجع السابق، عظة 12: 4، ص 271، 272.

[46] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016)، عظة 2: 3، ص 52، 53.

[47] المرجع السابق، ص 53.

[48] المرجع السابق، عظة 2: 4، ص 54.

[49] المرجع السابق، عظة 5: 4، ص 95.

[50] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير سفر أيوب، ترجمة: نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، تعليق على (أي ١: ١ س)، ص ١٥.

[51] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013)، عظة 6: 2، ص 144.

[52] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح إنجيل متى ج2، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، (لبنان، 1998)، عظة 36: 3، ص 132، 133.

[53] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013)، عظة 11: 4، ص 253.

[54] المرجع السابق، ص 254.

[55] المرجع السابق، عظة 11: 2، ص 250.

[56] المرجع السابق، عظة 11: 2، 3، ص 250، 251.

[57] المرجع السابق، عظة 11: 3، ص 252.

[58] المرجع السابق، عظة 11: 1، ص 248.

[59] المرجع السابق، عظة 8: 5، ص 190.

[60] المرجع السابق، عظة 9: 1، ص 207.

[61] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016)، عظة 2: 1، ص 47، 48.

[62] المرجع السابق، عظة 2: 2، ص 49.

[63] المرجع السابق، عظة 7: 2، ص 118.

التبرير والنعمة بين چون كالڨن ويوحنا ذهبي الفم – د. أنطون جرجس عبد المسيح