آبائياتأبحاث

عقيدة التأله في التقليد الأرثوذكسي – د. أنطون جرجس عبد المسيح

عقيدة التأله في التقليد الأرثوذكسي - د. أنطون جرجس عبد المسيح

عقيدة التأله في التقليد الأرثوذكسي – د. أنطون جرجس عبد المسيح

المحتوى

 

عقيدة التأله في التقليد الأرثوذكسي - د. أنطون جرجس عبد المسيح
عقيدة التأله في التقليد الأرثوذكسي – د. أنطون جرجس عبد المسيح

 

عقيدة التأله في التقليد الأرثوذكسي

(دراسة كتابية، وآبائية، وليتورجية)

عقيد التأله في الكتاب المقدس

هناك خلط شديد جدًا بين عقيدة التأله بالطبيعة الخاصة بالله (ثيؤلوجيا)، وبين عقيدة التأله بالنعمة الخاصة بالبشر (إيكونوميا). وسوف أستعرض بعض النصوص الكتابية الدالة على عقيدة التأله بالنعمة مثل:

  • ”أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم“ (مز82 : 6)، وهو قول صريح لا لبس فيه.
  • وكذلك أيضًا ”فقال الرب لموسى: أنظر أنا جعلتك إلهًا لفرعون. وهارون أخوك يكون نبيك“ (خر7: 1)، وهنا يقصد التأله بالنعمة طبعًا.
  • ثم يقول رب المجد نفسه: ”أجابهم يسوع أليس مكتوبًا فى ناموسكم: أنا قلت انكم آلهة، إن قال لأولئك الذين صارت لهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينقض المكتوب فالذي قدسه اﻵب وأرسله الى العالم، أتقولون له: إنك تجدف لأني قلت أني ابن الله؟“ (يو10 : 34-36)، يؤكد السيد المسيح هنا على هذه العقيدة، ويقول لا يمكن ان ينقض المكتوب.
  • ثم يقول رب المجد نفسه: ”أجاب يسوع وقال له: إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي واليه نأتي وعنده نصنع منزلاً“ (يو14: 23). هنا يؤكد رب المجد على سُكنى اﻵب والابن في البشر بقوله نصنع عنده منزلاً.
  • وهكذا يقول معلمنا بطرس الرسول متحدثًا عن شركة الطبيعة الإلهية كأحد مفاهيم عقيدة التأله بالنعمة: ”الذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الالهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة“ (2بط 1: 4)، وهنا يؤكد ق. بطرس على شركة الطبيعة الإلهية.

 

 

عقيدة التأله عند الآباء اليونانيين

وسوف أستعرض بعض أقوال اﻵباء الدالة على عقيدة التأله بالنعمة، وهذه الأقوال هي بعض من كل، لأن الآباء اليونانيين تحدثوا في كتاباتهم الغزيرة كثيرًا جدًا بشكل مفصل عن عقيدة التأله بالنعمة.

ق. إيرينيؤس أسقف ليون

يتحدث ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي وتلميذ القديس بوليكاربوس أسقف أزمير، الذي كان بدوره تلميذًا للقديس يوحنا الرسول، عن أن تأله الإنسان يحدث فقط من خلال اتحاد الله بالإنسان، وهذا يعيدنا إلى موضوع التجسد غير المشروط، لأنها جميعًا أمور مرتبطة ببعضها البعض، فتكميل خلق الإنسان ليصير إلهًا بالنعمة، لا يمكن حدوثه دون اتحاد الله بالإنسان عن طريق التجسد الإلهي، ليجعل الله الإنسان شريكًا في عدم الفساد وعدم الموت (التأله)، وهذا لا يمكن حدوثه بدون الوسيط بين الله والناس، أي الإنسان يسوع المسيح. حيث يقول التالي:

”ولو لم يكن الإنسان قد اتحد بالله، لما صار شريكًا في عدم الفساد إطلاقًا، لأنه كان إلزامًا على الوسيط بين الله والناس، من خلال علاقته بكل منهما أن يُحضر كليهما إلى الصداقة، والوئام، ويُقدِّم الإنسان إلى الله، بينما يصير الله مُعلنًا للإنسان“.[1]

ويؤكد ق. إيرينيؤس على نفس الحقيقة السابقة وهي أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان، وبدون التجسد لا يمكن أن يصير الإنسان في حياة عدم الفساد والخلود، حيث يقول التالي:

”لأنه لهذا الهدف، قد صار الكلمة إنسانًا، الذي هو ابن الله صار ابن الإنسان، ذلك الإنسان الذي إذ قد أُخذ في داخل الكلمة، وإذ نال التبني، يصير ابن الله، لأنه لم يكن ممكنًا أن نبلغ إلى عدم الفساد والخلود بأية وسيلة أخرى، لو لم نتحد بعدم الفساد. ولكن كيف كان ممكنًا أن نتحد بعدم الفساد وعدم الموت. لو لم يصر عدم الفساد وعدم الموت أولاً، هما ذلك الذي هو نحن أيضًا، حتى أن الفاسد يُبتلع في عدم الفساد، والمائت يُبتلع في عدم الموت لكي ننال تبني البنين“.[2]

وهذا ما يؤكده ق. إيرينيؤس أيضًا أنه لا يوجد طريق آخر لنصير في شركة مع الله ونتأله سوى تجسد الابن الوحيد، حيث يقول التالي:

”فبأية طريقة كان يمكننا أن نصير شركاء تبني البنين، لو لم نكن قد نلنا منه تلك الشركة معه هو نفسه من خلال الابن، لو لم يكن الكلمة الذي صار جسدًا قد دخل في شركة معنا؟“.[3]

كما يشير ق. إيرينيؤس إلى أن نفخة الله في الإنسان في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس التي هي وسيلة شركة الكنيسة، وعربون عدم الفساد، ووسيلة تثبيت الإيمان، وسلم الصعود إلى السماء، وهذا على العكس مما يدَّعيه البعض بأن النفخة الإلهية في الخلق هي نفخة الروح الإنسانية وليست نفخة الروح القدس، حيث يقول التالي:

”فإن هبة الله هذه قد استؤمنت عليها الكنيسة، مثلما كانت النفخة بالنسبة إلى الإنسان المخلوق أولاً، ولهذا الغرض، فإن كل الأعضاء الذين ينالونها، يمكن أن يتم إحياءهم. ووسيلة الشركة مع المسيح قد انتشرت في كل الكنيسة أي الروح القدس، عربون عدم الفساد، ووسيلة تثبيت إيماننا، وسلم الصعود إلى الله“.[4]

ويؤكد ق. إيرينيؤس نفس الكلام في موضع آخر قائلاً:

”لأن الإنسان الكامل يتكون من اختلاط واتحاد النفس نائلة روح الآب [أي الروح القدس] وامتزاج تلك الطبيعة الجسدية التي شُكِّلت على صورة الله، ولهذا السبب يقول الرسول: ’نتكلم بحكمة بين الكاملين‘ (١كو٢: ٦)، مُسميًا الأشخاص الذين قبلوا روح الله ’كاملين‘ […] ولكن أن ندمج الروح مع النفس وتتحد بصنعة الله، يصير الإنسان روحيًا وكاملاً بسبب انسكاب الروح، وهذا هو الذي خُلق على صورة الله ومثاله، ولكن إن كانت النفس خالية من الروح، فمَّن يكون هكذا، هو طبيعة حيوانية، وإن تُرِكَ هكذا ليكون جسديًا، فسيكون كائنًا ناقصًا، مالكًا لصورة الله في تكوينه، وغير مائل للمشابهة بواسطة الروح، وهكذا يكون هذا الكائن ناقصًا“.[5]

وبالتالي نستنتج تأكيد ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي وتلميذ ق. بوليكاربوس تلميذ ق. يوحنا الرسول على أن التأله وحياة عدم الفساد والخلود وعدم الموت كان هو الغاية من خلق الإنسان. وتأكيده على أن النفخة الإلهية في الإنسان بداية الخلق هي نفخة الروح القدس في الإنسان المتكون من اتحاد وامتزاج النفس والجسد. كما أكد ق. إيرينيؤس أيضًا على أنه لا يوجد وسيلة أخرى لنوال الاتحاد بالله والشركة معه، ومن ثم نوال حياة عدم الفساد وعدم الموت والتأله إلا عن طريق تجسد الكلمة الابن الوحيد، مؤكدًا على التجسد غير المشروط للابن قبل السقوط ليعطي للإنسان الذي خُلِقَ ناقصًا منذ البدء وغير كامل كماله، وخلوده، وتألهه.

العلامة كليمندس السكندري

ونجد عقيدة التأله بالنعمة عند العلامة السكندري كليمندس، حيث يقول التالي:

”هو الذي حوَّل الغروب إلى شروقٍ، وصلب الموت في الحياة، وبعد أن انتزع الإنسان خارجًا من فك الهلاك، رفعه إلى السماء، غارسًا الفساد في تربة عدم الفساد، ومُحوِّلاً الأرض سماءً. هو الزارع الإلهي، ’الذي يُعطِي الطوالع الميمونة، ويحث الرجال على العمل‘، وهذا شيء صالح، ’مذكرًا إيانا بالحياة الحقيقية‘، واهبًا إيانا عظمة الآب الحقيقية، النصيب الإلهي والثابت، مؤلهًا الإنسان بالتعليم السماوي، ’جاعلاً شريعته في داخلهم، ويكتبها على قلوبهم‘ (إر31: 33)“.[6]

العلامة أوريجينوس السكندري

ويشرح العلامة السكندري أوريجينوس تلميذ العلامة كليمندس عقيدة التأله بالنعمة كالتالي:

”يقول الكتاب: ’ مَن مثلك بين الآلهة يارب؟ مَن مثلك؟ مُمجَّدًا بين القديسين، عجيبًا في عظمتك، صانعًا معجزات؟‘ إن في قوله: ’مَن مثلك بين الآلهة؟‘ لا يقارن الله بأصنام الأمم، ولا بالشياطين التي تنتحل اسم الآلهة، ولكنه يقول آلهةً على هؤلاء الذين من خلال النعمة ومشاركة الله يُدعَون آلهةً، الذين قال الكتاب عنهم في موضع آخر: ’أنا قلت أنكم آلهة‘ (مز18: 6س). وأيضًا: ’وقف الله في مجمع الآلهة‘ (مز81: 1س). ولكن بالرغم من كونهم وارثين لله، وقد وُهِبوا هذا الاسم بالنعمة، لكن لا يوجد أحد قد وُجِدَ مشابهًا لله، لا في القدرة ولا في الطبيعة، وعلى الرغم من أن يوحنا الرسول يقول: ’أيها الأولاد، حتى الآت نحن لا نعرف ماذا سنكون. ولكن حين يُستعلن لنا -بالتأكيد يتكلم عن الرب- سنكون مثله‘ (1يو3: 2)، إلا أن هذا التماثل لا يشير إلى ما هو حسب الطبيعة، ولكن إلى ما هو حسب النعمة“.[7]

ق. ميثوديوس الأوليمبي

ويؤكد ق. ميثوديوس الأوليمبي على عقيدة التأله بالنعمة متحدثًا عن الذين جعلهم الله آلهةً في التطويبات، هؤلاء الهدوئيون الأطهار من الشهوات، الذين سيعاينون الله، ويصفهم كالتالي:

”إيبوليوس: هل يمكننا القول بأن الذين يعيشون بهدوء، وغير منزعجين بالشهوات هم أطهار؟ غريغوريوس: بالتأكيد. لأن الله جعلهم آلهةً في التطويبات، فهم الذين يؤمنون به بلا شك. فيقول عنهم: إنهم يعاينون الله (مت5: 8) بثقة، لأنهم لا يُدخِلون شيئًا مظلمًا، ولا يُربِكون عيون الروح، من أجل رؤية الله؛ لكن كل رغبة في الأشياء المادية، قد أُبعِدت. فهم كما قلت: لا يحفظون الجسد طاهرًا من المعاشرة الزوجية فقط، لكن حتى القلب الذي هو هيكل للروح القدس، يسكن ويستريح فيه، غير مفتوح للأفكار غير النقية“.[8]

ق. أثناسيوس الرسولي

وهكذا يقول ق. أثناسيوس عبارته التبادلية الشهيرة التي توضح عقيدة التأله بالنعمة كالتالي:

”ﻷن كلمة الله صار انسانًا لكي يؤلهنا نحن“.[9]

ويتحدث ق. أثناسيوس أيضًا عن عقيدة التأله بالنعمة، وتأله ناسوته الذي صار طريقًا نحو تأليه أجسادنا أيضًا قائلاً:

”فإن اللوغوس لم يحط قدره باتخاذه جسدًا حتى يسعى للحصول على نعمة أيضًا، بل بالحري فإن الجسد الذي لبسه قد تأله، بل وأكثر من ذلك فقد أنعم بهذه النعمة على جنس البشر بدرجة أكثر“.[10]

ثم يتحدث ق. أثناسيوس عن أننا بشركتنا في الروح القدس نصير شركاء الطبيعة الإلهية، وبالتالي يثبت عقيدة ألوهية الروح القدس مستخدمًا عقيدة التأله بالنعمة، حيث يرى أنه إذا كان الروح القدس مخلوقًا، فكيف يؤلهنا نحن البشر بالنعمة كالتالي:

”ولكن إن كنا بالاشتراك في الروح نصير شركاء الطبيعة الالهية، فإنه يكون من الجنون أن نقول إن الروح من طبيعة المخلوقات، وليس من طبيعة الله، وعلى هذا الأساس فإن الذين هم فيه يتألهون، وإن كان [الروح القدس] يُؤلِّه البشر فلا ينبغي أن يشك في أن طبيعته هي طبيعة إلهية“.[11]

ويؤكد ق. أثناسيوس هنا أن مَن يُشكِّك في تأليه الروح القدس للبشر بالنعمة هو كمَّن يُشكِّك في ألوهية الروح القدس ويدعوه جنونًا.

ق. غريغوريوس اللاهوتي

وهكذا يتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي النزينزي في نفس السياق قائلاً:

”فكيف يُؤلِّهني الروح بالمعمودية إن لم تجب عبادته؟ واذا وجبت عبادته، فكيف لا يكون جديرًا بمراسم تلك العبادة؟“.[12]

ويربط هنا ق. غريغوريوس أيضًا مثله مثل ق. أثناسيوس بين التأله بالنعمة الذي نأخذه بالمعمودية والاعتراف بألوهية الروح القدس. ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي أيضًا عن تألهنا بحلول الروح القدس فينا ليجعلنا هياكله كالتالي:

”الذي يجعلنا هياكله، الذي يُؤلِّهنا، الذي يقودنا الى الكمال، بحيث أنه يسبق المعمودية، ويطلب بعد المعمودية جميع أعمال الله، وهو ينقسم ألسنة نار، ويُوزِّع المواهب الروحية“.[13]

ق. باسيليوس الكبير

ويشير ق. باسيليوس الكبير إلى أن عطية التأله بالنعمة هي أسمى العطايا والنعم التي أعطاها لنا الروح القدس كالتالي:

”وتنال هذه النفوس من الروح معرفة المستقبل، وفهم الاسرار، وإدراك الخفايا، وتوزيع العطايا الصالحة، والمواطنة السماوية، ومكانًا في خورس تسبيح الملائكة، وفرحًا بلا نهاية، وبقاء دائم في الله، والتشبه به، وأسمى من كل هذا أن نصير آلهةً“.[14]

ق. كيرلس الإسكندري

ويتحدث ق. كيرلس الإسكندري بكل صراحة عن أن اسم إله هو مُعطَى لنا من الله كعطية وإضافة لنا ولكنه فيه بالطبيعة:

”كيرلس: ماذا يعني الاسم اله؟ إرميا: يعنى مَن له هذه الطبيعة. كيرلس: غير أن خصائص هذه الطبيعة هي الأزلية، وعدم الفساد، بينما الاسم إله هو خاص بالملائكة أيضًا وبنا نحن على اﻷخص حتى لو كان مضاف إلينا ومُعطَى لنا“.[15]

ويتحدث ق.كيرلس أيضًا مثله مثل القديسين أثناسيوس وغريغوريوس النزينزي، ويربط بين عقيدة التأله بالنعمة والاعتراف بألوهية الروح القدس، مؤكدًا على أن مَن يرفض عقيدة التأله بالنعمة، فإنه بالضرورة يعترف بعدم ألوهية الروح القدس كالتالي:

”ﻷننا هياكل للروح الحقيقي الكائن، ولهذا فنحن نُدعى أيضًا آلهة، لأنه من خلال اتحادنا به نصبح شركاء الطبيعة الالهية غير الموصوفة. أما لو كان الروح الذي يؤلهنا هو غريب ومختلف بحسب جوهره عن الطبيعة الالهية، فحينئذ سنفقد رجاءنا“.[16]

ثم يُفرِّق ق. كيرلس السكندري بين صورة الله ومثاله في الإنسان، حيث يرى أن لصورة الله معاني كثيرة، بينما المثال هو حياة عدم الفساد وعدم الاضمحلال، كما يؤكد على أن الإنسان لم يكن خالدًا بالطبيعة منذ خلقته، بل كان سينال الخلود بعد ذلك كعطية من الله على طاعته للوصية وثباته في الله. حيث يقول التالي:

”ورغم أن حديثي أقل من المستوى اللازم، إلا أنني يجب أن أواصل موضحًا الحالة الأولى لطبيعتنا. فإني أعرف أننا إذ نقصد بإخلاص أن ندرك معنى الكلمات التي أمامنا، فإننا سنتجنب الأخطار الناتجة عن الكسل. إذًا، فهذا المخلوق العاقل أي الإنسان، قد خُلِقَ من البداية على صورة ذاك الذي خلقه حسب المكتوب (أنظر كو٣: ١٠). وصورة لها معاني متعددة. فيمكن أن تكون الصورة ليس حسب معنى واحد، بل حسب معاني كثيرة، أما عنصر مماثلة الله الذي خلقه، الذي يعلو الكل، فهو عدم الفساد وعدم الاضمحلال. فنحن نعرف أن المخلوق لا يمكن أن يكون كفوًا في ذاته أن يكون هكذا كالله بمجرد قانون طبيعته الخاصة، لأنه كيف يمكن لذاك الذي هو من الأرض بحسب طبيعته الخاصة، أن يملك مجد عدم الفساد، إن لم يحصل على ذلك من الله الذي هو بالطبيعة عديم الفساد، وعديم الفناء، وهو دائم هكذا كما هو إلى الأبد، والله هو الذي يغني الإنسان بهذه الهبة كما يهبه كل العطايا الأخرى؟“.[17]

ثم يؤكد ق. كيرلس الإسكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان لو لم يسقط في التعدي والعصيان، فالله كان سيجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، كما يؤكد أيضًا على أن النفخة التي نفخ الله في الإنسان هي الروح القدس، روح الابن، حيث يقول التالي:

”فكما يقول بولس الملهم بكل عقل وحكمة: وأي شيء لك لم تأخذه (١كو٤: ٧). لذلك، فلكي لا يتلاشى ذلك الذي خُلق من العدم، ويعود إلى العدم مرةً أخرى، بل بالحري يُحفَظ على الدوام – كما كان قصد الذي خلقه- لذلك فإن الله يجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، لأنه ’نفخ في أنفه نسمة حياة‘ (تك٢: ٧)، أي روح الابن، لأن الابن نفسه مع الآب هو الحياة، وهو يضبط كل الأشياء معًا في الوجود. لأن كل الكائنات التي تنال الحياة ’به تحيا وتتحرك‘ حسب كلمات بولس الرسول (أنظر أع١٧: ٢٨)“.[18]

ويؤكد ق. كيرلس السكندري على أن النفخة في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس، ويقول إنه مَن يفترض أن نفخة الله في بداية الخلق صارت نفسًا مخلوقة هو إنسان لا يملك تفكيرًا سليمًا، ويشرح ذلك كالتالي:

”فإننا يجب أن نكرر مرةً أخرى ونقول – لا يوجد أي إنسان ذو تفكير سليم، يمكن أن يفترض أن النسمة التي صدرت من الجوهر الإلهي صارت نفسًا مخلوقة، بل إنه بعد أن صار للمخلوق نفسًا، أو بالحري بعد أن بلغ إلى كمال طبيعته بوجود النفس والجسد معًا، فإن الخالق طبع عليه ختم الروح القدس أي ختم طبيعته الخاصة أي نسمة الحياة، والتي بواسطتها صار المخلوق مشكلاً بحسب الجمال الأصلي، واكتمل على صورة ذاك الذي خلقه. وهكذا وُهِبَت له الإمكانية لكل شكل من أشكال السمو بفضل الروح الذي أُعطِيَ له ليسكن فيه“.[19]

يتضح من هنا تأكيد ق. كيرلس السكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان كما قصد الله، أي أن يصير شريكًا للطبيعة الإلهية، ويؤكد ق. كيرلس السكندري على أن نفخة الله في بداية الخلق لم تكن نسمة الحياة المخلوقة في الإنسان، بل ختم الروح القدس أي ختم طبيعته الخاصة في الإنسان، وليس كما ينكر النساطرة الجدد ويدَّعون أن نسمة الله في بداية الخلق هي مجرد نسمة الحياة أو النفس المخلوقة في الإنسان.

 

 

عقيدة التأله عند الآباء السريان

يعتقد البعض أن عقيدة التأله بالنعمة هي عقيدة حصرية عند الآباء اليونانيين، ولكنها عقيدة راسخة في الكنيسة شرقًا وغربًا، وفي جميع التقاليد المسيحية. وسوف نبحر الآن في عالم الآباء السريان، لنرى مفاهيم التأله في الأدب السرياني.

مار أفرام السرياني

نبدأ من مار أفرام السرياني الملقب بقيثارة الروح القدس، حيث يسجل في أشعاره وترانيمه الموزونة عقيدة التأله كما فهمها آباء الكنيسة اليونانية، لأنه كان معاصرًا للقديس أثناسيوس الرسولي، فيتحدث عن عقيدة التأله بالنعمة كالتالي:

”الله في مراحمه، دعا المائتين آلهةً بالنعمة، أما هم فحدَّدوا مَن هو الله، وتعقبوه وكأنه إنسان، الكاروبيم حملوا جسدكم الذي لبس، والسيرافيم يزهون قدامه، وقدامه الملائكة صامتون، وأنتم أيها المحتقرون، تحتقرون ولادة الإله الوقور“.[20]

ويتحدث مار أفرام السرياني أيضًا عن أن الله في تجسده صنع معنا مبادلة خلاصية، حيث وهب لنا اللاهوت ووهبنا نحن له الناسوت كالتالي:

”الشكر لمَّن آتى بالبركة، وأخذ منا الصلاة، المسجود له نزل إلينا، أصعد منا السجود، وهب لنا اللاهوت، فوهبنا له الناسوت، آتى إلينا بالمواعيد، فوهبنا له إيمان ابراهيم حبيبه، اقترضنا منه الصدقات، نقود أيضًا وبطلبها منه“.[21]

ويتحدث مار أفرام أيضًا عن ارتقاء النفس والجسد إلى ذروة الجلال والمجد في السماء كالتالي:

”ترتقي الأجساد طبقات النفس، والنفس طبقة الفكر، ويرتقي الفكر ذروة الجلالة، وهو يقترب بخشية ومحبة، فلا يغريه الارتقاء، ولا يبعده الانفصال، فإن في بعده فطنةً، وفي دنوه عونًا له“.[22]

مار يعقوب السروجي

ثم ننتقل إلى مار يعقوب السروجي الملقب بكنارة الروح القدس وقيثارة السريان، الذي يتحدث بنفس صيغة التأله الشهيرة الخاصة بالقديس أثناسيوس ”صار ابن الله إنسانًا لكي يؤلهنا“، حيث يقول التالي:

”لما نزل، أنزل معه من العلويين، ولما صعد، أصعد معه من السفليين، أنزل الروح وأصعد الجسد، وكمل الأمرين: صار إنسانًا، وجعل الكثيرين آلهةً“.[23]

ويتحدث مار يعقوب السروجي أيضًا عن تألهنا بالمعمودية، حيث يقول التالي:

”البتول أعطت لربنا جسدًا ليصير إنسانًا، والمعمودية صبغتنا بالروح لنصير آلهةً“.[24]

ويستخدم مار يعقوب السروجي مجددًا صيغة التأله التبادلية المشهورة في موضع آخر قائلاً:

”ولهذا آتى الكلمة الذي شاء أن يصير لحمًا، لينتمي إلى جنس الناس ويخلصهم، هو صار منا من بطن الممجدة، وجعلنا منه من ميلاد المعمودية، صار ابن الإنسان وجعل البشر آلهةً، وأصعدهم ليدعوا السماوي: أبانا“.[25]

مار فلوكسينوس المنبجي

ثم يتحدث مار فلوكسينوس أسقف هيرابوليس (منبج) وهو أحد الآباء السريان المناوئين لمجمع خلقيدونية ٤٥١م، والمدافع القوي عن الخريستولوجي اللا خلقيدوني، حيث يتحدث عن أن المسيح في تجسده:

”جعلنا أبناء الآب وآلهةً في السماء“.[26]

ويستخدم مار فلوكسينوس المنبجي صيغة التأله التبادلية الشهيرة موضحًا معاني التأله من إعادة خلق الطبيعة البشرية من جديد في المسيح، ونوال التبني لله الآب كالتالي:

”لأن الكلمة، الذي هو الله، رغب أن يجعل البشر أبناء الله، فنعترف بأنه أخلى ذاته، وصار جسدًا، ولبس طبيعة إنسانية كاملة لكي يعيد خلق الكيان الإنساني بالكامل في نفسه، ولأنه أصبح إنسانًا فينا، نحن أيضًا تألهنا وأصبحنا أبناء الآب“.[27]

ثم يتحدث مار فلوكسينوس أيضًا عن أننا صرنا أبناء للآب في الابن، وصرنا متألهين في الله الذي صار إنسانًا كالتالي:

”لقد أصبحنا جميعًا أولادًا في الابن الذي صار إنسانًا، لقد تألهنا جميعًا في الله الواحد الذي أصبح إنسانًا“.[28]

ق. يوحنا الدلياتي

وهكذا يتحدث ق. يوحنا الدلياتي أو ق. يوحنا سابا الملقب بالشيخ الروحاني، وأحد أعمدة النسك السرياني والرهبنة السريانية في القرن السابع عن التأله بالنعمة ذاكرًا بركات اتحاد الإلهي بالبشرية قائلاً:

”أنت أيها الإنسان، صورة الله. هل تريد الصورة أن تأخذ شبه النموذج؟ […] احمل في قلبك دائمًا نير ربك، واحمل العجب في ذهنك من جلاله، حتى تشع في مجده، وتتغير إلى الشبه، حتى تصبح أنت إلهًا في الله، إذ قد نلت شبه الخالق بالاتحاد الذي يجعلنا نتمثل به“.[29]

 

 

عقيدة التأله في الليتورجية السريانية

ونرى أصداء عقيدة التأله بالنعمة في الليتورجية السريانية، حيث يذكر كتاب الفينيقيت السرياني (أي المواسم الاحتفالية) عبارات واضحة كثيرة عن عقيدة التأله كالتالي:

”أصبح جسدك الإلهي سماء الحياة، وألَّه كياننا كله، بحيث ينبغي ألا يُغوى ثانيةً ليعود إلى الفساد والفناء“.[30]

ويقول أيضًا مخاطبًا الإله المتجسد قائلاً:

”لقد أصبحت إنسانًا وألَّهتنا“.[31]

ويتحدث أيضًا عن أن الله منح الألوهية لآدم التي طلبها من قبل بصورة خاطئة كالتالي:

”لقد منح الألوهية لآدم كما طلب من قبل“.[32]

ونستنتج من هنا أن عقيدة التأله بالنعمة هي عقيدة مسيحية راسخة في التقاليد المسيحية المختلفة سواء اليوناني، أو السرياني، أو اللاتيني، وليس كما يزعم البعض خطاءً بأنها عقيدة غير أصيلة سواء في الكتاب المقدس أو التقليد.

 

 

عقيدة التأله عند الآباء اللاتين

نستكمل بحثنا في موضوع عقيدة التأله بالنعمة في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، وسوف نتحدث عن مفهوم التأله بالنعمة عند الآباء اللاتين في الغرب.

العلامة ترتليان الأفريقي

نبدأ من العلامة ترتليان الذي يُعتبر أبو اللاهوت اللاتيني، حيث يتحدث ترتليان في أكثر من موضع عن عقيدة التأله بالنعمة. حيث يرى أن التأله هو غاية خلق الإنسان، وإن الإنسان لو لم يسقط، كان سيؤخذ في المستقبل إلى الطبيعة الإلهية، حيث يقول التالي:

”والآن، على الرغم من أن آدم كان عرضةً للموت بسبب حالته تحت الناموس، إلا أن الرجاء كان محفوظًا له بقول الرب: ’هوذا آدم يصير كواحد منا‘ (تك٣: ٢٢)، أي نتيجة اتخاذ الإنسان إلى الطبيعة الإلهية في المستقبل. إذًا، ما الذي يلي ذلك؟ والآن، لئلا يمد يده، ويأخذ أيضًا من شجرة الحياة، (ويأكل)، ويحيا إلى الأبد. وبالتالي يُظهِر بإضافة الجزء عن الوقت الحاضر ’والآن‘، أنه قد خلقه للوقت، وللحاضر، ولاستمرار حياة الإنسان“.[33]

ويتحدث ترتليان عن أن البشر يُدعون آلهةً أيضًا، ولكنه ليس من ذواتهم، بل بالنعمة حسب استحقاق كل منا، حيث يقول التالي:

”لكنك ستقول: إنه -بهذه الطريقة- لا يوجد فينا أي شيء من الله، لكن بالحقيقة إن لنا شيئًا منه، بل وسيظل لنا، لكن هذا الشيء هو منه، وقد تسلمناه، وهو ليس من ذواتنا؛ لأننا سنكون آلهةً، إذا استحققنا أن نكون ضمن هؤلاء الذين قال لهم: ’أنا قلت: أنكم آلهة‘، و ’الله في وسط الآلهة يقضي‘، ولكن هذا يتأتى من نعمته، وليس بسبب مزية فينا، لأنه هو وحده مَن يستطيع أن يصنع [منا] آلهةً“.[34]

ويستخدم آية (مز٨٢: ١، ٦) أيضًا في موضع آخر مؤكدًا على عقيدة ألوهية السيد المسيح وعقيدة تأله الإنسان، لأن الكتاب المقدس دعا البشر آلهة بسبب التبني لله والإيمان، فكيف لا يكون الابن هو بالحقيقة ابن الله الوحيد بالطبيعة كالتالي:

”فلنتذكر أنت وأولئك هذا القائل: ’أنا قلت: أنكم آلهة وبنو العلي كلكم‘ (مز٨٢: ٦)، ومرة أخرى: ’الله قائم في مجمع الله‘ (مز٨٢: ١)، وإن كانت الأسفار لم تخش أن تدعو البشر آلهةً، وهم قد صاروا أبناء الله بالإيمان، فلنتأكد إذًا، أن نفس الأسفار بكل احتراس، تمنح لقب ’الرب‘ لمَّن هو بالحقيقة ابن الله الواحد والوحيد“.[35]

ق. هيلاري أسقف بواتييه

ننتقل إلى ق. هيلاري أسقف بواتييه والملقب بـ ”أثناسيوس الغرب“، حيث يتحدث عن أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان كالتالي:

”فالخطية الموجهة ضد الروح هي إنكار كمال قوة الله، ونقض للجوهر الأزلي في المسيح، الذي صار من خلاله الله في الإنسان، ليصير الإنسان إلهًا“.[36]

ثم يتحدث ق. هيلاري عن اقتناء البشر للروح القدس كعربون للخلود وشركة الطبيعة الإلهية مؤكدًا على ألوهية الروح القدس، حيث يقول التالي:

”لن يجرؤ الرجال فيما بعد، بقوة المنطق البشري المجرد، على أن يضيفوا الروح الإلهي بين المخلوقات، والذي نقبله كعربون الخلود وكمصدر للاشتراك مع الطبيعة الإلهية غير الآثمة“.[37]

وهكذا يتحدث ق. هيلاري عن أن غاية التجسد الإلهي هي تأليه الإنسان، حيث يقول التالي:

”فإنه حينما وُلِدَ الله ليكون إنسانًا، لم يكن الغرض هو فقدان الألوهية، بل ببقاء الألوهية يُولَد إنسانًا كي يكون إلهًا. فمن ثم إن اسمه هو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت١: ٢٣)، كي لا يقلل من شأن الله إلى مستوى الإنسان، بل يُرفَع من شأن الإنسان إلى الاتحاد بالله. وعندما طلب [أي المسيح] أن يتمجد، لم يكن هذا تمجيدًا لطبيعته الإلهية بأي شكل، بل للطبيعة الأقل التي اتخذها؛ فإنه يطلب هذا المجد، الذي كان له قبل تأسيس العالم“.[38]

أوغسطينوس أسقف هيبو

ننتقل الآن إلى أوغسطينوس الذي يُعتبر من أكثر الآباء اللاتين حديثًا عن تأله الإنسان بالنعمة، حيث يتحدث مثله مثل العلامة ترتليان عن أن التأله هو غاية خلق الإنسان منذ البدء، وأنه كان سيصير إلهًا لو لم يسقط بالتعدي والعصيان كالتالي:

”هنالك في الراحة سوف ترى أنه هو الله، طبيعة سامية ادَّعيناها لنا حينما هبطنا من أعالي عهده على صوت الشيطان الذي أغوانا قائلاً: ’تصيران كآلهة‘، لم نحفظ الأمانة لهذا الإله الذي كان قادرًا على أن يجعل منا آلهةً، لو لم نجحد نعمه، ونتخلف عن الاتحاد به“.[39]

ثم يتحدث أوغسطينوس عن أن تأله الإنسان والشركة في اللاهوت هي غاية الإخلاء والتجسد الإلهي، مستخدمًا صيغة التأله التبادلية الشهيرة، حيث يقول التالي:

”لكن المسيح، معلم التواضع، الذي جعل نفسه شريكًا لنا في سقمنا، ليجعلنا شركاء في لاهوته، ونزل من السماء ليعلمنا الطريق، ويكون هو طريقنا (يو١٤: ٦)“.[40]

ثم يتعمق أوغسطينوس في شرح عقيدة التأله في موضع آخر في سياق تفسيره لآية (مز٨١: ١) كالتالي:

”فمَّن هم؟ وأين هم الآلهة الذين إلههم هو الإله الحق؟ يجيبنا مزمور آخر: ’الله قائم في مجمع الآلهة، وهو في وسط الآلهة ليدينهم‘ (مز٨١: ١). مازلنا نجهل إذا كان لا يوجد في السماء آلهة أخرى، يقوم الله وسط مجمعهم ليدينهم. أنظروا في المزمور نفسه، عمَّن يتكلم النبي: ’قلت أنكم آلهة، وبنو العلي كلكم، إلا أنكم مثل البشر تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون‘ (مز٨١: ٦). يتضح من هذا الكلام أن الذين يدعوهم الله آلهةً، هم بشر تألهوا بنعمته، وليسوا مولودين من جوهره. وحده يبرر مَن هو البر ذاته، ولم ينل بره من آخر. كذلك، وحده يُؤلِّه مَن هو الله بذاته، ولا يشاركه إله آخر. والحال، فإن الذي يُبرِّر هو الذي يُؤلِّه، لأن الذين بررهم، يجعلهم أبناء الله. يقول الإنجيلي: ’أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أبناء الله‘ (يو١: ١٢). إن صرنا أبناء الله، صرنا آلهةً، لكن بنعمة التبني، لا بالطبيعة التي وُلِدَنا فيها. ليس لله سوى ابن أوحد هو مع أبيه إله واحد، أعني ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الكلمة الذي كان في البدء، كلمة الله، والكلمة التي في الله. أما الذين يصيرون آلهةً، فبنعمة الله يصيرون، ولا يُولَدون من جوهره ليكونوا مثله آلهةً“.[41]

ويؤكد أوغسطينوس أيضًا على عقيدة التأله بالنعمة وشركة الطبيعة الإلهية في موضع آخر قائلاً:

”جعلك الله أخًا لابنه دون أن يلدك، فتبناك، وجعلك له شريكًا في الميراث، ثم جعل المسيح شريكًا لك في الموت ليؤهلك للاشتراك معه في اللاهوت“.[42]

ويتحدث أوغسطينوس أيضًا عن ألوهية الروح القدس موضحًا أنه إله بالطبيعة، وعلى العكس من البشر المخلوقين الذين يُدعون آلهة أيضًا، ولكن بالنعمة وليس بالطبيعة مثل الروح القدس كالتالي:

”ولكن إن كان غير مخلوق، فمن ثم لا يكون إلهًا فقط (لأن البشر يُدعون آلهةً أيضًا)، بل هو أيضًا الله ذاته، ولذا فهو مساويًا بالكلية للآب والابن، ويكون في وحدانية الثالوث ومن نفس الطبيعة“.[43]

ويؤكد أوغسطينوس أيضًا على عقيدة التأله بالنعمة كبركة من بركات التجسُّد الإلهي، مستخدمًا صيغة التأله التبادلية الشهيرة كالتالي:

”لأنه صُلِبَ بحسب صورة العبد، ولكنه رب المجد المصلوب؛ لأن الاتخاذ [التجسُّد] قد جعل الله إنسانًا واﻹنسان إلهًا“.[44]

ونستنتج من هنا أن عقيدة تأليه الإنسان هي عقيدة راسخة وثابتة في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، وموجودة بقوة في جميع التقاليد المسيحية المبكرة، سواء التقليد اليوناني (سواء التقليد السكندري، والأورشليمي، والكبادوكي)، أو السرياني، أو اللاتيني.

 

 

تأله ناسوت المسيح

يعلم آباء الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة بتعليم غاية في الأهمية هو تأله ناسوت المسيح، حيث يرى الآباء أن تأله ناسوت المسيح هو الطريق لتأله أجسادنا نحن بالمسيح في الروح القدس.

ق. أثناسيوس الرسولي

فنجد ق. أثناسيوس الرسولي يؤكد على تأله ناسوت المسيح، ويؤكد أيضًا على تبادل الخواص أو الصفات أو الأسماء في المسيح كالتالي:

”بل كُتِبَت هذه العبارة عنه بسببنا ولأجلنا. لأنه كما مات المسيح ثم رُفِعَ كإنسان، فبالمثل قيل عنه إنه أخذ كإنسان ما كان له دائمًا كإله، وذلك لكي تصل إلينا عطية مثل هذه النعمة، فإن اللوغوس لم يحط من قدره باتخاذه جسدًا حتى يسعى للحصول على نعمة أيضًا، بل بالأحرى فإن الجسد الذي لبسه قد تأله، بل وأكثر من ذلك، فقد أنعم بهذه النعمة على جنس البشر بدرجة أكثر“.[45]

ويكرر ق. أثناسيوس نفس الحديث عن تأله ناسوت المسيح في موضع آخر كالتالي:

”لأنه حينما صار إنسانًا، لم يكف عن أن يكون الله، ولا بسبب كونه الله يتجنب ما هو خاص بالإنسان، حاشا بل بالحري، إذ هو الله فقد أخذ الجسد لنفسه، وبوجوده في الجسد، فإنه يُؤلِّه الجسد“.[46]

ويشدد ق. أثناسيوس أيضًا على تأله ناسوت المسيح في موضع آخر قائلاً:

”وعندئذ لم يقل ’والابن‘ كما سبق وقال إنسانيًا، بل قال: ’ليس لكم أن تعرفوا‘، لأن الجسد عندئذ كان قد قام وخلع عنه الموت وتأله، ولم يعد يليق به أن يجيب بحسب الجسد عندما كان منطلقًا إلى السماوات، بل أن يُعلِّم بطريقة إلهية“.[47]

ق. غريغوريوس اللاهوتي

وهذا هو أيضًا ما يقوله ق. غريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح، حيث يقول التالي:

”الله قد خرج مع الجسد الذي اتخذه، واحدًا من اثنين كانا مختلفين، الجسد والروح، حيث أحدهما كان يُؤلِّه، والآخر يتأله. فيا للخلط الجديد! يا للمزج العجيب! هو الذي هو، قد صار، والخالق خُلِقَ، وغير المُدرَك قد أُدرِكَ بواسطة العقل كوسيط الذي هو في المنتصف بين اللاهوت وخشونة الجسد“.[48]

ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح نفسًا وجسدًا في مواجهة أبوليناريوس الذي أنكر وجود النفس الإنسانية العاقلة في المسيح كالتالي:

”إذا كان الأقل نبلاً قد اتُخِذَ ليتقدس إذ أنه [المسيح] اتخذ جسدًا، أفلا يُتخَذ الأكثر نبلاً ليُقدَّس إذ أنه (المسيح) صار إنسانًا، إذ كان التراب [يقصد الجسد] أيها الحكماء قد خمَّر الخمير فصار عجينًا جديدًا، أفلا يُخمِّر الصورة [الروح] فترقى إلى الامتزاج بالله، بعد أن تكون قد تألهت بالألوهة؟“.[49]

ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح في مواجهة الأفنوميين الآريوسيين منكري ألوهية المسيح، هذا التأله الذي فتح الطريق أمام تأله أجسادنا نحن أيضًا كالتالي:

”فالذي [أي الابن] هو الآن حقير في نظرك، كان قبلاً أرفع منك، الذي هو الآن إنسان، كان حينذاك غير مركب. وما كانه بقى عليه، وما لم يكنه صار إليه [أي الناسوت]. كان في البدء بلا علة – وهل يكون لله علة؟ – ثم وُلِدَ لعلة. وكانت العلة هي أن تخلُص، أنت المجدف عليه، ومحتقر الألوهة التي تحملت كثافتك، والإنسان الأرضي الذي اتحد بالجسد بواسطة روح، صار إلهًا عندما امتزج بالله، وصار واحدًا، يغلب فيه الأفضل والأرفع، وبذلك أُصبِحُ أنا إلهًا بقدر ما أصبح هو إنسانًا“.[50]

ق. غريغوريوس النيسي

وهذا هو أيضًا ما يؤكد عليه ق. غريغوريوس النيسي في مواجهة الهرطقة الأبولينارية، حيث شدَّد على تأله ناسوت المسيح، واكتسابه خواص الألوهية بعد التجسد التدبيري لله الكلمة، وهذا بالطبع ينعكس على أجساد البشر الذين خلصهم الله الكلمة بتجسده من الخطية واللعنة والضعف، ومنحهم التأله وخواص الألوهية من الحكمة، والقداسة، والقوة، وعدم التألم كالتالي:

”إننا نضع في الاعتبار قول الرسول: إنه صار خطيةً، ولعنةً لأجلنا، وإنه قد أخذ ضعفنا عليه بحسب كلام إشعياء النبي، ولم يترك الخطية، واللعنة، والضعف دون شفاء، بل قد ابتُلِع المائت من الحياة، ولقد امتزج كل شيء ضعيف ومائت في طبيعتنا مع الألوهية، وصار ما تكونه الألوهية“.[51]

ويكرر النيسي نفس الحديث عن تأله ناسوت المسيح في نفس الرسالة قائلاً:

”لأنه باكورة الطبيعة البشرية التي أخذها امتزجت بالألوهية كلية القدرة والقوة […] لكن بما أن كل هذه الخواص التي نراها مصاحبةً للمائت قد تحولت إلى خواص الألوهية، فلا يمكن إدراك أي تمييز بينهما، لأن أي شيء يمكن أن يراه الإنسان في الابن هو الألوهية، والحكمة، والقوة، والقداسة، وعدم التألم“.[52]

ق. هيلاري أسقف بواتييه

ويؤكد ق. هيلاري أسقف بواتييه الملقب بأثناسيوس الغرب على تأله ناسوت المسيح، حيث يقول التالي:

”إذ يتلخص التجسد في هذا، أن كل ما للابن -أي ناسوته ولاهوته- قد سمح له الآب أن يستمر في وحدة طبيعته، ولم يحتفظ فقط بقدرات الطبيعة الإلهية، بل وأيضًا بتلك الطبيعة نفسها. فإن الهدف المطلوب هو أن يتأله الناسوت. لكن الناسوت المُتخَذ لم يكن ممكنًا له بأية طريقة أن يبقى في وحدة الله، إلا إذا وصل إلى الوحدة مع اللاهوت“.[53]

ق. كيرلس الإسكندري

كما يؤكد ق. كيرلس الإسكندري المُلقَّب بعمود الدين على تأله ناسوت المسيح، الذي يُعد الوسيلة الوحيدة لتأله أجسادنا نحن أيضًا، حيث يقول التالي:

”تتقدم الطبيعة البشرية في الحكمة وفقًا للطريقة الآتية: الحكمة الذي هو كلمة الله اتخذ الطبيعة البشرية فتألهت، وهذا مُبرهَن من خلال أعمال الجسد، والنتائج العجيبة في أعين أولئك الذين يرون الهيكل [الجسد] الذي أخذه، جعلته يرتقي بالنسبة لهم. هكذا ارتقت الطبيعة البشرية في الحكمة مُتألهةً بواسطتها. لذلك أيضًا نحن بطريقة مماثلة للكلمة، الذي لأجلنا تأنس، نُدعَى أبناء الله وآلهةً. لقد تقدمت طبيعتنا في الحكمة مُنتقِلةً من الفساد إلى عدم الفساد، ومن الطبيعة البشرية إلى الألوهية بنعمة المسيح“.[54]

ق. ساويروس الأنطاكي

ويشرح ق. ساويروس الأنطاكي مثله مثل باقي الآباء السابقين عليه أن تأله ناسوت المسيح معناه لمعان جسد المسيح بالمجد الخاص بالله مُقتبسًا ومُفسِّرًا لقول ق. غريغوريوس اللاهوتي من عظة الثيؤفانيا أو عيد الميلاد الذي اقتبسناه أعلاه، حيث يقول في رسالته الثانية إلى سرجيوس النحوي التالي:

”ففي العظة (Lebon p. 116) على الظهور الإلهي يقول [ق غريغوريوس] ’الله خرج مع الجسد الذي اتخذه، واحدًا من اثنين كانا مختلفين، الجسد والروح، حيث أحدهما كان يُؤلِّه والآخر يتأله‘. لكن يُفهَم تعبير ’يتأله‘ ويُقال لأن الجسد قد لمع بالمجد الخاص بالله، كما يقول الحكيم (كيرلس) وليس لأنه تغيَّر إلى طبيعة اللاهوت“.[55]

ويتضح من هنا إجماع آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا على تأله ناسوت المسيح كوسيلة وكتهيئة لتأله أجسادنا نحن بالمسيح في الروح القدس، بل وقد ثَبُتَ من نصوص الآباء شرقًا وغربًا أن تأله ناسوت المسيح هو عقيدة أرثوذكسية راسخة في الكنيسة الجامعة.

 

 

الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق

تجلي السيد المسيح على جبل تابور

التعليم عن الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق هو تعليم أرثوذكسي سليم موجود في صُلب الكتاب المقدس والتقليد الرسولي والآبائي، حيث نذكر تجلي إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح بنوره الإلهي غير المخلوق على جبل تابور أمام تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا وإيليا وموسى، حيث يقول الكتاب:

”وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. 4 فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: ’يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ‘“. (مت 17: 1-4).

وهكذا ستتجلى أجسادنا بهذا النور العجيب مثل تجلى جسد المسيح أمام تلاميذه في المجد والملكوت.

اختبار بطرس الرسول للنور الإلهي

ولقد اختبر ق. بطرس الرسول النور الإلهي غير المخلوق وشهد عن ذلك قائلاً:

”لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ. لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ اللهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْدًا، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى :’هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ‘. وَنَحْنُ سَمِعْنَا هذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ، إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ“. (2بط1: 16-18)

اختبار بولس الرسول للنور الإلهي

كما أختبر ق. بولس الرسول هذا النور الإلهي غير المخلوق وشهد عنه قائلاً:

”فَحَدَثَ لِي وَأَنَا ذَاهِبٌ وَمُتَقَرِّبٌ إِلَى دِمَشْقَ أَنَّهُ نَحْوَ نِصْفِ النَّهَارِ، بَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلِي مِنَ السَّمَاءِ نُورٌ عَظِيمٌ“ (أع22: 6).

اختبار ق. استفانوس للنور الإلهي

كما أختبر ق. استفانوس أول شهداء المسيحية مجد هذا النور الإلهي غير المخلوق وشهد عنه قائلاً:

”وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ“ (أع7: 55). وأختبره أيضًا ق. يوحنا الرسول وشهد عنه قائلاً: ”وَهذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ“ (1يو1: 5-6).

اختبار ق. كيرلس الإسكندري للنور الإلهي

لقد تحدث ق. كيرلس الإسكندري الذي اختبر الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق وقال عن هذا الاختبار:

”فنحن دُعِينا من الظلمة إلى نوره العجيب. وإذا كان هذا حقًا، فالمخلوق ليس حقًا هو النور، بل الابن وحده بالحقيقة وبالضبط هو النور، أما المخلوقات فهي تصير نورًا باشتراكها فيه، ولذلك فهي ليست من ذات طبيعته“.[56]

اختبار ق. غريغوريوس اللاهوتي للنور الإلهي

ثم يتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي عن اتحادنا بالنور الإلهي غير المخلوق كالتالي:

”لنصبح نحن نورًا، كما سمع التلاميذ من النور الأعظم قوله لهم: أنتم نور العالم، بل ولنصر كأنوار في العالم، نضيء بين الأمم كما قال بولس الرسول في (في٢: ١٥): نحن قوة حية للآخرين. فلنتخذ شيئًا من الألوهة ولنقتبس نورًا من النور الأول. لنسر نحو إشعاع هذا النور قبل أن تحجب بيننا وبينه الظلال“.[57]

ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي أيضًا عن اتحادنا بالنور الإلهي غير المخلوق التالي:

”ولكي تتقدموا أنتم كأنوار كاملة أمام النور الكبير، وأن تدخلوا إلى موكب النور النابع من النور الكبير متخذين من النور الأبهى والأنقى، نور الثالوث الذي قبلتموه صبحًا من أصباح الألوهة الواحدة لشخص ربنا يسوع المسيح“.[58]

وهكذا يتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي عن الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق قائلاً:

”إنه ينزل من الأعالي حيث مقره لكي ما تدخل إليه -إلى حد ما- الطبيعة المخلوقة“.[59]

اختبار ق. باسيليوس الكبير للنور الإلهي

كما يتحدث ق. باسيليوس الكبير عن اختبار النور الإلهي غير المخلوق لفهم وإدراك الإلهيات، وإنه بدون الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق لا يمكن أن تفكر النفس بصورة سليمة كالتالي:

”لأنه تمامًا كما هو النور المحسوس بالنسبة للعين، هكذا الله الكلمة بالنسبة إلى النفس، لأن الكتاب المقدس يقول: كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم (يو١: ٩). وبناءً على ذلك، فإن النفس التي ليس فيها نور، لا تستطيع أن تفكر بشكل صحيح […] وأن يقتربوا من هذه الولادة من خلال إشراقة النور الإلهي“.[60]

ثم يتحدث ق. باسيليوس الكبير في موضع آخر عن اتحادنا وتلامسنا مع بهاء الألوهة والاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق كالتالي:

”هؤلاء يوصيهم أن يقتربوا من الرب، ويتلامسوا مع بهاء ألوهيته، حتى أنهم بهذا الاقتراب، بعدما يستنيرون بنور الحقيقة، يقبلوا داخلهم هذا النور بواسطة النعمة، وكما هو الحال بالنسبة إلى النور المحسوس، فهو لا يشرق على الجميع بطريقة واحدة، بل يشرق فقط على الذين لهم أعين، وهم في حالة يقظة“.[61]

اختبار ق. غريغوريوس النيسي للنور الإلهي

وهكذا يتحدث ق. غريغوريوس النيسي عن اتحادنا بالنور الإلهي غير المخلوق كالتالي:

”إن نور الحق يسطع علينا نحن الذين نواصل السير في هذا المساء الهادئ في الحياة، وينير أعين أرواحنا بأشعته. هذا الحق الذي تجلى لموسى بنور غامض لا يُوصَف ولا يُنطَق به هو الله“.[62]

ثم يتحدث ق. غريغوريوس النيسي عن اختبار القديس استفانوس للنور الإلهي غير المخلوق، الذي هو مثال لاتحادنا بالنور الإلهي غير المخلوق كالتالي:

”كيف رأى استفانوس مجد الله؟ مَن الذي فتح له أبواب السماء؟ تُرى هل هذه النعم محصلة قوة إنسانية؟ هل ملاك أصعد طبيعتنا التي كانت تنظر إلى أسفل إلى ذلك السمو؟ لم يحدث أي شيء من كل هذا. فكل ما له علاقة بهذه القصة، لم يذكر شيئًا مثل هذا، بمعنى أن استفانوس لم ير ما رأه لأنه كان قويًا للغاية، أو لأنه نال معونة كاملة من الملائكة. فماذا قال النص الإنجيلي؟ قال: وأما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس، فرأى مجد الله ويسوع قائمًا عن يمين الله (أع٧: ٥٥). لأنه من غير الممكن، كما يقول داود النبي، أن يرى أحد النور، إن لم يكن قائمًا داخل النور: بنورك نرى نورًا (مز٣٦: ٩). لأنه من المستحيل رؤية النور خارج النور. أي كيف يمكن للمرء أن يرى الشمس، وهو موجود بعيدًا عن أشعتها؟ لأن نور الابن الوحيد الجنس هو داخل نور الآب، أي داخل الروح القدس المنبثق من الآب، لذا بعدما امتلأ [أي استفانوس] أولاً من الروح القدس استنار، حينئذ أدرك مجد الآب والابن“.[63]

اختبار ق. ديونيسيوس الأريوباغي للنور الإلهي

ويتحدث أيضًا ق. ديونيسيوس الأريوباغي عن خبرة اتحادنا بالنور الإلهي غير المخلوق كالتالي:

”من جهتي، فهذا ما أصلي به، أما أنت أيها العزيز تيموثاوس، انشغل بشدة بالرؤى السرية، اترك الأنشطة الحسية والذهنية، كل ما يخص الحواس والعقل، كل الموجودات وغير الموجودات (نحيه جانبًا)، وترفع غير مستندًا على معرفة حتى تتحد قدر المستطاع بمَّن هو أعلى من كل جوهر ومن كل معرفة. عندما تصل إلى الدهش، حيث تتحرر بالكلية من ذاتك، من كل الأشياء، عندما تنزع عنك كل شيء، وتعفي نفسك من كل شيء، سوف ترتفع إلى الشعاع الفائق الجوهر للظلمة الإلهية“.[64]

نستكمل معًا موضوع الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق، هذا النور الذي يتسامى على الإطلاق لا على الحواس فقط، بل وعلى العقل نفسه، نور يلاقيه الذهن البشري ويتطابق معه، عندما يخرج الذهن البشري من ذاته ليصير أفضل مما هو عليه، عندما يتجاوز ذاته (أي الذهن البشري) ويتحد بالله. سأتحدث عن الوصول إلى حالة الدهش والانخطاف الروحي في تعليم آباء الكنيسة، هذا الدهش والانخطاف الذي يحدث عندما تصلي النفس صلاة عقلية حارة، وتنال مواهب الروح القدس، وتحقق هذه الصلاة بصورة سرية اتحاد النفس بينبوع هذه المواهب. وننوه بإمكانية نوال مواهب الروح هذه حتى في أوقات عمل الجسد، فالصلاة ليست انسلاخًا (أي ترك) عن الجسد.

اختبار مار إسحاق السرياني للنور الإلهي

وهكذا يتحدث مار اسحاق السرياني عن خبرة معاينة النور الإلهي غير المخلوق، وكيف ندرك هذا النور الإلهي العجيب بعيون نفوسنا الروحية كالتالي:

”إن لنفسنا حدقتين، ولكن النظر الخاص بكل منهما يختلف استعماله عن الآخر. فبإحدى هاتين الحدقتين نعاين أسرار الطبيعة، أعني قوة الله وحكمته وعنايته بنا، وندركها بفضل الجلال الذي يقودنا به. ونعاين بالحدقة الأخرى مجد طبيعته المقدسة حين يرتضي الله إدخالنا إلى الأسرار الروحية“.[65]

ثم يتحدث مار اسحاق السرياني عن إشراق نور الثالوث القدوس مثل الشمس في نفس الإنسان النقي من الداخل، واستنشاقه للروح القدس كلي القداسة، وتساكنه الطبائع الروحية المقدسة (أي الملائكة) كالتالي:

”الرجل النقي النفس هي داخله. والشمس التي تشرق داخله هي نور الثالوث القدوس. الهواء الذي يستنشقه سكان تلك البلدة هو الروح القدس المعزي وكلي القداسة. والذين يسكنون معه هم الطبائع المقدسة الروحانية. المسيح هو نور نور الآب، هو حياتهم، وفرحهم، وسعادتهم. مثل هذا الإنسان يبتهج كل ساعة بالرؤى الإلهية داخل نفسه، ويسحره جمالها الخاص الذي هو بالحق أبهى مئة ضعف من لمعان الشمس نفسها. هذه هي أورشليم وملكوت الله المختفي داخلنا، كما يقول الرب. هذا العالم هو سحابة مجد الله التي لا يدخلها إلا أنقياء القلب ليروا وجه سيدهم وليستنير عقلهم بشعاع نوره“.[66]

ويتحدث مار اسحاق السرياني عن كيفية الوصول إلى الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق من خلال الصلاة التي نصليها كالتالي:

”وإذ يتخذ الروح القدس مادة من صلاة الإنسان التي يصليها، يتحرك داخله، وتفقد بذلك صلاة الإنسان حركتها أثناء الصلاة، ويرتبك ذهنه، ويُبتلَع في الدهش والانذهال، وينسى حتى الرغبة فيما كان يتوسل بشأنه. تغطس حركات العقل في سكر عميق، ولا تعد في هذا العالم في مثل هذا الوقت، لا يوجد تمييز بين النفس والجسد، كما لا يوجد تذكار لأي شيء، تمامًا كما قال العظيم غريغوريوس اللاهوتي: الصلاة هي نقاوة الذهن، وهي تنتهي فقط بواسطة نور الثالوث القدوس من خلال الدهش والانذهال. هل رأيت كيف تنتهي الصلاة من خلال الدهش بالمفاهيم التي ولدتها الصلاة في العقل، كما قلت في بداية هذا الميمر وفي مواضع أخرى عديدة؟ ويكتب أيضًا نفس هذا القديس غريغوريوس: نقاوة العقل هي التحليق السامي والمرتفع للقدرات الذهنية، وهي تشبه منظر السماء، وهي التي يشرق عليها ومن خلالها نور الثالوث القدوس وقت الصلاة“.[67]

اختبار ق. يوحنا الدلياتي للنور الإلهي

كما يتحدث ق. يوحنا سابا الدلياتي عن كيفية الاتحاد بالنور الأقنومي غير المخلوق وأثره في الذهن البشري والنفس البشرية كالتالي:

”لهذا يدعو الروح الذهن النشيط إلى الدخول، بعد أن تعبت حركات قواته الناظرة من الشخوص، لترى ذاك الذي هو في الكل والكل فيه. وإذا أقام الصلاة، يرى إشراق أقنومه، ويضيء النفس حسن طبعها، وترى ذاتها على ما هي، والنور الإلهي الذي يشرق فيها، والذي يُبدِّلها إلى مثاله، ويرتفع مثال طبعها من أمام رؤيتها، وترى هي ذاتها مثالاً لله، بواسطة اتحادها بالنور الذي لا مثيل له، وهو نور الثالوث القدوس الذي يشرق في أقنومها، فتغطس في أمواج حسنها، وتندهش مدةً طويلةً. وأحيانًا تنتقل من منظر إلى منظر، وتتبدل تبدلات عجيبة لا تُحصَى في وقت قليل“.[68]

اختبار ق. يوحنا ذهبي الفم للنور الإلهي

وهكذا يتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن معاينتنا للنور الإلهي غير المخلوق، وخبرة إشعياء النبي لهذا النور الإلهي في رؤياه كالتالي:

”وهذا نادى ذاك وقال: قدوس، قدوس، قدوس، رب الجنود. مجده ملء كل الأرض (إش٦: ٢، ٣). بالحقيقة هو قدوس لأنه جعل طبيعتنا مستحقة هذه الأسرار الكثيرة والعظيمة، وصيرنا شركاء هذه الأمور التي لا تُوصَف، لقد استوى عليَّ الفزع والرعدة (المقدسة) في أثناء إنشاد هذه التسبحة، وما يدعو للعجب أن هذا يحدث لي أنا الطين المصنوع من تراب في اللحظة التي فيها حتى القوات السمائية تأخذها الدهشة العظيمة والدائمة؟ لذلك يديرون وجوههم ويغطونها بأجنحتهم كمثل ساتر، لأنهم لا يستطيعون تحمل اللمعان المُنبعِث من هناك. وبالرغم من أن المشهد (الرؤيا) -كما يُقال- كان يمثل تنازلاً للطبيعة الإلهية. فلماذا إذًا لا يحتملون؟ فهل تسألني أنا ذلك؟! سل أولئك الذين يريدون أن يفحصوا الطبيعة غير الموصوفة وغير المقترب منها، أولئك الذين يتجرؤون على ما لا يمكن التجرؤ منه […] بينما تجاسر الإنسان أن يتكلم أو بالحري أن يُفكِّر بعقله في أنه يقدر أن يتطلع بدقة وبوضوح إلى تلك الطبيعة الإلهية البسيطة“.[69]

ويقول ق. يوحنا ذهبي الفم في نفس السياق:

”لأنه يقول: باثنين يُغطي وجهه (إش٦: ٢). كأنهما ستارتان يغطيان وجهه، لأنهم لا يتحملون اللمعان المنبعث من ذلك المجد. وباثنين يغطي رجله (إش٦: ٢) تحت تأثير نفس الانبهار، لأننا أنفسنا عندما يُسلِّط علينا جسم باهر، فإننا ننكمش ونخفي كل مكان في جسدنا. ولماذا اتحدث فقط عن الجسد، طالما أن النفس ذاتها، عندما يحدث لها ذلك الأمر في تجلياتها السامية، تجذب كل طاقاتها، ثم تجمع ذاتها ضاغطةً إياها بعمق في الجسد كما لو كان هذا الجسد ملبسًا لها؟ وحين يسمع أحد الاندهاش والانبهار لا يظن أننا نتحدث عن صراع مقزز للنفس، لأنه مع هذا الاندهاش توجد نشوة ممتزجة به لا تُحتمل من عظمتها. وباثنين يطيرون (إش٦: ٢)، وهذا يدل على أنهم دائمًا يشتهون الأمور العلوية (السمائية) ولا ينظرون إلى أسفل أبدًا“.[70]

ويستطرد ق. يوحنا ذهبي الفم في حديثه عن الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق وحالة الاندهاش والانخطاف الروحي كالتالي:

”لأن الأجساد البراقة، وإن كانت منيرة بشكل عظيم، حينئذ فإنها عادةً ما تثير ذهولنا لما نشاهدها للمرة الأولى بعيوننا، ولكن إن واصلنا التطلع فيها أكثر فبالتعود سوف ينتهي اندهاشنا، لأن عيوننا قد اعتادت على تلك الأجساد. لذلك فعندما نرى أيقونة ملوكية، وقد تم تكريسها حديثًا (تجهيزها) وهي تزهو بألوانها، فهي تُثير إعجابنا، ولكن بعد يوم ويومين يزول إعجابنا هذا. ولكن لماذا أتحدث عن أيقونة ملوكية، طالما أن الأمر ذاته يحدث لنا مع أشعة الشمس، على الرغم من أنه لا يوجد جسم أكثر لمعانًا منها؟ وهكذا فأي جسد بسبب الاعتياد على النظر إليه يذهب الإعجاب به. غير أن الأمر ليس كذلك فيما يتعلق بمجد الله، بل على العكس تمامًا، لأنه كما واصلت تلك القوات (السمائية) في النظر إلى ذلك المجد كلما انبهرت بالأكثر وازداد تعجبها، لذلك فبالرغم من أنهم يرون ذاك المجد منذ خلقتهم وحتى الآن، فلا يتوقفون عن الصراخ بانبهار، لأن ما نعاني منه، ويحدث لنا في برهة قصيرة من الزمن، عندما يأتي علينا ضياء ساطع، يحدث لتلك القوات القائمة قدامه باستمرار وبلا انقطاع، وبالرغم من ذلك يُظهِرون لذةً ما وتعجبًا. لأنهم لا يصرخون فقط، بل يفعلون ذلك فيما بينهم، وهذه علامة على اندهاشهم الدائم، وهذا نفسه ما يحدث لنا عندما نسمع رعدًا أو زلزالاً يهز الأرض، لا نقفز ونصرخ فقط، بل نُسرِع بالهرب الواحد تلو الآخر إلى بيته، وهذا هو ما يفعله السيرافيم، لذلك كل واحد يصرخ نحو الآخر قائلاً: قدوس، قدوس، قدوس“.[71]

وهكذا بعد جولة روحية عميقة وممتعة بين تعاليم آباء الكنيسة عن حالة الاندهاش والانخطاف الروحي التي تحدث لنا في الصلاة، وكيف تصل الصلاة الذهنية بنا إلى الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق وغير المحسوس والفائق الوصف، نصلي دائمًا من كل قلوبنا أن نصل إلى هذه الحالة الروحية الجميلة والطوباوية لنتمتع بلمحات من ملكوت الله ونحن سالكون في هذه الحياة الحاضرة المليئة بالمصاعب والضيقات. وبالتالي نستنتج أن تعليم الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق هو تعليم كتابي، ورسولي، وآبائي أرثوذكسي سليم اختبره التلاميذ، والرسل، وآباء الكنيسة على مر العصور.

 

 

الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر

هناك دائمًا خوف من القول بأن الروح القدس يسكن البشر بأقنومه، لئلا نصير آلهةً مثل الله، وهذا بالطبع خطأ فادح جدًا، ﻷننا لا نستطيع أن نصير مثل الله فى كمال لاهوته بل نصير بالنعمة مشابهين لله وننمو فى صورته، ومثاله، وشبهه، فلابد أن يسكن الروح القدس بذاته، وأقنومه فينا، ﻷنه مثلاً كيف يسكن اﻹنسان مسكنًا بمواهبه وقدراته وطاقاته دون أن يسكن بجوهره وذاته فى هذا المسكن لذا هناك أدلة كتابية وآبائية كثيرة على الحلول اﻷقنومي للروح القدس فى البشر، سنقوم بعرضها فيما يلي.

  • حيث يتحدث رب المجد لتلاميذه عن أن روح الحق ماكث معهم ويكون فيهم وليست مواهبه كالتالي: ”رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ“ (يو14: 17).
  • ويتحدث بولس الرسول عن أن الله أعطانا روحه، ولم يعط مواهبه فقط: ”إِذًا مَنْ يُرْذِلُ لاَ يُرْذِلُ إِنْسَانًا، بَلِ اللهَ الَّذِي أَعْطَانَا أَيْضًا رُوحَهُ الْقُدُّوسَ“ (1تس4: 8).
  • ويقول يوحنا الرسول أن الله أعطانا من روحه للثبات فيه، ولم يقل من مواهبه كالتالي: ”بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ“ (1يو4: 13).
  • ويتحدث رب المجد عن أن الروح القدس، روح اﻵب هو المتكلم فينا، وليس مواهبه وطاقاته كالتالي: ”لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ“ (مت10: 20).
  • ويقول بولس الرسول أن الروح القدس، روح الابن هو الصارخ فينا إلى اﻵب، وليست مواهبه، وطاقاته، ونعمه كالتالي: ”ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: ’يَا أَبَا الآبُ‘“ (غلا4: 6).
  • ويتحدث بولس الرسول عن أن روح الله يسكن فينا، ولم يقل مواهبه تسكن فينا كالتالي: ”أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟“ (1كو3: 16).
  • ويقول بولس الرسول أن الروح القدس الذى أقام المسيح من اﻷموات ساكنًا فينا، ولا أعتقد أن مواهب ونعم الروح القدس هي التي أقامت المسيح من اﻷموات، بل الروح القدس نفسه كالتالي: ”وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ“ (رو8: 11).
  • ويؤكد بولس الرسول على أن الروح القدس، روح الله وروح المسيح ساكن فينا، ولم يقل طاقاته ومواهبه كالتالي: ”وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ، إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ“ (رو8: 9).
  • ويقول بولس الرسول إن جسدنا هو هيكل للروح القدس، وليس هيكلاً لمواهب الروح القدس كالتالي: ”أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟“ (1كو6: 19).
  • ويقول بطرس الرسول إن روح المجد والله يحل فينا، ولم يقل مواهب روح المجد كالتالي: ”إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. أَمَّا مِنْ جِهَتِهِمْ فَيُجَدَّفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَتِكُمْ فَيُمَجَّدُ“ (1بط4: 14). هناك الكثير من اﻵيات الكتابية التي تؤكد على الحلول اﻷقنومي، لذا أكتفي بهذا القدر.

ق. أثناسيوس الرسولي

ونجد أن هناك العديد من أقوال آباء الكنيسة الجامعة تؤكد على الحلول اﻷقنومي للروح القدس فينا، حيث يتحدث ق. أثناسيوس عن طريقة مشهورة للتفريق بين الروح القدس ذاته ومواهبه في حلوله الأقنومي في البشر كالتالي:

”وواضح هنا أنه عندما يقول الروح فالمقصود هو الروح القدس. وهكذا أيضًا حيث يكون الروح القدس في البشر، حتى إذا ذكرت كلمة الروح بدون أيّ إضافة، فليس هناك مِن شك أنها تعني الروح القدس وعلى اﻷخص عندما تذكر الكلمة مقترنة بأداة التعريف“.[72]

ويؤكد ق. أثناسيوس أيضًا على أن الحلول الأقنومي لأحد أقانيم الثالوث هو بمثابة حلول للثالوث القدوس كالتالي:

”كيف حينما يوجد الروح فينا يُقال أن الابن فينا؟ وحينما يكون الابن فينا يُقال إن اﻵب فينا؟ وعندما يكون الثالوث بحق ثالوثًا، فكيف يفهم أنه واحد. أو لماذا حينما يكون أحد أقانيم الثالوث فينا، يُقال إن الثالوث موجود فينا؟“.[73]

ونجد هنا أن ق. أثناسيوس يسأل محاربي الروح القدس: كيف إذا كان الروح القدس فينا لا يكون الثالوث ساكن فينا؟ ويقول إن كان أحد أقانيم الثالوث فينا، ولم يقل مواهب أحد الاقانيم، فمعنى ذلك حلول الثالوث القدوس كله فينا.

ق. كيرلس الأورشليمي

ويتحدث ق. كيرلس الأورشليمي عن حلول الروح القدس فينا بذاته، وليس بمواهبه فقط، حيث يقول التالي:

”لقد نطق بهذا متنبأ ’حين يجعل الرب روحه عليهم‘. العبارة تقول ’إذ يجعل الرب‘ أي يجعله يحل على الكل […] إنه سيُعطي بسخاء. لقد ألمح فى السر إلى ما كان مزمعًا أن يحدث بيننا في يوم الخمسين، ﻷن الروح القدس بنفسه حل بيننا“.[74]

ق. غريغوريوس اللاهوتي

ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي عن الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر في يوم الخمسين، مفرقًا بين حلوله هذا، وحلوله مسبقًا في مناسبات أخرى كالتالي:

”وفي المناسبة الثالثة في وقت توزيع الألسنة النارية عليهم الذي نحتفل بذكراه اليوم، ولكن في المناسبة الأولى، كان ظهور الروح القدس بطريقة خافتة، وفي الثانية بطريقة مُعبِّرة وواضحة، أمَّا في الثالثة فبطريقة أكثر كمالاً، حيث أنه لم يعد حاضرًا بالقدرات والطاقات والأفعال كما كان فيما سبق، بل حاضرًا بجوهره يُشارِكنا ويُعايشنا، إذ لا يستطيع أحد أن يقول غير ذلك“.[75]

ق. يوحنا ذهبي الفم

ثم يتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن اختلاف طريقة حلول الروح القدس على الرسل في يوم الخمسين عن حلوله على الأنبياء في العهد القديم، حيث يقول التالي:

”أما بالنسبة للأنبياء فالوضع مختلف إذ لم يحل الروح القدس على أحدهم بالطريقة التي حدثت مع الرسل […] لكن الذي حلَّ هنا هو الروح القدس […] لكن لم ينل أحد منهم الروح القدس بنفس الطريقة التي حدثت للرسل هنا“.[76]

وهكذا يؤكد ذهبي الفم على حلول الروح القدس نفسه ونعمته أيضًا كالتالي:

”ليس أنهم نالوا نعمة الروح القدس فقط، بل امتلأوا منه، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا“.[77]

العلامة ديديموس الضرير

ويتحدث العلامة السكندري ديديموس الضرير عن سُكنى الثالوث فينا من خلال سُكنى الروح القدس فينا كالتالي:

”الروح القدس يسكن في العقل وفي الانسان الباطن بنفس الطريقة التي يسكن بها اﻵب والابن“.[78]

فالعلامة ديديموس لا يتحدث هنا عن سُكنى مواهب، بل عن سُكنى أقانيم الثالوث فينا. ويتحدث العلامة ديديموس أيضًا فى نفس السياق عن شركتنا في الآب والابن من خلال شركتنا مع الروح القدس كالتالي:

”وهكذا فأيٍّ مَن كان له شركة في الروح القدس؛ يصير على الفور في شركة مع اﻵب والابن“.[79]

وهكذا يتحدث العلامة ديديموس عن شركة مع اﻷقانيم، وليست شركة مع المواهب. وكتابه عن الروح القدس مليء بالأدلة على الحلول الأقنومي للروح القدس فينا ولكنني سأكتفي بذلك.

ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس

ويتحدث ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس الملقب بـ ”صائد الهرطقات“ بكل صراحة عن الوجود الأقنومي للروح القدس في كل هذه الأشياء المعطاة للبشر من مواهب الروح القدس كالتالي:

”فإنه يُعطِي الخير للكل بشكل مختلف (1كو12: 8) ’فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ، وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ‘ […] وهو يُظهِر لنا الوجود الأقنومي للروح القدس من خلال تلك اﻷشياء“.[80]

ق. كيرلس الإسكندري

وهكذا يتحدث ق. كيرلس الإسكندري صراحةً عن حلول الروح القدس بذاته في داخلنا، ولم يقل بمواهبه فقط في سياق إثبات ألوهية الروح القدس في مقابل محاربي الروح القدس من الآريوسيين، والأفنوميين، والمقدونيين كالتالي:

”كيرلس: فمَّن يعمل في داخلنا، ويكمل فينا عمل الله، هل يمكن ألا يكون الله؟ […] كيرلس: […] قُل لي إذًا، بأي طريقة كان يوجد الله في القدماء عندما كان الروح داخلهم؟ أو كيف يمكن أن يأتي في داخلنا نحن عندما يكون الروح ذاته في داخلنا؟ لأنه لا يمكن أن يتحقق فينا وجود الله حسب طبيعته إن كان الروح مختلفًا عن اﻵب في الجوهر“.[81]

كما يُحارِب ق. كيرلس الإسكندري منكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، حيث يقول أننا نتَّحد بالله ونصير واحدًا معه وشركاء الطبيعة الإلهية بشركتنا ووحدتنا مع الروح غير المخلوق في سياق دفاعه عن ألوهية الروح القدس، حيث يقول التالي:

”هكذا أيضًا ذاك الذي صار شريكًا للروح القدس يصير واحدًا مع الرب، وبالتالي الروح القدس هو الله، الذي بواسطته، نلتصق بالله ونصير واحدًا معه، وشركاء الطبيعة الإلهية (أنظر ٢بط ١: ٤)، بشركتنا ووحدتنا مع الروح. فإذا كان الروح هو الله، فكيف يكون مخلوقًا“.[82]

ويُقاوِم ق. كيرلس الإسكندري الأفنوميين الهراطقة مُنكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، حيث يقول التالي:

”فإنْ كان الروح يحل ويسكن فينا، وبواسطته يسكن المسيح أيضًا فينا، إذًا، الروح القدس هو قوة المسيح. فإذا كان الأمر هكذا، فكيف يكون مخلوقًا هذا الذي من طبيعته أن يوجد في الابن؟ إنها ساعة إذًا ليقولوا: إن كلمة الله -الذي لا تركيب فيه ولا ازدواج- مركب، وذلك بسبب هذا الشيء الذي يأتي من الخليقة مُضافًا إلى طبيعته. لكن هذا محض عبث، فالروح ليس مخلوقًا ولا مجبولاً، إنما هو يأتي من أعلى، من الجوهر الإلهي، كقوة وفعل طبيعي له“.[83]

ويحارب ق. كيرلس الكبير مُنكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، والذين يدَّعون أن شركتنا مع الروح القدس هي شركة مع مخلوق، حيث يقول التالي:

”إذًا، عندما يسكن الروح في غير المرفوضين، يكون المسيح هو ذاك الذين يسكن فيهم، وبالتالي يكون من الضروري أن نقول إن هذا هو الجوهر الإلهي الذي يجعل كل الذين يشاركونه شركاءً. لأنه ما من أحد يملك عقلاً يمكنه أن يقول إن شركتنا مع الله يمكن أن تصير بواسطة مخلوق، طالما كان هذا المخلوق -بحسب رأي الهرطقة- لديه طبيعة مختلفة، وهو مختلف تمامًا عن الآب والابن، وإن هناك فرقًا شاسعًا بين الجوهر المخلوق والجوهر غير المخلوق“.[84]

ويتحدث ق. كيرلس عمود الدين عن عمل الروح القدس فينا كالتالي:

”إنَّ الكلمة الذى من الله الآب يُرقِينا إلى حد أن يجعلنا شركاء طبيعته الإلهية بواسطة الروح القدس. وبذلك صار له الآن أخوة مشابهون له وحاملون صورة طبيعته الإلهية من جهة التقديس. لأن المسيح يتصور فينا هكذا: بأن يُغيِّرنا الروح القدس تغييرًا جذريًا من صفاتنا البشرية إلى صفاته هو. وفي ذلك يقول لنا بولس الطوباوي: ’وأمَّا أنتم فلستم في الجسد، بل في الروح‘ (رو٨: ٩)، فمع أن الابن لا يُحوِّل أحدا قط من المخلوقين إلى طبيعة لاهوته الخاص -لأن هذا مستحيل- إلا أن سماته الروحية ترتسم بنوع ما في الذين صاروا شركاء طبيعته الإلهية بقبول الروح القدس وبهاء لاهوته غير المفحوص يضيء مثل البرق في نفوس القديسين“.[85]

ثم يدحض ق. كيرلس السكندري المعتقدين بالحلول المواهبي للروح القدس في البشر في سياق دفاعه ع ألوهية الروح القدس كالتالي:

”أمَّا لو كانت النعمة المعطاة لنا بواسطة الروح القدس هي نعمة منفصلة عن جوهره، فحينئذ لماذا لم يقل موسى النبي (تك٢: ٧) إنه عندما أوجد الخالق الكائن الحي (الإنسان)، إنه نفخ فيه النعمة مع نفخة الحياة، ولماذا لم يقل المسيح لنا: اقبلوا النعمة التي أهبها لكم بعمل الروح القدس؟ والعكس هو الصحيح، لأن موسى قال: نفخة الحياة، ولأننا به نحيا ونتحرك ونوجد. كما قال بعض شعرائكم أيضًا: لأننا أيضًا ذريته (أع١٧: ٢٨)، بينما دعاه المخلص الروح القدس، وهكذا سكن في نفوس أولئك الذين يؤمنون بالروح الحقيقي نفسه، والذي بواسطته وبه يقودهم إلى هيئتهم الأولى. بمعنى أنه يجعلهم مشابهين له عندما يقدسهم، وهكذا يُعيدنا إلى صورتنا الأولى أي إلى حالة ختم الآب. ومن جهة الدقة في وصف وحدة الجوهر، فإن الابن ذاته هو الختم الحقيقي، في الوقت نفسه فإن الروح القدس هو شبه واضح وطبيعي للابن، والذي نتغير نحن بالتقديس بواسطته أي لنأخذ صورة الله […] إذًا، الروح هو الله الذي يعطينا أن نكون على صورة الله. وهذا لا يتأتى عن طريق النعمة الخادمة، لكن بالاشتراك في الطبيعة الإلهية مانحًا ذاته عينها للمستحقين […] هل يمكن أن تسأل المعاندين: لماذا نُدعى هياكل لله، بل بالحري آلهة، إن كنا بالفعل شركاء مجرد نعمة بسيطة لا كيان لها؟ لكن الأمر ليس كذلك، لأننا هياكل للروح الحقيقي الكائن، ولهذا فنحن نُدعى أيضًا آلهةً، لأنه من خلال اتحادنا به نصبح شركاء الطبيعة الإلهية غير الموصوفة“.[86]

وبذلك يؤكد ق. كيرلس عمود الدين على الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، وليس مجرد حلول مواهبي أو حلول لنعم مخلوقة كما يدَّعي الهراطقة، ويدحض بشدة ويستنكر الهراطقة القائلين بأننا نتحد بنعمة خادمة (مخلوقة)، أو أننا نتحد بمجرد نعمة بسيطة لا كيان لها، بل يؤكد على اتحادنا بالروح الحقيقي الكائن الذي يصيرنا شركاء الطبيعة الإلهية غير الموصوفة.

 

 

الهرطقة الأفنومية وإنكار الحلول الأقنومي للروح القدس

لذلك حارب آباء الكنيسة وقاوموا ادعاء أفنوميوس الآريوسي بأن النعمة الإلهية أو الطاقة الإلهية مخلوقة، ذلك لأنها زمنية أي تعمل في الزمن، ولها بداية ولها نهاية، وتتم بإرادة الله ومشيئته، وأنها غير مرتبطة بجوهره، بل أن النعمة منفصلة عن جوهر الله غير المولود (الجوهر هو الآب فقط بالنسبة له دون الابن المولود)، حيث يؤكد على انفصال الأعمال أو الطاقات الإلهية عن الجوهر الإلهي كالتالي:

”وينبغي بالتأكيد ألا نعتقد أن هذا العمل [الطاقة] هو نوع من الانفصال أو الحركة في جوهره [أي جوهر الله]. لأن هذا هو بالحقيقة ما يتحتم على مَن ضللتهم السفسطات الوثنية أن يظنوه [يقصد الأرثوذكس]، لأنهم قد جعلوا العمل [الطاقة] يتحد بالجوهر، وبالتالي يوجد العالم متزامنًا مع الله. ولكن حتى لو لم يهربوا من الحماقة المنطقية الناجمة عن هذا التأكيد: أولئك الذين قد شهدوا مرةً عن أن توقف الفعل [الطاقة] الخلاَّق لا يحتاج إلى النظر للوراء تجاه بدايته -لا يوجد شيء قد آتى بشكل كامل إلى نهاية، لم يبدأ من بداية ما! […] بالرغم من ذلك، نحكم نحن بأنفسنا على العمل [الطاقة] من آثاره ونتائجه بحسب المبادئ المعروضة منذ قليل، ولا نعتبره لا يشكل خطورة من أن يوجد العمل [الطاقة] مع الجوهر. فنحن نعلم أن الجوهر الإلهي بلا بداية، وبسيط، وبلا نهاية، ولكننا نعلم أيضًا أن فعله [طاقته] ليس بلا بداية، وليس بلا نهاية، ولا يمكن أن يكون بلا بداية، لأنه -إنْ جاز التعبير- سيكون أثره ونتيجته بلا بداية أيضًا. من ناحية أخرى، لا يمكن أن يكون بلا نهاية، لأنه لو كانت الآثار تأتي إلى نهاية، فلا يمكن للعمل [الطاقة] الذي أنتجهم أن يكون بلا نهاية أيضًا. وبالتالي، يكون من المبالغة في الغباء والطفولية القول بأن العمل [الطاقة] غير مولود، وبلا نهاية (جاعلاً إياه متطابقًا مع الجوهر) عندما يعجز أحد نتائجه عن أن يكون ناتجًا سواء بشكل غير مولود (أزلي)، أو بشكل لا نهائي! في الحقيقة، بناءً على هذه المسلمات، يمكن أن يتبع ذلك فقط أحد النتيجتين: إما أن عمل [طاقة] الله غير مثمر، أو أن آثاره غير مولودة (أزلية). وإن كان كل من هذين حماقة على نحو لا يمكن إنكاره، فلا بد أن يكون الاحتمال المتبقي صحيحًا: الذي قَبِل بأن الآثار والنتائج لها بداية، والفعل [الطاقة] ليس بلا بداية، والذي قَبِلَ بأن الآثار والنتائج تأتي إلى نهاية، والفعل [الطاقة] ليس بلا نهاية. وبالتالي، لا توجد ضرورة من القبول بالآراء غير الناضجة للدخلاء، وتوحيد الفعل [الطاقة] بالجوهر. بل على العكس، ينبغي علينا أن نؤمن بأن العمل [الطاقة] الأحق والأنسب لله هو مشيئته وإرادته، وأن تلك المشيئة كافية لأن تحضِر إلى الوجود، وتخلص الجميع، كما يشهد بالفعل الصوت النبوي: كل ما شاء فعله، صنعه. فلا يحتاج الله إلى شيء ليحضِر به ما قصده إلى الوجود، بل بالحري في نفس اللحظة التي قصده فيها، فأيّ شيء أراده يأتي إلى أن يكون“.[87]

رد آباء الكنيسة على الهرطقة الأفنومية

لقد كان معروفًا في الفكر الفلسفي اليوناني القديم عند أفلاطون، وأرسطو، والرواقيين، أن الله يتسم بالفعل الثابت غير المتحرك، وأنه يُحرِّك العالم بحسب رغبة العالم؛ أي لا يوجد اتصال مباشر بين الله والخليقة ولا يوجد تدبير وعناية إلهية.

ق. أثناسيوس الرسولي

ولكن جاء آباء الكنيسة خاصةً ق. أثناسيوس ليقول إن الله فيه الفعل، والطاقة، والحركة داخلية، وهي في صميم جوهر الله، فالله لا يكون بدون فعله، وطاقته، ونعمته على الاطلاق، والمقصود هنا ليس الحركة بمعناها المادي المتغير، بل بالمعنى الروحي فالله لا ينتقل من مكان لآخر، ومن زمان لآخر كالخليقة، ولا يمكن فصل طاقات الله، ونعمه، ومواهبه عن جوهره الإلهي، بل هي مرتبطة بالجوهر الإلهي، لأن طاقة، وفعل، ونعمة الله ليست شيئًا، وجوهره شيئًااً آخر، بل هما متلازمان وكل منهما كائن في الآخر دون انفصال. إذًا، فالله ليس خاملاً في جوهره الداخلي، بل الحركة، والنشاط، والعمل، والطاقة، ينتمون إلى الطبيعة الأزلية لله.[88]

ق. باسيليوس الكبير

لذا يُطوِّر ق. باسيليوس الكبير آرائه عن هذا السؤال في جدله مع أفنوميوس، الذي أكد على المعرفة الكاملة بجوهر الألوهة من خلال الأفكار، أو كما هو معتاد التعبير عنهم في الجدل حول أسماء الله التي تتناسب مع هذه الأفكار.[89]

يَعتبر أفنوميوس اسم ”غير المولود“ أو عدم المولودية هي مثل هذا التعريف للجوهر الإلهي، مطبقًا إياه فقط على الأقنوم الأول (الآب)، ويؤدي هذا إلى الاستنتاجات الأفنومية الآريوسية بخصوص الأقنوم الثاني الذي ليس له هذه الخاصية (أي عدم المولودية). لذا في الجدال ضد تعليم أفنوميوس، يقدم ق. باسيليوس الكبير مسلمة عامة، على الرغم من عدم موافقة أفنوميوس على شرح الأسماء السلبية لله عند ق. باسيليوس الكبير، واعترض (أفنوميوس) عليه ليس بدون أساس محدد: ”لا أعلم كيف من خلال نفي ذاك الذي لا يليق بالله، سوف يتفوق على الخليقة؟! […] لا بد أن يكون واضحًا لكل جوهر عاقل أن جوهر الواحد لا يستطيع مفارقة جوهر الآخر بما ليس له“.[90]

يرد ق. باسيليوس الكبير على اتهامات أفنوميوس والأفنوميين له باللا أدرية بسبب استخدامه اللاهوت السلبي في التعبير عن الله في ذاته وجوهره كالتالي:

”إذا أجبت، أنا أعبد مَن أعرف، قالوا لي على الفور، ما هو جوهر الذي تعبده؟ عند ذلك، إذا اعترفت وقلت أنا أجهل الجوهر، يقولون لي: إذًا، أنت تعبد مَن لا تعرف. وأنا أجيب بأن فعل (أعرف) له عدة معاني: نحن نقول إننا نعرف عظمة الله، وسلطانه، وحكمته، وصلاحه، وعنايته بنا، وعدالة حكمه، لكن ليس جوهره ذاته […] إن الطاقات تتنوع أما الجوهر فبسيط، لكننا نقول إننا نعرف الله من طاقاته، على أننا لا نشرع في الاقتراب من جوهره […] إن طاقاته تأتي إلينا من فوق أما جوهره فيظل بعيدًا عن منالنا […] إذًا، معرفة الجوهر الإلهي تتضمن إدراك أنه لا يسبر غوره، وموضوع عبادتنا ليس هو أن نفهم الجوهر، لكن أن نفهم أن هذا الجوهر كائن“.[91]

ينفي ق. باسيليوس الكبير إدراك الجوهر الإلهي بالذهن ردًا على ادعاءات أفنوميوس بإدراك الجوهر الإلهي بشكل كامل كالتالي:

”إدراك الجوهر بواسطة الذهن، لم يقل به أحد من الرجال الحكماء المعروفين“.[92]

ويفاجئنا ق. باسيليوس بأنه حتى كلمة جوهر لا تعبر عن الله في ذاته، بل تعلن فقط المفهوم الخاص بوجود الله كالتالي:

”إن الجوهر يعلن فقط عن المفهوم الخاص بوجود الله، لكنه لا يقول لنا مَن هو الله بحسب جوهره“.[93]

كما ينفي ق. باسيليوس أن الأسماء التي تُطلق على الله تعبر عن الاختلاف في جوهره كالتالي:

”فإن هذا [أي أفنوميوس] الذي يسفسط ويقول بأن اختلاف الأسماء، يتبعه اختلاف الجوهر، يكذب. لأن طبيعة الأشياء، لا تتبع الأسماء، بل الأسماء وُجِدت بعد الأشياء“.[94]

يؤكد ق. باسيليوس أن الأسماء الإيجابية أو السلبية التي تُطلق على الله لا تعبر عن الله في ذاته، بل عن سمات قريبة من الله، حيث يقول التالي:

”نحن نسمي الله أيضًا، صالحًا، وبارًا، وخالقًا، وديانًا، وأسماء أخرى مماثلة [اللاهوت الإيجابي]، وكما في الأسماء السابقة، الكلمات التي تعني رفض ونفي العناصر الغريبة عن الله [لاهوت النفي]، هكذا هنا أيضًا فإن الكلمات تعني وجود السمات القريبة لله، ويليق أن تُنسب له، إذًا، فإننا نعرف من خلال هذه الأسماء سواء من حيث العناصر الموجودة [لاهوت الإيجاب]، أنها موجودة بالفعل، ومن خلال تلك الغير موجودة، أنها بالتأكيد غير موجودة [لاهوت السلب]“.[95]

ويؤكد ق. باسيليوس على أننا نُكوِّن فكرة عن الله من خلال كل من اللاهوت السلبي واللاهوت الإيجابي كالتالي:

”لكنه بالنسبة لنا هو كافٍ. إذ هناك أسماء من بين الأسماء التي نقولها عن الله، ما يوضح السمات والملامح التي في الله [اللاهوت الإيجابي]، بل والسمات التي ليست فيه [اللاهوت السلبي]، ومن خلال هاتين المجموعتين، نكوِّن فكرة عن الله“.[96]

وهكذا نرى ق. باسيليوس الكبير يتصدى له مؤكدًا على عدم انفصال العمل (الطاقة) عن الجوهر الإلهي، وأن المخلوقات ليست هي كل قوة الله المطلقة، بل تعلن عن قوته المطلقة وجوهره السامي، وبالتالي العمل (الطاقة) الإلهي غير مخلوق، لأنه خاص بالله ومرتبط بجوهره، حيث يقول التالي:

”فلنرى ما يتبع ذلك: إن كان ينبغي على المرء أن يعتمد في بحثه على الأعمال المخلوقة كي ما يُقاد بواسطتها إلى الجوهر، مُكتشفًا أن الابن شيء ما مصنوع من غير المولود، بينما الباراقليط هو شيء مصنوع من الابن الوحيد. مقتنعًا على أساس تفوق وسمو الابن الوحيد بأن أعمالهما [طاقاتهما] مختلفة، فيقبل باختلافهما في الجوهر، كما هو واضح بشكل مؤكد. ولكن أول كل شيء، كيف يمكن إدراك الجوهر من أعمال مخلوقة؟ هذا شيء أنا عاجز عن رؤيته من جانبي. لأن الأشياء المصنوعة هي إشارة إلى القوة والحكمة والمهارة، وليس للجوهر نفسه. علاوة على ذلك، لا يبلغوا بالضرورة حتى إلى قوة الخالق المطلقة، نظرًا لأن الصانع الماهر لا يمكن في أيّ وقت أن يضع قوته الكاملة في أعماله، بل يخفف بالحري من مجهوداته من أجل ثمار ومنتجات فنه. ولكن إنْ كان عليه أن يستحث كل قوته من أجل انتاجه، حتى إنه في هذه الحالة، يكون منتجه هو قوته التي يمكن قياسها من منتجاته، ولا يمكن إدراك جوهره أي كان ما يكون. إن كان، بسبب بساطة وعدم تركيب الطبيعة الإلهية، يتحتم على أفنوميوس أن يفترض أن الجوهر متزامن مع القوة، وإن كان، بسبب الصلاح الخاص بالله، يتحتم عليه القول بأن كل قوة الآب تم حثها واستثارتها من أجل ولادة الابن، وكل قوة الابن الوحيد من أجل تكوين الروح القدس، فيمكن للمرء أن يعتبر أن قوة الابن الوحيد متزامنة مع جوهره على أساس الروح، ويدرك قوة الآب وجوهره على أساس الابن الوحيد، فلاحظ أية نتيجة تكون من ذلك؟ فالنقاط نفسها التي يستخدمها في محاولة التأكيد على اختلاف الجوهر هي تؤكد بالفعل على تماثله! لأنه لو كانت القوة ليس لها أي شيء مشترك مع الجوهر، فكيف يمكن أن يُقاد من الأعمال المخلوقة التي هي نتائج القوة إلى إدراك الجوهر؟ ولكن إن كانت القوة [الطاقة] والجوهر شيء واحد، فإن ذاك الذي يمثل القوة سيمثل الجوهر أيضًا بشكل كامل. لأن الأعمال لا تقود المرء إلى اختلاف الجوهر -كما تقول- بل بالحري إلى دقة التطابق. مرةً أخرى، تؤكد هذه المحاولة على تفسيرنا وليس تفسيره. وبالتالي سواء كان لا يوجد أساس يبرهن عليه ادعاءاته، أو إن كان يتحتم عليه أن يرسم صورة من الأمور البشرية، فسوف يكتشف إنه ليس من ثمار الصانع الماهر، يمكننا إدراك جوهر الصانع، بل إنه من ذاك المولود نأتي إلى معرفة طبيعة الوالد. وقبل كل شيء، يستحيل إدراك جوهر باني البيت من البيت. بل على أساس ذاك المولود يسهل تصور طبيعة الوالد. وبالتبعية، إن كان الابن الوحيد عمل [طاقة] مخلوق، فلن يوصلنا إلى جوهر الآب. ولكن إن كان يعرفنا الآب من خلال ذاته، فإنه عمل [طاقة] غير مخلوق، بل بالحري هو الابن الحقيقي، وصورة الله (٢كو٤: ٤)، وعين وجوده (كو١: ١٥). ويكفي هذا جدًا من أجل ذلك الموضوع“.[97]

ق. غريغوريوس اللاهوتي

وهكذا يعبر ق. غريغوريوس اللاهوتي عن الفكرة العامة بعدم إدراك الله في شعره اللاهوتي، حيث نقرأ في أنشودته الأولى إلى الله التالي:

”إذ أنك الأعلى من الكل! لأنه لأي شيء آخر مسموح لي أن أتحدث عنك؟ وكيف يمكنني أنا أسبح بكلمة عنك؟ لأنه لا يمكن التعبير عنك بأي كلمة، وكيف يمكن للعقل أن ينظر إليك؟ لأنك صعب المنال لأي عقل، فأنت وحدك غير المُعبَّر عنه، لأنك قد صنعت كل شيء لا يمكن التعبير عنه بكلمة، أنت وحدك غير المُدرَك، لأنك قد أحدثت كل شيء مفهوم بالفكر، وكل شيء موهوب وغير موهوب للعقل يعود بالكرامة لك، أنك نهاية كل شيء، أنت وحدك الكل. أنك لست واحدًا، ولست وحيدًا، ولست الكل، أيها الواحد المُسمَى بالكل! كيف سأسميك، يا مَن لا يمكن تسميته؟ وأيّ عقل سماوي ينفذ خلال الحجاب فوق السحاب؟ كن رحيمًا، يا مَن هو أعلى الكل، لأنه لأي شيء مسموح لي أن أتحدث عنك؟“.[98]

وهكذا يؤكد ق. غريغوريوس اللاهوتي في موضع آخر مثله مثل كل الآباء السابقين واللاحقين عليه على عدم إدراك جوهر وطبيعة الله كالتالي:

”الله في طبيعته وفي جوهره، لم يتوصل أحد قط، ولن يتوصل أحد إلى اكتشافه“.[99]

ويؤكد على أن أفضل طريقة للتعبير عن الله في جوهره وذاته هي اللاهوت السلبي كالتالي:

”فكيف تُعبِّر عن جوهر الله من غير أن تبين ما هو، فنكتفي بإسقاط ما ليس هو؟“.[100]

كما يؤكد على حقيقة اللاهوت السلبي كأفضل طريقة للتعبير عن الله في جوهره بانتزاع ونفي التعاليم المادية والأرضية عن الله، والتسامي والارتقاء مع الألوهية، وترك الأرضيات، والصعود إلى الروحيات، ويميز أيضًا بين الحديث عن طبيعة الله (اللاهوت السلبي)، والحديث عن التدبير الإلهي (اللاهوت الإيجابي) كالتالي:

”لكي تنتزع أنت من تعاليمك ما هو مادي وأرضي، ولكي تتعلم التسامي فوق ذلك، والارتقاء مع الألوهة، فلا تظل في غمرة الأشياء المرئية، بل تصعد لكي تكون مع الروحيات، وتدرك ما قيل في الطبيعة الإلهية، وما قيل في التدبير الإلهي“.[101]

ولكن يرى ق. غريغوريوس اللاهوتي أن الأسماء الإيجابية عن الله مثل: روح، ونار، ونور، ومحبة، وحكمة، وعدل، وعقل، وكلمة، لا تعبر عن جوهر وماهية الله في ذاته، ويفند كل اسم منها، موضحًا ملامح القصور والنقص في كل اسم إيجابي، ويطلق تعبير الابتداع على مَن يتصورون ويطبقون هذه الأسماء ولو جزئيًا على الألوهة كالتالي:

”روح، ونار، ونور، ومحبة، وحكمة، وعدل، وعقل، وكلمة، أليست هذه الألفاظ، وما شابهها أسماءً للطبيعة الأولى؟ وماذا؟ هل نتصور الله روحًا بدون انطلاق وانتشار؟ ونارًا في خارج المادة وبدون تشبب إلى فوق، وبلا لون ولا شكل؟ ونورًا غير ممتزج بالهواء، ومنفصلاً نوعًا ما عن مصدره وباعثه؟ وعقلاً وأي عقل؟ هل هو عقل في آخر، أم عقل تصوره حركة، أم عقل ساكن، أم متدفق إلى الخارج؟ كلمة وأي كلمة؟ هل هو المقيم فينا أم المنتشر – ولا أجرؤ أن أقول المُتبدِّد؟ وإن كان حكمة فأي حكمة هي؟ […] أم ترى هل يجب أن نزرع هذا وننظر إلى الألوهة في ذاتها قدر المستطاع، ونتصور لها صورة ولو جزئية؟ فماذا يكون هذا الابتداع! أ فيكون من هذا، ولا يكون هذا؟ أو كيف يكون كل هذا، وكيف يكون كل شيء من هذا الأشياء على نحو كامل، فهو الواحد بطبيعته بدون تركيب ولا مماثلة لأحد؟“.[102]

يرى ق. غريغوريوس اللاهوتي أيضًا أن الأسماء الإلهية سواء الإيجابية أو السلبية لا تعبر بشكل كامل عن جوهر الله، وإلا كان لله عدة جواهر، وليس جوهر واحد كالتالي:

”كذلك اللا زوال، واللا خطيئة، واللا تحول، فهل هي جوهر الله؟ إذا كان الأمر كذلك، كان لله عدة جواهر لا جوهر واحد، أو كانت الألوهة من مجموعة هذه الأشياء، ولا بد لهذه الأشياء من أن تكون غير مركبة في مجموعة إذا كانت جواهر“.[103]

ويفرق ق. غريغوريوس اللاهوتي بين مقولتي علاقة وجوهر في الله، حيث مقولة علاقة نسبية أو علائقية، بينما مقولة جوهر في غير تحديد كالتالي:

”أو إذا شئت فهكذا: الله جوهر، والحال أن الجوهر ليس الله بنوع مطلق، استخرج النتيجة بنفسك أنت: الله ليس الله بنوع مطلق، وأنا أرى أن هذا القياس الفاسد يتناول المقولة نسبيًا، والمقولة في غير تحديد“.[104]

ويعلق ق. غريغوريوس اللاهوتي على الأسماء الإيجابية أنها لا يمكن أن تحوي الله احتواءً كاملاً حقيقيًا، بل تقترب مما حوله لتكوّن صورة غامضة ضعيفة عنه كالتالي:

”وجوهر الله لم يتمكن عقل من تصوُّره، ولم تتمكن لفظة من احتواء حقيقته احتواءً كاملاً، ولكننا نتخذ مما حواليه طريقًا إلى تخيله في ذاته، ونرسم لنا عنه صورة غامضة ضعيفة، صورة تختلف باختلاف عناصرها“.[105]

كما يؤكد اللاهوتي على أن اللفظة لها دلالة نسبية وليست مطلقة في الحديث عن الله كالتالي: ”اللفظة على كل حال لها دلالة نسبية لا مطلقة“.[106]

ثم يعلق ق. غريغوريوس اللاهوتي على أن اللاهوت السلبي معناه أن الله لا يمكن إدراكه إدراكًا كاملاً، بل هو متروك لتبحر من عنده فكر الله كالتالي:

”كما لا تكفي التعبيرات: غير المولود، ولا مبدأ له، وغير قابل للتغيير، وغير قابل للفساد، وسائر ما قيل في الله وعن الله. فماذا يعني في موضوع طبيعته، أن يقال: ليس له مبدأ، ولا يتغير، ولا تحده حدود؟ إن إدراكه إدراكًا كاملاً متروك لتبحر من عنده ’فكر الله‘“.[107]

وهكذا يعلق البروفيسور توماس تورانس Thomas Torrance على الفرق بين اللاهوت السلبي واللاهوت الإيجابي كالتالي:

”فإننا نستطيع فقط أن نفكر ونتحدث عن الله بعبارات نفي عامة وغامضة، لأنه بسبب المسافة غير المحدودة التي بين المخلوق والخالق، فإننا لا نستطيع أن نعرف الله وفقًا لما هو في ذاته، أو حسب طبيعته الإلهية، بل نعرفه فقط في انفصاله التام عنا، بوصفه الأبدي والمطلق وغير الموصوف. ومن هذا المدخل لا يمكننا أن نفعل شيئًا أكثر من محاولة التحدث عن الله من خلال أعماله التي أوجدها بمشيئته وبواسطة كلمته، أي من خلال ما يتعلق بالله من خارج، الأمر الذي لا يستطيع في الواقع أن يُعرِّفنا أيّ شيء عمَّن هو الله، أو ماذا يُشبِّه في طبيعته الذاتية“.[108]

ق. غريغوريوس النيسي

ننتقل إلى ق. غريغوريوس النيسي الذي يؤكد على عدم إدراك الطبيعة الإلهية في جوهرها، ويؤكد على أن الأسماء الإيجابية عن الله لا تعبر عن طبيعته أو جوهره، بل عن فعالياته وآثاره وأعماله وطاقاته نحو الخليقة كالتالي:

”ولكنني لا أعرف، كيف أن هؤلاء الذين يدّعون كل معرفة، يتخذون من تسمية الألوهية دلالةً على الطبيعة، وكأنهم لم يسمعوا شيئًا من الأسفار الإلهية بأن الطبيعة ليست مسألة اتفاق […] فالتسمية تحمل دلالة على إمكانية ما، سواء فيما يُنظر، أو فيما لها من أثر، وتبقى الطبيعة الإلهية بقدر ما هي في ذاتها، في كل التسميات التي تُستخدم في وصفها غير موصوفة بحسب تعليمنا، لأننا قد تعلّمنا أنه محسن، وقاضٍ، وصالح، وعادل، والأشياء الأخرى التي من طبيعته، بتعلّمها من خلال تمايزات الفعالية [الطاقة]، ولكن طبيعة مَن له الفعالية [الطاقة] حتى هذه لا ندركها من خلال تأمل الفعاليات [الطاقات]“.[109]

كما يؤكد النيسي على أن ما تشير إليه الطبيعة الإلهية لا يبين ماهية ما تكون بالتحديد، لأن الطبيعة الإلهية غير قابلة للإدراك والوصول إليها، بل يتم الاستدلال عليها من خواصها الصادرة عنها كالتالي:

”إن ما تشير إليه الطبيعة لا يبين ماهية ما تكون بالتحديد، وهذا لأن ماهية الطبيعة الإلهية غير قابلة للإدراك، وغير قابلة للوصول إليها، بل يُستدل عليها من خواصها التي تصدر عنها ومنها“.[110]

ويُشدِّد النيسي على حقيقة هامة بخصوص الأوصاف الجسدانية المنسوبة لله في الكتاب المقدس، بأنها تنقل لنا من مجالنا البشري عن كيفية عمل الله من أجل مساعدة العاجزين عن الوصول إلى العالم اللا جسداني؛ معلقًا على دلالة اسم (روح) عن الله أن معناه لا محدوديته وعدم انحصاره في مكان، حيث يقول:

”ومع ذلك، تُحدِّد الأسفار التعليم الإيماني الكامل وتؤكد عليه، بل وتجعله مناسبًا، وقابلاً للتدريس بالنسبة للدارس. وبالتأكيد عندما تقول الأسفار أن لله آذان، وعيون، وفم، وباقي أعضاء الجسم، لم تسلّمنا هذا كتعليم، وكأنها تضع تعريفًا أن الطبيعة الإلهية مُكوَّنة من أعضاء معًا، بل تُقدِّم لنا الكيفية من مجالنا البشري، لعلها تستطيع أن تنقله لمَّن يعجزون عن أن يصلوا إلى العالم اللا جسداني، بينما تؤكد بتعبيرات واضحة جدًا ومباشرة التعليم الإيماني، عندما تقول إن الله روح، وبهذه الكيفية تُعلِّمنا عدم انحصاره ولا محدوديته في كل مكان أينما نذهب“.[111]

وهكذا نستأنف أيضًا مع ق. غريغوريوس النيسي، حيث نجد أن الواقعة الأساسية من أجل التعبير عن أفكار اللاهوت السلبي عنده هي مجادلته مع الغنوسية العقلانية لأفنوميوس؛ التي استمرت معه بعد نياحة أخيه ق. باسيليوس الكبير. لأنه بالنسبة لأفنوميوس، كما نعلم، لا يوجد أدنى شك في إمكانية الإدراك الكامل والشامل للجوهر الإلهي بمساعدة المفاهيم والأسماء، وكان مثل هذا المفهوم الأساسي هو عدم المولودية.

يتخذ النيسي في جداله مع أفنوميوس الموقف غير المحدد بشكل عام للأسمية الشكية في نظريته عن الإدراك وتعليمه عن الأسماء. لذا من أجل دحض المبالغة غير المنطقية، أو بالأحرى الفهم الخاطئ للعلاقة الكائنة بين اسم الله وجوهر الله عند أفنوميوس، ينكر النيسي واقعية كل المفاهيم والأسماء، ويحولهم إلى مجرد دلالات وإشارات ابتكرها البشر. وهكذا في نظريته الأبستمولوجية (المعرفية) للأسماء التي يقدمها ضد أفنوميوس، لا يمكن للمرء إلا أن يرى الحماسة الجدلية، ولكن بغض النظر عن المبالغة الأسمية في الابستمولوجيا (علم المعرفة)، إلا أن وجهة نظر النيسي الأساسية من جهة عدم اقتراب الإدراك العقلي من الألوهة على نحو كامل تتفق مع الاتجاه العام للاهوت السلبي عند الآباء الأخرين. كما يضفِّر النيسي بشكل مميز في لاهوته الإيجابي الباعث الأساسي للاهوت السلبي في نظامه العقائدي، أي مفارقة الله للخليقة، وصعوبة وصول الوعي المخلوق إليه.

فنجد أن النيسي يؤكد على أن الله يفوق كل اسم، وأنه أنسب تسمية له هي أنه الوحيد الأسمى من كل اسم كالتالي:

”لا يمكن إدراك الله باسمٍ، أو بفكرٍ، أو بأي قوة إدراكية أخرى للعقل، بل يظل [الله] فوق إدراك ليس البشر فقط، بل وإدراك الملائكة، وكل كينونة فوق العالم. إنه غير مُعبَّر عنه، وغير منطوق به، وفوق كل تسمية بكلام، ولديه اسم واحد فقط يساعد في استيعاب طبيعته اللائقة، أي أنه هو الوحيد الأسمى من كل اسم“.[112]

كما يؤكد النيسي على عدم إدراك الجوهر الإلهي، حيث أنه:

”لا يوجد في الطبيعة البشرية أية قوة من أجل معرفة جوهر الله على نحو تام، وربما أيضًا إنه من النادر الحديث فقط عن القوة البشرية، ولكن إن كان أحد يقول بأنه حتى الخليقة غير الجسدية هي أقل جدًا من التكيُّف والاستيعاب للطبيعة غير المحدودة عن طريق المعرفة، فلن يكون بالطبع مخطئًا على الإطلاق […] فلا تقف قوة الملائكة بمعزل عن ضآلتنا […] لأنه عظيم ولا يمكن عبوره، البون الذي تفترق به الطبيعة غير المخلوقة عن الجوهر المخلوق. فالواحد محدود، والآخر بلا حدود، الواحد مُدرَك بقياسه، لأن حكمة الخالق أرادته، بينما لا يعرف الآخر أي قياس، الواحد مُقيَّد بمجال محدد الأبعاد، محصور بالمكان والزمان، بينما الآخر أعلى من أي مفهوم عن الأبعاد، وبغض النظر عن كم يمكن للمرء أن يضغط على العقل، فيمتنع عن التعريف من فضول المرء بالمثل“.[113]

ثم يتحدث النيسي عن الألوهة من حيث الجوهر في العموم، بأنها صعبة المنال، ولا يمكن تصورها، وتفوق قدرات العقل على الاستدلال والاستنتاج قائلاً:

”من حيث جوهرها، تظل الألوهة لا يمكن الوصول إليها، ولا يمكن تصورها، وتفوق أي إدراك يمكن الحصول عليه عن طريق الاستدلال والاستنباط“.[114]

ق. كيرلس الإسكندري

وهكذا يَعتبر ق. كيرلس الإسكندري أن القائل بأن النعمة الإلهية مخلوقة بأنه يجدف تجديف صريح كالتالي:

”إذا كانت الشياطين تخرج بفعل الروح بواسطة الله، ويتمجد الله، فإن كان الروح القدس بحسب بعض الأميين مخلوقًا ومصنوعًا، إذًا، هل يمكن أن تكون قوة [طاقة] الله مخلوقة أو مجبولة؟ وكيف يعقل -بعدئذ- أن يكون أعظم من هذا الذي بواسطته يُمجَّد؟ لكن أن يفكر أحد ويقول مثل هذا الأمر، لهو تجديف صريح“.[115]

ويؤكد ق. كيرلس هنا أيضًا على أن قوة الله أو طاقة الله ليست مخلوقة ولا مجبولة؛ لأنها صادرة عن الجوهر الإلهي فهي قوة ونعمة إلهية غير مخلوقة، لا تنفصل عن الجوهر الإلهي.

ق. هيلاري أسقف بواتييه

كما يتحدث ق. هيلاري أسقف بواتييه عن الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر كالتالي:

”فإن المسيح يسكن فينا، وحيثما يسكن المسيح يسكن الله. وحينما يسكن فينا روح المسيح، فإن تلك السُكنى لا تعني أن هناك روحًا أخرى تسكن فينا سوى روح الله، […] فلابد أن نعترف اﻵن بأن روح الله هذا هو أيضًا روح المسيح، بما أن الطبيعة تسكن فينا سُكنى حقيقي […] فإن معلم اﻷمم يؤكد أنهما ليسا روحيين -روح الله وروح المسيح- هذين اللذين يوجدان في المؤمنين، بل روح المسيح الذي هو أيضًا روح الله. هذا ليس سُكنى مشترك، بل سُكنى واحد، ومع ذلك فهو سُكنى سري مشترك […] فإن روح الله فينا، وكذلك روح المسيح فينا. وحينما يكون روح المسيح فينا يكون روح الله أيضًا“.[116]

 

 

التأله غاية خلق الإنسان

نستعرض الآن موضوع أن التأله هو غاية خلق الإنسان، حيث أكد آباء الكنيسة على ذلك شرقًا وغربًا كما سنرى في النصوص التالية.

نبدأ أولاً بتأكيد العلامة ترتليان على أن التأله هو غاية خلق الإنسان، وإن الإنسان لو لم يسقط، كان سيؤخذ في المستقبل إلى الطبيعة الإلهية، حيث يقول التالي:

”والآن، على الرغم من أن آدم كان عرضةً للموت بسبب حالته تحت الناموس، إلا أن الرجاء كان محفوظًا له بقول الرب: ’هوذا آدم يصير كواحد منا‘ (تك٣: ٢٢)، أي نتيجة اتخاذ الإنسان إلى الطبيعة الإلهية في المستقبل. إذًا، ما الذي يلي ذلك؟ ’والآن، لئلا يمد يده، ويأخذ أيضًا من شجرة الحياة، (ويأكل)، ويحيا إلى الأبد‘. وبالتالي يُظهِر بإضافة الجزء عن الوقت الحاضر ’والآن‘، أنه قد خلقه للوقت، وللحاضر، ولاستمرار حياة الإنسان“.[117]

وهذا هو ما يؤكده أيضًا ق. غريغوريوس اللاهوتي عن انتقال الإنسان الأول قبل السقوط إلى عالم آخر في نهاية المطاف، ليصير إلهًا بشوقه لله، حيث يقول عن الإنسان التالي:

”كائن حي يقيم في الأرض، ولكنه ينتقل إلى عالم آخر، وفي نهاية المطاف، يصير إلهًا بشوقه إلى الله“.[118]

ونرى مما سبق أن هذا الكلام لا يختلف مع كلام ق. أثناسيوس من أن الإنسان لو حفظ الوصية والنعمة في الفردوس كان سينال وعد الله له بالخلود في السماء، فالإنسان لم يُخلق خالدًا، بل خُلق في مسيرة نمو وتقدم نحو الخلود والتأله، كما قال الآباء السالف ذكرهم، وهذا أيضًا ما ذكره ق. غريغوريوس اللاهوتي في عظته الفصحية الثانية عن أن الإنسان كان مدعو ليصير إلهًا وينتقل لعالم آخر، وكيف كان سيحدث هذا الخلود، سوى باتحاد الإلهي مع الإنساني في التجسد، ليؤله الإنسان مانحًا إياه الخلود، فنرى ق. أثناسيوس يقول التالي:

”ولكن لعلمه أيضًا أن إرادة البشر يمكن أن تميل إلى أحد الاتجاهين (الخير أو الشر) سبق فأمّن النعمة المعطاة لهم بوصية ومكان، فأدخلهم في فردوسه وأعطاهم وصية حتى إذا حفظوا النعمة واستمروا صالحين، عاشوا في الفردوس بغير حزن ولا ألم ولا هم بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء“.[119]

وهكذا يتحدث أوغسطينوس مثله مثل الآباء السابقين عن أن التأله هو غاية خلق الإنسان منذ البدء، وأنه كان سيصير إلهًا لو لم يسقط بالتعدي والعصيان كالتالي:

”هنالك في الراحة سوف ترى أنه هو الله، طبيعة سامية ادّعيناها لنا حينما هبطنا من أعالي عهده على صوت الشيطان الذي أغوانا قائلاً: ’تصيران كآلهة‘، لم نحفظ الأمانة لهذا الإله الذي كان قادرًا على أن يجعل منا آلهةً، لو لم نجحد نعمه، ونتخلف عن الاتحاد به“.[120]

وهكذا يفرق ق. كيرلس السكندري بين صورة الله ومثاله في الإنسان، حيث يرى أن لصورة الله معاني كثيرة، بينما المثال هو حياة عدم الفساد وعدم الاضمحلال، كما يؤكد على أن الإنسان لم يكن خالدًا بالطبيعة منذ خلقته، بل كان سينال الخلود بعد ذلك كعطية من الله على طاعته للوصية وثباته في الله. حيث يقول التالي:

”ورغم أن حديثي أقل من المستوى اللازم، إلا أنني يجب أن أواصل موضحًا الحالة الأولى لطبيعتنا. فإني أعرف أننا إذ نقصد بإخلاص أن ندرك معنى الكلمات التي أمامنا، فإننا سنتجنب الأخطار الناتجة عن الكسل. إذًا، فهذا المخلوق العاقل أي الإنسان، قد خُلق من البداية على صورة ذاك الذي خلقه حسب المكتوب (أنظر كو٣: ١٠). وصورة لها معاني متعددة. فيمكن أن تكون الصورة ليس حسب معنى واحد، بل حسب معاني كثيرة، أما عنصر مماثلة الله الذي خلقه، الذي يعلو الكل، فهو عدم الفساد وعدم الاضمحلال. فنحن نعرف أن المخلوق لا يمكن أن يكون كفوًا في ذاته أن يكون هكذا كالله بمجرد قانون طبيعته الخاصة، لأنه كيف يمكن لذاك الذي هو من الأرض بحسب طبيعته الخاصة، أن يملك مجد عدم الفساد، إن لم يحصل على ذلك من الله الذي هو بالطبيعة عديم الفساد، وعديم الفناء، وهو دائم هكذا كما هو إلى الأبد، والله هو الذي يغني الإنسان بهذه الهبة كما يهبه كل العطايا الأخرى؟“.[121]

ثم يؤكد ق. كيرلس السكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان لو لم يسقط في التعدي والعصيان، فالله كان سيجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، كما يؤكد أيضًا على أن النفخة التي نفخ الله في الإنسان هي الروح القدس، روح الابن، وليس كما ينكر النساطرة الجدد بأن النفخة في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس. حيث يقول التالي:

”فكما يقول بولس الملهم بكل عقل وحكمة: وأي شيء لك لم تأخذه (١كو٤: ٧). لذلك، فلكي لا يتلاشى ذلك الذي خُلِقَ من العدم، ويعود إلى العدم مرةً أخرى، بل بالحري يُحفَظ على الدوام -كما كان قصد الذي خلقه- لذلك فإن الله يجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، لأنه ’نفخ في أنفه نسمة حياة‘ (تك٢: ٧)، أي روح الابن، لأن الابن نفسه مع الآب هو الحياة، وهو يضبط كل الأشياء معًا في الوجود. لأن كل الكائنات التي تنال الحياة ‘به تحيا وتتحرك’ حسب كلمات بولس الرسول (أنظر أع١٧: ٢٨)“.[122]

ويؤكد ق. كيرلس السكندري على أن النفخة في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس، ويقول إنه مَن يفترض أن نفخة الله في بداية الخلق صارت نفسًا مخلوقة هو إنسان لا يملك تفكيرًا سليمًا، ويشرح ذلك كالتالي:

”فإننا يجب أن نكرر مرةً أخرى ونقول – لا يوجد أي إنسان ذو تفكير سليم، يمكن أن يفترض أن النسمة التي صدرت من الجوهر الإلهي صارت نفسًا مخلوقة، بل إنه بعد أن صار للمخلوق نفسًا، أو بالحري بعد أن بلغ إلى كمال طبيعته بوجود النفس والجسد معًا، فإن الخالق طبع عليه ختم الروح القدس أي ختم طبيعته الخاصة أي نسمة الحياة، والتي بواسطتها صار المخلوق مشكلاً بحسب الجمال الأصلي، واكتمل على صورة ذاك الذي خلقه. وهكذا وُهبت له الإمكانية لكل شكل من أشكال السمو بفضل الروح الذي أُعطِي له ليسكن فيه“.[123]

يتضح من هنا تأكيد ق. كيرلس السكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان كما قصد الله، أي أن يصير شريكًا للطبيعة الإلهية، ويؤكد ق. كيرلس السكندري على أن نفخة الله في بداية الخلق لم تكن نسمة الحياة المخلوقة في الإنسان، بل ختم الروح القدس أي ختم طبيعته الخاصة في الإنسان، وليس كما ينكر النساطرة الجدد ويدَّعون أن نسمة الله في بداية الخلق هي مجرد نسمة الحياة أو النفس المخلوقة في الإنسان.

 

 

التأله غاية التجسد

لقد كانت غاية خلق الإنسان قبل السقوط هي التأله، لذا سوف نبحث الآن الوسيلة التي أعلنها الله في الكتاب المقدس والتقليد لتحقيق هذا التأله وهي التجسد، لأن التأله هو غاية التجسد.

نبدأ من عند ق. أثناسيوس حيث يؤكد على أن غاية التأنس والتجسد هي التأله في عبارته الشهيرة التي تقف حجرة عثرة أمام كثيرين، مستخدِمًا الصيغة التبادلية كالتالي:

”لقد صار إنسانًا لكي يؤلهنا“.[124]

ثم يؤكد في موضع آخر ويربط بين التأله والخلاص كغايتين للتجسد، فالخلاص هو التأله والتأله هو الخلاص عند ق. أثناسيوس المعروف بأنه ”لاهوتي التأله“ كالتالي:

”لقد صار مثل هذا الاتحاد، لكي يصير ما هو بشري بحسب الطبيعة متحدًا بالذي له طبيعة اللاهوت، فيصير خلاصه وتألهه مضمونًا“.[125]

كما يُردِّد ق. كيرلس السكندري نفس كلمات ق. أثناسيوس قائلاً بأن غاية التجسد هي التأله كالتالي:

”لذا فقد صار مثلنا أي إنسانًا، لكي نصير مثله أعني آلهة وأبناء“.[126]

ويردد أوغسطينوس معهما نفس الكلام قائلاً:

”لأن هذا الاتخاذ [أي التجسد] قد جعل الله إنسانًا، والإنسان إلهًا“.[127]

وهكذا يؤكد ق. غريغوريوس اللاهوتي على نفس كلام الآباء السابقين أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان قائلاً:

”والإنسان الأرضي الذي اتحد بالجسد بوساطة روح، صار إلهًا عند ما امتزج بالله، وصار واحدًا يغلب فيه الأفضل والأرفع، وبذلك أصبح أنا إلهًا بقدر ما أصبح هو إنسانًا“.[128]

ويقول أيضًا ق. غريغوريوس في موضع آخر في نفس السياق:

”وكما تشبَّه المسيح بنا، فلنتشبه نحن أيضًا به؛ صار إنسانًا لكي يؤلِّهنا، قَبِلَ كل ما هو قابل للفساد حتى يهبنا الأسمى“.[129]

يؤكد ق. غريغوريوس النيسي أيضًا على أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان كالتالي:

”وبما أن هذا الجسد الذي صار وعاء للألوهة، قد نال ذلك أيضًا لكي يستمر في الحفاظ على وجوده، كما أن الله الذي أظهر ذاته، قد مزج نفسه بطبيعتنا المائتة حتى بهذه الشركة مع اللاهوت، يتيسر للبشرية أن تصير مؤلهةً في نفس الوقت“.[130]

وهكذا يسير ق. هيلاري أسقف بواتييه المُلقَّب بـ ”أثناسيوس الغرب“ على نفس النهج في أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان كالتالي:

”فالخطية الموجهة ضد الروح هي إنكار كمال قوة الله، ونقض للجوهر الأزلي في المسيح، الذي صار من خلاله الله في الإنسان، ليصير الإنسان إلهًا“.[131]

كما يؤكد ق. هيلاري في نفس السياق على الحقيقة السابقة قائلاً في موضع آخر:

”فإنه حينما وُلِدَ الله ليكون إنسانًا، لم يكن الغرض هو فقدان الألوهية، بل ببقاء الألوهية، يجب على الإنسان أنْ يُولَد ليصير إلهًا“.[132]

فيتضح من خلال أقوال معلمي البيعة المقدسة شرقًا وغربًا أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان سواء قبل السقوط أو بعده، وبالتالي، كان التجسد سيحدث حتى لو لم يخطئ آدم، لكي يؤله الله الإنسان باتحاده به في التجسد ليهبه الخلود والحياة الأبدية أي حياة الله، لأنه يجعلني اشترك فيها معه باتحادي به في المسيح الكلمة المتجسد، ولا يوجد وسيلة أخرى أعلنها الله من أجل تحقيق ذلك سوى التجسد الإلهي.

 

 

التأله بالأسرار المقدسة

كيف ينال المسيحي التأله بالنعمة؟ سنحاول الإجابة عن ذلك من خلال الكتاب المقدس وكتابات الآباء.

الكتاب المقدس

لقد قال السيد المسيح لنيقوديموس: ”أَجَابَ يَسُوعُ: ’الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ‘“ (يو3: 5)، هنا شرط دخول الملكوت والحياة الأبدية (أي التأله بالنعمة) هو الولادة من الماء والروح أي بالمعمودية ننال الحياة الأبدية والتأله بالنعمة.

وقال السيد المسيح أيضًا لتلاميذه واليهود: ”مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ“ (يو6: 54). ويتحدث السيد المسيح هنا أيضًا عن أن شرط الحياة الأبدية هو التناول من جسده ودمه الأقدسين لنوال الحياة الأبدية (أي التأله بالنعمة).

نستخلص مما سبق أن نوال الخلود والحياة الأبدية وهي حياة الله وصفة خاصة بالله يعطيها للإنسان كعطية من خلال الأسرار الكنسية كالمعمودية، والميرون، والإفخارستيا. والتأله بالنعمة هو شركة الطبيعة الإلهية، وشركة الحياة الأبدية، وشركة في صفات إلهية بالأساس كالقداسة، والبر، والصلاح، والأبدية، والحكمة، والقوة. وهذه كلها صفات إلهية يشترك فيها الإنسان مع الله كعطية، وهبة، ومنحة، من الله للإنسان، وهذا هو مفهوم ”التأله بالنعمة“ الذي تحدث عنه آباء الكنيسة الجامعة الذي يتحقق من خلال الأسرار كما سنرى.

ق. أغناطيوس الأنطاكي

يصف ق. أغناطيوس الأنطاكي (الثيؤفوروس) الإفخارستيا بأنها: ”دواء الخلود وترياق عدم الموت“،[133] فنحن بالتناول من جسد الرب ودمه ننال الخلود وعدم الموت أي ننال التأله بالنعمة من خلال الإفخارستيا.

ق. إيرينيؤس أسقف ليون

ويتحدث ق. إيرينيؤس أيضًا عن التأله من خلال سر الإفخارستيا كالتالي:

”كيف يمكنهم أن يؤكدوا أن الجسد غير قادر أن يقبل عطية الله، التي هي الحياة الأبدية، ذلك الجسد الذي يتغذى من جسد الرب ودمه، وصار عضوًا فيه“.[134]

وبالتالي يؤكد ق. إيرينيؤس هنا على أن الحياة الأبدية هي عطية إلهية ننالها من خلال التغذي من الإفخارستيا، والحياة الأبدية هي مرادف لمفهوم التأله بالنعمة كما ذكرنا من قبل.

ق. أثناسيوس الرسولي

ويؤكد ق. أثناسيوس على أننا ننال التأله بالنعمة من خلال الاتحاد السري بجسد الكلمة ذاته في الإفخارستيا، وبالتالي تُعتبر الأسرار الكنسية ضرورية في نوال نعمة التأله والحياة الأبدية كالتالي:

”ونحن إنما نتأله لا باشتراكنا السري من جسد إنسان ما، ولكن بتناولنا من جسد الكلمة ذاته“.[135]

ق. كيرلس الأورشليمي

كما يؤكد ق. كيرلس الأورشليمي أيضًا على نوال شركة الطبيعة الإلهية (التأله بالنعمة) وباتحاد جسد ودم المسيح بأعضائنا من خلال الإفخارستيا ونصير نحمل المسيح داخلنا وفي أعضائنا كالتالي:

”وإذ أنت تشترك في جسد المسيح ودمه، تصبح جسدًا واحدًا، ودمًا واحدًا مع المسيح، وهكذا نصبح نحن (حاملي المسيح) بما أن جسده ودمه ينتشران في أعضائنا. وبهذه الكيفية نصبح على حد تعبير الطوباوي بطرس ’شركاء الطبيعة الإلهية‘ (٢بط١: ٤)“.[136]

ق. باسيليوس الكبير

وهكذا يُسمي ق. باسيليوس الكبير الإفخارستيا بـ ”طعام الحياة الأبدية“ الذي به ننال الحياة الأبدية (أي التأله بالنعمة) كالتالي:

”لذلك نحتاج من الآن فصاعدًا لأن نتغذى بطعام الحياة الأبدية، كما علَّمنا ذلك الابن الوحيد الإله الحي […] وفي مرة أخرى، يكرر كلمة ’الحق‘ ليؤكد ما يقوله، ويعطي الثقة التامة لسامعيه، فيقول: ’فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَق وَدَمِي مَشْرَبٌ حَق. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ‘ (يو6: 53-56)“.[137]

ق. غريغوريوس اللاهوتي

ويؤكد ق. غريغوريوس اللاهوتي على أننا بالمعمودية ننتقل إلى حالة (التأله) من خلال تطهير الروح القدس لنا في أعماقنا الداخلية، وإعادة خلقتنا لنصير من الحالة التي كنا عليها قبل المعمودية إلى حالة (التأله)، ونلبس الإنسان الجديد، ونترك الإنسان العتيق في جرن المعمودية كالتالي:

”بما أننا طبيعة مزدوجة أي من نفس وجسد، وبما أن الطبيعة الأولى غير منظورة [النفس] والثانية منظورة [الجسد]، فعملية التطهير هي مزدوجة أيضًا أي بالماء والروح. وهكذا نتطهّر بصورة منظورة جسديًا وبصورة غير منظورة روحيًا، بالماء شكلاً ورسمًا، وبالروح حقيقةً، لأنه يقدر أن يُطهِّر الأعماق. هذا الروح يأتينا منحة إلى خلقتنا الأولى، ويردنا من العتاقة إلى الجِدّة، ومن الحالة التي نحن عليها الآن إلى حالة التأله، ويصهرنا بدون نار، ويعيد خلقتنا بدون إخفاء الجسد“.[138]

ق. غريغوريوس النيسي

كما يشير ق. غريغوريوس النيسي إلى نوال نعمة التأله من خلال سر الإفخارستيا؛ حيث يزرع الله ذاته في كل المؤمنين في الإفخارستيا، ويمزج ذاته بأجساد المؤمنين باتحاد حقيقي في الإفخارستيا لينالوا به عدم الفساد (التأله بالنعمة) كالتالي:

”لذلك قَبِلَ ذاك الجسد وهو الوعاء الإلهي، هذا العنصر (السائل) من أجل بنيانه الذاتي، هو الإله الذي ظهر، ولذلك فقد اندمج بنفسه مع الطبيعة الفانية، حتى أنه بشركة اللاهوت تتأله البشرية، لذا فقد غرس نفسه في كل الذين يؤمنون بتدبير النعمة من خلال الجسد الذي يتكوَّن من الخمر والخبز، واختلط بأجساد المؤمنين، حتى باتحاده بغير المائت يصير الإنسان أيضًا شريكًا لعدم الفساد. وهو يمنح هذه (العطايا) بفضل قوة البركة التي من خلالها يُغيِّر طبيعة هذه الأشياء التي تظهر (للحواس) إلى تلك (الطبيعة غير المائتة)“.[139]

ق. يوحنا ذهبي الفم

ونرى ق. يوحنا ذهبي الفم يؤكد على اتحادنا الكياني بالمسيح ككيان واحد كلي من خلال الإفخارستيا، ويسميها ”القوت السماوي“، وهكذا يمزج المسيح جسده بجسد بشريتنا مثل امتزاج الخميرة والعجين، وهكذا يصير الرأس (المسيح) والجسد (الكنيسة) كائنًا واحدًا متماسكًا كالتالي:

”كذلك الكنيسة، لكنه وضع المسيح بدلاً من الكنيسة، حتى يسمو بالحديث إلى أعلى مستوى، ويثير في المستمع حياء أكثر. ما يعنيه هو الآتي: هكذا هو جسد المسيح، الذي هو الكنيسة. لأنه كما أن الجسد والرأس هما إنسان واحد، هكذا الكنيسة والمسيح، هما واحد. لذلك وضع المسيح بدلاً من الكنيسة، بأن دعا جسده هكذا. تمامًا كما لو كان يقول إن أعضاء جسدنا، وإن كانت كثيرة، هي جسد واحد، هذه الأعضاء الكثيرة، صارت جسدًا واحدًا“.[140]

ق. كيرلس الإسكندري

وأخيرًا، يؤكد ق. كيرلس الإسكندري على أننا بالإفخارستيا أي ”بشركة جسده الخاص الذي يسكب فينا شركة الله، ويمحو الموت الذي حلَّ بنا من اللعنة القديمة“.[141]

 

 

التأله في الليتورجية القبطية

نجد العديد من الإشارات في نصوص الليتورجية القبطية إلى عقيدة التأله بالنعمة، التي تُعتبر عصب اللاهوت السكندري، وأساس الإيمان الأرثوذكسي، كما سنرى في النصوص التالية.

حيث نجد إشارة واضحة جدًا لعقيدة التأله بالنعمة في قسمة للابن تُقال في أي وقت، وهكذا يتحدث عن إعطاء الله لنا مشتهيات الألوهية، بعدما خسرنا شجرة الحياة، وهذا يحدث من خلال تناولنا الجسد والدم الأقدسين كالتالي:

”صنعت لي وليمة النعمة، وشفيتني من سم الحية، وسلمتني أدوية الخلاص. لأنه هكذا أيها السيد، عندما عدَّمت نفسي من شجرة الحياة، أعطيتني مشتهيات الألوهية. صيَّرتني واحدًا معك، أعطيتني جسدك ودمك الذي بذلته عن حياة العالم“.[142]

وتتحدث قسمة أخرى للقديس كيرلس السكندري تُقال في أي وقت عن عقيدة التأله بالنعمة، حيث عندما نتناول الجسد والدم تشارك نفوسنا مجد الله، وتتحد نفوسنا بألوهيته، ونصير هياكل مقدسة لحلوله، ونتحد به اتحادًا سريًا، وهكذا نتحد بالثالوث القدوس، ويكون واحدًا معنا وفينا كالتالي:

”أجعلنا أهلاً لحلول روحك الطاهر في نفوسنا، أنر عقولنا لنعاين سبحك، نق أفكارنا وأخلطنا بمجدك. حبك أنزلك إلى هبوطنا، نعمتك تصعدنا إلى علوك […] عند استحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك، تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك، وتتحد نفوسنا بألوهيتك […] صيرنا هياكل مقدسة لحلولك […] أهلنا للاتحاد بك خفيةً. وهبت لنا أن نشرب كأس دمك طاهرًا، أهلنا أن نمتزج بطهارتك سرًا. وكما أنك واحد في أبيك وروحك القدوس، نتحد نحن بك، وأنت فينا، ويكمل قولك، ويكون الجميع واحدًا فينا“.[143]

وهكذا نحن نتناول في سر الإفخارستيا الجسد الإلهي والدم الكريم لنتأله، وليس كما يدَّعي البعض أننا نتناول الناسوت دون اللاهوت، حيث نصلي في قسمة تُقال للابن في سبت الفرح التالي:

”وأنعمت علينا بشجرة الحياة، التي هي جسدك الإلهي ودمك الحقيقي“.[144]

كما تتحدث القسمة الوجيزة عن أننا نتناول الجسد الإلهي والدم الكريم، نتناول الجسد الإلهي والدم الكريم، وليس الناسوت دون اللاهوت كالتالي:

”يا الله الذي أنعم علينا نحن الخطاة بميقات الخلاص، وذبيحة ناطقة سمائية التي هي الجسد الإلهي، والدم الكريم اللذان لمسيحك. هذا الذي صار لنا طهرًا، وخلاصًا، ونعمةً، وغفرانًا للخطايا“.[145]

وتتحدث قسمة الابن السنوي عن اتحادنا الكياني بالمسيح في الإفخارستيا كالتالي:

”وحينما أتقدم لتناول أسرارك، أجعلني مستحقًا لذلك، ومؤهلاً للاتحاد بك“.[146]

ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي في قداسه عن امتلاء الكل سواء البشر أو الملائكة من لاهوت الابن في صلاة الصلح الموجهة للابن كالتالي:

”وصالحت الأرضيين مع السمائيين، وجعلت الاثنين واحدًا، وأكملت التدبير بالجسد. وعند صعودك إلى السماء جسديًا، إذ ملأت الكل بلاهوتك، قلت لتلاميذك ورسلك القديسين: سلامي أعطيكم، سلامي أنا أترك لكم“.[147]

كما نصلي في الشيرات الثانية في باكر سبت الفرح مخاطبين العذراء مريم القديسة قائلين:

”السلام للممتلئة نعمة، المائدة الروحية التي تعطي الحياة لكل مَن يأكل منها [المقصود هو الإفخارستيا]، السلام للإناء غير الفاسد الذي للاهوت المعطي الشفاء لكل مَن يشرب منه“.[148]

ويتحدث هنا أننا نشرب من إناء اللاهوت غير الفاسد لشفائنا، وأعتقد أنه يقصد أننا نشرب اللاهوت سرائريًا المعطي شفاءً لكل مَن يتناول منه.

كما هناك إشارة واضحة جدًا إلى عقيدة التأله بالنعمة في طرح واطس للأحد الثالث من الخمسين المقدسة، حيث تتحدث عن قيامة المسيح كعربون للتأله والقيامة الأبدية كالتالي:

”قام الملك المسيح من القبور عربون التأله والقيامة الأبدية، له المجد دائمًا“.[149]

ونستنتج من هنا أن عقيدة التأله بالنعمة متأصلة في الليتورجية القبطية التي تُعتبر وعاءً لعقيدة ولاهوت الكنيسة، فنحن ما نؤمن به نصلي به، وبالتالي، نجد عقيدة التأله بالنعمة متغلغلة في الليتورجية القبطية وصلواتها المقدسة.

[1] إيرينيؤس أسقف ليون (قديس)، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١9)، ٣: ١٨: ٧، ص ٩٤.

[2] المرجع السابق، ٣: ١٩: ١، ص ٩٥، ٩٦.

[3] المرجع السابق، ٣: ١٨: ٦، ص ٩٤.

[4] المرجع السابق، ٣: ٢٤: ١، ص ١١٨.

[5] المرجع السابق، ٥: ٦: ١، ص ٢٨٤.

[6] كليمندس السكندري (علامة)، حض اليونانيين، ترجمة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2020)، الفصل الحادي عشر، ص 141.

[7] أوريجينوس (علامة)، عظات على سفر الخروج، ترجمة: أ. مريم رشاد ود. جرجس بشرى، (القاهرة: باناريون للتراث الآبائي، 2021)، 6: 5: 44-47، ص 146، 147.

[8] ميثوديوس الأوليمبي (قديس)، وليمة العشر عذارى (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، ترجمة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي، (القاهرة، 2009)، 11: 3، ص 230.

[9] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، 54: 3، ص 159.

[10] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: د. صموئيل كامل وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 1: 11: 42، ص 111.

[11] أثناسيوس (قديس)، الرسائل عن الروح القدس إلى سرابيون الأسقف، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد ود. موريس تاوضروس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 1: 24، ص 87.

[12] غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، 31: 28، ص 164.

[13] المرجع السابق، 31 :29، ص 166.

[14] باسيليوس الكبير (قديس)، الروح القدس، ترجمة: د. جورج حبيب بباوي، (القاهرة: جذور للنشر، 2014)، 9: 23، ص 94.

[15] كيرلس الإسكندري (قديس)، حوار حول الثالوث، ترجمة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، الحوار السابع، ص 346.

[16] المرجع السابق، ص 355.

[17] كيرلس السكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي الدراسات الآبائية، ٢٠١٥)، ص ٢١٤.

[18] المرجع السابق.

[19] المرجع السابق، ص ٢١٥.

[20] أفرام السرياني (مار)، أناشيد الإيمان ج١ (١- ٤٠)، ترجمة: الخوري بولس الفغالي، (لبنان: منشورات الجامعة الأنطونية، ٢٠٠٧)، ٢٩: ١، ص ١٥٩.

[21] المرجع السابق، ٥: ١٧، ص ٤٣.

[22] أفرام السرياني (مار)، منظومة الفردوس، ترجمة: الأب روفائيل مطر اللبناني، (لبنان: رابطة الدراسات اللاهوتية بالشرق الأوسط، الكسليك، ١٩٨٠)، ٩: ٢١، ص ١٦٤، ١٦٥.

[23] يعقوب السروجي (مار)، ميامر مار يعقوب السروجي مج١، ترجمة: الأب د. بهنام سوني، (بغداد، ٢٠٠٣)، ميمر ٦: ٤٨٦، ٤٨٧، ص ٤٨٦.

[24] المرجع السابق، ميمر ٦: ٥٠٧، ص ٢٦٣.

[25] المرجع السابق، ميمر ٩٤: ١٦٥- ١٦٧، ص ١٤٩٨.

[26] Tractatus tres de trinitate et incarnatione, 229: 15.

[27] Ibid, 299: 15 = 15- 129: 2.

[28] Ibid, 8- 243. 7.

[29] John of Dalyatha, Letters of St. John of Dalyatha Vol i, 1: 29.

[30] Fenqitho V. 447 b.

[31] Ibid, VI. 169b = 455a.

[32] Ibid, VII. 454a.

[33] Tertullian, ANF03 (Against Marcion), Trans. By Dr. Holmes, Edit. By Phillip Schaff, (Grand Rapids, MI: Christian Classics Ethereal Library, 1845- 1916), 2: 25, p. 444.

[34] ترتليانوس الأفريقي (علامة)، ضد هرماجانوس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، ٢٠١٧)، الفصل الخامس، ص ١٦٤، ١٦٥.

[35] المرجع السابق، ضد براكسياس، الفصل ١٣، ص ١٠٨.

[36] Hilary of Poitiers, The fathers of the church vol. 125 (Commentary on Mathew), Trans. By D. H. Williams, Edit. By David G. Hunter, (Washington DC: The catholic University of America Press, 2012), on Mt 5: 15, p. 84.

[37] هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: راهب من دير انبا أنطونيوس، مراجعة: د. سعيد حكيم، (البحر الأحمر: دير الانبا أنطونيوس، ٢٠١٧)، ١: ٣٦، ص ٢٣٢.

[38] المرجع السابق، ١٠: ٧، ص ٦٩٠.

[39] أوغسطينوس، مدينة الله ج٣، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، (لبنان: دار المشرق، ٢٠١٤)، ٢٢: ٣٠، ص ٤١٣.

[40] أوغسطينوس، عظات في المزامير ج٢، ترجمة: سعد الله سميح جحا، (لبنان: دار المشرق، ٢٠١٤)، عظة ٥٨: ٧، ص ٥٥٨.

[41] المرجع السابق، ٤٩: ٢، ص ٣١٣، ٣١٤.

[42] أوغسطينوس، خواطر فيلسوف في الحياة الروحية، ترجمة: الخوري يوحنا الحلو، (لبنان: دار المشرق، 2004)، 7: 13، ص 422.

[43] أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، (القاهرة، 2021)، 1: 6: 13، ص 129، 130.

[44] المرجع السابق، 1: 13: 28، ص 153.

[45] أثناسيوس (قديس)، المقالات ضد الآريوسيين، ترجمة: د. صموئيل كامل وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٧)، ١: ١١: ٤٢، ص ١١٠، ١١١.

[46] المرجع السابق، ٣: ٢٧: ٣٨، ص ٣٤٣، ٣٤٤.

[47] المرجع السابق، ٣: ٢٨: ٤٨، ص ٣٥٨.

[48] Gregory of Nazianzus, Theophany, PG 36.325 B-C.

[49] غريغوريوس النزينزي (قديس)، رسائل لاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٠)، الرسالة الأولى إلى كليدونيوس، ص ٢٤.

[50] غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب ٢٧-٣١ اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ١٩٩٣)، ٢٩: ١٩، ص ١٠٠.

[51] غريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى البابا ثيؤفيلوس السكندري ٢٣ ضد الأبوليناريين، ترجمة: أنطون جرجس، (القاهرة: دورية مدرسة الإسكندرية رقم ٣١، ٢٠٢١)، ص ٥٢، ٥٣.

[52] المرجع السابق، ص ٥٤.

[53] هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: راهب من دير الانبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الانبا أنطونيوس، ٢٠١٧)، ٩: ٣٨، ص٦٣١، ٦٣٢.

[54] كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١١)، ٢٨: ١١، ص ٣٩٦.

[55] ساويروس الأنطاكي (قديس)، الرسالة الثانية إلى سرجيوس النحوي، ترجمة: راهب من دير الانبا أنطونيوس، (مصر: دير الانبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، ٢٠١٥)، ص ٣٢٣.

[56] كيرلس السكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا ج١، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٥)، ص ١٠٥.

[57] غريغوريوس اللاهوتي (قديس)، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، ١٩٩٤)، عظة المعمودية والمعمدون، عظة ٤١، ص١٦٠.

[58] المرجع السابق، عظة 39 الظهور الإلهي في المسيح أو عظة عيد الأنوار، ص ١٧٥.

[59] Homily 45: 11. PG 36: 637 B.

[60] باسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٢٠)، ص ١٤٨، ١٤٩.

[61] باسيليوس الكبير (قديس)، تفسير سفر المزامير ج١، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٢٠)، العظة السابعة على مز٣٤، ص ٢٢٧، ٢٢٨.

[62] غريغوريوس النيسي (قديس)، حياة موسى، ترجمة: مجدي فهيم حنا، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، ٢٠٢١)، ٢: ١٩، ص ٥٠.

[63] غريغوريوس النيسي (قديس)، استفانوس أول شهداء المسيحية، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٧)، العظة الأولى، ص ٣٦، ٣٧.

[64] ديونيسيوس الأريوباغي (المستعار)، اللاهوت الباطني، ترجمة: د. جورج فرج، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٢٠)، ص ١٠٤، ١٠٥.

[65] St. Isaac of Syria, Homily 72.

[66] اسحاق السرياني (مار)، الميامر النسكية، ترجمة: نيافة الانبا سارافيم، (وداي النطرون: دير العذراء البراموس، ٢٠١٧)، ميمر ١٥، ص٢٢٣.

[67] المرجع السابق، ميمر ٢٣، ص ٢٧٨، ٢٧٩.

[68] يوحنا الدلياتي (الشيخ الروحاني)، مجموعة الميامر الروحية، ترجمة: الأب سليم دكاش اليسوعي، (لبنان: دار المشرق، ٢٠٠٢)، ميمر ٦: ١٣، ص ٤٤.

[69] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، رؤيا إشعياء، ترجمة: د. جورج فرج، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٦)، عظة ٢: ٢، ص ١٠٥، ١٠٦.

[70] المرجع السابق، عظة ٦، ص١٧٨، ١٧٩.

[71] المرجع السابق، عظة ٦، ص١٨٠، ١٨١.

[72] أثناسيوس (قديس)، الرسائل عن الروح القدس، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد و د. موريس تاوضروس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 1: 4، ص 41.

[73] المرجع السابق، 1: 20، ص 77.

[74] تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006) 16: 26، ص 244.

[75] غريغوريوس اللاهوتي (قديس)، عظة عيد الخمسين، ترجمة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2012)، 36: 11، ص 51.

[76] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على سفر أعمال الرسل، ترجمة: نشأت مرجان، (القاهرة: دار المحبة، 2011)، العظة الرابعة، ص 67، 68.

[77] المرجع السابق، ص 65.

[78] ديديموس الضرير (علامة)، الروح القدس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2015)، 3: 106-109، ص 71، 72.

[79] المرجع السابق، 3: 80، ص 64.

[80] إبيفانيوس أسقف سلاميس (قديس)، أنكوراتوس (المثبت بالمرساة)، ترجمة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2018)، 72: 7، 8، ص 322.

[81] كيرلس الإسكندري (قديس)، حوار حول الثالوث، ترجمة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، الحوار السابع، ص 350.

[82] كيرلس الإسكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة ٣٤: ٥٠، ص 578.

[83] المرجع السابق، مقالة ٣٤: ٥٥، ص 580.

[84] المرجع السابق، مقالة 34: 56، ص 581.

[85] كيرلس الإسكندري (قديس)، ضد تجاديف نسطور، مقالة 3: 2.

[86] كيرلس الإسكندري (قديس)، حوار حول الثالوث، ترجمة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، الحوار السابع، ص 353-355.

[87] Eunomius, The Extant Works (Liber Apologeticus), Text. & Trans. By R. P. Vaggione, (Oxford: Oxford University Press, 1987), 1: 22, 23, p. 63-65.

[88] توما ف. تورانس، الإيمان بالثالوث، ترجمة: د. عماد موريس، (القاهرة: باناريون للتراث الآبائي، 2010)، ص 102- 106.

[89] Sergius Bulgakov, Unfading Light of Contemplations and Speculations, Trans. By Thomas Allen Smith, (UK, Michigan, Cambridge: William B. Eerdmans Publishing Co., Grand Rapids, 2012), [Socrates, Hist. Eccles. Lib. iv p. 7, cited in Viktor Nesmelov, The Dogmatic System of Gregory of Nyssa, (Kazan, 1887), p. 130], p. 173

[90] Ibid, [Viktor Nesmelov, The dogmatic system of Gregory of Nyssa, (Kazan, 1887), p. 135], p. 177.

[91] باسيليوس الكبير (قديس)، رسالة إلى أمفلوخيوس، 234: ١، ٢.

[92] باسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، ١: ١٣، ص 78.

[93] المرجع السابق، ١: ١٢، ص 75.

[94] المرجع السابق، ٢: ٤، ص 122.

[95] المرجع السابق، 1: 10، ص 71.

[96] المرجع السابق، 1: 10، ص 70.

[97] Basil of Caesarea, Against Eunomius, the Fathers of the church, (USA: The Catholic University of Washington), 2: 32, p. 179, 180.

[98] Sergius Bulgakov, Unfading Light of Contemplations and Speculations, Trans. By Thomas Allen Smith, (UK, Michigan, Cambridge: William B. Eerdmans Publishing Co., Grand Rapids, 2012), [Gregory of Nazianzus, Hymn part 5: verse 5], p. 177.

[99] غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، خطبة ٢٨: ١٧، ص 58.

[100] المرجع السابق، خطبة ٢٩: ١١، ص 91.

[101] المرجع السابق، خطبة 29: ١٨، ص 99.

[102] المرجع السابق، خطبة ٢٨: ١٣، ص 54.

[103] المرجع السابق، خطبة ٢٩: ١٠، ص 90.

[104] المرجع السابق، خطبة ٢٩: ١٥، ص 95.

[105] المرجع السابق، خطبة ٣٠: ١7، ص 126.

[106] المرجع السابق، خطبة ٣٠: ١٦، ص 124.

[107] المرجع السابق، خطبة ٢٨: ٩، ص 48.

[108] توماس ف. تورانس، الإيمان بالثالوث، ترجمة: د. عماد موريس، (القاهرة: باناريون للتراث الآبائي، 2010)، ص 69.

[109] غريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى أوستاثيوس عن الثالوث، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: دورية مدرسة الإسكندرية رقم 28، 2020)، ص 24.

[110] غريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى اليونانيين عن الأسماء العامة، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: دورية مدرسة الإسكندرية رقم 29، 2020)، ص 16.

[111] المرجع السابق، ص 22.

[112] Sergius Bulgakov, Unfading Light of Contemplations and Speculations, Trans. By Thomas Allen Smith, (UK, Michigan, Cambridge: William B. Eerdmans Publishing Co., Grand Rapids, 2012), [“Refutation of Eunomius”, Book 2, (Nesmelov, p. 153), Russian Edition, p. 271], p. 177

[113] Ibid.

[114] Ibid, [“Refutation of Eunomius”, Book 12, Russian Edition, pp 291-92, 319, p. 177], p. 178.

[115] كيرلس الإسكندري (قديس)، الكنوز فى الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة 34: 7، ص 555.

[116] هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2017)، 8: 26، 27، ص 553، 554.

[117] Tertullian, ANF03 (Against Marcion), Trans. By Dr. Holmes, Edit. By Phillip Schaff, (Grand Rapids, MI: Christian Classics Ethereal Library, 1845- 1916), 2: 25, p. 444.

[118] غريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات عيد القيامة (العظة الفصحية الثانية)، ترجمة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2015)، عظة 45: ٧، ص 23.

[119] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، ٣: ٤، ص 8، 9.

[120] أوغسطينوس، مدينة الله ج٣، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، (لبنان: دار المشرق، ٢٠١٤)، ٢٢: ٣٠، ص ٤١٣.

[121] كيرلس السكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي الدراسات الآبائية، ٢٠١٥)، ص ٢١٤.

[122] المرجع السابق.

[123] المرجع السابق، ص ٢١٥.

[124] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، ٥٤: ٣، ص 159.

[125] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: د. صموئيل كامل وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، ٢: ٧٠، ص 262.

[126] Cyril of Alexandria, Commentary on John 21: 1. 1088bc.

[127] أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، تقديم: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، (القاهرة، 2021)، ١: ١٣: ٢٨، ص 153.

[128] غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، خطبة ٢٩: ١٩، ص 100.

[129] غريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات على عيد القيامة (العظة الفصحية الأولى)، ترجمة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2015) 44: 5، ص 15.

[130] Gregory of Nyssa, Or. Cat: 37, PG 45.97b.

[131] Hilary of Poitiers, The fathers of the church vol. 125 (Commentary on Mathew), Trans. By D. H. Williams, Edit. By David G. Hunter, (Washington DC: The catholic University of America Press, 2012), on Mt 5: 15, p. 84.

[132] هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير أنبا أنطونيوس، 2017)، ١٠: ٧، ص 690.

[133] أغناطيوس الأنطاكي (قديس)، الآباء الرسوليون، ترجمة: مجموعة من المترجمين، (القاهرة: باناريون للتراث الآبائي، 2019)، الرسالة إلى أفسس 20: 2، ص 330.

[134] إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019)، ٥: ٢: ٣، ص 276.

[135] Athanasius, Letter to Maximus the Philosopher, NPNF Ser. II, Vol. IV, Ch. 2, p. 578-579.

[136] تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006)، مقالة ٢٢: ٣، ص 292.

[137] باسيليوس الكبير (قديس)، المعمودية، ترجمة: نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2009)، 3: 1، ص 43.

[138] غريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، 1994)، عظة المعمودية المقدسة ٤٠: ١٠، ص 138، 139.

[139] غريغوريوس النيسي (قديس)، تعاليم الموعوظين، ترجمة: د. جورج فرج، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2022)، 37: 12، ص 242، 243.

[140] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى كورنثوس الأولى ج2، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، عظة 30: 1، ص 198.

[141] كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، 3: 6، تعليق على (يو6: 35)، ص 370.

[142] الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس، (القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، ١٩٩٤)، ص ٣٤٣.

[143] المرجع السابق، ص ٢٥٧، ٢٥٨.

[144] المرجع السابق، ص ٢٥٠.

[145] المرجع السابق، ص ٢٤٤.

[146] المرجع السابق، ص ٢٥٩.

[147] المرجع السابق، ص ١٩٥.

[148] ترتيب أسبوع الآلام بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إعداد ونشر مجموعة من المتخصصين في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال، (القاهرة: مؤسسة مينا للطباعة، ١٩٩٤)، ص ٦٨٧.

[149] إبصاليات وطروحات الأعياد السيدية والمواسم الكنسية، تقديم: الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، (وادي النطرون: دير السريان، 2003)، ص 575.

 

عقيدة التأله في التقليد الأرثوذكسي – د. أنطون جرجس عبد المسيح