طبيعة ناسوت المسيح في تعليم الإنجيل والتقليد – د. أنطون جرجس عبد المسيح
طبيعة ناسوت المسيح في تعليم الإنجيل والتقليد
(دراسة كتابية وآبائية)
ملخص البحث
هو استعراض لطبيعة ناسوت المسيح الذي اتحد به أقنوميًا في سر التجسد الإلهي، واستعراض لأهم الإشارات الكتابية، والآبائية، والتفسيرية، التي تتناول موضوع طبيعة ناسوت المسيح الذي اتخذه في تجسده من أجل إتمام تدبير خلاص البشرية. وسوف يتعرض البحث للفرق بين مفهومي الفساد سواء الطبيعي أو الأخلاقي، وكيف كان ناسوت المسيح قابلاً للفساد الطبيعي وليس الفساد الأخلاقي، حيث لم يوجد في المسيح شر البتة بسبب الاتحاد الأقنومي بين لاهوت المسيح وناسوته. كما سوف تتم مناقشة هرطقة من أخطر الهرطقات ضد ناسوت المسيح وهي الهرطقة اليوليانية نسبةً إلى صاحبها يوليان أسقف هاليكارنيسوس بآسيا الصغرى، الذي أدَّعى بأن ناسوت المسيح قبل وبعد القيامة كان غير قابل للفساد الطبيعي، وهكذا سقط في الهرطقة الدوسيتية أو الخيالية، التي تقول بأن ناسوت المسيح كان مُجرَّد خيال وليس ناسوتًا حقيقيًا مثل جميع البشر.
المقدمة
يُعد هذا البحث دراسة موسعة في طبيعة ناسوت المسيح وخصائصه من خلال تعاليم الكتاب المقدس، وتعاليم آباء الكنيسة الجامعة المعتبرين أعمدة ومعلمي الكنيسة على مر العصور والأجيال. كما سوف نتناول في البحث الفرق بين مفهوم الفساد الطبيعي والفساد الأخلاقي أو فساد الخطية، وكيف يخلط البعض بين هذين النوعين من الفساد، حيث يرفض البعض وجود الفساد الطبيعي في ناسوت المسيح، حيث يخلطون عن عدم دراية بين نوعي الفساد. حيث قد أكد الآباء على قابلية ناسوت المسيح للفساد الطبيعي والموت، ولكن لم يكن هناك فساد أخلاقي أو فساد الخطية في ناسوت المسيح، لأن ”المسيح شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية فقط“، كما أكدت الأناجيل، وأكدت جميع كتابات آباء الكنيسة الجامعة. كما سوف نتعرض لهرطقة من أخطر الهرطقات التي قامت ضد حقيقة ناسوت المسيح، وهي الهرطقة اليوليانية التي كان يتزعمها يوليان أسقف هاليكارنيسوس بآسيا الصغرى في زمن حكم الإمبراطور جوستنيان، ولقد تصدى البطريرك ساويروس الأنطاكي لهذه الهرطقة الخطيرة ضد حقيقة ناسوت الرب، وتعتبر كتاباته ضد الهرطقة اليوليانية خير مثال على الحجة القوية في مقاومة الآراء والهرطقات الغريبة التي تجتاح الكنيسة من وقت لآخر. حيث قام معلمنا القديس ساويروس الأنطاكي بعرض الهرطقة اليوليانية وجميع حججها، وقام بالتصدي لها على أسس كتابية، وآبائية، وليتورجية قوية.
منهجية البحث وإطاره النظري
منهجية البحث هي منهجية تحليلية استقصائية واستدلالية من خلال التحليل والاستدلال بعدة مراجع مختلفة، حيث سوف أستعرض في هذا البحث الهرطقة اليوليانية وادعاءاتها ضد حقيقة ناسوت المسيح، ثم سوف أستعرض النصوص الكتابية التي تقاوم هذه الهرطقة الخطيرة، موضحًا خصائص وطبيعة ناسوت الرب يسوع الذي اتخذه أثناء حياته على الأرض، والذي صعد به إلى السماء، وجلس به عن يمين الآب في المجد. ثم سوف أستعرض النصوص الآبائية التي توضح طبيعة وخصائص وماهية ناسوت المسيح، وترد في نفس الوقت على الهرطقة اليوليانية الخطيرة التي تقوض حقيقة ناسوت الرب، والتداعيات الخطيرة لهذه الهرطقة على تدبير الخلاص. ثم سوف أستعرض آراء الباحثين والدارسين الذين تعرضوا وتناولوا موضوع طبيعة وماهية ناسوت المسيح، وتناولوا الهرطقة اليوليانية بالتحليل والنقد.
إشكالية البحث
- هناك مشكلة أساسية في عدم دراية البعض بطبيعة وماهية الناسوت الذي أخذه المسيح أثناء تدبير الخلاص.
- هناك مشكلة أساسية ضد حقيقة ناسوت المسيح قد أثرتها الهرطقة اليوليانية، والتي لها تداعيات خطيرة على تدبير الخلاص، حيث تشكك هذه الهرطقة في قابلية جسد المسيح للموت، وهكذا تقوض حقيقة ناسوت الرب، مما له أثر خطير على تدبير الخلاص برمته.
- هناك مشكلة أساسية أيضًا في فهم وتفسير المصطلحات الكتابية والآبائية حول الفرق بين الفساد الطبيعي أي التغير، والتحول، والآكل والشرب، والمشاعر البشرية الطبيعية، والقابلية للموت، وبين الفساد الأخلاقي أو فساد الخطية أي الفساد الناتج عن ممارسة الخطية أو الخطأ الأخلاقي.
- هناك مشكلة أساسية حول مهاجمة البعض لفكرة قابلية ناسوت المسيح للفساد الطبيعي، أو الأهواء البشرية غير الملومة كالألم والاضطراب والكأبة والجوع والعطش والموت، حيث يخلط البعض بين مفهوم هذا الفساد الطبيعي الموجود بالطبيعة في جسد المسيح، وذكرته الأناجيل، وذكره وأكد عليه آباء الكنيسة الجامعة في كتاباتهم على مر العصور.
فروض وتساؤلات البحث
- ما هي طبيعة وخصائص ناسوت المسيح الذي اتخذه أثناء تدبير الخلاص؟
- ما هو الفرق بين الفساد الطبيعي والفساد الأخلاقي؟ وأي نوع من الفساد كان موجود في ناسوت المسيح من هذين النوعين؟
- ما هي الهرطقة اليوليانية التي تعرضت لحقيقة ناسوت المسيح، وأنكرت حقيقة هوية ناسوت المسيح؟
- ما هي الحجج الكتابية والآبائية في الرد على الهرطقة اليوليانية؟
أهداف البحث
- دراسة وتحليل ماهية وخصائص ناسوت المسيح من خلال النصوص الكتابية، والآبائية.
- محاولة توضيح الفرق بين الفساد الطبيعي والفساد الأخلاقي أو فساد الخطية.
- دراسة وتحليل الهرطقة اليوليانية وتداعياتها الخطيرة على تدبير خلاص المسيح.
- استعرض أهم الحجج الكتابية والآبائية في الرد على الهرطقة اليوليانية التي تقوض حقيقة ناسوت المسيح، وتعد أحد صور الهرطقة الدوسيتية (الخيالية).
أهمية البحث
يُعتبر البحث دراسة كتابية، وآبائية، ولاهوتية استقصائية شاملة لنصوص الكتاب المقدس، والنصوص الآبائية التي تتناول بصورة واضحة طبيعة وماهية وحقيقة ناسوت الرب يسوع المسيح. كما يناقش البحث هرطقة من أخطر الهرطقات التي قامت ضد حقيقة ناسوت المسيح ألا وهي الهرطقة اليوليانية من خلال النصوص الكتابية والآبائية. كما يحاول البحث التمييز الواضح بين نوعي الفساد سواء الطبيعي أو الأخلاقي من خلال نصوص الكتاب المقدس ونصوص كتابات آباء الكنيسة الجامعة.
مصطلحات وتحديدات البحث
اليوليانية
هي هرطقة ظهرت في الجانب اللا خلقيدوني أثناء حكم الإمبراطور جوستنيان في القرن السادس، وصاحبها هو يوليان أسقف هاليكارنيسوس بآسيا الصغرى، أو يوليان الخيال أو الدوسيتي كما كان يسميه معلمنا ساويروس الأنطاكي، وتعليم الهرطقة هو أن جسد المسيح لم يكن قابلاً للفساد الطبيعي سواء قبل أو بعد القيامة، بل سمح المسيح في تجسده بالأهواء والمشاعر والأحاسيس البشرية كالجوع والعطش والألم والموت. واليوليانية مثلها مثل الأوطاخية تعبر عن نزعة ما في العبادة المسيحية الصوفية، حيث تكمن الفكرة من وراء الهرطقة اليوليانية في التأكيد على ألوهية المسيح، ليس من خلال تجاهل إنسانيته، بل من خلال رؤية نوع من الاختلاف في ناسوت المسيح الحقيقي والكامل عن ناسوتنا.
الفساد الطبيعي
هو نوع من الفساد المقصود به التغير أو التحول في الكائن الحي، ويشمل مفهوم الفساد الطبيعي الأهواء البشرية غير الملومة أو المشاعر والأحاسيس البشرية الطبيعية مثل: الاضطراب، والكأبة، والحزن، والجوع، والشرب، والألم، والموت.
الفساد الأخلاقي
هو نوع من الفساد المقصود به الفساد الناتج عن ممارسة الخطية أو الخطأ الأخلاقي.
إجراءات البحث
سوف نستعرض الآيات الكتابية التي تناولت ماهية وخصائص ناسوت المسيح، وأكدت على كمال وحقيقة ناسوت المسيح مثله مثل ناسوتنا بالتمام، حيث شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها.
تذكر نصوص الكتاب المقدس خصائص ناسوت المسيح كالتالي:
- ناسوت المسيح متحول ومتغير ينمو ويكبر في الحكمة والقامة والنعمة كقول الكتاب: ”وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ“ (لو2: 52).
- ناسوت المسيح خاضع للألم والقتل والموت كقول المسيح نفسه: ”إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ“ (لو9: 22).
- ناسوت المسيح خاضع للاضطراب، والانزعاج، والبكاء، والحزن، والكآبة، وجميع المشاعر البشرية الطبيعية كقول الكتاب: ”فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ“ (يو11: 33)، كما يقول الكتاب أيضًا عن حزن واكتئاب المسيح: ” ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ: ’نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي‘“ (مت26: 37، 38).
- ناسوت المسيح يشتهي آكل الفصح مع التلاميذ كقول المسيح لتلاميذه في العشاء الأخير: ”وَقَالَ لَهُمْ: ’شَهْوَةً اشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هذَا الْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: ’إِنِّي لاَ آكُلُ مِنْهُ بَعْدُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ‘“ (لو22: 15).
- ناسوت المسيح كان ينام كقول الكتاب: ”وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ نَامَ. فَنَزَلَ نَوْءُ رِيحٍ فِي الْبُحَيْرَةِ، وَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مَاءً وَصَارُوا فِي خَطَرٍ“ (لو8: 23).
- ناسوت المسيح يتعب ويحتاج إلى الراحة كقول الكتاب: ”وَكَانَتْ هُنَاكَ بِئْرُ يَعْقُوبَ. فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، جَلَسَ هكَذَا عَلَى الْبِئْرِ، وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ“ (لو4: 6).
- ناسوت المسيح يجوع ويعطش كقول الكتاب: ”وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا“ (لو4: 2)، وقال المسيح على الصليب: ”بَعْدَ هذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ، فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ: ’أَنَا عَطْشَانُ‘“ (يو19: 28).
- ناسوت المسيح قابل للألم والموت كقول الكتاب: ”فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ، مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ“ (1بط3: 18).
- ناسوت المسيح شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها كقول الكتاب: ”مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ“ (عب2: 17، 18)، ويقول الكتاب أيضًا: ”فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ. لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ“ (عب4: 14، 15).
وهكذا يتضح من خلال النصوص الكتابية السابقة حقيقة وكمال ناسوت المسيح تمامًا مثل أجسادنا نحن البشر، وهذا هام جدًا من أجل تدبير الخلاص، لأنه لو لم يكن ناسوت المسيح ناسوتًا حقيقيًا وكاملاً، فلم يخلص المسيح هذا الناسوت البشري الطبيعي، وبالتالي لم يخلص البشرية، وهكذا يكون عمل المسيح الخلاصي ليس لها أية قيمة بالنسبة للبشر، لو لم يكن ناسوت المسيح ناسوتًا حقيقيًا كاملاً وطبيعيًا خاضعًا لجميع المشاعر والأحاسيس والاحتياجات البشرية الطبيعية غير الملومة كالجوع، والعطش، والاضطراب، والاكتئاب، والحزن، والبكاء، والانزعاج، والتعب، والنوم، والراحة، والتألم، والموت.
ثم سوف نستعرض الآن لمحة عن هرطقة يوليان أسقف هاليكارنيسوس بآسيا الصغرى بخصوص طبيعة ناسوت المسيح التي حاربها معلمنا ق. ساويروس الأنطاكي.
الهرطقة اليوليانية
هي هرطقة يوليان أسقف هاليكارنيسوس وهي مدينة في كاريا إحدى المقاطعات الساحلية في الجنوب الغربي لآسيا الصغرى. حيث كان يوليان أحد الأساقفة الذين تم إبعادهم عن كراسيهم في فترة حكم الإمبراطور جوستنيان الأول بسبب معارضته لمجمع خلقيدونية 451م. وكان ليوليان بعض النفوذ وسط الفريق الذي ينتمي إليه بسبب تقدمه في العمر، وقد قام بتأليف كتاب عن شخص المسيح، وأرسله إلى البطريرك ساويروس الأنطاكي في منفاه مع خطاب منه،[1] حيث كان متأكدًا من قبول البطريرك ساويروس للأفكار الواردة في هذا الكتاب.
وأشار يوليان في هذا الخطاب إلى أنه استنادًا إلى ثلاث فقرات من كتابات ق. كيرلس السكندري، إن بعض الناس يؤمنون بأن جسد ربنا كان قابلاً للفساد، فعلى سبيل المثال كتب ق. كيرلس إلى سوكينسوس أسقف ديو قيصرية يقول:
”فالجسد بعد القيامة كان هو نفس الجسد الذي تحمل الآلام، على الرغم من أنه لم يعد بعد له نفس الضعفات البشرية وغير قابل للفساد“.
وأشار ق. كيرلس أيضًا في رسالته إلى الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير إلى نفس الأمر بقوله:
”إنها أعجوبة ومعجزة أن الجسد الذي هو قابل للفساد بحسب الطبيعة، قام ثانيةً بغير فساد“.[2]
وتحدث ق. كيرلس مجددًا في كتابه 67 عن العذراء والدة الإله عن الفرق بين الفساد الطبيعي الذي كان في جسد المخلص، وفساد الخطية الذي لم يكن في جسد المخلص كالتالي:
”إن جسد ربنا لم يكن بأي حال من الأحوال خاضعًا للخطية التي تخص الفساد، ولكنه كان قابلاً للموت والدفن الحقيقي، وهو قد أبطله فيه (أي أبطل الموت في جسده)“.
ولكن أكد يوليان أن جسد ربنا كان غير قابل للفساد سواء قبل القيامة أو بعدها، وهذا ما يقوله معلمنا البطريرك ساويرس الأنطاكي في رده على هرطقة يوليان أسقف هاليكارنيسوس الذي نادى بأن جسد المسيح كان غير قابل للفساد أبدًا قبل القيامة، بل بدا كذلك، حيث يقتبس ق. ساويروس من عند يوليان الفقرة التالية:
”وهو لم يكن قابلاً للفساد قبل القيامة، ولكنه بدا فقط كأنه قابل للفساد، وبعد القيامة أظهر ذاته فقط بكونه بالحقيقة غير قابل للفساد“.[3]
وحيث أن الفقرات المأخوذة عن البابا كيرلس تتعارض مع فكر يوليان، فقد أعتبر يوليان أن ذلك بسبب ”خطأ في النساخة“. وحاول يوليان في كتابه إثبات أن جسد المسيح كان على الدوام غير قابل للفساد، وقد قام بإرسال نسخة من الكتاب إلى البطريرك ساويروس الأنطاكي ليحظى بموافقته.
وتأخر البطريرك ساويروس في رده على الكتاب كي لا يُظهِر صديقه وزميله كهرطوقي، ولكنه عاد وخشى أن يتولد انطباع أن أفكار يوليان هي انعكاس لتعليم الكنيسة -الذي كان ساويروس يهتم بالحفاظ عليه- ولذلك كتب ساويروس رده بعد بعض الوقت، وأظهر أن أفكار يوليان غير مقبولة عنده، وأن أناسًا آخرين كانوا في القسطنطينية كانت لديهم أفكار مماثلة وقد قام هو نفسه بدحضها. ولم يعجب يوليان برد البطريرك ساويروس، فكتب خطابًا ثانيًا، وقام بنشر كتابه، مما أضطر ساويروس إلى القيام بتفنيد هذا الكتاب.
اليوليانية مثلها مثل الأوطاخية تعبر عن نزعة ما في العبادة المسيحية الصوفية، حيث تكمن الفكرة وراء اليوليانية والأوطاخية في التأكيد على ألوهية المسيح، ليس من خلال تجاهل ناسوته -وهو المفهوم الخاطئ الشائع عن تلك الهرطقتين- ولكن من خلال رؤية نوع من الاختلاف في إنسانية المسيح الحقيقية والكاملة عن إنسانيتنا. فإنسانية المسيح بحسب مفهوم اليوليانية والأوطاخية مختلفة عنا نحن البشر في كونها اتحدت منذ اللحظة الأولى لنشأتها في رحم والعذراء بالله الابن بغير انفصال ولا انقسام، ولذلك ينبغي أن تكون هذه الإنسانية التي اتحدت بالله القدوس هي الأخرى مقدسة ومختلفة عنا. وكان أوطاخي قد حاول التأكيد على أنه بسبب أن المسيح هو الله، وبرغم من أنه كإنسان وُلد من أم إنسانية، فلا يمكن أن نتكلم عنه بكونه واحدًا معنا في الجوهر. أما يوليان فقد رأى أن الفرق بين المسيح كإنسان وبيننا (نحن البشر) هو في عدم اتصال المسيح الجذري بالفساد والسقوط الخاص بطبيعتنا، وهذا ما جعل تعليمه جذابًا في تقدير كثير من الناس في كلا الجانبين.
سوف نستعرض الآن آراء آباء الكنيسة حول طبيعة ناسوت المسيح وخصائصه كالتالي:
ق. إيرينيؤس أسقف ليون
نتوقف عند. ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي الذي يؤكد على أن الكلمة صار إنسانًا قابلاً للألم، حيث يقول:
”حسب الوقت المعين من الآب، إذ إنه صار إنسانًا قابلاً للألم“.[4]
ويقول ق. إيرينيؤس أيضًا في موضع آخر مؤكدًا على خضوع الرب يسوع للآلام والموت كالتالي:
”وفي كل موضع حينما يشير إلى آلام ربنا، وإلى طبيعته البشرية وخضوعه للموت، هو يستعمل اسم المسيح“.[5]
ويدحض ق. إيرينيؤس اعتقاد خطير سائد وهو اعتقاد عامة الناس بعدم خضوع المسيح للآلام، حيث يقول التالي:
”وقال (الرب) أنه ينبغي أن يتألم كثيرًا، ويُصلب، ثم وبخ بطرس، عندما تخيل أنه المسيح حسب فكر عامة الناس، الذين يظنون أن المسيح يجب أن يكون مبغضًا لفكرة خضوعه للآلام“.[6]
وبالتالي يؤكد ق. إيرينيؤس هنا على خضوع المسيح التدبيري للآلام والموت وليس الاضطراري كما يدَّعي البعض من أجل خلاصنا من هذه الآلام ومن هذا الموت.
ق. أثناسيوس الرسولي
ثم نجد ق. أثناسيوس الرسولي في نفس السياق يتحدث عن قابلية ناسوت المسيح للفساد الطبيعي والموت كالتالي:
”إذًا، كان ينبغي على هؤلاء عندما يسمعون أنا والآب واحد، أن يروا فيه وحدة الألوهية وجوهر الآب ذاته، وأيضًا عندما يسمعون أنه بكى وما يماثلها، أن يقولوا أن هذه الأمور هي خاصة بالجسد، وبنوع خاص لأن هذه الأمور لها أساس معقول من كل جهة، أي أن الكلمات الأولى كُتبت عنه بكونه هو الله، والأخرى كُتبت عنه كإنسان، لأن خصائص الجسد لا يمكن أن تصير لمَّن هو بلا جسد، لو لم يكن قد أخذ جسدًا قابلاً للفساد والموت، لأن مريم القديسة التي أخذ منها جسده كانت قابلة للموت، لذلك فمن الضروري حينما كان في الجسد أن يعاني، وأن يبكي، وأن يتعب، فهذه الأمور التي تخص الجسد، تُنسَب إليه مع الجسد“.[7]
بينما يتحدث ق. أثناسيوس عن ضعفات الجسد التي كانت موجودة في جسد المسيح في إطار تناوله لموضوع طبيعة ناسوت المسيح كالتالي:
”لأن اللاهوت كان في الجسد، ولأن الجسد كان جسد الله، وحسنًا قال النبي: ’حملها‘، ولم يقل إنه ’شفى‘ ضعفاتنا، لئلا إذ تكون هذه الضعفات خارج جسده هو، وهو يشفيها فقط، كما يفعل دائمًا، فإنه يترك البشر خاضعين للموت، ولكنه حمل ضعفاتنا، وحمل هو نفسه خطايانا، لكي يتضح أنه قد صار إنسانًا لأجلنا، وأن الجسد الذي حمل الضعفات هو جسده الخاص، وبينما هو نفسه (اللاهوت) لم يصبه ضرر أبدًا“.[8]
كما يتحدث ق. أثناسيوس عن آلام جسد المسيح في إطار حديثه عن طبيعة ناسوت المسيح كالتالي:
”نقول إن الجسد كان جسده، هكذا أيضًا نقول إن آلام الجسد كانت خاصة به أي بالكلمة، رغم أنها لم تمسه بحسب لاهوته […] فبالضرورة، إذًا، أن تُنسب آلام الجسد أيضًا للذي له هذا الجسد، والذي تُنسب له هذه الآلام مثل: المحاكمة، والجلد، والعطش، والصلب، والموت، وضعفات الجسد الأخرى، فلا بد أن تُنسب له بالأحرى النصرة والنعمة“.[9]
ويتحدث ق. أثناسيوس أيضًا في نفس السياق عن ضعفات ناسوت المسيح المنسوبة للكلمة كالتالي:
”لو أن الضعفات الخاصة بالجسد لم تُنسب للكلمة، لما كان الإنسان قد تحرر منها تمامًا، وحتى لو أنها كانت قد توقفت لفترة قليلة كما قلت سابقًا، لظلت الخطية، وظل الفساد باقيان في الإنسان، كما كان الحال قبل التجسد“.[10]
كما يقول ق. أثناسيوس الرسولي أن جسد المسيح جسد مخلوق متغير ويتعجب من الأبوليناريين الهراطقة الذين يجعلون ناسوت المسيح غير متغير وغير مخلوق كالتالي:
”فكيف تسمّون الناسوت الذي تغير من الموت إلى الحياة غير مخلوق؟ وكيف تفترضون العكس، عندما تسمّون غير المخلوق بالمتغير؟ لأنكم عندما تسمون جوهر الكلمة غير المخلوق بالمتغير فأنتم تجدفون على ألوهية الكلمة. وعندما تصفون الجسد المتغير المكون من عظام ودماء، ونفس إنسانية، أي كل مكونات أجسادنا، والذي صار ظاهرًا ومحسوسًا مثل أجسادنا، عندما تصفون كل هذا بأنه غير مخلوق، تسقطون سقوطًا شنيعًا في خطأين: أولهما أنكم تفترضون أن الآلام التي احتملها هي مجرد خيال، وهذا تجديف المانويين، أو أنكم تعتبرون أن اللاهوت له طبيعة ظاهرة محسوسة، رغم أنه جوهر غير مخلوق، وبالتالي فهو غير ظاهر وغير محسوس، وهذا التصور الأخير يضعكم مع الذين يتصورون أن الله كائن على شكل بشري جسداني، فما هو اختلافكم عن هؤلاء ما دام لكم نفس الاعتقاد؟“.[11]
ويؤكد ق. أثناسيوس على اتحاد لاهوت الكلمة بجسد طبيعي كالتالي:
”فقد أراد أن يكون له جسد طبيعي يتحد بلاهوته، وهكذا تم الموت، ومات الجسد موتًا طبيعيًا في الوقت الذي كان الكلمة فيه يمسكه بإرادته لكي يقدم جسده بسلطانه الذاتي (يو١٠: ١٨)، فتألم طبيعيًا ومات طبيعيًا عوضًا عنا، ولكنه قام لأجلنا إلهيًا“.[12]
ويؤكد ق. أثناسيوس على حقيقة مهمة جدًا أن آلام المسيح كانت داخلية وليست خارجية فقط كما يدَّعي الهراطقة، حيث يقول التالي:
”فكيف تألم وحزن وصلى كما هو مكتوب ’اضطرب بالروح‘ (يو١٤: ٢١) هذه أفعال لا تمت لجسد بلا عقل، ولا تمت إلى اللاهوت غير المتألم، وإنما إلى نفس عاقلة لها شعور، وتتألم وتضطرب وتحزن وتحس بالآلام فكريًا“.[13]
ق. باسيليوس الكبير
ننتقل الآن إلى ق. باسيليوس الكبير حيث يعالج في رسالته إلى أهل مدينة سوزبوليس موضوع طبيعة ناسوت المسيح، حيث يفرق بين نوعين من الأهواء وهما: الأهواء الطبيعية والأهواء الشريرة، ويتحدث عن خضوع ناسوت المسيح للأهواء الطبيعية للتأكيد على تأنسه، وعدم خضوعه للأهواء الشريرة كالتالي:
”لذلك يبدو أن الرب قد قَبِل الأهواء الطبيعية ليؤكد على أن تأنسه حقيقي، وليس بطريقة خيالية، أما الأهواء التي من الشرور، وتلك التي تدنس نقاء حياتنا، فقد رفضها لأنها لا تليق بطبيعته الإلهية الطاهرة، ولهذا السبب، قد قيل أنه قد صار في شبه جسد الخطية“.[14]
ق. غريغوريوس اللاهوتي
وهكذا نجد ق. غريغوريوس اللاهوتي في نفس السياق يؤكد على أن المسيح أخذ كل ما هو قابل للفساد ليهبنا الأسمى كالتالي:
”وكما تشبه المسيح بنا، فلنتشبه نحن أيضًا به، صار إنسانًا لكي يؤلهنا، قَبِلَ كل ما هو قابل للفساد حتى يهبنا الأسمى، صار فقيرًا حتى نغتني نحن بفقره، أخذ شكل العبد كي نسترد حريتنا، اتضع كي يرفعنا. جاز التجربة كي نغلب به، أُهين ليمجدنا، مات ليخلصنا، صعد إلى السماء ليجذبنا إلى نفسه، نحن الذين سقطنا في وهدة الخطية“.[15]
يؤكد ق. غريغوريوس النزينزي على اتخاذ الكلمة جسدًا قابلاً للألم ومحدودًا كالتالي:
”الله وابن الله الوحيد الأزلي، في غير اختلاط بجسد ولا بما يتعلق بالجسد، والذي هو في الأخير إنسانًا أيضًا، أتخذه لخلاصنا، قابل الألم في الجسد، وغير قابل الألم في الألوهة، محدود في الجسد، وغير محدود في الروح“.[16]
ويقول ق. غريغوريوس اللاهوتي أيضًا أن المسيح:
”أحتاج إلى روح للقضاء على الروح، التي لم تخطئ في آدم فحسب، بل حملت أعراض الشر الأولى، على حد قول الأطباء بالنسبة إلى الأمراض“.[17]
ويقول ق. غريغوريوس اللاهوتي أيضًا في تفسير آية الخضوع التالي:
”وهكذا فحين أكون أنا غير خاضع وعاصيًا بنكراني الله وبأهوائي، يكون المسيح أيضًا غير خاضع فيَّ، ولكن ’متى أُخضع له كل شيء‘ -وسيخضع له بمعرفة الله والتحول- سيقوم هو بالخضوع النهائي فيقدمني لله لينًا بالخلاص“.[18]
ق. غريغوريوس النيسي
يقول ق. غريغوريوس النيسي في نفس السياق أن الجسد المتغير والخاضع للعواطف والأهواء قد تحول إلى عدم التغير باتحاده بالله غير المتغير كالتالي:
”ولكن ما هو قابل للتغيير وخاضع للعواطف والأهواء قد تحول إلى عدم التغير أو التأثر باشتراكه في غير المتغير“.[19]
ويقول ق. غريغوريوس النيسي أيضًا أن الرب أخذ طبيعتنا الخاطئة ليشفيها كالتالي:
”ولكن قول الرسول يشهد بأن الرب قد جُعل خطيةً لأجلنا، وهو الذي لم يعرف خطية (٢كو٥: ٢١)، وذلك عندما أخذ طبيعتنا الخاطئة“.[20]
ويقول ق. غريغوريوس النيسي أيضًا في رده على أبوليناريوس أن جوهر الألوهية الثابت غير القابل للتغيير قد جاء ليكون في طبيعتنا المتغيرة ليشفي قابليتنا نحو الفساد كالتالي:
”من خلال كل شاهد من هذه الشواهد نتعلَّم أن الألوهية، التي جوهرها ثابت وغير قابل للتغيير دائمًا، قد جاءت لتكون في طبيعتنا المتغيرة، وهكذا بثباتها وعدم تغيرها، تشفي قابليتنا للتغير نحو الفساد“.[21]
كما يستخدم ق. غريغوريوس النيسي تعبير الامتزاج لوصف الاتحاد بين اللاهوت والناسوت في المسيح، كما يؤكد على أن اللاهوت نزل في جسد بشري قابل للفساد، يقصد بالتأكيد الفساد الطبيعي أي الأهواء البشرية غير الملومة كالجوع والعطش والألم والقابلية للموت كالتالي:
”فإن الذي أنار الطبيعة المظلمة وأرسل شعاع ألوهيته على مركبنا، أعني النفس والجسد، أشرك العنصر البشري كله في نوره الذاتي وحوله بهذا الامتزاج إلى ما هو عليه، وكما أن الألوهية لم تفسد بنزولها في جسد قابل للفساد، كذلك لم تتغير بشفائها ما هو متغير في نفسنا“.[22]
كما يؤكد ق. غريغوريوس النيسي على أن المسيح قد صار محويًا داخل طبيعة الجسد القابلة للفساد الطبيعي لكي يشفيها من هذا الفساد كالتالي:
”’أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا شَكْلَ عَبْدٍ‘ (في 2: 7). فماذا يكون شكل العبد هذا؟ فلا بد أنه الجسد؛ لأننا لم نستلم أية عقيدة أخرى من الآباء سوى تلك العقيدة. وهكذا ينادي مَنْ قال إن الابن أخذ ’شكل العبد‘ (وهذا الشكل هو الجسد) بأنه في شكله الإلهيِّ شيئًا، بينما شكل العبد الذي أخذه شيئًا آخر في طبيعته. وتُثبِت كلمة ’أخلى‘ أيضًا بوضوحٍ أنَّ ما رأيناه لم يكن موجودًا على الدوام: فهو مساوي لله في ملء لاهوته، ولا يمكن الاقتراب منه، ولا يمكن الوصول إليه، ولا يمكن احتوائه داخل حدود حقارتنا البشرية؛ ولكنه صار محويًا داخل طبيعة الجسد القابلة للفساد، عندما -على حد قول بولس الرسول- ’أَخْلَى‘ ذاته من مجد لاهوته الفائق الوصف، وأنقصه إلى مستوى حدودنا. فماذا كان هو، كان عظيمًا، وكاملاً، ولا يمكن إدراكه؛ ولكن ماذا ”أخذ“، فيمكن قياسه بنفس مقياس طبيعتنا“.[23]
ق. يوحنا ذهبي الفم
نستكمل حول طبيعة ناسوت المسيح في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة بصفة عامة، وعند ق. يوحنا ذهبي الفم بصفة خاصة.
حيث يتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن طبيعة جسد المسيح إنه بالرغم من أنه خال من الخطية، ولكنه لم يكن بدون ضرورات طبيعية كالتالي:
”إن جسد المسيح كان بالتأكيد خالٍ تمامًا من الخطية، لكنه لم يكن بدون ضرورات طبيعية، وإلا ما كان له جسد حقيقي“.[24]
ويستطرد ق. يوحنا أيضًا قائلاً عن الضعف في طبيعة المسيح البشرية التالي:
”إن هذا كان ضعفًا من جهة طبيعته البشرية“.[25]
ويستطرد ق. يوحنا قائلاً في نفس السياق التالي:
”هذه الكلمات تُظهر بمنتهى القوة أنه كان له طبيعته البشرية، التي لا ترغب في أن تعاني الموت، بل كانت متعلقة بالحياة الحاضرة، وقد برهنت على أنه كان له مشاعر بشرية، وكما أن حقيقة أنه جاع أو نام، لم يكونا شيئين يُمسكان عليه، كذلك حقيقة أنه خاف الانفصال عن هذه الحياة الحاضرة (بالموت) لا ينبغي أن تُمسك عليه أيضًا“.[26]
كما يفرق ق. يوحنا بين الفساد الطبيعي وهو القابلية للموت الذي يتعرض له الإنسان العادي وفساد الخطية الذي يتعرض له الإنسان الشرير كالتالي:
”هكذا يختلف الواحد عن الآخر، تمامًا بمقدار هذا، بأن الميت يتعرض فعلاً لذلك الفساد الآتي من الطبيعة فقط، أما هذا الإنسان فإنه يتعرض لذلك الفساد معًا بالإضافة إلى أنه يسبب أيضًا ذلك التعفن الذي هو من الإفراط، مبتكرًا كل يوم دواعٍ للفساد لا تُحصى“.[27]
ويقول ق. يوحنا في موضع آخر أن المسيح أخذ أجسادًا كانت ناقصة وعادمة من شيء ما ليجعلها تامة وكاملة، وهكذا أكمل الناموس الذي كان ناقصًا كالتالي:
”هذا هو ما أود قوله، المسيح أخذ أجسادًا كانت ناقصة، لأنها كانت معدومة من شيء ما، وجعلها تامة وكاملة، بنفس الطريقة، هو أخذ الناموس الذي كان ناقصًا وقوَّمه، وشكَّله، وجعله في حالة أكثر كمالاً“.[28]
ق. كيرلس الإسكندري
ثم ننتقل إلى حديث ق. كيرلس عمود الدين عن الآلام البشرية غير الملومة التي كانت في ناسوت المسيح كالتالي:
”لذلك فقد قيل عنه أنه جاع، وأنه تعب من السفر، واحتمل النوم والاضطراب والحزن، وآلام بشرية أخرى لا لوم فيها“.[29]
كما يتحدث ق. كيرلس عمود الدين في رسالته إلى الامبراطور التقي ثيؤدوسيوس عن طبيعة ناسوت المسيح الذي كان قابلاً للفساد الطبيعي وليس الفساد الأخلاقي (أو فساد الخطية) كالتالي:
”لكنه أمر مذهل، ولا يوجد أحد على الإطلاق لا يُذهل منه، أن الجسد الذي هو قابل للفساد بالطبيعة، ينبغي أن يعود للحياة، لأنه يخص الكلمة غير القابل للفساد، وكذلك النفس التي حصلت على تركيب مثل هذا معه واتحاد، قد نزلت إلى الجحيم مستخدمةً القوة والسلطة التي تُنسب لله، وظهرت للأنفس الموجودة هناك“.[30]
حيث يتحدث ق. كيرلس هنا عن جسد المسيح القابل للفساد بالطبيعة الذي كان يحتاج العودة للحياة، وهنا يقصد قابلية الجسد الطبيعية للموت. وأكد ق. كيرلس أن هذا الجسد القابل للفساد بالطبيعة يخص الكلمة غير القابل للفساد.
يقول ق. كيرلس السكندري عن فساد جسد المسيح الطبيعي قبل القيامة، مع توضيح أن الفساد الطبيعي هو الموت، أي أن المسيح أخذ جسد قابل للموت التالي:
”هكذا إذًا، في ذلك اليوم، أي الوقت، حينما ستكونون أنتم أيضًا أحياء، لأني أنا حي، رغم إني صرت إنسانًا مثلكم، وأنا متشح بالجسد الذي هو معرض للفساد بحسب طبيعته الخاصة، يقول هو: ستعرفون بوضوح ‘أني أنا في الآب وأنتم فيَّ وأنا فيكم“.[31]
قول آخر للقديس كيرلس السكندري، حيث يؤكد على أن جسد المسيح قابل للفساد الطبيعي أي الموت:
”لأن قوة الموت وسلطانه قد قُهرت وطُردت من الجسد. ولو أن الجسد الذي مات لم يقم، فأي نوع من الموت هو الذي أُبطل وسُحق؟ وبأي طريقة أُبطلت قوة الفساد؟ لأنه بدون موت جسده وقيامته لا يمكن أن تتلاشى قوة الموت، لا بموت النفس ولا بموت ملاك، لأن قوة الموت كامنة في ذلك الجسد الذي هو فاسد بالطبيعة، كما أن قوة القيامة خاصة بهذا الجسد وبالجسد وحده. الذي بواسطة موته وقيامته انتهى سلطان رئيس هذا العالم“.[32]
قول آخر للقديس كيرلس عمود الدين يؤكد على فساد جسد المسيح الطبيعي قبل القيامة، حيث يقول التالي:
”وأعتقد أننا ينبغي أن نفحص أيضًا السؤال التالي: توما لمس جنب المخلص، ووجد الجروح التي أحدثها رمح الجندي، ورأى آثار المسامير وقد يسأل أحدهم، كيف كانت علامات الفساد ظاهرة في جسد عديم الفساد؟ لأن بقاء الثقوب في اليدين والجنب، وعلامات الجروح والفتحات التي سببتها المسامير الحديدية، هي برهان على فساد الجسد، رغم أن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن جسد المسيح قد تغير إلى حالة عدم الفساد مما يقتضي أن تختفي بالضرورة كل نتائج الفساد مع اختفاء الفساد نفسه. لأن أي إنسان أعرج هل سيكون أعرجًا في القيامة؟ ومَن فقد البصر في هذه الحياة، هل سيكون أعمى في القيامة؟ فكيف إذًا -قد يسأل أحدهم- نكون قد تحررنا من نير الفساد إن كانت نتائجه لا تزال باقية وتسود على أعضائنا؟ وأعتقد أنه من الضروري أن نجيب على هذا السؤال، ونقول هذا بسبب الصعوبات التي توجد في هذا المقطع: وقبل أي شيء فإننا نوافق تمامًا على الاعتقاد أنه في القيامة، لن يكون فينا جروح أو آثار عارضة للفساد، بل كما يقول بولس الحكيم عن جسد قيامتنا هذا: ’يُزرع في هوان ويُقام في مجد. يُزرع في ضعف ويُقام في قوة‘. وماذا يمكن أن نتوقع في قيامة هذا الجسد بقوة ومجد، إن لم يتضمن اضمحلال كل صفات الضعف والهوان والفساد والأمراض، وعودة الجسد إلى نقاوته الأصلية؟ لأن الجسد البشري لم يُخلق للموت والفساد“.[33]
وهكذا يتحدث ق. كيرلس في موضع آخر عن فساد جسد المسيح الطبيعي كالتالي:
”لم يكن ممكنًا بطريقة أخرى، إبادة سيادة الموت، إلا فقط بقوة الابن الوحيد الذي صار إنسانًا. لذلك صار مثلنا، وجعل الجسد الذي كان تحت الفساد جسدًا خاصًا به وفق النواميس الطبيعية، حتى أنه ولأنه هو بذاته الحياة (لأنه وُلِد من حياة الآب)، أنبت فيه (أي في الجسد البشري)، صلاحه الخاص به، أي الحياة“.[34]
وهكذا نستنتج من أقوال آباء الكنيسة العظام أن ناسوت المسيح كان خاضعًا للأهواء الطبيعية غير الشريرة، وخاضع للضعفات والآلام البشرية الطبيعية البريئة وغير الملومة، كما سنرى أن معلمنا ساويروس الأنطاكي قد علَّم بذلك في رده على هرطقة يوليان أسقف هاليكارنيسوس.
ق. ساويروس الأنطاكي
يرد ق. ساويروس الأنطاكي على هرطقة يوليان أسقف هاليكارنيسوس قائلاً:
”لو أنه كان غير قابل للفساد وغير قابل للألم، وغير مائت، فكيف تقول أنت أنه قد تألم؟ لقد كان يجب عندئذ أن يكون موت ربنا هو نوع من الخيال وغير حقيقي“.[35]
ثم يستطرد ق. ساويروس الأنطاكي في الرد على هرطقة يوليان قائلاً:
”لأنه أخذ جسدًا قابلاً للموت وقابلاً للفساد، والذي لهذا السبب كان قابلاً للتألم. ومن خلال الجسد جعل آلامه (أي آلام الجسد) خاصة به أيضًا. فبينما كان الجسد يتألم، صار يقينًا أن الكلمة ذاته يتألم، وعلى هذا النحو نحن نعترف أنه صُلب ومات. فعندما تحمل الجسد الآلام، لم يكن الكلمة بعيدًا هناك وحده“.[36]
ثم يقرر ق. ساويروس الأنطاكي حقيقة مهمة في التجسد قائلاً:
”فلو أن عمانوئيل أراد أن يتحد بجسد غير قابل للموت وغير قابل للألم ليخوض به المعركة لأجلنا، وإذا كان بالطبيعة هو الله الذي يملك عدم التألم وعدم الموت، فماذا كانت الحاجة عندئذ للتجسد؟ لذلك فقد وحد بنفسه جسدًا كان واحدًا معنا في الجوهر وتألم مثلنا، وكان عرضة للتألم وللموت ومات كمحارب منتصر“.[37]
كما يؤكد ق. ساويروس الأنطاكي على عدم معاناة ناسوت المسيح من فساد الخطية، مفرقًا بينه وبين الفساد الطبيعي الذي تحدث عنه ق. كيرلس في القول السابق في رسالته الأولى إلى سرجيوس النحوي كالتالي:
”هكذا أيضًا الناسوت الذي وحده كلمة الله بنفسه أقنوميًا، لم يعان من فساد الخطية، التي تُفسِد مثل فساد الدود والسوس، فإنه لم يكن ممكنًا أن يُداس من الخطية“.[38]
ثم يفرق ق. ساويرس مرةً أخرى بين الفساد الطبيعي أي قابلية الجسد للموت والفساد الأخلاقي أو فساد الخطية كالتالي:
”وبواسطة كل هذا تَبَيّن أن جسد المسيح غير قابل للفساد لإنه لم يَخْضَع مُطلقًا لفساد الخطية، أما بالنسبة لما ينتج عن الموت والدفن، فقد كان خاضِعًا لهما ولكنه أهلَكهُمَا في نفسه دونَ أن يتأثَّر بِهما، بسبب اتحاده بالكلمة الذي بطبيعته غير قابل للفساد، والألم، والموت“.[39]
مار غريغوريوس بن العبري
وهكذا يتحدث العلامة السرياني مار غريغوريوس بن العبري عن قابلية ناسوت المسيح للفساد الطبيعي كالتالي:
”يجب أن نَعلَم أن الفساد يُقَال بأنواع كثيرة في الكُتب المقدسة، بنوع الخَطِيّة والقصاص كما وَرَد: ’من يُفْسِدْ هيكل الله -أي الخَطِيّة- يُفْسِدَه الله بالعقاب‘. وبنوع انحلال العناصر كما وَرَد: ’أنت أيها الإله أنزِلهم إلى جُبْ الفساد‘. وبنوع الضَعْف كما جاء: ’ويُشَوّهون وجوههم ليُظهروا للناس أنهم صائمون‘. وبنوع الآلام التي تَطْرَأ على الجسد؛ الجوع والعطش والتعب والصُراخ والضربات. وبنوع الموت الذي هو انفصال النفس عن الجسد كما جاء: ’لم تَخَفْ أن تُفسِد مسيح الرب‘. والآباء الأوَّلون عندما يَدْعون جسد ربنا قابلاً للفساد قبل القيامة، فليس بالأنواع الثلاثة الأولى وحاشاهم من ذلك. لأنه لم يَفْعَل خَطِيّة، ولم يَسْقُط تحت طائلة العقاب، ولم تَنفَصِل أجزاء جسده في القبر، كما ورد في المزامير: ’لأنَّك لَمْ تَدَع صَفَيّك يرى فساداً‘. بل بالأنواع الثلاثة الأخيرة فقط، لأن سخنته ضعفت وجاع وعطش وتعب، وثُقِبَت يَدَاه ورِجلاه بالمسامير وطُعِنَ بالحربة وانفصلت نفسه عن جسده على الصليب، بينما لاهوته لَم ينفصل لا من نفسه ولا من جسده“.[40]
ونُلاحِظ هنا التوافق التام بين ما قاله العلامة السرياني ابن العبري وبين ما علَّم به مِلفان الكنسية السريانية الأعظم مار ساويرس الأنطاكي الذي شرح وعلَّم بنفس التعليم.
الأب يوحنا الدمشقي
كما يتحدث الأب يوحنا الدمشقي عن قابلية ناسوت المسيح للفساد الطبيعي قائلاً:
”لكلمة فساد معنيان إنها تعني هذه الانفعالات البشرية كلها: الجوع والعطش والتعب وثقب المسامير والموت أو انفصال النفس عن الجسد وما شاكلها. وبهذا المعنى نقول بأن جسد الرب كان قابل للبلى، لأن المسيح ارتضى أن يتقبلها كلها. ويعني البلى أيضًا انحلال الجسد بكامله إلى العناصر المركب هو منها وزواله وهذا هو بالأحرى ما يدعوه الكثيرون فسادًا. أما جسد الرب فلم تصبه هذه المحنة، على ما يقوله دواد النبي: ’لأنك لم تترك نفسي في الهاوية ولم تدع قدوسك يرى فسادًا‘ (مز ١٥: ١٠). إنه إذًا لكفر القول – على نحو يوليانوس وغايوس الغبيين- بأن جسد الرب منزه عن البلى بالمعنى الأول لهذه الكلمة وذلك قبل قيامته. لأنه لو كان منزهًا عن البلى، فهو ليس مساويًا لنا، بل إنما ظُن به كذلك، وإنه بالحقيقة لم يحدث له كما يقول الإنجيلي إنه حدث من جوع، وعطش، ومسامير، وطعنة جنبه، والموت. وإذا كان هذا بالظن، فإن سر تدبير خلاصنا وهم وخداع، وإنه صار إنسانًا بالظن، لا بالحقيقة. وقد نلنا الخلاص بالظن لا بالحقيقة. ولكن حاشا أن يكون ذلك. والذين يتشدقون بهذه الأقوال فليُحرموا من الخلاص!“.[41]
ويفرق يوحنا الدمشقي هنا بين نوعين من الفساد أحدهما تعرض له جسد الرب وهو الانفعالات البشرية كالحزن والاضطراب والجوع والعطش والألم والموت الجسدي، وهذا ما أكده عليه القديس ساويروس الأنطاكي في رده على هرطقة يوليان، أما النوع الآخر من الفساد أي تحلل الجسد البشري إلى تراب فذلك لم يتعرض له جسد الرب وكان غير قابل له بحسب تعليم آباء الكنيسة الجامعة، وبذلك لا يوجد تعارض بين آباء الكنيسة والقديس ساويروس الأنطاكي.
الفرق بين الفساد الطبيعي والفساد الأخلاقي
سأستعرض وجهة نظر ق. ساويروس الأنطاكي في رده على هرطقة يوليان أسقف هاليكارنيسوس بعدم قابلية جسد المسيح للفساد قبل القيامة، والذي أعتبره ق. ساويروس شكل من أشكال الهرطقة الخيالية (المانوية)، والدوسيتية، والأوطاخية (المونوفيزيتية)، والأبولينارية.
بحسب فلسفة أرسطو، الفساد φθορά لا يعني أي شيء إلا أنه شكل من أشكال التغيير άλλοίωσις، وبالتالي جميع الأجساد الطبيعية خاضعة للتغيير. وبحسب هذا المنطق، إن كان جسد المسيح جسدًا طبيعيًا مثل جسدنا -وليس مجرد ”جسدًا من السماء“ (هذه هي الهرطقة الأبولينارية)- فلا بد من أنه خاضع للتغيير والفساد.
بالرغم من عدم ذكر أرسطو بالاسم بشكل واضح، إلا أن ق. ساويروس ينطق بوضوح بنفس الافتراضات. حيث يوضح أن جميع المخلوقات خاضعون للتغيير من خلال حقيقة ”خلقتهم“ عينها. فالله وحده هو غير المخلوق، ولذلك هو وحده غير قابل للتغيير.
حيث يقتبس ق. ساويروس قول من تفسير ق. كيرلس على إنجيل يوحنا لكي يؤسس عليه بأن الناسوت بالتحديد هو ”عاقل ومائت“، وأن كل شيء مخلوق هو فاسد. وبالتالي يتتبع ق. ساويروس في سبيل التأكيد على تجسُد المسيح الحقيقي والكامل تلك الافتراضات إلى نتيجتها المنطقية: بأن جسد المسيح كان خاضعًا للتغيير، وبالتالي، كان فاسدًا.
ولم يكن ذلك الوضع كافيًا ومرضيًا بشكل فلسفي فقط، بل يبدو أيضًا وبحسب الصورة الإزائية للرب يسوع، بالإضافة إلى الفقرات الرئيسية من عند أكثر من أب لاهوتي معاصر للقديس ساويروس، والذين لم يكن سلطانهم محل اعتراض سواء من ساويروس أو يوليان.
استنتج ق. ساويروس -كدليل على فكرة تغير وتحول جسد المسيح عبر الزمن- من وصف لوقا البشير لنمو الفتى يسوع، كما شرحه كل من ق. يوحنا ذهبي الفم، وق. كيرلس، وأساقفة وآباء القرن الخامس الآخرين. وأشار ق. ساويروس إلى روايات متنوعة من الإنجيل -كدليل على فكرة أن جسد الرب يسوع كان قابلاً للفساد- عن جوع وعطش وتعب الرب يسوع، وبالطبع الآلام على الصليب- كما شرحها نفس الآباء اللاهوتيين.
كما عانى جسد الرب يسوع أيضًا -مثل جميع الأجساد الطبيعية الأخرى- من التجديد الطبيعي (تجديد الخلايا والأنسجة في الجسم) wear and tear، ولو لم تكن تلك هي المسألة بالتحديد -مُستحضرًا عبارة ق. يوحنا ذهبي الفم التي أستشهد بها ق. ساويروس بشكل متكرر- فلا كان جسدًا على الإطلاق.
دعَّم ق. ساويروس قضيته بمجموعة كبيرة من النصوص الحجية الآبائية، ولكنه كان مرتبطًا بشكل خاص بالأعمال التي استهدفت بشكل مميز الآباء الذين جادلوا حول ناسوتية المسيح الكاملة، مثل: أطروحة ق. أثناسيوس ضد أبوليناريوس أسقف لاودكية، ورسالتي ق. غريغوريوس النزينزي إلى كليدونيوس (ضد الأبولينارية أيضًا)، وعظة ق. يوحنا ذهبي الفم ضد المانويين والماركيونيين، واعتراف المعمودية ليوحنا الأورشليمي، الذي كان موجهًا بشكل مباشر لمواجهة شكل معاصر من أشكال الدوستية.
كما وجد ق. ساويروس أيضًا ركيزة مناسبة لفكرته عن التماثل القياسي لجسد الرب يسوع مع جسدنا في آية (عب٤: ١٥) ”لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ“. حيث فسر ق. ساويروس المقصود من هذه الآية أن الاستثناء الوحيد هو عصمته من الخطية، فالمسيح عانى من كل الضعفات الجسدية، التي يعاني منها جميع البشر.
وهكذا أسس ق. ساويرس رأيه بأن جسد المسيح قبل القيامة كان قابلاً للفساد على العديد من المصادر الكتابية والآبائية. كانت توجد، مع ذلك، جوانب أخرى داخل التقليد التي طرحت تحديات لرأيه. حيث استفاض في تلك التحديات وفرق بينها بتقديم ما يمكن أن يُسمى بـ ”الفروق التفسيرية“ في النصوص الصعبة.
أحد النصوص الكتابية التي بدت أنها تعارض رأي ق. ساويروس هو نص (أع٢: ١٤- ٤١)، وهو عبارة عن عظة بطرس الرسول في يوم الخمسين، حيث يقدم بطرس بالطبع في عظته دليلاً على قيامة المسيح من (مز١٦: ١٠) ”لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَادًا δίαφθορα“. حيث يبرهن بطرس هنا بما أن داود الكاتب التقليدي للمزمور معروف إنه قد مات ودُفن، فلابد أن هذه الآية تشير إلى شخص آخر-أي إلى الرب يسوع.
كما أكد يوليان في تفسير هذه الآية أن مقطع δία في أول الكلمة الحاسمة δίαφθορα يشير إلى أن معنى الكلمة كان ”القابلية للفساد“، أو الحالة التي تؤدي إلى الفساد φθορα، وليس بالحري الفساد نفسه. فإنْ كانت الآية تقول بأنه لم يكن هناك قابلية للفساد في الرب يسوع -فليس هناك حتى القابلية لـ، أو بداية للفساد- ويستخلص يوليان بأنه ينبغي ألا يكون هناك فسادًا فعليًا أو كاملاً في جسده.
بينما رفض ق. ساويروس هذه الحجة، ونادى بجهالة وتناقض يوليان في ”المصادر الخارجية“، وبأنه لم يعرف كيرلس، الذي كان بارعًا وماهرًا جدًا في المعرفة الداخلية والخارجية على قدم المساواة، وإن يوليان لم يفرق بين فساد طبيعي φθορά وفساد التحلل أو الفساد الأخلاقي δίαφθορα، بالرغم من ذلك، يستطرد ساويروس نفسه للإقرار بأن دراسته للاستعمال الكتابي لهاتين الكلمتين يشير بالفعل إلى وجود اختلاف بين التعبيرين، ولكنه ليس الاختلاف الذي يدَّعيه يوليان.
بل بالأحرى يربط، كما فعل يوليان، المقطع δία في أول كلمة δίαφθορα بفكرة مركبة نقلية (أي أن الحالة المؤدية إلى الفساد تناقض وتعارض الفساد نفسه)، حيث يقرأه ساويروس بشكل كامل كإشارة إلى فعل كامل. δίαφθορα بالنسبة لساويروس هي التمثيل والتجسيد التام والكامل لكلمة φθορά، حيث تشير الكلمة الأخيرة إلى الموت الجسدي بمعناه البسيط، أي انحلال جزئي المركب الجسدي، بينما على العكس، تشير كلمة δίαφθορα إلى الفناء الكامل والتام المصاحب للانفصال الكامل عن الله.
ويستطيع ق. ساويروس باستخدام هذا التفريق تفسير آية (أع٢) بشكل مختلف عن يوليان. حيث يفسر ساويروس كلمة δίαφθορα كشكل أكثر كمالاً للفساد φθορά، وبالتالي، لا يشير الاستثناء من الكلمة السابقة δίαφθορα إلى الاستثناء من الكلمة الأخيرة φθορά. حيث أن جسد الرب يسوع -أثناء الفترة القصيرة التي قضاها في القبر- لم يعان من δίαφθορα بمعنى الفناء التام والانفصال الكامل عن الله، بل بدأ بالفعل يعاني من φθορά بمعنى الانفصال الجسدي المعتاد.[42]
وهكذا يجمع آباء الكنيسة على أن ناسوت المسيح غير قابل للفساد أو التحلل، لأن ناسوت المسيح قد تأله باتحاده بلاهوته مصدر الحياة، فكيف للناسوت المتحد بمصدر الحياة أن يتحلل ويفسد كسائر البشر.
أفكار خاطئة عن ناسوت المسيح (نظرية الأجساد الثلاثة)
ثم ننتقل إلى ما يُعرف باسم نظرية الأجساد الثلاثة، وهي أن جسد المسيح له ثلاث استخدامات، أو دلالات، وهم جسد المسيح الذي أتحد الكلمة به، وجسد المسيح أي الكنيسة، وجسد المسيح أي الإفخارستيا، وسوف نرى أنه لم يقل أحد الآباء سواء شرقًا أو غربًا بهذه النظرية مطلقًا، بل للأسف مَن نادى بها هم الأفنوميون والنساطرة المهرطقين، سأستشهد بأقوال آباء الكنيسة الغربية اللاتينية أولاً من أجل دحض هذه النظرية، ثم سوف أستشهد بأقوال آباء الكنيسة الشرقية اليونانية.
ق. هيلاري أسقف بواتييه
ابدأ بالقديس هيلاري أسقف بواتييه الملقب بأثناسيوس الغرب، حيث يقول التالي داحضًا نظرية الأجساد الثلاثة مؤكدًا على وحدة الأجساد الثلاثة في المسيح:
”من ناحية أخرى، قد شهد هو نفسه عن كيف يكون اتحاده بالحقيقة فينا بهذه الطريقة: ’مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ‘ (يوحنا56:6). إذ لن يسكن فيه أحد سوى الذي يسكن فيه بنفسه، لأن الجسد الوحيد الذي قد أخذه لنفسه هو جسد هؤلاء الذين أخذوا جسده، لقد علّم بالفعل قبلاً عن سر تلك الوحدة الكاملة [الله! ليست وحدة اعتبارية رمزية، بل وحدة كاملة] […] هذا هو سبب حياتنا أننا لدينا المسيح يحيا في طبائعنا البشرية الجسدية بالجسد، وسوف نحيا به كما أنه يحيا بالآب“.[43]
ق. أمبروسيوس أسقف ميلان
كما يتحدث ق. أمبروسيوس أسقف ميلان داحضًا نظرية الأجساد الثلاثة، مؤكدًا على وحدة الأجساد الثلاثة، مرددًا ما نصلي به في تسبيحتنا القبطية الأرثوذكسية قائلين: هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له، قائلاً:
”إذًا، فقد أخذ منا ما كان يجب أن يقدمه لنا، هكذا لكي يفيدنا مما يخصنا، وبعطيته الإلهية يقدم مما يخصه [أي لاهوته]، ما لم يكن خاصًا بنا، إذًا، بحسب طبيعتنا قدم ذاته، حتى بهذا يعمل عملاً أسمى من طبيعتنا. التقدمة هي مما يخصنا أما المكافأة فهي مما يخصه، وكثيرًا ما نجد فيه أيضًا أمور بحسب الطبيعة وأسمى من الطبيعة [البشرية]“.[44]
يستطرد ق. أمبروسيوس داحضًا نظرية الأجساد الثلاثة قائلاً بكل وضوح:
”إذًا، بما أن جسد الكل أيضًا في المسيح خضع للجروح [أيعقل هذا الكلام جسد الكل في المسيح! وليس جسدًا اعتباريًا رمزيًا]، كيف تقولون إن ذلك الجسد وتلك الألوهية لهما الطبيعة ذاتها؟“.[45]
ق. أوغسطينوس أسقف هيبو
ننتقل إلى ق. أوغسطينوس ولنا وقفة معه، لأن البعض يهاجم تعبير ”جسد المسيح السري“ معتقدين أنه تعبير حديث معاصر قاله أحد الآباء في العصر الحديث، ولكن المفاجأة الكبرى أنه تعبير أوغسطيني صرف تعلمه أوغسطينوس من قوانين تايكونيوس الدوناتي، واعتاد استخدامه كمفتاح لتفسير المزامير، للتأكيد على أن مبدأ الكنيسة هو جسد المسيح السري، حيث يقول التالي في تفسيره لسفر المزامير:
”هذه النبوة تنطبق على الشيطان وملائكته الذين يقاتلون، لا ضد جسد المسيح السري فحسب، بل ضد كل عضو من أعضائه، ’قصمت أسنان الأثمة‘، لكل منا أعداؤه الذين يلعنونه، فضلاً عن فاعلي الشر الذين يسعون إلى انتزاعنا من جسد يسوع المسيح، لكن للرب الخلاص“.[46]
كما يؤكد ق. أوغسطينوس على حقيقة وحدة الأجساد الثلاثة في المسيح، وعبور المسيح بجسده الكامل أي الكنيسة من الموت إلى الحياة، قائلاً:
”هكذا أيضًا عبر المسيح بجسده الكامل من الموت إلى القيامة وجسده هو الكنيسة (كو١: ٢٤)“.[47]
ويستطرد في نفس السياق، مؤكدًا على اتحاد مثال بشريته بنا لإزالة مخالفة فسادنا بشركة موتنا من أجل أن يمنحنا شركة الطبيعة الإلهية والتأله قائلاً:
”وبالتالي باتحاد مثال بشريته بنا، قد أزال مخالفة فسادنا، وبشركته لموتنا جعلنا شركاء طبيعته الإلهية“.[48]
ويستطرد أوغسطينوس شارحًا كيف يهب المسيح الرأس أعضاء جسده أي كنيسته ما يقبله هو ناسوتيًا من لاهوته المتحد به كالتالي:
”فإنه قَبِلَ بين الناس أيضًا كالرأس يعطي إلى أعضائه: وهو نفسه قد أعطى و قَبِلَ بين الناس وبدون شك كما في أعضائه الذين من أجلهم أي من أجل أعضائه صرخ من السماء قائلاً: شاول شاول لماذا تضطهدني؟ (أع٥: ٤)، والذين من أجلهم أي أعضائه يقول: بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم (مت٢٥: ٤٠)، لذا قد أعطى المسيح نفسه من السماء [أي من لاهوته] وقَبِلَ على الأرض“.[49]
ثم يشرح أوغسطينوس كيفية الاتحاد بين المسيح وبيننا في الجسد الواحد مستخدمًا تعبيرات مثل: الانسجام، أو التوافق، أو التناغم، أو التآلف، أو الشركة، للتأكيد على وحدتنا الطبيعية في المسيح المغروسة فينا بصفة خاصة من خلال موته وقيامته بطبيعتنا البشرية كالتالي:
”بينما يواجه موته الواحد وقيامته الواحدة ازدواجية وثنائية موتنا وقيامتنا، لأنه بهذا الانسجام أو التوافق أو التناغم أو التآلف أو أي كلمة مناسبة أكثر يمكن التعبير بها، بحيث أن اتحاد الواحد بالأثنين له أهمية كبيرة جدًا في كل الاندماج والاتفاق أو بالحري شركة الخليقة، تمامًا مثلما يحدث لي وهو ما أقصده بدقة بالغة بالشركة التي يدعوها اليونانيون άρμονία أي الانسجام والتناغم، ومع ذلك فهذا ليس المكان لكي ما أستعرض قوة ذلك الانسجام والاتحاد بين الواحد والثنائي الموجود بصفة خاصة فينا والمغروس فينا بصورة طبيعية أيضًا (الذي لا يكون إلا بواسطة خالقنا)؟ الذي لا يفشل حتى الجاهل في إدراكه“.[50]
لذا أود التنويه إلى أنه لا يوجد أخطر من نظرية تقسيم جسد المسيح إلى ثلاث أجساد على العقيدة المسيحية وتدبير الخلاص الذي لمخلصنا الصالح يسوع المسيح، لذا وجب دحضها ومحاربتها بكل قوة من كل إنسان مسيحي أرثوذكسي حقيقي غيور على عقيدته وخلاصه الأبدي.
ثم نستكمل أيضًا دحض التعليم غير الأرثوذكسي بنظرية الأجساد الثلاثة، وادعاء البعض بأن جسد المسيح الذي أخذه من العذراء غير جسده أي الإفخارستيا، وغير جسده أي الكنيسة، واعتبار جسد المسيح السري أي الكنيسة هو مجرد جسد رمزي اعتباري. لقد استعرضنا في المقال السابق آراء آباء الكنيسة الغربية اللاتينية حول هذا الموضوع، ووجدنا أنهم يؤكدون على وحدة الأجساد الثلاثة وعدم فصلهم عن بعضهم البعض، وسوف نستعرض في هذا المقال أقول آباء الكنيسة اليونانية الشرقية حول نفس الموضوع، لنرى أنهم مثل آباء الكنيسة الغربية يدحضون التعليم بالأجساد الثلاثة. وأود التنويه أحبائي قبل البدء في استعراض أقوال وشروحات الآباء أن ما أعرضه من أقوال الآباء وشروحاتهم هو بعض من كل، وقليل من كثير، وعشرات بل مئات من الشروحات تؤكد على وحدة الأجساد الثلاثة في المسيح، لذا لزم التنبيه.
ق. أثناسيوس الرسولي
نبدأ بالقديس أثناسيوس الرسولي معلم الأرثوذكسية، يدحض التعليم بالأجساد الثلاثة، ويؤكد على وحدتهم في شخص المسيح، لارتباطنا ككنيسته أي جسده معه، وصعودنا بواسطته إلى السماء في جسده، وهكذا يصير لنا شركة الحياة الأبدية، لأننا لم نعد بشرًا عاديين، بل صرنا في اللوغوس لوغسيين كالتالي:
”ولكن ارتباطنا بالكلمة الذي من السماء، فأننا نُحمل إلى السموات بواسطته، لذلك بطريقة مماثلة قد نقل إلى نفسه أوجاع الجسد الأخرى لكي يكون لنا شركة في الحياة الأبدية، ليس كبشر فيما بعد، بل أيضًا لأننا قد صرنا خاصين بالكلمة [أي لوغسيون]“.[51]
ويؤكد ق. أثناسيوس على أن المسيح أبطل اللعنة وهو كائن فينا أي في بشريتنا كالتالي:
”إذ أن لعنة الخطية قد أُبطلت بسبب ذاك الذي هو كائن فينا، والذي قد صار لعنة لأجلنا“.[52]
ويشدد ق. أثناسيوس على نقطة خطيرة جدًا ينكرها البعض في عصرنا الحالي وهي أن موت المسيح كان موتنا جميعًا، وقيامته وتمجيده وصعوده للسماء كان هو قيامتنا وتمجيدنا وصعودنا، لأننا في المسيح نفسه أيضًا كالتالي:
”لأجل هذا السبب يُقال إنه إنسان مُجِّد أيضًا نيابة عنا ومن أجلنا، لكي كما بموته قد متنا جميعًا في المسيح، وعلى نفس المنوال أيضًا، فإننا في المسيح نفسه أيضًا قد مُجِّدنا مجدًا عاليًا، مقامين من بين الأموات وصاعدين إلى السموات، حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا“.[53]
ويؤكد ق. أثناسيوس في عبارة خطيرة جدًا على عدم اندهاش القوات السمائية عندما ترانا نحن المؤمنين بالمسيح أي كنيسته المتحدين به داخلين إلى مناطقهم السمائية كالتالي:
”لذلك لن تُدهش القوات السمائية حينما ترانا نحن جميعًا -المتحدين معه في نفس الجسد- داخلين إلى مناطقهم السمائية“.[54]
ويؤكد ق. أثناسيوس على وحدتنا في جسد المسيح التي صرنا بواسطتها هيكل الله، وصرنا أبناء لله يُعبد الرب فينا كالتالي:
”أنه ليس اللوغوس بسبب كونه لوغوس هو الذي حصل على مثل هذه النعمة، بل نحن لأنه بسبب علاقتنا بجسده فقد صرنا نحن أيضًا هيكل الله -وتبعًا لذلك قد جُعلنا أبناء الله، وذلك حتى يُعبد الرب فينا أيضًا [يا لها من كرامة عظيمة!]، والذين يبصروننا يعلنون- كما قال الرسول: أن الله بالحقيقة فيكم“.[55]
ثم يؤكد ق. أثناسيوس على أن موت المسيح هو موت جميع البشر كالتالي:
”حيث أن الجميع ماتوا بواسطته، هكذا قد تم الحكم (إذ أن الجميع ماتوا في المسيح). وهكذا فإن الجميع يصيرون بواسطته أحرارًا من الخطية ومن اللعنة الناتجة عنها، ويبقى الجميع على الدوام قائمين من الأموات، ولابسين عدم موت وعدم فساد“.[56]
كما يؤكد ق. أثناسيوس على وحدتنا ووجودنا في المسيح بسبب سكنى الروح القدس فينا الذي يوحدنا معه، وهكذا نصير في الله ويصير الله فينا كالتالي:
”لذلك فبسبب نعمة الروح الذي أُعطي لنا نصير نحن فيه وهو فينا، وحيث إن روح الله فينا، لذلك فبواسطة سكناه فينا وبحسب حصولنا على الروح، نُحسب أننا في الله، وهكذا يكون الله فينا“.[57]
ق. يوحنا ذهبي الفم
يؤكد ق. يوحنا ذهبي الفم على نفس كلام ق. أثناسيوس على وحدة الأجساد الثلاثة في المسيح، وأننا نصير جسد المسيح ليس بالرغبة فقط، بل في الواقع أيضًا كالتالي:
”إن دور التلميذ هو ألا يفحص بوقاحة في تعاليم معلمه، بل دوره أن يسمع ويؤمن وينتظر الوقت لذلك لكي ما نصير جسده ليس بالرغبة فقط، بل أيضًا على مستوى الواقع، فليتنا نصير متحدين بذلك الجسد، وهذا بالحق يتم بواسطة الطعام الذي أعطاه لنا كهبة (أي الإفخارستيا)، لأنه أراد أن يبرهن على الحب الذي له من نحونا. إذ لهذا السبب أشرك نفسه معنا، وأنزل جسده لمستوانا أي نصير واحدًا معه كاتحاد الجسد مع الرأس، وهذا بالحق هو سمة حبه العظيم“.[58]
ويتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن وحدة الأجساد الثلاثة في موضع آخر بتعبيرات خطيرة جدًا قد تفاجئ البعض في عصرنا الحديث، كامتزاج المسيح بنا في جسده ليس بالإيمان فقط، بل بجعلنا جسده الحقيقي، حيث يقول:
”فلم يكن كافيًا للسيد أن يصير إنسانًا ويُضرب ويُقتل، لكنه بمزج نفسه أيضًا بنا، لا بالإيمان فقط، بل بجعلنا أيضًا جسده بالفعل“.[59]
ويؤكد ق. يوحنا على نفس التعبير وهو امتزاجنا بالمسيح في جسد واحد في سر الإفخارستيا كالتالي:
”المائدة التي منها نقتات نحن، التي بها نمتزج ونصير جسدًا واحدًا ولحمًا واحدًا مع المسيح“.[60]
ويشدد ق. يوحنا على نفس مفهوم امتزاج المؤمنين بالمسيح في الأسرار قائلاً:
”فالسيد يمزج ذاته بكل واحد من المؤمنين في الأسرار، وهو يطعم بنفسه الذين ولدهم ولا يسلمهم لآخرين، مقنعًا إياكم بهذا مرة أخرى أنه اتخذ جسدكم“.[61]
ويُعرِّف ق. يوحنا مفهوم شركتنا في جسد المسيح في موضع آخر قائلاً:
”لقد قال: شركة جسد المسيح، ليؤكد على أن ما نتناوله حقًا هو جسد المسيح المحيي، فعندما قال: شركة جسد، فإنه أراد أن يقول شيئًا يعبر به عن أن الاتحاد يمضي في طريقه نحو ما هو أكثر، ولذلك أضاف: فإننا نحن الكثيرين خبز واحد وجسد واحد (١كو١٠: ١٧) ولماذا يقول شركة؟ يقول إن هذا الجسد ذاته هو نحن، لأنه ما هو الخبز؟ إنه جسد المسيح. وماذا يحدث للمؤمنين الذين يتناولون منه؟ يصيرون جسد المسيح، وليس أجسادًا كثيرة، بل جسدًا واحدًا“.[62]
وهكذا نجد التأكيد في شروحات القديسين أثناسيوس ويوحنا ذهبي الفم على وحدة الأجساد الثلاثة في المسيح، ودحضهم للتعليم غير الأرثوذكسي بالأجساد الثلاثة، وسأتابع في المقال القادم شروحات باقي الآباء الشرقيين في نفس الموضوع.
وهكذا يفرق ق. كيرلس الكبير بين الهرطوقي والأرثوذكسي بشكل واضح في مسألة أننا ككنيسة جسد المسيح الإفخارستي، قائلاً:
”وحيث أن الهرطوقي في حماقته، يريد أن يروج لآرائه الزائفة، ويقول: ’إن أي مجادلة لن تجعل الذين يحرفون معنى الكلمات التي أمامنا عن معناها السليم، ويعتبرونها تشير إلى تجسُد المسيح، لأننا لم نتحد به بالجسد، ولا الرسل يثبتون في جسد المسيح كأغصان، ولا هم كانوا مرتبطين به بهذا الشكل، بل عن طريق وحدة الفكر والإيمان الحقيقي‘. والآن فلنجاوب على هذا الكلام باختصار، ونبين للهرطوقي أنه قد انحرف تمامًا، وهو لا يتبع الكتب المقدسة باستقامة. فكون أننا متحدون روحيًا بالمسيح بما يتطابق مع المحبة الكاملة، فهذا لا ينكره بيان عقيدتنا بأي حال، فنحن نعترف أن المعترض على صواب في قوله من هذه الجهة، ولكن أن يقول إنه لا توجد أي إشارة في المثل إلى اتحادنا بالمسيح بالجسد، فنحن سنوضح أن كلامه هذا يتعارض تمامًا مع الكتب الموحى بها، لأنه كيف يمكن أن يجادل أحد، أو هل يمكن لأي إنسان ذي فكر مستقيم أن ينكر أن المسيح هو الكرمة من ناحية جسده؟ ونحن لكوننا أغصان حسب الرمز [أي رمز الكرمة والأغصان]، فإننا ننال في أنفسنا الحياة النابعة منه، كما يقول بولس: ’لأننا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، فإننا نحن الكثيرين خبز واحد […] لأننا جميعًا نشترك في الخبز الواحد‘ (أنظر رو١٢: ٥، ١كو١٠: ١٧). ما هو سبب هذا وهل يستطيع أحد أن يعطينا تفسيرًا بدون الإشارة إلى قوة السر المبارك؟ ولماذا نحن نتناوله ونأخذه داخلنا؟ أليس لكي يجعل المسيح يحل فينا جسديًا [الله! أ لعلهم يفهمون!] أيضًا بالاشتراك في تناول جسده المقدس؟ أنه يجيب بصواب قائلاً نعم هو كذلك. لأن بولس يكتب هكذا: أن الأمم شركاء في الجسد، وشركاء المسيح في الميراث (أنظر أف٣: ٦). كيف يكونون أعضاء في الجسد؟ ذلك بسبب دخولهم [أي الأمم] ليشتركوا في الإفخارستيا المقدسة، وهكذا يصيرون جسدًا واحدًا معه مثل أي واحد من الرسل القديسين!“.[63]
وبالتالي لا يمكن أن يكون جسد المسيح كما يدَّعي البعض خطاءً جسدًا اعتباريًا، أو رمزيًا، أو روحيًا فقط، بل جسدًا حقيقيًا بشهادة جميع آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا.
هرطقات في طبيعة ناسوت المسيح
الهرطقة النسطورية
سندرس الهرطقة النسطورية من خلال كتاب نسطوريوس ”هيراقليدس“ الذي كتبه ردًا على ق. كيرلس الكبير أثناء نفيه بعد حرمانه في مجمع أفسس المسكوني 431م.
حيث يرفض نسطوريوس المهرطق بطريرك القسطنطينية المحروم عقيدة التأله بالنعمة التي نادى بها الكتاب المقدس بعهديه، ونادى بها آباء الكنيسة الجامعة. حيث يقول التالي:
”بخصوص ذلك: أولئك الذين يغيرون طبيعة الإنسان إلى الأوسيا (الجوهر) الإلهي جاعلين إضافة إلى الثالوث، سواء في الطبيعة، أو في البروسوبون. لذلك، إن كانت طبيعة الجسد التي قد تألهت تبقى في الأوسيا (الجوهر)، الذي قد تألهت فيه، فكيف لم يقبل الثالوث إضافةً في الأوسيا (الجوهر)، وفي البروسوبون؟ لأنه لا يوجد أي شيء من الطبيعة البشرية في الثالوث، لا في الآب، ولا في الابن، ولا في الروح القدس، بل يكون (الثالوث) وحده؟ لأنه ما لم يكن معه أزليًا، بل قد تمت إضافته إليه، فقد قَبِل إضافةً. ولكن كيف يمكن لإضافة أن تُصنع له، ولا تكون إضافةً؟ وهذه هي أيضًا قصة أخرى وخرافة مانوية. ولكن إن ذاك الذي قد أُضيف، لم يصر ما قد كان؟ ولم تتضرر طبيعة البشر من طبيعة اللاهوت كما بنارٍ، وإن كان بذلك لا يقبل الثالوث إضافةً، فلم يعد هذا تجسُدًا، بل إلغاء للتجسُد. لأن أي شيء يؤدي إلى إلغاء الطبيعة البشرية، وليس بالحفاظ عليها، لا يُسمى ’تجسُّدًا‘، بل يكون مثل شيء ما يوجد في علاقة مع ذاك الذي لا يوجد“.[64]
نرى بذلك رفض نسطوريوس لعقيدة التأله بالنعمة بحسب التقليد الرسولي والآبائي، لأنه يفهم خطاءً أن التجسُد هو عبارة عن إضافة للطبيعة البشرية إلى الثالوث، وهذا بالطبع ما لم يعلّم به آباء الكنيسة الجامعة بخصوص عقيدة التأله بالنعمة. كما نجد في عصرنا الحالي مَن يردد كلمات نسطوريوس المهرطق بدون دراية أو وعي رافضًا عقيدة التأله بالنعمة على اعتبار أنها شرك بالله وتعدد آلهة وإدخال للطبيعة البشرية في الثالوث. كما نعتها البعض بالآريوسية الجديدة، وهذا عارٍ تمامًا عن الصحة.
كما نجد نسطوريوس في كتابه ”هيراقليدس“ يدحض برهان سر شركة الإفخارستيا الذي استخدمه ق. كيرلس عندما قال له التالي:
”فإننا نقدّم الذبيحة غير الدموية في الكنائس، وهكذا نتقبل البركات السرية ونتقدس، ونصير مشركين في الجسد المقدس، والدم الكريم للمسيح مخلصنا جميعًا، ونحن نفعل هذا لا كأناس يتناولون جسدًا عاديًا، حاشا، ولا بالحقيقة جسد رجل متقدس متصل بالكلمة حسب اتحاد الكرامة، ولا كواحد قد حصل على حلول إلهي، بل باعتباره الجسد الخاص للكلمة نفسه المعطي الحياة حقًا“.[65]
فيحاول نسطوريوس المهرطق الرد على ق. كيرلس في كتابه ”هيراقليدس“ الذي كتبه على شكل محاورة بينه وبين شخص يُدعى صفرونيوس، وهذا أسلوب معروف للكتابة في ذلك الزمان، حيث يرد قائلاً:
”صفرونيوس: (استخدم هذه الكلمة) ضد أولئك الذين يعتقدون إنه لم يمت لأجلنا، بل كان في موته مثل جميع البشر، وإنه في كليهما حيًا وميتًا، كان مجرد إنسان عادي، وإنه لا يمتلك، أي شيء أكثر من (البشر العاديين)، لأنهم يجهلون إنه يكون ابن الله، وإن دمه هو دم الله، وليس دم ذلك الإنسان. نسطوريوس: هل تقول ذلك، بأن الجسد والدم هما أوسيا (جوهر) ابن الله، أم أن الجسد والدم هما جسد ودم الأوسيا (الجوهر) الإنساني، وقد صارا طبيعة اللاهوت؟ لأنه، كما تقول، الجسد ليس جسدًا، لأنه قد تحول بواسطته إلى أوسيا (جوهر) الله الكلمة بواسطة امتزاج واتحاد. وهذا هو ما يقصده الرسول الطوباوي، عندما سخر بشدة من أولئك الذين اعترفوا إنه جسده ودمه، وظنوا (إلى الآن) إنه دنس. صفرونيوس: لم يقل هذا ضد أولئك الذين بالتأكيد لا يعترفون بالجسد في الحقيقة، ولا ضد أولئك الذين يحولون أو يفسدون الأوسيا (الجوهر) كما بنارٍ، أو (مَن يظن) أوسيا (جوهر) الجسد دنسًا بواسطة الامتزاج، بل ضد أولئك الذين يعترفون بالجسد والدم، ويعتقدون (إلى الآن) إنه مشترك. نسطوريوس: كما يبدو لي، الرأي الذي تتشبث به لا ينسجم أكثر مع هؤلاء، بل مع أولئك الذين يحولون الأوسيا (الجوهر) إلى طبيعة الجسد والدم، من دون تفكير بأن أوسيا (جوهر) الجسد والدم لربنا هو مشترك، بل إنه جوهر الله الكلمة، وليس جوهر البشر“.[66]
ثم يستطرد نسطوريوس في نفس السياق معترضًا على أننا صيرنا جسد المسيح، مظهرًا أن الأرثوذكس بحديثهم عن الاشتراك في جسد الكلمة واقعين في تضارب من الآراء وارتباك، قائلاً:
”فقد تغيرنا أيضًا إلى جسده، ونحن نكون جسده، ولذلك نحن لسنا جسد ودم الإنسان، بل جسده الخاص. فالخبز حقًا واحد، ولذلك نحن جميعًا جسد واحد، لأننا جسد المسيح. ’وأما أنتم فجسد المسيح حقًا، وأعضاؤه أفرادًا‘ (١كو١٢: ٢٧) هل الخبز هو جسد المسيح بتغيير الأوسيا (الجوهر)؟ أم هل نكون نحن جسده بتغييرٍ؟ أم هل جسد ابن الله واحدًا مع الله الكلمة بالطبيعة؟ ولكن إن كنا واحد بالطبيعة، فلن يكون هناك فيما بعد أي خبز، ولا أي جسد أيضًا. أما بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن جسد ابن الله كان دنسًا، فيقول الرسول عنهم: ’إنهم يدوسون ابن الله تحت الأقدام‘ (عب١٠: ٢٩) برفضه وبإنكاره، ضد أولئك الذين يعترفون بأن الجسد هو من طبيعتنا، والذين يعتبرونه دنسًا، بالرغم من أنهم يعترفون إنه قد أُعطي من أجل خلاصنا كلنا، لأنه كان نقيًا، وطاهرًا، ومحفوظًا من الخطايا، وأنه قَبِلَ الموت من أجل جميع خطايانا، وصار كما لو كان قربانًا لله. ولذلك إن كنا لسنا من واحد، فلا نُدعى بالطبيعة أخوته، ولا أبنائه، ولا نكون نحن فيما بعد خبزه وهيكله الجسدي، بل إن كانا هذان يخصان المسيح حقًا، فنحن جسده وواحد معه في الجوهر، لأننا بذلك نكون ذاك الذي يكون أوسيا (جوهر) جسده أيضًا. وتلك الأمور معروفة أيضًا من خلال كلام عقيدة أولئك الذين يتحولون الآن إلى هذا، والآن إلى ذلك، لأنهم لا يمتلكون الحق“.[67]
يبدو أن حجج نسطوريوس هي كالتالي: أيًا كان معنى الخبز الذي يصير جسد المسيح، فهو بذلك بنفس المعنى، الذي نصير فيه جسد المسيح بالشركة في السر (الإفخارستيا). بما أننا نستطيع أن نشترك فقط في الجسد البشري، حيث لابد أن جسد المسيح قد كان ويكون إنسانيًا. وفي رأي التهمة الشائعة الموجهة ضد النسطورية، فإنه يلغي ويدمر الدلالة والأهمية العالمية من تجسد المسيح لأجل جميع البشر. إن النسطورية تهتم فقط بإيجاد وسيلة للدفاع عن رأيها الخاص كوقاية فقط من هذه الدلالة والأهمية.
ثم نستعرض كيف يرى نسطوريوس آباء الكنيسة المنادين بالتأله بالنعمة بشكل عام، والقديس كيرلس عمود الدين بشكل خاص، حيث يقول التالي:
”يتميز هؤلاء بالفعل عن المانويين، لأنهم يعترفون حقًا بأن الجسد من طبيعتنا، وإنه لم يكن هيئة schêma الجسد، بل طبيعة الجسد. ولكن البعض من الآخرين الذين يكونون معهم (المشهورين)، لأنهم يعترفون بأن الجسد حقيقي، ولا ينتمي إلى الطبيعة البشرية، بل صار إلهيًا، ومن طبيعة اللاهوت. فإنهم يتميزون في ذلك، ويسعون بكل قدرتهم إليه. وأولئك الذين يظنون أنهم يخدمون الكنيسة معترفين بأن الجسد من طبيعتنا، ومن أوسيتنا (جوهرنا)، وبالتالي تمييزه معروف لجميع البشر. بشكل عام، فإنهم يتنازعون ويتصارعون مع الجميع: مع المانويين، بخصوص نقطة إنه كان يوجد أوسيا (جوهرًا) وأوسيا (جوهرًا) في الحقيقة، ومع الآخرين، إنه لم يكن من طبيعة الله، بل من طبيعة آبائنا، أما مع الكنيسة، فإنهم يحولون الجسد إلى أوسيا (جوهر) الله. وبالتالي، لأنهم لا يسمحون للجسد أن يظل في أوسياه (جوهره)، فإنهم يشبهون المانويين بتبديد أوسيا (جوهر) الجسد، ولكنهم يختلفون عنهم في أنهم يقولون إن الله كان بالتمام في هيولي hylê الجسد. ولكنهم بذلك يحولون فورًا (الجسد) إلى أوسيا (جوهر) الله الكلمة، ويأبون الاعتراف بأن الله كان مع الجسد البشري، ويقبلون بنفس الرأي والشعور، عندما يقصون أوسيا (جوهر) الجسد، كأنما لم يوجد، مصرين سواء على تأليه أوسيا (جوهر) الجسد – أو كما يمكن القول – على جعل أوسيا (جوهر) الله يصير متجسدًا في أوسيا (جوهر) جسد اللاهوت“.[68]
بالطبع هناك العديد من المغالطات في كلام نسطوريوس السالف الذكر، سنوضحها ونبين فسادها بحسب اللاهوت الأرثوذكسي بخصوص التأله بالنعمة، والخريستولوجي عامةً:
- يعترف نسطوريوس أن اللاهوت متحد بالناسوت باتحاد بروسوبوني، أي اتحاد في الهيئة فقط، وليس اتحادًا أقنوميًا كما قال آباء الكنيسة، فيشبه الأرثوذكس الذين يقولون بالاتحاد الأقنومي أنهم مانويون، لأنهم يمزجون ويخلطون الله بالمادة، وهذا بحسب فهمه الخاطئ للاهوت الأرثوذكسي، فلم يقل أحد من آباء الكنيسة باختلاط أو امتزاج الطبائع في المسيح الواحد.
- يرفض نسطوريوس فكرة أن يصير الجسد جسدًا إلهيًا، مستنكرًا ذلك، وهو بذلك خالف آباء الكنيسة، لأنه بالفعل في التجسد الإلهي، صار الجسد جسد الله الكلمة كما قال ق. أثناسيوس وغيره من الآباء الأرثوذكس.
- يظل نسطوريوس في جهله بسر المسيح كما اسماه ق. كيرلس، ويعتقد بأن القائلين بالتأله بالنعمة يحولون جوهر الجسد إلى جوهر الله، وهذا بعينه ما يقوله البعض في عصرنا الحالي، متهمين زورًا وبهتانًا المؤمنين بعقيدة التأله بالنعمة، أنهم يحولون طبيعة وجوهر الإنسان إلى طبيعة وجوهر الله.
- يقول نسطوريوس عبارة في منتهى الخطورة لينكر بها الاتحاد الأقنومي في المسيح، حيث يقول إن ”الله كان مع الجسد البشري“، وليس متحدًا به، كما يعتقد. لأنه ينكر الاتحاد الأقنومي الحادث في المسيح الواحد. بل يقول بمجرد مصاحبة الله لجسد بشري.
- يتهم نسطوريوس المصرين على عقيدة التأله بالنعمة، إنهم بذلك يفنون ويبددون جوهر الجسد في الاتحاد الأقنومي، وهو مخطئ في ذلك، لأنه مَنْ مِنْ آباء الكنيسة قال بذلك، فهذه هي الهرطقة الأوطاخية بعينها. التي ترفضها كنيستنا القبطية الأرثوذكسية بشدة.
- وأخيرًا، يستنكر نسطوريوس على الجانب الأرثوذكسي قولهم بأن الله يصير متجسدًا في جسد اللاهوت، أي يستنكر اتحاد الله بالجسد اتحادًا أقنوميًا حقيقيًا، وأن يُنسب الجسد إلى اللاهوت، ويصير جسد اللاهوت. يا له من تخريب وتدمير لسر المسيح!
وهكذا يتحدث الأب جون ماكجوين في كتابه الشهير ”كيرلس السكندري والجدل الخريستولوجي“ عن عقيدة التأله بالنعمة أنها السمة المميزة لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية، وعقيدة تأله ناسوت المسيح هي سمة مميزة لمدرسة الإسكندرية، ويؤكد على أن نسطوريوس هو مَن لا يؤمن بتأله ناسوت المسيح، بل يرفض نسطوريوس عقيدة تأله ناسوت المسيح، حيث يقول الأب ماكجوين عن ذلك التالي: ”كان يقال في هذه المدرسة الفكرية (أي مدرسة الإسكندرية) عن المسيح الإلهي إنه إنسان حقيقي بقدر حقيقة لاهوته خاضع تقريبًا للمدى الكامل الخبرات الجسدية. بهذه الشروط، لا يمكن تعريف بشريته بأنها ناقصة في بعض معانيها (بلا عقل أو نفس، على سبيل المثال، كما عند أبوليناريوس)، لكن بالأحرى كلها موجودة، ولكنها تحولت جذريًا بقوة الألوهة الأعظم بما لا يُقاس، التي اتخذت الجسد لنفسها. عنصر أساسي في نظرية ‘التحول’ أي مفهوم تأله جسد الرب (وبالآثار المترتبة على ذلك يكون المؤمن كذلك) الذي تم تحقيقه في فعل التجسد. هذه هي الفكرة الأكثر ديناميكية للمدرسة السكندرية، والهدف الرئيس في اللغة التجسيدية. ولكن هذا بالنسبة إلى نسطور هو استنتاج يُرثى له من الاعتماد على نظرية ‘الامتصاص’. وحيث أنه يعارض الأخير (أي نظرية الامتصاص) بحزم وصرامة، لذلك يميل أن يحط من قدر السابق (أي تأله جسد الرب)“.[69]
ثم يستطرد الأب جون ماكجوين مؤكدًا على أن الموقف السكندري في مقابل الموقف النسطوري هو اعتقاد السكندريين بتأله جسد المسيح، حيث يقول التالي: ”العبارة التي تقول إن الجانبين اللذين في المسيح بقيا بشروط متساوية في جميع مراحل حياة المخلص، على أية حال، تم التنازع عليها بمرارة. فالموقف السكندري كان كذلك: إن اتخاذ البشرية بواسطة اللوغوس ألَّه deified الجسد منذ اللحظة التي تم فيها الحمل في رحم العذراء. منذ لحظة الولادة، تم رؤية المسيح بعين الإيمان كحقيقة واحدة. فالحديث عن جانبين أو طبيعتين دائمتين، بالنسبة إلى السكندريين، سوف يدمر بالكامل أي مفهوم للوحدة التي لا تتجزأ في المسيح، اللوغوس المتجسد“.[70]
كما يؤكد الأب ماكجوين على تشبث ق. كيرلس السكندري بعقيدة التأله بالنعمة كأحد القيم المركزية لإنجيل التجسد، بينما يرفض نسطوريوس ذلك تمامًا، ويرى في المسيح مجرد قائد، ومرشد للحياة الأخلاقية، ومثال أعلى ومعلم لنا، ومجرد داعية مصلح، حيث يقول التالي: ”لقد اعتبر (أي نسطوريوس) أي شكل من نظرية الامتصاص بأنه عاجز على الحفاظ على تمايز الجواهر، وإذا لم تصمد البشرية في المسيح بالكامل، فإن الحرية الأخلاقية للاتحاد سوف تتدمر، حيث أنه لا يرى كيف يفترض أي إنسان مشيئة بشرية حرة في يسوع، إذا كان مثل هذا الخليط غير المتكافئ قد حدث، مع امتصاص القدرة الهائلة للألوهة البشرية الهشة وغمرها في عملية ما للتأله يتم تصورها. هذا النهج الأخير كان ينتقده نسطور دائمًا، بينما بالنسبة لكيرلس وقف كأحد القيم والمنجزات المركزية لإنجيل التجسد. استبدال فكرة تأله البشرية، مساوٍ لخطورة اقتراح بعض التعديلات في أحد أو كلا الجوهرين، لذا أشار نسطور بدلاً من ذلك إلى الإرادة الحرة تمامًا ليسوع، الكاملة الطائعة لمشيئة الله (اللوغوس) ومتحدة بشكل وثيق معه كالعلامة البارزة والوسيلة التي للخلاص. قدم نسطور مثل هذه الرؤية ليسوع كقائد ومرشد للحياة الأخلاقية، وفي نفس الوقت مثالنا الأعظم ومعلمنا، لأنه بصفة عامة كان في الواقع داعية مصلح كما يتعلق هذا مبدئيًا بالمسيحية كتعليم أخلاقي. باختصار، بنبذ نسطور احتمالية اتحاد خريستولوجي مبني على مصطلحات أوسيا أو طبيعة، تحول بدلاً من ذلك إلى فكرة المشيئة والحب، والسيطرة الأخلاقية كمحل هندسي لنظريته الخريستولوجية“.[71]
نستنتج من هنا أن عقيدة التأله بالنعمة وتأله ناسوت المسيح هي عقائد راسخة في اللاهوت الأرثوذكسي عامةً، وفي اللاهوت السكندري خاصةً، وأنه على العكس من اللاهوت السكندري الأرثوذكسي الذي كان يمثله ق. كيرلس السكندري، رفض نسطوريوس عقيدتي التأله بالنعمة وتأله ناسوت المسيح، معتبرًا ذلك خلط أو امتزاج أو امتصاص للطبائع في المسيح، وهكذا رفض نسطوريوس تعبير الاتحاد الأقنومي في المسيح، وأعتبر المسيح مجرد مصلح ومرشد أخلاقي ينبغي اتباعه، وليس مخلصًا حقيقيًا للبشرية.
تأله ناسوت المسيح
يعلم آباء الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة بتعليم غاية في الأهمية هو تأله ناسوت المسيح، حيث يرى الآباء أن تأله ناسوت المسيح هو الطريق لتأله أجسادنا نحن بالمسيح في الروح القدس.
ق. أثناسيوس الرسولي
فنجد القديس أثناسيوس الرسولي يؤكد على تأله ناسوت المسيح، ويؤكد أيضًا على تبادل الخواص والصفات في المسيح كالتالي:
”بل كُتبت هذه العبارة عنه بسببنا ولأجلنا. لأنه كما مات المسيح ثم رُفع كإنسان، فبالمثل قيل عنه إنه أخذ كإنسان ما كان له دائمًا كإله، وذلك لكي تصل إلينا عطية مثل هذه النعمة، فإن اللوغوس لم يحط من قدره باتخاذه جسدًا حتى يسعى للحصول على نعمة أيضًا، بل بالأحرى فإن الجسد الذي لبسه قد تأله، بل وأكثر من ذلك، فقد أنعم بهذه النعمة على جنس البشر بدرجة أكثر“.[72]
ويكرر ق. أثناسيوس نفس الحديث عن تأله ناسوت المسيح في موضع آخر كالتالي:
”لأنه حينما صار إنسانًا، لم يكف عن أن يكون الله، ولا بسبب كونه الله يتجنب ما هو خاص بالإنسان، حاشا بل بالحري، إذ هو الله فقد أخذ الجسد لنفسه، وبوجوده في الجسد، فإنه يؤله الجسد“.[73]
ويشدد ق. أثناسيوس أيضًا على تأله ناسوت المسيح في موضع آخر قائلاً:
”وعندئذ لم يقل ‘والابن’ كما سبق وقال إنسانيًا، بل قال: ’ليس لكم أن تعرفوا‘، لأن الجسد عندئذ كان قد قام وخلع عنه الموت وتأله، ولم يعد يليق به أن يجيب بحسب الجسد عندما كان منطلقًا إلى السماوات، بل أن يعلم بطريقة إلهية“.[74]
ق. غريغوريوس اللاهوتي
وهذا هو أيضًا ما يقوله ق. غريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح، حيث يقول في عظته الثيؤفانيا (الظهور الإلهي) أو عظة عيد الميلاد التالي:
”الله قد خرج مع الجسد الذي اتخذه، واحد من اثنين كانا مختلفين، الجسد والروح، حيث أحدهما كان يؤله، والآخر يتأله. فيا للخلط الجديد! يا للمزج العجيب! هو الذي هو، قد صار، والخالق خُلق، وغير المدرَك قد أُدرك بواسطة العقل كوسيط الذي هو في المنتصف بين اللاهوت وخشونة الجسد“.[75]
ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح نفسًا وجسدًا في مواجهة أبوليناريوس الذي أنكر وجود النفس الإنسانية العاقلة في المسيح كالتالي:
”إذا كان الأقل نبلاً قد اتُخِذَ ليتقدس إذ أنه (المسيح) اتخذ جسدًا، أفلا يُتخذ الأكثر نبلاً ليُقدس إذ أنه (المسيح) صار إنسانًا، إذ كان التراب [يقصد الجسد] أيها الحكماء قد خمّر الخمير فصار عجينًا جديدًا، أفلا يُخمِّر الصورة [الروح] فترقى إلى الامتزاج بالله، بعد أن تكون قد تألهت بالألوهة؟“.[76]
ويقول ق. غريغوريوس اللاهوتي في خطبته اللاهوتية الأولى عن الابن في مواجهة الأفنوميين الآريوسيين منكري ألوهية المسيح متحدثًا عن تأله ناسوت المسيح، الذي فتح الطريق أمام تأله أجسادنا نحن أيضًا التالي:
”فالذي [أي الابن] هو الآن حقير في نظرك، كان قبلاً أرفع منك، الذي هو الآن إنسان، كان حينذاك غير مركب. وما كانه بقى عليه، وما لم يكنه صار إليه [أي الناسوت]. كان في البدء بلا علة – وهل يكون لله علة؟ – ثم وُلِدَ لعلة. وكانت العلة هي أن تخلُص، أنت المجدف عليه، ومحتقر الألوهة التي تحملت كثافتك، والإنسان الأرضي الذي اتحد بالجسد بواسطة روح، صار إلهًا عندما امتزج بالله، وصار واحدًا، يغلب فيه الأفضل والأرفع، وبذلك أصبحُ أنا إلهًا بقدر ما أصبح هو إنسانًا“.[77]
ق. غريغوريوس النيسي
وهذا هو أيضًا ما يؤكد عليه ق. غريغوريوس النيسي في مواجهة الهرطقة الأبولينارية، حيث شدد على تأله ناسوت المسيح، واكتسابه خواص الألوهية بعد التجسد التدبيري لله الكلمة، وهذا بالطبع ينعكس على أجساد البشر الذين خلصهم الله الكلمة بتجسده من الخطية واللعنة والضعف، ومنحهم التأله وخواص الألوهية من الحكمة، والقداسة، والقوة، وعدم التألم كالتالي:
”إننا نضع في الاعتبار قول الرسول: إنه صار خطيةً، ولعنةً لأجلنا، وإنه قد أخذ ضعفنا عليه بحسب كلام إشعياء النبي، ولم يترك الخطية، واللعنة، والضعف دون شفاء، بل قد ابتُلِع المائت من الحياة، ولقد امتزج كل شيء ضعيف ومائت في طبيعتنا مع الألوهية، وصار ما تكونه الألوهية“.[78]
ويكرر النيسي نفس الحديث عن تأله ناسوت المسيح في نفس الرسالة قائلاً:
”لأنه باكورة الطبيعة البشرية التي أخذها امتزجت بالألوهية كلية القدرة والقوة […] لكن بما أن كل هذه الخواص التي نراها مصاحبةً للمائت قد تحولت إلى خواص الألوهية، فلا يمكن إدراك أي تمييز بينهما، لأن أي شيء يمكن أن يراه الإنسان في الابن هو الألوهية، والحكمة، والقوة، والقداسة، وعدم التألم“.[79]
ويتحدث النيسي صراحةً عن تأله ناسوت المسيح قائلاً:
”هل هذا هو الكلمة الذي كان في البدء، وكان عند الله، الذي صار جسدًا في الأيام الأخيرة بدافع الحب للبشرية بمشاركته في طبيعتنا الوضيعة، وهكذا مزَّج ذاته بالناسوت، وأخذ كل طبيعتنا في ذاته لكي ما يُؤلِّه الناسوت بامتزاجه بلاهوته مُقدِّسًا العجينة الكاملة لطبيعتنا البشرية بهذه الباكورة!“.[80]
ق. هيلاري أسقف بواتييه
وكذلك أيضًا يؤكد ق. هيلاري أسقف بواتييه الملقب بأثناسيوس الغرب على تأله ناسوت المسيح، حيث يقول التالي:
”إذ يتلخص التجسد في هذا، أن كل ما للابن -أي ناسوته ولاهوته- قد سمح له الآب أن يستمر في وحدة طبيعته، ولم يحتفظ فقط بقدرات الطبيعة الإلهية، بل وأيضًا بتلك الطبيعة نفسها. فإن الهدف المطلوب هو أن يتأله الناسوت. لكن الناسوت المُتخذ لم يكن ممكنًا له بأية طريقة أن يبقى في وحدة الله، إلا إذا وصل إلى الوحدة مع اللاهوت“.[81]
ق. كيرلس الإسكندري
كما يؤكد ق. كيرلس الإسكندري الملقب بعمود الدين على تأله ناسوت المسيح، الذي يعد الوسيلة والطريقة لتأله أجسادنا نحن أيضًا، حيث يقول التالي:
”تتقدم الطبيعة البشرية في الحكمة وفقًا للطريقة الآتية: الحكمة الذي هو كلمة الله اتخذ الطبيعة البشرية فتألهت، وهذا مُبرهَن من خلال أعمال الجسد، والنتائج العجيبة في أعين أولئك الذين يرون الهيكل (الجسد) الذي أخذه، جعلته يرتقي بالنسبة لهم. هكذا ارتقت الطبيعة البشرية في الحكمة متألهةً بواسطتها. لذلك أيضًا نحن بطريقة مماثلة للكلمة، الذي لأجلنا تأنس، نُدعى أبناء الله وآلهةً. لقد تقدمت طبيعتنا في الحكمة منتقلةً من الفساد إلى عدم الفساد، ومن الطبيعة البشرية إلى الألوهية بنعمة المسيح“.[82]
ق. ساويروس الأنطاكي
ويشرح ق. ساويروس الأنطاكي مثله مثل باقي الآباء السابقين عليه أن تأله ناسوت المسيح معناه لمعان جسد المسيح بالمجد الخاص بالله مقتبسًا ومفسرًا قول ق. غريغوريوس اللاهوتي من عظة الثيؤفانيا أو عيد الميلاد الذي اقتبسناه أعلاه، حيث يقول في رسالته الثانية إلى سرجيوس النحوي التالي:
”ففي العظة (Lebon p. 116) على الظهور الإلهي يقول [ق غريغوريوس] ’الله خرج مع الجسد الذي اتخذه، واحد من اثنين كانا مختلفين، الجسد والروح، حيث أحدهما كان يؤله والآخر يتأله‘. لكن يُفهَم تعبير ‘يتأله’ ويقال لأن الجسد قد لمع بالمجد الخاص بالله، كما يقول الحكيم (كيرلس) وليس لأنه تغير إلى طبيعة اللاهوت“.[83]
ويتضح من هنا إجماع آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا على تأله ناسوت المسيح كوسيلة وكتهيئة لتأله أجسادنا نحن بالمسيح في الروح القدس، وليس كما ينكر النساطرة الجدد تأله ناسوت المسيح مدعين عن جهل بأنه تعليم نسطوري، بل قد ثبُت من نصوص الآباء شرقًا وغربًا أن تأله ناسوت المسيح هو عقيدة أرثوذكسية راسخة في الكنيسة الجامعة.
[1] للاطلاع على هذا الخطاب أنظر تاريخ زكريا البليغ: 2.
[2] في سي صامويل (دكتور)، مجمع خلقيدونية -إعادة فحص (بحث تاريخي ولاهوتي)، ترجمة: د. عماد موريس، مراجعة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: إصدار باناريون للتراث الآبائي، 2009)، ص239، 240.
[3] Sever of Antioch, La Polemique, Antijulianiste, II B, ed., Robert Hespel, C. S. C. O., I, p. 50.
[4] إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية)، ٣: ١٨: ١.
[5] المرجع السابق، ٣: ١٨: ٣.
[6] المرجع السابق، 3: ١٨: ٤.
[7] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، مراجعة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية)، 3: ٢٩: ٥٦.
[8] المرجع السابق، 3: ٢٦: ٣١.
[9] المرجع السابق، ٣: ٢٦: ٣٢.
[10] المرجع السابق، 3: ٢٦: ٣٣.
[11] أثناسيوس (قديس)، ضد أبوليناريوس (تجسد ربنا يسوع المسيح)، ترجمة: د. جورج حبيب بباوي، (القاهرة: دار جذور للنشر)، ١: ٣.
[12] المرجع السابق، 1: 6.
[13] المرجع السابق، ١: ١٥.
[14] Basil (St.), Letters: 3 vol., PG 32, 972 B, éd. Courtonne, Y. Paris: Les Belles Letters, 1996.
[15] غريغوريوس اللاهوتي (قديس)، العظة الفصحية الأولى، ترجمة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، ٢٠١٥)، ١: ٥، ص ١٥.
[16] غريغوريوس النزينزي (قديس)، رسائل لاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية)، الرسالة الأولى إلى كليدونيوس، ١٠١ : ٣.
[17] المرجع السابق.
[18] غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان، منشورات المكتبة البولسية)، عظة ٣٠: ٥.
[19] غريغوريوس النيسي (قديس)، حياة موسى، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية)، ٢: ٣٠.
[20] المرجع السابق، 2: 32.
[21] غريغوريوس النيسي (قديس)، ضد أبوليناريوس، ٧.
[22] غريغوريوس النيسي (قديس)، رسائل غريغوريوس النيسي (٣٣٥- ٣٩٤)، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٤)، الرسالة رقم ٣ إلى أوسطاثيا وأمبروسيا وبازليسا الفضليات، ص ٤٩.
[23] Gregory of Nyssa, Anti-Apollinarian Writings (The Fathers of the Church vol. 131), trans. by Robin Orton, (Washington: The Catholic University of America Press, 2015), p. 137.
[24] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح وتفسير إنجيل يوحنا مج3، ترجمة: نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة)، عظة ٦٧.
[25] المرجع السابق.
[26] المرجع السابق.
[27] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على إنجيل متى ج2، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، (لبنان، 1998)، عظة ٢٧: ٧، ص 46.
[28] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، مساو للآب في الجوهر، ترجمة: نشأت مرجان، (القاهرة: دار النشر الأسقفية، 2007)، عظة رقم 4، ص 81.
[29] كيرلس الإسكندري (قديس)، رسائل القديس كيرلس الإسكندري، ترجمة: د. موريس تاوضروس و د. نصحي عبد الشهيد، مراجعة: د. جوزيف موريس فلتس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، الرسالة إلى سوكينسوس القيصري، ٤٥: ١٠، ص 186.
[30] PG 76. 1165 A (=Pusey edn., Vol. 7, p 68. 2-8).
[31] كيرلس السكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج ٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، تفسير آية يو ١٤: ٢٠، ص ٢١١.
[32] المرجع السابق، تفسير آية (يو٢٠: ١٩-٢٠)، ص ٥٠١، ٥٠٢.
[33] المرجع السابق، تفسير آية (يو٢٠: ٢٦، ٢٧)، ص ٥١٤، ٥١٥.
[34] كيرلس السكندري (قديس)، المسيح واحد، ترجمة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٧)، ص ١٣٩.
[35] Sever d’ Antioch, La Polemique, Antijulianiste, II B, ed., Robert Hespel, C. S. C. O., I, p. 51.
[36] Ibid, p. 233.
[37] Ibid, 130.
[38] ايان ر. تورانس، الخريستولوجي بعد مجمع خلقيدونية (الرسائل بين القديس ساويروس الأنطاكي وسرجيوس النحوي)، ترجمة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، مراجعة: د. سعيد حكيم، (البحر الأحمر: دير أنبا أنطونيوس)، رسالة ساويروس الأولى إلى سرجيوس النحوي، ص ٢٩٢.
[39] PO 8: 358 – Homélie LXVII Sur Marie Sainte Mère De Dieu.
[40] مار غريغوريوس بن العبري (علامة)، منارة الأقداس، باب ٦: ١: ٢، ص٣٥٣.
[41] يوحنا الدمشقي، المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، ترجمة: الأرشمندريت أدريانوس شكور، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ١٩٨٤)، المقالة ٧٢: ٢٨، ص ٢٠٩.
[42] Yonatan Moss, Incorruptible Bodies, (California: University of California Press, 2016), p. 28- 31.
[43] هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس، مراجعة: د. سعيد حكيم، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2017)، ٨: ١٦، ص 544.
[44] أمبروسيوس أسقف ميلان (قديس)، تجسد الرب، ترجمة: د. جورج عوض، مراجعة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، ٦: ٥٤، ص 77، 78.
[45] المرجع السابق، ٦: ٥٧، ص 80.
[46] أوغسطينوس (قديس)، العظات على المزامير ج1، ترجمة: عبد الله جحا، (لبنان: دار المشرق، 2013)، عظة في مز ٣: ١٠، ص 26.
[47] أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، تقديم: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، (القاهرة، 2021)، ٣: ١٠: ٢٠، ص 232، 233.
[48] المرجع السابق، ٤: ٢: ٤، ص 248.
[49] المرجع السابق، ١٥: ١٩: ٣٤، ص 646.
[50] المرجع السابق، ٤: ٢: ٤، ص 248.
[51] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، مراجعة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، ٣: ٣٣، ص 336.
[52] المرجع السابق.
[53] المرجع السابق، ١: ٤١، ص 109.
[54] المرجع السابق، ١: ٤٢، ص 111.
[55] المرجع السابق، ١: ٤٣، ص 112.
[56] المرجع السابق، ٢: ٦٩، ص 260.
[57] المرجع السابق، ٣: ٢٣، ص 322.
[58] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح وعظات على انجيل يوحنا ج1، ترجمة: راهب من برية شيهيت، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة ٤٥ على (يو٦: ٢٨- ٤٠)، ص 451.
[59] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على إنجيل متى ج4، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، (لبنان، 2008)، عظة ٨٢: ٥، ص 142.
[60] المرجع السابق، ص 142، 143.
[61] المرجع السابق، ص 143.
[62] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ج2، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، عظة ٢٤: ٢، ص 96.
[63] كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير انجيل يوحنا ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، ١٠: ٢، تعليق على (يو 15: 1)، ص 259.
[64] Nestorius, The Bazaar of Heracleides, Trans by G. R. Driver & Leonard Hodgson, (Oxford: The Clarendon Press, 1925), 1: 34.
[65] كيرلس الإسكندري (قديس)، رسائل القديس كيرلس الإسكندري، ترجمة: د. موريس تاوضروس ود. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، الرسالة إلى نسطوريوس ١٧: ١٢، ص 77.
[66] Nestorius, The Bazaar of Heracleides, Trans by G. R. Driver & Leonard Hodgson, (Oxford: The Clarendon Press, 1925), 1: 38- 39.
[67] Ibid, 1: 41.
[68] Ibid, 1: 32.
[69] جون ماكجوين، كيرلس السكندري والجدل الخريستولوجي (تاريخه، ولاهوته، ونصوصه)، ترجمة: الراهب أغاثون الأنطوني، مراجعة: الحبر الجليل الانبا مقار، (القاهرة، ٢٠١٩)، ص ١٥٥، ١٥٦.
[70] المرجع السابق، ص ١٥٩.
[71] المرجع السابق، ص ١٩٣، ١٩٤.
[72] أثناسيوس (قديس)، المقالات ضد الآريوسيين، ترجمة: د. صموئيل كامل وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٧)، ١: ١١: ٤٢، ص ١١٠، ١١١.
[73] المرجع السابق، ٣: ٢٧: ٣٨، ص ٣٤٣، ٣٤٤.
[74] المرجع السابق، ٣: ٢٨: ٤٨، ص ٣٥٨.
[75] Gregory of Nazianzus, Theophany, PG 36.325 B-C.
[76] غريغوريوس النزينزي (قديس)، رسائل لاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٠)، الرسالة الأولى إلى كليدونيوس، ص ٢٤.
[77] غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب ٢٧-٣١ اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ١٩٩٣)، ٢٩: ١٩، ص ١٠٠.
[78] غريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى البابا ثيؤفيلوس السكندري ٢٣ ضد الأبوليناريين، ترجمة: أنطون جرجس، (القاهرة: دورية مدرسة الإسكندرية رقم ٣١، ٢٠٢١)، ص ٥٢، ٥٣.
[79] المرجع السابق، ص ٥٤.
[80] Gregory of Nyssa, Anti-Apollinarian Writings (The Fathers of the Church vol. 131), trans. by Robin Orton, (Washington: The Catholic University of America Press, 2015), p. 125.
[81] هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: راهب من دير الانبا أنطونيوس، (مصر: دير الانبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، ٢٠١٧)، ٩: ٣٨، ص٦٣١، ٦٣٢.
[82] كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١١)، ٢٨: ١١، ص ٣٩٦.
[83] ساويروس الأنطاكي (قديس)، الرسالة الثانية إلى سرجيوس النحوي، ترجمة: راهب من دير الانبا أنطونيوس، (مصر: دير الانبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، ٢٠١٥)، ص ٣٢٣.
طبيعة ناسوت المسيح في تعليم الإنجيل والتقليد – د. أنطون جرجس عبد المسيح