Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

التجسد غير المشروط – د. أنطون جرجس عبد المسيح

التجسد غير المشروط – د. أنطون جرجس عبد المسيح

التجسد غير المشروط – د. أنطون جرجس عبد المسيح

التجسد غير المشروط

 

التجسد غير المشروط

التأله غاية التجسد

 سوف أناقش معكم أحبائي موضوع مهم جدًا وهو التأله غاية التجسد الإلهي، حيث ينكر البعض أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان، كما يرفضون أيضًا في خضم ذلك، موضوع آخر قد تمت إثارته من قبل، وهو التجسد غير المشروط وعلاقته بالتأله وخلود الإنسان.

أود أولاً توضيح الحجج والبراهين التي يُبنى عليها موضوع التجسد غير المشروط، وهم ثلاث حجج رئيسية:

1-الحجة الأولى (الحجة الكتابية):

 تدبير التجسد هو تدبير أزلي حتمي بشهادة آيات الكتاب المقدس، مثل:

أ. حديث بولس الرسول عن تدبير ملء الأزمنة في المسيح:

”لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ فِي ذَاكَ“ (الرسالة إلى أفسس10:1).

ب. حديث بولس الرسول عن السر المكتوم منذ الدهور:

”وَأُنِيرَ الْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ“ (الرسالة إلى أفسس9:3)

جـ. حديث بولس الرسول عن سر حكمة الله المكتومة:

”بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ، الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا“ (الرسالة الأولى إلى كورنثوس7:2)

د. حديث بولس الرسول عن السر المكتوم منذ الدهور:

”السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ، لكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ“ (الرسالة إلى كولوسى ١: ٢٦)

جميع هذه كانت إشارات كتابية واضحة إلى أزلية وحتمية سر التجسد، ولكن يدّعي البعض أن هذا التدبير الإلهي كان من أجل علاج نتائج سقوط الإنسان أي مشروط بسقوط الإنسان، بمعنى لو لم يسقط الإنسان في التعدي، كان لن يحدث سر التجسد. وهنا نتساءل كيف يكون تدبير أزلي حتمي، ويكون مشروطًا في نفس الوقت بالسقوط؟

2- الحجة الثانية (حجة التأله):

ما دام التأله هو غاية التجسد سواء قبل السقوط أو بعد السقوط كما علّم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، وكما سنرى في هذا المقال، فما المشكلة في حدوث التجسد غير المشروط قبل السقوط، طالما التأله هو الهدف المشترك سواء قبل أو بعد السقوط.

نستعرض الآن معًا أحبائي الحجة الثانية من الحجج الثلاثة التي وضعناها للتجسد غير المشروط، وهي التأله غاية التجسد كالتالي:

نبدأ أولاً بتأكيد العلامة ترتليان على أن غاية خلق الإنسان هي التأله، حيث يقول:

”أنظروا آدم سيصبح واحدًا منا (تك٣: ٢٢)، أي أن ذلك سيكون بعد آخذ الإنسانية إلى قلب الألوهية في المستقبل“. [1]

وهذا هو ما يؤكده أيضًا ق. غريغوريوس اللاهوتي عن انتقال الإنسان الأول قبل السقوط إلى عالم آخر في نهاية المطاف، ليصير إلهًا بشوقه لله، حيث يقول عن الإنسان التالي:

”كائن حي يقيم في الأرض، ولكنه ينتقل إلى عالم آخر، وفي نهاية المطاف، يصير إلهًا بشوقه إلى الله“. [2]

وهكذا وضعنا القاعدة الأساسية بأن غاية الإنسان كانت قبل السقوط هي التأله، نبحث الآن الوسيلة التي أعلنها الله في الكتاب المقدس والتقليد لتحقيق هذا التأله وهي التجسد، لأن التأله هو غاية التجسد.

نبدأ من عند ق. أثناسيوس حيث يؤكد على أن غاية التأنس والتجسد هي التأله في عبارته الشهيرة التي تقف حجرة عثرة أمام كثيرين، مستخدِمًا الصيغة التبادلية كالتالي:

”لقد صار إنسانًا لكي يؤلهنا“. [3]

كما يؤكد في موضع آخر ويربط بين التأله والخلاص كغايتين للتجسد، فالخلاص هو التأله والتأله هو الخلاص عند ق. أثناسيوس المعروف بأنه ”لاهوتي التأله“ كالتالي:

”لقد صار مثل هذا الاتحاد، لكي يصير ما هو بشري بحسب الطبيعة متحدًا بالذي له طبيعة اللاهوت، فيصير خلاصه وتألهه مضمونًا“ [4]

كما يردّد ق. كيرلس السكندري نفس كلمات ق. أثناسيوس قائلاً بأن غاية التجسد هي التأله كالتالي:

”لذا فقد صار مثلنا أي إنسانًا، لكي نصير مثله أعني آلهة وأبناء“. [5]

ويردد ق. أوغسطينوس معهما نفس الكلام قائلاً:

”لأن هذا الاتخاذ (أي التجسد) قد جعل الله إنسانًا، والإنسان إلهًا“. [6]

كما يؤكد ق. غريغوريوس اللاهوتي على نفس كلام الآباء السابقين أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان قائلاً:

”والإنسان الأرضي الذي اتحد بالجسد بوساطة روح، صار إلهًا عند ما امتزج بالله، وصار واحدًا يغلب فيه الأفضل والأرفع، وبذلك أصبح أنا إلهًا بقدر ما أصبح هو إنسانًا“. [7]

ويقول أيضًا ق. غريغوريوس في موضع آخر في نفس السياق:

”هلم لنصير مثل المسيح، حيث أن المسيح صار مثلنا؛ هلم نصير آلهةً من أجله، لأنه صار إنسانًا لأجلنا“. [8]

كذلك يؤكد ق. غريغوريوس النيسي على أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان كالتالي:

”وبما أن هذا الجسد الذي صار وعاء للألوهة، قد نال ذلك أيضًا لكي يستمر في الحفاظ على وجوده، كما أن الله الذي أظهر ذاته، قد مزج نفسه بطبيعتنا المائتة حتى بهذه الشركة مع اللاهوت، يتيسر للبشرية أن تصير مؤلهةً في نفس الوقت“. [9]

 كما يسير ق. هيلاري أسقف بواتييه الملقب بـ ”أثناسيوس الغرب“ على نفس النهج في أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان كالتالي:

”لأن الله قد جاء في الإنسان، ليصبح الإنسان بدوره إلهًا“. [10]

كما يؤكد ق. هيلاري في نفس السياق على الحقيقة السابقة قائلاً في موضع آخر:

”فإنه حينما وُلد الله ليكون إنسانًا، لم يكن الغرض هو فقدان الألوهية، بل ببقاء الألوهية، يجب على الإنسان“ [11]

ومن هنا يتضح أحبائي من خلال أقوال معلمي البيعة المقدسة شرقًا وغربًا أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان سواء قبل السقوط أو بعده، وبالتالي، كان التجسد سيحدث حتى لو لم يخطئ آدم، لكي يؤله الله الإنسان باتحاده به في التجسد ليهبه الخلود والحياة الأبدية أي حياة الله، لأنه يجعلني اشترك فيها معه باتحادي به في المسيح الكلمة المتجسد، ولا يوجد وسيلة أخرى أعلنها الله من أجل تحقيق ذلك سوى التجسد الإلهي.

3- الحجة الثالثة (حجة الخلود):

 ما دام الإنسان مخلوق من أجل الخلود والحياة الأبدية قبل السقوط، كيف كان يمكن أن يصير خالدًا بدون اتحاد الإلهي بالإنساني في التجسد؟ هل هناك وسيلة أخرى للخلود في ضوء الإعلان الإلهي غير التجسد؟ وإن كان يوجد آتوني بها، حيث أنه لا يمكن الخلود بدون التجسد والتأله؟ ولا توجد وسيلة أخرى غير التجسد غير المشروط.

 سوف أبحث في نقطة متعلقة بغاية التجسد الإلهي وهي الخلود الإنساني، وذلك من خلال تعريف آباء الكنيسة لماهية الخلود وارتباطه بالتجسد والاتحاد بين الإلهي والإنساني الذي تم في التجسد ليهب الخلود للإنسان، ولكننا سنتحدث عن ماهية الخلود قبل السقوط، لنعرف هل كان الإنسان خالدًا بطبيعته أم لا؟

 يتحدث تاتيانوس السوري وهو من الكنسية الأنطاكية السريانية وصاحب كتاب الدياطوسرون أو الإنجيل الرباعي، عن ماهية الخلود مخاطبًا الوثنيين في عصره كالتالي:

”إن النفس، أيها الوثنيون، ليست خالدة بحد ذاتها (أي بطبيعتها)، وإنما مائتة“. [12]

 كما يتحدث ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي في نفس السياق عن أن الحياة الأبدية والخلود هما عطيتان إلهيتان، وأنهما ليسا أصليين في النفس الإنسانية، بل يمنحهما الله بالشركة معه، قائلاً:

”ولكن كما أن الجسد الحيواني ليس هو النفس، بل له شركة معه طوال الفترة التي يريدها الله، هكذا أيضًا فإن النفس ليست هي الحياة، بل هي تشترك في تلك الحياة الممنوحة لها من الله.

لذلك أيضًا تعلن الكلمة النبوية عن الإنسان الذي خُلق أولاً أنه (صار نفسًا حية) معلمةً إيانا أن النفس باشتراكها في الحياة صارت حية، حتى أن النفس والحياة التي تملكها ينبغي أن نفهمهما أنهما وجودان منفصلان، لذلك حينما يمنح الله الحياة والوجود الدائم، فإنه حتى النفوس التي لم تكن موجودة قبلاً، ستصير منذ ذلك الوقت مستمرة إلى الأبد، حيث أن الله قد أراد أن توجد، وأنها يجب أن تستمر في الوجود، لأن إرادة الله يجب أن تقود وتحكم في كل شيء“. [13]

ثم يتحدث عن غاية الله من خلق الإنسان وهي تأليه الإنسان بالنعمة، وأنه كان سينال ذلك بعد وقت طويل من خلقته، وليس أنه خُلِق متألهًا وخالدًا، بل كان مجرد بشر ثم يتدرج بعد وقت ليصير إلهًا كالتالي:

”لأن هذه الحيوانات العجماوات، لا تتهم خالقها لأنهم لم يُخلقوا بشرًا، بل كل منها بحسب ما خُلق يقدم الشكر لأنه قد خُلق. حيث أننا نحن نوجه اللوم لله، لأننا لم نُخلق آلهة من البداية، ولكن خُلقنا أولاً مجرد بشر، ثم بعد وقت طويل آلهةً“. [14]

ونرى نفس الشيء عند ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي وهو أحد آباء كنيسة أنطاكية، حيث يتحدث عن خلق الله للإنسان في حالة متوسطة بين الفناء والخلود، وينبغي عليه أن يسلك بحكمة حسب الوصية ليصير خالدًا وإلهيًا كالتالي:

”لكن قد يقول أحدهم لنا: هل خُلق الإنسان فانيًا بالطبيعة؟ لا على الإطلاق. هل خُلق الإنسان إذًا خالدًا؟ ولا نقول هذا أيضًا. ولكن سيقول أحدهم: هل خُلق إذًا كلا شيء على الإطلاق؟ نحن لا نقول هذا أيضًا. في واقع الأمر، لم يكن الإنسان فانيًا أو خالدًا بالطبيعة.

لأنه لو خلقه الله خالدًا من البداية، لكان جعله إلهًا. مرةً أخرى، لو خلقه فانيًا، كان سيبدو أن الله مسئول عن موته. لذا لم يخلقه الله خالدًا أو فانيًا. لكن كما قلنا في السابق، قادرًا على كليهما. فإن توجه إلى حياة الخلود بحفظه وصايا الله، ربح الخلود كمكافأة منه وصار إلهيًا. ولكن إن توجه إلى أعمال الموت عاصيًا الله، صار مسئولاً عن موته“. [15]

 كما نرى ق. يوستينوس الشهيد يقول نفس الشيء عن ماهية الخلود، حيث يرى أن الله هو الوحيد غير المولود وغير قابل للفساد، أما كل ما عداه هو مخلوق وقابل للفساد*، وخاصة النفس الإنسانية كالتالي:

”لأنه إذا كان الكون مخلوقًا فالنفس أيضًا بالضرورة تكون مخلوقة. وقد كان وقت لم تكن الأنفس موجودة فيه، لأنها خُلقت لأجل الإنسان والكائنات الحية الأخرى، حتى إذا ادّعيت أنت أنها خُلقت على حدة وليس مع أجسادها. قلت: أعتقد أنك على حق. النفس إذًا ليست خالدة. قال: لا ليست خالدة، بما أن العالم نفسه قد خُلق […]

لأن الله كائن سرمدي، أما كل ما عداه مما يوجد أو سيوجد فله طبيعة قابلة للفساد، وبالتالي معرضة للاضمحلال التام، لأن الله هو وحده غير المولود، وغير قابل للفساد، ولهذا السبب هو الله، وكل ما عداه هو مخلوق وقابل للفساد. لهذا أيضًا تموت النفس وتُعاقب، لأنها لو كانت غير مخلوقة (أي إلهية أو خالدة)، لما أخطأت أو صارت في مثل هذه الحماقة“. [16]

يتفق معهما الفيلسوف المسيحي أثيناغوراس الأثيني، والذي يُقال إنه كان أحد مديري مدرسة الإسكندرية اللاهوتية في عصره، حيث يتحدث أن الإنسان ليس خالدًا بطبيعته، وأن الخلود كان سيُمنح له لو عاش بالشريعة والعدالة كالتالي:

”ولذلك فإن كان الإنسان قد خُلق لا بدون سبب ولا هباءً (إذ ليس أي من أعمال الله هباءً، على الأقل على حد علم غاية صانعهم)، ولا لمنفعة الصانع، أو أي من الأعمال الخارجة عنه، فمن الواضح بحسب الرؤية الأولى والأشمل للموضوع، أنه على الرغم من أن الله جبل الإنسان لنفسه وخلقه في سعي للخير والحكمة المتجلين في الخليقة، إلا أنه بحسب الرؤية المتلامسة مع الكائنات المخلوقة بشكل أقرب، فهو جبلهم لأجل حياة تلك المخلوقات […]

لكن هؤلاء الحاملين في أنفسهم صورة الخالق ذاته، والمزودة بعقل، ومباركة بتفكير عقلاني، فقد عيّن الخالق لها وجودًا أبديًا، ذلك لكي يتعرفوا على صانعهم، وقوته، وقدرته، مُرشَدين بالشريعة والعدالة، لعلهم يتخطون وجودهم كله بلا معاناة حائزين تلك الصفات التي بها قد عاشوا بشجاعة حياتهم السابقة، على الرغم من أنهم عاشوا في أجساد مادية وقابلة للفساد“. [17]

ونرى مما سبق أن هذا الكلام لا يختلف مع كلام ق. أثناسيوس من أن الإنسان لو حفظ الوصية والنعمة في الفردوس كان سينال وعد الله له بالخلود في السماء، فالإنسان لم يُخلق خالدًا، بل خُلق في مسيرة نمو وتقدم نحو الخلود والتأله…

كما قال الآباء السالف ذكرهم، وهذا أيضًا ما ذكره ق. غريغوريوس اللاهوتي في عظته الفصحية الثانية عن أن الإنسان كان مدعو ليصير إلهًا وينتقل لعالم آخر، وكيف كان سيحدث هذا الخلود، سوى باتحاد الإلهي مع الإنساني في التجسد، ليؤله الإنسان مانحًا إياه الخلود، وهذا هو ببساطة تعليم التجسد غير المشروط، فنرى ق. أثناسيوس يقول التالي:

”ولكن لعلمه أيضًا أن إرادة البشر يمكن أن تميل إلى أحد الاتجاهين (الخير أو الشر) سبق فأمّن النعمة المعطاة لهم بوصية ومكان، فأدخلهم في فردوسه وأعطاهم وصية حتى إذا حفظوا النعمة واستمروا صالحين، عاشوا في الفردوس بغير حزن ولا ألم ولا هم بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء“. [18]

ويعلق الأب يوحنا زيزيولاس (لاهوتي أرثوذكسي) ملخصًا ماهية الخلود وعلاقته بالتجسد غير المشروط بالسقوط، والاتحاد بالله لنوال التأله، حيث يقول التالي:

”لم يقصد الله تلك العرقلة (أي السقوط)، ولكنه لم يتجاهلها أيضًا. فبالرغم من تعطل خطته وتدبيره، ولكن ظل قصد الله لم يتغير. وأخذ منحى جديد للتعامل مع الموقف المتغير. وهذا هو منطق ق. أثناسيوس الذي عرضه في كتابه “تجسد الكلمة”. أننا لازالنا نتحدث عن التجسد حتى من دون سقوط آدم، ولكن حدد سقوط آدم الشكل الذي كان يتحتم على التجسد اتخاذه.

لو لم يسقط، فكان سيحضر آدم كل الخليقة في النهاية إلى هذا الاتحاد بالله في شخصه. وكان سيتمكن هذا الاتحاد من التغلب على حدود الكينونة المخلوقة المتمثلة في الموت: لقد قصد الخريستولوجي ببساطة تحويل الإنسان ليكون مسيحًا بممارسته حريته على نحو ثابت، فمثل المسيح، كان الإنسان سيجعل عدم خضوع الوجود العالمي فيما بعد لقيود الكيان المخلوق والتحلل والموت“. [19]

تعليم التجسد غير المشروط عند ق. أثناسيوس

نبحث أيضًا في تعليم القديس أثناسيوس الرسولي، عمود الأرثوذكسية في عقيدة تجسد الكلمة، ونستجلي حقيقة تعليم القديس أثناسيوس بالتجسد غير المشروط، أي أن الكلمة كان سيتجسد ويصير إنسانًا، حتى لو لم يسقط آدم في العصيان والتعدي، ذلك لأن التجسد الإلهي بالنسبة للقديس أثناسيوس هو تكميل وتتميم لعملية خلق الإنسان من العدم، وغاية التجسد بالنسبة للقديس أثناسيوس هي تأليه الإنسان.

 يؤكد ق. أثناسيوس على ضرورة التجسد لتكميل الخليقة كالتالي:

”إن الأعمال التي يتحدث عنها هنا أن الآب قد أعطاها له ليكملها، هي تلك التي خُلق من أجلها كما يقول في الأمثال: الرب خلقني أول طرقه لأجل أعماله“. [20]

يؤكد ق. أثناسيوس على حتمية وضرورة التجسد للاتحاد بالله كالتالي:

”هذا لأن كلمة الله الذاتي عينه، الذي من الآب، قد لبس الجسد وصار إنسانًا، لأنه لو كان مخلوقًا ثم صار إنسانًا، فإن الإنسان يبقى كما كان دون أن يتحد بالله“. [21]

كما يؤكد ق. أثناسيوس على حقيقة خطيرة جدًا أن تجسد الكلمة كان لأجل خلاصنا وتأليهنا، مؤكدًا على حقيقة أن تأليه الإنسان هو الخلاص والعكس صحيح كالتالي:

”هكذا لم يكن للإنسان أن يُؤله، لو لم يكن الكلمة هو ابن طبيعي حقيقي وذاتي من الآب. لهذا إذًا، صار الاتحاد هكذا: أن يتحد ما هو بشري بالطبيعة بهذا الذي له طبيعة الألوهة، ويصير خلاص الإنسان وتأليهه مؤكدًا“. [22]

كما يؤكد ق. أثناسيوس على أزلية إرادة التجسد الإلهي عند الله، وليس بسبب سقوط الإنسان تفاجأ الله فدبر التجسد، أو دبر التجسد أزليًا وأنتظر سقوط الإنسان، أو دبر التجسد أزليًا وكان سيتراجع عنه لو لم يخطئ الإنسان، فالتجسد تدبير أزلي حتمي من أجل تكميل الخلق واستمرار الخليقة كالتالي:

”كما أن تجديد خلاصنا قد تأسس في المسيح قبلنا، لكي يمكن إعادة خلقتنا من جديد فيه، فالإرادة والتخطيط قد أُعِد منذ الأزل، أما العمل فقد تحقق عندما استدعت الحاجة وجاء المخلص إلى العالم“. [23]

كما يؤكد ق. أثناسيوس على حقيقة التجسد غير المشروط، لأن حالة الإنسان في الجنة قبل العصيان، كان يلزمها تجسد الكلمة واتحاده بالجسد لكيلا تصير النعمة من الخارج، بل متحدة بالجسد من الداخل كالتالي:

”ولو أن الله قال كلمة واحدة -بسبب قدرته- وأبطل بها اللعنة، لظهرت قوة الذي أعطى الأمر، ولكن الإنسان كان سيظل كما كان آدم قبل العصيان، لأنه كان سيحصل على النعمة من الخارج دون أن تكون متحدة مع الجسد (فهذه كانت الحالة عندما وُضِع في الجنة)، بل ربما صارت حالته الآن أسوأ مما كان في الجنة بسبب أنه قد تعلّم كيف يعصي“[24]

ويشرح ق. أثناسيوس ويؤكد على حقيقة التجسد غير المشروط من أجل ضمان النعمة وعدم ضياعها أو فقدانها مثلما أخذ آدم وفقد النعمة كالتالي:

”فهو رغم أنه ليس محتاجًا إلا أنه يُقال عنه إن ما أخذه، قد أخذه إنسانيًا، وأيضًا لكي تبقى هذه النعمة مضمونة ما دام الرب نفسه قد أخذ، لأن الإنسان المجرد حينما يأخذ، فهو معرض لأن يفقد أيضًا كما ظهر في حالة (آدم)، لأنه أخذ وفقد. ولكن لكي تبقى النعمة غير متغيرة وغير قابلة للضياع وتظل محفوظة للبشر بشكل أكيد، لذلك فهو يمتلك العطية لنفسه، ولهذا يقول إنه أخذ سلطانًا كإنسان، وهو السلطان الذي كان له دائمُا كإله“. [25]

يؤكد عالم الآبائيات المعروف جوهانس كواستن (لاهوتي كاثوليكي) على أن أساس التعليم اللاهوتي للقديس أثناسيوس المتعلق بعقيدة الفداء والخلاص يرتبط بالتأله كالتالي:

”إن أساس ما كان يدافع عنه ق. أثناسيوس فيما يخص اللوغوس هو عقيدة الفداء والعبارات التالية تعبر عن التعليم اللاهوتي للقديس أثناسيوس: «لقد صار (كلمة الله) إنسانًا لكي ما يؤلهنا θεοποιηθώμεν […]» (تجسد الكلمة: ٥٤) […] لذلك يستدل ق. أثناسيوس على ضرورة تجسد الكلمة وموته من مشيئة الله لفداء البشر، فلم يكن ممكنًا أن نحصل على الفداء، إذا لم يكن الله نفسه قد صار إنسانًا، وإذا لم يكن المسيح هو الله، ولذا فإن اللوغوس باتخاذه الطبيعة البشرية، قد آلّه البشر، وقد غلب الموت ليس من أجل نفسه، بل من أجلنا كلنا“. [26]

كما يستفيض أكثر عالم الآبائيات المعروف توماس تورانس (لاهوتي بروتستانتي) في التأكيد على حقيقة التعليم بالتجسد غير المشروط عند القديس أثناسيوس، وارتباطه بتكميل عقيدة الخلق من العدم عند الآباء، حيث يقول:

”لقد لعبت عقيدة التجسد دورًا إضافيًا في عقيدة (الخلق من العدم) عند الآباء، إذ كشفت أن العالم كان في وضع غير مستقر وغير ثابت تمامًا، مما استدعى من الله الابن أن يوحده بذاته لكي يحفظه وينقذه […] وهكذا بالنظر إلى التجسد بهذه الطريقة، فإنه ينبغي أن يُفهم على أنه (أي التجسد) يكمل عمل الخلق ويتمم علاقة الخليقة (الاعتمادية) بالله، إذًا، فبصورة ما يجب اعتبار أن الخليقة من البداية كانت متوقفة على (أو مشروطة بـ) التجسد“.[27]

وبالتالي، يؤكد البروفيسور توماس تورانس على أن التعليم بالتجسد غير المشروط هو تعليم أصيل عند ق. أثناسيوس.

كما يتحدث بروفيسور جوستاف أولين (لاهوتي لوثري بروتستانتي) أيضًا عن تعليم التجسد غير المشروط عند ق. أثناسيوس كالتالي:

”لذلك يتساءل [أثناسيوس] في موضع ما (تجسد الكلمة: ٧) هل كان من الممكن أن يتخذ الله طريق آخر غير طريق التجسد، ويجيب [أثناسيوس] أنه من أجل الحصول على الخلاص، كان من الممكن أن يكفي جدًا أن يتوب الإنسان، إن كانت المشكلة الوحيدة هي مشكلة الخطية، وليس مشكلة الفساد والموت كنتيجة للخطية، ولكن بما أنه عن طريق الخطية، قد فقد البشر الصورة الإلهية، وصاروا خاضعين للموت، فلهذا السبب، كان ينبغي على الكلمة أن يأتي ويخلصهم من سلطان الفساد.

يبدو أنه من مثل هذه الفقرات أن الحاجة إلى مجيء المسيح وعمله الفدائي قد نشأت بشكل خاص وحصريّ من نتائج الخطية، وليست من الخطية نفسها، وبالتالي، كان عمل المسيح له فقط علاقة غير مباشرة بالخطية. أما مثل هذا التفسير لم يكن فقط سواء لأثناسيوس، أو للآباء اليونانيين الآخرين. حيث لم يعتبر ق. أثناسيوس الخطية في الحقيقة هي السبب بشكل مجرّد للفساد، الذي أحتاج البشر الخلاص منه، بل لأنهم متجانسون ومتطابقون معه.

وربما يمكن القول بأن عمل المسيح له علاقة مباشرة بالخطية، بحيث أنه جاء لكي ما يحطّم سلطان الخطية على الحياة البشرية. لقد جاء «لكي ما يحرر الجميع من الخطية ولعنة الخطية، ولكي ما يحيا الجميع في الحق إلى الأبد أحرارًا من الموت، وليلبسوا عدم الفساد وعدم الموت» [ضد الآريوسيين ٢: ٦٩]، ويمكن القول حقًا أن غفران الخطايا لم يتم التأكيد عليه بنفس القوة كما بواسطة المصلحين، فلم يتعمق اللاهوتيون اليونانيون مثل لوثر في ذلك.

ولكن لا يبرر هذا الزعم بأن فكرة الخطية تأخذ مرتبة أدنى فقط، حيث أن مفهومه [أي أثناسيوس] عن الخلاص هو ببساطة «مادي» و «طبيعي»، وهبة عدم الموت في الطبيعة البشرية هي من خلال طبيعة المسيح اللاهوتية“. [28]

يوضح البروفيسور لورانس جرينستيد (لاهوتي بروتستانتي) التقارب بين تعليم أثناسيوس بالتجسد غير المشروط وبين تعليم جون دانس سكوتس اللاهوتي اللاتيني عن نفس الموضوع، حيث يقول التالي:

”يبدأ الاختلاف بين النظامين (أي الأكويني والسكوتي) من رأيهما عن التجسد، حيث يجادل سكوتس ضد أي صلة بين التجسد وسقوط الإنسان. حيث الرأي القديم للآباء اللاتين أن المسيح أخذ ناسوتًا، لكي ما يسدّد دين الإنسان (أي التعليم اللاتيني الغربي)، فهو (دانس سكوتس) هنا يعطي مكانًا للرأي الذي يشبه كثيرًا جدًا رأي بعض الآباء اليونانيين الأوائل..

وبشكل دقيق رأي ق. أثناسيوس. ولكنه بالرغم من ذلك، لم يكن سكوتس مستيكيًا بالكفاية ليجعل رأيه الخاص هو المفهوم اليوناني للاتحاد الأبدي بين الكلمة وخليقته. ولكن بالنسبة له أيضًا، التجسد هو حقيقة أزلية. على كل حال، كان ينبغي أن يأتي [الكلمة] ليكون الرأس الثاني للجنس البشري. حيث سبق تعيين واختيار طبيعته البشرية منذ كل الأزل، وكانت بشكل ما سابقة على السقوط“. [29]

كما يؤكد البروفيسور هستنجس راشدال (لاهوتي بروتستانتي) على تعليم القديس أثناسيوس بعقيدة التجسد غير المشروط من أجل إعطاء الإنسان هبة عدم الفساد وعدم الموت كالتالي:

”يحاول ق. أثناسيوس أن يبين أن القابلية للفساد ليست عقوبة جزائية فرضها الله، بل هي نتيجة طبيعية وحتمية للخطية. لم يكن الإنسان بالطبيعة غير قابل للفساد أو غير قابل للموت، بل كان جسده، وكما يبدو بوضوح حتى نفسه العاقلة، قابلين للموت بالطبيعة. ولكن خُلق الإنسان فقط بين الحيوانات على «صورة الله»، وينبغي القول بأنه هو الوحيد الممنوح هبة العقل، التي تحمل معها فرصة الفوز بعدم الفساد من خلال الفعل الحر بحسب العقل، وكانت هذه الهبة بسبب الشركة مع اللوغوس (تجسد الكلمة ٣: ٣)“. [30]

ويعلق راشدال على الفقرة السابقة في حاشية رقم(3) قائلاً:

”يبدو أن الفقرات التالية تفترض أن أثناسيوس ظن أنه بعد السقوط، توقف الإنسان بالفعل عن أن يكون خالدًا، وأن نفوس البشر ماتت مع أجسادها، وظلت مائتة حتى أعاد عمل المسيح عدم الموت (الخلود) إلى النفس والجسد على حد السواء، بينما لا يدعم أثناسيوس (مثل أوغسطينوس) إنه لن يكون هناك موت جسدي إلا بسبب السقوط (تجسد الكلمة ٣: ٤)“. [31]

يؤكد البروفيسور راشدال في الحاشية السابقة على أن ق. أثناسيوس يختلف في تعليمه عن ق. أوغسطينوس، حيث يعلم الأخير بأنه لا يوجد أي موت سواء جسدي أو روحي قبل السقوط، وأن الموت الجسدي والروحي بسبب السقوط، بينما يعلم ق. أثناسيوس أن الموت الجسدي كان موجود قبل السقوط، طالما أخذ الإنسان جسد متغير طبيعي يأكل ويشرب وينمو ويتكاثر ويثمر، فهو بالتالي قابل للفساد الطبيعي، وبالتالي قابل للموت الطبيعي (البيولوجي الإكلينيكي)، وإلا كان جسد غير طبيعي أو فوق الطبيعي..

وهذا لا يتفق مع كونه خاضعًا للاحتياجات البشرية العادية، وقابل للموت البيولوجي الطبيعي، حيث يؤكد أثناسيوس والآباء السابقين واللاحقين له أن الإنسان لم يكن خالد بالطبيعة، بل كان سيُعطى نعمة الخلود وعدم الموت باتحاد الكلمة به لكي يهبه الحياة الأبدية وعدم الموت.

يقول توماس تورانس في نفس السياق عن التجسد غير المشروط عند ق. أثناسيوس التالي:

”وكانت عملية استعادة وتجديد الخليقة هي السبب وراء تجسد كلمة الله وابنه الأزلي، الذي بأخذه طبيعتنا الضعيفة «العرضية الاعتمادية» لنفسه -وهو الأصل والمصدر الواحد لكل الكائنات المخلوقة- فإنه نقل أصلنا إلى ذاته لكي يحفظ وجودنا من الفناء والعدم (قانون الموت)، وفي نفس الوقت أخذ لنفسه طبيعتنا المنحرفة والفاسدة بما في ذلك لعنة الخطية حتى يفدينا من (حكم الموت) ويجدد كياننا في ذاته […] إذًا بصورة ما، يجب اعتبار أن الخليقة من البداية كانت متوقفة و مشروطة بالتجسد“. [32]

يفرق توماس تورانس هنا بين أمرين:

  1. قانون الموت؛ أي أننا مخلوقون من العدم وإننا نؤول إلى العدم والفناء بحسب طبيعتنا العرضية الاعتمادية؛ التي تعتمد على الحياة المأخوذة من الله، وبدون الله نصير عدمًا كما كنا قبل الخلق، وآدم حتى وهو في الفردوس كان معرضًا لهذا الموت الطبيعي بحسب القانون الطبيعي لطبيعته العدمية.

  2. حُكم الموت أي ”يوم أن تأكل منها موتًا تموت“؛ وهنا المقصود هو رفض معية الله والإبحار في الله، وأستبدل الإنسان ذلك بالإبحار في ذاته بعيدًا عن معية وشركة الله، فأوقع نفسه بإرادته تحت حكم الموت؛ كما قال ق. غريغوريوس اللاهوتي: ”أنا اجتذبت لي قضية الموت“.

يشرح القديس أثناسيوس هذه المسألة في واحدة من أهم فقرات كتاب ”تجسد الكلمة“، فيقول:

”الله صالح، بل هو بالحري مصدر الصلاح. والصالح لا يمكن أن يبخل بأي شيء وهو لا يحسد أحدًا حتى على الوجود. ولذلك خلق كل الأشياء من العدم بكلمته يسوع المسيح ربنا، وبنوع خاص تحنن على جنس البشر.

ولأنه رأى عدم قدرة الإنسان أن يبقى دائمًا على الحالة التي خُلق فيها، أعطاه نعمة إضافية، فلم يكتف بخلق البشر مثل باقي الكائنات غير العاقلة على الأرض، بل خلقهم على صورته، وأعطاهم شركة في قوة كلمته حتى يستطيعوا بطريقة ما -ولهم بعض من (ظل الكلمة) وقد صاروا عقلاء- أن يبقوا في سعادة ويحيوا الحياة الحقيقية، حياة القديسين في الفردوس“. [33]

يؤكد ق. أثناسيوس هنا على عدة أمور:

  1. خلقة الإنسان من العدم بواسطة اللوغوس أي يسوع المسيح ربنا.
  2. أعطى الله الإنسان نعمة إضافية وليس كما خلق الحيوانات العجماوات، بل خلقه على صورته في البر والقداسة والحكمة وإلخ.
  3. أعطاه شركة في قوة الكلمة، وأسماها أيضًا ظل الكلمة، وأسماها أيضًا بذرة اللوغوسΣπερματικός λόγος في كتابه ”ضد الوثنيين“، حيث يقول:

”لا أقصد باللوغوس (الأقنوم) تلك القوة الغريزية المودعة في كل الأشياء المخلوقة -التي أعتاد البعض أن يدعوها ببذرة الكلمة- والعديمة النفس والتي لا تملك المنطق والتفكير، لكنها تعمل من الظاهر حسب فطنة مَن يستخدمها“. [34]

٤.لو حفظ هذه النعمة الإضافية سيبقى في سعادة وحياة حقيقية وحياة القديسين في الفردوس، كلها مرادفات لمفهوم الشركة والمعية مع الله في الفردوس.

ثم يكمّل ق. أثناسيوس قائلاً:

”ولكن لعلمه إن إرادة البشر يمكن أن تميل إلى أحد الاتجاهين (الخير أو الشر). سبق فأمّن النعمة المعطاة لهم بوصية ومكان، فأدخلهم في فردوسه وأعطاهم وصية حتى إذا حفظوا النعمة واستمروا صالحين عاشوا في الفردوس بدون حزن أو ألم أو هّم، بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء“. [35]

ويؤكد ق. أثناسيوس هنا أيضًا على عدة أمور:

  1. حرية الإرادة الإنسانية في اختيار الخير أي اختيار المعية والشركة الإلهية أو الشر الانفصال عن الله.
  2. تأمين النعمة السابقة المعطاة لهم (قوة /ظل/بذرة اللوغوس) بوصية ومكان.
  3. لو حافظوا على النعمة يستمرون صالحين في الفردوس بدون نتائج السقوط والعصيان (الحزن والألم والهم؛ وهي آلام نفسية صعبة أختبرها الإنسان بعد السقوط، لم تكن من قبل في طبيعته).
  4. ويشير ق. أثناسيوس هنا لنقطة محورية وهي ”الوعد بالخلود في السماء“، هل لو كان الإنسان مخلوق خالد بطبيعته هل يسمي ق. أثناسيوس هذا ”وعدًا“ أم يسميه حقيقة أصيلة في طبيعة الإنسان؟ ولكنه يسميه وعدًا؛ والوعد هو ما سيتحقق في المستقبل وليس في الحاضر، مما يؤكد أن الإنسان لم يكن خالدًا في الفردوس، بل كان مُعرضًا لقانون الموت الطبيعي؛ كما أسماه توماس تورانس في الفقرة أعلاه.

ثم يكمّل ق. أثناسيوس في نفس السياق قائلاً:

”أما إذا تعدوا الوصية وارتدوا (عن الخير) وصاروا أشرارًا فليعلموا أنهم سيجلبون الموت على أنفسهم بحسب طبيعتهم ولن يحيوا بعد في الفردوس، بل يموتون خارجًا عنه ويبقون إلى الأبد في الفساد والموت“. [36]

ويفرق ق. أثناسيوس هنا بين نوعين من الموت وهما:

يكمل ق. أثناسيوس أيضًا في نفس السياق قائلاً:

”وهذا ما سبق وحذرنا منه الكتاب المقدس بفم الله قائلاً ” من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت” و” موتًا تموت” لا تعني بالقطع مجرد الموت فقط، بل البقاء في فساد الموت إلى الأبد“. [37]

ويفرق ق. أثناسيوس هنا أيضًا بين نوعين من الموت هما:

  1. الأول اسماه ”الموت فقط“ وهو قانون الموت الطبيعي مما يؤكد موت الإنسان الأول في الفردوس بسبب طبيعته العدمية العرضية الاعتمادية.
  2. الثاني اسماه ”البقاء في الموت إلى الأبد“ وهو حكم الموت الأبدي بالانفصال عن الله بتعدي الإنسان وعصيانه.

أخيرًا، يؤكد ق. أثناسيوس على حتمية التجسد غير المشروط بعصيان وخطية آدم -والذي قال عنه تورانس: ”أن الخليقة من البداية متوقفة على أو مشروطة بالتجسد“- في قوله:

”ولو أن الله قال كلمة واحدة -بسبب قدرته- وأبطل اللعنة، لظهرت قوة الذي أعطى الأمر ولكن الإنسان كان سيظل كما كان قبل العصيان لأنه سيحصل على النعمة من الخارج دون أن تكون متحدة مع الجسد (فهذه كانت الحالة عندما وضِع في الجنة) بل ربما صارت حالته الآن أسوأ مما كان في الجنة بسبب أنه قد تعلم كيف يعصي.

فلو كانت حالته هكذا وأغوي مرة أخرى بواسطة الحية لصارت هناك حاجة أخرى أن يأمر الله ويبطل اللعنة وهكذا تستمر الحاجة إلى ما لانهاية. وتظل البشر تحت الذنب بسبب استعبادهم للخطية إذ هم يقترفون الآثم. ولظلوا على الدوام لمَن يعفو عنهم ولما خلصوا قط. ولكونهم أجسادًا بحسب طبيعتهم فإنهم يظلون مقهورين دائمًا بالناموس بسبب ضعف الجسد“. [38]

ويؤكد ق. أثناسيوس هنا على قانون الموت الطبيعي الذي خُلِق الإنسان به في الفردوس، حيث كانت له وهو في الجنة نعمة خارجية (ظل اللوغوس أو بذرة اللوغوس أو قوة اللوغوس)، ولكنه كان محتاجًا للتجسد الإلهي ليعطيه النعمة داخليًا ويتحد بها، وإنه كان سيموت بحسب القانون الطبيعي (قانون الموت) حتى لو لم يخطأ، ولم يأكل من الشجرة، ويتعدى على الوصية (حكم الموت)، وهكذا بتجسد الكلمة أزال كل من قانون الموت، وحكم الموت عن البشرية كلها في جسده، وضفَّر نعمة الحياة الأبدية والخلود والتأله بالنعمة بطبيعة جسدنا..

وهكذا نلنا الشركة الأبدية مع الله في الكلمة المتجسد.

تعليم التجسد الإلهي عند القديس غريغوريوس اللاهوتي

نستكمل حديثنا عن تعليم التجسد عند آباء الكنيسة الجامعة، وبالخصوص عند ق. غريغوريوس اللاهوتي.

أولاً، سأستعرض حديث ق. غريغوريوس اللاهوتي عن مصير الإنسان قبل السقوط، حيث يرى أن الإنسان كان مصيره هو الانتقال إلى عالم آخر، لكي ما يصير إلهًا بشوقه إلى الله، ويتحدث عن النور الإلهي الحقيقي الظاهر لنا على الأرض ليقودنا لاختبار بهاء الله، حيث يقول التالي:

”هو نفسه روح وجسد: روح بسبب النعمة، وجسد لكي يستطيع أن يسمو به.

بالروح ليحيا ويمجد الله المحسن إليه، وبالجسد لكي يتألم ويتذكر، ويُؤدب بوجعه راميًا إلى الارتقاء نحو العظمة، كائن حي يقيم في الأرض، ولكنه ينتقل إلى عالم آخر، وفي نهاية المطاف يصير إلهًا بشوقه إلى الله، لأنه حسب رأيي: إن نور الحق المعتدل الذي يظهر لنا على الأرض يقودنا لنرى ونختبر بهاء الله، الذي كوّننا من الروح والمادة، والذي سيحل مركبنا، ثم يعيد تكوينه على وجه أبهى وأمجد، ثم وضعه (الله) في الفردوس (أيًا كان هذا الفردوس) – بعد أن كرّمه بالسلطان الذاتي (أي حرية الإرادة) لكي ينتمي الصلاح إليه كنتيجة اختياره.

وهذا ليس أقل بالنسبة إلى الذي أعطاه بذور هذا الخير- وجعله زارعًا للأغراس الخالدة، أعني المعاني والأفكار الإلهية البسيطة جدًا منها والأكثر كمالاً“. [39]

كما يحدّد ق. غريغوريوس اللاهوتي هدف التجسد الإلهي؛ وهو التأله بالنعمة، متحدثًا عن النفس الوسيطة بين الألوهة والجسد في المسيح، وهذا التعليم نقابله أيضًا عند العلامة أوريجينوس عن التجسد في تعليمه، حيث يقول النزينزي التالي:

”يا له من اتحاد جديد وعجيب! يا له من تكوين فريد! الكائن يأتي إلى الوجود! غير المخلوق يُخلق! غير المحوَى يُحوى بواسطة نفس عاقلة! تتوسط بين الألوهة والجسد المادي، الذي يوزع الغنى يصبح فقيرًا! أفتقر لأنه أخذ جسدي، لأغتني أنا بألوهيته! أخلى نفسه من مجده لفترة قصيرة لأمتلئ أنا بملئه!“. [40]

يشير ق. غريغوريوس اللاهوتي هنا إلى طريقة تأليه الإنسان وهي التجسد باتحاد الإنساني بالإلهي ليغتني بالألوهة، وهنا يلمح بصورة مباشرة إلى أن الإنسان يتأله بالتجسد والاتحاد بالله في المسيح. وحيث أن مصير الإنسان قبل السقوط هو التأله بالنعمة، كما ذكرنا في القول السابق، فيكون التجسد غير مشروط بخطية آدم، طالما أن الإنسان كان مدعو قبل السقوط ليصير إلهًا بشوقه نحو الله، وكيف يحدث هذا التأله قبل السقوط إلا باتحاد الإلهي بالإنساني والانتقال به إلى عالم آخر، كما أوضح النزينزي في قوله السابق.

يستطرد ق. غريغوريوس النزينزي في حديثه عن أن هدف التجسد واتخاذ الله للطبيعة البشرية هو رفع البشرية إلى عتبات الألوهية كالتالي:

”ذاك الذي هو غير متألم بطبيعته الإلهية، صار متألمًا بالطبيعة التي اتخذها. تنازل إلى درجة البشرية حتى ترتفع أنت إلى عتبات الألوهية“. [41]

ويؤكد ق. غريغوريوس اللاهوتي في نفس السياق على أن هدف التجسد الإلهي هو تأليه الإنسان بالنعمة، ونراه يردّد عبارة ق. أثناسيوس الخالدة: ”صار الله إنسانًا لكي يؤلهنا“، حيث يتحدث عن أن المسيح أخذ كل ما هو قابل للفساد ليهبنا الأسمى فيه كالتالي:

”وكما تشبّه المسيح بنا، فلنتشبه نحن أيضًا به، لقد صار إنسانًا لكي يؤلهنا، قَبِل كل ما هو قابل للفساد حتى يهبنا الأسمى، صار فقيرًا حتى نغتني نحن بفقره، أخذ شكل العبد كي نسترد حريتنا، اتضع كي يرفعنا“. [42]

يستطرد ق. غريغوريوس اللاهوتي في نفس السياق قائلاً إن هدف التجسد هو تأليه الإنسان كالتالي:

”الإنسان الأرضي الذي اتحد بالجسد بواسطة روح، صار إلهًا عندما امتزج بالله وصار واحدًا، يغلب فيه الأفضل والأرفع، وبذلك أصبح أنا إلهًا بقدر ما أصبح هو إنسانًا“. [43]

ويقول ق. غريغوريوس أيضًا في نفس السياق:

”إذ إنه لا يزال مع الجسد الذي اتخذه، إلى أن يصيرني إلهًا بحكم صيرورته إنسانًا“. [44]

ثم يتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي العظيم عن فكرة وجودنا كبشر في المسيح، وأنه حملنا في ذاته بكل ما فينا لكي ما يبيد شرنا، ونشترك بهذا الاختلاط (الاتحاد) بين الله والإنسان في المسيح في ما له من التأله، كما نردد في التسبحة: ”هو أخذ الذي لنا (الناسوت)، وأعطانا الذي له (التأله بالنعمة)“ كالتالي:

”فهو يتنازل إلى مستوى أخوته في العبودية ومستوى العبيد، فيأخذ صورة غريبة عنه، ويحملني في ذاته مع كل ما لي، حتى يذيب ما في من شر كما تذيب النار الشمع، أو الشمس ضباب الأرض، وحتى اشترك بهذا الاختلاط في ما له“. [45]

تعليم التجسد الإلهي عند العلامة أوريجينوس

نبحث الآن تعليم التجسد عند العلامة السكندري العظيم أوريجينوس، وهو يختلف اختلافًا تامًا عن تعاليم باقي آباء الكنيسة، كما سنلاحظ معًا.

العلامة أوريجينوس هو لاهوتي مسيحي، ولكنه في نفس الوقت فيلسوف أفلاطوني محدث، يؤمن بالوجود السابق للنفوس قبل انحباسها في أجسادها، بعد تعرضها لحالة من الفتور الروحي ونقص المحبة لله بإرادتها الحرة التي خلقها الله فيها، فلقد كانت النفوس في حالة شركة مع الله منذ خلقتها، ولكن فترت محبة النفوس مع الوقت، وسقطت محبوسة في أجساد مادية، حيث يقول العلامة أوريجينوس التالي:

”وذلك أنه أعطى الخلائق العاقلة كلها أن يكون لها شركة معه، إذ هو نفسه الصورة غير المرئية لله غير المرئي، حتى إن كلاً من الخلائق يرتبط به بحس المحبة على قدر ما يشترك معه شيئًا فشيئًا، ولكن ملكة حرية الاختيار، إذ أنها قد جعلت تنوعًا واختلافًا فيما بين المدارك، فأشتعل في بعض منها حبًا عظيمًا للخالق، ونال البعض الآخر حب أضعف“. [46]

ثم يأتي حديث العلامة أوريجينوس عن تجسد المسيح من خلال ارتباط نفس المسيح معه منذ خلقتها، وعملها كوسيط بين الله والجسد في المسيح، حيث أنه لا يمكن أن يتحد الله بالجسد بدون وسيط روحي من نفس طبيعته كروح، وأنها احتوت على ملء اللاهوت فيها وصارت غير منفصلة أبدًا وغير قابلة للانفصال عن الله الكلمة منذ خلقتها، حيث يقول كالتالي:

”صارت هذه النفس التي يقول فيها يسوع: لا أحد يأخذ نفسي مني، روحًا واحدًا معه في أصلها، بحسب الوعد الذي أعطاه الرسول للذين يقتدون بهذه النفس، قائلاً: مَن يتحد بالرب يصبح روحًا واحدًا معه.

لقد ارتبطت به منذ خلقها، ثم ما لبثت أن صارت غير منفصلة عنه فيما بعد، وغير قابلة للانتزاع منه، لأنها ارتبطت بالحكمة وكلمة الله والحق والنور الحقيقي، مستوعبةً إياه كله في داخلها كلها، وصائرة نورًا له وبهاء، فمن جوهر النفس هذا، الذي قام بمثابة وسيط بين الله والجسد -إذ لم يكن ممكنًا أن تمتزج طبيعة إله بجسد بدون وسيط- وُلِد الله الإنسان، كما قلنا. فهذا الجوهر (أي جوهر النفس) كان الوسيط، ذلك أنه لم يكن على خلاف الطبيعة عنده أن يلبس جسدًا“. [47]

ثم يشرح العلامة أوريجينوس ماهية التجسد الإلهي، على أنه ارتباط بين كلمة الله ونفسه الإنسانية ليكونا جسدًا واحدًا أكثر ارتباطًا من ارتباط الزوج وزوجته كالتالي:

”يمكن القول بما هو مكتوب: سيكون الاثنان جسدًا واحدًا، فليسا هما بعد اثنين، بل جسد واحد. لأن كلمة الله يؤلف مع نفسه جسدًا واحدًا أكثر مما يمكن الاعتقاد به كما في حالة الزوج مع زوجته، بل مَن يليق به أن يؤلف مع الله روحًا واحدًا أكثر مما يليق بهذه النفس، التي ارتبطت بالله ارتباطًا بالعشق، فاستحقت أن تُدعى روحًا واحدًا معه“. [48]

يشرح العلامة أوريجينوس كيفية إتمام الخلاص من خلال اتحاد النفس بالكلمة، حيث بثبات نفس المسيح البشرية على عشق ومحبة الله وعدم التفكير في أي خطية، وبالتالي صارت إرادة الخير والفضيلة هي السائدة في نفس المسيح، وهكذا تخلص باقي النفوس بهذه الطريقة كالتالي:

”إن بدا هذا للمرء أنه صعب، فيما أوضحنا أعلاه أن في المسيح نفسًا عاقلة، وكررنا مرارًا في مناقشاتنا كلها أن طبيعة الأنفس أهل جدًا لأن تتقبل الخير والشر، فأزال هذه الصعوبة على النحو التالي. ليس في مقدورنا أن نتشكك في أمر طبيعة هذه النفس، فلم تكن هي عينها عند سائر الأنفس، وإلا لما استطعنا تسميتها نفسًا، لو لم تكن بالحقيقة نفسًا.

ولكن هذه النفس، نفس المسيح، ثبتت العزم على محبة البر، فارتبطت به ارتباطًا لا رجوع عنه ولا انفصال على أثر عظم محبتها، حيث أن اختيار الخير أم الشر في مقدرة الجميع، قد انتزع ثبات عزمها، وعظمة شغفها، ولظى محبتها الذي لا يخمد، وكل تطلع إلى التغيير والنكوص، بحيث أن ما استقر في الإرادة انقلب فيها طبيعة، على أثر اعتياد طال أمده. هذه هي حال نفس المسيح البشرية والعاقلة، يا لوجوب تصديقها، فإنه لم يراوده (أي المسيح) قط فكر خطيئة، ولا أمكنه ذلك!“. [49]

ثم يستطر العلامة أوريجينوس أكثر شارحًا هدف وماهية التجسد والخلاص في نفس المسيح، مستخدمًا مثال عطر الناردين وقنينة العطر من سفر نشيد الأناشيد، مؤكدًا على ضرورة شركة النفوس في شركة لا تنقطع مع نفس المسيح المخلِّصة، حتى لا يلحق بها أي خطية أو إثم كريه كالتالي:

”إن هذه النفس مُسحت بدهن البهجة، أي كلمة الله وحكمته على شكل يختلف عن شركائها، الأنبياء والرسل القديسين، فيُقال في هؤلاء أنهم جَروا في ناردين عطورها، ولكن هذه النفس كانت الإناء الحاوي للعطر نفسه. لقد أصبح جميع الأنبياء والرسل أهلاً للشركة في ناردين رائحتها الذكي، إن الناردين شيء، والجوهر شيء آخر.

ومثله المسيح شيء، وشركاؤه شيء آخر. فكما لا يقدر الإناء الحاوي جوهر الناردين أن يتلقى رائحة كريهة البتة، بيد أن الذين يشتركون في رائحته يكونون عرضةً لأن تلحق الروائح الكريهة بهم إن هم ابتعدوا عنه، كذلك المسيح، الذي هو الإناء عينه حيث جوهر الناردين، فإنه لم يكن ليتلقى الرائحة المضادة، فيما يشترك شركاؤه بالناردين، بقدر ما يمكثون على مقربة من الإناء، ويمكنهم أن يكنزوا منه“. [50]

ثم يشرح أخر مرحلة من مراحل خلاص النفوس بنفس المسيح المخلِّصة مستخدمًا تعبير ظل المسيح على نفس المسيح التي تخلص نفوسنا التي تحيا في ظل المسيح بين الأمم، وتتشبه وتسلك بحسب سلوك نفس المسيح، فإنها ستعاين الله وجهًا لوجه أي تعاين المسيح في المجد، وليس كما عرفوه بالجسد كالتالي:

”لذا أحسب أن النبي (مرا ٤: ٢٠) أطلق على النفس المرتبطة بالمسيح ارتباطًا لا انفصال فيه، والفاعلة حسب مشيئته، اسم ظل المسيح الرب الذي ينبغي علينا أن نحيا في كنفه بين الأمم سعيًا منه للدلالة على أفعالها ونزعاتها. ذلك أن الأمم تعيش في سر الارتباط هذا، حينما تبلغ الخلاص بالإيمان، وتحذو حذو هذه النفس […]

فإذا كانت الشريعة التي نُفذت على الأرض ظلاً، وحياتنا التي نحياها على الأرض ظلاً، وإن كنا نحيا بين الأمم في ظل المسيح، يجب علينا أن نرى حقيقة هذه الظلال كلها، فهل لا تُعرف في الإعلان العظيم، عندما يستحق جميع القديسين أن يتأملوا في مجد الله علة الأشياء وحقيقتها، لا كما في مرآة، في لغز، بل وجهًا لوجه؟ إن بولس الرسول بعد أن نال عربون هذه الحقيقة من الروح القدس قال: وإن كنا قد عرفنا المسيح بالجسد، أما الآن فإننا لا نعرفه كذلك (٢كو٥: ١٦)“. [51]

 

 

[1] Tertullian, Ad. Marc. 3. 24, CSEL _ 47.420.10-13; trans. Holmes, ANF, 3: 24.

[2] العظة الفصحية الثانية، عظة ٣٦: ٧.

[3] تجسد الكلمة ٥٤: ٣.

[4] ضد الآريوسيين ٢: ٧٠.

[5] in Joh. 21: 1. 1088bc.

[6] الثالوث ١: ١٣: ٢٨.

[7] الخطبة اللاهوتية الثالثة، عن الابن، خطبة ٢٩: ١٩.

[8] العظة الفصحية الأولى ٣٥: ١.

[9] Or. Cat: 37, PG 45.97b.

[10] PL9. 950CD.

هيلاري، تفسير إنجيل متى على آية (مت٥: ١٥).

[11] عن الثالوث ١٠: ٧.

[12] ضد الوثنيين :١٣.

[13] ضد الهرطقات٢: ٣٤: ٤.

[14] ضد الهرطقات ٤: ٣٨: ٤.

[15] الرد على أوتوليكوس ٢: ٢٧.

[16] الحوار مع تريفون اليهودي، ٥.

[17] مقالة عن القيامة، ١٢.

[18] تجسد الكلمة ٣: ٤.

[19]J. D. Zizioulas, Lectures in Christian Dogmatics, edit. by Douglas Knight, (London & New York: T & T Clark, 2008), Ch. 3, p. 105.

[20] ضد الآريوسيين ٢: ٢١: ٦٦.

[21] المرجع السابق، ٢: ٢١: ٦٧.

[22] المرجع السابق، ٢: ٢١: ٧٠.

[23] المرجع السابق، ٢: ٢٢: ٧٧.

[24] المرجع السابق، 2: 21: 68.

[25] المرجع السابق، ٣: ٢٧: ٣٨.

[26] جوهانس كواستن، الباترولوجي مج٣، (القاهرة: إصدار باناريون)، ص ٩٢، ٩٣.

[27] توماس تورانس، الإيمان بالثالوث، (القاهرة: إصدار باناريون، ٢٠١٠)، ص ١٤٥، ١٤٧.

[28] Aulén, Gustaf, Christus Victor, trans. by A. G. Hebert, (London: S. P. C. K, 1975), p. 43 & 44.

[29] Grensted, L. W., A short History of The Doctrine of Atonement, (London & New York: Manchester University Press, 1920), p. 158.

[30] Rashdal, Hastings, The Idea of Atonement in Christian Theology, (London: MACMILLAN & CO., 1919), Lect 4, p. 296.

[31] Ibid, p.296, n.3.

[32] الإيمان بالثالوث، ص ١٤٦- ١٤٧.

[33] تجسد الكلمة ٣: ٣.

[34] ضد الوثنيين ٤٠: ٤.

[35] تجسد الكلمة ٣: ٤.

[36] المرجع السابق، ٣: ٤.

[37] المرجع السابق، 3: 6.

[38] ضد الآريوسيين ٢: ٦٥.

[39] العظة الفصحية الثانية ٣٦: ٧، ٨.

[40] المرجع السابق، ٣٦: ٩.

[41] مختارات من عظات القديس غريغوريوس النزينزي اللاهوتي، عظة المعمودية والمعمدون.

[42] العظة الفصحية الأولى ٣٥: ٥.

[43] الخطبة اللاهوتية الثالثة ٢٩: ١٩.

[44] الخطبة اللاهوتية الرابعة ٣٠: ١٣.

[45] المرجع السابق، 30: 6.

[46] المبادئ ٢: ٦: ٣.

[47] المرجع السابق، ٢: ٦: ٣.

[48] المرجع السابق، ٢: ٦: ٣.

[49] المرجع السابق، ٢: ٦: ٥.

[50] المرجع السابق، 2: 6: 6.

[51] المرجع السابق، 2: 6: 7.

 

التجسد غير المشروط – د. أنطون جرجس عبد المسيح

Exit mobile version