التعليم الخريستولوجي بحسب فكر الأنبا شنوده الأرشيمندريت (رئيس المتوحدين) – الإكليريكي موريس وهيب
التعليم الخريستولوجي بحسب فكر الأنبا شنوده الأرشيمندريت (رئيس المتوحدين) - الإكليريكي موريس وهيب
التعليم الخريستولوجي بحسب فكر الأنبا شنوده الأرشيمندريت (رئيس المتوحدين)[1]
إعداد: الإكليريكي موريس وهيب
1. تمهيد:
من أهم أعلام اللاهوت القبطي هو القديس العظيم والنبي- كما لقبه البابا كيرلس عمود الدين- الأنبا شنوده الأرشيمندريت (رئيس المتوحدين)، الذي يعد النموذج المثالي للرجل القديس في العصور القديمة[2]. لقد ترك الأنبا شنوده مجموعة كبيرة جدا من العظات والنصوص التي تعد ثروة لا تقدر بثمن في تراث الأدب القبطي[3]. فعظات أنبا شنوده وأنشطته المعادية للوثنية هي نتيجة لاهتمامه الأوسع بالدفاع عن الكنيسة ضد مجموعة من التهديدات، التي شملت الإساءة والعنف والفساد ضد الأقباط، وأيضا التهديدات والأخطاء العقيدية[4].
وتقدم كتابات الأنبا شنوده لمحة فريدة عن الفكر الخريستولوجي الإسكندري المبكر في بيئة رهبانية قبطية. لقد تنيح أنبا شنوده عن عمر يناهز 118 سنة، أمضى فترة طويلة منها كراهب- أكثر من مائة سنة تقريبا، وأكثر من ثمانين سنة كأب روحي لتجمع رهباني مكون من أديرة ثلاثة في صعيد مصر، في مدينة سوهاج حاليا. ديران للرجال ودير واحد للراهبات. خلال فترة حياته داخل هذا التجمع الرهباني، أنتج أنبا شنوده مجموعة ضخمة من الكتابات، نجا منها ما يزيد عن سبعة عشر مجلدا. تم تحرير هذه الكتابات في مجموعتين خلال حياة أنبا شنوده نفسه وتحت إدارته الخاصة. تتضمن المجموعة الأولى (القوانين Canons)، وهي كتابات عن إدارة وتطبيق القواعد الرهبانية[5]؛ والمجموعة الثانية (العظات Discourses)، وتحتوي على عظات ورسائل متنوعة حول مجموعة مختلفة من الموضوعات[6].
يمكن تقدير أهمية أنبا شنوده في تاريخ الأدب المسيحي القبطي على عدة مستويات. إذ تمثل قوانينه وعظاته أول مجموعة كبيرة من الكتابات الأصلية باللغة القبطية، وهي في الواقع أكبر مجموعة كتُبت بواسطة مؤلف واحد[7]. إذ توفر هذه الكتابات مخزونا كبيرا من المعلومات الاجتماعية والتاريخية واللاهوتية حول حياة مجتمع رهباني في صعيد مصر خلال القرن الخامس[8].
كانت معالجة أنبا شنوده للأمور اللاهوتية والدفاعية غير واضحة للعديد من الباحثين الغربيين، وحتى وصل بعضهم إلى حدٍ التقليل منه، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعتبرونه مجرد راهب مصري بسيط وفقا لمعايير اللاهوتيين اليونانيين في القرنين الرابع والخامس[9]. إذ لا نرى له دورا رئيسا في الجدل اللاهوتي للقرن الخامس في أنحاء عالم البحر الأبيض المتوسط، ولم يكن لديه قُراء خارج مصر ولم تذكره المصادر اليونانية أو اللاتينية. حتى زيارته لمجمع أفسس عام 431 لم تذكر خارج مصر، على الرغم من أهميتها في حياة أنبا شنوده وفي كتاباته.
لقد كان شخصية محلية لدرجة أنه كان من المغري تصنيفه بواسطة البعض على أنه مجرد رجل “قبطي” أو “مصري” بسيط، وهو تصنيف يعكس المفاهيم التي عفا عليها الزمن والتي تفصل بين الرهبان اليونانيين المثقفين عن أولئك الأكثر بساطة من إخوانهم المصريين من آباء البرية. لكن الحقيقة هي عكس ذلك، أنبا شنوده كان منخرطا بعمق في اللاهوت، ولا سيما الجدل اللاهوتي في زمنه إذ كان يدافع بوضوح عن عقيدة كنيسة الإسكندرية، في خط يمتد من البابا أثناسيوس الإسكندري (298-373م) وحتى البابا ديسقورس (454م)، ضد الأعداء المتعددين داخل الكنيسة وخارجها: أوريجانوس وأتباعه، وأتباع آريوس، ونسطور وحلفائه، والمانويون، والمليتيون، واليهود، والوثنيون[10].
ويُطلق Aloys Grillmeier[11] على الأنبا شنوده لقب “المؤسس الحقيقي للأدب اللاهوتي القبطي”[12]، لكن في الواقع، أعماله اللاهوتية لها طابع خاص. إذ أن عمل أنبا شنوده اللاهوتي متجذر في الحياة العملية للدير وفي دوره بكونه أرشيمندريتا وقائدا. أكدت الدراسات الحديثة حول لاهوت أنبا شنوده على ضرورة قراءة لاهوته في إطار التجربة الحية للدير والكنيسة[13].
وعلى وجه الخصوص، كانت الليتورجيا عنصرا هيكليا ومركزيا في حياة رهبان أنبا شنوده، وبدرجة أكثر تأثيرا في عظات أنبا شنوده نفسه. ورغم أن أنبا شنوده لم يكن أسقفا، فإن اهتماماته كراعي واضحة للغاية- والممارسة والتفسير الصحيح لليتورجيا يعد معيارا مهما في لاهوته. ففي غالبية أعماله، تعتبر الحياة الطقسية للتجمع الرهباني مركزية في سياقه اللاهوتي والدفاعي، وخاصة في سر الإفخارستيا، الذي له الاهتمام الأساسي في دفاع أنبا شنوده ضد الهراطقة والمنشقين والوثنيين، إلى جانب الصلاة والمعمودية أيضا[14].
2. المصادر:
من أجل وضع تقييم دقيق لخريستولوجية أنبا شنوده، يجب السؤال عن الكتابات الآبائية التي يُحتمل أن يكون قد وصل إليها واطلع عليها أيضا: ما الذي قد يكون قرأه؟ كان يوجد في دير الأنبا شنوده مجموعة مميزة من الكتابات[15]. لذلك توجد إحتمالية كبيرة لكونه قد تمكن من الوصول إلى الكتابات الرئيسة لأهم أساقفة الإسكندرية اللاهوتيين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه مرة أخرى: أي منهم بالتحديد؟ يقدم [16]Hans-Joachim Cristea تحليلا للنصوص المذكورة بوضوح والمقتبسة في عظة أنبا شنوده تحت عنوان (إني أتعجب)[17].
إذ يقتبس أنبا شنوده في هذه العظة من الرسالة الفصحية رقم 39 للقديس أثناسيوس[18]، ومن المقالة الأولى ضد الآريوسيين[19]، وربما من رسالته إلى العذارى[20]. وأيضا من الرسالة الفصحية رقم 16 للبابا ثيؤفيلوس والتي تعود لسنة 401م، وقد اقتبسها الأنبا شنوده شبه كاملة في نهاية هذه العظة[21]. بالإضافة إلى هذه الكتابات الموثقة مباشرة في عظة (إني أتعجب)، ربما كان لدى أنبا شنوده معرفة أوسع بكتابات ق. أثناسيوس وق. ثيؤفيلوس.
مع الأخذ في الاعتبار أن الأنبا شنوده صار رئيسا على الجماعة الرهبانية في وقتٍ قريب للغاية مع رسامة البابا ثيؤفيلوس (بالتحديد 20 يوليو 385م)[22]، فمن المنطقي الافتراض أن أنبا شنوده كان لديه إمكانية الوصول إلى رسائل فصحية أخرى للبابا ثيؤفيلوس. وفيما يتعلق بعمل ق. أثناسيوس، يمكن الافتراض أنه بالإضافة إلى الكتابات الموثقة صراحة في العظة، من المحتمل أن أنبا شنوده كان على علم بالمقالة الثانية والثالثة ضد الآريوسيين وكتاب تجسد الكلمة أيضا. إذ تعد هذه النصوص معروفة ومحورية في الجدل ضد آريوس في القرن الرابع[23]. ويمكن الإشارة هنا لما كتب ق. كيرلس قبل اقتباسه مباشرة من المقالة الثالثة ضد الآريوسيين في رسالته الأولى إلى الرهبان، عن أن ق. أثناسيوس: “عندما ألف لنا عمله المتعلق بالثالوث القدوس ذي الجوهر الواحد، في المقال الثالث منه- من البداية إلى النهاية- يدعو العذراء القديسة، والدة الإله”[24]. يفترض ق. كيرلس هنا أن عمل ق. أثناسيوس الذي يشير إليه معروف لدى المتلقين. وبالتالي توجد إحتمالية كبيرة لمعرفة الأنبا شنوده بهذا العمل بشكلٍ خاص.
يوجد في المقابل بعض التعقيد بخصوص أعمال أو فكر ق. كيرلس ونسطور في سياق جدلاهما الخريستولوجي، إذ توجد إحتمالية لمعرفة أنبا شنوده بهذه الأعمال. ولكن الملاحظ بوضوح، هو أن الأنبا شنوده لم يقتبس فقط من ق. كيرلس فيما يخص تعاليمه الخريستولوجيةـ بل من ق. أثناسيوس وق. ثيؤفيلوس، ويقتبس أيضا من نسطور مرارا وتكرارا. ماذا عرف أنبا شنوده من جهة عمل نسطور وفكره؟ هل كانت مجرد اقتباسات من أعمال ق. كيرلس حيث يقتبس من نسطور، أم كان لديه مصدر آخر؟ يؤكد Cristea على حضور أنبا شنوده في مجمع أفسس، لكنه يعتقد أن نفي نسطور إلى بانوبوليس يعد أمرا أكثر أهمية بكثير، وذلك من جهة معرفة الأنبا شنوده بعمل نسطور، إذ يشير إلى معلومة تقليدية تتحدث عن أن زيارة نسطور لأنبا شنوده خلال هذا النفي وطلب منه أن يعتني بممتلكاته بعد الموت[25]. يمكن أن يفسر هذا اللقاء المحتمل في مصر لماذا قدم أنبا شنوده اقتباسات من نسطور ثلاث مرات، وهي غير واردة في أعمال ق. كيرلس[26].
يُظهر كل من الجانب التاريخي لهذا اللقاء في مصر، والوعي الواضح لعمل نسطور، أن أنبا شنوده كان على علم بفكر وعمل نسطور، وربما حتى كتاباته بشكلٍ ملموس، وذلك خارج كتابات ق. كيرلس المرتبطة بجداله مع نسطور. ومع ذلك، فإن غالبية اقتباسات نسطور التي أوردها أنبا شنوده، بها بعض التشابه الطفيف مع اقتباسات نسطور في عمل ق. كيرلس ضد نسطور[27]. بناء على هذا، يمكن الوصول إلى استنتاج مفاده أن أنبا شنوده ربما كان يعرف بعضا من أفكار نسطور من خلال عمل ق. كيرلس، لكن معرفته بفكر نسطور لم تقتصر على اقتباسات ق. كيرلس من نسطور فقط[28].
ونظرا لأن أنبا شنوده لم يقتبس أو يذكر ق. كيرلس في سياق فكره الخريستولوجي مباشرة، فإن إعادة بناء وافتراض النصوص التي عرفها أنبا شنوده من كتابات ق. كيرلس، هي عملية صعبة للغاية، وذلك بسبب التداخل الجوهري في اقتباسات نسطور عند أنبا شنوده مع تلك التي عند ق. كيرلس، يمكن وضع افتراض أن أنبا شنوده ربما كان يعرف هذا النص أو كان بإمكانه الوصول إليه بطريقة ما كما أشير. بالإضافة إلى ذلك، ربما عرف أنبا شنوده رسائل ق. كيرلس الفصحية، ورسالته للرهبان (الرسالة الأولى)، والرسالتين الثانية والثالثة إلى نسطور (الرسالة رقم 4، ورقم 17)[29].
تستعرض الدراسة فيما يلي النقاط الأساسية في التعليم الخريستولوجي عند القديس الأنبا شنوده، ومدى تأثر الأنبا شنوده بسابقيه من الآباء، وهل يعتبر ق. كيرلس الإسكندري هو المؤثر الأساسي في تكوين فكر الأرشيمندريت.
3. النقاط الأساسية في فكر الأنبا شنوده الخريستولوجي
لاهوت التدبير الخريستولوجي الخلاصي كتاريخ واحد للخلق والخلاص عند الأنبا شنوده، يقف مقابل الفكر الغنوسي لقبول فكرة العوالم المتعددة بل وحتى القول بمبدئين إلهيين، وإنكار وحدة العهدين القديم والجديد، وفصل الروح عن المادة لتحقيق العودة إلى الملء من خلال تحرير روحاني؛ إذ يوفر الأنبا شنوده لاهوتا يُنصف كلا من الحقائق الأرضية مع أولوية الروح في المسيح يسوع. ويمكن توضيح هذا عبر استعراض بعض المفاهيم الأساسية في فكر الأنبا شنوده اللاهوتي:
(1) تفرد الخالق والعالم:
“فإن كانوا يعتقدون هذا [أي نسطور وأتباعه]؛ لأنهم سمعوا الرسول أو الرسل يقولون: “الإنسان المسيح يسوع” (1تي 2: 5)، و”تعين ابن الله” (رو 1: 4)، و”يسوع الناصري رجل قد تعين لكم من قبل الله” (أع 2: 22 كما في النص الصعيدي لسفر أعمال الرسل)، و”جعله الله ربا ومسيحا” (أع 2: 36)، فلماذا لم يدرك هو [الشخص الذي يشك] أنه يقول هذا حسب التدبير، مُقسين قلوبهم عن هذا، أنه كائن مع الآب قبل أن يُخلق أي شيء، وبالأحرى مشابهين كسيح في رجليه يزحف على الأرض؛ لأنهم لو كانوا استطاعوا أن يدركوا كيف صار منها [أي من العذراء مريم]، أو من أين دخل فيها، لكانوا أدركوا أيضا أنه كائن قبل كل الخليقة، وأن الدهور قد خُلقت بواسطته، وأنه “بكر كل الخليقة” (كو 1: 15)، و”بغيره لم يكن شيء” (يو 1: 3)، “وخرجتُ من عند الآب” (يو 16: 28)، و”كما أرسلني أبي” (يو 6: 57، 20: 21)، و”أرسل الله ابنه مولودا من امرأة” (غل 4: 4). اسمع: “أرسله”. لم يقل: “صار (وُلد) هكذا من امرأة”، لكنه قال: “أرسله”. من أين أرسله سوى من لدنه ومن عنده؟ لأنه كائن معه. ليس فقط قبل أن يخلق مريم في البطن، أمه حسب التدبير، وأمته حسب لاهوته، لكن قبل أن يخلق ملاكا واحدا أو روحا أو ساروفا أو كاروبا أو قوة، قبل السماء والأرض، والشمس والقمر والنجوم، والسموات وكل ما فيها، والبحر وكل ما فيه… كلها صارت به، وبغيره لم يكن شيء”[30].
يقدم الأنبا شنوده استدلالا كتابيا من جهة فرادة ووحدة مصدر الخليقة كلها، ولكن يبدأ بنقد موجه لسوء الفهم النسطوري، ويشير إلى أن هذه الأقوال التي حيرت نسطور واتباعه هي بحسب التدبير، وفي هذا يقول ق. كيرلس الإسكندري[31]:
“لذلك فالكلمة الذي كان في صورة الله الآب ومساويا له، جعل نفسه في حالة وضيعة حينما صار جسدا، كما يقول يوحنا (يو ١: ١٤)، وولد من امرأة وإذ كان له ميلاد من الله الآب، فأنه أيضا ولد مثلنا، واحتمل أن يتألم من أجلنا. وإلا فدعهم يشرحون، كيف سيعرف الكلمة الذي من الله الآب ويُدعى المسيح بواسطتنا؟ فإذا قالوا إنه من الصواب أن الذي مُسح هو الكلمة الذي هو الله، وأنه هو الوحيد المولود منه، فأنهم يجهلون أنهم يخطئون إلى طبيعة الابن الوحيد، ويسيئون فهم سر التدبير بالجسد”[32].
ويزخر هذا المقطع أيضا بالعديد من التعبيرات الخريستولوجية الجوهرية، وذلك في كلمة حسب التدبير كما أُشير سابقا، وهذا من جهة ربط المفهوم بالعذراء مريم، التي تعد عنصرا هاما في خريستولوجية أنبا شنوده، وهذا ما يوجد صداه بوضوح عند ق. ساويرس الأنطاكي:
“كوالدة الإله، بعد أن حبلت وبدأت تخدم سر التدبير الإلهي، كانت ممتلئة من الروح القدس وعرفت ما سوف يحدث مقدما. حقا كانت نبية، كما يقول أشعياء، ’فاقتربتُ إلى النبية‘ (إش 8: 3)… هكذا، كل من يسوع والعذراء كان له بشكلٍ ما المعرفة المسبقة لما كان سوف يحدث. كان يسوع له هذه المقدرة بصفته الله، أما هي فحصلت عليها بصفتها نبية”[33].
التعبير الخريستولوجي المتميز الآخر هو: أمه حسب التدبير، وأمته حسب لاهوته، وهذه المقابلة المتميزة التي توضح التمييز بين الطبيعتين من جهة العذراء مريم، ليست غريبة على الفكر الإسكندري، فالعذراء مريم هي العبدة أو الأمة التي أطاعت صوت الملاك في البشارة بكل إيمان وجسارة، وهي الأم التي أعطت كلمة الله المتجسد عجينة البشرية من جسدها الخاص، وأرضعته من لبنها[34]. ويرد في العظة الحادية عشر للقديس كيرلس الإسكندري، هذا التعبير المتميز فيقول:
“السلام لك يا مريم العذراء. العبدة والأم. العبدة إكراما لذاك الذي أخذ شكل العبد، والأم إكراما لذاك الذي حملته بين زراعيك وأرضعته بلبنك”[35].
(2) خلق الجنس البشري كصورة الله:
“لقد تحدثنا مرارا وكتبنا بخصوص ولادة المخلص وإلوهيته، لكننا قلنا هذه الأشياء القليلة الأخرى بسبب أولئك الذين تسألوا: “هل كان موجودا قبل أن يولد من مريم؟” هناك شهادة أخرى جديرة بالثقة وعظيمة للغاية – أي أن مخلصنا الرب مع أبيه قبل الدهور. من هو الشخص الذي يقول، ولمن يقول، “نعملُ الإنسان على صُورتنا كشبهنا”[36]؟ أليس الآب هو الذي يتحدث مع ابنه، مع وحيده القدوس؟ من جانبه، تكلم صديق الأنبياء وشقيق الرسل، وكلماته صحيحة، (ص. 83 ظهر) في كتاباته، قائلا لنا أن الآب هو الذي يقول للابن “نعملُ الإنسان على صُورتنا كشبهنا”. ولم يقل “سأعمل”، لئلا يجعل الابن غريبا عن فعل الخلق. ولم يقل: “أنت، أعمل”، لئلا يجعل نفسه غريبا على هذا الفعل. إذا فهمنا أن الابن يعمل مع أبيه لغرض (خلق) الجنس البشري، فسنعرف أيضا أنه يعمل معه من أجل (خلق) السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم، البحر، وسماء السماوات، وكل الأشياء أدناه”[37].
يستخدم الأنبا شنوده هنا مبدأ لاهوتيا دقيقا وهو مبدأ (الوجود السابق للمسيح Pre-existence of Christ)[38]، وهي عقيدة كتابية مدعومة في يو 17: 5 عندما أشار يسوع إلى المجد الذي كان له مع الآب قبل تكوين العالم أثناء خطابه الوداعي، وفي يو 17: 24 أيضا يشير إلى الآب الذي كان يحب يسوع قبل إنشاء العالم[39]. وهذا المبدأ اللاهوتي يرد في فكر كاتب رسالة برنابا (70-135م)، ذات الطابع السكندري، إذ يُشير إلى وجود الرب يسوع مع الله قبل خلق العالم من جهة لاهوته، ويوحي استعمال آية سفر التكوين من الترجمة السبعينية “لنعمل الجنس البشري بحسب صورتنا وشبهنا”، إلى أن يسوع مشمول في هذه الآية ضمن كيان الله، الكاتب نفسه يؤكدها صراحة “هو رب الكون كله، الذي قال عنه الآب…”.
يكرر برنابا هذه الفكرة ثانية عندما يكتب قائلا: “إن الكتاب يتحدث عنا حين يقول للابن: لنخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا، وليسودوا على بهائم الأرض وطيور السماء وسمك البحر” (6: 12) مستخدما اقتباس سفر التكوين نفسه. الابن إذا، موجود منذ الأزل ومشارك بالتساوي في الخلق، وهكذا، نجده مشمولا في الكيان الإلهي؛ مشيرا بذلك إلى حالة من سبق الوجود اللاهوتي وإلى وجود محادثة سماوية بين الآب والابن، الفرق بين الآب ويسوع هو فقط أن يسوع جاء في الجسد[40].
ويمكن وضع مقارنة بين ما قاله الأنبا شنوده في القرن الخامس وما ورد في رسالة برنابا في القرن الأول والثاني، وهما كالآتي:
“لأن الكتاب يتحدث عنا،
حين قال الله للابن: ’لنخلق الإنسان على صورتنا ومثالنا، وليتسلطوا على الوحوش في الأرض، والطيور في السماء، والأسماك في البحر‘. وقال الرب عندما رأى جمال خلقتنا: ’انموا، وزيدوا، واملأوا الأرض‘ وكان هذا هو ما قاله لابنه“. (رسالة برنابا 6: 12) |
| “هناك شهادة أخرى جديرة بالثقة وعظيمة للغاية- أي أن مخلصنا الرب مع أبيه قبل الدهور. من هو الشخص الذي يقول، ولمن يقول: “نعملُ الإنسان على صُورتنا كشبهنا”؟
أليس الآب هو الذي يتحدث مع ابنه؟” (أنبا شنوده، عظة حدث ذات يوم، فقرة 4) |
وهذا ما قد قاله الأنبا شنوده سابقا في بداية عظة (حدث ذات يوم)، مؤكدا وداعما لمفهوم الوجود السابق للمسيح عبر الآيات الكتابية، فيقول:
“ليتنا ننتبه لكلماته لنفهم ما نسأل عنه، لأنه يتكلم عن أبيه (إبراهيم) كإنسان، وحسب التدبير هو يخبرنا عن إلوهيته الكاملة أنه كائن قبل الكل، فهو قد قال: “مجدني، يا أبي، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم” (يو 17: 5)، وكذلك: “به كان العالم” (يو 1: 10)، وأيضا: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. به كان كل شيء، وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يو 1: 1-3)، وكذلك: “الذي كان من البدء قد ظهر لنا ورأيناه” (1يو 1: 1-3)، و”هذا كان عند الآب” (1يو 1: 2)، وأيضا: “خرج من الله، وسيذهب إلى الله” (يو 8: 42، 13: 3، 16: 27-28)، وكذلك: “خرجت من عند الآب وأتيت إلى العالم” (يو 16: 28)، وأيضا: “فيه خلق الكل” (كو 1: 16)، و”هو كائن قبل الكل” (كو 1: 17)، وأيضا: “إن رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا” (يو 6: 62)، وكذلك: “الصخرة تابعتهم وكانت الصخرة المسيح” (1كو 10: 4). حقا، من الزمان الذي كان إسرائيل فيه في البرية حتى زمان القديسة مريم، وأيضا: “السر المكتوم منذ الدهور” (كو 1: 26؛ أف 3: 9)، وكذلك “لما أتى ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة” (غل 4: 4)، فاسمعوا أيضا (قوله): “أرسله”. من أين أرسله؟ أو من عند من خرج سوى من عند أبيه القدوس؟”[41].
وهكذا يؤكد الأنبا شنوده على أزلية لاهوت الكلمة المتجسد، وزمنية الناسوت بالضرورة، فهذا الذي كان منذ البدء، خالق السموات والأرض، هو ذاته الذي أتى في بطن العذراء وشابهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة وحدها.
(3) التجسد وشروط خلاص البشرية:
“إن لم يكن قد تألم في الجسد، فويل لنا بسبب الآلام التي ستحل بنا والتي ستأتي علينا في الساعة التي نضع فيها روحنا بين يديه (مز 30: 6؛ لو 23: 46). إذا لم يضربوا رأسه (مت 27: 30)، ولو لم يقترعوا عليه (مت 27: 35)، حينئذ يتكاثر عار وملامة خطايانا علينا وضدنا، ولن ينزعوا أبدا. ولو لم يكن قد أسلم جلاله للتعذيب (يو 19: 1) وخديه للضرب (يو 19: 3)، فلن نخلص من الموت والدمار يوم القيامة. إذا لم يتم رفضه كما قال [بفمه]: “يجب أن يُسلم ابن [الإنسان] للأمم [ويُرفض] ويُضرب” (لو 18: 32)، فلن تكون مصالحة مع الله. وإن لم يُعط خلا في عطشه، ولو لم يُعط مرارة في طعامه (مت 27: 34)، حينئذٍ لن نشترك في الوليمة، هذه [النعمة] التي هي نفسها الخبز الحقيقي وخبز الحياة، الذي أتى من السماء (يو 6: 32، 35). ولا تأتي هذه النعمة لنا، التي قال عنها: “من يشرب الماء الذي أعطيته إياه لن يعطش أبدا. ولكن الماء الذي أعطيه إياه يصير فيه ينبوع ماء يندفع [إلى] الحياة الأبدية” (يو 4: 14).
وإذا لم يعط ذاته لنا، إذا سنكون […] كما قال: “من يأكل من جسدي ويشرب من دمي فله حياة أبدية” (يو 6: 54). وإذا لم يكن النور الحقيقي قد أتى إلى العالم (يو 1: 9)، وإذا لم يشرق علينا شمس البر (ملا 4: 2)، فالظلام والعاصف سيُغطيان العالم كله. وإن لم يكن قد رُفع مرة واحدة بسبب الخطيئة (عب 9: 28، 10: 12)، كما هو مكتوب، فلن يطلع أبوه إلى الأرض بسبب كثرة الرائحة الكريهة والتعفن من خطايا الساكنين فيها. وإن لم يكن إنسانا في الهيئة (في 2: 7)، وهو الله وابن الله، فلن يصير البشر مثل الملائكة (لو 20: 36)، بينما هم بشر، ولا سيما العذارى من الحكماء وأولاد الأم القديسة، الكنيسة الجامعة التي تكرم الله في أعمالهم الحقيقية (أم 3: 9). لأنه لو لم يفعل الرب هذه الأشياء وكل هذه الأشياء الأخرى، لما كان لنا الخلاص. هذه الكلمات تخص المسيحيين الذين رجاؤهم الرب يسوع وليسوا من الهراطقة الذين لا يؤمنون به” (عظة عندما تحدث الكلمة)[42].
يقدم الأنبا شنوده أسلوبا بلاغيا قبطيا يسمى المقابلة[43]، إذ يقدم صورة والمقابل لها بشكلٍ نقيد في صيغة سلبية أو نفي، وفي سياق هذا الاقتباس أعلاه يتناول مفهوما خريستولوجيا عن الآلام المحيية العاملة في خلاص المؤمنين، ويمكن تقسيم هذه الصور البلاغية كالأتي:
رقم | ما يخص شخص المسيح | ما يخص البشرية |
1 | لو لم يكن قد تألم في الجسد | الآلام التي ستحل بنا والتي ستأتي علينا في الساعة التي نضع فيها روحنا بين يديه |
2 | لو لم يضربوا رأسه، ولو لم يقترعوا عليه | يتكاثر عار وملامة خطايانا علينا وضدنا |
3 | لو لم يكن قد أسلم جلاله للتعذيب وخديه للضرب | لن نخلص من الموت والدمار يوم القيامة |
4 | لو لم يتم رفضه | لن تكون مصالحة مع الله |
5 | لو لم يُعط خلا في عطشه، ولو لم يُعط مرارة في طعامه | لن نشترك في الوليمة، هذه [النعمة] التي هي نفسها الخبز الحقيقي وخبز الحياة، الذي أتى من السماء |
6 | لو لم يعط ذاته لنا… لم يكن النور الحقيقي قد أتى إلى العالم، وإذا لم يشرق علينا شمس البر | الظلام والعاصف سيُغطيان العالم كله |
7 | لو لم يكن قد رُفع مرة واحدة بسبب الخطيئة | لن يطلع أبوه إلى الأرض بسبب كثرة الرائحة الكريهة والتعفن من خطايا الساكنين فيها |
8 | لو لم يكن إنسانا في الهيئة، وهو الله وابن الله | لن يصير البشر مثل الملائكة، بينما هم بشر |
9 | لو لم يفعل الرب هذه الأشياء | لما كان لنا الخلاص |
يمكن فحص تلك النقاط أعلاه بشيء من التفصيل، توجد في النقاط (1، 2، 3) مقابلة بين التألم الجسدي لشخص المسيح، والآلام التي تأتي على الإنسان، وهو مفهوم خريستولوجي يُعرف بآلام الرب الشافية المحيية. فالتألم هو أحد مظاهر طبيعة الإنسان الترابية وذكر الموت الذي تملك على الإنسان بعد سقوط آدم الأول، ولهذا قبل آدم الثاني أن يتألم من أجل البشرية بحسب التدبير، وهذا من أجل شفاء الإنسان من آلامه، وهذا ما يتضح في كلام ق. كيرلس:
“ولكننا بالحري نؤمن أن الابن الوحيد قد صار مثلنا، لكي يضمن البركات لكل الطبيعة البشرية، بواسطة نفسه وفي نفسه أولا كباكورة للبشرية. لأنه كما أن تعدي الإنسان الأول واللعنة الإلهية المرتبطة به أعطانا ليس الموت فقط بل كل آلام الجسد التي بدأت في الإنسان الأول؛ هكذا بنفس الطريقة، كما أفهم، فإننا جميعا سنتبع المسيح، وهو يخلص ويقدس في ذاته طبيعة الجسد بطرق متنوعة. لذلك يقول الرسول بولس أيضا: ’وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضا صورة السماوي‘ (1كو 15: 49). فإن “صورة الترابي”- أي صورة آدم- هي في الآلام والفساد؛ و”صورة السمائي”- أي صورة المسيح- هي في عدم التألم وعدم الفساد”[44].
ويقوم هذا المفهوم بحسب فكر أنبا شنوده على أن الله الكلمة المتجسد تألم في الجسد وهو في الوقت ذاته الله وابن الله، وعلى أن في المسيح التقت آلامنا الإنسانية مع الله الكلمة بحسب طبيعته الإلهية غير المتألمة، فصار للبشر عدم التألم بحسب اتحادهم مع الكلمة المتجسد، وهو ما يُعرف في فكر الآباء بمبدأ المبادلة الخلاصية. وهو ما يؤكد عليه ق. أثناسيوس بقوله:
“إن الكلمه نفسه بالطبيعة هو غير قابل للتألم، ومع ذلك فبسبب الجسد الذي اتخذه تقال عنه هذه الأمور، حيث إنها أمور خاصة بالجسد والجسد نفسه خاص بالمخلص، فبينما هو نفسه غير قابل للتألم بالطبيعة، ويظل كما هو دون أن تؤذيه هذه الآلام، بل بالحري إذ هو يوقفها ويلاشيها، فإن آلام البشر تتغير وتتلاشى في ذاك الذي هو غير متألم، وحينئذ يصير البشر أنفسهم غير متألمين وأحرارا من هذه الأوجاع إلى الأبد”[45].
في النقطة الرابعة توجد مقابلة بين ما تعرض له الله الكلمة المتجسد من رفض، وبين ما صنعه للبشر من مصالحة مع الله الآب، إن التعليم عن المصالحة فيما يختص بحياة المسيح وخدمته وعمله ورسالته الخلاصية، يعبر عنه في الشرق بصيغ خاصة بالتحول من حالة إلى حالة أخرى مختلفة تماما، من حالة الأسر للخطيئة والموت إلى حالة النصرة على الخطيئة والموت، وهذا عبر الانتصار على فساد طبيعة الإنسان العتيق، بواسطة الذبيحة التي قدمت تكفيرا عن خطايا العالم، وبالإعلان عن حكمة ومحبة الله. وفي كل الصيغ التي يستخدمها الآباء، يوجد توجه واحد، وإطار فكري واحد. فالمصالحة هنا هي أمرٌ يرجع إلى مبادرة من جانب الله، كان الهدف منها هو خلاص جنس البشر[46].
موقف التعليم اللاهوتي في القرون الخمسة الأولى، إزاء هذا الموضوع، ينادي بأن عمل الخلاص يتكون من ثلاث مراحل، وهي التي أعادها المسيح بالتتابع: الكائن، الكائن الطوباوي، الكائن الأبدي. المرحلة الأولى عادت بالتجسد، والثانية أعيدت من خلال حياة المخلص التي عاشها على الأرض، والتي وصلت إلى قمتها على الصليب، والثالثة تحققت بقيامة المسيح؛ والتعاليم اللاهوتية الأرثوذكسية بشأن المصالحة، تركز على عنصرين هامين: 1. التشديد على الملمح الخلاصي للتجسد؛ 2. النصرة على الخطيئة والموت، بالصليب والقيامة[47].
ويرد في النقطة الخامسة مقابلة فريدة للغاية، لم تستطع الدراسة إيجاد شبيه لها، وهي المقابلة والقياس بين الخل والمرارة وبين الإفخارستيا، وهي صورة بليغة يمكن أن تكون مدخلا للصورة العلاجية للإفخارستيا، فمنذ العصور المبكرة للمسيحية وقدم الآباء هذه الصورة العلاجية في اعتبار الإفخارستيا دواء وترياقا، ويمكن الربط هنا بين مرارة الدواء ومرارة الله الكلمة المتجسد على عود الصليب، إذ يقول ق. إغناطيوس الأنطاكي إن الإفخارستيا هي: “دواء الخلود وترياق لئلا نموت”؛ ونجد تعبيرا مشابها عند ق. إيرينيؤس حيث يقول إنها: “ترياق الحياة”؛ وفي قداس ق. سيرابيون الأسقف يقول: “واجعل كل من يتناول أن ينال دواء للحياة”؛ وعند ق. غريغوريوس النيسي ولكن بلفظ آخر هو إكسير ويقول: “ما هو إذن هذا الإكسير ليس إلا هذا الجسد الممجد الذي استعلن أقوى من الموت (بالقيامة)”[48].
تتناول النقطة السادسة من هذا الاقتباس، مفهوم الاستنارة بواسطة التجسد، وهو ما يظهر بشكلٍ بارز عند أوريجانوس[49]، فحضور المسيح كان يعني القضاء على الشيطان، ولم يعد الإنسان يسير في كورة وظلال الموت، بل في دروب الحياة الجديدة وتحت ضياء نور الله الذي أشرق علينا. وذلك لأن المسيح أتى إلى العالم كمعلم، وكمربي، لكي يقود الإنسان بواسطة كلمته أو تعليمه إلى الشفاء، فهدف تجسد الكلمة هو إنارة ذهن الإنسان، حتى يصل إلى المعرفة الحقيقة غير الكاذبة. وكما يقول أوريجانوس إن تعليم ابن الله بالنسبة للبعض، يعمل بطريقة شفائية، وللبعض الآخر كنور واستنارة، وذلك وفقا للأسس الروحية لكل أحد[50]. وهذا ما أكد عليه القديس غريغوريوس النيسي بقوله:
“إن استعلان النور الإلهي الذي لشمس البر قد بدد ظلام الشر الذي للشيطان، وأنار الكون كله بنفس الطبيعة التي لنا، وكل ما سقط في هذه الطبيعة جعله يقوم، وقاد من هم في حرب إلى السلام الحقيقي، ورد المرذول إلى الشركة، ومن سقط من الحياة أعاده إليها مرة أخرى، ورد المسبي الخاضع لنير العبودية إلى مقامه الملوكي، وكل من كان مقيدا بقيود الموت، أعاده محررا إلى كورة الأحياء”[51].
وفي النقطة السابعة يتحدث عما نتج عن الخطيئة من إنفصال عن الله، ولهذا كان عمل المصالحة الذي قدمه الكلمة المتجسد على الصليب. وهذا يتفق مع ما كلام ق. يوحنا ذهبي الفم عن عمل المصالحة بواسطة آلام الصليب، فيقول:
“هذا الصُلح هو صُلح تام وكامل، مظهرا بهذا أن الطبيعة الإنسانية كانت غير مصالحة، كما هو الحال مع القديسين قبل الناموس، ’في جسد واحد‘، أي في جسده ثم يكمل ’مع الله‘. وكيف حدث هذا؟ حدث هذا بعدما جاز الآلام وتحمل الإدانة ’بالصليب قاتلا العداوة به‘”[52].
بينما النقطة الثامنة يتعرض الأنبا شنوده إلى نقطة مهمة عن سمو الإنسان، إذ يشير إلى أن تجسد ابن الله يهب الإنسان سموا ملائكيا، أو بمعنى أدق شبه ملائكي. هذا التعليم ورد عند أوريجانوس في كتاب المبادئ، فيقول:
“يتألف ثالث مصاف الخليقة العاقلة من تلك الأرواح التي حكم الله عليها بأنها خليقة بأن تملأ الجنس البشري، أي من نفوس البشر. إننا نجد بينها بعضا سمت فضائله حتى مصاف الملائكة”[53].
ويبدو أن ق. أثناسيوس يُعلم بالأمر ذاته، ويضع شرط لتحقيق هذا، وهو الشركة في الكلمة المتجسد، فيقول في الكتاب الثالث من ضد الآريوسيين:
“لأن الكلمة هو كل هذه [الأشياء]، التي إن استطاع أحد أن يشترك فيها كأنه شعاع واحد، فإن مثل هذا الإنسان يصير كاملا تماما بين الناس، ومساويا للملائكة. لأن الملائكة ورؤساء الملائكة، والسيادات، وكل الكلمة القوات والعروش باشتراكهم فيه ينظرون دائما وجه أبيه”[54].
(4) التأثير الخلاق للحضور الإفخارستي للسيد المسيح في الخبز والخمر:
تلك الكلمات أيضا تغيظ المجدف الذي يقول: “كيف يكون جسد الرب ودمه خبزا وخمرا؟” بعض منا هم من قالوا هذا؛ لأن قلبهم قد أفسدته كلمات أوريجانوس. أما أنا فأجيب على حمقهم هكذا : هل من صير التراب إنسانا ليست له القدرة أن يصير الخبز والخمر جسدا ودما؟ وعندما يقول: “هذا هو جسدي، هذا هو دمي”، فمن تكون أنت إذا؟ من ممن يقرؤون في الكتاب المقدس بتمعن لا يعرف أن الإنسان الذي خلقه الله كان موضوعا وحيدا مُزينا في كل أعضائه، ولكن بلا حراك مطلقا. ولكن لما نفخ الرب الإله ضابط الكل نسمة حياةٍ في وجهه، صار نفسا حية وتحرك كلية، وتكلم، ومشى، ومد ساعديه للعمل، وبارك بلسانه من خلقه. هكذا أيضا الخبز والخمر الموضوعان على مذبح الرب المقدس ومستقران عليه يسميان خبزا وخمرا، ولكن عندما تُتلى عليهما تلك الإفخارستيا المخوفة، ويرسل عليهما الرب الإله روحه القدوس من السماء، لا يعودان منذ تلك اللحظة خبزا أو خمرا، بل جسد الرب ودمه. وكل أعمال الله تصير بالإيمان، فإن كان عندك إيمان فعندك كمال السر، وإن لم يكن عندك إيمان فليس لك رجاء في السر ورب السر.
لقد كتبنا أيضا كلاما كثيرا عن السر ولكن [من المفيد] أيضا أن نقول كلاما آخر، أوله قوة وآخره دليل قاطع على الذين لا يؤمنون. أما نحن فنؤمن أنهما جسده ودمه، ولن نشك أنه الخبز الحقيقي الذي نزل من السماء. الخبز والماء هما حياة الأجسام البشرية، أما جسد الرب ودمه فهما الحياة الروحية […] لأن جسده مأكل حق ودمه مشرب حق. لأنه قال […] جسديا، الذين يؤمنون حسنا هم […] طعاما روحيا وشرابا روحيا جسد ودم الرب يسوع […] بركتنا، الرب الإله، هو وأبيه[55].
تتصف كتابات الأنبا شنوده بالتشبيهات والقياسات المتميزة بعض الشيء- إن لم تكن النادرة- إذ يرد في هذا الاقتباس السابق قياسان لافتان للانتباه، ويمكن حصرهما في الآتي:
- نفخة الرب الإله في خلق الإنسان وصيرورته نفسا حية، يقابلها الخبز والخمر على المذبح إذ يُتلى عليهما الإفخارستيا ويرسل عليهما الروح القدس فلا يعودان خبزا وخمرا بل جسد الرب ودمه.
يعتمد الأنبا شنوده في منظوره الأنثربولوجي على التكوين الثنائي للإنسان، أي نفس وجسد، وذلك يظهر بوضوح في عظة إني أتعجب فقرة 71- سيتم تناول هذا الجزء لاحقا- وكي ما يتم توضيح القياس بشكلٍ أكبر، يجب فهم معنى صيرورة الإنسان نفسا حية بنفخة الرب الإله. إن الطريقة التي خلق بها الله آدم تميزت عن طريقة خلق الكائنات الأخرى، فبعدما اكتمل الإنسان نفسا وجسدا نفخ فيه الله نسمة حياة، إذ يقول ق. كيرلس:
“وحتى لا يعتبر أن هذا الذي كان شبيها جدا بالمجد السماوي، خلق بنفس الطريقة التي خلقت بها المخلوقات الأخرى التي لم تكن هكذا، كرم خلقته، وذلك بإرادته الإلهية فقط، وعلى الرغم من أنه قد خلقه من الطين، إلا أنه كائن حي عاقل ونفخ فيه مباشرة روحا خالدة ومحيية، لأنه مكتوب: ’ونفخ في وجهه نسمة حياة. فصار آدم نفسا حية‘ (تك ٢: ٧)”[56].
ويتضح من النص أن النفخة الإلهية في آدم كانت روحا غير مخلوق لأنه كان روحا خالدا ومحييا، وهذا الروح بحسب آباء كنيسة الإسكندرية كان هو الروح القدس[57]. وتوجد قاعدة إيمانية هامة هي: الآب بالكلمة في الروح القدس يخلق كل الأشياء، وكما شُهد في مقدمة إنجيل يوحنا، فكل شيء بالكلمة كان وبغيره لم يكن شيء مما كان، وفيه كانت الحياة لكل المخلوقات، وبحسب ق. أثناسيوس، الروح القدس مالئ كل الأشياء وحاضر فيها وبواسطته تنال كل المخلوقات حياة من الكلمة[58]. ويقول ق. إيرينيؤس في هذا السياق:
“أما الإنسان، فقد خلقه بيديه نفسها، أخذا جزءا رقيقا ونقيا من الأرض ثم وحده بجزء من قوته. بعد ذلك طبع صورته على خليقته حتى يكون مميزا تمييزا واضحا، بأنه مخلوق على صورة الله، ثم وضع الإنسان المخلوق على الأرض لكي يمثل صورة الله فيها، ولكي ينقل الله الحياة إلى الإنسان نفخ في وجهه نسمة الحياة، وهذه جعلت الإنسان شبيها بالله”[59].
مما سبق، يمكن القول إن أنبا شنوده يشير إلى أن هناك عنصرين هما نفس وجسد الإنسان، يطرأ عليهما عمل حركي وهو نفخة الله في وجه الإنسان، ويصاحب هذا العمل الحركي حلول للروح القدس ينتج عنه صيرورة الإنسان نفسا حية. تتشابه صورة خلق الإنسان الأول مع الممارسة الإفخارستية، إذ توجد الثنائية ذاتها في العنصرين الإفخارسيين، أي الخبز والخمر، ويمثل الجانب العملي التلاوة الإفخارستية أي طقس القداس ذاته[60]، ومن ثم تتفق الصورتان في حلول الروح القدس المُغير إذ يُصير الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه.
- الخبز والماء هما حياة الأجسام البشرية، ويقابلهما أن جسد الرب ودمه هما الحياة الروحية.
يقدم أنبا شنوده هنا مقابلة حسية بعض الشيء، ما بين دور الخبز والماء وتأثيرهما على وجود الجسم البشري، وما بين الخبز والخمر أو جسد الرب ودمه في هبة الحياة الروحية. هذه المقابلة الحسية الإفخارستية- إذا جاز التعبير- تُظهر تأثرا واضحا بالمقابلة الآبائية بين الماء والإفخارستيا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول ق. أمبروسيوس:
“كانت مارة عين ماء شديدة المرارة ، فلما طرح فيها موسى الشجرة أصبحت مياهها عذبة. لأن الماء بدون الكرازة بصليب الرب لا فائدة منه للخلاص العتيد، ولكن بعد أن تكرس بسر صليب الخلاص يصبح مناسبا لاستعماله في الجرن الروحي، وكأس الخلاص“[61].
وعن كون الإفخارستيا مصدرا للحياة بالروح، يتضح تأثير ق. كيرلس في هذا الأمر، إذ يقول:
“لهذا بذل المسيح جسده الشخصي لحياة الجميع (على الصليب)، ومرة أخرى يجعل الحياة تسكن فينا بواسطة جسده (في الإفخارستيا)“[62].
4. الصراع ضد النسطورية
كان أنبا شنوده يتحدث باهتمام فيما يخص التعليم الخريستولوجي، ويهتم بكيفية التعامل مع إلوهية وإنسانية المسيح بعبارات مباشرة أساسية للغاية. ويتناول أنبا شنوده هذه النقاط الخريستولوجية في نصوص ثلاثة رئيسة: عظة “إني أتعجب” (حوالي 445م)، و”حدث ذات يوم” (حوالي 455م)، و”عندما تحدث الكلمة”. يناقش فيها أنبا شنوده باستفاضة، موضوع إنسانية وإلوهية المسيح. إذ يشير في عظة إني أتعجب إلى نسطور مباشرة، والذي يقتبس منه بشكلٍ منظم. في البداية، ركزت حُجج أنبا شنوده ضد نسطور في عظة أني أتعجب على الوجود السابق لابن الله من جهة إلوهيته، وذلك في سياق حديثه عن الولادة الجسدية من مريم العذراء[63].
لم يذكر نسطور مباشرة بعد في هذا الجزء، ولكنه يشير إلى شخص يقول إن مريم حبلت بالمسيح وليس الله[64]. يشير هذا الاقتباس بلا شك إلى الصراع الدائر في الكنيسة بين مفهومين: والدة الإله θεοτόκος، ووالدة المسيح χριστοτόκος، واللذين مثلا محور الصراع النسطوري. فمصطلح χριστοτόκος هو ما اقترحه نسطور لتسوية الجدال في نطاق سلطته بين أولئك الذين أرادوا الاعتراف بأن مريم كانت فقط (والدة الإنسان ἀνθρωποτόκος)، وأولئك الذين يؤكدون على استخدام لقب مريم العذراء التقليدي، (والدة الإله θεοτόκος). جادل نسطور بأنه يمكن استخدام كلا المصطلحين بطريقة أرثوذكسية، إذا تم شرحهما بشكلٍ صحيح من وجهة نظره، لكنه يرى أن مصطلح χριστοτόκος سيكون أقل غموضا واتفاقا مع الأسفار المقدسة[65].
يهدف أنبا شنوده هنا إلى إظهار أن الذي وُلد من العذراء مريم (غلاطية 4: 4) هو أيضا الذي كان موجودا مع الآب قبل خلق أي شيء (يو 1: 3؛ 18:28؛ 20: 21). يسوع المسيح هو إنسان واللوغوس الأزلي في آنٍ واحد. ونتيجة لهذا الاتحاد السري، فإن المولود من مريم العذراء هو حقا (1) الإله الأزلي، الذي كان قبل الخليقة، ولكن هو أيضا (2) إنسان كامل. ويصف أنبا شنوده هذه المفارقة فيما يتعلق بمريم العذراء على هذا النحو: مريم بحسب التدبير هي والدته؛ وبحسب إلوهيته السامية، هي أمته (ⲧⲉϥϩⲙϩⲁⲗ)[66]. تتلاقى الحجج المناهضة للآريوسية مع الحجج المناهضة للنسطورية في هذا الجزء، وذلك من جهة الاتحاد، الذي تأسس في رحم مريم العذراء، إذ أصبح ابن الله الأزلي، الذي به خلق كل شيء، إنسانا بينما ظل إلها[67].
ويتحدث أنبا شنوده عن أن نسطور آمن بأن المسيح “إنسان سكن فيه الله” وذلك “بعد أن وُلد من مريم حل فيه اللوغوس” (إني أتعجب 68). وفي عظته بعنوان حدث ذات يوم يتحدث عن لاهوت نسطور: “قال ’إنها ولدت إنسانا صالحا (ⲭⲣⲏⲥⲧⲟⲥ)‘ مثله مثل موسى وداود وآخرين”[68]. ويشير Davis [69] إلى أن أنبا شنوده قام بتغيير في اقتباسه الأخير من نسطور، فقد أبدل كلمة χριστοτόκος إلى كلمة χρηστοτόκος، والتي يمكن ترجمتها إلى إنسان صالح[70]. ومن خلال هذا الأمر يشير أنبا شنوده إلى أن نسطور يتمسك بإصرارٍ كبيرٍ بمفهوم والدة الإنسان ἀνθρωποτόκος. وفي هذا يمكن أن يكون هذا التغيير إما أسلوب بلاغي ذكي أو علامة واضحة أن أنبا شنوده ليس على دراية جيدة بفكر نسطور.
ولكن من الواضح أن أنبا شنوده يعرف الجدل الدائر حول مسألة ما إذا كانت مريم حملت “المسيح” أم “الإله”[71]. لذلك يمكن ترجيح أمر معرفة أنبا شنوده أن نسطور استخدم المصطلح χριστοτόκος، وليس χρηστοτόκος. لقد قدم أنبا شنوده فكر نسطور وذلك على السياق ذاته مع مفهوم χρηστοτόκος، أي من حيث أن يسوع مجرد إنسان مبارك حل عليه اللوغوس بعد الولادة[72]. يُقدم أنبا شنوده هنا إعادة توضيح لفكر نسطور كشكل من أشكال التبنوية adoptionism؛ إذ أتى اللوغوس إلى الابن المولود من مريم بعد ولادته[73]. إذ صياغة السُكنى وحدها الموجودة في أعمال نسطور لا توضح المعنى الكامل لفكره، ولكن مفهوم التبني في لاهوت نسطور هو ما يعني ضمنيا وجود صلة ضعيفة بين الناسوت واللاهوت في المسيح.
أي أن الأنبا شنوده يخلُص إلى أن فكر نسطور هو مجرد فكر فقير. وهذا يدعم الاستنتاج الذي توصل إليه Hugo Lundhaug[74] بأن أنبا شنوده يستخدم نسطور أساسا لأغراض بلاغية وليس للمشاركة في الجدال الأكبر ضد النساطرة؛ ويبدو أن أنبا شنوده يستخدم الإشارات إلى أولئك الهراطقة كأسلحة بلاغية في معركة ضد خصوم مختلفين في نطاقه، مستخدما إشارات إلى هراطقة معروفين على نطاق واسع بسوء تعاليمهم، وذلك نتيجة لوجود نقاط مشتركة مع آراء واتجاهات معينة لخصومه المحليين[75].
تتفق هذه الملاحظات أيضا بشكلٍ واضح مع إشارة دكتور صموئيل معوض: “معظم الرهبان لم يكونوا لاهوتيين ولم يحاولوا أن يكونوا كذلك. ولم يتمكنوا ولم يحاولوا الوصول إلى المصادر اللاهوتية، لأن غالبيتهم لم يتمكنوا من فهم اللغة اليونانية”[76]. إذا كان الهدف الرئيس للرهبان هو تقديم الدعم لآبائهم البطاركة[77]. وردا على التذمر الخريستولوجي المتزايد، كتب ق. كيرلس في رسالته إلى الرهبان، أنه لا يتوقع أن يهتم رهبانه بهذه الأسئلة على مستوى تعليمي متقدم، فيقول:
لذلك، كيف يحدث أني لا أعرف أن حياتكم مضيئة وجديرة بالإعجاب وأن إيمانكم الصحيح وغير الملوم، مؤسس على أساس سليم؟ ولكنني اضطربت جدا لأني قد سمعت أن بعض الإشاعات قد وصلت إليكم، وأن بعض الناس يتجولون لهدم إيمانكم البسيط، ويتقيأون كثرة من سفه الأقوال الجزافية غير النافعة، ويضعون تساؤلات ويقولون: هل ينبغي أن تدعى العذراء القديسة مريم، والدة الإله أم لا؟ إنه يكون من الأفضل لكم أن لا تلتفتوا بالمرة إلى مثل هذه المباحثات، وألا تحفروا بالمرة وراء أسئلة صعبة، تُرى كما في مرآة أو في لغز للعقل الكامل والذهن المدرب، لأن الأمور الدقيقة في القضايا الفكرية تعلو على فهم غير الكاملين (قليلي المعرفة).
وعلى أي حال فأنتم لم تظلوا جاهلين تماما لمثل هذه المناقشات ومن المحتمل أن البعض يغرمون بحب الانتصار في المجادلة وفي تثبيت هذا الأذى، مثل وتد في عقول غير الثابتين، ولذلك فكرت أنه من الضروري أن أقول لكم كلمات قليلة بخصوص هذه الأمور التي كلمتكم عنها، وأنا لا أفعل هذا لكي تدخلوا معركة أكبر حول الأقوال بل بالحري أقصد أن تهربوا من خطر الضلال إن برز أحد بهجوم على الحق بكلمات جزافية، وأيضا لكي تنفعوا الآخرين، كأخوة بالأفكار المناسبة، وتقنعوهم أن يحفظوا الإيمان (الإلهي) المسلم من فوق بواسطة الرسل إلى الكنائس، كجوهرة ثمينة في نفوسهم[78].
يريد ق. كيرلس أن يُعرف الرهبان كيف يتفاعلون عندما يواجهون هذه البدع، لكن لا يريد لهم أن يتفاعلوا مع “الأمور الدقيقة”. ومع أخذ هذه الأمور في الاعتبار، فإن إشارت أنبا شنوده لفكر نسطور هو بالضبط ما يمكن توقعه من وجود هذا الدور الداعم الذي أشار إليه ق. كيرلس. لا تكمُن الفكرة في أن أنبا شنوده لن يكون قادرا على فهم التفاصيل الفرعية لفكر نسطور؛ بل، أنه ليس من عمل أنبا شنوده دحض هذه المذاهب الهرطوقية على المستوى اللاهوتي الدقيق، إن مهمته هي مجرد تقديم الاعتراض على تعاليم نسطور والجدل على غرار آباء الكنيسة الذين يُعهد إليهم بالتعليم في صورته الدقيقة[79].
5. طبيعة واحدة
يوجد توجه في البحث الأكاديمي حول الأنبا شنوده، وذلك من جهة اعتباره مُدافعا متشددا عن خريستولوجية ق. كيرلس وق. ديسقورس بشكلٍ محدد. وقد كتب Bethune-Baker[80] في كتابه عن نسطور: “كان [أنبا شنوده] مدافعا شرسا لديوسقورس مثله مثل كيرلس، إذ رفض قبول قرارات مجمع خلقيدونية”[81]. وكتب أيضا G. T. Stokes[82]، في قاموس السير المسيحية: “عاش أنبا شنوده ليكون مهرطقا على النقيض من نسطور. وبعد مجمع خلقيدونية، أصبح مونوفيزيت ومناصرا عنيفا للبطريرك ديوسقورس الإسكندري”[83]. ولكن لم يقدم أيٍ منهما دليلا لاهوتيا على كلامهما.
إذ يشيران إلى عمل Revillout[84] الذي يعود إلى عام 1883م[85]، فهو يرى مثل Grillmeier، أن ارتباط نظرة الغرب عن أنبا شنوده باعتباره معبرا عن الفكر المونوفيزيتي أو غير الخلقيدوني، هو نتيجة لانتمائه الشديد ومناصرته للبابا كيرلس والبابا ديسقورس بشكلٍ خاص. ورغم مرور فترة زمانية كبيرة لا يزال هذا الفكر عن الأنبا شنوده متواجدا، إذ يشير Davis إلى دفاع أنبا شنوده عن أن هناك طبيعة واحدة فقط في شخص المسيح، وذلك نتيجة لكونه مجرد شخص كيرلسي على حد تعبيره، أي له ولاء كبير لتعاليم ق. كيرلس[86]. والدليل الذي يقدمه لهذا الاستنتاج هو مقطع صغير في عظة إني أتعجب، وفيه يقدم أنبا شنوده تفسيراته ليوحنا 10: 30، إذ يقول:
“اسمع الرب وهو يقول: “أنا وأبي، واحد”. لأن بقوله “أنا وأبي” يبين الأقانيم، أما بقوله: “نحن واحد”، فيشير إلى وحدة طبيعته أنها نفس جوهر (الآب)” (عظة إني أتعجب 86).
يستخدم الأنبا شنوده هنا الشاهد الكتابي في يو 14: 28، للتأكيد على أن الآب والابن لهما قداسة وكرامة وطبيعة واحدة. بينما يقول Davis إن هذا “يربط بين عقيدة كيرلس عن الطبيعة الواحدة للكلمة المتجسد مع عقيدة نيقية للجوهر المشترك الذي يشترك فيه الكلمة مع الآب”[87]. يعتبر Davis كلام أنبا شنوده هذا دفاعا عن مفهوم “الطبيعة الواحدة” من جهة تجسد الكلمة[88]. وهذه القراءة تعتبر إشكالية على عدة مستويات لهذا المقطع بعينه؛ هذا إلى جانب أن الاستنتاج الذي استخلصه Davis لهذا التفسير يتعارض مع باقي النصوص المتوفرة لأنبا شنوده[89].
لا يوجد شيء في السياق المباشر لهذا المقطع من أنبا شنوده يتعامل مع التعليم الخريستولوجي أو يذكر نسطور بالاسم. ولا يوجد وصف أو تلميح، سواء بشكلٍ إيجابيٍ أو سلبيٍ حول اعتبار هذا المقطع هو تصور للعلاقة بين الناسوت واللاهوت في شخص المسيح. إذ يشدد أنبا شنوده على المساواة بين الآب والابن في الجوهر، ويكون هذا السياق متماشيا مع الجدل ضد الآريوسية بالأكثر، وهو ما تم التأكيد عليه من خلال إشارة أنبا شنوده للبابا أثناسيوس، وذلك باقتباس من المقالة الثالثة ضد الآريوسيين:
“’أنا والآب واحد‘، أو ’أنا في الآب والآب في‘، بل قد قيل عنهم جميعا ’من مثلك بين الآلهة يا رب‘؟ و’من يشبه الرب بين أبناء الله‘؟، ولكن قيل عن الابن وحده إنه الصورة الحقيقية للآب ومن جوهره”[90].
إن أوجه التشابه بين كلمات ق. أثناسيوس وعمل أنبا شنوده السالف الذكر واضحة؛ إذ كلاهما يربط بين قول المسيح في يو 10: 30 والتأكيد أن الآب والابن لهما نفس الجوهر ولهما طبيعة واحدة. لذلك يجب قراءة اقتباس أنبا شنوده على يو 10: 30 بحسب سياق كلام ق. أثناسيوس نفسه، أي الطبيعة الإلهية غير المنقسمة وبالتالي لا ينبغي النظر إلى إلوهية الابن على أنها مختلفة أو غريبة عن إلوهية الآب، وهكذا يتعلق هذا المقطع بإلوهية الابن وليس تجسده.
وعند فحص النصوص المتاحة التي وصلت من كتابات أنبا شنوه، نجد استخدامه لمصطلح ⲫⲩⲥⲓⲥ ست مرات: أربع مرات في عظة (إني أتعجب): مرة واحدة، في (فقرة 15)، في اقتباس من أريوس: “إنه ليس ابن الله بالطبيعة”؛ ومرة واحدة في (فقرة 71)، إذ يقول: “ليس لأن طبيعة اللاهوت ماتت”؛ ومرة واحدة في (فقرة 42) للدلالة على الطبيعة البشرية بشكلٍ عام؛ ومرة في الإشارة لوحدة الجوهر بين الآب والابن في (فقرة 86). ويُستخدم مصطلح جوهر ⲟⲩⲥⲓ̅ⲁ ثلاث مرات، وجميعها للتأكيد على وحدة الجوهر (مرة واحدة في فقرة 17، مرتان في فقرة 86). ومصطلح ϩⲩⲡⲟⲥⲧⲁⲥⲓⲥ مرة في فقرة 86.
ورغم أن هذا المقطع المحدد في يو 10: 30 لا يرتبط مباشرة بالجدل الخريستولوجي، إلا أن أنبا شنوده يناقش ويدحض نسطور على نطاق واسع في مواضع أخرى (إني أتعجب، فقرات 68، 70، 74، 76، 77؛ حدث ذات يوم، فقرة 7). ومع ذلك، في سياق هذا الجدل النسطوري، يستخدم مصطلح “الطبيعة” مرة واحدة فقط، ولكن في الحديث عن وحدة الطبيعة بين الآب والابن، وذلك لا يتفق مع الطرح الذي يقدمه Davis عن هذا الجزء عند الأنبا شنوده[91].
6. المسيح غير المنقسم
رغم حديث أنبا شنوده المتكرر عن فكر نسطور، إلا أن المشكلة في فكر نسطور التي يحاول أنبا شنوده معالجتها تتماشى مع الانتقادات الرئيسة لخريستولوجية نسطور؛ إذ يفصل نسطور الناسوت عن اللاهوت في شخص المسيح. وبحسب أنبا شنوده، يقول نسطور أن الناسوت هو الذي يصرخ ضد الإلوهية بقوله: “لماذا تركتني؟” و”إن اللاهوت صعد للأعلى تاركا الناسوت على الصليب” (عظة إني أتعجب 70). يرى نسطور أن ما يقال عن الناسوت لا يمكن أن يقال عن اللاهوت، بل لا بد أن يُنسب إلى الناسوت فقط (عظة إني أتعجب 68). في المقابل تشير خريستولوجية ق. كيرلس إلى مفهوم تبادل الصفات، وهو ما لم يرغب نسطور في قبوله، إذ يقول في رسالته إلى ق. كيرلس:
“انظر بتدقيق… وستجد أن خورس الآباء الملهم من الله، لم يقل إن اللاهوت الواحد في الجوهر يمكن أن يتألم، ولا أن اللاهوت الأزلي مع الآب قد ولد حديثا، ولا أن اللاهوت قام من الأموات عند إقامة هيكله المنقوض”[92].
هذا الاعتقاد يجبر نسطور على القول إن اللاهوت لا يمكن أن يكون له دور في موت يسوع المسيح وصرخته نحو الله الآب. في المقابل يتناول أنبا شنوده هذه الادعاءات من خلال الاحتكام إلى الكتاب المقدس، موضحا أن الكلمة هو ذاته الذي تجسد (1يو 1)، ويقال عنه- وهو الكلمة المتجسد- أنه صُلب (رؤ 3: 15)، وهو الذي صرخ إلى الآب لحظة موته (مت 27: 46) وهو الذي طُعن (يو 19: 37). إذ أن المسيح إله كامل وإنسان كامل، مات وتألم في الجسد (1بط 4: 1):
“لكن كلمات الرسول توبخ حماقته: ’صلبوا رب المجد‘، وأيضا: ’رئيس الحياة قتلتموه‘. لم يقل: ’هو إنسان مقترن بإله‘. وكذلك: ’الذي إذ كان في صورة الله أطاع حتى الموت‘. ليس لأن طبيعة اللاهوت ماتت، بل هو قد مات بالجسد، كما هو مكتوب: ’فإذ قد تألم المسيح بالجسد‘؛ لأن اللاهوت لم ينفصل عن الناسوت وهو على الصليب. افهم هذا بمثال منا: هل لو قتل شخص يقال: ’لقد قتل الجسد‘؟ أ لا يُقال: ’لقد قُتل الإنسان كله‘؟ رغم أن النفس لا تموت، بل الجسد فقط هو الذي يموت. هكذا أيضا الحال مع الرب: مات بالجسد، أما بلاهوته فهو غير مائت. لأنه هكذا قال: ’اشترك في الدم واللحم‘، كما أننا قلنا مرارا كثيرة: ’الكلمة صار جسدا‘” (عظة إني أتعجب 71).
ويشير Grillmeier إلى تمييز أنبا شنوده في هذا المقطع بين “الشخص” و”الطبيعة” عند الحديث عن المسيح؛ إذ يفترض أن الطبيعة الإلهية لا تتألم في ذاتها، بل في الطبيعة البشرية[93]. وهذا بحسب ما قاله أنبا شنوده: “ليس لأن طبيعة اللاهوت ماتت (ⲫⲩⲥⲓⲥ ⲛ̅ⲧⲙⲛⲧⲛⲟⲩⲧⲉ)، بل هو قد مات بالجسد، كما هو مكتوب: ’فإذ قد تألم المسيح بالجسد‘ (1بط 4: 1)”. ويستخدم الأنبا شنوده هنا مصطلح (الطبيعة ⲫⲩⲥⲓⲥ) في سياق خريستولوجي. وهكذا مات يسوع المسيح مصلوبا على الصليب، بينما لاهوته لم يفارق ناسوته. يمكن اعتبار أن هذا التمييز الذي يقدمه أنبا شنوده بين الشخص والطبيعة، هو نتيجة الالتزام الكتابي جنبا إلى جنب مع معرفته بالاعتراف المسيحي الأساسي بعدم وجود انقسام بين الناسوت واللاهوت في الكلمة المتجسد.
ورغم أن يسوع المسيح مات بحسب الجسد، بحد تعبير أنبا شنوده كتابيا، إلا أنه يضع مركزية العمل وأصله مع الأقنوم الثاني من الثالوث، أي الله الكلمة. ويتضح هذا من العبارتين التاليين: “أنت ترى إذا أن اللوغوس الكائن منذ البدء هو نفسه الذي لمسوه هم في الجسد، ولم يكن مجرد إنسان محض هكذا” (إني أتعجب 69). لاحقا، كتب أنبا شنوده، في مقطع يتناول فكر أبوليناريس: “أما اللوغوس فهو الذي تجسد، راغبا أن يُظهر ذلك؛ أنه تأنس فعلا” (إني أتعجب 78). ولا يخشى أنبا شنوده من الاعتراف بإنسانية المسيح الحقيقية، ورغم ذلك يؤكد على الوجود السابق للوغوس، مع الإشارة إلى أن يسوع المسيح قد جاع وعطش وصرخ وتألم.
وقد تم الدمج بين فكرتين في سياق حديث الأنبا شنوده ضد تعاليم نسطور؛ فمن ناحية، توجد نقطة الفصل (ⲉⲛϥⲡⲱⲣϫ)[94] بين الناسوت عن اللاهوت في الكلمة المتجسد، وهو ما يُتهم بها نسطور، ومن ناحية أخرى يوجد مفهوم عدم الانقسام في الكلمة المتجسد، وهذا ما علم به أنبا شنوده. لا يستخدم أنبا شنوده في شرحه الخريستولوجي كلمات مثل “اتحاد” أو “وحدة”، لكنه يصف هذه العلاقة بمصطلحات سلبية نافية. إذ يعتبر أن الطريقة الصحيحة للكلام عن المسيح هي عبر عدم الفصل بين الطبيعتين. ويمكن النظر إلى مفهوم عدم الفصل هذا على أنه القضية المركزية للجدل، وهي طريقة أنبا شنوده للحكم على ما إذا كانت فكرة معينة عن المسيح صحيحة أم لا.
فهو لا يقبل الاعتقاد بأن أفعالا معينة للمسيح تتم بواسطة إحدى الطبيعتين بشكلٍ خاص يوحي بالانفصال، أو الاعتقاد بالافتراق الحرفي للكلمة عن المسيح عندما سُمر على الصليب. ورغم ذلك لا يناقش أنبا شنوده ما تستلزمه وحدة المسيح أو عدم انفصاله بحد تعبيره؛ هو فقط يجادل ببساطة في أن كل ما يقال عن المسيح أو يُنسب إليه يجب أن يقال عن يسوع المسيح من جهة أنه “الكلمة” المتجسد.
ويشير Knecht[95] إلى أن هذه الطريقة في الدفاع عن عدم انفصال اللاهوت عن الناسوت في المسيح، لها أوجه تشابه مذهلة مع التعليم الخريستولوجي عند ق. أثناسيوس وفي النصوص المنحولة المنسوبة له. إذ لا يقدم تفسيرا واضحا لكيفية التفكير في العلاقة بين لاهوت وناسوت المسيح، كما يفعل أنبا شنوده بالتحديد. إذ جسد المسيح هو بالحق جسده الخاص ولا ينبغي بأي حال من الأحوال وصفه بأنه منفصل عن لاهوته. وتهدف المقارنة التالية إلى إظهار أن: (1) كلام ق. أثناسيوس الموثق النسب والمنحول، وكلام أنبا شنوده يُظهران اهتماما أساسيا بوحدة ناسوت ولاهوت المسيح دون تقديم إطار ميتافيزيقي دقيق لها؛ و(2) إن كل من نصوص ق. أثناسيوس المنحولة وكلام أنبا شنوده يُظهران وعيا مشابها للسر المحيط بلاهوت المسيح غير المتألم وناسوت المسيح المتألم[96]. ويمكن عمل المقارنة التالية للتوضيح:
عظة أنبا شنوده، إني أتعجب | أثناسيوس المنحول، ضد الأريوسيين، المقالة الرابعة |
أنت ترى إذا أن اللوغوس الكائن منذ البدء هو نفسه الذي لمسوه هم في الجسد، ولم يكن مجرد إنسان محض هكذا. كذلك قد قيل أيضا عنه: “سينظرون إلى الذي طعنوه، فاللاهوت لم ينفصل أبدا عن الناسوت (69). | لأنه عندما يسمع الإنسان “الكلمة صار جسدا”، لم يظن أن الكلمة لم يعد موجود، هذا أمرٌ سخيف، كما قيل من قبل، هكذا أيضا عند سماعه للكلمة الذي اتحد بالجسد، جاعلا إياه يفهم السر الإلهي واحدا وبسيطا. ومع ذلك، فإن ما قاله رئيس الملائكة لوالدة الله نفسها هو أكثر وضوحا ولا جدال فيه، وهو يُظهر وحدانية الكلمة الإلهي والإنسان[97]. |
عظة أنبا شنوده، إني أتعجب | المقالة الثالثة ضد الأريوسيين للقديس أثناسيوس |
لماذا لم يفهم هو هذا؟ لأن (يسوع) لم يقل ببساطة: “انظروا يدي ورجلي إنسان”، بل قال: “رجلي ويدي”، غير فاصل الناسوت عن اللاهوت (فقرة 69). | لقد وجدنا أنه من الضروري أن نبحث هذه الأمور أولا لكي حينما نراه يعمل أو يقول ما يليق بالله بواسطة جسده، فإننا نعرف أنه يعمل هكذا لأنه هو الله، وأيضا إذ رأيناه يتكلم أو يتألم إنسانيا فإننا لا نجهل أنه باتخاذه الجسد صار إنسانا ولذلك فهو عمل هذه الأعمال وتكلم بهذه الكلمات، لأننا عندما نعرف ما هو خاص بكل منهما (الله والإنسان)، نرى ونفهم أن هذه الأمور التي تجري من كليهما، إنما تتم بواسطة واحد، فإننا نكون مستقيمين في إيماننا، ولن نضل أبدا[98]. |
توجد توجهات متشابهة بين هذه الاقتباسات فيما سبق. إذ في المقام الأول، يؤكدون على الوجود السابق قبل التجسد لله الكلمة، أي من جهة لاهوت المسيح. وعلى إلوهيته غير المتغيرة، وبكونه لم يتوقف عن أن يكون إلها. إذ أن الذي كان قبل الخليقة كلها، هو ذاته الذي صار جسدا. وتوجد إشارة في رسالة البابا ثيؤفيلوس الفصحية السابعة عشر، إلى أن اللوغوس لم يتغير نتيجة للتجسد، فيقول: “نحن ندرك أنه ظل على ما كان عليه قبل أن يصير إنسانا”[99].
ثانيا، لم يتعرض أيٌ منهم إلى موضوع كيفية الاتحاد بين اللاهوت والناسوت في المسيح. إذ يتحدث أنبا شنوده من جهة أن المسيح يدعو جسده بصيغة الملكية، وذلك لكون هذا الجسد هو جسده الخاص، أي يؤكد على مفهومي التخصيص والإسناد[100]، إذ يعني عدم التخصيص عند أنبا شنوده أن المسيح يصير منقسما إلى حقيقتين منفصلتين. ويلجأ كاتب نص أثناسيوس المنحول إلى مفهوم السر عندما يصف الاتحاد، ومن الواضح أنه لا يشير إلى كيفية حدوث هذا الاتحاد. بالنسبة لكليهما، تعتبر حقيقة حدوث الاتحاد هي محور حججهم، وليس الخوض في أي تفاصيل حول كيفية حدوث ذلك. ولكن يقدم ق. أثناسيوس محاولة بسيطة من أجل وصف عملي أكثر للاتحاد في الاقتباس الثاني عندما يقول: “لأننا إذا أدركنا ما هو مناسب من كل جهة، ورأينا وفهمنا أن هذه الأشياء وتلك قام بها شخص واحد”. ومع ذلك، يمكن النظر إلى هذا الأمر على أنه تمييز بين “الطبيعة” و”الشخص”، كما يشير أنبا شنوده أيضا.
إذ أن صيرورة اللوغوس جسدا بالحقيقة، فإن الجسد هو حقا جسده بالضرورة. ويجب أن يوصف كل من الجسد واللوغوس ويُنظر إليهما على أنهما يشكلان وحدة سرية واحدة. يُبدي أنبا شنوده اهتماما بالدفاع عن وحدة المسيح- وهو اتجاه لم يعبر عنه ق. كيرلس فحسب، بل عبر عنه ق. أثناسيوس بشكلٍ مشابه. ولكن ق. كيرلس يقدم شرحه هذا في سياق صراعه مع النسطورية، مستخدما مصطلحات تقنية وإطار ميتافيزيقي لإعطاء وصف متطور لهذا الاتحاد[101]. بينما يقول ق. أثناسيوس الآتي مقارنة مع الأنبا شنوده:
عظة أنبا شنوده، إني أتعجب | رسالة القديس أثناسيوس إلى أبكتيتوس |
… ليس لأن طبيعة اللاهوت ماتت، بل هو قد مات بالجسد، كما هو مكتوب: ’فإذ قد تألم المسيح بالجسد‘، لأن اللاهوت لم ينفصل عن الناسوت وهو على الصليب (71). | لأن تلك الأشياء التى كان يتألم منها، جسد الكلمة البشري، كان الكلمة الذي سكن في الجسد ينسبها لنفسه، لكي نستطيع نحن أن نشترك في لاهوت الكلمة. ومن العجيب، أن الكلمة نفسه كان متألما وغير متألم، فمن ناحية، كان (الكلمة) يتألم لأن جسده هو الذي كان يتألم وكان هو المتألم فيه، ومن الناحية الأخرى، لم يكن الكلمة يتألم، لأن الكلمة إذ هو إله بالطبيعة فهو لا يقبل التألم[102]. |
يحاول كل من ق. أثناسيوس وأنبا شنوده إعطاء تفسير لموضوع آلام المسيح، ولكن لا يغيب عنهما مفهوم الوحدة بين لاهوت وناسوت الكلمة المتجسد، إذ مع التأكيد على عدم الانفصال بين الطبيعتين أثناء وقوع الآلام، يتم دعم نقطة إلوهية الله الكلمة المتجسد الكاملة. وكلاهما يحصر موضع آلام المسيح في الجسد، على الرغم من أنهما يريدان أيضا التأكيد على عدم انقسام شخصه؛ إذ هو ذاته الذي تألم وهو أيضا غير المتألم. مما لا شك فيه أن ق. كيرلس سيتفق مع هذه العبارات، على الرغم من أنه قدم إطارا ميتافيزيقيا أكثر تعقيدا لتأطير هذه الصيغ العقائدية[103]. يظهر عند الأنبا شنوده بوضوح الميل الإسكندري الأساسي للدفاع عن وحدة المسيح وسمو اللوغوس في التجسد.
ومع ذلك، فإن أنبا شنوده يميل إلى صياغة أكثر بساطة عما كان واضحا في القرن الرابع، إذ يميل إلى الطريقة الأثناسية من جهة اتحاد اللاهوت والناسوت، ولكن لا يتعرض للصياغة الأكثر تعقيدا في زمنه[104]. يوجد مثال واحد يُظهر فيه أنبا شنوده تقدما واضحا عن لاهوت ق. أثناسيوس، وذلك كجزء لا يتجزأ من حجة عدم انقسام المسيح، إذ يستخدم أنبا شنوده تشبيه علاقة النفس بالجسد لإظهار طبيعة هذا الترابط أو الوحدة بين ناسوت ولاهوت المسيح فيما يتعلق بآلامه وموته؛ إذ يقول:
افهم هذا بمثال منا: هل لو قتل شخص يقال: ’لقد قتل الجسد‘؟ ألا يُقال: ’لقد قُتل الإنسان كله‘؟ رغم أن النفس لا تموت، بل الجسد فقط هو الذي يموت. هكذا أيضا الحال مع الرب: مات بالجسد، أما بلاهوته فهو غير مائت. لأنه هكذا قال: ’اشترك في الدم واللحم‘، كما أننا قلنا مرارا كثيرة:’الكلمة صار جسدا‘ (71).
يشير Davis إلى أن استخدام أنبا شنوده لتشبيه النفس والجسد يظهر في أعمال ق. كيرلس، ولكن لم يكن هو أول كاتب يستخدم هذا القياس؛ تم استخدامه بواسطة آريوس وأبوليناريوس في شرح اللوغوس والساركس (الجسد)، ولشرح اللوغوس والأنثروبوس (الإنسان) عند المفكرين الأنطاكيين[105]. وقد استخدمته المجموعة الأخيرة، ليس لتوضيح وحدانية اللاهوت والناسوت، ولكن لتبرير كيف يمكن أن تتحد “طبيعتان” ومع ذلك تظلان كما هما[106]. أثار تفسير هذا التشبيه الأنثروبولوجي كما هو موجود في أعمال كيرلس الإسكندري[107] قدرا كبيرا من التفكير الأكاديمي. إذ بحسب McGuckin[108]: “أكثر صورة تشبيهية متكررة لكيرلس عن اتحاد اللاهوت والناسوت في المسيح هي بناء على ذلك طريقة اتحاد النفس والجسد في الإنسان”[109].
وتشير Young[110] بخصوص هذا الأمر: “أصر كيرلس على أنه بالطريقة نفسها [ينقل الجسد القدرة على التألم إلى النفس غير المتألمة]، تألم اللوغوس بواسطة جسده الخاص، بينما ظل بطبيعته الأساسية غير متألم”[111]. ولكن على عكس العادة الأنطاكية “يستخدم كيرلس الإسكندري القياس لتوضيح الوحدة الوجودية للمسيح، ولكن ليس لتوضيح نوع العلاقة بينهما [أي اللاهوت والناسوت]”[112]. يتفق هؤلاء الأكاديميون على أن الهدف الأساسي عند ق. كيرلس لاستخدام هذا القياس، هو إظهار إمكانية وجود حقيقة أنطولوجية واحدة تتكون من طبيعتين متميزتين بشكلٍ أساسي. إذ أن المسيح له وجود أنطولوجي واحد، وأقنوم واحد فقط[113]. وهكذا يشير هذا القياس إلى وجود حقيقتين متميزتين، تشكلان معا كائنا بشريا واحدا[114]. إذ تكمُن القوة الدافعة وراء هذا التشبيه هي التأكيد على واحدية شخص المسيح أنطولوجيا بحسب ق. كيرلس.
لم يكن أنبا شنوده واضحا ومفصلا مثل ق. كيرلس، لكن لا يزال يمكن العثور على الجوانب الكيرلسية الأساسية في استخدام أنبا شنوده لهذا التشبيه. إذ بالنسبة له، يبدو أن الهدف الرئيس هو التأكيد والدفاع عن تمايُز الطبيعتين مع الحفاظ على الوحدة. فقد كان الكلمة المتجسد هو المصلوب، على الرغم من بقائه غير متألم في إلوهيته. وبذلك يستخدم أنبا شنوده القياس لتأكيد وشرح التمييز بين الذات والطبيعة، كما أشير سابقا. إذ يمكن أن يُنسب “الموت” إلى شخص كامل- نفس وجسد- ولكن لا يتعين على المرء أن يعترف بأن كلا من النفس والجسد، اللذين يشكلان ذلك الشخص، يموتان. وبطريقة مماثلة، لا يجب افتراض أن اللوغوس يموت عندما يقع الموت على شخص المسيح. ويمكن القول إن استخدام تشبيه النفس/الجسد لا لتوضيح طبيعة العلاقة بين اللاهوت والناسوت في المسيح، ولكن فقط لتأكيد أن النفس/الجسد يشكلان معا كائنا واحدا، لذا فإن الاتحاد المتجسد يشكل كينونة أو حقيقة واحدة للمسيح[115].
يقدم أنبا شنوده تأكيدا مستمرا في أن اللوغوس هو أساس كل ما فعله يسوع المسيح وقيل عن المسيح، وذلك من حيث تجسده منذ الحمل فصاعدا صار هناك وحدة مع الجسد. يستمر هذا الإدراك في تفسير أنبا شنوده فيما يتعلق بالأيام الفاصلة بين موت المسيح وقيامته، كما سيُظهر الاقتباس التالي مقارنة مع ق. كيرلس:
عظة أنبا شنوده، إني أتعجب | القديس كيرلس الإسكندري، المسيح الواحد |
الإنسان الذي يموت يترك جسده عادة على مرقدٍ لأجل من سيكفنوه، ونفسه تصعد إلى الله. أما الرب يسوع فقد ذاق الموت عنا، وترك جسده على خشبة (الصليب)، ونزل إلى الذين في الجحيم لكي [يُنعم المسيح] على الذين [هم] أعمال يديه في ذلك المكان. كذلك عاد وأقام الجسد في اليوم الثالث، وحمله معه للسموات، وصعد فيه، وسيأتي أيضا فيه ليدين الأحياء والأموات (73). | ولكن إذا كان خصومنا يتمسكون بالقول بأن الابن الوحيد كلمة الله أخذ من نسل داود وإبراهيم إنسانا، وأنه كون هذا الإنسان في أحشاء العذراء القديسة، ثم تصاحب مع هذا الإنسان، وجعله يتذوق الموت ثم أقامه من الأموات وأصعده إلى السموات، وأجلسه عن يمين الله[116]. |
يُعبر ق. كيرلس عن إشكالية محددة من جهة أن الابن الوحيد الكلمة يعمل بشكلٍ ما مع إنسان في صورة مصاحبة، ومن يعلم هكذا لا يمكنه الاعتراف بأن “الكلمة صار جسدا” (يو 1: 14). أولئك الذين يعترفون بهذا، يعتقدون أن الإنسان قد ارتفع بواسطة المصاحبة إلى مجد الإلوهية. يبدو للوهلة الأولى أن أنبا شنوده يقول ما يجادل ضده ق. كيرلس. ومع ذلك، فإن القراءة الفاحصة تكشف أن أنبا شنوده كان شديد الدقة في هذا المقطع بالتحديد. إذ يقدم أنبا شنوده أولا تصوره الأنثروبولوجي الطبيعي: الإنسان له نفس وجسد[117]. وعندما يموت الإنسان، تستمر نفسه في الوجود بينما يفقد جسده الحياة. وفيما يتعلق بالتجسد، يؤكد أنبا شنوده في موضع آخر، أن اللوغوس اتخذ جسدا ونفسا (عظة إني أتعجب 78). على غرار الإنسان الطبيعي في لحظة الموت، تفارق نفس المسيح جسده. ورغم عدم ذكر ذلك صراحة، إلا أن أنبا شنوده يدرك أن حالة المسيح المتجسد لم تتغير. ويتضح هذا الحضور الإلهي من جهة العمل الخلاصي الذي يُقدم بواسطة نفس المسيح لمن هم في الجحيم أو بحسب المفهوم القبطي (الأمنتي ⲁⲙⲛⲧⲉ)[118].
7. الخريستولوجية الكتابية عند الأنبا شنوده:
يرد في سيرة الأنبا شنوده من وضع تلميذه الأنبا ويصا تصريحا مهما للغاية: “كان [أي الأنبا شنوده] متسربلا بالمسيح، يلهج في الكتاب المقدس على الدوام. ولذلك صارت سيرته وتعاليمه حلوة في فم الجميع”[119]. فقد قرأ الأنبا شنوده الكُتب المقدسة وصار يرددها بطريقة تجعله يتحدث عن المسيح وحده، ويصير المسيح نفسه هو مركز الكتاب المقدس بالنسبة له. وجد هذا تعبيره في صلاة يسوع المذكورة في إحدى عظات أنبا شنوده (عظة إني أتعجب)، والتي قد تعتبر مرحلة مهمة في تاريخ صلاة يسوع بشكلٍ عام[120]:
مبارك أنت، يا الله، أنت وابنك المبارك، الذي اسمك واسمه هم واحد في فم من يقاوم الذين يقولون ذلك الشر المستحدث. فهذا هو غناه ورجاؤه.
في دخوله يقول: الله، وفي خروجه يقول: يسوع.
في رقاده يقول: الله، وفي قيامه يقول: يسوع.
وهو يسبح يقول: الله، وهو يصلي يقول: يسوع.
وحتى لا أطيل في هذا، فأنه واضح أننا حين نقول “يسوع” فإننا ننادي الثالوث المساوي (ⲧⲧⲣⲓⲁⲥ ⲛ︦ⳉⲟⲙⲟⲟⲩⲥⲓⲟⲥ).
ونرى الأنبا ويصا يقول على فم أبيه: “لم أنطق قط بكلمة من عندي لم يضعها المسيح على فمي”[121]. ومن الضروري ملاحظة أن ظهورات السيد المسيح في سيرة الأنبا شنوده التي وضعها تلميذه أنبا ويصا، يظهر فيها الرب يسوع كإنسان، فلم تكن روحانية أنبا شنوده خيالية كالدوسيتية التي حاربها، أو على مثال الأوريجانية[122]، بل صار تمجيد الرب يسوع كإنسان كامل بالحق وإله كامل بالحق.
وقد كان أنبا شنوده يستخدم الكتاب المقدس بانتظام في جداله. وتوجد مجموعة من النصوص كان لها الاهتمام الأكبر بشكلٍ خاص وهي: 1كو 2: 8 ؛ أع 3: 15؛ في 2: 5-8؛ 1بط 4: 1؛ عب ٢: ١٤؛ يو 1: 14؛ مت 1: 18؛ لو 1: 35. ويشير Davis بقوله: “المثير للاهتمام في اختيار أنبا شنوده للمقاطع هنا هو كيف يُبرز نفسه في خضم الجدالات التفسيرية التي احتدمت بين نسطور وكيرلس”[123]، ولا سيما الجمع بين عب 2: 14 “فإذ قد تشارك الأولادُ في اللحم والدم اشترك هُو أيضا كذلك فيهما، لكي يُبيد بالموت ذاك الذي لهُ سُلطانُ الموت، أي إبليس”، ويو 1: 14 “والكلمةُ صار جسدا وحل بيننا، ورأينا مجدهُ، مجدا كما لوحيدٍ من الآب، مملُوءا نعمة وحقا”، وفي 2: 6 “الذي إذ كان في صُورة الله، لم يحسب خُلسة أن يكُون مُعادلا لله”، مع مت 1: 18 “أما ولادةُ يسُوع المسيح فكانت هكذا: لما كانت مريمُ أُمُهُ مخطُوبة ليُوسُف، قبل أن يجتمعا، وُجدت حُبلى من الرُوح القُدُس”، إذ تشير العلاقة بين عبرانيين ويوحنا إلى تأثير عمل ق. كيرلس، وعلاقة فيلبي ومتى بالصراع المباشر مع نسطور[124]. ويحتاج هذا الأمر إلى بعض الفحص. من المؤكد أن في 2: 6أ تقدم في سياق مباشرة ضد النسطورية، ولكن مت 1: 18 لا يتفاعل مع أي ادعاءات نسطورية مباشرة[125]. ولكن يستخدم أنبا شنوده مت 1: 18 من أجل الإشارة إلى كون الناسوت واللاهوت هو حق في تجسد الله الكلمة.
لكن يطرح Davis افتراضا بأن أنبا شنوده يقدم حججه الكتابية ضد نسطور متأثرا بشكل كبير بتفسير ق. كيرلس لتلك النصوص التي استخدمها. ولكن الوضع غير ذلك، إذ أن النصوص التي يستخدمها أنبا شنوده في حججه الخريستولوجية، والطريقة التي يستخدم بها تلك الاقتباسات، هي انعكاس للنصوص والأساليب الكتابية التي استخدمها التقليد الإسكندري لأكثر من قرن، وليست دليلا على التبعية العمياء للقديس كيرلس[126]. ورغم أن كلا من ق. كيرلس وأنبا شنوده يربطان بين عب 2: 14 مع يو 1: 14، إلا أن هذا الارتباط لا يوجد في أعمال ق. كيرلس وحده، ولكن يوجد أيضا في كتابات ق. أثناسيوس. فمجرد إلقاء نظرة سريعة على عمل ق. أثناسيوس وق. ثيؤفيلوس سوف يتضح أن التطبيق لأغلب هذه الآيات الخريستولوجية المذكورة سابقا، بما في ذلك الاقتران بين عب 2: 14 ويو 1: 14، موجودة في عملهما وفي سياقات متشابهة[127]. من الجيد الإشارة إلى أن أنبا شنوده لا يستخدم النصوص التي ذكرها Davis فحسب، بل يقتبس أو يشير إلى عدد كبير من الآيات- بشكلٍ أساسي من العهد الجديد- في تناوله للمسائل الخريستولوجية[128].
على سبيل المثال يرد في المقالة الثانية للقديس أثناسيوس ضد الأريوسيين ربط بين يو 1: 14 وفي 2: 6-8، فيقول:
لأنه مكتوب “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله”. لم يكن هناك تساؤل بصيغة لماذا، وعندما كُتب “الكلمة صار جسدا” حينئذ ذُكر السبب الذي من أجله قد صار إذ ذُكر “وحل فينا” وعندما يقول الرسول أيضا: “الذي إذ كان في صورة الله” فإنه لم يذكر السبب إلا عندما أخذ صورة عبد. لأنه حينئذ أشار كنتيجة لذلك قائلا: “وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب”. ولهذا فقد صار جسدا متخذا صورة عبد[129].
على الرغم من أن الربط بين يو 1: 14 مع في 2: 6-8 ليس من ضمن تصنيف Davis لتلك الاقتباسات كتطبيق كيرلسي على حد تعبيره، إلا أنه يشير إلى أن استخدام يو 1: 14 وفي 2: 6-8 كان في التقليد الخريستولوجي الإسكندري لوقتٍ طويل عندما كتب أنبا شنوده نصه هذا. إذ أن الصلة بين يو 1: 14 وفي 2: 6-8 مستخدمة أيضا في الرسالة الفصحية رقم 17 للبابا ثيؤفيلوس (402م)[130]. ومن المثير للاهتمام، أن الربط بين يوحنا ورسالة فيلبي في المقالة الثالثة ضد الآريوسيين للقديس أثناسيوس، يقع في فصل يتناول تفسير 1بط 4: 1[131]، والذي يتماثل مع الاستخدام الوارد في عظة إني أتعجب، والذي اعتبره Davis بشكلٍ غريب أنه تأثير كيرلسي على كتابات أنبا شنوده. علاوة على ذلك، يستخدم ق. أثناسيوس في رسالته إلى أبكتيتوس عددا قليلا من المقاطع التي يلمح إليها أنبا شنوده أو يقتبسها[132].
يتضح بالأكثر أن أنبا شنوده يتبع التقليد الإسكندري الأوسع ويقدم الحجج الكتابية التي استخدمها ق. أثناسيوس وق. ثيؤفيلوس وق. كيرلس لوصف من هو المسيح. وهذا يعني بالطبع أن أنبا شنوده يستعين في بعض الأوقات بالقديس كيرلس، ولكن لا يعتبر كيرلسيا بحد تعبير Davis. ببساطة، لا توجد أدلة كافية في أعمال أنبا شنوده لترجيح هذا الافتراض أو نسبه إلى بطريرك بعينه دون الآخرين، سواء كان ق. أثناسيوس أو ق. ثيؤفيلوس أو حتى ق. كيرلس. يمكن ببساطة تحديد غالبية الإشارات الكتابية التي يبلغ عددها 35-40 والتي قدمها أنبا شنوده على أنها تعود للتقليد الإسكندري الخريستولوجي. في ضوء ما وصلت إليه الدراسة حتى الآن، يمكن اعتبار استخدام أنبا شنوده لهذه النصوص الكتابية راجعا إلى وعيه ومديونيته للتقليد الخريستولوجي الإسكندري السابق والمعاصر[133].
8. الخلاصة
يمكن اعتبار خريستولوجية أنبا شنوده أنها ذات بعد إسكندري عميق، إذ يقدم تعليمه عن واحدية شخص المسيح من جهة أن كل ما عمله وقاله المسيح يُقال ويُعمل بالضرورة من الكلمة المتجسد. وتتصف صياغة أنبا شنوده الخريستولوجية بشرح كيفية طبيعة الاتحاد بعبارات سلبية؛ إي الطبيعة غير المنقسمة في المسيح، ورفض التفكير في اللاهوت أو الناسوت بشكلٍ منفصل، وهذه الصياغة ذات تعبيرات شديدة اللهجة وذات طابع تحذيري، لأنه يغلب على هذه الصيغ أن تكون في سياق أخلاقي، حيث يعتبر السياق المهيمن على أغلب كتابات الأنبا شنوده. ولذلك تميل الدراسة إلى أخذ خريستولوجية أنبا شنوده باعتبارات الحياة الرهبانية اليومية في الاتحاد الرهباني الذي كان يترأسه، مما يوفر رؤية أكثر إثمارا وعملية، وأكثر انسجاما مع التوجهات الشخصية عند الأنبا شنوده.
[1] الأعمال التي تناولت خريستولوجية أنبا شنوده بالدراسة هي:
Stephen J. Davis, Coptic Christology in Practice, Incarnation and Divine Participation in Late Antique and Medieval Egypt, Oxford Press 2008, p. 59-85; Aloys Grillmeier, Christ in Christian Tradition, Vol. 2, Part 4, p. 167-228; Johannes J. Knecht, The Alexandrian Christology of Shenoute of Atripe, Journal of Eastern Christian Studies 70 (3-4), p. 153-191; H. F. Weiss, Zur Christologie des Schenute von Atripe, Bulletin de la société d’archéologie copte 20 (1969-1970), p. 177-209; L.-Th. Lefort, Catéchèse christologique de Chenoute, Zeitschrift für ägyptische Sprache und Altertumskunde 80 (1955), p. 40-45; Hugo Lundhaug, OSLO, The Christology of Shenoute’s I Am Amazed in Context, In: Origenes im koptischen Ägypten: Der Traktat des Schenute von Atripe gegen die Origenisten: 26, edit by Alfons Fürst, Aschendorff Verlag 2022, p. 115-133.
[2] David Brakke, Andrew Crislip, Selected Discourses of Shenoute the Great: Community, Theology, and Social Conflict in Late Antique Egypt, Cambridge University Press, 2015, p. 27.
[3] وقد قام Stephen Emmel بعمل رسالة الدكتوراه الخاصة به في تصنيف أعمال الأنبا شنوده بشكلٍ شبه مفصل، وتم نشر عمله هذا في:
Stephen Emmel, Shenoute’s Literary Corpus, Vol I, II, Lovanii in Aedibus Peeters 2004.
[4] David Brakke, Andrew Crislip, Op. cit., p. 27.
[5] تختلف القواعد الرهبانية عن القوانين، إذ أن الأخيرة هي مجموعة من العظات الموجهة للرهبان والراهبات، بينما الأولى هي بنود تتعلق بشكل الحياة الرهبانية ما يجب وما لا يجب فعله، وهي موزعه على نصوص القوانين، وقد قام Bentley Layton بتجميع تلك القواعد وعمل دراسة عليها، وتم نشر ترجمة هذا العمل في: بنتلي لايتون، قوانين آبائنا، القواعد الرهبانية للأنبا شنوده رئيس المتوحدين، ترجمة: موريس وهيب، وبيشوي جرجس، مراجعة وتقديم نيافة الأنبا ميخائيل، نشر الكلية الإكليريكية بدير الأنبا رويس، طبعة أولى نوفمبر 2021.
[6] صموئيل قزمان معوض (دكتور)، الأنبا شنوده رئيس المتوحدين: الجزء الأول (سيرته، عظاته، قوانينه)، باناريون، طبعة أولى ديسمبر 2009م، ص 96-106.
[7] Stephen J. Davis, Op. cit., p. 59.
[8] Stephen Emmel, Op. cit., p. 6-14.
[9] Aloys Grillmeier, Op. cit., p. 168, n. 4.
[10] David Brakke, Andrew Crislip, Op. cit., p. 28.
[11] كان Aloys Grillmeier (1910-1998م) كاهنا يسوعيا ألمانيا وعالما لاهوتيا وكاردينالا شماسا للكنيسة الكاثوليكية، له العديد من الدراسات الخاصة بتاريخ التعليم عن طبيعة المسيح، وقد كان مستشارا لمعهد البرو أورينتي للحوارات المسكونية بين الكنيسة القبطية والكنيسة الكاثوليكية؛ للمزيد يمكن الرجوع إلى:
https://www.catholic-hierarchy.org/bishop/bgril.html (28/8/2022)
[12] Aloys Grillmeier, Op. cit., p. 167.
[13] Stephen J. Davis, Op. cit., p. 59ff; Aloys Grillmeier, Op. cit., p. 217ff.
[14] H. Lundhaug, “Baptism in the monasteries of Upper Egypt: the Pachomian corpus and the writings of Shenoute,” in Ablution, Initiation, and Baptism: Late Antiquity, Early Judaism, and Early Christianity, eds. D. Hellholm, T. Vegge, Norderval, and C. Hellholm. Beihefte zur Zeitschrift für die neutestamentliche Wissenschaft 176/II. Berlin 2011, p. 1347–1380.
[15] Hany Takla, “Biblical Manuscripts of the Monastery of St. Shenoute the Archimandrite”, in Christianity and Monasticism in Upper Egypt, eds. Gawdat Gabra and Hany Takla (Cairo, 2008), p. 155-156.
[16] هو عالم ألماني مواليد 1962م، درس اللاهوت الكاثوليكي وعلم فقه اللغة الكلاسيكي وعلوم الشرق المسيحي؛ وصار عضوا بالمجلس الأكاديمي للغات الكتاب المقدس في كلية اللاهوت في ترير.
[17] Hans-Joachim Cristea, Schenute von Atripe: Contra Origenistas, Studien und Texte zu Antike und Christentum, 60 (Tübingen, 2011), p. 66-109.
[18] انظر: زكا فايز لبيب (القس)، صموئيل قزمان معوض (دكتور)، القديس أثناسيوس الرسولي: الرسالة الفصحية 39 لعام 367م، مجلة مدرسة الإسكندرية، السنة الخامسة العدد الثالث 2013م، 257-287.
[19] انظر: أثناسيوس الرسولي (القديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين (الشهادة لإلوهة المسيح)، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، نشر مؤسسة القديس أنطونيوس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، الطبعة الأولى 2015م.
[20] انظر: صموئيل معوض (دكتور)، إطلالات على تراث الأدب القبطي، ج1، مدرسة الإسكندرية، طبعة أولى سبتمبر 2013م، ص 125-158.
[21] صموئيل معوض (دكتور)، الأنبا شنوده رئيس المتوحدين، ص 158-167.
[22] Russell, Theophilus of Alexandria, p. 4.
[23] Frances M. Young and Andrew Teal, From Nicaea to Chalcedon: A Guide to the Literature and Its Background, Baker Academic 2012, p. 61.
[24] كيرلس الإسكندري (القديس)، رسائل القديس كيرلس الإسكندري، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، د. موريس تاوضروس، نشر مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية، طبعة 2020، الرسالة الأولى فقرة 7، ص 3.
[25] Hans-Joachim Cristea, Op. cit., p. 84.
[26] Ibid., p. 90-99.
[27] يقدم Cristea مقارنة بين ق. كيرلس والأنبا شنوده من جهة تفاعل كلٍ منهما مع الاقتباس نفسه، يمكن الرجوع إلى:
Ibid., p. 92, n. 246.
[28] Janet A. Timbie, “Reading and Rereading Shenoute’s “I Am Amazed”: More Information on Nestorius and Others”, In: The World of Early Egyptian Christianity: Language Literature, and Social Context, eds. James E. Goehring and Janet A. Timbie, CUA Studies in Early Christianity, Washington 2007, p. 70.
[29] كيرلس الإسكندري (القديس)، رسائل القديس كيرلس الإسكندري، ص 27-31، 70-83.
[30] صموئيل معوض (دكتور)، الأنبا شنوده رئيس المتوحدين، ص 144-145، عظة إني أتعجب، فقرة 67.
[31] تقدم الدراسة بعض أقوال الآباء التي تتشابه مع فكر الأنبا شنوده، وذلك لبيان موثوقية أفكاره وامتدادها عبر فكر آباء كنيسة الإسكندرية.
[32] كيرلس الإسكندري (القديس)، رسائل القديس كيرلس الإسكندري، الرسالة رقم 1، فقرة 26، ص 12.
[33] Luigi Gambero, Mary and the Fathers of the Church: The Blessed Virgin Mary in Patristic Thought, Ignatius Press 1999, p. 319.
[34] بطرس كرم صادق، مرجع سابق، ص 81.
[35] Luigi Gambero, Op. cit., p. 242.
[36] تك 1: 26
[37] صموئيل معوض (دكتور)، الأنبا شنوده رئيس المتوحدين، ص174، عظة حدث ذات يوم، فقرة 4.
[38] أي أن كلمة الله الأزلي المولود من الآب قبل الدهور والذي صار إنسانا، لم يكن وجوده لاهوتيا مع بدء وجود طبيعة المسيح الإنسانية في الزمن، بل موجودا قبل الحدث أزليا، وهذا وعيٌ كتابيٌ واضحٌ في (في 2: 6؛ يو 1: 1-18، 17: 5).
[39] Masanobu Endo, Creation and Christology: A Study on the Johannine Prologue in the Light of Early Jewish Creation Accounts (Wissenschaftliche Untersuchungen Zum Neuen Testament 2.Reihe), Mohr Siebeck 2002, p. 233.
[40] مينا فؤاد توفيق، عماد عاطف، الوحدانية والثالوث، دراسة حول مفهوم الوحدانية والثالوث في كتابات الآباء الرسوليين، نشر مدرسة الإسكندرية، طبعة أولى 2022، ص 67.
[41] صموئيل معوض (دكتور)، الأنبا شنوده رئيس المتوحدين، ص172-173، عظة حدث ذات يوم، فقرة 2.
[42] David Brakke, Andrew Crislip, Op. cit., p. 147-148.
[43] فيما يخص هذا النمط البلاغي في العظات القبطية يمكن الرجوع إلى: مارك شريدن، مرجع سابق، ص 245-273.
[44] كيرلس الإسكندري (القديس)، شرح إنجيل يوحنا، 14: 20.
[45] أثناسيوس الرسولي (القديس)، ضد الآريوسيين، 3: 34.
[46] سعيد حكيم (دكتور)، الآباء والعقيدة، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، طبعة أولى يوليو 2012م، ص 115-116.
[47] المرجع السابق، ص116-120.
[48] إغناطيوس الأنطاكي (القديس)، الرسالة إلى أفسس، 20؛ إيرينيؤس، ضد الهرطقات، (3: 19: 1)؛ غريغوريوس النيسي (القديس)، العظة التعليمية الكبرى، 37؛ وهذا بحسب ما ورد في: عماد موريس إسكندر (دكتور)، تدبير ملء الأزمنة، مفهوم الخلاص في التراث الآبائي الشرقي، مركز باناريون للتراث الآبائي، الطبعة الأولى يونيو 2019م، ص 301.
[49] رغم المعادة الشديدة التي يُظهرها أنبا شنوده تجاه أوريجانوس والأوريجانية، إلا أن هذا لا ينفي تأثر أنبا شنوده بصورة أو بأخرى، على سبيل المثال لا الحصر في شرحه لسفر نشيد الأنشاد، يمكن الرجوع إلى: موريس وهيب، تفسير سفر نشيد الأنشاد في عظة الأرشمندريت أنبا شنوده “حينما جلستُ على جبل”، مجلة مدرسة الإسكندرية، العدد الثلاثون السنة الثالثة عشرة، العدد الأول إبريل 2021م، ص 225-250.
[50] سعيد حكيم (دكتور)، التعليم الخريستولوجي في كتابات آباء الكنيسة المعلمين، ص 88.
[51] غريغوريوس النيسي (القديس)، ميلاد المسيح، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ص 34.
[52] يوحنا ذهبي الفم (القديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب، نشر مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية، طبعة 2012م، ص 94.
[53] أوريجانوس، المبادئ، (1: 8: 4).
[54] أثناسيوس الرسولي (القديس)، ضد الآريوسيين، 3: 51.
[55] صموئيل معوض (دكتور)، مرجع سابق، ص175-176، عظة حدث ذات يوم، فقرة 8-9.
[56] كيرلس الإسكندري (القديس)، تعليقات لامعة على سفر التكوين (جلافيرا)، مقدمة وترجمة وتعليق د. جورج عوض إبراهيم، نشر المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، الطبعة الثانية أغسطس 2015، المقالة الأولى، ص 109.
[57] على سبيل المثال لا الحصر، ق. كليمندس الإسكندري، المربي، 2: 3؛ أوريجانوس، ضد كلسس، الفصل 37، كتاب المبادئ، 6: 3؛ كيرلس الإسكندري (القديس)، شرح إنجيل يوحنا، 14: 20، كيرلس الإسكندري (القديس)، ضد الذين يتصورون أن لله هيئة بشرية، ترجمة: دكتور جورج عوض إبراهيم، بدون ناشر، طبعة أولى مايو 2013م، ص 53.
[58] أثناسيوس الرسولي (القديس)، الرسائل عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون، نشر المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 1: 23.
[59] إيرينيؤس (القديس)، الكرازة الرسولية، الترجمة والمقدمة والتعليقات د. نصحي عبد الشهيد، د. جورج عوض إبراهيم، نشر المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، الطبعة الثانية يناير 2009، فقرة 11، ص 76-77.
[60] من المثير للاهتمام هو أن بحسب الطقس القبطي الحالي في مماراسات الكاهن الطقسية للقداس، أن يقوم بالنفخ في الخبز عند قوله وقسمه، وعند قوله وذاق يقوم بلأمر ذاته، لكن لم تستطع الدراسة الوصول إلى إشارة مكتوبة على هذه الممارسة، ولكن الأمر مجرد تسليم شفاهي مستمر حتى الآن.
[61] Ambrose, On the Mysteries, 3:14, https://www.newadvent.org/fathers/3405.htm (26/4/2022).
[62] كيرلس الإسكندري (القديس)، شرح إنجيل يوحنا، 6: 51.
[63] عظة إني أتعجب فقرة رقم 67.
[64] لقد وردت هذه العبارة في الترجمة الألمانية لعظة إني أتعجب، إذ تقول: “أما الآخرون الذين يقولون: ’حقا، لقد ولدت مريم المسيح وليس الله‘، فإنهم مثل العميان، (عيونهم) مغلقة كالعميان، بحسب كلمات الكتاب المقدس”، وذلك في
Hans-Joachim Cristea, Op. cit., p. 264 (§451).
[65] Frances M. Young and Andrew Teal, Op. cit., p. 292-293.
[66] Hans-Joachim Cristea, Op. cit., p. 73, 189, 265.
[67] صموئيل معوض (دكتور)، مرجع سابق، ص 174-175، عظة حدث ذات يوم، فقرة 4-6.
[68] Stephen J. Davis, Op. cit., p. 288; L.-Th. Lefort, Op. cit., p. 45;
وهذه ترجمة مختلفة عن ترجمة د. صموئيل معوض في عظة (حدث ذات يوم)، فقرة 7، إذ يقول: “إنها ولدت المسيح الإنسان، مثله مثل موسى وداود وآخرين”. وترجمة كل من Lefort و Davisتتفق مع النص القبطي الذي نشره Lefort المشار إليه هنا.
[69] هو أستاذ وولسي للدراسات الدينية وأستاذ التاريخ بجامعة ييل، متخصص في تاريخ المسيحية القديمة والوسطى، مع التركيز بشكل خاص على شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى؛ للمزيد يمكن الرجوع إلى:
https://religiousstudies.yale.edu/people/stephen-davis (28/8/2022)
[70] Stephen J. Davis, Op. cit., p. 288 n. 71.
[71] Hans-Joachim Cristea, Op. cit., p. 264 (§451).
[72] Johannes J. Knecht, The Alexandrian Christology of Shenoute of Atripe, Journal of Eastern Christian Studies 70 (3-4), p.162.
[73] Aloys Grillmeier, Christ in Christian Tradition, Vol. 2, Part 4, p. 215.
[74] هو أستاذ في الدراسات الكتابية والأدب المسيحي المبكر بجامعة أوسلو، ومدير المجموعة البحثية للنصوص والمخطوطات القبطية في كلية أصول الدين بجامعة أوسلو؛ للمزيد يمكن الرجوع إلى:
https://hugolundhaug.academia.edu/ (28/8/2022)
[75] H. Lundhaug, Shenoute’s Heresiological Polemics and its Context(s), Jörg Ulrich, Anders-Christian Jacobsen, and David Brakke, eds., Invention, Rewriting, Usurpation: Discursive Fights over Religious Traditions in Antiquity (Early Christianity in the Context of Antiquity 11; Frankfurt: Peter Lang, 2012), 259-260.
[76] Samuel Moawad, ‘The Relationship of St. Shenoute of Atripe with His Contemporary Patriarchs of Alexandria’, Christianity and Monasticism in Upper Egypt, eds. Gawdat Gabra and Hany Takla (Cairo, 2008), p. 107-120.
[77] Ibid., p. 112.
[78] كيرلس الإسكندري (القديس)، رسائل القديس كيرلس الإسكندري، الرسالة الأولى، فقرة 4.
[79] Johannes J. Knecht, Op. cit., p. 164.
[80] كان James Franklin Bethune-Baker (1861-1951م) أستاذا للاهوت بجامعة كامبريدج من 1891م إلى 1935م؛ للمزيد يمكن الرجوع إلى:
https://www.findagrave.com/memorial/97071999/james-franklin-bethune-baker (28/8/2022)
[81] J. F. Bethune-Baker, Nestorius and his Teaching: A Fresh Examination of the Evidence, Cambridge University Press 1908, p. 43.
[82] كان George Thomas Stokes (1843-1898م) مؤرخا كنسيا إيرلنديا.
[83] G.T. Stokes, ‘Senuti’, Dictionary of Christian Biography and Literature to the End of the Sixth Century A.D.: With an Account of the Principal Sects and Heresies, ed. Henry Wace (Grand Rapids, MI, 2007), p. 888-889.
[84] كان Eugène Revillout (1843- 1913م) عالما في المصريات فرنسي الأصل.
[85] E. Revillout, ‘Les origines du schisme égyptien’, Revue de l’histoire des religions Vol. 8 (1883), p. 401-467.
[86] Stephen J. Davis, Op. cit., p. 48.
[87] Ibid., p. 69.
[88] Ibid., p. 70.
[89] Aloys Grillmeier, Christ in Christian Tradition, Vol. 2, Part 4, p. 187.
[90] أثناسيوس الرسولي (القديس)، ضد الآريوسيين، ص 302.
[91] Johannes J. Knecht, Op. cit., p. 171.
[92] كيرلس الإسكندري (القديس)، رسائل القديس كيرلس الإسكندري، رسالة رقم 5، فقرة 3، ص 32-33.
[93] Aloys Grillmeier, Christ in Christian Tradition, Vol. 2, Part 4, p. 216.
[94] “غير فاصل الناسوت عن اللاهوت… فاللاهوت لم ينفصل أبدا عن الناسوت” (إني أتعجب 69)؛ “لأن اللاهوت لم ينفصل عن الناسوت وهو على الصليب” (إني أتعجب 71)
[95] Johannes J. Knecht حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة الديس أندرو، وحاليا هو باحث منتسب في اللاهوت التاريخي بالكلية اللاهوت اللإنجيلية في بلجيكا؛ للمزيد يمكن الرجوع إلى:
https://www.etf.edu/medewerkers/johannes-j-knecht/ (28/8/2022)
[96] Johannes J. Knecht, Op. cit., p. 174-175.
[97] Athanasius [pseud.], Oratio contra Arianos IV.32, NPNF 2.4 (see n. 59), p. 446.
[98] أثناسيوس الرسولي (القديس)، ضد الآريوسيين، (3: 35)، ص 338-339.
[99] Norman Russell, Theophilus of Alexandria, p. 120.
[100] للمزيد عن هذه المفاهيم، يمكن الرجوع للجزء الخاص بالقديس أثناسيوس في الفصل الأول.
[101] Mark Moussa, ‘I Am Amazed: Shenoute of Atripe’s Endorsement of Alexandrian Theology in the White Monastery’, Bulletin of the Saint Shenouda Coptic Society, 5 (1998-99), p. 19-40.
[102] أغاثون الأنطوني (الراهب)، مرجع سابق، ص 424.
[103] إذ يستخدم ق. كيرلس تعبيرا دقيقا وهو: “تألم لا تألميا apathos epathen”، را. المرجع السابق، حاشية رقم 4.
[104] Johannes J. Knecht, Op. cit., p. 177-179.
[105] Thomas Weinandy, Op. cit., p. 60-61.
[106] Ibid., p. 61.
[107] كيرلس الإسكندري (القديس)، رسائل القديس كيرلس الإسكندري، 1، 44، 45، 50.
[108] John Anthony McGuckin (مواليد 1952م) هو عالم لاهوت بريطاني، ومؤرخ كنسي، وكاهن وشاعر مسيحي أرثوذكسي.
[109] أغاثون الأنطوني (الراهب)، مرجع سابق، ص 228.
[110] Frances M. Young هي من مواليد 1939م، وهي عالمة لاهوت مسيحي بريطانية وأستاذة فخرية في جامعة برمنجهام.
[111] Frances M. Young and Andrew Teal, Op. cit., p. 318.
[112] Thomas Weinandy, Op. cit., p. 60.
[113] أغاثون الأنطوني (الراهب)، مرجع سابق، 228-238.
[114] Lionel R. Wickham, Cyril of Alexandria: Select Letters, Oxford, Clarendon Press, 1983, p. xxxii.
[115] Thomas Weinandy, Op. cit., p. 65.
[116] Saint Cyril of Alexandria, On the Unity of Christ, p. 69-70.
[117] يستخدم أنبا شنوده مصطلح ⲥⲱⲙⲁ بشكلٍ ثابت كإشارة إلى الجانب الجسدي من الوجود البشري، ويرى أن مصطلح ⲥⲁⲣⲝ هو مرادف إلى ⲥⲱⲙⲁ، يمكن الرجوع إلى
Hans-Joachim Cristea, Op. cit., p. 193-194.
[118] Norman Russell, Theophilus of Alexandria, p. 52.
وهي اللفظة ذاتها في الليتورجيا القبطية، عبد المسيح صليب البرموسي المسعودي (القمص)، الخولاجي المقدس، ص 361.
[119] صموئيل معوض (دكتور)، الأنبا شنوده رئيس المتوحدين، ص 409.
[120] المرجع السابق، ص 153-154، 157.
[121] المرجع السابق، ص 409.
[122] إذ يشير الأنبا شنوده إلى رفضه لمفهوم عدم توجيه الصلاة إلى الرب يسوع، بل توجه فقط للآب، انظر صموئيل معوض (دكتور)، مرجع سابق، ص 140.
[123] Stephen J. Davis, Op. cit., p. 70.
[124] Ibid., p. 71-72.
[125] صموئيل معوض (دكتور)، الأنبا شنوده رئيس المتوحدين، عظة إني أتعجب فقرة 72.
[126] Stephen J. Davis, Op. cit., p. 70-72.
[127] Johannes J. Knecht, Op. cit., p. 184.
[128] Ibid., n. 123.
[129] أثناسيوس الرسولي (القديس)، ضد الآريوسيين، فقرة 53، ص 237-238؛ وأيضا في فقرة 29، ص 330-331.
[130] Norman Russell, Theophilus of Alexandria, p. 128-129.
[131] أثناسيوس الرسولي (القديس)، ضد الآريوسيين، 3: 26-35.
[132] أغاثون الأنطوني (الراهب)، مرجع سابق، ص 425.
[133] Johannes J. Knecht, Op. cit., p. 187.