عام
الكتاب المقدس والتقليد – كيف نفهم الكتاب المقدس
الكتاب المقدس والتقليد
(الجزء الأول)
(الجزء الأول)
سنتحدث منذ اليوم يا إخوتي عن التقليد ما هو وعلاقته بتفسير الكتاب المقدس، لكي نصل في النهاية للفهم الصحيح وتمييزه من الفهم الخاطئ لكلمة الله، لأن كثيرين أخذوا على عاتقهم شرح وتفسير الكتاب المقدس، على ضوء ما فهموه وعرفوه بالبحث والتنقيب والتفتيش وربط الآيات ببعضها البعض، وظنوا أنهم بذلك توصلوا للقصد الإلهي والمفهوم الصحيح لها، وذلك باستعانتهم بالترجمات ومعرفة حتى الأصول اليونانية، لأن معرفة الأصول والألفاظ هي مجرد خطوة لا تأتي على الإطلاق قبل معرفة الله بإعلان الروح القدس في القلب، لأن الكلمة تم الوحي بها بالروح، ولا يستطيع إنسان يفهمها فهماً صحيحاً إلا بالروح القدس عينه، التي كُتبت به، عدا ذلك سيكون الكلام وليد الفكر وقناعة عقل، ويظن الإنسان أنه يتكلم في سرّ التقوى حتى أنه يقص ويلصق الآيات في غير موضعها وعلى غير معناها (دون أن يقصد أحياناً) ليثبت فكره الشخصي المُجرد من إعلان الروح القدس، وبذلك – عن دون قصد – يضلّ عن المعنى الذي يقصده الله لكي يحيا به الإنسان ويتمم مقاصد الله في حياته الشخصية …. لذلك من الأهمية أن نركز في هذا الموضوع لكي نصل بقناعة العقل المستنير بالروح، والقلب المنفتح على الله بعين القلب الداخلي والذي يُسمى الذهن المنفتح بالروح على الله، لذلك نُصلي حتى يمد الله يده ليفتح ذهننا، لأنه مكتوب: [ حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب ] (لوقا 24: 45)…
وبدون فتح الذهن يا إخوتي بالروح، لن يفهم أحد الكتب حتى لو كتب دراسة عميقة يستطيع بها أن يُقنع الآخرين، مهما ما بلغ من حدة زكاء أو معرفة أو بحث دائب وحتى لو كان الكلام صحيح بكل تأكيد 100%، لأن لن يظهر فيه برهان الروح والقوة إنما فلسفة فكر ومعرفة عقل، ويظن أن هذه هي الاستنارة، مع أنها ليست استنارة على الإطلاق، بل هي عرض فكر شخصي بعيد كل البعد عن الله الحي ناتج من استنتاج العقل حسب الفكر والمنطق، لذلك قال الرسول: [ وأنا لما أتيت إليكم أيها الإخوة أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة مناديا لكم بشهادة الله. لأني لم أَعزم أن أَعرف شيئا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً. وأنا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة. وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة. لكي لا يكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله. لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يُبطلون. بل نتكلم بحكمة الله في سر الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا. التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد. بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع اذن و لم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه. فأعلنه الله لنا نحن بروحه لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله. لأن مَنْ مِنَ الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه، هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله. التي نتكلم بها أيضاً لا بأقوال تُعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس، قارنين الروحيات بالروحيات. ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة، ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يُحكم فيه روحيا. وأما الروحي فيحكم في كل شيء وهو لا يُحكم فيه من أحد. لأنه من عرف فكر الرب فيعلمه وأما نحن فلنا فكر المسيح ] (أنظر1كورنثوس 1: 1 – 16)
فيا إخوتي الشمس نجمٌ ساطع شديد الضياء، لا يستطيع إنسان أن ينظر إليه بعينه المُجردة، فأشعتها أقوى من أن تحتملها أعيُنا الضعيفة، ولكن من يُريد ان ينظر إليها لابد من أن يرتدي نظارات خاصة تؤهل عينيه من أن تراها دون أن تتأذى، أو تتلف…
هكذا الكتاب المقدس، هو شمس ساطعة، له بهاء خاص، أشد لمعاناً من الشمس المخلوقة، لا يستطيع أحد أن يتفرس وينظر إليه بعين الإنسان العتيق الذي اختبر الشرّ ويحيا خارج إعلان الروح وتجديد الذهن، لأن عيون القلب البعيد عن الله لم تُخصص لكي ترى عظمة بهاء مجد نور الله الساطع في وجه يسوع بالإنجيل، لذلك عند قراءة الكتاب المقدس يوجد برقع على عيون الناس وأفكارهم، لذلك لم ولن يفهموا كلمة الله كإعلان، إنما سيفهمونها على مستوى الفكر والمنطق والمعقول الذي يُعقل، وقياس الكلمة على مستوى المنطق وكلام الحكمة الإنسانية المقنع بعيداً عن برهان الروح والقوة:
- [ بل أُغلَّظت أذهانهم لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشف الذي يُبطَّل في المسيح، لكن حتى اليوم حين يُقرأ موسى، البرقع موضوع على قلبهم، ولكن عِندمَا يرجع إلى الرب يرفع البرقع ] (2كورنقوس 3: 14)
- [ الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تُضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله ] (2كورنثوس 4: 4)
لذلك فنحن في حاجة شديدة لنظارات خاصة لنقرأ بها الكتاب المقدس، وطبعاً لا نحتاج لنظارات نلبسها من الخارج، بل نحتاج لبصيرة روحية داخلية، أي خلق عيون جديدة بالروح تُسمى عيون الذهن الداخلي، لنستنير[ مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين ] (أفسس 1: 18)، لذلك يا إخوتي لن نتعرف على دعوتنا المقدسة في المسيح الرب، ولن نستوعب أسرار كلمة الله ونفهم القصد الإلهي منها، طالما نحن لم نستنير بنور الكلمة نفسها بالروح في القلب وانفتحت عين الذهن الداخلي لنفهم الكتب، لأن بدون هذه الاستنارة سيظل الكتاب المقدس مجرد موضوع علمي للبحث والجدل والفكر والفلسفة، وأي شيء آخر غير إعلان مجد الله في وجه يسوع، لذلك سنظل نلف وندور وكل واحد ضد الآخر في الشرح والتفسير، لأن كل واحد ينطلق في القراءة والاستنتاج والتفسير وربط الآيات والشرح، من منطلق فكره الذي يظن انه مستنير وأنه فاهم كلمة الله جيداً لأنه درسها ودرس كل الترجمات.. الخ الخ، وكل هذا لن يخرج عن سمو كلام الحكمة الإنسانية المُقنع المُفتقد لبرهان الروح والقوة، وبذلك سنخرج حتماً خارج المقاصد الإلهية لنشرح مقاصدنا نحن وليس الله، لذلك نحتاج لإشراق النور في قلوبنا [ لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ] (2كورنثوس 4: 6)
فأرجو الصلاة عن احتياج لنور الله قبل قراءة هذا الموضوع، مع رجاء القراءة بتدقيق وعدم اقتطاع الجُمل والألفاظ من الموضوع لكي لا يُفهم معنى آخر غير المقصود، فلا ندخل الموضوع لكي نستخلص منه مجرد أفكار أو لفحص الألفاظ لاستخراج خطأ أو حتى لكي ندخل للمعرفة فقط بدون الولوج لقوة الله وطلب انفتاح الذهن بالروح من الله…
- عناوين الموضوع الذي سنتحدث فيه كالآتي:
+ تمهيــــــــــد
أولاً: ما هو التقليــــــــــد
- (1) مقدمــــــــــة
- (2) العهد القديم: أولاً: نقل وديعة مُقدسة – ثانياً: طريقة النقل
- (3) العهد الجديد: أولاً: التقليد في فجر المسيحية – ثانياً: طابع التقليد المسيحي
ثانياً: بعض التعليقات
ثالثاً: سرّ التقليد الرسولي
رابعاً: التقليد وتفسير الكتاب المقدس
التعليم والآباء في الكنيسة:
- أولاً: التعليم
(1) العهد القديم: أولاً: أشكال مختلفة للتعليم – ثانياً: يهوه المُعلم الأسمى
(2) العهد الجديد: أولاً: المسيح المُعلِّم – ثانياً: التعليم الرسولي
- ثانياً: الآباء
أولاً: مقدمـــــة
ثانياً: آباء الكنيسة وحياتنا المُعاصرة
(أ) آباء الكنيسة والتعليم المستقيم
(ب) إسهام الآباء في التفسير
(جـ) الآباء والروحانية الأرثوذكسية
(د) نماذج من المسيحية على مستوى التطبيق
(هـ) آباء الكنيسة والتربية الدينية
خامساً: الفهم الصحيح وتمييزه عن الفهم الخاطئ لكلمة الله
سادساً: خُلاصة الموضوع