هل الله يهيج من كلام الشياطين، وهل الشيطان يحرض الله؟ – توماس رفعت
هل الله يهيج من كلام الشياطين، وهل الشيطان يحرض الله؟ - توماس رفعت
هل الله يهيج من كلام الشياطين، وهل الشيطان يحرض الله؟ – توماس رفعت
سفر أيوب الإصحاح الأول والثاني وخاصة هذه الفقرة
(2: 3) فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على عبدي أيوب لأنه ليس مثله في الأرض رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر وإلى الآن وهو متمسك بكماله وقد هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب.
لقد جعل الكتاب المقدس الشيطان يوسوس للرب ويثيره ويهيجه ويوعز له بعض الأفعال والمشكلة أن الرب يكتشف ذلك وينساق له، وهذا في حق الرب فكيف بحق البشر؟!
الرد
فلنفترض أننا أخذنا الكلمة هيجتني بالمعنى الحرفي، دون أي استخدام أي تفسير روحي، فعلى المعترض أن يعلم أنه سياق القصة كلها، لا يوجد فيها أي نوع من إثارة الشيطان لله، او تهييج لله بالمعنى الحرفي، أو أن الله هو الذي ضرب أيوب بكل ما أصابه، فلو قرأنا القصة من بدايتها..
أيوب 1: 6- 12
٦ وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو ٱللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَجَاءَ ٱلشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ.
٧ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟». فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ ٱلرَّبَّ وَقَالَ: «مِنَ ٱلْجَوَلَانِ فِي ٱلْأَرْضِ، وَمِنَ ٱلتَّمَشِّي فِيهَا».
٨ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي ٱلْأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ».
٩ فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ ٱلرَّبَّ وَقَالَ: «هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ ٱللهَ؟
١٠ أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَٱنْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي ٱلْأَرْضِ.
١١ وَلَكِنِ ٱبْسِطْ يَدَكَ ٱلْآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ».
١٢ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لَا تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ ٱلرَّبِّ.
ثم حدث لايوب ما حدث ثم جاء الشيطان في المرة الثانية ليمثل امام الرب
في الاصحاح الثاني (1 – 6)
١ وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو ٱللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَجَاءَ ٱلشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ لِيَمْثُلَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ.
٢ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟» فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ ٱلرَّبَّ وَقَالَ: «مِنَ ٱلْجَوَلَانِ فِي ٱلْأَرْضِ، وَمِنَ ٱلتَّمَشِّي فِيهَا».
٣ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي ٱلْأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ. وَإِلَى ٱلْآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لِأَبْتَلِعَهُ بِلَا سَبَبٍ».
٤ فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ ٱلرَّبَّ وَقَالَ: «جِلْدٌ بِجِلْدٍ، وَكُلُّ مَا لِلْإِنْسَانِ يُعْطِيهِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ.
٥ وَلَكِنْ ٱبْسِطِ ٱلْآنَ يَدَكَ وَمَسَّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ».
٦ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلَكِنِ ٱحْفَظْ نَفْسَهُ».
السؤال هنا هل في النصوص ما يقول إن الرب هو من ضرب أيوب بكل هذا، أم الشيطان الذي ضربه، بعد ان طلب من الرب ان يرفع الحماية عن أيوب، ففي الاصحاح الأول عدد 12 (فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لَا تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ ٱلرَّبِّ.) والإصحاح الثاني عدد 6 (فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلَكِنِ ٱحْفَظْ نَفْسَهُ».)
فالكتاب المقدَّس هو رسالة الله للبشرية، ولذلك فأنه يستخدم التعبيرات البشرية التي يدركها البشر للتعبير عن أحداث إلهيَّة، واستخدام الصفات البشرية في وصف الله منهج يُدعى بمنهج ” أنثروبومورفيزم ” Anthropmorphism أي تشبيه الله بالإنسان بهدف الوصول للمعاني الإلهيَّة، فعندما يستخدم الكتاب المقدس عبارة ان الشيطان اهاج الله، فهي تعني أن الله سمح للشيطان بتجربة أيوب، وأن الشيطان لم يفعل أي شيء إلا بسماح من الله، وقد سمح الله بذلك بالفعل، ولكن ليمجد أيوب ويكون قدوة لجميع الأجيال بصبره، فعندما يقول الرب (وقد هيجتني عليه لابتلعه بلا سبب) أي قد سمحت لك ان تجربه وتجعله يخسر كل شيء دون ان يفعل خطية، ولكني سأمجد أيوب وأجعل من صبره قدوة للأجيال،
ولنرى تفسير الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم ج 9 – سفر أستير وتتمتة وسفر أيوب. ص 150
هيجتني 1-3: عبر الكاتب بتعبير يفهمه البشر عن سماح الله لأيوب بالتجربة، وبالطبع ليس المقصود انفعال زائد من الله مثل البشر، بل هو تعبير من الكاتب ليفهم القارئ بأسلوب بشري شدة التجربة، وهي تشبه استخدام ندم الله.
وأيضا وليم مارش. القس – السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم شرح سفر أيوب ص 7
وقد هيجتني عليه أن شاعر صور مجلسا في السماء، شبيها بمجلس على الأرض، وكلاما بين الرب والشيطان، ككلام يحصل بين ملك وأحد خدامه.
وهذا ما يقوله سفر طوبيا عن حادثة إصابة طوبيا الاب بالعمى:
طوبيا 2: 12
وَإِنَّمَا أَذِنَ الرَّبُّ أَنْ تَعْرِضَ لَهُ هذِهِ التَّجْرِبَةُ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَهُ قُدْوَةَ صَبْرِهِ كَأَيُّوبَ الصِّدِّيقِ.
فالرب اذن أيضا بتجربة طوبيا، لكي يمجد طوبيا في الأخير، كما اذن بتجربة أيوب، ومجد أيوب في الأخير، (رسالة يعقوب 1: 13)
“لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا.”
وفي الصلاة الربانية التي أعطاها لنا المخلص في إنجيل متى 6: 13
لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير.
ليس معناها ان الله هو من يدخلنا في التجربة لأنه الله لا يجرب بالشرور كما قلنا، لكن معناها لا تسمح بان يدخلنا عدو الخير في تجربة لا نقدر ان نحتملها، وهذا ما قاله تفسير ابونا انطونيوس فكري
لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير= نحن نثق في أن الله قادر أن يحفظنا من تجارب إبليس الشريرة، ولكننا لا نندفع بتهور نحو التجربة، بل في تواضع نطلب ألا يدخلنا الشيطان في تجربة، نطلب من الله أن يُبعد عنا تجارب إبليس. فالله لا يريد النفس المتشامخة التي لا تحتاط من التجربة بل يريد النفس المتضعة. وبصراخنا لله يهرب الشيطان، فصراخنا هو سر نجاتنا أماّ لو اتكلنا على أنفسنا فهذا هو الكبرياء. وبداية سقوط بطرس في الإنكار كان كبرياءهُ إذ قال لا أنكرك، والمسيح سمح بسقوطه في الإنكار حتى يتضع. والشرير هو الشيطان ونحن نطلب أن ننجو من سهامه الملتهبة ونجنا من الشرير = أي نجنا من خداعاته وأسندنا ضد حيله.
ولنلاحظ أن قولنا لا تدخلنا في تجربة لا تعني أننا لن ندخل أبدًا في تجربة، أي لن نجرب، وإلاّ لما أضاف الرب “لكن نجنا من الشرير” فالشرير لا بُد سوف يجربنا، ونحن نصرخ باتضاع: يا رب أنا لست كفؤًا لتجارب إبليس فإن سمحت بتجربة فنجني منها واسندني حتى لا أهلك، وستكون هناك تجارب طالما نحن في الجسد. ولكننا نعلم أنه إذا سمح الله بتجربة فهي حتى ننمو روحيًا، هو يسندنا خلالها، ونخرج وقد اكتسبنا شيئًا لذلك نصرخ له. وأضاف الآباء بعد هذا “بالمسيح يسوع ربنا” وهي مستنتجة من قول المسيح مهما سألتم باسمي فذلك أفعله (يو 13:14+ يو 23:16).
وفي تفسير الكتاب المقدس للمؤمن وليام ماكدونالد الجزء الاول
ربما تبدو هذه الطلبة متعارضة مع يعقوب1: 13. حيث يقول ان الله لا يجرب أحدا. ومع ذلك، فان الله يسمح لشعبه بالتجارب والامتحانات، وان هذه الطلبة تعبر حسنا عن انعدام الثقة في قدرة الانسان على مقاومة التجارب او الانتصار على الضيق، وهي تتضمن اعترافا بالاعتماد الكامل على الرب للنجاة من المحن.
والمجد لله دائما، اذكروني في صلواتكم