وحدة الآب والإبن – أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئًا – قال الرب لربي (14)
الاعتراض الطفولي الأول من الشاب ميزو، هو: كيف يكونوا واحدا وهما يتكلمان مع بعضهما البعض؟
الحقيقة أن هذا الاعتراض يُظهر بجلاء أن المعترضين ضد المسيحية يصيبهم نسيان مفاجئ لعقائد المسيحية أو مشكلة عقلية وقتية فتجدهم كما لو أنهم لا يعرفون عن المسيحية شيئًا، وهذا كله لكي يظهر اعتراض ساذج.
لو كانت المسيحية تقول إن الله “أقنوما” واحدا، فلم يكن من المنطق أن نقول أن أقنوم الابن يكلم أقنوم الآب، لأنهما أقنومان. بل حتى لو لم يكن أقنوم الآب يكلم أقنوم الابن، كان سيكون اعتراض ميزو منطقيا، إذ كيف نقول إننا نؤمن بـ” أقنوم” واحد ثم نقول أن هناك أقنوم وأقنوم؟ هذا فعلا سيكون غير منطقي لو أننا نقول بهذا. لكن، هذا ليس الواقع، نحن لا نقول أن الله أقنوم واحد، بل أنه جوهر واحد، وثلاثة أقانيم داخل هذا الجوهر الواحد. أي ثلاثة أقانيم تقوم داخل الجوهر الإلهي الواحد.
ومن هنا نقول أن أقنوم الابن يكلم أقنوم الآب وأقنوم الآب يكلم أقنوم الابن، وهذا الكلام داخل الجوهر الألوهي الواحد وليس خارجا عنه، وهو لا يشبه أو يمثل أي صورة يعرفها العقل البشري عن كلام المخلوقات، فما أبعد طبيعة الله عن الفحص والإدراك والمماثلة والتشبيه.
لكن من حيث المنطق، وبغير تكييف أو تمثيل إلخ، ما المشكلة التي يواجها ميزو في فهم أن أقنوم الابن يكلم أقنوم الآب ويكونا الاثنان واحدا في الجوهر (وليس في الأقنوم)؟
هل لا يجد ميزو تعارضا في صفات ربه لو اخذناها بالمنطق البشري؟ مثلا، هل كان إلهه في السماء وهو متجليا للجبل وقت موسى؟ وهل يكون ربه فيه السماء عندما “ينزل” إلى السماء الدنيا؟ وهل معنى أنه “ينزل” أنه يتحرك من مكان لمكان فيكون محدودا بحدود المكان؟
هنا يتلعثم ميزو ويبدأ في انكار الصفات البشرية والتمثيل والتكييف والتشبيه عن إلهه، وسيقول لنا “السؤال عنها بدعة” وأن “ليس كمثله شيء” (بغض النظر عن الخطأ المنطقي واللغوي في هذا النص). فلماذا حين يجيء المسلم إلى العقيدة المسيحية تجده يستخدم المنطق البشري والأفعال البشرية والأفكار البشرية وموروثاتها ليقيس عليها إله المسيحية القدوس، بينما حين يعود لدينه، يصاب بالبكم والعمى والطرش ويكرر أن “ليس كمثله شيء”؟! استقيموا يرحمكم المسيح.
الاعتراض الطفولي الثاني، وهو اعتراض أكثر طفولية من الأول، لان صاحبه هو الضاقطور، يقول فيه معاذ: إن النص الذي يقول “قال الرب لربي” مقصود به أن الآب يقول للابن، اجلس عن يميني، حتى يضع الآب أعداء الابن موطئ لقدمي الابن. ويعلق هنا الشاب اللوذعي ميمو ويقول “لماذا لا يضع الابن بنفسه هؤلاء الأعداء؟ ألا يقدر؟” فيرد عليه الشاب الأكثر لوذعيه ويجاريه ويقول له: أن هذه الحادثة في العهد القديم، وبالتالي فإن المسيحيين لا يمكنهم أن يقولوا إن الابن هنا كان يتكلم بالجسد، لأنه لم يكن قد تجسد بعد، فكيف لا يقدر الابن؟!!
ولسذاجة الطرح المقدم من هؤلاء الصغار، سنرد عليه ونشرح بعض النقاط الأخرى لإن اعتراضاتهم وحدها لا تشجع على الرد.
- الكلام في العهد القديم نعم، لكن هذه نبوة من داود النبي يحققها المسيح في العهد الجديد وقد استشهد المسيح له المجد بها بنفسه (لوقا 20: 42)، وبهذا نكون أبطلنا الحجة الرئيسية المضحكة لمعاذ التي تقول إن المسيحيين لن يستطيعوا الرد بأن المسيح كان يتكلم حسب الناسوت. فما أكثر حججكم سطحية!؟
- دعونا نتنازل جدلا، زيادة في بيان قوة الرد المسيح وضعف المنطق الإسلامي أمامنا، لنفرض أن النص لا يتحدث عن المسيح بحسب الجسد، بل عن لاهوت الابن، فحتى في هذه الحالة، من قال إن الابن لا يقدر أن يضع الأعداء بنفسه عند قدمي الآب؟ هل كل من لا يفعل شيء يكون غير قادرا على فعله؟ بالطبع لا، فمثلا نجد صديق يتولى قيادة سيارة رغم ان صديقه الآخر الموجود معه يستطيع قيادة السيارة هو الآخر، لكن أحدهما تولى القيادة هذه المرة والآخر في مرة أخرى وهكذا! والأمثلة كثيرة جدا، فما العلاقة بين أن يقوم الآب بجعل أعداء الابن تحت قدميه، وبين أن الابن لا يقدر أن يفعل هذا؟!
- النص الذي يحلو للمعترضين الاستشهاد به رغم انه يكشف في كل مرة جهلهم الشديد وبلاهة تفكيرهم وفهمهم، ألا وهو النص الذي يقول فيه المسيح له المجد ” انا لا أقدر ان افعل من نفسي شيئا. كما اسمع أدين ودينونتي عادلة لأني لا اطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي ارسلني”. (يوحنا 5: 30) وهنا يوجد معنيان للنص يمكن أن تصل إحداهما إلى القارئ:
المعنى الأول هو أن المسيح ضعيف ولا يستطيع عمل شيء، وهذا المعنى بسيط وساذج جدا، ينم عن عدم دراسة الإنجيل أو حتى قراءته بتركيز.
المعنى الثاني هو ان المسيح لكونه واحد مع الآب في الجوهر، فلا يوجد فعل يقوم به من نفسه، أي بمعزل عن الآب والروح القدس، فكل أفعال الثالوث يشترك فيها الثالوث، ولا يوجد فعل يفعله الآب بدون الابن أو الروح القدس، وهكذا عن الروح القدس.
الآن، دعونا نقتبس من كلام المسيح قول مثل هذا القول تماما، بل، وفي نفس الأصحاح الخامس، بل أن قول المسيح التالي، يسبق قول المسيح السابق، فمن المنطقي والطبيعي أن أي شخص قرأ وبحث حتى وصل إلى النص رقم 30، قد قرأ قبلها النص رقم 19 من نفس الأصحاح، أليس كذلك؟ إلا أن كان ينقل النصوص دون أن يدري سياقها وما قبلها وما بعدها، حيث يقول المسيح في النص 19 من نفس الأصحاح:
19 فاجاب يسوع وقال لهم الحق الحق اقول لكم لا يقدر الابن ان يعمل من نفسه شيئا الا ما ينظر الآب يعمل. لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك. (يوحنا 5: 19)
المسيح له المجد كرر العبارة “أنا لا أقدر ان أفعل من نفسي شيئًا” وقال “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا” ثم قال بعدها عبارة لكي لا يفهم صغار العقول والمعرفة أمثال ميزو ومعاذ وقال “لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك”، أي مهما عمل الآب، فالإبن يعمله كذلك! والآن قد انعكس تماما الفهم الأول المغلوط والساذج إلى دليل قوي على قوة المسيح، فهو يقول أن أي شيء يستطيع الآب عمله، يستطيع الابن عمله كذلك بلا أدنى مشكلة أو فرق!
وتذكروا أن هذا الاعتراض يقدمه إلينا من يصفان أنفسهمها أنهما باحثان في المسيحية ولهم كتب، ولهم أكثر من 10 سنوات في معرفة ودراسة ونقد المسيحية، فنحن لا نتكلم عن عوام المسلمين في الهجوم لنعذرهم بجهلهم، بل من الأكيد أنهم يعرفون النص 19 الذي يسبق النص الذي يستشهدون به بجهل وسذاجة (النص 30)!