انفصال الأقانيم – الشابان ميمو وميزو يكشفان جهلهما الكبير في معرفة العقائد المسيحية (12)
يطرح الشابان خفيفا الظل والعقل أسئلة ساذجة يعرفها كل طفل مسيحي في مدراس الأحد، وإننا نريدكم ان تروا بأنفسكم، المستوى المعرفي واللاهوتي لمن يتصدرون الحوار معنا من المسلمين! قمة الجهل وقمة الثقة في إنسان!
السؤال الأول: كيف يرسل الآب الابن وهم لا ينفصلوا؟ وكيف يتجسد الابن ولا يكون منفصلا عن الآب؟
أولا: قلنا سابقا، أنه من غير المنطقي ومن السذاجة مقارنة طبيعة الله بطبيعة كل من سواه، فطبيعة الله طبيعة لاهوتية فردية فريدة غير مُدرَكة وغير موصوفة ولا يقترب منها أي عقل بشري إلا بمقدرات المعرفة الإنسانية التي يعلنها لنا الله، وتكون تلك المعرفة على سبيل فهمنا نحن وألفاظنا نحن، لا حقيقة طبيعته غير المدركة بعقولنا.
هل عندما تقرأ أن الله عندك له يد وقدم وساق ووجه الألفاظ الواردة عن الله في العقيدة الإسلامية مثل: اليد[1] والساق[2] والوجه[3] والقدم[4] والعينين[5] وأن الله يهرول[6] ويتحسر[7] وينسى[8] ويمكر[9] ..إلخ، فإنه يطبق عليها نفس المفاهيم الإنسانية عن هذه الألفاظ؟ بالطبع لا فالله ليس مثله شيء (وليس “كمثله”)، فلماذا يماثل بين طبيعة الله وطبيعة المخلوق ويسأل تلك الأسئلة البلهاء؟
ففي عالم البشر، عندما يرسل إنسانٌ إنسانًا آخر، فالإنسان المُرسَل ينفصل عن الراسل، هذا صحيح في عالم البشر ومنطق البشر وقواعد البشر وأغلب المخلوقات، فلماذا يطبق الشاب ميمو هذا المبدأ عن الله خالق الكل؟ أليس هذا قياس فاسد نقلا وعقلا؟
ثانيا: بل حتى في عالم المخلوقات هناك ما يحقق طلب ميمو في المخلوقات، فإن كانت هذه الاوصاف متحققة في عالم المخلوقات، فكيف بخالق المخلوقات؟ لماذا لا يفهم الشاب ميمو هذا؟ هل هذه صعبة على الفهم؟ فعندما يكون لدى إنسان فكرة ما في عقله، ثم يشارك هذه الفكرة مع آخرين، فهل تنفصل الفكرة عن عقله أم تبقى كما هي موجودة لديه ومع غيره؟
هل عندما ترسل الشمس آشعتها وحرارتها وضوئها إلى الأرض مثلا، فهل تصبح الشمس بلا آشعة للكواكب الأخرى وتكون بلا حرارة أو ضوء؟ (والأمثلة هنا هي فقط للمطابقة في وجه التشبيه فقط، ألا وهو “الإرسال بدون انفصال”، وبالطبع هذه الأمثلة وأية أمثلة لا علاقة لها بطبيعة الله الفريدة) وتوجد العديد من الأمثلة تحقق هذا الشرط أي شرط “الإرسال دون انفصال”.
فما هي المشكلة في عقل ميمو حتى تكون هذه الأمثلة في عالم المخلوقات صعبة عليه، فيستصعبها على خالق هذه المخلوقات؟
ثالثا: إرسال الآب للإبن، ليس إرسالا مكانيا، بمعنى أن الإبن لا يترك مكانا ويحل في مكان آخر بعدما كان غير حال فيه، فطبيعة الله لا يحدها زمان أو مكان، أو غير الزمان وغير المكان، فهي ليست طبيعة جسدية مخلوقة لكي تنتقل من مكان إلى مكان فتترك المكان الأول وتبدأ في الوجود في المكان الثاني. فإرسال الآب للإبن هو إرسال داخل طبيعة الله الواحدة، وليس خارجا عنها، فالله غير محدود بحد، فالمحدود في طبيعته لا يسكون إلها.
رابعًا: هذا مسألة التجسد، فعندما يتجسد الله في جسد، فهذا لا يعني أن الله قد حُدَّ في هذا الجسد، أي أن الجسد لم يجعله محدودا بحدود الجسد، فلا يقول بهذا لا عاقل ولا مجذوب، لكن يقول به ميمو فالحمد لله الذي عافانا. الجسد المسيحي يعني ببساطة “الظهور عن طريق الاتحاد بجسد حقيقي”. فهل عندما ينزل الله إلى المساء الدنيا في الإسلام لا يكون الله في السماء؟ وهل عندما تجلى للجبل أمام موسى لم يكن في السماء في هذا الوقت؟ بالطبع ستقول: بل كان في السماء دوما، إذن، فلماذا تفترض أن الإبن عندما تجسد قد انفصل عن الآب والروح القدس؟
خامسًا: لماذا نقول أن الابن تجسد ولا نقول أن الآب والروح القدس تجسدا؟ لأن الابن هو أقنوم الظهور، فظهور الله في العهد القديم والجديد له أشكال عِدَّة، ومنها التجسد، والأقنوم الذي يعلن عن طبيعة الله هو أقنوم الابن، الكلمة، وهذا لأن الكلمة دائما ما تعبر عما في عقل الإنسان. ولا يعني هذا أن “جزء” من الله قد تجسد بينما لم يتجسد الجزءان الآخران، فالله لا يتجزأ، ولا الثالوث المسيحي أجزاء للإله لكي تقول “لماذا لم يتجسد الآب” وكأن الإبن انفصل عنه وحده ثم تجسد.
سادسا: كل أفعال الله يشترك فيها الثالوث، فالآب يرسل الإبن للفداء أي ليتمم مشيئة الآب، والروح القدس حل على التلاميذ وذكرهم بما فعله الإبن وبما قاله وكان هو الذي يرشد التلاميذ والرسل في الكنيسة الأولى (كما هو مكتوب بكثرة في سفر أعمال الرسل) ويُحرك الرسل ويوجههم في خدمتهم، إلى أين يذهبون وماذا يقولون.
السؤال الثاني: كيف لم ينفصل الابن عن الآب، وهو كان على الأرض متجسدًا والآب كان يتكلم في السماء معه في معمودية المسيح؟
كان سؤال ميمو ساذجا يدل على بلاهة العقل، أما سؤال معاذ يدل على عدم وجود عقل من الأساس. ولكي تعرفوا لماذا يقول معاذ هذا، دعوني أوضح لكم مقدار النباهة عند هذا الشاب الداكتوري. يقول معاذ ويعترض، كيف لا يكون الإبن منفصلا عن الآب، ونحن نرى الإبن على الأرض في المعمودية ونرى الآب يتكلم من من السماء ويقول “هذا هو إبني الحبيب ..”. فيتسائل معاذ، الذي يدعو نفسه متخصص في المسيحية ويكتب فيها الكتب: ها هو الابن منفصلا عن الآب.
عندما سمعت سؤاله، ترحمت على زمن الهراطقة العظام الكبار، زمن أريوس ونسطور وغيرهم، فعلى الأقل كانت هناك فكرة قوية يستطيع المرء أن يرد عليها، أما معاذ هنا، فهو لا يعرف أن المسيح عندما كان على الأرض، فهذا لا يعني أنه ترك السماء، فالإبن بلاهوته يملأ الزمان وغير الزمان، والمكان وغير المكان، فهو غير محدود بزمان او مكان أو غيرهما. فالمحدود ليس إلهًا.
لكني لا أعرف لماذا يرى معاذ هذا صعبا عصيًا على فهمه الطفولي! فنحن حتى على مستوى المخلوقات نرى امثلة لهذا دون مشكلة عقلية. فالهواء نجده يملأ غرفة دون ان نراه، وفي نفس الوقت يظهر لنا تأثيره على داخل كرة أو باللونة، وتكون موجات الراديو في الهواء غير مرئية، لكن نرى تأثيرها عبر جهاز الراديو، وهكذا موجات الإنترنت (Wifi and 4G) فإنها في الهواء لا نراها ولا نشعر بها كبشر، لكن نرى مفعولها وتأثيرها عندما نستقبلها في تليفون أو كمبيوتر.
وهذا أيضا الستالايت أو الأقمار الصناعية أو ما نسميه في مصر الدِش، فإن إشارة هذه الأقمار الصناعية في الهواء دوما، ونحن نستقبلها ونرى تأثيرها وما بها، عن طريق أطباق استقبال لهذه الإشارات. (وبالطبع ليست هذه أمثلة للتجسد المسيحي، أو لطبيعة الإله، فما أبعد إلهنا عن الأمثلة).
وكل هذه الأمثلة تحقق ما لم يفهمه هذا الضاقطور، فعلى الرغم من ظهور تأثير هذه الإشارات والموجبات المختلفة في الأجهزة المختلفة، إلا أنها ظلت موجودة في الهواء بلا أدنى مشكلة.
فلا أعلم المشكلة التي يواجهها هذا الكائن في فهم حتى الأمثلة البشرية، فهل من لم يفهم حتى الأمثلة البشرية البسيطة التي يراها كل يوم في حياته، يتبجح ويرتئي أن يفهم طبيعة الله غير المُدرَكة، وهو الذي لو سألناه عن إحدى مخلوقات الله وهي “الروح” سيتهرب من الإجابة وسيقول “هذا من أمر ربي”، فهل الروح المخلوقة من أمر الله، بينما طبيعة الله نفسه خالق الروح من أمرك أنت؟ هزلت!
لا يفوتني هنا بالطبع أن هذا الجاهل معاذ، يتعامل مع أقنوم الروح القدس بلغة المؤنث، فيقول “الروح القدس نازلة عليه”، وهذه معلومة يعرفها أي مسيحي له علاقة بعلوم اللاهوت المسيحية، فالأقانيم المسيحية لغويا تعامل معاملة المذكر في اللغة، فنقول: الآب تكلم، الإبن تكلم، الروح القدس “تكلم” وليس “تكلمت”.
الغريب والمضحك أن ميمو بنفسه، الجاهل الآخر، قد صحح له خطأه في نفس المقطع! وهذا يدل أن مستوى معاذ المعرفي في اللاهوت المسيحي ليس فقط أضعف من مستوى أي مسيحي، بل حتى انه أضعف من مستوى زميله في الجهل، ميمو.
حقًا، صدق من قال فيكم: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) البقرة.
هل الله يتغير؟ وهل يعبد المسيحيون الجسد؟
[1] [الفتح:10]
[2] [القلم:42]
[3] [البقرة: 115]
[4] البخاري (6661) ومسلم (2848)
[5] [الطور:48].
[6] البخاري (7405) ومسلم (2675)
[7] [يس 30]
[8] [التوبة 67]
[9] [النمل 50]