الثالوث وقانون الإيمان (إله حق من إله حق) – معاذ عليان في قبضة فريق اللاهوت الدفاعي (10)
الثالوث وقانون الإيمان (إله حق من إله حق) - معاذ عليان في قبضة فريق اللاهوت الدفاعي (10)
الثالوث وقانون الإيمان (إله حق من إله حق) – معاذ عليان في قبضة فريق اللاهوت الدفاعي (10)
حقا، كما يقول القرآن عن معاذ أنه كان جهولا (الأحزاب 72)..
الكتاب المقدس مليء بالنصوص الصريحة والضمنية التي تؤكد صراحة أننا نؤمن بالإله الواحد وليس آخر، حتى أن عدد النصوص الصريحة الموجودة في الكتاب المقدس كثيرة جدا بما لا يقارن عن النصوص الموجودة في كتاب معاذ نفسه. ناهيك عن أن أقوال آباء الكنيسة طوال التاريخ المسيحي، شرقا وغربا، وبأي لغة كتبوا بها تؤكد أننا نعبد إله واحد وليس سواه.
فهل بعد كل هذا، يمكن أن يظن أحد أننا سنخالف هذه النصوص الصريحة الواضحة، ونقول إننا نعبد ثلاثة آلهة مختلفين؟
أم أن المنطقي والطبيعي والأقرب للعقل السوي أن يشك في فهمه للنصوص، ويتأكد أن للمسيحيين طريقة في فهم النصوص غير الطريقة البائسة التي يفهم بها معاذ النصوص المكتوبة؟
دعونا نشرح ببساطة ما يقوله قانون الإيمان حتى لا يكون هناك فرصة لأصحاب العقول السليمة في رفض ما نشرحه مرارا.
يقول قانون الإيمان “بالحقيقة نؤمن، بإله واحد” هذه عبارة افتتاحية تظهر بجلاء أن المسيحي لا يؤمن بوجود إلا إله واحد، والمقصود هنا هو أن المسيحي لا يؤمن بوجود خالق وإله آخر غير الله الواحد، فكلمة “إله” هنا تعبر عن طبيعة الله الجامعة، التي لا غيرها، والتي يعبدها المسيحي. فكل من هو خارج ومنفصل عن هذه الطبيعة الواحدة (الإله الواحد) هو ليس بإله.
بعد هذه العبارة المفصلية في البداية، يبدأ قانون الإيمان في الدخول والتعمق داخل طبيعة هذا الإله الواحد نفسه.. نكرر، يبدأ قانون الإيمان في زيادة شرح من هو هذا الإله الواحد الموجود في العبارة الأولى، من هو وما صفاته ومن أقانيمه، فالثالوث ليس خروجا عن طبيعة الإله الواحد فنعدده إلى آلهة مختلفة منفصلة حاشا، بل دخولا إلى طبيعة هذا الإله الواحد عينه (الطبيعة الألوهية الواحدة) فنعرفه في ثالوث بأكثر تفصيل.
فيبدأ القانون في ذكر الأقانيم الثلاثة، ويبدأ بالأقنوم الأول (من حيث الذِكر لا من حيث أي شيء آخر) ويقول:
- الله الآب، ضابط الكل، خالق السماء والأرض، ما يُرَى وما لا يرى Πιστεύομεν εἰς ἕνα Θεὸν Πατέρα παντοκράτορα ποιητὴν οὐρανοῦ καὶ γῆς ὁρατῶν τε πάντων καὶ ἀοράτων·
وكلمة “الله” أو “إله” هنا هي ليسا اسما علمًا كما يظن المسلمون، فكلمة “الله” لدينا ليست اسم “علم” لله. بل هي اسم وصفي يعبر عن طبيعة الموصوف به، فإن سمينا الآب “الله” فهذا يعني أن الآب موصوف بالألوهية، أي أن طبيعته هي طبيعة اللاهوت. وليس أن إلهنا له اسم علم وهو “الله”.
هذه النقطة مهمة، وخطيرة ولا يعرفها ولا يفهمها الغالبية العظمى من المسلمين لأن كلمة “الله” عندهم هي إسم علم لله، فالإله عندهم أسمه الشخصي “الله”.. لكن عندنا فلا. بكلمات أخرى ووصف آخر: عند المسيحيين، عندما يعبرون عن طبيعة الكيان الخالق للكون فهم يطلقون عليه كلمة “الله” كاسم وصفي، أي كاسم يصف طبيعته اللاهوتية. وهكذا كلمة “إله” عندما نطلقها عن الأقانيم، فهي تعبِّر عندنا عن أن طبيعة هذا الكيان هي طبيعة “ألوهية”.
نكمل، فعندما يذكر قانون الإيمان عبارة “الله الآب” فهو يقوم بتعريف أن الآب هو الله = أي أن جوهر طبيعته هو “اللاهوت”، ثم يشرح أنه الخالق.
وبعد هذا، يبدأ قانون الإيمان في التركيز على أقنوم الابن، فيبدأ بأول وصف ألا وهو علاقته بأبيه، أقنوم الآب، ولكثرة اللغط والأسئلة حول هذه العبارات، سأذكر العبارات واحدة فواحدة، مع تفصيل سريع وبسيط لكل منها:
- نؤمن برب واحد يسوع المسيح εἰς ἕνα Κύριον Ἰησοῦν Χριστὸν
هنا يوجد سؤال مهم ألا وهو: النص يقول إننا نؤمن برب واحد هو يسوع المسيح، فهل هذا يعني أن الآب هو الله ولكنه ليس ربا؟ بالطبع لا، فلا يقول بهذا عاقل فالآب من حيث جوهره هو رب، والابن من حيث جوهره هو نفس الرب عينه وليس غيره، والروح القدس هو نفس الرب عينه وليس غيره. لكن هنا أُطلقت ألفاظ الرب على الابن والروح القدس لأن الابن مولود أزلا من الآب والروح القدس منبثق أزلا من الآب، فلكي لا يظن أحد أن الآب هو الابن هو الروح القدس فقد تمايزوا في الألقاب المعطاة لهم “الرب .. المولود من الآب” و “الرب … المنبثق من الآب” كما سنشرح عندما نتكلم عن أقنوم الروح القدس.
- ابن الله الوحيد τὸν υἱὸν τοῦ Θεοῦ τὸν Μονογενῆ
هذه هي صفة أقنوم الابن “المولود من الآب”، ويسميها الآباء “الصفة الأقنومية للأقنوم”، أي أن هذه الصفة هي الصفة الممايزة لأقنوم الابن عن أقنوم الآب والروح القدس، وهكذا عن الروح القدس صفة “المنبثق من الآب”، فهذه هي الصفة الأقنومية الوحيدة للروح القدس للتمايز عن أقنومي الآب والابن. وفيما عدا هذه الصفة، فكل ما سواها من صفات، هي صفات جوهريه فتتساوى فيها الأقانيم. فصفة العلم والقدرة واللامحدودية …إلخ، هي صفات تخص جوهر الإله الواحد-الثالوث لذا، فهي صفات كل الأقانيم بلا تفاوت.
- المولود من الآب قبل كل الدهور τὸν ἐκ τοῦ Πατρὸς γεννηθέντα πρὸ πάντων τῶν αἰώνων
قيلت هذه العبارة كرد على هرطقة أريوس في مضمونها، والذي كان يقول إن الابن نعم هو الله، لكنه ليس كالله الآب، بل هو إله مخلوق ليخلق به الآب بقية المخلوقات. أي أن أقنوم الابن ليس أزليا كأزلية الآب، بل هو تالي له في الزمن. فقد دلت هذه العبارة صراحة على أن الابن مولود أقنوميًا من الآب قبل كل الدهور، فهو أزلي بأزلية الآب، فلم يكن زمن أو غير زمن، كان فيه الآب بدون ابنًا، ولا الابن بدون آبا، ولا يمكن أن يكون الآب آبا إلا بالابن المولود منه أقنوميًا.
- نور من نور، إله حق من إله حق Φῶς ἐκ Φωτός, Θεὸν ἀληθινὸν ἐκ Θεοῦ ἀληθινοῦ
هذه هي العبار الرئيسية التي يسقط في فهمها المعترضون وتصيبهم البلاهة نظرا لأنهم ليسوا صادقين في فهمها، أو لأن أذهانهم ملوثة. وهنا سنضرب أمثلة مع تحديد الوجه المراد شرحه من المثال، ولا نقصد بأي مثال المشابهة أو التمثيل، بل أن كل مثال مهما كان دقيقًا فهو قاصرًا جدًا، لكن عن طريق شرح الأمثلة على المخلوقات، وبيان أن العقل البشري يفهمها بسهولة، فلا تتبقى حجة لاعتراضهم إلا أنهم يتعمدون عدم الفهم.
يركز الكثير على العبارة الثانية وهي “إله حق من إله حق” ويقولون، كم إله لدينا الآن؟ “إله من إله” فالمحصلة أنهم إلهين وليسا إلها واحدا. أليس كذلك؟ لا، ليس كذلك، وسأشرح السبب.
قلنا أعلاه (برجاء مراجعة هذه النقطة سابقا لعدم تكرارها)، أن كلمة “الله” وكلمة “إله” في الاصطلاح المسيحي عن الأقانيم، تُستخدم كاسم وصفي لطبيعة هذا الأقنوم فكأنك تسأل:
ما طبيعة الآب؟ ما جوهر الآب؟
والجواب: إله، الله، لاهوت، ألوهة، رب (مطلق)
فما طبيعة الابن؟ ما جوهر الابن؟
والجواب: إله، الله، لاهوت، ألوهة، رب (مطلق)
فما طبيعة الروح القدس؟ ما جوهر الروح القدس؟
والجواب: إله، الله، لاهوت، ألوهة، رب (مطلق)
فعبارة “إله حق من إله حق” (إله حقيقي من إله حقيقي) قيلت لأسباب منها:
- للرد على الأريوسيين الذين كانوا يقولوا إن الابن هو إله نعم، لكنه ليس إلها بالحقيقة كالإله الآب بالحقيقة. أي أنهم يقولون أن ألوهية الابن، ألوهية ليست كألوهية الآب، فجاء النص في القانون ليعطي صفة “إله حق” (إله حقيقي) لكل من الآب والابن على السواء دون تفريق ودون تمييز في جوهر الألوهية أو في رتبهما الأقنومية.
- لبيان أن أقنوم الابن رغم أنه متمايز عن أقنوم الآب في الأقنومية، فالآب ليس الابن والابن ليس الآب، إلا أنهما متساوون في الجوهر وبقية الصفات الأخرى (فيما عدا الصفات الأقنومية التي ذكرناها أعلاه: الوالدية، والبنوة والانبثاق).
ولبيان أن هذا هو المقصود من هذه العبارة، كتب الآباء عبارة قبلها لتضبط فكر القارئ قبلما يقرأ عبارة “إله حق من إله حق” ألا وهي عبارة “نور من نور” فكما أن كلمة “نور” الأولى تحمل كل ما تحويه كلمة “نور” الثانية في المعنى، فهكذا كلمة “إله حق” الأولى تحوي كل ما تحويه كلمة “إله حق الثانية”.
ولنضرب هنا مثال (وقد قلنا أن كل مثال فهو بعيد عن طبيعة الله غير المدركة)، وهو مثال النار من النار، فإذا أوقدت نارا ثم أخذت منها نارا أخرى عن طريق شعلة، فهل تختلف خواص النار الأولى عن الثانية سواء في الدرجة أو القوة أو التأثير؟ بالطبع لا. هكذا هي ولادة الابن من الآب (مجازا لأن هذا مجرد مثال) فولادة الابن من الآب أزلا، لا تنقص من طبيعة الآب ولا تجعل الابن المولود ناقصا، بل له نفس صفات الجوهر الألوهي الواحد.
وهنا نعود لقضية “كم إله” أو “كم نار” لدينا، ونسأل: هل النار الأولى تختلف في طبيعتها وخواصها وصفاتها عن النار الثانية المولودة منها؟ بالطبع لا.
فهنا كلمة “نار” هي اسم وصفي لطبيعة هذا اللهب الحارق، ولهذا، فقد فالتعبير عن هذه الحالة سيكون “نار حق من نار حق”، وهنا ليس لدينا إلا نار واحدة كطبيعة.
بالطبع النار محدودة، بينما طبيعة اللاهوت غير محدودة. وبالطبع النار الأولى قد انفصلت عن النار الأولى، لكن طبيعة الأقانيم ليست منفصلة، ولهذا نقول إن كل مثال هو قاصر. لكن ضربنا هذا المثل لبيان كيف أن الاسم الوصفي (إله، نار) يطلق للوصف وليس للتجزيء.
فكان الاعتراض سيكون صحيحا إن قلنا إن الآب والابن منفصلين، وبالتالي يكون هذا “إله منفصل” عن “إله منفصل” غيره. وهذا ما لا تقول به العقيدة المسيحية.
- مولود غير مخلوق γεννηθέντα οὐ ποιηθέντα
هذه العبارة قيلت عن أقنوم الابن، كلاهوت، وليس عن ناسوت المسيح. فأقنوم الابن ليس مخلوقا من الآب، بل مولود ولادة أقنومية داخل جوهر اللاهوت، وهذه ولادة بحسب الطبيعة، فلم يكن هناك الآب إلا وهو آبًا للابن، ولم يكن هناك الابن إلا وهو ابنًا للآب. فالولادة لا تخضع للزمن أو غيره، فهي صفة للأقنوم. وقد قيلت هذه العبارة أيضا ردًا على الأريوسيين الذين كانوا يقولون إن الآب خلق الابن ليخلق به المخلوقات.
- مساو للآب في الجوهر ὁμοούσιον τῷ Πατρί
مازال قانون الإيمان يرد على أفكار الأريوسيين القائلين إن الابن إله نعم، لكن إله أقل من الآب، فجاءت هذه العبارة لتؤكد على أن أقنوم الابن مساوٍ للآب في الجوهر. أي أن جوهر الابن هو نفسه جوهر الآب. فلو كان الابن من جوهر آخر غير جوهر الآب، أو له جوهر أقل من جوهر الآب، لكانا بحق إلهين مختلفين ومنفصلين.
- الذي به كان كل شيء δι’ οὗ τὰ πάντα ἐγένετο·
لكي يكمل قانون الإيمان أوصاف المساواة بين الآب والابن، وبعدما قال “نور من نور” وقال “إله حق من إله حق” وقال “مساو للآب في الجوهر” جاء هنا إلى صفة الخلق، ليقول إن كل شيء مخلوق فهو مخلوق بالابن. ونتذكر هنا أن قانون الإيمان في البداية قال عن الآب أنه “خالق السماء والأرض، ما يرى وما لا يرى” وهنا يذكر عن الابن أن به “كان كل شيء”. ليوضح المساواة في الخلق، وليرد على الأريوسيين الذين يقولون إن الابن نفسه مخلوق. فإن كان الابن هو خالق كل شيء، فإذن هو ليس من المخلوقات التي خلقها، لأنه خالق “كل” شيء، فواضح أنه غير “كل شيء” مخلوق، فهو إذن، غير مخلوق.
- نؤمن بالروح القدس، الرب المحيي المنبثق من الآب καὶ εἰς τὸ Πνεῦμα τὸ Ἅγιον, τὸ Κύριον καὶ Ζωοποιόν, τὸ ἐκ τοῦ Πατρὸς ἐκπορευόμενον,
وهنا نجد الأقنوم الثالث، وموصوف بأنه “الرب …المنبثق من الآب” وكما قلنا فإن كلمة “الرب” هي كلمة تُستخدم في الاصطلاح المسيحي كاسم وصفي للتعبير عن طبيعة “الروح القدس” فهو الإله والرب من حيث طبيعته. فالرب هو واحد كطبيعة، ولهذا يوصف الآب بأنه رب والابن أنه رب (هو نفسه الرب الموصوف به الآب) والروح القدس أنه رب (هو نفسه أيضا الرب الموصوف به الآب والابن كاسم وصفي).
وكان للعظيم في الجهلة معاذ، اعتراض عن كيف يقول قانون الإيمان “نؤمن برب واحد يسوع المسيح” ثم يقول عن الروح القدس أنه “الرب المحيي المنبثق من الآب”.. ونقول له أنك بحاجة لتكمل تعليمك الابتدائي لتعلم قراءة اللغة العربية بشكل سليم. فعبارة “نؤمن برب واحد يسوع المسيح” لم تقف هنا، بل أكملت من هو هذا الوحيد، حيث قالت “نؤمن برب واحد يسوع المسيح …. المولود من الآب”. فالواحدية هنا تقع على صفته الأقنومية، أي أنه الوحيد المولود من الآب.
وللتبسيط (لأني أعرف أن مستوى معاذ لا يؤهله إلا لمرحلة ما قبل مدارس الأحد): فكأن النص يقول:
- نؤمن برب واحد المولود من الآب
- نؤمن برب واحد المنبثق من الآب
فواحد هو الرب المنبثق وواحد هو الرب المولود. فالواحدية هنا تقع على صفة الأقنوم وليس على اسم الأقنوم (الابن، الروح القدس)