الفداء المسيحي، هل يكون بموت اللاهوت؟ طبيعة المسيح (6)
دائما ما يسخر الشاب معاذ من كون بعض المسيحيين يقولون له أنه لن يفهم إلا بالروح القدس. ولكني أرى أن مشكلة معاذ ليس أنه لا يفهم الأمور التي تحتاج إلى فتح ذهني من الله، بل أنه لا يفهم الأمور البسيطة التي تحتاج فقط إلى عقل بشري طبيعي يعمل بشكل سليم فقط! فمعاذ لم يصل للأمور الأعقد التي تحتاج إلى أن يفتح ذهنه الله، بل لازال في الأمور البسيطة نظرا لبلادة عقله وغيبوبته.
دعونا نشرح بألفاظ بسيطة وبطرق متنوعة ما هي طبيعة المسيح وما هو الخلاص المسيحي إذن، لكي نخلص على كل حالٍ قومًا.
طبيعة المسيح:
- للمسيح طبيعة واحدة من طبيعتين، والطبيعتان هما اللاهوت والناسوت.
- عند اتحاد اللاهوت بالناسوت، لم يتغير الناسوت إلى لاهوت ولا تغير اللاهوت إلى ناسوت، ولا فقدت أي طبيعة من الطبيعتين صفاتها الأصلية، فظل اللاهوت لاهوتا بصفاته اللاهوتية، وظل الناسوت ناسوتا بصفاته الناسوتية. فاللاهوت لا يمتزج بالناسوت أو يختلط معه أو به، أو يتحول إليه.
- نسبة الأفعال: في هذه الطبيعة الواحدة بالحقيقة، عندما يصدر منها فعل ما، أو يقع عليها فعل ما، فإننا ننسبه إلى الطبيعة الواحدة، لأن الطبيعتين متحدتين إتحادا كاملا. والنسبة هنا لا تعني “التأثير” بالفعل، بل (مجازا) كما نقول عن انسان أنه مات، في حين أن روح هذا الانسان لم تمت بل جسده، لكن لكون الروح متحدة بجسده، فجاز أن نقول أن الانسان مات، ويعلم كل شخص -عاقل- ما المقصود بهذا. (وبالطبع هذا مثال وكل مثال قاصر لأن طبيعة الله الفريدة لا يشابهها -ولو من بعيد- أية طبيعة أخرى، وكذلك الأمر في الإتحاد بين طبيعتي المسيح له المجد)
- تأثير الأفعال: عندما يقع عليها فعل، فإن تأثيره يكون بحسب الطبيعة التي تتأثر بهذا الفعل. فمثلا، الجوع أو العطش أو التعب أو الموت، كل هذه الصفات/الأفعال، لا يتأثر بها اللاهوت على الإطلاق، إنما يتأثر بها الناسوت فقط ولا تؤثر هذه الأفعال/الصفات في اللاهوت، على الرغم من اتحاد الطبيعتين. ففي مثال الحديد المحمى بالنار مثلا، عندما يتم الطرق عليه، فإن النار لا تتأثر بالطرق، لكن الحديد يتأثر به ويتشكل بناء على هذا الطرق. بينما النار تتأثر بالماء، ولا يتأثر الحديد. فمع اتحاد الحديد بالنار، إلا أن كل منهما تأثر بما تسمح به طبيعته. (وبالطبع هذا مثال وكل مثال قاصر لأن طبيعة الله الفريدة لا يشابهها -ولو من بعيد- أية طبيعة أخرى، وكذلك الأمر في الإتحاد بين طبيعتي المسيح له المجد)
خلاص المسيح:
- بعدما تكلمنا عن الفارق بين “نسبة الفعل” وبين “تأثير الفعل” يجب أن نعرف أن موت المسيح على الصليب تأثر به ناسوته فقط وهو متحدا بلاهوته. أو بعبارة أخرى: فإن الذي مات على الصليب هو الناسوت المتحد باللاهوت.
إذن، كيف تم الفداء؟ تم الفداء عن طريق موت الناسوت المحدود، وهو متحدا باللاهوت غير المحدود، فقد أعطى اللاهوت غير المحدود لموت الناسوت المحدود تأثيرا غير محدود في الخلاص والغفران. ولكي نقرب إلى الأفهام هذا (والأمثلة كلها قاصرة لكن للإيضاح وليس للتطابق) نقول هذه المعادلة الرياضية:
- 1 * 1 = 1
- 1 * 5 = 5
- 1 * 100 = 100
- 1 * 1000000 = 1000000
- 1 * ∞ = ∞
فرقم 1 هو رقم صغير، وهو هنا يمثل الجسد المحدود، والقيمة ∞ هي قيمة كبيرة جدا وغير محدودة (جدلا)، لذا فالناتج النهائي كان غير محدودا أيضا ∞. وهكذا تم فداء المسيح، فموت الناسوت وحده منفصلا عن اللاهوت سيعطي فداءًا محدودًا، لكن بإتحاده باللاهوت غير المحدود، صار هذا الفداء غير محدود. أو بكلمات أخرى أيضا: فإن اللاهوت أعطى لموت الناسوت المحدود عدم محدودية في تأثير الخلاص.
وهذا ما يقوله البابا شنودة المتنيح الذي استشهد به ميمو ومعاذ، حيث جاء في كتاب طبيعة المسيح صـ21:
حقا إن اللاهوت غير قابل للآلام. ولكن الناسوت حينما وقع عليه الألم، كان متحداً باللاهوت. فنُسب الألم إلى هذه الطبيعة الواحدة غير المحدودة. ولذلك نرى أن قانون الإيمان الذي حدده مجمع نيقية المقدس يقول إن ابن الله الوحيد، نزل من السماء، وتجسد وتأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس وتألم وقبر وقام … فرق كبير بين أن نقول إن الناسوت وحده منفصلاً عن اللاهوت قد تألم، وبين أن نقول إن نقول إن الابن الوحيد تجسد وصلب وتألم وقبر وقام. هنا فائدة الإيمان بالطبيعة الواحدة التي تعطى الفداء فاعلية غير المحدودة. فهل تألم اللاهوت إذن؟ نقول إنه بجوهره غير قابل للألم … ولكن المسيح تألم بالجسد، وصلب بالجسد. ونقول في قطع الساعة التاسعة” يا من ذاق الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة …”. مات بالجسد، الجسد المتحد باللاهوت. فصار موته يعطى عدم محدودية للكفارة.
ثلاثة ألفاظ وخمسة معاني
لفظ “اللاهوت مات”: اللاهوت هو طبيعة الله الفريدة، أي أنه الطبيعة الإلهية الفائقة لكل المدركات. ولهذا لن تجد مسيحي (على أقل درجات العلم) يقول إن اللاهوت مات. وهذا هو المعنى الوحيد الذي يقصده المسيحي من هذا اللفظ.
لفظ “الناسوت مات”: الناسوت هو طبيعة الإنسان، وعندما يقول المسيحي هذا اللفظ، فهو يقصد أن الذي تأثر بالموت، كان الناسوت، ويكون غرض المسيحي من هذا التعبير، هو نفي موت اللاهوت. وهذا هو المعنى الوحيد الذي يقصده المسيحي من هذا اللفظ.
لفظ “الله مات”: وهذا اللفظ له ثلاث معاني، واحدٌ منهم هو الصحيح، والبقية خاطئة، وهو اللفظ الذي يكشف الجهلة من أمثال ميمو ومعاذ، ويكشف علم الفاهم للاهوت المسيحي بحق، والمعنيان هما:
المعنى الأول وهو المعنى الصحيح، هو أن الله مات بالجسد أو بالناسوت، أي أن الطبيعة الواحدة للمسيح ماتت عن طريق موت الناسوت الذي هو أحد شقيها وهو متحدًا باللاهوت، أي أن الجسد تأثر بالموت فمات واللاهوت لا يتأثر بالموت فلم يمت رغم أنهما متحدان. وهذا هو الفهم الصحيح الذي لا يفهمه الجهلة من أمثال ميمو ومعاذ. فالمقصود بأن الله مات بالجسد، ليس أن اللاهوت مات من ناحية، وليس أن اللاهوت انفصل عن الناسوت من ناحية أخرى. ومن أمثلة هذا الوصف في الكتاب المقدس:
“كنيسة الله التي إشتراها بدمه” (أعمال الرسل 20: 28): فمع أن الله في لاهوته ليس له “دم” لكن لأجل الطبيعة الواحدة لله الكلمة المتجسد فصار مفهوما كيف أن لله دما، أي عن طريق دم ناسوته المتحد بلاهوته.
“فقولا له: الرب محتاج إليه” (لوقا 19: 31): وهكذا هنا، فالرب كلاهوت لا يحتاج، ولكن لأجل الطبيعة الواحدة، فجاز للعاقلين أن يقولوا هذا اللفظ لأنهم يعلمون أن الاحتياج هنا يقع على الناسوت المتحد باللاهوت.
“ورئيس الحياة قتلتموه” (أعمال 3: 15): وهنا أيضًا، فلأن اللاهوت والناسوت إتحدا في طبيعة واحدة، فجاز أن يُنسب الموت للطبيعة الواحدة رغم أن الذي يتأثر بالموت هو الناسوت فقط كما يقول الكتاب المقدس وجميع آباء الكنيسة. فمثلا الكتاب المقدس يقول عنه “مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ،” (1 بط 3: 18)
المعنى الثاني للفظ “الله مات” هو موت الناسوت وموت اللاهوت أيضًا. لكن كيف يتوصل البعض إلى هذا الفهم؟ عن طريق توهم أنه بما أن اللاهوت متحد بالناسوت وأيضا لا يمكن فصل اللاهوت عن الناسوت لحظة واحدة ولا طرفة عين، فيكون الناتج النهائي أن الموت “أثر” في الناسوت فمات، و”أثر” في اللاهوت فمات أيضا. وهذا بالطبع لا يقول به مسيحي، لكن هذا هو المعنى الساذج الخاطيء الذي يفهمه معاذ وميمو.
المعنى الثالث للفظ “الله مات” هو موت اللاهوت، وهذا ما لا يقل به عاقل أو حتى كرسي بلاستيك! ولا أحد قال أن الفداء يكون بموت اللاهوت كما يفهم معاذ بحماقة.
وبعدما رددنا على محتوى الفيديو وعلى أغلب الفيديوهات التي تتكلم في هذين الموضوعين، ننتقل إلى خطأ آخر يُظهر جهل المعترضين:
يقول ميمو “من بعد ما المسيح إتولد، أصبح ناسوت ولاهوت فقط؟ لأ، ده همّ إتحدوا“
التعليق: هذه بالطبع هرطقة شهيرة في المسيحية وهي هرطقة نسطور، إذ أن الإتحاد لم يتم “بعد ولادة المسيح” بل “منذ اللحظة الأولى للحبل المقدس”.. فميمو يقول “من بعد ما المسيح إتولد …. إتحدوا” وهذا خطأ يدل على أنه لا يفرق بين عقيدة المسيحيين الصحيحة وبين الهرطقات الشهيرة الواضحة، ورغم ذلك لا يتورع عن الكلام في ما لا يفهمه أصلا ولا يُحسن الكلام فيه.
أخيرا، الخطأ الذي وقعا فيه، هو إفتراض أن الخلاص يتم عندما يموت “اللاهوت غير المحدود” وهذا خاطيء، ولم يقل به أي مسيحي على الإطلاق، بل أن المسيح يقول أن الخلاص يتم عن طريق موت الطبيعة البشرية المحدودة وهي في اتحاد مع الطبيعة اللاهوتية غير المحدودة. لكي يعطي اللاهوت عدم محدودية لخلاص اللاهوت المحدود.