Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

عيد الخمسين – عيد حلول الروح القدس ج1 – ق. يوحنا ذهبى الفم – د. جوزيف موريس فلتس

عيد الخمسين – عيد حلول الروح القدس ج1 – ق. يوحنا ذهبى الفم – د. جوزيف موريس فلتس

عيد الخمسين – عيد حلول الروح القدس ج1 – ق. يوحنا ذهبى الفم – د. جوزيف موريس فلتس

الجزء الثاني: عيد الخمسين – عيد حلول الروح القدس ج2 – ق. يوحنا ذهبى الفم – د. جوزيف موريس فلتس

عيد الخمسين

عظة فى “عيد حلول الروح القدس”

للقديس يوحنا ذهبى الفم

ترجمها عن اليونانية د. جوزيف موريس فلتس

مقدمة

 

          ألقى القديس يوحنا ذهبى الفم عظتين عن عيد الخمسين فى إنطاكية ، وغير معروف بالضبط زمن إلقاء هاتين العظتين. ربما تكون قد أُلقيت بعد عام 386م حيث كان ذهبى الفم قد سيم كاهنًا وذلك لأنه يشير إلى حضور الأسقف فلافيوس أسقف إنطاكية وسماعه للعظة . ويمكن أيضًا افتراض أن العظتين قد أُلقيتا فى عيدين متتاليين أو ربما يكون الفارق الزمنى بينهما ليس كبيرًا .

          المحور الأساسى للعظتين هو حلول الروح القدس . غير أن ذهبى الفم لم يتناول هذا الموضوع بالطريقة نفسها فى العظتين مستخدمًا آيات مختلفة فى كل عظة من العظتين ليدلل على رأيه . ففى العظة الأولى يشرح لماذا لا تحدث معجزات الآن، كيف أن الخطايا تُدون فى كتاب. وفى الثانية يركز على ثمار الروح القدس ويحارب بدعة “مقاومى الروح” والمقدونيين الذين أنكروا ألوهية الروح القدس حاسبين إياه من المخلوقات.

          النص اليونانى للعظتين موجود فى سلسلة مجموعة النصوص اليونانية، باترولوجيا مينى الجزء الخمسين PG. 50, 453-470. وننشر هنا ترجمة للعظة الأولى منهما. ترجم هذه العظة عن اليونانية دكتور جوزيف موريس فلتس الباحث بالمركز.

                   ولإلهنا المحب الآب والابن والروح القدس الثالوث المساوى كل مجد وسجود وتسبيح الآن وإلى دهر الدهور . آمين .

الأحد الخامس من الخمسين المقدسة

المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية بالقاهرة

 

عيد الخمسين

عظة عن

عيد حلول الروح القدس

للقديس يوحنا ذهبى الفم

 

          1 ـ مرة أخرى نعيّد ، مرة أخرى نحتفل ، والكنيسة ، تلك الأم المحبة جدًا ـ كثيرة الأولاد ـ تفتخر بكل هذا العدد من أولادها . ولكن ما فائدة تلك المحبة، إذا كانت لا ترى الأوجه المحببة لأولادها باستمرار، بل تراها فى الأعياد فقط، مثل من يملك ثوبًا رائعًا ولكن لا يسمحون له بارتدائه باستمرار؟ لأن ثوب الكنيسة هو هذا الجمع الذى يأتى إلى الكنيسة، كما يقول النبى بالوحى الإلهى : ” إنك تلبسين كلهم كحلى وتتنطقين بهم كعروس” (إش18:49).

          وبالضبط كما أن المرأة العاقلة والحرة داخليًا تظهر أكثر احترامًا وأكثر احتشامًا عندما ترتدى الملابس الطويلة حتى أقدامها، هكذا فالكنيسة تبدو اليوم أكثر بهجة لأنها محاطة بالعدد الغفير من أجسامنا وردائها طويل، ولا يمكن أن ترى اليوم جزءً منها عاريًا (خاليًا منا)[1] كما فى الأيام السابقة، حيث كان الذين حضروا اليوم فقط سببًا فى عرى الكنيسة بالأمس، هؤلاء الذين لا يهتموا بالأمر . ولكى نعرف أنه ليس بالخطر البسيط أن تُترك الأم عارية، علينا أن نتذكر قصة قديمة . لنتذكر ذلك الذى نظر والده عاريًا وعُوقب من أجل هذا فقط (تك20:9ـ27) ومع أنه لم يكن هو الذى عرى أبيه بل فقط نظره وهو عارى فإنه مع ذلك لم يُعف من العقاب . لكن الذين أتوا اليوم فقط ولم يأتوا فى الأيام السابقة لم ينظروا الأم عارية، لكنهم هم الذين عروها . فإن كان ذاك الذى نظر العرى فقط لم يفلت من العقاب، فكيف يُصفح عن هؤلاء الذين كانوا سببًا فى العرى .

          وما أقوله هذا لا أريد به أن أوبخكم بل أريد أن أجنبكم العقوبة، لكى تتجنبوا لعنة “حام”، ولنتمثل بمحبة “سام” و”يافث” ونوقر نحن أيضًا أمنا دائمًا.

          إن التقاليد اليهودية كانت تحتم علي الشعب اليهودى أن يظهروا أمام الله ثلاث مرات فى السنة. فقد قال لهم الرب ” ثلاث مرات فى السنة يظهر جميع ذكورك أمام السيد الرب ” (خر7:23).

          أما نحن فالرب يريدنا أن نظهر أمامه دائمًا. فهؤلاء كانوا يجتمعون ثلاث مرات فقط بسبب بُعد المسافات إذ أن عبادة الله حينذاك كانت محدودة فى موضع معين ، ولهذا كان ظهورهم أمام الله قليلاً ، لأنه كان من الضرورى أن يحجوا لأورشليم وليس لموضع آخر . ولهذا فقد أعطاهم وصية أن يظهروا أمام الرب ثلاث مرات فى السنة ، وكان لديهم عذر بًعد المسافات . الأمر الذى لا نعانى نحن منه . فقد كانوا مشتتين فى كل أرجاء الأرض إذ يقول ” وكان يهود رجال أتقياء من كل أمة تحت السماء ساكنين أورشليم ” (أع5:2).

          أما نحن ، وإن كنا لا نقطن كلنا فى مدينة واحدة ، إلاّ أنه تجمعنا أسوار واحدة وفى كثير من الأحيان لا يفصلنا عن الكنيسة ولا حتى شارع ضيق ، ومع ذلك فنحن نأتى إلى هذا الاجتماع المقدس مرات قليلة مثل هؤلاء الذين كانت تفصلهم بحار.

          لهؤلاء أعطى الرب وصية أن يظهروا أمامه ثلاث مرات فى السنة، أما لنا نحن فقد أوصانا أن نعيّد دائمًا، لأن لدينا عيد دائم ولكى تعلموا أن لدينا عيد دائم سأقول لكم عن موضوع كل عيد وستعرفون أن كل يوم هو عيد عندنا .

          عيدنا الأول هو عيد الأبيفانيا: فما هو موضوع هذا العيد ؟ يقول باروخ النبى: ” وبعد ذلك تراءى على الأرض ومشى بين الناس ” (باروخ38:3)، لأن ابن الله الوحيد هو معنا وإلى الأبد لأنه يقول ” انظروا هاأنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر” (مت20:28) ، ولهذا فمن الممكن أن نعيّد الثيوفانيا (عيد الظهور الإلهى) كل الأيام .

          ولأى سبب نحتفل بالبصخة ؟ (عيد القيامة) وما الداعى لهذا العيد ؟ ،

          فى ذلك العيد نبشر الكل بموت الرب ، وهذا هو معنى البصخة، إلاّ أنه ولا حتى هذا نفعله فى وقت معين.

          والرسول بولس يريد أن يعفينا من التقيد بالتحديدات الزمنية، ولكى يبرهن لنا على أنه يمكننا أن نحتفل دائمًا بالبصخة فإنه يكتب قائلاً ” لأنه فى كل مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشرون بموت الرب ” (1كو26:11).

          فطالما نستطيع دائمًا أن نبشر علنًا بموت الرب ، فإننا نستطيع دائمًا أن نحتفل بالبصخة (بعيد القيامة).

          أتريدون أن تعلموا أنه يمكن الاحتفال كل يوم بالعيد الذى نعيّد له فى هذا اليوم؟ لنرى سبب هذا العيد ودواعى احتفالنا به : نحتفل بهذا العيد لأن الروح القدس قد أتى إلينا ، لأنه كما أن ابن الله الوحيد هو مع المؤمنين ، هكذا فإن الروح القدس هو أيضًا بالتمام معكم . ومن أين نعرف هذا ؟ يقول السيد المسيح إن “من يحبنى“، ويكمل قائلاً “سيحفظ وصاياى وأنا سأطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد ” (يو15:14ـ 17). كما قال السيد المسيح عن نفسه ” إنى سأمكث معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر” ولهذا نستطيع أن نعيّد لعيد الظهور الإلهى[2]، هكذا قال عن الروح القدس إنه معكم إلى انقضاء الدهر ولهذا نستطيع أن نعيّد دائمًا عيد الخمسين .

          2 ـ أرأيت أنه لم يقيدك بوقت معين، لكنه يشجعك على أن يكون لك خمير نقى ؟

          وأريد أن أخصص كل عظتى لهذا الأمر لأن أولئك الذين يقبضون على آخرين بعد جهد كبير لا يخلون سبيلهم بسهولة. ولأنى أمسكتكم فى شباكى بعد زمن طويل ، أنتم الذين جئتم إلى هنا بعد غياب ، فإنى لا أريد أن أترككم اليوم . ولكى لا تمضوا بدون أن تسمعوا شيئًا عن هذا العيد ، فإنى سأخصص حديثى الآن عن سبب هذا العيد .

          لقد أُعطى الجنس البشرى كله خيرات كثيرة من السماء ولمرات عديدة، أما مثل خيرات هذا العيد فلم يُعطَ أبدًا قبل هذا اليوم .

          اعلموا إذن ما هى الخيرات السابقة وما هى خيرات اليوم لتعرفوا الفرق بينهما. يقول المزمور ” وأمطر عليكم منًا للأكل ، وبَرُّ السماء أعطاهم ” (مز24:78).

          إذن فقد أكل الإنسان خبز الملائكة. إن هذا الأمر عظيم وجدير بمحبة الله للبشر. ثم بعد هذا أرسل نارًا وأعاد شعب إسرائيل إلى طريق الرب بعد أن كانوا قد ابتعدوا عنه ، ثم أصعد ذبيحتهم من على المذبح. ثم سقط المطر مرة أخرى عندما كادوا يهلكون من الجوع وجعل حصاد ذلك العام وفيرًا .

          عظيمة هى هذه المعجزات ، لكن أعظم منها هى معجزات اليوم . لأن اليوم لم يسقط مَنّ ولا نار ولا مطر من السماء، لكن هطلت بركات روحية غزيرة. سقط من السماء مطر لا لكى يجعل الأرض تفيض بالأثمار، بل لكى يقنع الجنس البشرى فيقدم ثمار الفضيلة لفلاّح البشرية (المسيح). وهؤلاء الذين تقبلوا قطرة من هذا المطر السماوى، أنكروا ذواتهم على الفور ، وفجأة امتلأت الأرض كلها بملائكة، ملائكة ليست سماوية لكن مظهرين بأعمال أجسادهم البشرية فضائل القوات غير المتجسدة. لأن الملائكة لم تهبط من السماء، لكن الأمر الأكثر عجبًا هو أن البشر قد صعدوا إلى مرتبة فضائل الملائكة . وأعنى أنهم لم يتجولوا كنفوس مجردة عارية ، بسبب إهمالهم الاهتمام بأجسادهم، لكنهم وهم فى الجسد صاروا ملائكة فى الفضيلة .

          ولكى تعلم أن العقاب الأول (لآدم) لم يكن عقابًا، أى عندما قال الله “أنت تراب وإلى التراب تعود ” (تك19:3) فقد تركك لتبقى على الأرض، لكى تظهر بالأكثر قوة الروح القدس، وذلك حينما يصل هذا الجسد الترابى إلى مثل تلك الإنجازات (الروحية). (إذًا بواسطة عمل الروح القدس فى الإنسان) أمكن للمرء أن يرى لغة تخرج (من فم) ترابى وتقدر أن تشفى المرض، وأكثر من هذا، فإنه لم تُرَ اليد فقط، لكن أشياء أكثر أعجازًا ، فظلال الأجساد الذى هى من طين أمكنها أن تنتصر على الموت وعلى قوات الشر غير المتجسدة ، وأعنى الشياطين .

          لأنه كما ينقشع الظلام بشروق الشمس وكما تختبئ الوحوش الكاسرة داخل جحورها وكما يهرب القتلة واللصوص ونباّش القبور إلى قمم الجبال، هكذا عندما بدأ بطرس الرسول كلامه، انقشع ظلام الضلالة وهرب الشيطان، وفرت قوات الشر واختفت الأمراض الجسدانية، وشُفيت النفوس المريضة، وتلاشت كل الشرور وعادت الفضيلة إلى الأرض .

          وكما أنه إن استطاع أحد العاملين بالخزائن الملّكية التى تحوى الذهب والأحجار الكريمة أن يحصل بموافقة المختصين على إحدى هذه الجواهر أو الأحجار حتى ولو كانت صغيرة، فإنه يصير غنيًا جدًا. هكذا صار أيضًا للكلمات التى خرجت من أفواه الرسل، إذ أن أفواههم كانت خزائن ملكية حُفظ فى داخلها كنز شفى أمراضًا كثيرة . وكل كلمة خرجت كانت سببًا فى ثراء روحى كبير .

          فقد كان ممكنًا حينذاك أن يرى المرء بالفعل أن كلمات الرب كانت تمثل مشتهى كثيرين أكثر من الذهب والأحجار الكريمة . إذ أن الأمر الذى استعصى تنفيذه بواسطة الذهب والأحجار الكريمة تحقق بكلام بطرس الرسول . فبالفعل كم هى عدد الدراهم التى كان يمكن أن تشفى ذلك الذى كان مقعدًا منذ ولادته ؟ لكن استطاعت كلمات بطرس أن  تقيمه من عجزه الطبيعى هذا . فقد قال له “ باسم يسوع المسيح قم وامش ” (أع6:3) وقوله تحقق فى الحال .

أرأيت كيف أن كلمة الرب هى مشتهاة أكثر من الذهب والأحجار الكريمة؟ أرأيت كيف أن أفواه الرسل كانت خزائن ملكية .

بالفعل كان الرسل أطباء ، وزرّاع ، وربانية سفن ؛

كانوا أطباء ، لأنهم شفوا مرضى ،

وزرّاع ، لأنهم بذروا كلمة التقوى ،

وربانية ، لأنهم أسكتوا نوات الضلال .

          ولهذا فقد قال لهم الرب مرة ” أذهبوا واشفوا المرضى ” (مت8:15). كما لو أنه يتحدث إلى أطباء ،

          ومرة أخرى قال لهم ” أرسلكم الآن لتحصدوا ما لم تتعبوا فى غرسه ” (يو38:4)، كما لو كان يتكلم مع زرّاع ،

          وفى موضع آخر قال لهم ” سأجعلكم صيادى الناس ” (مت19:4) ، وقال لبطرس ” لا تخف ، من الآن تكون تصطاد الناس ” (لو10:5) وكأنه يتحدث إلى ربانية سفن وصيادين . وهكذا فقد كان من الممكن أن يرى المرء معجزة تلى معجزة .

          لقد صعدت الطبيعة البشرية قبل عشرة أيام إلى عرش الله الملوكى واليوم حلّ الروح القدس عليها. لقد أصعد الرب باكورتنا وأرسل لنا الروح القدس . والروح أيضًا هو رب ، وهو واهب هذه العطايا . فهو والآب والابن يدبرون كل احتياجاتنا .

          فقبل عشرة أيام صعد المسيح إلى السماء ، وأرسل لنا مواهب روحية ، وعطايا هذه المصالحة . ولكى لا يشك أحد إذن ، أو يتساءل : ” ماذا فعل المسيح عندما صعد إلى السماء، هل صالحنا مع الآب ؟ هل جعل الآب يسامحنا ؟ ولكى يُظهر لنا أنه قد صالح الجنس البشرى بالآب ، فقد أرسل لنا مباشرة عطايا هذه المصالحة، لأنه عندما يتصالح الأعداء ، فإنهم حالاً ما يتبادلون كلمات الأمنيات الطيبة والولائم والهدايا .

لقد قدمنا نحن إيماننا، وأخذنا عطايا سماوية، قدمنا طاعة، وأخذنا تبريرًا.

 

          3 ـ ولكى تعلموا أننا أخذنا الروح القدس كعطية تصالح الله معنا. سأحاول أن أقنعكم من الكتاب المقدس. وسأبدأ أولاً بمحاولة إثبات العكس وإثبات أن الله لا يرسل نعمة الروح القدس إذا كان غاضبًا منا ، لكيما إذا اقتنعت بأن غياب الروح القدس هو دليل غضب الله ، تتأكد أن إرساله مرة أخرى هو دليل المصالحة ، لأنه لو لم تكن المصالحة قد تمت لَما أرسل الروح القدس . من أين لنا أن نعرف ذلك ؟

          كان عالى (الكاهن) إنسانًا متقدمًا فى السن وكان صالحًا وتقيًا فى كل شئ، غير أنه لم يكن يعرف كيف يُصلح أخطاء أولاده، إذ كان يحبهم بطريقة مبالغ فيها، واسمعوا أنتم يا من لديكم أبناء، وليكن لديكم المعايير المناسبة فى محبتكم لأولادكم (حتى لا تفسدوهم) وليكون الاحترام قائم بينكم.

          لقد أثار عالى ، بفعله هذا ، غضب الله جدًا إلى الحد الذى جعل الله يصرف وجهه عن كل جنس عالى الكاهن. ولكى يُظهر كاتب السفر موقف الله الغاضب قال “ وكانت كلمة الرب عزيزة فى تلك الأيام لم تكن رؤيا كثيرًا ” (1صم1:3)، ومعنى أن الكلام عزيز هو ندرته، إذ بقوله هذا أوضح أن النبوات كانت نادرة . وشخص آخر كان يبكى وينتحب لأجل غضب الله ” ليس لنا في هذا الزمان رئيس ولا نبي ولا قائد ولا محرقة ولا ذبيحة ولا تقدمة ولا بخور ولا موضع لتقريب البواكير أمامك ”      (دا38:3)، والإنجيلى يقول أيضًا “ لأن الروح لم يكن قد أُعطى بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد” (يو39:7). بمعنى أنه لم يكن ” قد صُلب ” بعد، فإن الروح لم يكن قد أُعطى بعد للبشر وذلك لأن ” قد صُلب ” معناها ” قد مُجد” ورغم أن عملية الصلب بطبيعتها عملية مهينة ، لكن لأنها تمت لأجل من أحبهم ، فلهذا يدعوها المسيح ” مجد “. لكن ما هو السبب فى أن الروح القدس لم يُعط قبل الصلب ؟ لأن البشرية كانت تعيش فى الخطية وفى العثرات، وفى البغضة والضلال، إذ أن الحمل الذى حمل خطايا العالم، لم يكن قد قُدم ذبيحة بعد. المسيح لم يكن قد صُلب، لذلك لم تكن هناك مصالحة، وبما أنه لم تكن هناك مصالحة ، كان من المناسب عدم إرسال الروح القدس. وبالتالى، بما أنه أرسل الروح القدس فهذا يعنى أن المصالحة قد تمت. ولهذا قال السيد المسيح ” إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى ” (يو7:16). إن لم أنطلق ـ يقول ـ لا تتم المصالحة مع الآب ، ولذلك لن أرسل لكم المعزى .

          أرأيتم بكم من البراهين أشرنا إلى أن غياب الروح القدس من بين البشر كان علامة على غضب الله ؟ ” كانت كلمة الرب عزيزة ، ولم تكن رؤيا كثيرًا “، ” ليس لنا في هذا الزمان رئيس ولا نبي ولا قائد ولا محرقة ولا ذبيحة ولا تقدمة ولا بخور ولا موضع لتقريب البواكير أمامك“، لماذا “لأن الروح لم يكن قد أُعطى بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد “. ” خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى“. وعندما ترى أن الروح القدس يأتى بغنى فلا تشك إطلاقًا فى أن هذه المصالحة قد تمت.

          ويمكن أن يسأل أحد : أين هو الروح القدس الآن؟. لأنه عندما كانت تحدث المعجزات، ويقوم الأموات ، ويتطهر البرّص، كان يمكن التحدث عن عمل الروح القدس ، أما الآن كيف نثبت أن الروح القدس معنا؟ لا تخافوا لأنى سأبين لكم كيف أن الروح القدس معنا الآن . كيف وبأى طريقة ؟ إن لم يكن الروح القدس معنا الآن بالفعل ، كيف يتطهر الذين تعمدوا من خطاياهم فى تلك الليلة المقدسة لأنه لا يقدر أحد أن يتخلص من خطاياه بدون فعل الروح القدس .

          واسمعوا الرسول بولس الذى يقول ” لأننا نحن أيضًا كنا أغنياء وغير طائعين ضالين مستعبدين لشهوات ولذّات مختلفة عائشين فى الخبث والحسد ممقوتين مبغضين بعضنا بعضًا، ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس ” (تيطس3:3ـ5). وفى موضع آخر يقول ” لا تضلوا لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مابونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله ” (1كو9:6ـ10) ، أرأيت كل هذه الشرور “وهكذا كان أناس منكم لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع و بروح إلهنا ” (1كو11:6).

          كيف تم هذا ؟ هذا ما نريد أن نعرفه . هل غُفرت الخطايا بعمل الروح القدس ؟ فلنسمع ” لكن اغتسلتم بل وتقدستم لأنكم اعتمدتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا“. أرأيت إذن أن الروح القدس يمحو كل هذه الخطايا؟

 

1  بسبب كثرة عدد المؤمنين المتواجدين بالكنيسة.

2  يقصد به عيد الميلاد .

 

عيد الخمسين – عيد حلول الروح القدس ج1 – ق. يوحنا ذهبى الفم – د. جوزيف موريس فلتس

Exit mobile version