نشيد الانشاد هل هو سفر اباحي؟ ج2 – فيليب كامل
الجزء الأول: نشيد الانشاد هل هو سفر اباحي؟ ج1 – فيليب كامل
الجزء الثالث: نشيد الانشاد هل هو سفر اباحي؟ ج3 – فيليب كامل
الجزء الرابع: نشيد الانشاد هل هو سفر اباحي؟ ج4 – فيليب كامل
الجزء الخامس: نشيد الانشاد هل هو سفر اباحي؟ ج5 – فيليب كامل
الجزء السادس: نشيد الانشاد هل هو سفر اباحي؟ ج6 – فيليب كامل
الجزء السابع: نشيد الانشاد هل هو سفر اباحي؟ ج7 – فيليب كامل
الجزء الثامن: نشيد الانشاد هل هو سفر اباحي؟ ج8 – فيليب كامل
الفصل الأول: المدخل الصحيح
“ إنني أتحدث عن سر نشيد الأناشيد معكم أنتم جميعا يا من تحولتم إلى ما هو إلهي.. تعالوا أدخلوا إلى حجرته الزيجية غير الفاسدة، يا من لبستم ثوب أفكار النقاوة والطهارة، فإن البعض لا يرتدي ثوب الضمير النقي اللائق بعروس إلهية، فير تبكون بأفكارهم الذاتية، ويحدرون كلمات العريس النقية إلى مستوى اللذات البهيمية، وهكذا يبتلعون في خيالات مشينة “ .
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
السؤال الخدعة!
يبتسم في وجهك تلك الابتسامة المصطنعة – {دائماً الناقدون للكتاب المقدس يفعلون نفس الشيء، فهم يبتسمون بخبث ليخلقوا لأنفسهم جو من الثقة الوهمية الزائفة أنهم على حق، وفي نفس الوقت يحاولون التأثير النفسي السلبي بتلك الابتسامة على الذين يسألونهم لكي يجعلونهم مهزوزين، وهذا أسلوب قديم مُتعارف عليه} -.. وبعد أن يبتسم تلك الابتسامة المزيفة؛ يسألك بخبث هل تستطيع أن تقرأ سفر نشيد الإنشاد أمام ابنتك أو أختك في البيت؟! إنه كتاب يتحدث عن الفخذ والسرة والثدي، فهل هذا كلام الله؟! هل يليق بكتاب الله أن يكون به هذه الأمور الإباحية؟!
وعندما يسمع البعض هذا السؤال يُصاب بصدمة وذهول للوهلة الأولي، على الرغم من أن الكثير منهم قد لا يكونوا يعرفون مكان سفر النشيد في الكتاب المقدس، وقد لا يكونوا قد قرأوه من قبل؛ ولا يعرفون عن ماذا يتكلّم، ولكنه أسلوب السؤال الصدمة الخادعة، أو السؤال الخدعة، فتبدأ ترتبك بدون سبب واضح، وتشعر بالخجل الوهمي دون وجود شيء حقيقي يدعوك للخجل منه!
وأسلوب السؤال الصدمة، أسلوب يستخدمه من ليس لديه حجة قوية، فيحاول دون أسانيد حقيقية أن يخلق نوع من التشكك أو الصدمة لدي متلقي السؤال، معتمداً على الفجائية.
وهو أسلوب ابتكره إبليس، عندما سأل أول سؤال للبشرية متمثلة في حواء: “ أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة” ؟! (تك ١:٣).
حيث “ أحقاً” في العبرية 72 TX وهو صيغة استفهام تحمل كل معاني التعجب والإنكار والاستنكار معاً، مما يخلق حالة التشكك، وهي من الحالة التي يتردّد معها الذهن بين الإثبات أو النفي، ويتوقف الذهن عن الحكم أو الفصل بينهما.
لذلك؛ دعونا نري الموضوع من خلال نقاط مُحدّدة:
أولاً: أقول لأصحاب سؤال الوهم الخادع أنه لا توجد عبارة واحدة في سفر النشيد تستطيع أن تقول عنها أنها تخدش الحياء.. لا توجد جملة تستطيع أن تمسكها وتقول عنها أنها جملة جنسية فاضحة، وهناك فرق كبير جدا جدا بين ذكر بعض أعضاء جسد الإنسان، وبين ذكر كلمات أو أمور جنسية إباحية تحضُّ على الرذيلة، وإلا تكون كتب الطب التي فيها صور وذكر لأعضاء الإنسان كتباً إباحية جنسية تُدرسها دول العالم لأبنائها، وتكون دراسة علم مثل “ الحمل والرضاعة Pregnancy and Lactation “ علم إباحي يستوجب عدم تدريسه للأطباء، وخاصة للنساء، وبالتالي يكون الأطباء الذين درسوا وتعبوا بكليات الطب؛ ما هم إلا مجموعة من دارسي الإباحية، ويكون بالتالي دراسة الطب من الأساس حرام، ودخول البنات كليات الطب حرام، لأنها سوف تطلع على كتب إباحية، ويكون السؤال هنا: هل لو أنت تدرس طب، فهل تستطيع أن تدخل بيتك بكتب الطب التي بها ذكر لأعضاء جسد الإنسان أمام أختك أو أمك، أم أنك تدرسها في السر؟!
وهل تترك اختك أو ابنتك تدرس تلك المواد الإباحية؟!
ثانياً: إذا كان الناقد يقول إنه هل يليق بكتاب الله أن يكون به ذكر أعضاء جسد المرأة؟!
وأنا أسأله بالتالي: وهل إذا كان هناك أي كتاب لأي دين آخر مكتوب فيه ذكر لأعضاء جسد المرأة، فهل هذا يعني أنه ليس
كتاب الله بالمقارنة؟! “ لأنك فيما تدين غيرك تحكم على نفسك” (رو ١:٢).
وهل لو ذُكر في كتابك الديني ذكر لأعضاء جسد المرأة، فهل هذا يدعوني أن أنظر باستقباح لأعضاء المرأة التي خلقها الله القدوس، وابتدئ أقول لك بسخرية: كيف تقول مثل هذا الكلام القبيح في كتابك الديني؟!
بالطبع حاشا أن أنظر باستقباح لما خلقه الله.
ثالثاً: هل الأعضاء التي خلقها الله القدوس؛ هل نقبحها نحن ونقول أن ذكرها من العار، ومما يندي له الجبين؟!
هل وصل الحال بالبعض أن يندي جبينه بالخجل مما صنعه الله بذاته؟!
أتستقبح مما لم يستقبحه الله القدوس، وخلقه ووضعه فينا؟! أم أننا كما يعلّمنا الكتاب المقدس أننا نُعطي حتى الأعضاء التي يستقبحها البعض نتيجة تلوث أذهانهم.. نعطي هذه الأعضاء «جمالاً أفضل” (١كو ۲۳:۱۲) …؟!
إن من ينسب صفة الإباحية على أعضاء جسد الإنسان، فكأنه بذلك ينسب صفة الإباحية على من خلق هذه الأعضاء.. وحاشا لله القدوس أن ننسب له هذه الصفة!
لابد وأن نفرق جيداً بين الجسد بأعضائه، وبين شهوات الجسد،
فالخطية عندما دخلت للعالم استخدمت الجسد مستغلة غرائزه الطبيعية التي خلقها الله، فحولتها عن مسارها الطبيعي الذي خُلقت لأجله، إلى مسار خاطئ لخدمة الخطية، فالخطية خاطئة جداً، ولكن يبقي ما صنعه الله نقياً في حد ذاته.
رابعاً: لا نجد في العهد القديم أية مصطلحات جنسية بمعنى الكلمة، ولا نجد كلمة واحدة للسلوك الجنسي. والإشارة إلى الأنشطة والأعضاء الجنسية تُكتب بصورة غير مباشرة للأعضاء التناسلية، وعلى ذلك لا نجد كلمة للعضو الذكري أو الأنثوي، بل يُشار إليهما بكلمة בשר وتنطق (baw sawr): وتعني: لحم – flesh.
مثال:
“ وإذا كانت امرأة لها سيل وكان سيلها دماً في لحمها {בשר baw sawr فسبعة أيام تكون في طمثها” (لا ١٥:١٩).
“ وأما الذكر الأغلف الذي لا يُختن في لحم غرلته {בשר baw -sawr فتُقطع تلك النفس من شعبها” (تك ١٤:١٧).
وحين تكون هناك إشارة إلى الأعضاء التناسلية لذكر أو أنثي بينهما علاقة جنسية مُحرّمة، يستخدم الكتاب كلمة ערוה er-vaw: تعني: عورة – nakedness والتي تحمل معنى العُري المخزي {أنظر: ٦:١٨٧ – ١٩ / ١٧:٢٠١٧ – ٢١ / ١صم ٣٠:٢٠ / مراثي ٨:١ / حز ٣٧:١٦ / حز ۲۹،۱۰:۲۳}.
* العلاقة الحميمة بين الزوجين؛ تم التعبير عنها في الكتاب المقدس بالفعل קרב kawrab، ويعني: يقترب – approach (لا ١٤:١٨، ١٩).. أو بالفعل בור bo، ويعني: دخل عليها went in (تك ۲۳:۲۹، ۳۰).. أو الفعل ידע yaw-dah، ويعني:
يعرفها know (تك ١:٤).
والرائع أنه في بعض الكتابات اليهودية يُسمي العلاقة الحميمة في الرباط الزيجي: “ قدَّسَ امرأة” ، فالعلاقة الزيجية علاقة مقدسة أسسها الرب بنفسه.
والأهم، أن العضو التناسلي للمرأة في العبرية הקלה، وهذه الكلمة لم تُستخدم مرة واحدة في كل الكتاب المقدس.
خامساً: أنقل لك بعض العبارات التي دارت بين العروس والعريس؛ وأُحكم بنفسك هل هذه العبارات خادشة للحياء إذا قرأها الإنسان أمام ابنته أو أخته أو أي امرأة في العالم؟!
“ شبهتك يا حبيبتي بفرس في مركبات فرعون” (نش ۹:۱).. لاحظ كلمة “ شبّهتك” هنا، فالمعني هنا تشبيهي رمزي تماماً. والسؤال: هل من الغزل أن يقول رجل لامرأة أنك مثل الفرس؟!
كما قال قداسة البابا شنودة مبتسماً: لو قال لها هذا الرفسته.
أنت جميلة يا حبيبتي كترصة حسنة {ترصة؛ هي مركز مملكة إسرائيل الشمالية} كأورشاليم مرهبة كجيش بألوية” (نش ٤:٦).. لاحظ أيضاً حرف” الكاف” في كلمتي “ كترصة… كجيش وهو حرف يفيد التشبية والرمزية»، فهل من الغزل الرخيص أن يقول رجل لامرأة أنت لست مثل الجندي فقط، ولكنك مثل كتيبة جنود؟!
فهل أي فتاة تسمع مثل هذه الكلمات تُصاب بالكسوف والخجل؟! إنه تشبيه رجولي أكثر منه غزل لامرأة.
“ ها أنت جميلة يا حبيبتي ها أنت.. جميلة عيناك حمامتان من تحت نقابك شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد” (نش ١:٤). فهل من الغزل أن يقول رجل لامرأة عيناك مثل عيون الحمام ضيقة، وشعرك مثل قطيع الماعز؟!
هل هذا كلام إباحي وغزل رخيص لامرأة؟! أم أنه يقصد معني مختلف تماما عن الغزل الرخيص؟!
» أسنانك كقطيع الجزائر {الخراف} الصادرة من الغسل اللواتي كل واحدة متئم وليس فيهن عقيم” (نش ٢:٤).
فهل من الغزل أن يغازل رجل امرأة ويقول لها: أسنانك مثل قطيع الخراف؟!
“ خدك {صدغاك} كفلقة رمانة تحت نقابك” (نش ٣:٤).
هل يُعقل أن يغازل رجل امرأة بغزل رخيص ويقول لها: صدغك منفوخ مثل الرمان؟!
“ عنقك كبرج من عاج عيناك كالبرك في حشبون عند باب بث ربیم أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق” (نش ٤:٧).
هل يُعقل أن يكون من الغزل أن يقول رجل لامرأة: عنقك مثل البرج الحربي، وعيناكِ تُشبة بركة مياه، وأنفك طويل مثل البرج الحربي؟!
لو بالمعني الحسي، لاعتبرت المرأة كل هذه التشبيهات السابقة نوع من الإهانة وليس الغزل.
لذا فالمعنى الحسّي للكلام الغزلي غير موجود في سفر النشيد. سادساً: لاحظ تعبير “ أختي” المتكرّر من عريس سفر النشيد قبل كلمة “ عروس” (نش ١٠:٤)، وهو تعبير يُقال في المجتمعات الشرقية كثيراً، وهي كلمة لا تُقال بالقطع في الحوارات الإباحية الدنسة، وإلا اعتبرنا أن أي شخص يقول مثلاً “ الأخت فلانة أو أختى” أنهُ يقول كلاماً إباحياً، وهذا بالقطع كلام غير معقول ولا مقبول!
سابعاً: لماذا التركيز على بعض الأعضاء التي للعروس فقط، مع أن السفر يذكر أيضاً أسنانها (٢:٤).. ولسانها (١١:٤).. ورجلها (٧: ١) وأنفها (٧: ٤).. ورأسها (٥:٧).. وحنكها (٩:٧)؟! فلماذا التركيز على بعض الأعضاء واستقباحها؟! وحتى الأعضاء
العادية كالبطن؛ اخترع لها معني جنسي – كما سنرى –؟!
لماذا هذه النظرة الجنسية الاستقباحية الدنيئة لجسد المرأة في عيني المعترض؟! لماذا وقفت عينيه فقط على هذه الأعضاء؛ ونظر لها باستقباح ولم تقع مثلا على كلمات العريس في وصفه الإجمالي الرائع لعروسه: “ كُلُّكَ جَميلٌ يا حَبيبَتي ليس فيكَ عَيبَةٌ {“ عَيبَةٌ” في
العبرية mam mam Dawe are، وتعني: ليس فيك وصمة أو لطخة عار أو أي عيب على الإطلاق}” (نش ٧:٤)؟!
فهل إذا كان شخصاً إباحياً يغازل امرأة يعرف أنها للمتعة الحسية، فهل يُعقل أن يقول لها: أنت بلا وصمة عار؟! بل ويقول لها أيضاً؛ أنك: “ طاهرة كالشمس” (نش ١٠:٦).
ولماذا عندما وقعت عيني الناقد على هذه الأعضاء استقبحها وتكلّم عنها بنظرة احتقارية، وكأنه أكثر عفة ونقاوة وطهراً من الله خالقها؟!
إنها نفس النظرة القديمة في الفكر الغنوسي الهرطوقي القديم والذي كان يحتقر الجسد ويعتبر وظائفه غير مهمة، وكان يحتقر بالذات المرأة، حتى أنه في الكتاب الغنوسي الهرطوقي المنسوب لتوما؛ يقول فيه: “ قال سمعان بطرس لهم {للتلاميذ} دعوا مريم تتركنا، فإن النساء لسن أهلاً أن يعشن. قال يسوع: أنا نفسي أقودها لأجعلها ذكراً، فنصيرها أيضاً روحاً حياً، لتشبهكم أنتم الذكور. فإن كل امرأة تجعل من نفسها ذكراً ستدخل ملكوت السماوات” (توما ١١٤)!!
ومن هنا جاء مصطلح “ مجتمع ذكوري” أي المجتمع الذي ينظر للمرأة باحتقار وشهوانية، وأنها خُلقت فقط لمتعة الرجل وإشباع رغباته. ولذلك نجد أن المعترض على سفر النشيد لم يتكلم أو يعلق إطلاقاً على أي أعضاء ذكرت للعريس، فالعروس تكلمت عن عيناه وخداه
وشفتاه وبطنه وحلقه) نش ١١:٥-١٦)؟!
ثامناً: متي يكون الكلام الذي تقرأه كلاماً إباحياً؟! يكون هكذا لو رأيته يتكلّم مثلاً عن إباحة العلاقات الخاطئة، فالإباحية بحسب المعجم الوجيز؛ هي: التحلل من قيود القوانين والأخلاق. والسؤال هنا: هل يُوجد في سفر النشيد ما يُوحي حتى بالتحلّل من قيود القوانين والأخلاق؟! هل تُوجد إشارات تبيح ممارسة الرذيلة أو تحليلها؟!
وهل الكتاب المقدس الذي قال إن أجرة الخطية موت (رو ٢٣:٦) يبيح الخطية؟!
هل الكتاب المقدس الذي لا يدين فقط الزني؛ ولكن يدين حتى النظرة الأولى للمرأة قائلاً: “ ان كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه” (مت ۵: ۲۸).. هل هذا الكتاب المقدس يبيح الإباحية؟!
هذا بالطبع كلام غير معقول، فلا يُوجد في كل الكتاب المقدس قديمة وجديده أي تحليل أو تمرير أو تبرير لبعض الخطايا على أساس أنها من الصغائر.. لا توجد في الكتاب المقدس خطايا يمكن التغاضي عنها أو تمريرها على أساس أنها خطايا صغيرة يقع فيها الجميع، فالخطية خطية كبرت أو صغرت، والكتاب المقدس يدين الإثنين بشدة.
ثم أن العلاقة الموجودة في سفر النشيد ليست علاقة بين رجل وامرأة لا يعرفان بعضهما أو بين زاني، وزانية، لكنها علاقة بين زوج وزوجته، فكلمة “ العروس” المذكورة في السفر في العبرية כלה – وتنطق Kal law وتعني: زوجة – spouse.
ونظرة الكتاب المقدس عموماً للزواج هي نظرة في غاية التوقير والتقديس والتكريم، فالكتاب يقول عن العلاقة الزوجية: “ ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد والمضجع غير نجس” (عب ٤:١٣).
فالتعبيرات الحبية النقية الموجودة في السفر، هي تعبيرات حبية بين زوج وزوجته، يعرفان كيف يكرما ويقدسا علاقتهما الزوجية. فإن كان أحد ينظر إلى الزواج الذي أوجده الله منذ خلقته للإنسان، بما فيه من علاقة حب وحميمية بين الزوجين على أنه فحشاء ينبغي مدارتها، فيكون السؤال للمعترض: وهل الله القدوس أنشأ الفحشاء؛ عندما أنشأ وحلّل الزواج؟! حاشا الله أن يفعل هذا.
فالزواج ليس رخصة شرعية قانونية لممارسة الرذيلة والفحشاء بصورة تُريح الضمير وتبعدني عن العقاب القانوني!
إن الزواج سر مقدس أسّسه وأوجده الله بنفسه، وما قدّسه الله لا يليق أن يدنسه البشر بفكرهم الملوث بالخطية.
وطبيعي جداً أنك تسألني: ولماذا استخدم الوحي هذا الأسلوب الرمزي عن الحب الذي يجمع زوجين، كرمز للحب المتبادل بين الله وشعبه؟! لماذا لم يختار شكلاً آخر من العلاقات؟!
أقول لك: ما هي اسمي وأنقي وأروع وأعمق علاقة يمكن أن تعبر
عن الحب، وتستطيع بالفعل أن تقول عنها أنها بالحق حُب؟! إنها علاقة الحب الزيجي والتي أسسها وشرعها الرب بنفسه للإنسان في صورتها الأولي النقية التي بلا تشوهات قبل السقوط، وهي الصورة التي أوضحها بولس الرسول: “ أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحبَّ المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها” (أف ٢٥:٥)، ومن خلال هذه العلاقة المقدسة؛ يوصل لنا الرب رسالة نستطيع أن نفهمها بلغتنا عن مفهوم وشكل العلاقة معه، من خلال ثلاث نقاط أساسية هامة:
١ – الحب.
٢ – الأمانة.
٣- الخيانة.
ففي الكتاب المقدس بعهديه يُستعمل الزواج للتعبير عن الحب والأمانة كمثال لأمانة العهد والحب الذي يجمع بين الرب وشعبه (أش١:٥٠، ٤٥٤ – ٨، ٤٦٢ / إر ١٧:٣١-٢٢ / حز ١٦: ٨ / هو ١:٣-٣ / أف ٢٢:٥-٣٣).
فالعلاقة الزوجية النقية هي من أعظم الصور التي تعبر عن المحبة الصادقة والأمانة التي ليس فيها خيانة؛ “ كفرح العريس بالعروس” (أش ٦٢:٥)، وتشوه هذه العلاقة يعبر عن خيانة العهد وكسر كيانه وكرامته) حز ١٥:١٦)، لكن الرائع جدا في الكتاب المقدس أن النفس البشرية بالرغم من خيانتها للرب في العهد؛ فإن الرب بقي أميناً في عهده، فيذكر لها أيام صباها وحبّها وأمانتها الأولي، محاولاً بكل جهده أن يستردها إليه مرة أخري (حز ٦٠:١٦).
والحب البشري ليس بغريب عن المحبة الإلهية، فالله يقدس الحب الإنساني الطاهر؛ والذي هو إنعكاس لهُ، والذي يستمد نقاوته من حب
الله المسكوب في قلوبنا بالروح القدس المُعطي لنا) رو ٥:٥).
ونجد صورة الحب أو العشق الإلهي هذا موجودة أيضاً عند المتصوفين، حيث “ العشق” في المعجم الوجيز تعني: المعجم الوجيز تعني: أحبُّهُ أشــــد الحُبِّ.
والتصوّف كما جاء تعريفه في الموسوعة العربية الميسرة: “ التصوف مسيحياً كان أو إسلامياً هو مراتب يبدأ المتصوف فيه بتطهير نفسه من الدنس والأقذار والأهواء والنزعات المنحرفة، بحيث يُصبح أهلاً للتجلي. وما التجلي إلا شعور يزيد من محبة الله والقُرب منه، وكلما قوي هذا الشعور إطّرد {تزايد} رقيّ النفس حتى تحسُّ بوجود الله في قرارها، بل باتحادها به اتحادا كلياً “ .
والتصوف الإسلامي، كما يقول عنه د. عبد الرحمن بدوي أستاذ الفلسفة، في كتابه “ رابعة العدوية – شهيدة العشق الإلهي “ : “ .. عندما نبحث عن مصدر التأثير الواعي أو اللا واعي في التصوف الإسلامي، يجب أن يتجه البحث إلى التأثير المسيحي إذ تغلب عليه هذه الفكرة، فكرة المحبة الإلهية
ثم يقول د. عبد الرحمن بدوي في نفس الكتاب “ رابعة العدوية – شهيدة العشق الإلهي” .. يشرح ما كانت تعيشه المتصوفة الإسلامية رابعة العدوية: “ .. لقد بدأت رابعة تستشعر الحب الإلهي، وإنه لينمو، وتواكبه مشاعر مختلفة، لعل من بينها، ومن أقواها الشعور بأنها نذرت نفسها لهذا المُحب الأسمى.. وعما قليل ستعلن خطبتها إليه، ولعل ذلك أن يفضي في النهاية إلى الزواج الروحي بينها وبين الله “ .
وبالطبع نجد لهذا الكلام أصله في كلمة الله؛ عندما لخصها بولس الرسول: “ لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح” (۲کو ۱۱: ۲).
ويعود د. عبد الرحمن بدوي يُعلّق على فكرة الزواج الروحي هذه: “ هذا نص على أكبر درجة من الخطورة لأنه يتحدث عن وجود فكرة الزواج من الله والاقتران به لدى الصوفيات المسلمات منذ القرن الثاني الهجري أو الثامن الميلادي، وهي الفكرة التي لعبت دوراً خطيراً في التصوف المسيحي”
هذا العشق والهوى الروحي جعل رابعة العدوية تشدو بكلماتها المعروفة:
أُحبُّكَ حبين، حب الهوى
وحبُّ لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حب الهوى
فشغلي بذكرك عمن سواك
وأمّا الذي أنت أهلاً له
فكشفك للحجب حتى أراك
وهذا الحب والعشق الإلهي أوصلها إلى مرحلة المرض؛ فقالت: يا مؤنس الأبرار في خلواتهم يا خير من حلت به النزالُ المحبين} من ذاق حبك ما يزال متيماً فرح الفؤاد، متيماً، بلبالُ مهموم} من ذاق حبك لا يُري مبتسماً من طول حزن في الحشا إشعال ويُعلّق د. عبد الرحمن بدوي، في كتابه “ رابعة العدوية – شهيدة العشق الإلهي “ : “ يُحكي أن رابعة كانت تنوح باستمرار، فسُئلت: لماذا تنوحين وأنت لا تشكين ألماً؟! فأجابت واحسرتاه! العلة التي أشكوها ليس مما يستطيع الطبيب علاجه. إنما دواؤها الوحيد رؤية الله. وما يعينني على احتمال هذه العلة إلا رجائي أن أحقق غايتي هذه في العالم الآخر “ .
ويُعلّق د. عبد الرحمن بدوي على كلمات رابعة هذه: “ ما أبدع العبارة وصف ما تشكوه؛ لقد ألحت عليها الرغبة في الرؤى، حتى استحالت مرضاً، مرضاً تتألم له، لأن الحب قد صار من القوة بحيث صارت
له آثار تُوغل في أعماق الروح فتصيبها بالعلة، هنا {المرض حتى الموت} من شدة الألم العالي!
أليس هذا صدى لما قالته عروس النشيد: “ إني مريضة حُباً” (نش ٥:٢)؟!
نجد أيضاً صدي آخر لكلام سفر النشيد لدي رابعة العدوية؛ وهذا ما يقوله الأستاذ مأمون غريب في كتابه “ رابعة العدوية في محراب الحب الإلهي” : فإذا مستها هذه الشرارة المقدسة، شرارة الإغاثة لتتجه إلى نور الهداية فإذا بها تنقاد نحو النور.. وتغرق فيه.. وتشدو بحبيبها الذي لا يعادله حبيب إنه الخالق العظيم “ !
وتقول رابعة في هذا:
حبيبُ ليس يعدله حبيب
ولا لسواه في قلبي نصيب
وشخصي ولكن في فؤادي ما يغيب
حبيب غاب عن بصري
إنه صدي لنفس كلمات صديقات عروس النشيد: “ ما حبيبك من حبيب ايتها الجميلة بين النساء ما حبيبك من حبيب حتى تحلفينا هكذا” (نش ٥: ٩)؟! وعندها بدأت عروس النشيد تصف لهن عريسها الغالي، وفي نهاية وصفها قالت لهن: “ حلقه حلاوة وكله مشتهيات. هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات أورشاليم” (نش ١٦:٥).
* لكن، قد يقول البعض: إن ما يُقال في الحب أو العشق الإلهي هو بدعة في الدين. يردّ على هذا الأستاذ مأمون غريب، في كتابه “ رابعة العدوية في محراب الحب الإلهي “ : “ .. لم يكن الصوفية مبتدعين وهم يريدون من تعبدهم الله أن تشرق عليهم الأنوار الإلهية… الحب الإلهي إذن هو غاية الصالحين، وليس بدعة أو إختراع “ .
وبالطبع لا يفوتني هنا ما كتبه الأديب الشهير الأستاذ “ توفيق الحكيم “ في مقدمة كتابه “ نشيد الإنشاد “ وكان وقت كتابته عام ١٩٤٠م أثناء قيام الحرب العالمية الثانية.. كتب يقول: “ إلى الإنسانية الدامية الناسية هبة الله التي أنزلها الأرض “ الحب والربيع”
هذا نشيد الملك النبي سليمان، وضع قبل الميلاد بنحو ألف عام. ولعله أجمل صوت خرج من قلب الإنسان لتحية الحب والربيع منذ أقدم
الأزمان.
سَحَرَ هذا النشيد أكثر الشعراء والأدباء وأهل الفنون على توالي العصور. ولعل أشهر من فتن به في العهود الحديثة “ رينان” ثم “ أندريه جيد” ، فوضعه كل منهما في صيغة جديدة. ولقد أردت أن أطلع على ما صنعا فلم تُهيء لي ظروف اليوم القاسية أسباب العثور على هذين النصين الحديثيين. فجعلت كل اعتمادي في وضع هذه الصيغة على التوراة.
وبعد، فلقد تخيّرت عن عمد، هذا اليوم الذي ينشر فيه روح جناحيه على الأرض، لأنشر أغنية الملك سليمان المُعطّرة بروح الحب والجمال “ .
كما نقول أيضاً أن استخدام الصور الرمزية التشبيهية موجود في كل الديانات، فعلي سبيل المثال نجد مصطلح “ عرش الله “ ، فلو أخذنا هذا المصطلح بصورة حرفية فهذا معناه أننا نحد الله بمكان معين، أو أن العرش نفسه غير محدود كالله لكي يســــع الله الغير محدود، وبالطبع هذا غير لائق لأننا كمن يساوي العرش بالله. لذا فنحن نفهم مصطلح “ عرش الله” بمعني أنه تعبير رمزي عن الحلول الإلهي
أو الحضرة الإلهية، وليس بالطبع كرسي أو عرش مادي.
وهكذا نجد مفاهيم كثيرة رمزية تقرب لنا بعض المعاني عن العلاقة بيننا وبين الله؛ نستطيع من خلالها أن نفهمها بفكرنا البشري المحدود، فنجد مثلاً أن القرآن ينسب الله بعض المشاعر الإنسانية، كالنسيان، ففي سورة التوبة يقول: “ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ” (٦٧).. وأيضاً في سورة السجدة “ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هُذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ” (١٤).
أو مشاعر الغضب، كما في سورة الفتح: “ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ” (٦).
وبالطبع أتفهم هذا، فهذه صور رمزية تشبيهية لتقريب المعنى للإنسان.
ومن ضمن الصور الرمزية الرائعة في هذا السفر اسم العروس نفسها، فهي تُدعي” شلوميث “ ، وهو الاسم المؤنث لسليمان كاتب السفر في العبرية، وهي رمز رائع لنا نحن أولاد الله عندما نلتصق بالرب بعهد أبدي {سر زيجة روحي، فنقول للرب: “ دُعيت باسمك يارب إله الجنود” (أر ١٦:١٥)، فالمرأة عندما تتزوج برجل فهي تحمل اسمه – كما يحدث في الغرب – لذا فنحن مسيحيين لانتسابنا والتصاقنا بالسيد المسيح عريس أنفسنا.
ولندخل سريعاً في الصفحات القادمة إلى الأسئلة المباشرة على الآيات، بحسب ترتيبها في كل اصحاح، لكي نصل للفهم الصحيح لهذه الآيات دون خلط أو تشويه.
يسوعي الحلو.. إلهي وسيدي وعريس نفسي الغالي..
هبني بقراءتي لكلمتك الحية ذهناً نقياً مُجدداً (رو ٢:١٢)..
فكلامك كان قادراً بسلطان أن يغير أغسطينوس الفاجر إلى القديس أغسطينوس أشهر تائبي العالم..
كلامك حي ويعطي حياة لمن يقرأه…
فدع كلامك سيدي الحبيب يسكن في قلبي بغني (كو ١٦:٣)..
فكلامك سيدي الغالي يعقل الجهال فيصيرون حكماء (مز ۱۳۰:۱۱۹)..
علمني كيف أخبيء كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك (مز ۱۱:۱۱۹)..
ولتكن كلماتك الحلوة هي لذتى أهل مشورتي (مز ٢٤:١١٩).