2 – مقدمـــــــــــــــــــــة
كلمة التبني مُترجمة من العبرية בַּתללָקח – batllaqah، وعن اليونانية ύίοθεσία – huiothesia، أي وضعه في موضع الأبناء، أي اتخاذ شخص [ ليس ابناً طبيعياً له صلة الرحم ] أبناً، وعموماً الكلمة تُشير إلى الإجراء القانوني الذي يستطيع به أي إنسان أن يلحق أبناً بعائلته، ويخلع عليه قانونياً كل حقوق وامتيازات الابن، بالرغم أنه ليس ابناً طبيعياً له، بل وليس من عشيرته أو قومه الأقربين، إذ جرت العادة عند الناس قديماً وحديثاً على أن يتبنوا أولاد لأنفسهم، فيتمتع هؤلاء المتبنين بجميع حقوق البنوية من وراثة وغيرها كأنهم أبناء حقيقيون، وذلك مثلما حدث في تبني ابنة فرعون لموسى النبي (خروج 2).
وكانت من عادة المرأة قديماً، إذ لم يكن لها ولد تُعطي جاريتها زوجه لرجلها، فإذا ولد منها بنون تبنتهم سيدة الجارية وحسبتهم بنين لها (أنظر تكوين 16). وإذا حدث أن رجلاً ليس له سوى ابنه وحيدة، يُمكنه أن يعطيها زوجة لعبد معتوق، ويتبنى أولادها ليرثوه ويحيوا اسمه من بعد موته. وكان التبني أمراً مشهوراً أيضاً عند الرومان واليونانيين، وقد وضعت قوانين مُخصصه توضح كيفية احتلال مركز الابن في وضع شرعي.
وعموماً هذه الكلمة (التبني)، لا تُذكر في العهد القديم إلا نادراً وفي مواضع محددة، فلا يوجد في العهد القديم أية قواعد (قوانين) خاصة بالتبني، رغم وجود تعبيرات مثل: [ أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً ] (2صموئيل 7: 14)، أو [ واتخذكم لي شعباً ] (خروج 6: 7)
بل هذه الكلمة لا تظهر بوضوح إلا في العهد الجديد، وعلى الأخص في رسائل القديس بولس الرسول، وتُذكر في: [ رومية 8: 15 و23؛ رومية 9: 4؛ غلاطية 4: 5؛ أفسس 1: 5 ]
+ إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب (رومية 8: 15)
+ وليس هكذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضاً نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا (رومية 8: 23)
+ الذين هم إسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد (رومية 9: 4)
+ ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني (غلاطية 4: 5)
+ إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته (أفسس 1: 5)
- أولاً : الفكرة القانونية العامة
- 1 – في العهد القديم:نقرأ في العهد القديم عن ثلاثة حالات من التبني:
ونُلاحظ بالنسبة لهذه الحالات الثلاث، أنها لم تحدث في فلسطين، بل في خارجها، وبالتحديد في مصر وفارس، حيث كان التبني أمراً شائعاً في تلك المناطق. والتبني يصدر عادةً عن الأب المتبني (الذي يريد التبني)، فهو من يتخذ المبادرة على الدوام. وقد يكون الدافع لهذا هو الاحتياج العاطفي، أي ملء الفراغ العاطفي لعدم وجود ذرية تُشبع العواطف الأبوية والمفاهيم الدينية، وايضاً لحفظ اسم العائلة واستمرارها، أو للرغبة في ممارسة السلطة الأبوية.
وكانت إجراءات وشروط التبني تختلف من شعب لآخر حسب عاداته وتقاليده وديانته، فقد كان التبني عند الأمم الشرقية يمكن أن يمتد إلى العبيد أو الأسرى [ كما في حالة موسى ]، وبالتبني ينالون حريتهم ويحصلون على الحقوق الكاملة التي للأبناء والأحرار.
- 2 – عند اليونان:
كان ممكناً للإنسان في أثناء حياته أو في وصية تُنفَذ بعد وفاته، أن يتبنى أي مواطن يوناني ذكر، فيصبح في مكانة الابن له كل حقوقه الكاملة في كل شيء، ولكن بشرط أن يقبل الابن المتبني القيام بكل الالتزامات القانونية والواجبات الدينية التي يلتزم بها الابن الحقيقي.
- 3 – عند الرومان:
نلاحظ أن سلطة الأب عند الرومان سلطة عاتية، فكان الأب يُمارس على ابنه سلطة شبيهة بالسلطة التي يُمارسها السيد على عبده، وقد أضفى هذا صورة غريبة على عملية التبني !!!
بالطبع وبلا شك كان القديس بولس الرسول عارفاً بالعادات الرومانية كشخص كان يتمتع بالجنسية الرومانية، كما أنه سواء في موطنه في طرسوس المدينة الكبيرة، أو في رحلاته العديدة، قد عرف عادات الشعوب والمناطق الأخرى.
وطبعاً بولس الرسول يستخدم الفكرة ليس في حرفيتها القانونية كما هي عند الرومان أو عند باقي الشعوب ولا حتى على مستوى العهد القديم مثل الحالات التي رأيناها، فمن الخطر الذهاب بكلمات القديس بولس عن التبني إلى حدود بعيدة من التفاصيل لتشتمل على فكر الشعوب أو حتى فكر اليوم عن التبني سواء بقبوله أو رفضه قانونياً، ولا يصح أن نطبقه من الجهة الحرفية القانونية على كلمات الرسول، لأن هناك اختلاف بارز وجوهري بين التبني عند الشعوب، والتبني عند الله في المسيح يسوع، لأن القديس بولس يستخدم كلمة التبني ليُبين أن الله – بإعلان نعمته في المحبوب يسوع ابنه بالطبيعة والحق – أتى بالناس إلى علاقة الأبناء الحقيقيين ومنحهم اختبار وتذوق علاقة التبني في الابن الوحيد له بالطبيعة، فكلمة البنيين أضفى عليها الرسول معاني متسعة ليوضح علاقتنا الجديدة بالله في يسوع المسيح ابنه الحقيقي والوحيد، لأن بالتجسد الإلهي الفائق قُدمت لنا الطبيعة الجديدة الداخلية، ليكون كل إنسان مؤمن بالمسيح على شبه المسيح الرب نفسه، متمثلاً بالله، لأن العلامة المُميزة للمسيحي الحقيقي ليست في الأساليب والأشكال الخارجية الظاهرة للناس، إنما في تجديد القلب وسلام الأفكار الداخلية والمحبة لله التي تظهر في محبة القريب وكل إنسان، وبذلك يتحقق فينا عملياً التجسد الإلهي، لأن ابن الله بالطبيعة صار ابناً للإنسان، وذلك لكي يصير أبناء الإنسان أبناء الله في الابن الوحيد، لأننا من شخص ربنا يسوع المسيح نستمد التبني.
العنوان القادم؛ تابع ثانياً: التبني في رسائل القديس بولس الرسول
1 – التبني في الرسالة إلى أهل غلاطية