آبائياتأبحاث

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص1 ج3 – ق. ذهبي الفم

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص1 ج3 - ق. ذهبي الفم

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص1 ج3 – ق. ذهبي الفم

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص1 ج3 - ق. ذهبي الفم
تفسير رسالة2 تيموثاوس ص1 ج3 – ق. ذهبي الفم

المقالة التفسيرية الثالثة

“تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته منى في الإيمان والمحبة التي في يسوع المسيح. احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا. أنت تعلم هذا أن جميع الذين في آسيا ارتدوا عني الذين منهم : فيجلس وهرموجانس. ليعط الرب رحمة لبيت انيسيفورس، لأنه مراراً كثيرة أراحني ولم يخجل بسلسلتي، بل لما كان في رومية طلبني بأوفر اجتهاد فوجدني. ليعطه الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم. وكل ما كان يخدم في أفسس أنت تعرفه جيداً”

(1: 13- 18)

التـحـليــل

  • الروح القدس هو الذي يحفظ الوديعة.
  • نحن في حاجة إلى رحمة للحصول على السلام.
  • الروح القدس هو الذي يحفظ الوديعة.

لم يكتف الرسول في توجيه تلميذه بالخطابات فقط بل أضاف إليها التعاليم الشفوية. أنها التعاليم التي يذكره بها بواسطة هذه الكلمات: تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني”.

ماذا يقصد بهذه العبارة؟

يريد أن يقول له لقد رسمتك، كما يرسم رسام صورة للفضيلة! احتفظ بهذه الصورة، وطبقها على كل ما يتعلق بشئون الخدمة، ومتى قررت شيئاً يتعلق سواء بالإيمان، أو الإحسان، أو النقاء. خذ منها أمثلتك، وسوف تجد كل ما أنت في احتياج إليه، ولا تحتاج إلى استشارة الآخرين.

“احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا” ليس في قدرة النفس البشرية أن تحفظ أموراً كهذه.

لـــمــــاذا؟

لأنه يوجد لصوص كثيرون يتربصون بها، وظلمة كثيفة وشيطان على الأبواب يُدبر خططاً ضدها فلا يمكننا أن نحفظها إلا بالروح القدس، بمعنى أنه إن كان الروح ساكناً فينا، إن كنا لا نطرد النعمة فسوف لا ينقصنا عملها فينا “فإن لم يبن الرب البيت فباطلاً تعب البناءون، وإن لم يحرس الرب المدينة فباطلاً يسهر الحراس” (مز 127: 1). هذا هو حصننا، هذه هي قلعتنا وهذا هو ملجأنا!

إن كان الروح ساكناً فينا وهو حارسنا، فما هي الحاجة للوصية؟

لكي نتمسك بالروح ولا ندعه يهجرنا بسوء تصرفاتنا.

ثم يذكر الرسول تجاربه ليس ليهبط من عزيمة تلميذه، بل ليقويه وينير له الطريق إذا ما تعرض يوماً لهذه التجارب، متأملاً معلمه ومتذكراً كل ما حدث له. فلما كان من المحتمل أنه فور القبض عليه يترك ويحرم من كل عطف من جانب البشر، وسيواجه خيانة من المؤمنين أنفسهم ومن أصدقائه، يقول هذه الكلمات: “أنت تعلم هذا أن جميع الذين في آسيا ارتدوا عني” ومن المحتمل أنه كان في روما الكثير من الأسيويين. يقول: ولا واحد منهم ساعدني، ولا أحد تعرّف علىَّ، الكل تحول عني.

لنتأمل ونعجب برفعة نفس القديس بولس، لقد اكتفى بالإشارة إلى ما حدث ولم يضف عبارة واحدة بها لوم. فالذي ساعده أثني عليه وتمنى له آلاف البركات. أما بالنسبة للآخرين فلم يلعنهم، بل يقول ببساطة: “الذين منهم فيجلس وهوموجانوس”.

 

 

2-نحن في حاجة إلى رحمة للحصول على السلام

“ليعط الرب رحمة لبيت أنيسيفورس، لأنه مراراً كثيرة أراحني ولم يخجل بسلسلتي، بل لما كان في رومية طلبني بأوفر اجتهاد فوجدني”. ومع أن حياة الرسول كانت مليئة بالمخاطر إلا أنه لا يشير إليها في حديثه مع تيموثيئوس حتى لا يزعجه، بل كان يكتفي بالتركيز في كلامه عن الخجل. فيقول: إنه عند وصوله إلى روما لم يرفض أنيسيفورس مقابلته بل طلبه بأوفر اجتهاد فوجده.

“ليعطيه الرب أن يجد رحمة من عند الرب في ذلك اليوم وكل ما كان يخدم في أفسس أنت تعرفه جيداً”. هذا ما كان يجب أن يكون عليه المؤمنون. يجب ألا يتوقفوا لا بالخوف، ولا بالخجل، ولا بالتهديد، بل يتعاونون ويساعدون بعضهم بعضاً، يستنجدون فيما بينهم، كما يتعاون جنود الجيش الواحد في الحرب. وربما البعض منهم لا يتعرض للمخاطر ولكنه يشارك في المشاق، لذلك يستحق أيضاً أن يشارك في الأكاليل. اسمعوا ما يقوله الرسول في رسالة أخرى: “غير أنكم فعلتم حسناً إذ اشتركتم في ضيقتي” وأيضاً “فإنكم أيضاً في تسالونيكي أيضاً أرسلتم إلىَّ مرة ومرتين لحاجتي” (في 4: 14، 16).

كيف يتمكن الغائبون من أن يقاسموه ضيقاته؟

يرد على ذلك القديس بولس بنفسه قائلاً: “أرسلتم إلىَّ مرة ومرتين لحاجتي” وقال أيضاً عن أبفرودتس: “لأنه من أجل عمل المسيح قارب الموت مخاطراً بنفسه لكي يُجبر نقصان خدمتكم لي” (في 2: 30). وهكذا ليس فقط ملوك الأرض الذين يحاربون هم المكرمين، بل أيضاً الذين يحرسون الأمتعة لهم أيضاً نصيب في المكافآت، وأحياناً نصيباً مساوياً للآخرين، مع أنهم لم يقدموا أياديهم، ولم يمسكوا السيف، لم يشاهدوا حتى صفوف الأعداء، فهم يعتبرون وبحجة قوية أنهم في خدمة الله. الذي نجد المحارب الذي يموت جوعاً، ويشجعه بكلماته، الذي يقدم كل معونة يمكنه تقديمها، هذا يحصل على نفس الجزاء الذي يحصل عليه المقاتل.

لا تتصوروا أن في كلامي عن القديس بولس بأنني أعرضه عليكم كشخص لا يقهر، بل هو شخص مثل أي شخص، وربما لو لم يكن مسنداً بشدة، وحظى بتشجيع كبير من المؤمنين لما بقى راسخاً وربما رفض النضال. فلا تندهش إذا كان من بين الأحياء شخص قد ساهم في المعركة ودعى ليشارك في مكافأة المقاتلين الذين ماتوا ودفنوا في القبر وكُللوا. فإذا كانت المكافأة لم تحرم على الأموات الذين قد كُللوا وليس هم في حاجة لشيء، فما هو وجه الغرابة في أن يشارك فيها الأحياء أيضاً. والرسول بولس نفسه يقول ذلك: “مشتركين بذكرى القديسين”.

سوف تقولون كيف يكون هذا؟ عندما تعجبون بقديس، عندما تقلدون شخصاً في تصرفاته الجميلة التي كللته، عندئذ تقاسمونه في جهاده وأكاليله.

ماذا يقصد بقوله ليعطيه الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم. يريد أن يقول: إنه كان عطوفاً وشفوقاً علىَّ، إذن بدوره سوف يحصل على رحمة في ذلك اليوم المرعب المخيف، اليوم الذي نكون فيه في حاجة إلى رحمة واسعة.

يقول “ليعطيه الرب أن يجد رحمة من الرب” كيف! هل يوجد ربان؟

إطلاقاً ليس لنا سوى رب واحد وإله واحد الذي هو يسوع المسيح. إنها من العبارات التي يسئ استعمالها وفهمها المارقيونيون، ليعلموا أن الكتاب المقدس كثيراً ما يستعمل هذا النهج المألوف. مثلما يقول: “قال الرب لربي” وأيضاً: “قلت للرب أنت سيدي” (مز 16: 2) وفي موضع آخر “فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب” (تك 19: 24). هذه الطريقة في الكلام تدل على الاتحاد في الجوهر، وليس هناك فرق في الطبيعة. الكتاب لا يتكلم عن جوهرين مختلفين الواحد عن الآخر، بل عن شخصين من نفس الجوهر، الواحد كالأخر.

لنلاحظ يا أخوتي: إنه إذا كان أنيسيفورس الذي تعرض للمخاطر في حاجة إلى الرحمة ليخلص، أليس نحن لأسباب أقوى نكون في حاجة أكثر منه؟

“كل ما كان يخدم في أفسس أنت تعرفه جيداً” فهو قد أعطاني العزاء ليس في أفسس فقط، بل أيضاً في روما. هكذا يجب أن يكون الشخص المتيقظ يجب أن يعمل لا مرة واحدة، ولا اثنتين ، ولا ثلاثة، بل يعمل كل حياته. فكما أن جسدنا لا يكتفي بالتغذية مرة واحدة لكي يقتات عليها البقية من حياته، بل هو في حاجة إلى غذاء يومي، هكذا تقوانا يجب أن تكون محفوظة بممارسة الأعمال الصالحة. نحن في حاجة ماسة إلى الرحمة. كل ما عمله الله الصالح، عمله لكي يشفينا من خطايانا، بالنسبة له فهو ليس في حاجة لشيء، بل ما صنعه، صنعه لأجلنا. لأجل هذا قد أوضح وشرح لنا كل شئ، ليس فقط بالأقوال بل أيده بالأعمال. فبالتأكيد أقواله مصدقة.

الموعظة الثالثة

لتكن أحكام الله موضع خوف

يا أخوتي إن الحساب الذي سنقدمه للرب سوف يكون مرعب للغاية. سوف نكون في حاجة إلى الكثير من المغفرة حتى لا نسمع الصوت القائل: “إني لم أعرفكم قط اذهبوا عني يا فاعلي الإثم” وأيضاً “اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته” (مت 25: 41) وأيضاً “بيننا وبينكم هوة عظيمة” وأيضاً هذه الكلمة المليئة بالفزع والخوف: “خذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية” (مت 22: 13). ليس هناك أكثر رعباً وخوفاً من هذه المحكمة، ومع ذلك الله رفيق وحليم. وهو يسمى الرحمة وإله العزاء، هو طيب، ولا يتساوى معه أحد في طبيعته، هو مملوء بالشفقة، والوداعة والحنو ولا يسر بموت الشرير وإنما برجوعه عن طرقه فيحيا (مز 18: 23).

ما الذي يجعل هذا اليوم مليئاً بالمخاوف؟

إنه نهر من النار يجري، الكتب المكتوبة فيها أعمالنا ستكون مفتوحة في هذا اليوم مثل فرن كبيرة متوهجة بالنار، الملائكة تطوف في كل أنحاء العالم، النيران تشتعل في كل مكان.

 

كيف إذن يمكن القول بأن الرب رقيق رحوم وطيب؟

حتى بهذا الشكل هو طيب، بل هذا يشير إلى عظمة طيبته. لأنه بهذه الوسيلة يشعرنا بخوف كبير، ويحثنا على الجهاد لأجل الوصول إلى ملكوت السماوات.

وحتى لا يتخيل أحد أن جهنم مبالغ في التعبير عنها، أكد الله أقواله بالتجارب العملية.

كيف ذلك؟

بتوقيع العقوبات على الأخصاء (اليهود) والأمم. هذا البرهان العملي قد أعطاه لكم تارة بتدفق مياه الطوفان، وتارة بإغراق المدن الآثمة بالنار وتارة أخرى بعقاب فرعون. ولازلنا نرى الأشرار يعاقبون في العالم الحاضر. كل هذه مؤشرات على وجود عقاب أيضاً في الآخرة أي وجود جهنم.

ولكي تستيقظ من نوم الإهمال، وتنفتح عيون قلوبنا، ونضع دائماً أمامنا قول الله، يرينا الله وقائع تمر بنا في هذا العالم، فنرى المحاكمات والأحكام والعقوبات توقع يومياً. والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، منها: رب العائلة في بيته يحاكم خدمه على أخطائهم، القبطان على سفينته، قائد الجيش في معسكره. فنرى العدالة تطبق في الأماكن العامة، في الحقول، في المدارس، في المصانع، فنرى كل مسئول عن إدارته يعاقب المخطئ ويصفح عن البريء.

كيف! هل هؤلاء يهتمون بسرعة الكشف عن العادل والظالم ويسرعون بتطبيق العدالة والله نفسه ملك التشريع وصاحب العدالة لا يبالي ويحتمل أخطاءنا بهذا القدر من الصبر ولا يعاقب في الحال؟

طالما أنتم هنا في هذا العالم يعاملكم الله بصبر طويل حتى يسترعي انتباهكم للعقاب، فإن لم ترجعوا عن قساوة قلوبكم سوف “تدخرون لأنفسكم غضباً في يوم الغضب” (رو 2: 5). لأن الله بعدله يرد لكل واحد استحقاقه، ولا يترك ضحايا عدم العدالة دون أن ينتقم لهم، لأن هذا من عمل العدالة نفسها، وأيضاً بسلطانة يطبق عدالته حتى بعد الموت، وفي يوم القيامة.

وإذا كان صبوراً ومتساهلاً فهذا لا يدعنا نرتبك ونتساءل لماذا لا يعاقب الآن؟

لو كانت الأمور تجرى كما تطلبون، بأن نكفر عن ذنوبنا حال وقوعها، لكان الجنس البشري قد تعرض للانقراض وما تمكن إنسان من أن يبلغ العشرين من عمره، ولكن الله بطبيعته وصبره يمنحنا الفرصة الكافية لنتوب، ثم يمحو لنا خطايانا، إذ لا يوجد في حياتنا يوم واحد غير ملوث بالخطية.

ليمتحن إذن كل واحد نفسه بضمير مستقيم فاحصاً أعماله، وليحكم بنفسه إذا كان لا يستحق آلاف العقوبات، وإذا شعر بالسخط تجاه شخص أقترف آثاماً كثيرة ولم يعاقب عنها على الملأ، ليفكر فيما عمله هو وسيكف عن السخط في الحال. توجد بعض أنواع من الظلم تبدو لك جسيمة لأنها ترتكب في أمور هامة وتحت أنظار الجميع، ولكن إذا فحصت جيداً ظلمك أنت للآخرين سوف تصل إلى أنه أخطر بكثير. سلب خير الآخرين لا تختلف فيه الجريمة سواء كان المسلوب ذهب أو فضة. إذن هنا نرى نفس الاستعداد ونفس النية في الحالتين. ومن يتعدى على القليل لا يتردد في التعدي على الكثير. وإذا لم يجد الفرصة لسرقة الكثير، فهذا لا يرجع إليه، بل إلى فعل الصدفة، الفقير الذي يسلب من هو أكثر منه فقراً، لا يتردد في أن يحتك بشخص أكثر منه غنى إذا استطاع، وإذا لم يفعل ذلك، فهذا يرجع إلى ضعفه وليس لإرادته.

سوف تقول إن هذا الذي يحكم يأخذ ما يخص الذين تحت سلطته. قل لي هل أنت لا تأخذ شيئاً؟

لا تقل إن هذا يسلب الأموال الذهبية وأنت لا تسلب سوى فلسين. تذكر أنه قيل في الإنجيل إن الآخرين كانوا يعطون الذهب، وأن الأرملة التي لم تعطي سوف الفلسين لم تكن صدقتها أقل منهم بل أكثر.

لماذا هذا؟

لأن الله يحكم على الإرادة وليس  على قيمة العطية. وإذا كان بالنسبة للصدقة فالله يحكم على الفلسين المقدمين من فقير يساويان آلاف العملات الذهبية المقدمة عن ثراء، هل تعتقد أنه يختلف في حكمه عندما يتعلق الأمر بما يخص خير الآخرين الذي يُُختلس. الأرملة التي أعطت الفلسين تساوت مع عطاء الآخرين بإرادتها الحسنة، هكذا أنتم بأخذكم الفلسين لستم أقل من الذين يأخذون وزنات الذهب بل أنتم أكثر إثماً.

الذي يزني مع زوجة الملك يتساوى في فعله مع من يزني مع زوجة رجل فقير، أو حتى زوجة عبد، لأن ثقل الخطية لا يوزن بفارق الأشخاص، بل بقدر ميال الذي يرتكبها إلى الشر. وأجد أن الذي يرتكب الزنى مع أي شخص كان، يكون خطأه أكبر ممن يرتكبه مع الملكة. لأن هنا الثراء والجمال وأمور أخرى تجذبه، أما مع هذا لا يوجد ما يشابه ذلك، بمعنى أن الذي يرتكب الزنى مع الحالة الأولى فهو أكثر زنى من الآخر.

قل لي إذا وقف السارقان أمام القضاء، أحدهما سرق فقيراً والآخر سرق غنياً، ألا يحاكما الاثنان بنفس المحاكمة؟ والقاتل ألا يحاكم بنفس العقوبة سواء قتل فقيراً مخلعاً أو قتل ثرياً جميلاً؟

لنبتعد يا أخوتي عن الخطايا حتى نحصل على الخيرات المستقبلة في يسوع المسيح ربنا الذي له مع الآب والروح القدس، المجد، والسلطان، والكرامة، الآن وكل أوان، وإلى دهر الدهور. آمين.

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص1 ج3 – ق. ذهبي الفم