Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص1 ج1 – ق. ذهبي الفم

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص1 ج1 – ق. ذهبي الفم

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص1 ج1 – ق. ذهبي الفم
 

الأصحاح الأول

المقالة التفسيرية الأولى

“بولس رسول المسيح بمشيئة الله لأجل وعد الحياة التي في يسوع المسيح إلى تيموثيئوس الابن الحبيب نعمة ورحمة وسلام من الله الآب والمسيح يسوع ربنا”

(1: 1؛2 –7)

التــحـلــيل

  • محبة القديس بولس لتلميذه تيموثيئوس.
  • الإيمان الموروث في عائلة تيموثيئوس.

النعمة كامنة في داخلنا كالنار وعملها يتوقف علينا، فإما أن نعمل على إطفائها أو ندعها تتوهج.

  • محبة القديس بولس لتلميذه تيموثيئوس

لماذا أرسل بولس الرسول الرسالة الثانية إلى تيموثيئوس؟

لأنه كان قد قال في رسالته الأولى: “راجياً أن أتي إليك عن قريب” (1تي 3: 4) ولم يستطيع تنفيذ وعده هذا، لذلك أخذ يواسيه برسائله عوضاً عن حضوره. وربما كان تيموثيئوس متكدراً من غياب معلمه، وأيضاً لما ألقاه عليه من مسئولية في قيادة النفوس لأنه مهما كان الإنسان على قدر من العظمة والجدارة فبمجرد أن يبدأ في قيادة سفينة الكنيسة، يواجه حيرة تبدو غريبة في نظره، وذلك بسبب الصعوبات التي تثور أمامه من كل جانب كأمواج البحر. لذلك كان لابد من مساندة تيموثيئوس خاصة في بداية كرازته، لمواجهة المخاطر والهرطقات التي بدأت في الظهور نتيجة التعاليم اليهودية، وقد سبق للرسول أن أوضح ذلك في رسالته الأولى.

هنا لا يكتفي في خطابه بمواساة تلميذه، بل أيضاً يدعوه لكي يكون بجانبه: “بادر بأن تجئ إلىَّ سريعاً، ومتى جئت أحضر معك الكتب أيضاً ولا سيما الرقوق” (2تيمو 4: 9، 13). وقد كتب هذه الرسالة قرب نهاية حياته إذ يقول “فإني أنا الآن أسكب سكيباً ووقت انحلالي قد حضر، وأيضاً في احتجاجي الأول لم يحضر أحد معي” (2تيمو 4: 6، 16) ولكنه مع كل ذلك يجد الدواء، ومن تجاربه نفسها يجد العزاء إذ يقول “بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله لأجل وعد الحياة التي في يسوع المسيح”.

الرسول يرفع من روح تلميذه ابتداء من الكلمات الأولى من رسالته، فيبدو كما لو كان يقول له: لا تكلمني عن مخاطر هذا العالم، فحصيلتها بالنسبة لي ليست إلا الحياة الأبدية، المكان الذي لا يعرف الشرور، المكان الخالي من الألم والحزن والدموع. الله لم يجعلنا رسلاً لكي نهرب من المخاطر، بل لكي نعاني من الآلام حتى الموت.

ولما خشى الرسول من أن يكون سرده لآلامه على وجه التفصيل يزيد من أحزان تلميذه ويفقده العزاء، بدأ رسالته بكلمات التعزية هذه “لأجل وعد الحياة التي في يسوع المسيح” فبما أن الأمر يختص بوعد الحياة، انتظر أثره ليس هنا في هذا العالم، ولكن في زمن أبعد “الرجاء المنظور ليس رجاء” (رو 8: 24).

“إلى تيموثيئوس الابن الحبيب” ليس فقط “الابن” بل “الابن الحبيب” إذ أنه يمكن أن يكون الابن غير المحبوب. إلا أن هذه لا ينطبق على تيموثيئوس. دعا الرسول أيضاً أهل غلاطية أولاده إذ يقول لهم “يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضاً” (غلا 4: 19) إذن دعم الرسول فضيلة تيموثيئوس بشهادة كبرى بتسميته الابن الحبيب لأن الحنان عندما لا يستمد من الطبيعة يستمد من الفضيلة. الذين يدينون لنا بالحياة لا نحبهم فقط لفضيلتهم، بل أيضاً بدافع قوة الطبيعة. ولكن أبناءنا في الإيمان لا نحبهم بشيء آخر سوى الفضيلة. وهذه الكلمة “الابن الحبيب” تشير أيضاً إلى أنه إذا كان القديس بولس لم يذهب لمشاهدة تلميذه، فليس غضباً منه أو احتقاراً أو تأنيباً له.

نعمة ورحمة وسلام من الله الآب يسوع المسيح ربنا” إنها نفس التحية التي كان قد حيّاه بها سابقاً. بهذه الكلمات يطيب الرسول خاطر تلميذه لعدم إفائه بوعده السابق بالمجيء إليه. “إلى أن أجئراجياً أن آتي إليك عن قريب” (تيمو 3: 14؛ 4: 13). أما عن السبب الذي حال دون سفره فلم يشر إليه في البدء حتى لا يزيد من حزن تلميذه. وهو حجره أسيراً بأمر قيصر، ولم يذكره إلا في آخر رسالته عندما دعا تلميذه أن يكون بجانبه. كان حريصاً على ألا يكدره من البداية، بل تركه على أمل أنه سوف يراه عندما قال له “أريد أن أراك” وفي النهاية قال له “بادر أن تجئ إلى سريعاً” “أني أشكر الله الذي أعبده من أجدادي بضمير طاهر كما أذكرك بلا انقطاع في طلباتي ليلاً ونهاراً مشتاق أن أراك ذاكراً دموعك لكي أمتلئ فرحاً” الرسول يعتبر أن مجرد تذكُره لتلميذه هو عطية إلهيه يقدم عنها ذبيحة شكر بلا انقطاع.

“إني أشكر الله الذي أعبده” كيف؟ بضمير طاهر “من أجدادي” ضميره الذي لم تشوبه شائبة. يريد الرسول أن يتكلم عنا عن حياته إذ أن مفهوم الضمير بالنسبة له يقال دائماً عن الحياة صالحة كانت أم رديئة. أو لعله أيضاً يريد أن يقول: لم يحدث يوماً أن دفعني باعث بشرى لعدم الوفاء لما قد رأيت وتذوقت من خير حتى لما كنت مضطهداً. وفي نفس المعنى يقول: “لكنني رُحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان” (1تيمو 1: 13) أي لا تشك أن بسلوكي هذا فعلت شيئاً رديئاً، كما لو كان يقول: أنا لا أكذب. أنه هنا يمدح نفسه، لأنه مُجبر على ذلك كما كان يضطر إلى هذا المسلك في مواقف كثيرة قد وردت في سفر أعمال الرسل.

ولما كان مُهتماً بأنه كثير الكلام عن نفسه قال: وحنانيا قال لي” “إله آبائنا انتخبك لتعلم مشيئته وتبصر البار وتسمع صوتاً من فمه لأنك ستكون له شاهداً لجميع الناس بما رأيت وسمعت” (أع22: 14، 15).

“أذكرك بلا انقطاع في طلباتي” أي أن الصلاة هي عملي، أكرس لها كل وقتي. ويوضح ذلك بقوله أيضاً: إني أرفع طلباتي هذه ليلاً ونهاراً. “مشتاقاً أن أراك” ليس فقط لأجل دموعك، بل أيضاً من أجل إيمانك، لأنك تعمل للحق، وليس بك غش، وبما أنك جدير بالحب، ومحب للغاية، وتلميذ مخلص جداً للمسيح الرب، وبما أني لست من عديمي الإحساس، بل من الذين يحبون الحق، فما الذي يمنعني أن أجيئ لأراك؟ ألا تلاحظوا حرارة الشوق! الإفراط في الحنان! تواضع الرسول وهو يعتذر لتلميذه؟ 

“ذاكراً دموعك” أنه لأمر بديهي أن يبكي تيموثيئوس لإنفصاله عن معلمه، كما لو كان طفلاً فُصل من ثديي مرضعته، وفطم من اللبن.

“ذاكراً دموعك لكي أمتلئ فرحاً” سوف لا أحرم نفسي من هذا القدر من السرور. فحتى لو كنت إنساناً عديم التقدير، قاسياً، فإن تذكري لدموعك سيؤثر فيَّ، ولكن أنا لست هكذا، حيث أنني أعبد الله بضمير طاهر.  

 2- الإيمان المورث في عائلة تيموثيئوس

“أتذكر الإيمان عديم الرياء” يضيف الرسول مدحاً آخر يجلب له التعزية، عالماً أن تيموثيئوس ليس من الوسط الوثني، ولا من وسط غير المؤمنين، بل ما عائلة تعبد الله من زمن طويل، فيقول: “الإيمان الذي فيك الذي سكن أولاً في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي” فتيموثيئوس كان أبناً ليهودية مؤمنة.

 

كيف تكون يهودية ومؤمنة؟

لأنها لم تكن من جنس الأمم. ونظراً إلى أن أباه كان أممياً قيل أن القديس بولس “أخذه وختنه” وذلك لأجل اليهود الذين كانوا في تلك الأماكن (أع 16: 3) يلاحظ أن شريعة موسى كانت قد بدأت في الاضمحلال بظهور الاتحاد بين اليهود والأمم.

“الإيمان الذي أنا موقن أنه فيك أيضاً” هذا الإيمان بالنسبة لك هو ميراث حسن، أخذته من أسلافك وتحفظه بكل نقاوة. إن مزايا أجدادنا هي ميراث لنا فعلينا أن نسلكها ونعيشها، وإلا تصبح لا شئ بالنسبة لنا أو بالأحرى ستكون للحكم علينا. لهذا السبب يضيف الرسول هذه الكلمات: “أنا موقن أن هذا الإيمان فيك أيضاً” وهذا ليس ظناً مني، بل أقول هذا عن اقتناع وتأكيد. لأنه ليس في إيمانك عامل بشري يمكنه أن يؤثر عليه أو يهزه بأي شئ.

 فلهذا السبب أذكّرك أن تضرم أيضاً موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ” هذه الكلمات توضح أن تيموثيئوس كان في حالة ضعف شديد وحزن عميق، لكنها لا تعني الاستخفاف به، بل على العكس تعني القول: أعلم جيداً بأنني لم أفقد الثقة فيك ولم أنساك. تذكر فقط جدتك وأمك لأنني أعمل أن لك إيمان بلا رياء، وأني أذكّرك وأقول لك. أنت في حاجة إلى حماس لكي تضرم موهبة الله، فكما أن النار في حاجة إلى وقود لتغذيتها، هكذا الموهبة في حاجة إلى حماسنا حتى لا تنطفئ.

“أذكرك أن تضرم أيضاً موهبة الله التي فيك بوضع يدي” أي موهبة الروح القدس التي أخذتها لقيادة الكنيسة، ولعمل المعجزات وكل الخدمات الخاصة بالله. لأن إشعال هذه الموهبة أو إطفاءها يتوقف علينا. لذلك يقول الرسول في موضع آخر: “لا تطفئوا الروح” (1تي 5: 19) الروح ينطفئ بالتراخي والجبن، وتشتعل أكثر فأكثر اشتعالاً، أي تغزيها بالرجاء والفرح العظيم. قاوم بشجاعة.

لأن الله لم يعطينا روح الفشل بل روح القوة، والمحبة والنصح” بمعنى أننا لم نأخذ الروح القدس لكي نعيش منكمشين بالبن، بل لكي نتكلم بجسارة. لأنه قيل في سفر الخروج بشأن الحروب “تقع عليهم الهيبة والرعب (خر 15: 16)، أما أنت فعلى العكس، قد أعطاك روح القوة، روح الحب له. إذن هنا عمل الموهبة، ولكن ليست الموهبة وحدها، بل علينا أن ننهض ونقوم بدورنا الواجب علينا. هذا الروح هو الذي يجعلنا نصرخ قائلين: ” يا أبّا الآب” لأنه يوحي لنا بحبة ومحبتنا بعضنا لبعض. لأن من القوة والشجاعة توُلد المحبة والخوف يذيب الود. هو يريد أن يقول أن الروح يجعلنا حكماء، لا نتألم مما يصيبنا من أوجاع إذ هنا تكمن الحكمة. يقول الوحي الإلهي “لا تعجل وقت النوائب” (يشوع بن سيراخ 2: 2).

 

الموعظة الأولى

الإنسان لا يمكن أن يخلو من الآلام والهموم

  • 1- قد نرى الكثيرين حزانى وهم في عقر ديارهم وهذا أمر عام إذ أننا جميعاً في عالم الأحزان، إلا أن أسباب الآلام تختلف. هذا تسبب له الآلام زوجته، وذلك ابنه، وآخر خادمه أو صديقه، أو جاره، أو خسارة تكبدها. فأسباب آلامنا كثيرة ومتنوعة. أنه من المستحيل تماماً أن نجد شخصاً خالياً من الألم والضيق، فالواحد عنده الكثير والآخر أقل منه. فطالما يعيش الإنسان في هذه الحياة، في هذه الدنيا الزائلة، فلابد من الآلام إن لم يكن اليوم فغداً، وإن لم يكن غداً ففي زمن أبعد، فلابد أن يأتي الحزن، فكما أنه لابد من الخوف أثناء الملاحة في بحر كبير، هكذا أنه من المتسحيل ألا نقاسي من الاشمئزاز والألم طالما نحن في هذه الحياة.

لـــمــــاذا؟

لأن الكل يريد أن يشاركه فيما يعمل. تصوروا معي في أي ضعف يكون حينما يريد أن يفعل شيئاً ويحجم عنه خوفاً من إساءة الظن به، سواء من الأعداء أومن الأصدقاء. إذا شرع في عمل أي شئ، ويواجه بعدد كثير من المعترضين الأمر الذي يفقده لذته في إتمامه، إذن إزاء كل ما ذكرنا يجب ألا نتضجر قط ونقتنع إننا لسنا وحدنا نعيش في الألم. لكن لماذا؟ هل نعتقد أن الذين يعيشون حياتهم دون مشغولية معفيين من الهموم؟

كّلا كما أن الإنسان لا يعفى من الموت فهكذا لا يعفى من الحزن. كم من أحزان تصيب البشر لا يمكن لحديثنا أن يغطيها هنا، ولكن خبرات هؤلاء المصابين تعلن لهم ذلك جيداً. كم تمنوا الموت وهم في سعة الثراء والملذات! لأن الملذات لا تمنع الألم، بل بالأحرى تسبب آلاف الحزن والأمراض. وقد يوجد الحزن دون سبب. والنفس في هذه الحالة تشعر بالحزن دون معرفة السبب. الأطباء يقولون إن المعدة المريضة تسبب أحزاناً دون مناسبة. أليس هذا ما يحدث لنا، نكتئب دون أن نعرف الباعث؟ في كلمة واحدة أقول لا تجدون شخصاً واحد دون ألم. الإنسان الذي تقل مسببات أحزانه عنا، يتخيل أنه سيصاب من الألم بقدر ما أصابنا. الذين يعانون آلاماً من الأعضاء يعتقدون أنهم أكثر إصابة من العالم كله، وعلى سبيل المثل الذي به مرض في عينه يعتقد أنه لا يوجد ألم يشابه آلمه في أمراض العيون، وهكذا مريض المعدة……… الخ، ما جاء من أمراض. وبالمثل الحزين يشعر أن أحزانه تفوق أحزان الجميع.

الذي ليس عنده أولاداً يشعر أن أقصى تجربة هي الحرمان من الأولاد. الفقير الذي عنده عدد كبير من الأولاد يجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه، والذي عنده ولد واحد يرى أنه من أكثر الأمور المسببة للقلق بسبب محبته المفرطة له وخوفه عليه مما يعرضه للفشل، الأمر الذي يسبب لوالديه آلاماً مستمرة ونادراً ما يكون حسن السيرة. والذي له زوجة جميلة: يقول ليس هناك أسوأ من ذلك. أنها منبع الشكوك والمخاطر، والذي له زوجة قبيحة يقول إنها موضع اشمئزاز.

الجندي يري أن خدمته تحفها المخاطر والمتاعب الكثيرة، والذي في السلطة يرى أنه من أكثر المكدرات أن يكون الإنسان مسئولاً عن تحقيق مصالح الآخرين.

الرجل المتزوج يرى أن الزوجة تسبب له هماً لا يدانيه هم، والذي ليس له زوجة يرى أنه ليس هناك بؤس أكثر من أن يعيش رجل دون زوجة ودون أسرة. التاجر يحسد الفلاح على أمنه، والفلاح بحالة ودائماً يتضجر ويحزن. اسمعوا الكل يتهم وضع البشرية بالعمل والمشاق. كم من الناس يحسدون الشيوخ! وكم آخرون لا يرون السعادة سوى في الشباب ! كم من الأحزان نجدها في كل مرحلة من مراحل العمر! ونحن صغار نقول: يا للأسف! لماذا نحن لسنا أكبر سناً؟ ثم لما تبيض رؤوسنا نقول أين الشباب هل طار؟

 

أقول في كلمة واحدة هناك آلاف من الأسباب للحزن

نستنتج مما سبق أنه لا يوجد سوى طريق واحد لا تتقابل فيه هذه المفارقات هو طريق الفضيلة، وإن كان هذا الطريق أيضاً لا يخلو من الأحزان، لكنها أحزان نافعة مفيدة ومثمرة. بمعنى أن من يخطئ يساوره الندم، فيمسح خطاياه بدموعه. وقد يتألم من سقوط أخ، وبذلك ينال مكافأة ذات قيمة. لأن الله يكافئ الذين يتألمون لشرور أخوتهم مكافأة كبيرة.

  • 2- اسمعوا الأقوال الحكيمة لأيوب، اسمعوا أيضاً القديس بولس يقول: “وبكاء مع الباكين، منقادين إلى المتضعين” (رو 12: 15، 16). إن مقاسمة آلام الآخرين أفضل علاج لها. إذا ساعدت شخصاً في حمله الثقيل تخفف عنه نصف الحمل، هكذا أحمال النفس فإذا فقدنا أحداً من أعزائنا سنجد من يشاركنا آلامنا. إذا أوشكت دابة على الوقوع نرفعها، ولكن مع مزيد الأسف إذا وقعت نفوس أخوتنا في الشر نمر عليهم بلا أي اهتمام. أيضاً إذا رأينا أحداً يدخل في مكان رديء، لا نقيم حاجزاً لهذا المكان، وإذا رأيناه يسكر، أو يعمل أي أعمال مُشينة، لا نمنعه بل على العكس نعمل مثله. يقول القديس بولس الرسول: “ليس فقط يعملون نفس الأعمال، بل أيضاً يسرون بالذين يعملونها” (رو 1: 32) يشتركون في الشر والسكر. أيها الناس تعاونوا لمنع جنون السكر. تعاونوا لتنقذوا الأسرى وسيئ الحظ. القديس بولس أوصى بنفس الشيء لأهل كورنثوس بقوله لهم: “أن تجمعوا ما تيسر لأجل الفقراء” (1كو 16: 2). أما اليوم نحن نجتمع للسكر، للملذات والشهوات، سرير مشترك، نبيذ مشترك، فائدة مشتركة: أما الصدقة فلا يشترك أحد لأتمامها. لقد كانت الصدقة في عهد الرسل من الأمور المحببة، إذ كان المؤمنون يضعون كل ما يملكون مشتركاً. أنا لا أطالبكم بأن تضعوا كل مالكم مشتركاً، بل فقط جزءاً منه. يقول الرسول: “في كل أول أسبوع ليضع كل واحد منكم عنده خازناً ما تيسر له” (1كو 16: 2). أي يدفع الواحد ضريبة عن أيام الأسبوع السبعة، ويعطى الصدقة قليلة أو كثيرة بسخاء، وبهذا التصرف “لا تظهروا أمام الرب فارغين” (خر 23: 15).

فإذا كانت هذه التعليمات يُوصى بها لليهود فمن باب أولى المسيحيين. كم من فقراء يلزمون مكانهم في مداخل الكنائس حتى لا يدخل أحد منهم إلى الكنيسة ويديه فارغة، أنتم تدخلون هنا لتحصلوا على الرحمة، فبالأولى ارحموا أنتم بعضكم البعض. أجعل الله مديناً لك ثم أطلب منه. أقرض أولاً، ثم طالب وسوف تحصل على أساس المال مع الأرباح. هذا ما يحبه الله ولا يرفضه أبداً. الصدقة هي قرض بفوائد. أنا أشجعك عليها. لا يكفي بسط الأيادي حتى يُستجاب لك. أبسط يديك تجاه أيادي أخوتك فهذا أفضل من أن تبسطها تجاه السماء. لأنك ببسط أياديك للفقراء قد تبلغ أعلى السماوات، والذي يجلس في الأعالي هو الذي يقبل الصدقة. بسط الأيادي الفارغة هو بسط بدون جدوى.

قل لي إذا اقترب منك الملك مرتدياً الأرجوان، يطلب منك شيئاً، ألا تعطيه في الحال كل ما تملك؟ إذا كنت تفعل هذا مع الملك الأرضي، فما بالك بأن يطلب منك هو ملك سماوي، هو يستعطفك من طريق صوت الفقراء وأنت تستقبله بازدراء. وعلى الأقل أنك تتردد في العطاء! فأية عقوبة تستحق؟

لنعلم أن استجابة صلواتنا لا تتوقف على رفع أيادينا، ولا على كثرة أقوالنا، بل تتوقف على أعمالنا الصالحة. اسمعوا ما يقوله النبي: “فحين تبسطون أيديكم، أستر عيني عينكم وإن كثرتم الصلوة لا أسمع” (إش 1: 15)، كما يقول الوحي الإلهي على فم نفس النبي: “أنصفوا المظلوم اقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة تعلموا فعل الخير”. بذلك نستطيع دون الحاجة إلى رفع أيادينا، أن نستجاب.

لنتقوى حتى ننفذ التعاليم الإلهية، حتى نحصل على الخيرات التي وعدنا بها آمين.

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص1 ج1 – ق. ذهبي الفم

Exit mobile version