Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

المقالة11 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة11 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة11 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة الحادية عشر

“عن الكهنوت، وإن الكهنوت بحسب الناموس كان ظلاً للكهنوت بحسب المسيح”

 

كيرلس: ويتحدث أيضًا عن الطريقة التي يجب أن تُتمم بها الذبائح لأجل الكهنة، فيقول: ” وَتُقَدِّمُ الثَّوْرَ إِلَى قُدَّامِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ الثَّوْرِ. فَتَذْبَحُ الثَّوْرَ أَمَامَ الرَّبِّ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِ الثَّوْرِ وَتَجْعَلُهُ عَلَى قُرُونِ الْمَذْبَحِ بِإِصْبِعِكَ، وَسَائِرَ الدَّمِ تَصُبُّهُ إِلَى أَسْفَلِ الْمَذْبَحِ. وَتَأْخُذُ كُلَّ الشَّحْمِ الَّذِي يُغَشِّي الْجَوْفَ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا، وَتُوقِدُهَا عَلَى الْمَذْبَحِ. وَأَمَّا لَحْمُ الثَّوْرِ وَجِلْدُهُ وَفَرْثُهُ فَتَحْرِقُهَا بِنَارٍ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ. هُوَ ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ. وَتَأْخُذُ الْكَبْشَ الْوَاحِدَ، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ الْكَبْشِ. فَتَذْبَحُ الْكَبْشَ وَتَأْخُذُ دَمَهُ وَتَرُشُّهُ عَلَى الْمَذْبَحِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. وَتَقْطَعُ الْكَبْشَ إِلَى قِطَعِهِ، وَتَغْسِلُ جَوْفَهُ وَأَكَارِعَهُ وَتَجْعَلُهَا عَلَى قِطَعِهِ وَعَلَى رَأْسِهِ، وَتُوقِدُ كُلَّ الْكَبْشِ عَلَى الْمَذْبَحِ. هُوَ مُحْرَقَةٌ لِلرَّبِّ. رَائِحَةُ سَرُورٍ، وَقُودٌ هُوَ لِلرَّبِّ. وَتَأْخُذُ الْكَبْشَ الثَّانِي، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ الْكَبْشِ. فَتَذْبَحُ الْكَبْشَ وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِهِ وَتَجْعَلُ عَلَى شَحْمَةِ أُذُنِ هَارُونَ، وَعَلَى شَحْمِ آذَانِ بَنِيهِ الْيُمْنَى، وَعَلَى أَبَاهِمِ أَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى، وَعَلَى أَبَاهِمِ أَرْجُلِهِمِ الْيُمْنَى. وَتَرُشُّ الدَّمَ عَلَى الْمَذْبَحِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. وَتَأْخُذُ مِنَ الدَّمِ الَّذِي عَلَى الْمَذْبَحِ وَمِنْ دُهْنِ الْمَسْحَةِ، وَتَنْضِحُ عَلَى هَارُونَ وَثِيَابِهِ، وَعَلَى بَنِيهِ وَثِيَابِ بَنِيهِ مَعَهُ، فَيَتَقَدَّسُ هُوَ وَثِيَابُهُ وَبَنُوهُ وَثِيَابُ بَنِيهِ مَعَهُ. ثُمَّ تَأْخُذُ مِنَ الْكَبْشِ: الشَّحْمَ وَالإِلْيَةَ وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْجَوْفَ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَيْنِ، وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا، وَالسَّاقَ الْيُمْنَى. فَإِنَّهُ كَبْشُ مِلْءٍ. وَرَغِيفًا وَاحِدًا مِنَ الْخُبْزِ، وَقُرْصًا وَاحِدًا مِنَ الْخُبْزِ بِزَيْتٍ، وَرُقَاقَةً وَاحِدَةً مِنْ سَلَّةِ الْفَطِيرِ الَّتِي أَمَامَ الرَّبِّ. وَتَضَعُ الْجَمِيعَ فِي يَدَيْ هَارُونَ وَفِي أَيْدِي بَنِيهِ، وَتُرَدِّدُهَا تَرْدِيدًا أَمَامَ الرَّبِّ. ثُمَّ تَأْخُذُهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ وَتُوقِدُهَا عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْمُحْرَقَةِ رَائِحَةَ سَرُورٍ أَمَامَ الرَّبِّ. وَقُودٌ هُوَ لِلرَّبِّ. ثُمَّ تَأْخُذُ الْقَصَّ مِنْ كَبْشِ الْمِلْءِ الَّذِي لِهَارُونَ، وَتُرَدِّدُهُ تَرْدِيدًا أَمَامَ الرَّبِّ، فَيَكُونُ لَكَ نَصِيبًا. وَتُقَدِّسُ قَصَّ التَّرْدِيدِ وَسَاقَ الرَّفِيعَةِ الَّذِي رُدِّدَ وَالَّذِي رُفِعَ مِنْ كَبْشِ الْمِلْءِ مِمَّا لِهَارُونَ وَلِبَنِيهِ، فَيَكُونَانِ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُمَا رَفِيعَةٌ. وَيَكُونَانِ رَفِيعَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ذَبَائِحِ سَلاَمَتِهِمْ، رَفِيعَتَهُمْ لِلرَّبِّ ” (خر29: 10 ـ 28).

 

وبعد ذلك يقول: ” وَأَمَّا كَبْشُ الْمِلْءِ فَتَأْخُذُهُ وَتَطْبُخُ لَحْمَهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. فَيَأْكُلُ هَارُونُ وَبَنُوهُ لَحْمَ الْكَبْشِ وَالْخُبْزَ الَّذِي فِي السَّلَّةِ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. يَأْكُلُهَا الَّذِينَ كُفِّرَ بِهَا عَنْهُمْ لِمِلْءِ أَيْدِيهِمْ لِتَقْدِيسِهِمْ. وَأَمَّا الأَجْنَبِيُّ فَلاَ يَأْكُلُ لأَنَّهَا مُقَدَّسَةٌ. وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِ الْمِلْءِ أَوْ مِنَ الْخُبْزِ إِلَى الصَّبَاحِ، تُحْرِقُ الْبَاقِيَ بِالنَّارِ. لاَ يُؤْكَلُ لأَنَّهُ مُقَدَّسٌ ” (خر29: 31 ـ 34).

بلاديوس: إن هذه التوصيات الناموسية عميقة جدًا وغامضة.

كيرلس: هي حقًا عميقة جدًا ـ بالصواب تتكلم ـ لكنها ليست غامضة تمامًا، طالما يشرق في داخلنا الروح القدس بالاستنارة الإلهية. إذن، لنمضِ في فحص هذه التوصيات واحدةً واحدةً بقدر استطاعتنا.

 

بآلاف الطُرق طهَّرنا ربنا يسوع المسيح، وجعلنا قديسين ومقبولين. لأننا بواسطته وبقوته استطعنا أنْ نأتي إلى الله، ولم نعُد ممقوتون من الله الآب. إن موت المسيح وقيامته مفيدان وضروريان لخلاصنا ـ نحن الموجودون في الفساد والخطية ـ وعلاوةً على ذلك، فإن كمالنا هو بجسده ودمه. لأنَّ الكمال يوجد في المسيح، وليس في الناموس.

بلاديوس: لقد تكلمت بالصواب.

كيرلس: إذن، من خلال الأمثلة والنماذج التي تخبرنا عنها الوصايا الناموسية التي تشير إلى المسيح تيقنَّا من أننا خلُصنا وتقدَّسنا وصرنا أطهارًا وقديسين بنعمة المسيح، الذي قُدِّم ذبيحة. وقد أُشير إليه بالثور الذي ذُبِحَ بالقرب من الخيمة المقدسة بعدما وُضعت الأيدي فوقه. ثم بعد ذلك سال دمه على قاعدة المذبح بعدما مسحوا قرونه. وحُرقت الأحشاء مع بخورٍ ذكي. وفي النهاية حُرقت بقايا الذبيحة حيث نُقلت خارج الخيمة. إذن، الثور يرمز إلى المسيح الذي ليس تحت نير، وفي نفس الوقت صار تحت نير. إذ بينما هو إلهٌ بطبيعته دخل تحت سلطة الناموس بسبب طبيعته البشرية التي اتخذها.

إذن، الثور الجديد لا يكون معتادًا على النير، لكن له في طبيعته أنْ يدخل تحت النير، أليس كذلك؟

بلاديوس: هو هكذا بالفعل.

كيرلس: لقد رُمِزَ للمسيحُ بثور بحسب التدبير لكي ندرك أنَّ إلوهية الكلمة لا تقبل أى نير أو عبودية، ولكي ندرك أيضًا أن خضوعه تحت النير كان وفق طبيعته البشرية. لقد ذُبح الثور لأجل الخيمة المقدسة، ولأجل أولئك الذين وضعوا أيديهم فوقه، وهؤلاء كانوا لاويين وكهنة؛ والمسيح مات لأجل الكنيسة، ولأجل أولئك الذين قدَّسهم بالإيمان.

 

          وكون أنَّ موت عمانوئيل هو موتٌ مقدَّسٌ، وإنَّ طريقة تقديم ذبيحته طريقةٌ مقبولةٌ عند الله الآب، فهو ما يمكنك أنْ تدركه من انسكاب الدم على المذبح المقدس، ومن مسح الأحشاء التي ترمز إلى الفضائل الروحية داخلنا، والتي تُكسبنا الرائحة الروحية الذكية، ليست بطريقة واحدة لأنَّ الأحشاء متنوعةٌ، الدسم، الكُلى والكَبد. بقايا جسم الذبيحة يُحرق خارج الخيمة كإشارة إلى أن المسيحَ تألمَّ خارج المحلة كما هو مكتوب (انظر عب13: 12).

 

          كما أنَّ حرق الجسد بالنار يمثل إعلانًا واضحًا عن إنَّ تألمُّه وموته كانا بلا كرامةٍ وبلا مجدٍ، لكنهما سينتهيان إلى مجد لامع ومتلألئ. إذ أنَّ الطبيعة الإلهية ظهرت للبشر على شكل نارٍ، هكذا نزل الله على جبل سيناء. ولكي يحل المسيح سلطان الموت خضع للموت بحسب التدبير لكي نمجده نحن كإله. إذن، فقد انتهي موته إلى المجد الإلهي اللائق وإلى حياةٍ إلهيةٍ، بينما وضاعة الألم هُزمت من المجد الفائق وتلاشت. وهذا ما أُشير إليه بطريقة رمزية بأنَّ الثور الميت أكلته النيران، إذ صارت آلام المسيح لأجل التكفير من الخطية. وهو الأمر الواضح.

بلاديوس: حقًا هكذا.

كيرلس: بعد ذلك أخذوا الكبش الأول وذبحوه مثل الثور، ورشوا دماءه على المذبح حيث إنهم فصلوه إلى قطع وقدَّموه كذبيحة غاسلين الأحشاء بالماء مع الرأس والأرجل لكي تكون بمثابة بخور. وهذه التوصيات وُضعت لأجلنا لندرك أنها تشير إلى المسيح الكامل كالكبش الملء (الكامل) إذ هو قدوسٌ وكلّي القداسة.

 

وهذا هو أيضًا ما يشير إليه رش الدم على المذبح، فالدم هو رمزٌ للحياة ويُقدَّم إلى الله الآب لكي يشتم رائحته الذكية، وفي نفس الوقت التقدمة هي للجميع معًا وأيضًا لكل واحدٍ على حدة. كما يعتبر هذا أيضًا مثالاً لأنَّ الكبشَ قُدِّم كله على المذبح لكن منفصلاً إلى أعضاء. والأعضاء هي نحن، وكلُ واحدٍ منا هو عضو للمسيح، وكلنا معًا جسدٌ واحدٌ (انظر رو12: 5).

 

وكون أنه كلّيُ القداسةِ والطهارةِ الذي ليست فيه أي بقعة دنسة، فهذا ما يعلنه غسل الأحشاء. كما تُقدَّم الرأس والأكارع (الأرجل) مع الأحشاء معلنًا من البداية حتى النهاية رائحة السرور الكاملة للقداسة في حياة المخلّص. لأنَّ بداية كل كائن حيّ هو الرأس ونهاية الجسم كله هي الأرجل (الأكارع).

 

          أليس من الأفضل أنْ نعتبر الرأسَ يشير إلى العقل، والأرجل تشير للأعمال العملية التي تصاحب المسيرة. وإذ يكون الكل في المسيح مملوءً برائحةٍ ذكيةٍ، وتصل المفاهيم الذهنية والأعمال إلى الطهارة الكاملة؛ لأن المسيحَ لم يفعل خطية، لذلك، فإنَّ تقدمةَ الكبشِ هذه تُسمى محرقةٌ وذبيحةٌ؛ لأنَّ القداسةَ لا تنسحب على جانب واحد. هكذا لا يوافقنا أنْ يكون (المسيحُ) ضعيفًا ويُمسك في خطايا، بل أنْ يكون كُلّي القداسة. لأنَّ ليس أحدٌ (من البشر) طاهرًا من الخطايا (انظر أيوب 19: 4)، والكل يسقط في خطايا كثيرة كما هو مكتوب (انظر يع3: 2).

بلاديوس: وكيف يمكن للمرء أن يؤمن بأن هذه الحياة التي أخذها المسيح هي لأجلنا؟

كيرلس: سوف تفهم هذا بسهولة جدًا عندما تتفكر في أننا صرنا شركاء مخالفة آدم ومن جراء أخطائه عُوقبنا، إذ طالت اللعنةُ الجميعَ والغضبُ امتد على نسله. لذلك تنازل وحيد الجنس وأخضع ذاته لله الآب وصار إنسانًا وسكن بيننا. لأنه يقول ” وأطاع حتى الموت ” (في2: 8)، ماحيًا نتائج عصيان الكل، وعصيان كل واحدٍ على حدة، وبهذا قد خلَّصَنا. ويشهد على ذلك بولس الذي قال: ” فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا ” (رو5: 18 ـ 19).

 

          هل رأيت إذن أنه خلَّصنا، كما تشير إلى ذلك تقديم ذبيحة الثور، إذ مات المسيح لأجلنا، وأرسل رائحتنا إلى الله الآب بطاعته وحياته المقدسة؛ لأنَّ دم الكبش قد سُكب على المذبح المقدس؟

بلاديوس: إنني أفهم ما تقوله.

كيرلس: وهو يصيغ نفس هذا الأمر بطرق كثيرة في إطار رمزي فيقول: ” وَتَأْخُذُ الْكَبْشَ الثَّانِي ” (خر29: 19) ويتم تقديمه ذبيحةً مثل الأول. تمسح وتقدِّس هرون وبنيه الكهنة بمسحة الدم على أذن هرون وعلى آذان بنيه اليمنى، وعلى أباهم أيديهم اليمنى وعلى أباهم أرجلهم. تقدِّس أيضًا ثياب الكهنة برش الدم، وكذلك يُرش الدم على المذبح من كل ناحية بحسب وصية الله. أيضًا يأخذون الأحشاء، ورغيفًا من الخبز وفطيرًا ملتوتًا بزيت. ويوضع كل هذا في يدي هرون وفي أيدي بنيه ثم يأخذها ويقدمها موسى بدوره. بالإضافة إلى ذلك قال إنه يجب أنْ تُخصص للكاهن الساق الرفيعة والصدر ويوضعان معًا مع تلك التي خُصِّصَت. وتُدعى الذبيحةُ ” كَبْشُ الْمِلْءِ (خر29: 31). وطالما قُدِّمت الأحشاءُ كذبيحةٍ، عندئذٍ تؤكل بقية الذبيحة مع الخبز، وفي الصباح يُحرق ما تبقى في النار. هذا ما يقوله الكتاب المقدس.

بلاديوس: حديثك عميق جدًا.

كيرلس: ملاحظتُك صحيحةٌ، والحديث عميقٌ جدًا ويحمل سر المسيح. لأن المسيح صار لأجلنا كبش ملء مُقدِّمًا إيانا كاملين في عملٍ ممتازٍ مظهرًا إيانا بأننا نتحلى بفضائل بواسطة التقديس الروحي، وقبل أي شيء آخر وضع فينا بركة السمع والطاعة، بمعنى السمع والطاعة اللذان يجعلانا نقبل العقائد الخاصة بالمسيح، ليس سماعُ الثرثرةِ والتشويش وكثرة الكلام الوقح الذي بسببه يعطون فرصةً لأولئك الذين يحاربون الحق بأن يملئوا أنفسهم بتعاليمٍ هي ضد العقائد المستقيمة. لأن هذا هو ثمرة الطاعة المقدسة والسمع المقدس. أيضًا يوحنا الرسول يقول: ” أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ. بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ ” (1يو4: 1 ـ 2).

 

          وفحص الأقوال لا يصير إلاَّ بالآذان. هكذا فإن آذان أولئك الذين يعتنون بالتعاليم العقيدية الدقيقة والمستقيمة هي مقدسة. إنها هبةٌ من المسيح ومنحةٌ من السماء، ومفخرةُ الدم المقدس، لأنَّ كل مفاخرنا الممتازة نحققها من خلاله وبه. بفضله اليدُ تتنقى وتظهر الفعل العملي، والأرجل أيضًا ترمزٌ بوضوح لاستقامة مسيرتنا. لأنه يجب أنْ نفتخر بأعمالنا المقدسة ونسلك جيدًا الطريق الذي يعبِّر عن كل تلك الأمور المرضية عند الله، ووفق هذا يُسبِّح داود في المزامير    ” تَفَكَّرْتُ فِي طُرُقِي، وَرَدَدْتُ قَدَمَيَّ إِلَى شَهَادَاتِكَ ” (مز119: 59)، أو وفق سفر الأمثال: ” مَهِّدْ سَبِيلَ رِجْلِكَ، فَتَثْبُتَ كُلُّ طُرُقِكَ ” (أم4: 26). ها إنَّ الجنس المقدس والمختار أصبح له طاعة، وسمع مقدس، ويد مقدسة، وأرجل مقدسة وفق التوصيات التي ذكرناها.

 

كل ما مُسِح يكون في الجهة اليمنى وفي الإبهام أي في الأطراف. وأمَّا قوله بأنْ يمسح طرف الأذن والرجل واليد؛ فلأن أي عمل صالح له فاعلية قوية، ويحتل المكانة اليمنى، وليس به نقطة شريرة حتى الأطراف التي تمثِّل محصلة هذا الشخص أو نهايته. يجب على المكرَّسين لله أنْ يكونوا أصحاب اليمين من جهة التقديس حتى النهاية بالصبر. لأنه يقول: ” الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ” (في 1: 6). لأنه يُعد تناقضًا شديدًا أنْ يحاول المرء وهو ينظر للوراء أنْ يقدِّم الخيرَ بكسلٍ وخمولٍ. ولأنَّ موسى كان يرمز لله (الآب)، فإنَّ بني هرون كانوا يقدِّمون له الذبيحة، وهو بدوره يقبلها مبرهنًا بذلك على أنَّ الله يقبل كل الذين تقدسوا بهذه الطريقة ـ كما من يد إلى يد ـ وسوف لا يحتقر ذبيحتهم في المسيح؛ لأنَّ ذبيحتهم لها رائحة المسيح. وهذا ما كان يشير إليه بتقدمه الأحشاء حيث بخَّروا أولاً.

 

يُخصص الصدر والقص (الأرجل الأمامية) من كبش الملء للكاهن. ويرمز القص  للقوة، بينما الصدر يشير إلى القلب والكلى. وهو ما يؤكد أن المسيح أعطى الجنس المقدس والكهنوتي، قوة الله الآب وحكمته. أم أنك ترى أننا لسنا حكماء وأقوياء جدًا بقوته؟

بلاديوس: كيف لا؟!! لأنه مكتوب أنَّ المسيحَ هو قوة الله وحكمة الله، لقد صار كل هذا لنا من الله.

كيرلس: واللحم هو الطعام المقدس للذين اُختيروا لخدمة الله، وهو يُؤخذ مع فطير (خبز بلا خمير) دون أنْ يَسمَحَ بمشاركة أي أحد من جنسٍ آخر، لأنَّ أي شخص يفعل هذا يموت. بمعنى أنَّ الاشتراك في الطعام المقدس، أي في جسد المسيح يتناسب مع الأنفس المقدسة، وهذه البركة لا يدنو منها مَن هم مِن أممٍ أخرى. والجنس الآخر هو الجنس الذي لم يؤمن بعد ولم يُعمَّد. والمنتمي لهذا الجنس منحرفُ العقل بسلوكيات مختلفة وغير متفقة مع تعاليم القديسين، وهذه السلوكيات تنحدر من تعاليم دنيئة.

 

          أيضًا تؤكل الذبيحة بواسطة النار وكذلك كل الفائض منها حيث لا يُسمَحُ بأنْ يؤكل منها في اليوم التالي. لأنه وفقًا للحياة الآتية (العتيدة)، ستوجد طرقٌ أخرى روحية، لا جسدية، والله العارف بكل الأشياء يستطيع أنْ يغيرها وينقلها حيث يريد. فالشخص سوف يفهم كلام الله فهمًا تامًا بعد القيامة من الأموات، وذلك لأنَّ الفساد سوف يبَطُل تمامًا. هكذا، وبينما نحن مع الرب يسوع، سوف نكتشف هناك طريقةً أخرى مختلفةً للتقديس.

وطالما تحدثنا فيما خطر على بالنا، سوف نمضى بحديثنا عن أولئك الذين فكَّروا في الأمور الحُسنى. وربما شيءٌ مثل هذا أعلنه بولس الرسول عندما قال: ” وَلكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ ” (1كو13: 10).

بلاديوس: هكذا يبدو.

كيرلس: وما قاله المشرِّع من أمور لأجل تكميل الكهنة، يجب أن يُتمم. عندما قام كهنة إسرائيل تجمعوا في اجتماع وأعلن رسميًا تكليفهم بالمسئولية وقال: ” وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: خُذْ هَارُونَ وَبَنِيهِ مَعَهُ، وَالثِّيَابَ وَدُهْنَ الْمَسْحَةِ وَثَوْرَ الْخَطِيَّةِ وَالْكَبْشَيْنِ وَسَلَّ الْفَطِيرِ، وَاجْمَعْ كُلَّ الْجَمَاعَةِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. فَفَعَلَ مُوسَى كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ. فَاجْتَمَعَتِ الْجَمَاعَةُ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِلْجَمَاعَةِ: هذَا مَا أَمَرَ الرَّبُّ أَنْ يُفْعَلَ. فَقَدَّمَ مُوسَى هَارُونَ وَبَنِيهِ وَغَسَّلَهُمْ بِمَاءٍ. وَجَعَلَ عَلَيْهِ الْقَمِيصَ وَنَطَّقَهُ بِالْمِنْطَقَةِ وَأَلْبَسَهُ الْجُبَّةَ وَجَعَلَ عَلَيْهِ الرِّدَاءَ، وَنَطَّقَهُ بِزُنَّارِ الرِّدَاءِ وَشَدَّهُ بِهِ ” (لا8: 1 ـ 7). لأنَّ الخيمةَ مقدسةٌ، والمذبحُ غنيٌّ تمامًا بتقديس الروح، ولكن ليس بالطريقة التي يتم بها ذلك مع الكائنات العاقلة؛ لأنَّ مذبح الخيمة ليس مقدسًا مثل ـ على سبيل المثال ـ طبيعة الملاك أو نفس الإنسان، لكن تقديس المذبح يتم باتصاله بالتقدمة التي تُوضع فوقه. لأنَّ المكان يتقدَّس حيث يوجد فيه المسيح. إذن، فطالما مُسِحَ المذبح سبعُ مرات، أي بغنىً، هكذا أيضًا قدَّس هرون، أي سكب فوقه زيت المسحة ومعه قدَّم تقدمات من أجله وأبناءه بالطريقة التي تكلّمنا عنها سابقًا.

          وطالما أنَّ كل ذلك قد صار وتكمَّل، يعطي وصيةً أخرى قائلاً:   ” وَمِنْ لَدُنْ بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، لاَ تَخْرُجُونَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِلَى يَوْمِ كَمَالِ أَيَّامِ مَلْئِكُمْ، لأَنَّهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَمْلأُ أَيْدِيَكُمْ. كَمَا فَعَلَ فِي هذَا الْيَوْمِ، قَدْ أَمَرَ الرَّبُّ أَنْ يُفْعَلَ لِلتَّكْفِيرِ عَنْكُمْ. وَلَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ تُقِيمُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَتَحْفَظُونَ شَعَائِرَ الرَّبِّ فَلاَ تَمُوتُونَ، لأَنِّي هكَذَا أُمِرْتُ ” (لاو8: 33 ـ 35). لقد أوضح حديثنا ما هي الطريقة التي تصير بها أي ذبيحة. لذلك فلنترك التفاصيل في هذه المواضيع ونمضي بحديثنا في أمرٍ آخر.

 

لا يسمح الناموس لهؤلاء الذين صاروا أغنياء بهذا النصيب المقدس (الخدمة الكهنوتية) وتطهَّروا وتكمَّلوا من أجل هذا العمل المقدس، أنْ يخرجوا خارج الخيمة المقدسة. بل يجب أنْ يبقوا بالداخل سبعة أيام، وبطريقةٍ ما سمَّر الأبواب حتى لا يعبروا العتبة. وإغلاق المكان المقدس هو رمزٌ للثبات والإقامة في القداسة. بمعنى أنه يجب أنْ نكون غير منتقلين عن ممارسة الفضيلة نحن الذين أسرعنا لنستند على الله بدون أنْ نخرج عن حدود عملنا ولا نبتعد عن معرفتنا المقدسة، لكن لنسكن دائمًا بالقرب من الله وفق ما قيل بفم النبي: ” إِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ فَاطْلُبُوا. ارْجِعُوا، تَعَالَوْا ” (إش21: 12).

هذا هو ما أمر به موسى بالنسبة لما سيحدث في الأيام السبعة، وعدد “سبعة” يعني أنه يجب أنْ يظلّوا في أي ظرف بالقرب من الله، أي كل الوقت وفي كل الأحوال. وبينما هم لا يزالون في الخيمة، يعطي وصية ليحفظوا أوامر الرب مظهرًا الطاعة كثمرة للإقامة الدائمة بالقرب من الله، ويفعلون كل ما يريده المشرّع. إذًا دعنا نظل دائمًا بالقرب من رب الكل؛ لأن الخمول بالنسبة لعمل الخيرات له نهاية في أواخر الأوقات، لذلك أضاف تعبير: ” فَلاَ تَمُوتُونَ، لأَنِّي هكَذَا أُمِرْتُ ” (لا8: 35).

بلاديوس: ما تقوله صحيح.

كيرلس: بدأ القائم بالخدمة الليتورجية هارون في تتميم الوصايا من أجل الطهارة والكمال. ودعنا نمضي ونقول بأية طريقة. لأنه مكتوب أيضًا في سفر اللاويين: ” وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ دَعَا مُوسَى هَارُونَ وَبَنِيهِ وَشُيُوخَ إِسْرَائِيلَ.  وَقَالَ لِهَارُونَ: خُذْ لَكَ عِجْلاً ابْنَ بَقَرٍ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، وَكَبْشًا لِمُحْرَقَةٍ صَحِيحَيْنِ، وَقَدِّمْهُمَا أَمَامَ الرَّبِّ. وَكَلَّمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: خُذُوا تَيْسًا مِنَ الْمَعْزِ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، وَعِجْلاً وَخَرُوفًا حَوْلِيَّيْنِ صَحِيحَيْنِ لِمُحْرَقَةٍ، وَثَوْرًا وَكَبْشًا لِذَبِيحَةِ سَلاَمَةٍ لِلذَّبْحِ أَمَامَ الرَّبِّ، وَتَقْدِمَةً مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ. لأَنَّ الرَّبَّ الْيَوْمَ يَتَرَاءَى لَكُمْ. فَأَخَذُوا مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى إِلَى قُدَّامِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. وَتَقَدَّمَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ وَوَقَفُوا أَمَامَ الرَّبِّ. فَقَالَ مُوسَى: هذَا مَا أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ. تَعْمَلُونَهُ فَيَتَرَاءَى لَكُمْ مَجْدُ الرَّبِّ.  ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: تَقَدَّمْ إِلَى الْمَذْبَحِ وَاعْمَلْ ذَبِيحَةَ خَطِيَّتِكَ وَمُحْرَقَتَكَ، وَكَفِّرْ عَنْ نَفْسِكَ وَعَنِ الشَّعْبِ. وَاعْمَلْ قُرْبَانَ الشَّعْبِ وَكَفِّرْ عَنْهُمْ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ ” (لا9: 1 ـ 7).

          يا بلاديوس لو سمحت لعقلك أن يدخل إلى الكتابات المقدسة ويتأمل فيها بالتفصيل، سوف تكتشف سر المسيح بوضوح.

 

المقالة11 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

Exit mobile version