آبائياتأبحاث

المقالة10 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة10 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة10 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة10 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة10 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

المقالة العاشرة

استكمالاً للحديث السابق “عن الخيمة المقدسة، وعن الأشياء الموجودة فيها”

 

كيرلس: أعتقد يا بلاديوس، إنَّ العرضَ الذي بسطناه سابقًا عن الخيمة المقدسة، وعن كل محتوياتها، واضحٌا وكافي.

بلاديوس: بالتأكيد واضحٌ جدًا، ولكنه ليس كافيًا.

كيرلس: إذن، تعال نستكمل ما غاب من أمورٍ في حديثنا السابق عن الخيمة، طالما أنك تريد أنْ تستوضح الأمر عن الطريقة التي أُقيمت بها، ومتى وكيف اكتملت فيها متطلبات البر والناموس، وأيضًا عن تدشينها وتقديسها، وكذلك صدرة القضاء[1].

بلاديوس: تحدَّث إذن عن كل أمرٍ على حدة؛ لأنك تفكر بطريقة صحيحة.

كيرلس: سوف أفعل، لكن أرجو أنْ تغفر لي ـ وأن تضع في حسبانك الصعوبة البالغة في شرح هذه الأمور ـ إنْ بدا في حديثي ما هو غير دقيق، وأتركُ لك إعادة الصياغة والتصحيح؛ لأني أعتبرك شريكًا معي، ومعاونًا لي في كل ما سوف أقوله.

بلاديوس: ثق في الله وامضِ في حديثك.

كيرلس: حسنًا. عندما أُنجزت أعمال الخيمة المقدسة على ما يُرام، وأُتقن صنع كل آنيةٍ من أوانيها بحكمةٍ وفن، بحسب المثال الجميل الذي كان على الجبل، تحدَّث الرب إلى موسى وقال: ” فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، تُقِيمُ مَسْكَنَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ ” (خر40: 2)، وبعد ذلك بقليل يُضيف قائلاً: ” فَفَعَلَ مُوسَى بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرَهُ الرَّبُّ. هكَذَا فَعَلَ. وَكَانَ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَنَّ الْمَسْكَنَ أُقِيمَ ” (خر40: 16 ـ 17).

 

          هكذا أُقيمت ـ بحسب إرادة الله ـ الخيمة القديمة، والتي قدَّمت لنا بوضوحٍ، مثالاً لكنيسة المسيح.

 

دعنا نفحص بالتفصيل ـ إذا أردت ـ الحديث المتعلق بإقامتها بواسطة موسى، مرجئين ـ مؤقتًا ـ الحديث الخاص بيشوع بن نون بالرغم من أنه كان موجودًا دائمًا بالقرب من موسى، وصعد معه على جبل سيناء، وحارب عماليق كما أمره موسى، عندما قال له     ” انْتَخِبْ لَنَا رِجَالاً وَاخْرُجْ حَارِبْ عَمَالِيقَ. وَغَدًا أَقِفُ أَنَا عَلَى رَأْسِ التَّلَّةِ وَعَصَا اللهِ فِي يَدِي” (خر17: 9). وامتثل يشوع للحق ونال النصر (راجع خر17: 13).

حسنًا. ما الذي حدث؟ ألا يستحق أنْ نفحصه؟

بلاديوس: لا شك أنَّ الأمرَ جديرٌ بالفحص.

كيرلس: حسنًا. لو أمكن للمرء أنْ يدقِّق ـ بقدر ما يستطيع ـ في الكلام المختص بكل سر، فسوف تتملكه الدهشة صارخًا ” يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ ” (رو11: 33). ولذلك عليك أنْ تلاحظ ما كانت عليه أشياء الخيمة من دقة. ولاحظ أيضًا أنه عندما يصعد موسى العظيم إلى الجبل يصعد معه يشوع أيضًا. وهذا يرمز إلى أنَّ الآب لا يمكن أنْ يُقتَرب منه إلاَّ بهذه الطريقة، أقصد أنه لا يمكن الاقتراب منه إلاّ بواسطة الابن[2]. لأنه حقًا صادقةٌ هى الكلمة ” لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي ” (يو14: 6).

 

          ويمكننا أنْ نؤكِّد أنه حتى القديسون، إنما يقتربون إليه بواسطة المسيح. لأنه لا يمكن لأحدٍ أنْ يرتقي إلى معاينة سامية وفائقةٍ للطبيعة، وكأنه يصعد إلى جبلٍ، وبالأحرى لا يمكنه أن يوجد بالقرب من الله إنْ لم يكن متحدًا مع عمانوئيل، وهكذا لا يكون هناك ما يعوق مسيرة البشر للاقتراب إلى الآب. وهذا هو ما قيل بصوت إشعياء    ” كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَل وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ الْمُعْوَجُّ مُسْتَقِيمًا، وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلاً ” (إش40: 4)، أي بالمسيح تستقيم المعوجات، وكل وطاءٍ يرتفع، وتصير العراقيب طريقًا سهلةً. لأنه كما يقول أيضًا النبي نفسه في موضع آخر: ” طَرِيقُ الصِّدِّيقِ اسْتِقَامَةٌ. تُمَهِّدُ أَيُّهَا الْمُسْتَقِيمُ سَبِيلَ الصِّدِّيقِ ” (إش26: 7). إذن، فقد صعد يشوع (الذي يرمز إلى المسيح) مع موسى الحكيم؛ لأنه ـ كما قلت ـ لأن الاقتراب من الآب لا يكون إلاَّ بواسطة الابن، فهو الوسيط الذي يربطنا بالآب بواسطة ذاته، ويُصعِدُنا إلى المرتفعات التي تفوق الطبيعة.

 

لقد واجه يشوعُ عماليقَ برجالٍ مختارين، وانتصر عليهم مثلما انتصر المسيح على رئيس هذا العالم بقديسين مختارين، هم تلاميذه المُلهَمين.

 

وكان موسى يعطى الأوامر وكان يشوع يخضع لها، مثلما خضع الابن تحت الناموس، بالرغم من أنه بالتأكيد كان هو الله المُشرَّع.

 

وكما كانت المعركة في اليوم التالي لليوم الذي دار فيه هذا الحوار بين موسى ويشوع بن نون، هكذا بشَّر الناموس ـ بشكل كاف ـ بما هو عتيد أنْ يحدث، وقدّم سردًا مجيدًا لمنجزات المخلِّص، هذا إذا نظرنا إلى هذا السرد نظرةً روحيةً.

 

إذن، فقد أقام موسى الخيمة المقدسة، لما لها من فائدة تربوية ـ من جهة الناموس ـ في تأسيس الكنيسة. لأنَّ الناموس يقود إلى المسيح الذي هو رأس الكنيسة ومؤسسها، عمود الحق وقاعدته بحسب المكتوب (انظر 1تيمو 3: 15). والمسيح نفسه قال لليهود ” لأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي، لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي ” (يو5: 46). وهو ما يعنى أنَّ تربية الناموس من خلال بناء الخيمة، ومن خلال ما يقوله موسى، تُنبئ ـ رمزيًا ـ عن كنيسة المسيح، وعن السر المتعلق بها؛ لأنَّ شخص موسى كان ممثلاً للناموس الذي أُعطى بواسطته بحسب المكتوب في الأمثال الإنجيلية: ” عِنْدَهُمْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءُ، لِيَسْمَعُوا مِنْهُمْ ” (لو16: 29).

بلاديوس: أنت تتحدث بالصواب.

كيرلس: فما الذي كان يقصده بقوله “ينبغي اليوم”[3]، وأيضًا “في اليوم الأول من الشهر الأول”؟ وماذا يقصد كذلك بقوله: ” فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَنَّ الْمَسْكَنَ أُقِيمَ ” (خر40: 17)؟ دعنا نجيب باحثين عن الحق الذي يفيد قرائنا.

 

“اليوم”: يُقصد به زمن الخلاص المُنتظَر، الذي فيه صار وحيدُ الجنس إنسانًا، وملكًا على البشر الذين على الأرض بموته بالجسد، وقادهم إلى الله الآب. هذا الوقتُ واحدٌ للجميع؛ لأنه طالما قد مات مرةً واحدةً، فإنه لن يموت مرة أخرى، والموت لن يسود عليه بعد بحسب الكتب (انظر رو6: 9). لن يموت الابنُ ثانيةً من أجلنا، ومن أجل الأرواح التي هي في الجحيم، لن يكون الابنُ بدايةً ثانيةً للأموات. إنَّ هذا الوقتَ، واحدٌ بالنسبة له كما قلت من قبل، وقد ذكر النبي إشعياء ـ كممثل لله ـ هذا اليوم ” هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: فِي وَقْتِ الْقُبُولِ اسْتَجَبْتُكَ، وَفِي يَوْمِ الْخَلاَصِ أَعَنْتُكَ ” (إش49: 8). أيضًا بولس الحكيم يقول هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ ” (2كو6: 2). فالمسيح قد قام في هذا اليوم من الأموات مُبدِّدًا ظلام مملكة الموت، وجعل الرسل القديسين مثل البنائين، وجعلهم أرواحًا خادمةً لكنيسة الأمم قائلاً: ” فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ ” (مت28: 19 ـ 20).

ألا ترى أنَّ هذا يعتبر بمثابة تأسيسٍ للكنيسة؟

بلاديوس: ماذا تقصد؟

كيرلس: أقصد الإيمان الذي استلمناه من المعلِّمين القديسين، والتعليم الذي كرزوا به: أي الإيمان بالمسيح، والإتحاد بالله بواسطة المعمودية وشركة الروح القدس. لأنَّ هذا هو ما قاله لنا بولس الرسول: ” الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا ِللهِ فِي الرُّوحِ ” (أف2: 21 ـ 22).

 

فقد رُمِزَ للمسيح في الماضي بعدة أشياء في الخيمة المقدسة مثل: مذبح البخور الذهبي، والتابوت، والمنارة، وأيضًا المائدة وكل ما هو موضوع عليها.

 

ولذلك، فأنا أعتقد أنَّ كل واحدٍ من الذين آمنوا في الوقت الحاضر يعتبر مسكنًا وهيكلاً لله، وهؤلاء يُقيم فيهم المسيح؛ لأنه يسكن داخل قلوبنا بالإيمان كما هو مكتوب (انظر أف3: 17). وبالرغم من أنه واحدٌ بطبيعته، لأنه يقول ” لكِنْ لَنَا إِلهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ ” (1كو8: 6) إلاَّ أننا نحن الذين في الجسد نُدركُ وجوده؛ فنحن نُدرك ـ بطرق مختلفة ـ جمال ألوهيته ذات الخصائص المتنوعة، حيث ندرك داخليًا أنه كلمة الله، وكذلك هو الحكمة والنور والحياة، والخبز الحيّ الذي نزل من السماء.

بلاديوس: أنا أُدرك ما تقوله.

كيرلس: إذن، فقد رُمِزَ ـ في الماضي ـ لكلٍ من وقت التجسد، وكذلك ليوم القيامة من الأموات، بالكلمات الإلهية هكذا: “في ذلك اليوم تقيم الخيمة”.

 

كما أنَّ عبارة “في أول الشهر” يا بلاديوس، عبارةٌ مفيدةٌ أيضًا. أعنى كما أنَّ بداية الشهر هو اليوم الأول من عدد أيامه، هكذا فإنَّ بداية الزمن الجديد، وبداية ظهور الأزمنة الجديدة هو وقت مجيء المسيح على الأرض. لأنه يقول ” إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا ” (2كو5: 17). إذن، فقد بزغ هذا الزمن الذي نراه الآن (أي في العهد القديم)، بالرجاء، بينما نحن نحيا فيه بفضل الإله الذي قادنا بنوره مع الملائكة القديسين إلى مجد الآب، آخذًا معه أولئك الذين اختاروا أنْ يحيوا حياةً جديدةً واكتسبوا في نفوسهم بصبرهم غنى التعليم الإنجيلي بجماله الفائق، وهكذا قادهم إلى المجد والملكوت المُنتَظر منذ القديم.

 

          إنَّ رمزية الشهر الأول تشير إلى الخليقة الجديدة والأوقات الجديدة التي أزهرت فيها تعاليم المسيح مثلما يزدهر النبتُ الجميل في أول الشهر، وتزدهر النباتات في المراعى، ويُشتَّم شذى ألوفٍ من الورود الجميلة برائحة الربيع الزكية. لأنَّ المسيحَ في مثل هذا الوقت، دعا كنيسة الأمم قائلاً: ” قُومِي يَا حَبِيبَتِي، يَا جَمِيلَتِي وَتَعَالَيْ. لأَنَّ الشِّتَاءَ قَدْ مَضَى، وَالْمَطَرَ مَرَّ وَزَالَ ” (نش2: 10 ـ 11).

 

هكذا ازدهرت طبيعة الإنسان مرةً أخرى مثل النبات، بعدما أصابها الذبول من جرَّاء الموت بسبب مخالفة آدم والخطية التي تملَّكت علينا. اسمع ما يقوله المسيح بفم واحد من الأنبياء القديسين:  ” أنا هو الذي أتحدث إليك مثل الربيع على الجبال ” (إش52: 6س). فكما أنَّ الربيع يتوِّجُ الجبال والغابات بنباتات وزروع جديدة، هكذا فإن حضور المسيح يحقق لنا نفس الأمر، لذا يقول “في السنة الثانية”، وليس “الأولى” التي فيها كان يسرى الناموس وزمن الأنبياء، وفيها كان الموت يملك على الجميع. لأنه قد مَلك الموت من آدم حتى موسى (انظر رو5: 14). “في السنة الثانية”، أي في الزمن الذي فيه وصل إلينا اسم المسيح الذي هو غاية الناموس والأنبياء.

هل تعتقد أنَّ حديثنا يسير باستقامة وحق؟

بلاديوس: نعم.

كيرلس: أنا أعتقد إنَّ صوت إشعياء قد أعلن لنا مسبقًا الخيمة الحقيقية التي كانت محط أنظار كل واحدٍ من الذين قد دُعُوا ليتبرروا بالإيمان، إذ يقول: ” اُنْظُرْ صِهْيَوْنَ مَدِينَةَ أَعْيَادِنَا. عَيْنَاكَ تَرَيَانِ أُورُشَلِيمَ مَسْكِنًا مُطْمَئِنًّا، خَيْمَةً لاَ تَنْتَقِلُ، لاَ تُقْلَعُ أَوْتَادُهَا إِلَى الأَبَدِ، وَشَيْءٌ مِنْ أَطْنَابِهَا لاَ يَنْقَطِعُ ” (إش33: 20). لأنَّ الكنيسة هي مدينة الله، وهي التي قال عنها داود العظيم ” قَدْ قِيلَ بِكِ أَمْجَادٌ يَا مَدِينَةَ اللهِ ” (مز87: 3). بمعنى أنها غنية بعطايا سماوية ومزينة بمواهب سماوية، وأساساتها غير مزعزعة وثابتة بحسب كلام المخلّص ” وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا ” (مت16: 18).

بلاديوس: كل ما تفكر فيه صحيح ومنطقي.

كيرلس: عندما نُصبت الخيمة كان ينبغي أنْ يكون كل ما فيها من أشياء وأوانِ، مُرتَّبًا غير مبعثرٍ. ويعلِّمنا هذا إله الجميع قائلا:        ” وَتَضَعُ فِيهِ تَابُوتَ الشَّهَادَةِ. وَتَسْتُرُ التَّابُوتَ بِالْحِجَابِ. وَتُدْخِلُ الْمَائِدَةَ وَتُرَتِّبُ تَرْتِيبَهَا. وَتُدْخِلُ الْمَنَارَةَ وَتُصْعِدُ سُرُجَهَا. وَتَجْعَلُ مَذْبَحَ الذَّهَبِ لِلْبَخُورِ أَمَامَ تَابُوتِ الشَّهَادَةِ. وَتَضَعُ سَجْفَ الْبَابِ لِلْمَسْكَنِ. وَتَجْعَلُ مَذْبَحَ الْمُحْرَقَةِ قُدَّامَ بَابِ مَسْكَنِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ ” (خر40: 3 ـ 6).

 

          يمكنك طبعًا أنْ ترى الآنية المقدسة بين هذه الأشياء التي نُقلت ووُضعت في الخيمة المقدسة، ويمكنك أيضًا أنْ ترى ـ بوضوح ـ المكان الذي يحتويها، ويليق بكل واحدة من هذه الأواني. هل تريد الآن أنْ نُفصِّل بدقة ما يجب أنْ تعرفه عن التعليمات الخاصة بالخيمة؟

بلاديوس: بكل سرور.

كيرلس: حسنًا. قال الله لموسى: ” وَتَصْنَعُ حِجَابًا مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ. صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِق يَصْنَعُهُ بِكَرُوبِيمَ. وَتَجْعَلُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَعْمِدَةٍ مِنْ سَنْطٍ مُغَشَّاةٍ بِذَهَبٍ. رُزَزُهَا مِنْ ذَهَبٍ. عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ مِنْ فِضَّةٍ. وَتَجْعَلُ الْحِجَابَ تَحْتَ الأَشِظَّةِ. وَتُدْخِلُ إِلَى هُنَاكَ دَاخِلَ الْحِجَابِ تَابُوتَ الشَّهَادَةِ، فَيَفْصِلُ لَكُمُ الْحِجَابُ بَيْنَ الْقُدْسِ وَقُدْسِ الأَقْدَاسِ. وَتَجْعَلُ الْغِطَاءَ عَلَى تَابُوتِ الشَّهَادَةِ فِي قُدْسِ الأَقْدَاسِ. وَتَضَعُ الْمَائِدَةَ خَارِجَ الْحِجَابِ، وَالْمَنَارَةَ مُقَابِلَ الْمَائِدَةِ عَلَى جَانِبِ الْمَسْكَنِ نَحْوَ التَّيْمَنِ، وَتَجْعَلُ الْمَائِدَةَ عَلَى جَانِبِ الشِّمَالِ. وَتَصْنَعُ سَجْفًا لِمَدْخَلِ الْخَيْمَةِ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ صَنْعَةَ الطَّرَّازِ. وَتَصْنَعُ لِلسَّجْفِ خَمْسَةَ أَعْمِدَةٍ مِنْ سَنْطٍ وَتُغَشِّيهَا بِذَهَبٍ. رُزَزُهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَتَسْبِكُ لَهَا خَمْسَ قَوَاعِدَ مِنْ نُحَاسٍ” (خر 26: 31 ـ 37).

 

وعن المرحضة يقول الآتي: ” وَتَصْنَعُ مِرْحَضَةً مِنْ نُحَاسٍ، وَقَاعِدَتَهَا مِنْ نُحَاسٍ، لِلاغْتِسَالِ. وَتَجْعَلُهَا بَيْنَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَالْمَذْبَحِ، وَتَجْعَلُ فِيهَا مَاءً. 19 فَيَغْسِلُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْهَا ” (خر30: 18 ـ 19). هل كل ما يقوله عن كل واحدة من هذه الآنية واضح؟

بلاديوس: غير واضح طبعًا؛ لأني لا أعرف. لذلك فأنا في حيرة لعدم معرفة ما تعنيه هذه الأقوال.

كيرلس: سوف أجعل حديثي واضحًا وسهلاً بقدر المستطاع، مستفيدًا من الشرح السابق الذي قلناه عن كل ما في الخيمة من أشياء.

حسنًا يا بلاديوس. لقد أُقيمت الخيمة المقدسة في الصحراء، وجاء تقسيم المكان، إلى جزئين تقسيمًا رائعًا. فقد كان هناك مكان بالداخل يُسمى قدس الأقداس، أمَّا المكان الآخر، فكان قبل المدخل ويُدعى القدس. وقد وُضع تابوت العهد في داخل الخيمة (قدس الأقداس) فوق أربعة أعمدة من السنط المغشَّى بالذهب، وغطى الأعمدة بحجابٍ من اسمانجونى وأرجوان وقرمز وبوص مبروم. وبما أنه قد سبق لنا أنْ تحدثنا بما فيه الكفاية ـ كما أعتقد ـ عن البوص المبروم والأرجوان والقُرمز، لذا سوف نتجنب تكرار الكلام[4].

 

أمَّا الآن، فسوف أتحدث عن الحجاب الذي يستند على أربعة أعمدة من السنط المغشَّى بالذهب، وأربع قواعد من الفضة. إنَّ كل هذه الأشياء تعلن سر المسيح، فما المقصود؟ ألم يدعُ بولس الحكيمُ الحجابَ جسد المسيح قائلاً: ” طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ ” (عب10: 20)؟

بلاديوس: أنت تتحدث بالصواب.

 

كيرلس: حسنًا. لاحظ إذن، أنَّ الكلمة، بالرغم من أنه هو الله بطبيعته، وأنه أتى من الله الآب، إلاَّ أنه – في إطار الظلال والرموز – وُجِدَ في تابوت الذهب الذي لم يعترِه فسادٌ، أي في الهيكل الذي قدَّمته العذراء؛ لأنَّ جسد المسيح لم يفسد، بل هو ثمينٌ ، وقد احتجب الكلمة خلف الستار آخذًا جسدًا.

وعندما نقول إنَّ الكلمةَ احتجب، فإننا لا نعني أنه انحصر في جسد صغير؛ لأنَّ الابنَ موجودٌ دائمًا في الكل، لكنه احتجب بحسب التدبير وانتظر وقتًا حتى يُعلن عن نفسه للكل، وكانت قيامته من بين الأموات هي ميعاد ظهوره للكل. فقد أوصى تلاميذه قبل الصليب المقدس ألاَّ يُظهروه وفق ما هو مكتوب (انظر مت 16: 16)، بينما بعد قيامته من بين الأموات قال لهم: ” فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ ” (مت28: 19 ـ 20).

 

إذن، كان الحجابُ معلقًا على الأعمدة، مغطيًا التابوت الذي كان في الداخل، الأمر الذي يمكن أنْ يكون مثالاً المسيح الذي رُفِعَ عاليًا بكرازة الإنجيليين. كما يبدو (المسيح) ظاهرًا في مجد الإلوهية لأولئك الذين هم داخل الخيمة، أي الكنيسة.

 

هكذا أيضًا يتساوي عدد كل من الأعمدة المغشَّاة بالذهب، وقواعد الفضة الأربع، مع عدد الإنجيليين الأربعة المُمجَّدين.

 

          إذن، كان التابوتُ في الخيمة، وكان الحجابُ معلَّقًا من فوق إلى أسفل، وكان الحجابُ مصنوعًا من أسمانجوني وأرجوان وقرمز بحيث لا يُظهر التابوت الذي كان في الداخل. وفوق الحجاب كان الشاروبيم على الجانب الأيسر والأيمن. وكان الله يظهر ويعطى الوصايا يبيّن أنه فوق كل الخليقة. والسيرافيم الذين يمتازون عن كل المخلوقات الملائكية يوجدون أسفل المجد الإلهي الذي لا يُوصف، ويلتفون حول الابن نفسه بالرغم من أنه صار جسدًا وهو في حالة إخلاء من جهة أنه مساوٍ للآب في الجوهر (المجد الذي كان له عند الآب) حيث صار إنسانًا. لذلك قال: ” أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي ” (يو14: 28)، وبينما هو مساوٍ للآب بطبيعته، يقول إنه أقل منه ـ فقط ـ بسبب طبيعته البشرية. لذلك نجد الشاروبيم موجودين في الخيمة المقدسة دائريًا على الحجاب محيطين بالابن الذي هو إله. لكن فوق الحجاب نفسه يقول “وسوف أظهر من هناك، وسوف أتحدث إليك”، أي الآب الذي هو فوق كل الخليقة، وهو هنا يبدو كما لو كان فوق عمانوئيل نفسه، لكن ليس من جهة لاهوته إذ هو مساوٍ للآب في كل شيء، بل من جهة أنه أخلى نفسه آخذًا شكل العبد، ونزل إلى مقاييس البشرية.

 

[1] سيتعرض القديس كيرلس لهذا الأمر في بداية المقالة الحادية عشر.

2 يؤكد القديس كيرلس على ذلك في المقالة التاسعة، راجع سلسلة نصوص آبائية رقم 97 ـ السجود والعبادة بالروح والحق – الجزء الخامس – ص 60 وما بعدها.

3 يقصد القديس كيرلس أن الرب كلم موسى قائلاً: في الشهر الأول تقيم مسكن .ز.” خر1:40ـ2.

4 انظر الجزء الخامس ص97 وما بعدها.

 

المقالة10 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم