Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

المقالة9 ج5 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة9 ج5 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة9 ج5 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة التاسعة

“الخيمة المقدسة”

“كانت مثالاً لكنيسة المسيح”

 

كيرلس: أقمشة الشقق ستكون من البوُص المبروم الأسمانجوني وأرجوان وقرمز. أي أن زينة الكنيسة متنوعة، وهذا بالضبط ما أنشَدَه داود العظيم قائلاً: ” جُعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير” (مز 9:45). والمسيح هو الجوهرة والزينة المتعددة الأشكال، الذي هو واحد في طبيعته، لكنه يُفهم أو يُدرك بأمثلة كثيرة ومتنوعة، كما على سبيل المثال خيط شجرة الكرز المغزول. فالكلمة حقًا هو رقيق، وبلا جسدٍ بطبيعته، لكنه منسوجٌ آخذًا شكلاً باتخاذه جسدًا. إذن هو منسوج بخيط شجرة الكرز، وفي الوقت نفسه أيضًا مثل الياقوت، لأنه لم يأت من الأرض، لكن من فوق، أي من السماء.

          كالأرجوان؛ لأنه باعتباره مولودٌ، هو عبد، وباعتباره آتٍ من الله، هو ملك ورب الكل. وكمنسوجٍ بنسيجٍ أحمر؛ لأنه ـ كما قلت – إنه اتخذ جسدًا، وهو أيضًا في الوقت نفسه الكلمة، وقد بذل دمه لأجلنا. لأن علامة الدم هي اللون الأحمر.

الشاروبيم مرسومون فوق الجلود، وهذا الأمر يشير جيدًا إلى أن ما هو تحت متحدٌ بما هو فوق، وأن الكنيسة الأرضية هي متحدة بالقوات السماوية. وينبغي أن نعرف أن سليمان الحكيم رسم الشاروبيم على حوائط الهيكل. وبنفس الطريقة تمت الزينة للمسكن الذي رآه حزقيال (انظر حز41).

وأغطية الشقق كانت من الجلود الملتف حولها الشرائط والحلقات. وبالتأكيد أيضا الأغطية كانت من جلودٍ بلون الياقوت الأزرق، وجلود من الشاة مصبوغة بالأحمر والتي تشير إلى غطاء كنيسة المسيح. فالياقوت يشير إلى أنه أتى من السماء ومن فوق، بينما اللون الأحمر يشير إلى أنه لبس الجسد. لأنه بمثل هذا اللون كان لون الجسد.

بلاديوس: لا شك أن هذه التفاسير منطقية تمامًا.

كيرلس: أمَّا الألواح (الأعمدة) التي للمسكن فكان عرض الواحد منها ذراع ونصف بينما الطول عشرة أذرع مذهبة عند الرؤوس والجسم، وتستند على قواعد فضية مزدوجة. واللوح (العمود) يقصد به المسيح، معضِّد الكنيسة ومؤسِّس الحق وفقًا لقول بولس (انظر 1تي15:3). لأنه هو الذي يعضد ويحفظ كل شيء.

وعرض اللوح (العمود) ذراعٌ ونصف، وهو يشير إلى أن (المسيح) كاملٌ بحسب طبيعته، وصغيرٌ بحسب المقاييس البشرية. وليس من السذاجة في شيء إذا قلنا أن المسيح هو كلي الكمال كمثل الذراع الواحد، لأنه هو الله بحسب الطبيعة، لكنه صغير مثل نصف الذراع بسبب طبيعته البشرية، ووحيد الجنس كان غنيًا، لكنه صار فقيرًا لأجلنا (2كو9:8)، ووضع ذاته بالإخلاء من عظمته الإلهية.

بلاديوس: هذا صحيح حقًا.

كيرلس: بالتالي لن تقف الطبيعة البشرية على قدم المساواة أمام الألوهية الفائقة، فهي أقل منها بكثير. لذلك قال – بحسب مشابهته لنا: “ أبي أعظم مني” (يو28:14)، بالرغم من أنه بالتأكيد ـ من جهة طبيعته الإلهية ـ مساو للآب، فإن كونه ابنًا لا يجعله أقل من الآب. لأن المسيح هو كلي الكمال من جهة ألوهيته. إن العدد عشرة في الكتاب المقدس يُفهم كعلامة للكمال. ورأس اللوح سيكون من الذهب، والجسد أيضًا من الذهب. الهيكل الذي أتى من العذراء له امتياز سكنى الطبيعة الفائقة. الذهب رمزٌ للألوهية، لأنه عظيم ويفوق كل المعادن الأخرى. القاعدة كانت من الفضة ومزدوجة. المسيح لامعٌ ومنيرٌ على الأرض وفقًا للمزمور ” الرب هو الله وقد أنار لنا” (مز 27:118)، ويُعرف بلاهوته وناسوته، لأنه هو إله وإنسان معًا. وهذا ـ على ما أعتقد ـ ما يعنيه أن القاعدة مزدوجة ومصنوعة من الفضة.

بلاديوس: إن حدسك صحيح.

كيرلس: لاحظ أيضًا يا صديقي ما هو آت.

بلاديوس: ماذا لديك؟

كيرلس: بعدما نظَّم كل الخيمة واتسعت إلى عشرة شقق، أضاف ” وتصنع شققًا من شعر معزى خيمة على المسكن إحدى عشرة شقة تصنعها. طول الشقة الواحدة ثلاثون ذراعًا وعرض الشقة الواحدة أربع اذرع قياسًا واحدًا للإحدى عشرة شقة. وتصل خمسًا من الشقق وحدها، وستًا من الشقق وحدها وتثني الشقة السادسة في وجه الخيمة. وتصنع خمسين عروة على حاشية الشقة الواحدة الطرفية من الموصل الواحد وخمسين عروة على حاشية الشقة من الموصل الثاني” (خر26: 7ـ10).

          ما الذي أراد أن يعلنه يا بلاديوس بهذا الأمر؟ لأنه إذ صنع عشرة شقق للمسكن، يقول: ” وتصل خمسًا من الشقق وحدها وستًا من الشقق وحدها“، فلماذا لم يتساوَ عدد الشقق المصنوعة من شعر المعزي، بل زاد واحدة، أي الحادية عشر؟

بلاديوس: لا أعرف ماذا أقول لك.

 

كيرلس: إن عرض رأيي سيزيد موضوعنا وضوحًا.

بلاديوس: هات ما عندك.

كيرلس: قال أنه يجب أن تخيط بشدة خمسُ شققٍ فيما بينها، وخمسٌ آخرين بالتماثل، بنفس الترتيب وبنفس الطريقة. بينما يتصلون فيما بينهم بالتماثل باتجاه الشمال نحو الجنوب أو من الشرق نحو الغرب بواسطة الشقة الحادية عشر التي صارت كمفصلة في وسط العشرة الشقق، ماسكةٌ بهما بسيور وحلقات من الجانبين. لقد كانت الألواح مثل هذه الشقق، إلاَّ أنها قليلةٌ في العدد. إذن العشرة الشقق ـ كما قلت سابقًا ـ تمتد بطول ثمانية وعشرين ذراعًا بينما الحادية عشرة لها نفس الطول ولكن عرضها خمس أذرع، أما الأخرى فكان عرضها أربع أذرع. لذلك يقول وتثني الشقة السادسة في وجه الخيمة” حتى لا تفسد هذه الشقة الزائدة جمال الخيمة. عند هذه الشقة التي هي بين الشقق الأخرى تُوضع الأواني المقدسة، وهي تشير بطرق متنوعة إلى عمانوئيل. والعدد يُظهر هذا بالضبط، إنه في الأزمنة الأخيرة وفي الساعة الحادية عشر يظهر المسيح والخيمة التي فيها المسيح، أي الكنيسة.

بلاديوس: يبدو لي أن تفكيرنا بهذه الطريقة صحيح وشرحك لهذا الأمر صواب.

كيرلس: بعد هذه الأقوال والنماذج الخاصة بالخيمة يقول: “ وتصنع دار المسكن. إلى جهة الجنوب نحو التيمن للدار أستار من بوص مبروم. مئة ذراع طولا إلى الجهة الواحدة. وأعمدتها عشرون وقواعدها عشرون من نحاس رُززُ الأعمدة وقضبانها من فضة. وكذلك إلى جهة الشمال في الطول أستارٌ مئة ذراع طولا وأعمدتها عشرون وقواعدها عشرون من نحاس رُززُ الأعمدة وقضبانها من فضة. وفي عرض الدار إلى جهة الغرب أستارٌ خمسون ذراعا أعمدتها عشرة وقواعدها عشر” (خر27: 9ـ12). لاحظ إذن أن الأبعاد الأولى كانت قليلة تصل إلى ثلاثين ذراعًا والعرض أربعة أذرع، والطول ثمانية وعشرون. لكن بعد ذلك، كانت الأبعاد أكثر اتساعًا في العرض والطول، كانت مائة في مائة، وخمسون في خمسين، والواحدة كانت تطل على الشرق والأخرى على الغرب والجنوب.

بلاديوس: إذن ما هو القصد من هذا؟

كيرلس: ألا يوضحُ ذلك بجلاء ما سبق وتنبأ به إشعياء عن الكنيسة التي سوف تظهر في الأيام الأخيرة؟ ” أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك لا تمسكي أطيلي إطنابك وشددي أوتادك” (إش2:54). لقد كانت كنيسةُ المسيح محدودة في البداية وبعد ذلك امتدت نحو الشرق والغرب، نحو الشمال والجنوب وتوجد في كل مكان.

بلاديوس: هذا حق.

كيرلس: وعليك أن تلاحظ أيضًا أنه أمر أن تكون كل الألواح الأخرى التي للشقق العشرة والعُرى التي بينهما، مذهبةٌ وتستند على قواعد مزدوجة مصنوعة من الفضة. فما هو السبب؟ أعتقد أنني قُلت هذا. وهناك أيضًا سبب آخر لاختلاف الألواح بحسب طول الشقق وعرضها. فيقول عن الألواح إنه يجب أن تكون من الفضة من القمة حتى القاعدة وتستند على قواعد نحاسية مفضضة. ويمكننا أن نرى في هذا مثالاً للمسيح، لأنه أشرق كالنور أي أبرق بلمعان عقلي لأنه إله، كما تعلن الفضة ذلك. وكنوره، كذلك كانت كلمته لامعة وحلوة السمع على الأرض، أي كرازة الإنجيل، يُعلنها النحاس المزين بالفضة. لأن النحاس رنان بينما الفضة أكثر لمعانا ونورًا. ويمكننا أن نرى هذه الأمور في كرازة الإنجيل، وسوف يتحقق المرء من أن كلمة المخلص لها نقاء ونورُ التقوى الشديد، وأنها ترن في كل المسكونة.

ويمكن للمرء ـ إذا أراد ـ أن يقول إن هذه الألواح تعتبر مثالاً للرسل والإنجيليين القديسين، وهذا تفكير منطقي جدًا. لأنهم حقًا كأنهم من فضة، لأنهم اتحدوا بالمسيح الذي ينير. لذلك يقول “ أنر بوجهك فنخلص” (مز19:80)، وقد دُعُوا أيضًا ” نور العالم” (مت14:4)، كأنهم حقًا داخل نحاس مزين بالفضة. وسندهم الكلمة المنيرة والرنانة التي يستخدمونها. لأنه يقول:” الرب يعطي كلمة. المبشرات بها جند كثير” (مز12:68). أيضًا مكتوب ” ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام المبشر بالخير” (إش7:52).

بلاديوس: لا شك أن كلامك عميق ويوضح الحقيقة.

كيرلس: وإذ اكتملت الأوامر بخصوص الأبعاد، يمضي إلى تجهيز الزيت والمسحة والبخور قائلا الآتي: ” وأنت تأمر بني إسرائيل أن يقدموا إليك زيت زيتون مرضوض نقيًا للضوء لإصعاد السُرُج دائما. في خيمة الاجتماع خارج الحجاب الذي أمام الشهادة يرتبها هارون وبنوه من المساء إلى الصباح أمام الرب فريضة دهرية في أجيالهم من بني إسرائيل” (خر27:20ـ21).

بلاديوس: وماذا يعني هذا؟

كيرلس: هامٌ جدًا ما يعلنه هذا القول، وينطوي أيضًا على حكمة على ما أعتقد. فالمنارات السبع تضيء دائمًا وتنير في الخيمة المقدسة، لذلك يجب أن نتشبه جيدًا بنور المسيح الذي يلمع دائمًا بقوة ويُنير ذاتيًا، أي يملأ بالنور ذهن أولئك الذين يؤمنون به؛ وكل الذين يحتاجون أن يكون لهم اكتفاء ينيرون أيضًا. لأن العدد سبعة يعبِّر دائمًا عن الكمال. وعلى سبيل المثال الحالة التي يقول فيها  “ العاقر ولدت سبعة” (1صم 5:2)، أي كثير جدًا.

فهارون ينير المنارات، وكذلك الآخرون، وبعد ذلك الكهنة. هكذا أيضًا نور المسيح في الكنائس يحفظ دون أن يُطفأ بالعناية اليقظة لأولئك الذين نالوا نصيب الكهنوت، لأنهم ـ باستقامة سرائرهم ـ ينيرون أذهان المؤمنين. لأن هذا على ـ ما اعتقد – هو ما يعنيه بجعله المنارات تنير دائمًا من المساء حتى الصباح. فالظلام هو ضلال الشيطان والظلمة المعنوية التي تغطي عقول البشر. إذن فلسوف يظل نور المخلص ظاهرًا في الكنائس طالما أن المعلمين فيها يفسرون التعاليم الإلهية والإنجيلية باستقامة.

وأمَّا الزيت فيكون نقيًا لأنه نقيٌ تمامًا من أي شائبة ومن أي دنسٍ. أقول هذا عن العقائد الإلهية المستقيمة والكلمة الحقيقية النقية من أي انحراف والتي تحتوي دائمًا على نور المخلص الدائم. هذه الاستنارة – بالتأكيد ـ لا تضيف شيئًا من ذاتها على بهاء المسيح (لأنه من الغباء المفرط أن نعتقد أنه يحتاج للإنسان)، فعن طريق النور الحقيقي للمسيح، وإشعاع الآب يبدو ـ بكلمات التعاليم المستقيمة ـ في ذهن أولئك الذين يؤمنون به، أن هذا بالضبط هو الحق.

بلاديوس: ولماذا يقول إن الزيت من الزيتون؟ لأن هذه التسمية الدقيقة، لا بد وأن تحمل مفهومًا روحيًا.

كيرلس: أنت تفكر بطريقةٍ حسنة، وسوف أقول لك ما خطر على ذهني.

من المعتاد يا بلاديوس، أن لا يتم تجهيز أو إعداد الزيت من أشجار الزيتون فقط، لكن من بذور أخرى قد تكون مغشوشة أو بذور أخرى. أما زيت الزيتون النقي فهو المستخرج من الزيتون الأكثر جودة، وهو يحتاج إلى طرق فنية وجهد مضنٍ لتنقيته. بعكس الزيتون الذي من الدرجة الثانية، فهو ليس حقيقيًا، أقصد الزيتون الذي يخرج من بذور مغشوشة. بالتالي يجب أن يتشابه زيت الزيتون الحقيقي بالكلمة الحقيقية والأصيلة، بينما ذاك الذي ابتُدع من الفكر البشري والإلهام الشيطاني، إنما يشبه الخمر المغشوشة المصنعة والموجودة بكثرة في الحانة.

فالكلام المغشوش غير مفيد، بل ومرفوض؛ لأنه لا يسهم في إنارتنا لمعرفة المسيح. لذلك فهو مرفوض في الكنائس لأن رائحة الروح القدس الذكية ليست فيه؛ لأنه يقول: ” وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس” (1كو3:12).

ولعلك تلاحظ أيضًا أن الناموس يقول إن الزيت المستخرج من الزيتون هذا يجب أن يقدمه الإسرائيليون. أي كما قلت منذ قليل، إن الكلمة الحقيقية هي ثمرة وتقدمة روحية للتقدمات التي تُقدم إلى الله من جانبنا، والتي لا تسمح بأن يضعف نور المسيح في هؤلاء الذين يحيون في الحق.

لاحظ أيضًا مكان المنارات حيث تقع خارج المسكن، وكذلك الحرارة المنبعثة منها. بمعنى أن المسيح حقًا هو نورٌ بحسب طبيعته، فهو لا يحتاج إلى النور، لكن لأجلنا نحن الذين لسنا من طبيعته الإلهية ـ حيث أننا مخلوقون – يُشرق بنوره داخلنا. والتابوت كان بالداخل إذ كان يشير إلى المسيح.

بلاديوس: تتحدث بالصواب.

كيرلس: ثم يقول: ” وكلم الرب موسى قائلاً: وأنت تأخذ لك أفخر الأطياب مُرًا قاطرًا خمس مئة شاقل وقرفة عطرة نصف ذلك مئتين وخمسين وقصب الذريرة مئتين وخمسين. وسليخة خمس مئة بشاقل القدس ومن زيت الزيتون هينًا. وتصنعه دُهنًا مقدسًا للمسحة عطر عطارة صنعة العطار دهنًا مقدسًا للمسحة يكون. وتمسح به خيمة الاجتماع وتابوت الشهادة. والمائدة وكل آنيتها والمنارة وآنيتها ومذبح البخور. ومذبح المحرقة وكل آنيته والمرحضة وقاعدتها. وتقدسها فتكون قدس أقداس كل ما مسها يكون مقدسا. وتمسح هارون وبنيه وتقدسهم ليكهنوا لي. وتكلم بني إسرائيل قائلاً يكون هذا لي دهنًا مقدسًا للمسحة في أجيالكم. على جسد إنسان لا يسكب وعلى مقاديره لا تصنعوا مثله مقدسٌ هو ويكون مقدسًا عندكم. كل من ركَّب مثله ومن جعل منه على أجنبي يقطع من شعبه” (خر30:22ـ33).

          أمَّا بخصوص النوعية والتكوين واختلاف الأوزان، أقصد الأنواع التي ذُكرت، فليس لي أن أقول شيئًا، لأن المتعقلون عادةً يحبون قول الحق. لكن الزيت المختلط بالطيب يعلن – على ما أعتقد ـ تقديس المسيح الذي يُعطى بواسطة الروح إلى الرحماء بحسب المزمور: “مسحت بالدهن رأسي” (مز5:23). لقد مُسحت كل الخيمة وكل ما هو بداخلها، هكذا يشترك المكان الآن في التقديس بواسطة ذاك الذي يسكن فيه. والأواني تتقدس أيضًا بالطريقة التي تليق بها، لأنها مفيدة وتستخدم لعبادة الله، وتقدَّس كل من يلمسها. لكن يجب أن تكون هذه المقدسات بعيدة عن متناول غير المؤمنين. لأنه بحسب المكتوب “ أي شركة للنور مع الظلمة” (2كو14:6).

ممنوعٌ منعًا باتًا أن يصنعوا مثل هذا الزيت لأنفسهم. لأن التقديس هو لله وحده، وهذا الأمر حقًا مقصور عليه فقط، فكيف إذن يمكن للطبيعة المخلوقة أن تقدِّس الآخرين؟ إن الطبيعة المخلوقة لا تهب القداسة لذاتها ولكن باشتراكها بالطبيعة السماوية، فمن اللائق إذن أن يتجه المرء إلى هذه الطبيعة إذ يقول لنا الرسول: ” لأنه من يُميزك وأي شيء لك لم تأخذه” (1كو7:4).

وبما أن يوحنا يقول عن الابن الوحيد ” ومن ملئه نحن جميعا أخذنا” (يو16:1)، و” لأنه ليس بكيل يعطي الله الروح” (يو34:3)، وبما أنه هو نفسه حقًا مصدر القداسة، فإنه يمنح الروح بأيدي ممدودة إلى المستحقين ويقدس الخليقة العقلية.

ومع أنه يقول: “على جسد إنسان لا يسكب” إلاَّ أنه أمر بأنه يجب أن يُمسح الكل بواسطة هارون والعاملين معه.

وبالتالي فالجنس المقدس هو فوق الإنسان (الطبيعي) لأنه يشارك المسيح الذي يتفوق على الخليقة. لذلك يقودنا إلى امتياز أسمى من الطبيعة (المخلوقة) ويفصلنا عن الأرضيات، ويكتبنا في السماوات. لأنه يقول “وأما انتم فلا تُدعَوا سيدي لان معلمكم واحد المسيح وانتم جميعا أخوة. ولا تدعوا لكم أبًا على الأرض لان أباكم واحد الذي في السماوات” (مت23: 8 ـ 9).

إن التساهل في عرض أسرار الإيمان التي تتناسب فقط مع القديسين لأولئك الذين هم غير مؤمنين، أمرٌ لا يخلو من المخاطر؛ لأنه لن يتقدس أولئك الدنسين الذين يبقون في قذارتهم، بل فقط أولئك الذين قد تطهروا فعلاً بواسطة المعمودية المقدسة.

بلاديوس: هذا حقيقي.

كيرلس: بنفس الطريقة والقول، حدَّدَ أن يُصنع البخور قائلا: ” وقال الرب لموسى خذ لك أعطارًا ميعةً وأظفارًا وقنةً عطرةً ولبانًا نقيًا تكون أجزاء متساوية. فتصنعها بخورًا عطرًا صنعة العطار مملحًا نقيًا مقدسًا. وتسحق منه ناعمًا وتجعل منه قدام الشهادة في خيمة الاجتماع حيث اجتمع بك قدس أقداس يكون عندكم. والبخور الذي تصنعه على مقاديره لا تصنعوا لأنفسكم يكون عندك مقدسًا للرب. كل من صنع مثله ليشمه يقطع من شعبه“(خر30: 34ـ38). فهنا أيضًا يعلن لنا الكلام عن البخور، أن كل ما ينتمي إلى الطبيعة التي هي أسمى من كل الطبائع لا يشترك في جوهره أيٌ من المخلوقات. فالخليقة ليس لديها شيء مشترك مع الخالق والرب، وذلك من جهة عظمة الكرامة.

دعنا نتذكر الآن أننا قد أشرنا إلى أن المذبح الذهبي وهذا المزيج من البخور يشيران إلى المسيح، فالاثنان (المذبح والبخور) يعلنان لنا عمانوئيل نفسه. إذن طالما أن البخور يشير إلى المسيح (لأن رائحته ليس لها مثيل)، فلن نصنع لذواتنا بخورًا مثل هذا البخور. بمعنى أننا لن نقبل إطلاقًا أحدًا في مكان المسيح أيًا كان، مثل اليهود التعساء الذين إذ قبلوا ابن المعصية، سيدركون أنهم صنعوا لذواتهم بخورًا مثل تلك الرائحة التي للإله الحقيقي الذي أظهر لنا رائحة معرفته في ابنه[1]، والذي به نفوح نحن، لا كأن هذا البخور من ذواتنا، لكن باعتبارنا مشاركين للبخور الحقيقي وممسوحين كلنا بنعمة الروح القدس، مرتفعين بالتعليم الحسن في المسيح.

بلاديوس: إذن لقد صُوَّر لنا سر المخلص.بكل شيء موجود في الخيمة المقدسة.

 

كيرلس: بل وأكثر من هذا، فلسوف تمتلئ بالدهشة، إذا علمت أن هؤلاء الفنيين الذين صنعوا الخيمة المقدسة يرمزون أيضًا إلى المسيح.

بلاديوس: كيف ذلك؟ إنني لا أستطيع أن أدرك هذا الأمر.

كيرلس: مكتوب: ” وكلم الرب موسى قائلاً: انظر قد دعوت بصلئيل بن أوُري بن حور من سبط يهوذا باسمه وملأته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة. لاختراع مخترعات ليعمل في الذهب والفضة والنحاس. ونقش حجارة للترصيع ونجارة الخشب ليعمل في كل صنعة. وها أنا قد جعلت معه أهوليآب بن أخيساماك من سبط دان وفي قلب كل حكيم القلب جعلت حكمة ليصنعوا كل ما أمرتك” (خر31: 1ـ6). لاحظ كيف يشرف بصلئيل على الأعمال وكيف ينفذ أهوليآب الأعمال.

بلاديوس: ماذا يعني هذا؟

كيرلس: سوف تعرف. يهوذا ودان كانا ابنان ليعقوب، لكن الواحد من الحرة ليئة والآخر من العبدة بِلهَة (انظر تك3:30)، إن بصلئيل هو مثال واضح للمسيح الذي ظهر لنا بالجسد من سبط يهوذا وبطبيعته الحرة حقًا، أي الطبيعة الإلهية الفائقة. أما أهوليآب فيشير إلى الرسل العاملين مع المسيح والإنجيليين والذين ينحدرون من أورشليم والذين هم عبيد. لأنه كان يوجد عاملون مع المسيح الذين كابدوا وتمموا كل ما هو مطلوب لتأسيس الكنائس المقدسة. لقد ساهم كل الفاهمين بدراساتهم وفنهم في أعمال الخيمة معطين صورة للمعلمين الذين كانت عنايتهم واهتمامهم أن يعملوا أعمال الله وكل ما يسهم في فائدة كنيسة المسيح.

[1] إن البخور الذي طلب الله من موسى أن يصنعه، هو قدس أقداسٍ للرب، ولذلك أمر الرب ألاَّ يصنعوا منه لأنفسهم بنفس المقادير؛ لأنه مخصص لعبادة الرب في الخيمة. فإذا صنع أحد لنفسه بخورًا بنفس المقادير يكون قد رفض عمل الرب وارتضى لنفسه بخورًا آخرًا أي عبادةً أخرى. وهنا لا يقصد القديس كيرلس أن رائحة هذا البخور هي مثل رائحة البخور الغريبة، ولكن يقصد أنهم اتخذوا لهم بخورًا آخر على غرار بخور العبادة الحقيقية وهو ليس كذلك. ولذلك إذا فاحت رائحة البخور من المؤمنين، فهي ليست من ذواتهم، ولكنها رائحة الإله الحقيقي.

 

المقالة9 ج5 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

Exit mobile version