Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

المقالة9 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة9 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة9 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة التاسعة

“الخيمة المقدسة”

“كانت مثالاً لكنيسة المسيح”

 

بلاديوس: إذن يُستنتج من ذلك أن المذبح الذهبي هو أيضًا صورة للمسيح.

كيرلس: ليس ذلك فقط، ولكن أيضًا نستطيع أن نفهمه هو نفسه كبخورٍ عَطرٍ. لأن رئيس الكهنة نفسه يقول: ” يوقد عليه هارون بخورا عطرا كل صباح” (خر30: 7). والبخورُ عَطِرٌ، أي مكونٌ من بخورٍ وعِطرٍ؛ لأن الله الكلمة صار جسدًا، واتحد اللاهوت بالناسوت بطريقة سرية في شخص عمانوئيل. وكان البخور رقيقًَا أي لم يكن على غلاظة (مادية) العبادة الناموسية. لأنه يقول: ” بذبيحة وتقدمة لم تُسَر. أذني فتحت. محرقة وذبيحة خطية لم تطلب. حينئذ قُلت هاأنذا جئت. بدرج الكتاب مكتوب عني. أن افعل مشيئتك يا إلهي سررت” (مز40: 6ـ8). وما هي إرادة الآب؟ هو نفسه (أي المسيح) يعلمنا إياها سريًا في الأناجيل قائلاً: ” لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني. وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أُتلف منه شيئا بل أقيمه في اليوم الأخير. لان هذه مشيئة الذي أرسلني أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يو6: 38–40). أما وقد قدم المسيح ذاته لأجلنا تقدمةً ذكيةً حقًا، لذلك كان هو رئيسُ الكهنة.

وهكذا فإن، هذا هو رئيس الكهنة، هذا هو البخور العَطِرُ والرفيع. وسوف يؤكد ذلك بولس قائلاً:” ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويُظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان. لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة” (2كو2: 14ـ16)، ولذلك قال أيضًا: ” فكونوا متمثلين بالله كأولاد أحباء. واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضًا وأسلم نفسه لأجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة” (أف5: 1ـ2).

والناموس يحدد أيضًا بوضوح وقت رفع البخور، مشرِّعًا أن يصير كل شيء بنظام ولياقة. لأنه يقول: ” كل صباح ومساء حين يصلح السُرُج يوقده” (خر7:30س). “المساء والصباح”، أي الاستمرارية بدون انقطاع، بينما “حين يصلح السُرُج” يقدمون بخورًا يشير بوضوح أنه عندما ينير لنا النور الإلهي عندئذ بالضبط نفيض بالغنى من رائحة المسيح الذكية، عندئذ نشعر بأن الخيرات الموجودة في داخل الخيمة، تشير إلى خيرات نوال المواهب الإلهية التي يمنحها المسيح للمستحقين.

وهكذا، مَن لم يوجد بعد داخل النور بواسطة الإيمان، هو على أية حال غير مشارك للرائحة العقلية الذكية، طالما لم يعرف بعد سر المسيح. لأنه يقول ” إن لم تؤمنوا فلا تفهموا” (إش9:7س). لأن الإيمان هو وسيلة مناسبة تقود إلى الفهم، وهو يفتح العقل إلى قبول النور الإلهي.

وعندما يصف عملية إيقاد البخور بكلمة “دائمًا”: ” بخورًا دائمًا أمام الرب” (خر30: 8)، فهو يعني أنه لا توجد لحظة لا يفوح المسيح فيها برائحته الذكية في الخيمة المقدسة، أي في الكنيسة.

ممنوعٌ تمامًا أن يوجد فوقه، أي فوق مذبح المسيح (في العهد الجديد)، سكيبٌ أو تقدمة ذبيحة. لأنه بالمسيح أُبطلت فرائض الناموس، والظلال وصلت إلى نهايتها. هذا ما يشير إليه عدم إصعاد محرقة أو تقدمةً أو سكيبًا فوق مذبح البخور. وهو ما يؤكده النبي قائلاً: ” انقطعت التقدمة والسكيب عن بيت الرب. ناحت الكهنة خدام الرب” (يؤ1: 9). أي أنه طالما ظهر السجود والعبادة بالروح والحق، صارت الظلال نافلة، وعبادة النماذج صارت بلا فائدة تمامًا. لأنه بالمسيح صارت هناك خليقة جديدة.

بعد مجيء الحق، كل الذين يطلبون برّهم في الناموس يفقدون النعمة. لأنه يقول: ” لا تصعدوا عليه بخورًا غريبًا” (خر30: 9).

وبالتالي، فإننا لن نقبل بجانب المسيح آخرًا مطلقًا. لن نقول لآخر يا معلم. لأن واحدًا فقط هو معلمٌ لنا، وواحدًا فقط هو من ندعوه قائلين ” اسمك دهن مهراق. لذلك أحبتك العذارى. أجذبني وراءك فنجري. أدخلني الملك إلى حجاله. نبتهج ونفرح بك. نذكر حبك أكثر من الخمر. بالحق يحبونك” (نش1: 3ـ4).

ربما لا يعني بكل هذا قوله ” لا تصعدوا عليه بخورًا غريبًا” (خر 30: 9). ولكن داخل الكنيسة، فإن رائحة المسيح الذكية كافية لأولئك الذين يتصرفون باستقامة ولا يشتهون أية رائحة غريبة. وبالعكس من ذلك، فإن اليهود التعساء الذين أساءوا بغبائهم إلى البخور العطر أي المسيح، ظلوا غير مشاركين للرائحة المقدسة والإلهية، وسيقبلون واحدًا آخرًا، ابن الهلاك ” المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا حتى أنه يجلس في هيكل الله مظهرًا نفسه أنه إله” (2تس2: 4)، الذي يلوث الخيمة الإلهية؛ لأنه دخان غريب ورائحة شيطانية. لأنه مكتوب “ الذي مجيئه بعمل الشيطان” (2تس2: 9).

بلاديوس: أدرك ما تقوله لأن حديثك واضح جدًا.

كيرلس: لقد أمر هارون أن تصير الكفارة فوق مذبح البخور مرةً واحدةً في السنة ماسحًا بدم الكفارة قرون المذبح لأنه يقول:” هو قدس أقداس” (خر30: 10). وهذا ما سوف يوضحه بولس العظيم قائلاً: “وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد أي الذي ليس من هذه الخليقة. وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبديًا” (عب9: 11ـ12) لأنه كما قال أيضًا هو نفسه:” عالمين أن المسيح بعدما أقيم من الأموات لا يموت أيضًا، لا يسود عليه الموت بعد. لان الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة والحياة التي يحياها فيحياها لله” (رو6: 9ـ10). حسنًا. إذن، كان هارون يدخل مرة واحدة في السنة إلى قدس الأقداس بدم الكفارة. ويجب أن نلاحظ أيضا أن المسيح رش دم صليبه الذي هو صليب الخلاص والحياة للجميع. لأن القرون هي مثال الصليب والتي كانت تمتد هنا وهناك مثل الأيدي، ودخول هارون مرة واحدة في السنة يشير إلى موت المسيح مرة واحدة، الذي هو قدوس القديسين كإله بطبيعته. لأن يوحنا كان صادقًا بالتأكيد حين قال: “ومن مِلئه نحن جميعًا أخذنا” (يو16:1). حيث إن كل الخليقة غير المنظورة والمنظورة تشترك في المسيح. لأن الملائكة أيضًا ورؤساء الملائكة وكل المخلوقات الروحية التي هي فائقة عن الملائكة ـ مثل الساروفيم أنفسهم ـ ليس لها قداسةٌ من آخرٍ، سوى المسيح فقط بنعمة الروح القدس.

إذن، هذا هو المذبح، هذا هو البخور ورئيس الكهنة، أيضًا هذا هو دم تطهير الخطايا.

بلاديوس: أوافقك إذ تتحدث بالصواب. لكن ماذا يعني بالضبط دم تطهير الخطايا، لا أستطيع أن أفهم ذلك بوضوح.

كيرلس: لقد صوَّر الناموس التطهير بواسطة دم المسيح الذبيح القدوس، الذي بواسطته قد خلُصنا هاربين من الدنس المسكوب داخلنا بسبب الخطية، صور هذا التطهير قائلاً الآتي في سفر اللاويين: “وإن سها كل جماعة إسرائيل وأُخفي أمر عن أعين المجمع وعملوا واحدة من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها وأثموا. ثم عرفت الخطية التي أخطأوا بها يقرب المجمع ثورًا ابن بقر ذبيحة خطية يأتون به إلى قدام خيمة الاجتماع. ويضع شيوخ الجماعة أيديهم على رأس الثور أمام الرب ويذبح الثور أمام الرب. ويدخل الكاهن الممسوح من دم الثور إلى خيمة الاجتماع. ويغمس الكاهن إصبعه في الدم وينضح سبع مرات أمام الرب لدى الحجاب. ويجعل من الدم على قرون المذبح الذي أمام الرب في خيمة الاجتماع” (لا 4: 13 ـ 18).

سوف نتحدث عن هذه الأمور بالتفصيل في الوقت المناسب. لكن لاحظ أن عمانوئيل ذُبح أيضًا لأجلنا مثلما ذُبِحَ الثور، خلَّصنا من العقاب داخلاً إلى الخيمة العظيمة والكاملة، ليس بدم تيوس وعجول، لكن بدم نفسه حيث ذاق الموت مرةً واحدة، لأنه فوق خشبة الصليب من فتحة جنبه خرج دم وماء. وكما قلنا سابقًا القرون هي مثال للصليب.

بلاديوس: تتحدث جيدًا.

كيرلس: ولكن الناموس يأمر ـ بطريقة رمزية ـ أن يصير التطهير ليس فقط بالدم، لكن بالماء المقدس. لأن هذه الطريقة هي الأكمل وفق سر المسيح.

بلاديوس: كيف أظهر لنا ذلك وبأية طريقة؟

 

كيرلس: مكتوب الآتي: “وكلم الرب موسى قائلاً: وتصنع مرحضةً من نحاس وقاعدتها من نحاس للاغتسال وتجعلها بين خيمة الاجتماع والمذبح وتجعل فيها ماء. فيغسل هارون وبنوه أيديهم وأرجلهم منها. عند دخولهم إلى خيمة الاجتماع يغسلون بماء لئلا يموتوا أو عند اقترابهم إلى المذبح للخدمة ليوقدوا وقودا للرب. يغسلون أيدهم وأرجلهم لئلا يموتوا ويكون لهم فريضة أبدية له ولنسله في أجيالهم” (خر 30: 18 ـ 21).

واضحٌ جدًا أن هذه الأقوال تشير إلى نعمة المعمودية. أي أننا نعتمد ليس لإزالة الأوساخ الجسدية، لكن لنتخلص من أدناس الذهن والقلب، ولكي نغتسل من أوساخ خطايانا بنعمة ومحبة ذاك الذي دعانا إلى الخلاص. لأننا قد تبررنا ليس بأعمال الناموس ـ وفق الكتب المقدسة ـ لكن بالإيمان بيسوع المسيح.

ولعلك تلاحظ كيف أن هارون بالرغم من أنه كان مقدسًا وفقًا للناموس، وكذلك أيضًا الذين كانوا معينين ليخدموا معه، إلاَّ أنه يجب عليهم أن يغسلوا أيديهم وأرجلهم بالماء، وهكذا يتممون أعمالهم المقدسة، ويدخلون إلى قدس الأقداس وهم أحرارٌ من المخاوف، معلنًا الناموس بذلك إن مَن يقف أمام الله ما يزال دنسًا حتى ولو كان معتبرًا أنه مقدس وفقًا للناموس، وذلك إن لم يغتسل بالماء. والطاهر لا يحتاج إلى تطهير ولكن بالحري غير الطاهر والمملوء بالأدناس. هو الذي يحتاج للتطهير، والمسيح قال مثل هذا الأمر: ” الذي قد أغتسل ليس له حاجة إلاَّ إلى غسل رجليه بل هو طاهر كله” (يو10:13). لكن بولس الحكيم يقول: ” إنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع الخطايا” (عب4:10).

إذن الناموس هو غير كامل من جهة التقديس، إن لم ينل المتعطشون للاتحاد بالله نعمة المعمودية الخلاصية، لذلك فإن يوحنا العظيم (أي المعمدان) بالرغم من أنه تزين بمفاخر عظيمة وعرف جيدًا السلوك في طريق الفضيلة، حتى أنه وصل إلى قمتها ـ توسل ليعتمد من المخلص قائلاً: ” أنا محتاج أن أعتمد منك” (مت14:3).

بلاديوس: هذا حقيقي

كيرلس: الآن، الأيدي والأرجل المغسولة، تشير إلى الطهارة، كما تعلن أصالة العمل والمسيرة تجاه هذه الأمور كلٍ على حدة. وعندما نفعل هذا، يُسمح لنا بأن ندخل إلى الخيمة الداخلية ونقدم إلى الله ذبائح روحية، ونقدم ـ كنوع من البخور ـ رائحة حياتنا الإنجيلية. وهذا كله يعطى بالتأكيد إعلانًا مفيدًا عن أن الذين يريدون أن يدخلوا إلى قدس الأقداس ويقوموا بالأعمال المقدسة يجب أن يغتسلوا حتى لا يموتوا. فإنه لأمر خطير للغاية أن يتقدم المرء أمام الله دون تطهير. لذلك ينصحنا بولس الحكيم، إذا أردنا أن ننال البركة السرية[1]، علينا أن نفحص ذواتنا وهكذا ندخل. لأن اللامبالاة من جهة هذا الأمر (التطهير) يجعل الوقوف أمام الله أمرًا مملوءًا بالخطر، وهو ما يعلنه لنا قائلا: “ من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون. لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حكم علينا. ولكن إذ قد حكم علينا نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم” (1كو11: 30ـ32).

بلاديوس: يمكننا إذن أن نستنتج أن المرحضة المقدسة تصوّر لنا نعمة المعمودية المقدسة.

كيرلس: بالفعل هي هكذا، ولا ينبغي أن تشك في هذا الأمر على الإطلاق. وعليك الآن أن تلاحظ طريقة صنع المرحضة، ولسوف يدهشك هذا كثيرًا. لأنه مكتوب عن بصلئيل الذي صنع كل ما تحتويه الخيمة الآتي: “ووضع المرحضة بين خيمة الاجتماع والمذبح وجعل فيها ماء للاغتسال. ليغسل منها موسى وهارون وبنوه أيديهم وأرجلهم. عند دخولهم إلى خيمة الاجتماع وعند اقترابهم إلى المذبح يغسلون كما أمر الرب موسى” (خر 40: 30ـ32).

بلاديوس: إذن ماذا عن المرايات، ومن هن النساء اللواتي صُمن[2]؟

كيرلس: هناك حوادث كثيرة يرويها لنا الكتاب المقدس بغموض، إذ يعلنها هكذا باقتضاب مثل هذا الحدث. حسنًا، أين أو مَن هن اللاتي قد صمن؟ لم يقل لنا موسى. لكن كون أن هذا الأمر قد حدث، فهذا لا يشكك فيه أحدٌ. لأن الكتاب قد ذكره بالرغم من أنه ذكره بغير وضوح. فلنترك إذن هذا الأمر ونأتي إلى أمر آخر.

بلاديوس: أي أمر تقصد؟

كيرلس: ما هو النموذج أو المثال الذي تقدمه هؤلاء النساء اللواتي صُمن؟ وماذا يعني صنع المرحاض النحاس من المرايا؟

بلاديوس: عليك أن تخبرني عن هذا الأمر، فهو من واجباتك.

كيرلس: اسمع إذن. لقد عبد الإسرائيليون الأصنام عندما كانوا تحت نير المصريين، وقد مرَّت سنين عديدة وهم يحيون بتلك النواميس وكانت توجد عادة للمصريين، وللنساء أن يأتوا إلى المقدسات وهم لابسين ملبس كتان ماسكين بوقار مرآه في اليد اليُسرى وجرس في اليد اليمنى. هكذا فالنساء من الجنس الإسرائيلي اللاتي وجدن بقايا العبادة المصرية من ضمن أوانيهُن، أحضرن هذه المرايات لكي يقدمنها، وهذه المرايات أُعيد تصنيعها واستخدمت في المرحضة. وهكذا، عندما أُقيمت الخيمة المقدسة أقام البعض منهن أمام أبواب الخيمة، وكن صائمات وعشن كل حياتهن نقيات.

هذا الأمر يشير إلى ما يحدث الآن، حيث ظهرت الخيمة الحقيقية، أي الكنيسة التي بناها الرب وليس إنسان كما كتب بولس العظيم. لقد آن الأوان لأولئك الذين كانوا مكرسين لتمجيد حشد الشياطين أن يتغيروا إلى أوانٍ مقدسةٍ مناسبة لقبول المعمودية المقدسة حتى يستطيعوا أن يتزينوا بفضائلهم التي تفوق تلك التي للناموس. لأن هذا ما تعنيه صناعة المرحضة النحاسية من المرايا اليونانية أي من جوهرة شيطانية، تلك المرحضة التي كان يوجد فيها الماء الذي غَسل به موسى نفسه، وكانت مفيدة لكهنوت الناموس للاغتسال، وواضح أنه يشير للاغتسال الذهني. ألا تتفق معي يا بلاديوس على أن الذين قد ضلّوا وعبدوا الشياطين هم أواني شيطانية؟

بلاديوس: لا أستطيع أن أقول غير ذلك.

كيرلس: إذن صامت النساء عند أبواب الخيمة المقدسة، وهن بذلك يمثلن إشارة جميلة وحكيمة، فالذين خلصوا بقوة المسيح عليهم أن لا يسرعوا بتقدمات مادية إلى الكنائس، لكن عليهم بالحري أن يهتموا بالإمساك أو الانضباط الذي هو إماتة الجسد كتقدمة روحية لله، لأنه مكتوب “ فأطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حيّة مقدسّة مرضيّة عند الله عبادتكم العقلية” (رو1:12)، وأيضا يقول: “مجدوا الله في أجسادكم” (1كو20:6).

إذن، فهؤلاء اللواتي صمن أثناء إقامة الخيمة المقدسة يمثلن صورة النفوس التي لا تسلك بالوصايا الموسوية، بل تلك التي تقدم بالفعل الحياة الروحية والإنجيلية، ويدوسون اللذات الأرضية بلا تردد مصوبين وجوههم نحو الجمال الإلهي الخالد، لأنهم لا يطيقون تحمل سهام محبة الجسد المكروهة والدنسة. أليست هذه طريقة الحياة بالنسبة لنا نحن الذين قد دُعينا إلى قداسة المسيح والنقاوة الروحية؟

بلاديوس: هذه هي بالتأكيد.

كيرلس: فلنكتفِ الآن بما قلناه عن الأواني المقدسة. لكن دعنا ـ إذا أردت ـ أن نفحص الخيمة نفسها، ما هو وضعها وصناعتها؟

إن الشروع في هذا العمل هو فوق إمكانياتنا، لكن ـ بحسب رأييّ ـ لا يوجد أي ضرر إذا استعرضنا كل الآراء والشواهد وبحثناها من كل جانب للاستفادة، وبقدر ما نستطيع، نحاول أن نفهم كل ما هو فوق إدراكنا.

بلاديوس: تتحدث بالصواب.

كيرلس: لو أراد المرء أن يشرح هذه الأمور بالتفصيل، لطال الحديث عن كل أمر وتعددت جوانبه. ولكن علينا أن نعرف أن بعض الأواني تقترب في فهمها الروحي من المعاني والأقوال السرية، والبعض الآخر قد صُنعت لمجرد الزينة وخدمة الخيمة. لذلك سوف أتحدث بكلام قليل مختصر.

حسنًا. يقول الكتاب: “وأما المسكن فتصنعه من عشر شقق بوص مبروم واسمانجوني وأرجوان وقرمز بكروبيم صنعة حائك حاذق تصنعها طول الشقة الواحدة ثمان وعشرون ذراعا وعرض الشقة الواحدة أربع اذرع قياسا واحدا لجميع الشقق تكون خمس من الشقق بعضها موصول ببعض وخمس شقق بعضها موصول ببعض” (خر 26: 1 ـ 3).

إذن، عشرةٌ هي الشقق ومتصلة بعضها ببعض بشدة. لأنه في بيت الآب توجد منازل كثيرة، وهدف كل الذين يسكنون فيها هو هدف واحدٌ مقدس، وواحدةٌ هي معرفة الله. لأنه وفق المكتوب “ الله قد دعانا في السلام” (1كو15:7).

ويمكنك أن تقبل ـ إذا أردت ـ وتعتقد أن العشر شقق هي جميع الكنائس ـ المنتشرة في كل العالم – رُبطت معًا بشدة في واحد، وذلك من خلال وحدة الإيمان بالمسيح. لأنه يوجد للكل ” رب واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة” (أف5:4).

عرض الشُقة الواحدة هو أربعة أذرع، بينما طولها ثمان وعشرون ذراعًا. الرمزُ دقيقٌ وعجيب، لكني أعتقد أنه يُظهر أن العيش بالناموس بالنسبة للكنيسة، صعبٌ جدًا لأن الحرفَ مظلمٌ. إذ أن تربية الناموس ـ بمرور الزمن ـ وصلت إلى نهايتها في سر المسيح، أي في اليوم الثامن الذي حدثت فيه قيامة المسيح. لأن غاية الناموس والأنبياء هو المسيح الذي إليه صرخ داود العظيم ” أمَّا وصيتك فواسعة جدًا” (مز119: 96). وبولس العظيم يكتب لأولئك الذين فضَّلوا العبادة الناموسية عن الإيمان بالمسيح قائلاً: ” فمنا مفتوح إليكم أيها الكورنثيون قلبنا متسع. لستم متضيقين فينا بل متضيقين في أحشائكم. فجزاء لذلك أقول كما لأولادي كونوا أنتم أيضا متسعين. لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين لأنه أية خلطة للبر والإثم وأية شركة للنور مع الظلمة” (2كو6: 11ـ14).

هل أدركت أن المرء الذي يريد أن يرتبط باليهود الذين أظهروا عدم إيمان، ومازالوا يتحدثون عن ضرورة التزام حرف الناموس بعد الإيمان بالمسيح يجعل القلوب تتنافر؟

بلاديوس: نعم أدركت هذا.

 

[1] على الأرجح يقصد القديس كيرلس “بالبركة السرية” نوال الجسد والدم من الإفخارستيا، كما يتضح من الاقتباس الذي يستشهد به بعد ذلك من رسالة كورنثوس الأولى11.

[2] إشارة إلى خروج 38: 8 ” وصنع المرحضة من نحاس وقاعدتها من نحاس. من مراءي (مرايات) وفي السبعينية ” مرايا النساء اللواتي صمن عند أبواب خيمة الشهادة “. المتجندات اللواتي تجندن عند باب خيمة الاجتماع”. وتفسير هذا أن النساء المتجندات المذكورات في النص المترجم عن العبرية، كن يقضين عند باب خيمة الاجتماع وهن صائمات، وهذا ما يذكره النص في النسخة السبعينية التي يستعملها القديس كيرلس في هذا الشرح (انظر خر26:38س).

 

المقالة9 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

Exit mobile version