Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

المقالة8 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – ق. صموئيل وهبه

المقالة8 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – ق. صموئيل وهبه

المقالة8 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – ق. صموئيل وهبه

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة الثامنة

“موضوعات أخرى عن المحبة نحو الإخوة وعن الذي يسرق ثور أو شاه”

 

بلاديوس: نعم، لكن كيف يشير هذا العام السابع إلى حضور مخلّصنا والذي فيه يكون الصفح للكل، وينال الجميع البر الكامل؟

كيرلس: ألا تذكر ما قلناه قبل ذلك، أن الكتاب المقدس اعتاد أن يشبه زماننا الحاضر كله بأسبوع ونهاية هذا الأسبوع هو السبت واليوم التالي له مباشرةً هو الثامن، وهو الذي يحمل لنا بداية عصر جديد بقيامة المسيح.

بلاديوس: نعم أتذكر هذا.

كيرلس: لقد جاء المسيح في نهاية هذا العصر حسب الكتب، أي أنه جاء في السبت، وهو قد منح الغفران لكل الذين كانوا مقيدين بسلاسل خطاياهم، وكانوا مديونين بسبب تعدياتهم، لهذا فالإنجيل يشبههم بالمديونين بقوله: ” كان لمُداين مديونان على الواحد خمسمائة دينار وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعًا. فقل. أيهما يكون أكثر حُبًا له” (لو41:7ـ42). وأكثر من هذا أعطانا مثالاً بقوله: ” فصلوا أنتم هكذا. أبانا الذي في السموات. ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” (مت9:6ـ12). فالناموس قد أعلن لنا السر الإلهي بطريقة غير مباشرة وخفية، إذ أمرنا أن نمنح العفو كل سبعة سنين، وهكذا وضعنا في طريق الصلاح إذ يعلّمنا أن محبتنا لإخوتنا هي أفضل من المال، ويحثنا أن نغدق بسخاء على اخوتنا، وأن نكون محسنين وهو بطريقة ما يحدد الإحسان إلى أخينا وجارنا كنموذج للمحبة العظيمة التي تتسع لجميع الناس.

بلاديوس: هذا صحيح وأنت تهتم بذِكر الأمور الحسنة.

كيرلس: وأنت سوف تدهش يا بلاديوس إذا عرفت ما هو أعظم.

بلاديوس: وما هو هذا؟

كيرلس: الناموس يريدنا أن نتقدم إلى مستوى الصلاح ومحبة الآخر لدرجة أن نعتبر أنه لا شيء يعادل المحبة لإخوتنا. وأن نشاركهم بإخلاص في آلامهم، إلى الدرجة التي فيها ننتصر على غضبنا في حالة عدم سلوكهم كما يجب من نحونا، أو في حالة إحزانهم لنا بسبب نقص محبتهم لنا. وأعطيك المثال لهذا الأمر من سفر العدد، إذ يقول: ” وأرسل موسى رسلاً من قادش إلى ملك أدوم. هكذا يقول أخوك إسرائيل قد عرفت كل المشقة التي أصابتنا. إن آباءنا انحدروا إلى مصر وأقمنا في مصر أيامًا كثيرة وأساء المصريون إلينا وإلى آباءنا فصرخنا إلى الرب فسمع صوتنا وأرسل ملاكًا وأخرجنا من مصر وها نحن في قادش مدينة في طرف تخومك. دعنا نمر في أرضك. لا نمر في حقل ولا في كرم ولا نشرب ماء بئر. في طريق الملك نمشي لا نميل يمينًا ولا يسارًا حتى نتجاوز تخومك. فقال له أدوم لا تمر بي لئلا أخرج للقائك بالسيف. فقال له بنو إسرائيل. في السكة نصعد وإذا شربنا أنا ومواشيَّ من مائك أدفع ثمنه. لا شيء. أمر برجلي فقط. فقال لا تمر. وخرج أدوم للقائه بشعب غفير وبيد شديدة. وأبي أدوم أن يسمح لإسرائيل بالمرور في تخومه فتحول إسرائيل عنه” (عد14:20ـ21), أترى أنه كيف أن المنحدرين من نسل إسرائيل وهم كثيرون جدًا، وهم يصفون المشقات التي قابلوها في مصر ومضايقة الطغاة لهم، وهم يطلبون خدمة بريئة من أناس من نفس جنسهم؟ لأن الأدوميين كانوا من نسل عيسو أخو يعقوب لكن الأدوميين بدلاً من أن يظهروا شفقة للإسرائيليين، ويسمحون لهم بما هو ضروري ونافع لهم، فإنهم أظهروا مما حدث منهم أنهم كانوا فاسدين وقساة ولا يشاركون في آلام اخوتهم، وهكذا أغلقوا الطريق عليهم رغم أن الشعب لن يضر أي شيء من كرومهم أو حقولهم بل حتى الماء الذي يأخذونه سوف يدفعون ثمنه. وهكذا رفض الأدوميون ما طلبه الإسرائيليون وأخذوا في الحال يتسلحون، واصطفوا أمامهم بكل جيشهم. وماذا فعل الإسرائيليون أمام هذه الموقف؟ لقد ظهر أنهم أرقى من أولئك الأشرار القساة إذ يقول الكتاب “فتحول إسرائيل عنه” أي غيّروا الطريق، متجنبين المشاجرة مع الاخوة محترمين بذلك ناموس القرابة بتسامح كبير. أم تظن أن الأمر ليس هكذا؟

بلاديوس: أظن أنه هكذا.

كيرلس: إذًا فإننا نعتبر أن المحبة نحو اخوتنا تجعلنا نوقف السخط وأن يضبط الواحد منا غضبه وأن يقيس العقوبة بما يناسب العصيان، بل ويجب أن تصير أحكامنا مستقيمة وطاهرة تمامًا من نحو كل واحد. هذا كله ثمرة المحبة بحق.

بلاديوس: هذا الأمر صحيح تمامًا.

كيرلس: أيضًا من السهل أن تقتنع ـ إذا أردت ـ بكل ما قاله سابقًا: ” لا تنتقم ولا تحقد على أبناء شعبك بل تحب قريبك كنفسك. أنا الرب” (لا18:19) وأيضًا ” إذا كانت خصومة بين أناس وتقدموا إلى القضاء ليقضي القضاة بينهم فليبرروا البار ويحكموا على المذنب. فإن كان المذنب مستوجب الضرب يطرحه القاضي ويجلدونه أمامه على قدر ذنبه بالعدد. أربعين يجلده لا يزد لئلا إذا زاد في جلده على هذه ضربات كثيرة يُحتقر أخوك في عينيك” (تث1:25ـ3).

بلاديوس: وكيف نستطيع أن نفهم الوصية بأن نحكم على المذنبين بأربعين جلدة فقط؟ وكيف أن أكثر من هذا العدد يسبب بالأكثر أمورًا مؤسفة؟

كيرلس: سر المسيح نجد له تصويرًا حسنًا بواسطة الوصية القديمة، ونجد فيها إشارة إلى الآلام الخلاصية التي بها تحررنا من الشيطان الذي كان يستطيع أن يفعل بنا الشر، ويُلقينا في مصائب كثيرة. وكما قلت من قبل إن العتق من الديون بعد سبعة سنين يشير إلى زمن الصفح عن كل شيء لأننا قد تبررنا بنعمة المسيح وتعلمنا أن نقول في صلواتنا إلى إلهنا وأبينا السماوي: ” واغفر لنا ذنوبنا” (مت12:6). هكذا هنا أيضًا فإن الضربات الأربعين التي يُجلد بها المذنبون تشير إلى الزمن الذي كنا ننتظره بشوق، أي زمن حضور الوحيد الجنس بالجسد الذي فيه شُفينا بآلامه. وهذا (الوحيد الجنس) ظهر بالجسد من أجل ضعف خطايانا. فعندما اندفع الإسرائيليون ضده كسكارى بعد ذلك جلده بيلاطس على ظهره، أما نحن فقد نجونا من العقاب. لأنه قديمًا كانت الضربات التي يُضرب بها الخاطئ كثيرة كما يقول الكتاب ” كثيرة هي نكبات الشرير” (مز10:32). ولكن المسيح قَبِل الجلد لأجلنا كما أنه مات من أجل الجميع. وعندما جُلد المسيح بسياط وقد كان نائبًا عن الكل فيما احتمله. أما عدد أربعين فإذا قسمته على خمسة يكون الناتج ثمانية، وهنا تجد إشارة إلى الزمن الخامس والزمن الثامن. فالوحيد الجنس ظهر في العالم في الزمن الخامس، وذلك بحسب ما يشير إليه المثل الإنجيلي الذي فيه أجر صاحب الكرم فعلة ليعملوا في كرمه خمس مرات؛ إذ خرج في الساعة الأولى، وفي الثالثة، وفي السادسة، وفي التاسعة، وفي الحادية عشر (انظر مت1:20ـ16). أما الزمن الثامن فهذا يشير إلى قيامة الرب في اليوم الثامن مُبطلاً سلطان الموت، وأيضًا أبطل الخطية التي هي سبب الفساد الذي دخل إلينا. وإذا أُبطلت الخطية فيكون من الحتمي أن تُلغى الجلدات والعقوبات المترتبة عليها. إذًا فالناموس لا يسمح أن تتعدى الجلدات أربعين واحدة، أي إلى وقت مجيء المسيح، وهو الذي أوقف الضربات وأعلن زمن الفصح (أي العبور إلى الحياة). أي أن أمثلة الحقيقة تختص بأمور جيدة. ويجب أن تعرف أنه بسبب اصطدام الإسرائيليين بإرادة الله، فإنهم ضلوا في البرية أربعين سنة، لأن الله قال إنه سوف يدعهم يدخلون أرض الميعاد. وقد حدث هذا بسبب غضب الله عليهم، لكن غضب الله زال بعد ذلك، وعبر أولادهم الأردن، ودخلوا إلى الأرض قبل أن يصل الغضب إلى نهاية الأربعين سنة. وهذه كانت إشارة واضحة عن أن الضربات لا تتجاوز الأربعين.

          فالوقت الحاضر هو وقت الصفح والذي أشار إليه الكتاب قديمًا بعبور الأردن، وبالسكاكين الحجرية التي ختن بها يشوع الشعب والتي تشير إلى الختان الروحي الذي أتمه المسيح والذي صار قائدًا لنا ورئيسًا بدلاً من موسى والناموس.

بلاديوس: الآن قد أقنعتني.

كيرلس: ولكي تتلاشى الاختلافات باستقامة ونزاهة ولكي تختفي طرق التسلط القهرى يقول الناموس: ” قضاة وعرفاء تجعل لك في جميع أبوابك التي يعطيك الرب إلهك حسب أسباطك فيقضون للشعب قضاء عادلاً… ولا تأخذ رشوة لأن الرشوة تعمى أعين الحكماء وتعوج كلام الصديقين” (تث18:16ـ19). أي أن الناموس رأي أنه يجب على الذين يُعينون للقضاء أن يكونوا أسمى من الأموال، كما أنهم لا يجب أن يُحرجوا من أي شخص، ويمنحوا العفو مخالفين للناموس على حساب الاستقامة والنزاهة أي أن يرفضوا المحاباة لأنها أمر ردئ وأن يقيسوا كل شيء بحسب الناموس وأن يتمثلوا بديان الجميع الذي أشار إليه الناموس مسبقًا بوضوح أي المسيح الإله وديان الجميع.

          وبعد ذلك يقول ما يلي: “متى أتيت إلى الأرض التي يعطيك الرب إلهك وامتلكتها وسكنت فيها فإن قلت أجعل علىّ ملكًا كجميع الأمم الذين حولي. فإنك تجعل عليك ملكًا الذي يختاره الرب إلهك. من وسط إخوتك تجعل عليك ملكًا. لا يحل لك أن تجعل عليك رجلاً أجنبيًا ليس هو أخاك” (تث14:17ـ15). يجب علينا ـ إذًا ـ طالما قد رفضنا أن نعبد المخلوقات بدلاً من الله خالقنا، أن نحني رؤوسنا لكلمات الحق، وكما في أرض مقدسة أي أرض الله، أن ندعو في داخلنا بالمسيح والإيمان به وهو الابن وُلد من الله، وأن نقيمه في داخلنا رئيسًا وديانًا رغم تنازله ليصير إنسانًا مثلنا. وهو الذي تنبأ عنه المزمور قائلاً: ” أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي” (مز6:2ـ7). وسوف لا نقبل أحدًا آخر سواه، وسوف لا نُحني أعناقنا لنير الأمم، لأن رئيسنا واحد هو المسيح. فاليهود التعساء ظلوا خارجًا بسبب عدم إيمانهم به ولم يقبلوا المسيح كرئيس وديان، أو بالرغم أنه نزل من السماء بإرادة الله الآب، إلاّ أنه أقاموا إنسانًا غريبًا كرئيس عليهم. أي ضد المسيح، وهو ليس فقط من سبط آخر ومن جنس آخر بل أنه حتى ليس من دم إسرائيل رغم أن ناموسهم قد حرّم ذلك بوضوح بقوله ” لا يحل لك أن تجعل رجلاً أجنبيًا ليس هو آخاك” (تث15:17). وقد سمعوا المسيح نفسه يقول ” أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلوني..” (يو43:5). إذًا المسيح ظهر في العالم لمجد الله الآب. أما “ابن الهلاك” فسوف يأتي في وقته ليس لمجد الآب فهذا ما أعتقد أنه معنى “باسم الآب” بل سوف يصنع ذلك الشقي “اسم الألوهية” خاتمًا به على رأسه كما يقول الرسول: ” سوف يجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنه إله” (2تس4:2). واليهود تجاهلوا المكتوب قديمًا في الناموس وقبلوا شخصًا ما أجنبيًا عن إسرائيل،وهكذا رفضوا أن يسجدوا للمسيح، ولم يقبلوه على أنه المسيا الذي من اخوتهم، إذ أن الناموس أعلن مسبقًا وبوضح أن المسيح سوف يأتي من دم إسرائيل.

بلاديوس: لذلك سوف ينالون من ثمر طريقهم الذي اتبعوه (انظر أم31:1). وسينالون العقوبة المناسبة لعدم تبصرهم الردئ.

كيرلس: هذا صحيح، لأن الله الذي يدين الكل سوف يجازي كل واحد بحسب أعماله. وهذه الأمور التي قلناها تجعل حديثنا في هذا الأمر كافيًا. والناموس يقول لهؤلاء الذين يجلسون على منصة القضاء ” لا تقبل خبرًا كاذبًا” (خر1:23). ويُكمل قائلاً: ” لا تتبع الكثيرين إلى فعل الشر..” (خر2:23). وهذا معناه أنه لا يجوز قبول أي كذب أو وشاية ثم يقول أيضًا ” لا تُحرّف حق فقيرك في دعواه. ابتعد عن كلام الكذب. ولا تقتل البريء والبار. لأني لا أبرر المذنب” (خر6:23ـ7). لأنه يجب أن تكون الأسباب واضحة بالنسبة للذين يعملون في القضاء، كما أنه من الضروري جدًا أن من يحكم برأي في أي تهمة ينبغي أن يتكلم باستقامة حسب إرادة المشرّع. كما يضيف أيضًا للمنفعة ” لا تحابِ مع المسكين في دعواه” (خر3:23). لأنه من السهل جدًا أن القضاة حينما يرون الجانبين الظالم والمظلوم، فإذا كان المظلوم فقيرًا، فإن القضاة يميلون عادةً إلى ظلم الإنسان الذي ظلمه. وأحيانًا يحدث أن الإنسان الفقير لا يقول الحق لكنه يريد أن يستثير الشفقة عند القضاة. لهذا يمنع الناموس القضاة من أن يظلموا، ومن أن يُشفقوا على الفقراء بدون حكمة. وبذلك فإن الناموس يحفظ الحق دون أن يتشوه إذ يعين في كل مكان قاضيًا يقضي بالعدل، إذ يقول ” العدل العدل تتبع لكي تحيا وتمتلك الأرض التي يعطيك الرب إلهك” (تث20:16). ووفقًا لكل ما سبق فمن يخالف الناموس حتى لو كانت مخالفته تبدو له أمرًا حسنًا، فإنه يوصف بأنه مخطئ وذلك بحسب المكتوب: ” قد يكون بار يبيد في بره وقد يكون شرير يطول في شره” (جا15:7). إذًا فالصلاح يحتاج إلى تمييز، لأن الشفقة في غير وقتها تجلب على الإنسان تهمة التعدي على الناموس.

          وهكذا أيضًا فإن اللذين يُضبطون بسبب ارتكابهم خطايا عادية فإن الناموس يُصلحهم بضربات الجلد. ولاحظ كيف أن هذه العقوبة تعبر عن إذلال، ولا تتعجب لأن هؤلاء جميعًا كانوا تحت العبودية. أما ناموس المسيح فلا يُقر بالضربات مثل الناموس القديم. ففي العهد الجديد توجد قوانين تتناسب مع الأحرار وهي عطايا مبهجة ومستحبة وتعطي خيرات روحية عن طريق وعود وتطويبات تناسب الأعمال الروحية الباهرة. وتوجد نصائح وإرشادات تقود إلى الفضيلة، لأن موسى أُرسل كخادم مثل أولئك الخدام القُدماء (الأنبياء)، بينما المسيح فهو ابن حقيقي وقد أُرسل وأتى من الله الآب كابن إلى أبناء وإلى اخوة بحسب نعمة التبني.

بلاديوس: هذا صحيح تمامًا.

 

المقالة8 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – ق. صموئيل وهبه

Exit mobile version