المقالة8 ج5 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – ق. صموئيل وهبه
السجود والعبادة بالروح والحق
تابع المقالة الثامنة
“موضوعات أخرى عن المحبة نحو الإخوة وعن الذي يسرق ثور أو شاه”
كيرلس: أما بالنسبة للقاتل، فإن الناموس يعاقبه بالموت أي بنفس الفعل الذي فعله لكي يُلجم الوقاحة غير المنضبطة والغضب الشديد بعقوبة شديدة. والذين يسيرون في الشر بتطرف يعاقبهم حسب نية الجاني. فإن كان هناك تعدي على الناموس عن إرادة وقصد فلا يجوز ممارسة الرحمة في هذه الحالة، لأنه لا ينبغي أن يسمح للشفقة على الآخر أن تقوده إلى أعمال سيئة. كما لا يجوز إبداء أي رقة وحنان في أوقات غير ملائمة، فلا ينبغي أن تكون محبتنا للغير هي مجرد عواطف أو مشاعر مشابهة لعواطف امرأة سريعة التأثر. إذ يقول الناموس ” وإذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر فمن عند مذبحي تأخذه للموت” (خر14:21). لكن إذا كان الأمر أن إنسانًا ضرب إنسانًا آخر وألحق به ضررًا فإن الناموس يفرض عقوبة تتناسب مع حجم الضرر. إذ يأمر أن تنحصر العقوبة في التعويض المالي. لأنه قال ما يلي: ” وإذا تخاصم رجلان فضرب أحدهما الآخر بحجر أو بلكمة ولم يُقتل بل سقط في الفراش فإن قام وتمشى خارجًا على عكازه يكون الضارب بريئًا. إلاّ أنه يعوض عطلته وينفق على شفائه” (خر18:21ـ19). هذا هو تعليم الناموس، أما المخلّص الذي منحنا الصلاح الكامل فهو يقول ” من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضًا” (مت39:5) والناموس يُشرّع أيضًا ما يلي: ” وإذا ضرب إنسان عبده أو أمته بالعصا فمات تحت يده ينتقم منه. لكن إن بقى يومًا أو يومين لا يُنتقم منه لأنه ماله” (خر20:21ـ21).
إذًا، فإن من يغضب إلى حد الإفراط في غضبه يُنتقم منه، وحتى إذا كنا قد صرنا سادة بحسب الإمكانيات التي لنا، فهذا لا يعني أن يسمح الله لنا أن ننزع الحياة من اللذين هم تحت أيدينا وسلطتنا. لكنه يأمرنا أن نستعمل الرحمة مع الجاني إذا كان المجني عليه لم يمت، إذ يقول ” لكن إذا بقى يومًا أو يومين لا يُنتقم منه لأنه ماله ” أي كأنه يقول بطريقة أخرى: إن ما حدث لم يكن عن عمد من السيد الذي غضب وذلك إذا حدث تحسّن بدرجة ما في صحة العبد. لأن أي شخص عاقل لا يريد أن يفقد العبد الذي يملكه، والذي كان قد اشتراه بأمواله. فإذا حدث منه قتل عن غير قصد فإن الناموس يحاكمه بعقوبة الهروب المستمر، إذ يمزج هنا العقوبة بمحبته للبشر حيث لا يجعل عقوبة الجريمة التي هي عن غير قصد في نفس مستوى الجرائم التي عن عمد. لذلك أمر الناموس أن تحدد ثلاث مدن أسماها مدن الملجأ لكي يلجأ إليها كل الذين يرتكبون أخطاء غير مقصودة. بل ويحدد أيضًا زمن الصفح لهؤلاء الذين يعيشون في هذه المدن في حالة بؤس، وهو الزمن الذي يموت فيه الكاهن العظيم، إذ يكتب في سفر العدد ما يلي: ” ولكن إن دفعه بغتة بلا عداوة أو ألقى عليه أداة ما بلا تعمد أو حجرًا ما مما يُقتل به بلا رؤية أسقطه عليه فمات وهو ليس عدوًا له ولا طالبًا أذيته تقضي الجماعة بين القاتل وبين ولي الدم حسب هذه الأحكام. وتنقذ الجماعة القاتل من يد ولي الدم وترده الجماعة إلى مدينة ملجئه التي هرب إليها فيُقيم هناك إلى موت الكاهن العظيم الذي مُسح بالدهن المقدس” (عد22:35ـ25).
وبعد ذلك بقليل يقول: ” لأنه في مدينة ملجئه يقيم إلى موت الكاهن العظيم. وأما بعد موت الكاهن العظيم فيرجع القاتل إلى أرض مُلكه” (عد28:35).
بلاديوس: إذًا فإن نفيهم ينتهي بموت رئيس الكهنة الذي ذكرناه الآن.
كيرلس: هذا هو المثال والرمز الخارجي، إذ أن الظلال تخفي في داخلها سر المسيح.
بلاديوس: كيف؟
كيرلس: إنه ليس أمرًا غير متوقع أن كل الذين أُسروا بخطاياهم يُحسبون كأنهم قاتلون لنفوسهم، وأنهم انجرفوا إلى هذا الوضع السيئ بدون ارداتهم، وصاروا مخالفين لله كما يقول الكتاب ” لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته” (تك21:8). فكما أن ناموس الشهوة الجسدية غير المُلجمة قد ساد على أعضاء الجسد، هكذا فإن نفس الإنسان التعيسة، تُعاقب بالهرب من العالم ومن الجسد في منفي، كما لو كان في مدينة بعيدة. وهذا يشير إلى أقسام الأرض السُفلى أي الهاوية التي تنزل إليها النفس بالموت، كما حدث قديمًا وقضت النفوس أزمنة هناك، وعندما جاء رئيس الكهنة المسيح ومات من أجل الجميع، ونزل إلى الجحيم فإنه فتح أبوابه وحرّر النفوس من القيود، قائلاً للأسرى ” أخرجوا وللذين في الظلام اظهروا” (إش9:49).
بلاديوس: حديثك هذا واضح جدًا.
كيرلس: ولم يحاول الناموس أن يحث الأقدمين على النمو والتقدم بطريقة واضحة، بل جعلهم ينتفعون من كل الطرق بقدر الإمكان لكي يكون إنسان الله كاملاً وتامًا متأهبًا لكل عمل صالح. وهكذا فإن الناموس ينظم أيضًا العلاقات الزوجية، لتكون في وقار تام ويوضح لهم ما ينبغي أن يفعلوه لكي يعيشوا بطريقة غير ملومة أمام الله والناس، فهو طبعًا يُنهي عن النجاسة والدعارة تمامًا، كذلك يُحرّم تمامًا الفسق ومضاجعة الذكور ” ولا تجعل مع امرأة صاحبك مضجعك لزرع فتتنجس بها. ولا تعط من زرعك للإجازة لمولك لئلا تُدنس اسم اهلك. أنا الرب. ولا تُضاجع ذكرًا مضاجعة امرأة. إنه رجس” (لاو20:18ـ22). هذه الأمور من السهل جدًا لأي أحد أن يميزها ويتحقق من بشاعة الرائحة النتنة الموجودة فيها، وسوف لا يحتاج إلى جهد مضني لكي يتيقن من أن هؤلاء الذين يفعلون هكذا قد وصلوا إلى درجة بشعة من الفحشاء حتى أن الطبيعة نفسها تدينهم، لذلك فإن الناموس في سفر التثنية ” أنتم أولاد للرب إلهكم. لا تخمشوا أجسامكم ولا تجعلوا قرعة بين أعينكم لأجل ميت. لأنك شعب مقدس للرب إلهك وقد اختارك الرب لكي تكون له شعبًا خاصًا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض. لا تأكل رجسًا ما. هذه هي البهائم التي تأكلونها. البقر والضأن والمعز” (تث1:24ـ4). فهذه التي انفصلت عن الرجل لأسباب منطقية وقبلت أن تتدنس مع شخص آخر (بالإقامة معه)، فهي ليست جديرة بالثقة لتكون زوجة حقيقية لأحد، فإن هذه هي حماقة واضحة كما يقول الكتاب ” الذي يعيش مع زانية هو قليل الفهم” (أم22:18س).
فالناموس يُحرّم العيش مع امرأة زانية، كما أنه لا يسمح بالإساءة إلى سمعة الزواج الشرعي الموقر، فلا ينبغي إضفاء أي تبرير على علاقة خاطئة وكأنها علاقة شرعية لأن الكتاب يقول: ” ويل للقائلين للشر خيرًا وللخير شرًا الجاعلين الظلام نورًا والنور ظلامًا الجاعلين المر حلو والحلو مرًا” (إش20:5).
إذًا فلا يُسمح للتي طُردت من البيت أن تصير مقبولة مرة أخرى، كما لا يجوز أن تُحسب عقوبة على من لم يُدانوا بأي ذنب. وأيضًا يقول الناموس ” إذا اتخذ رجل امرأة وحين دخل عليها أبغضها ونسب إليها أسباب كلام وأشاع عنها اسمًا رديًا وقال هذه المرأة اتخذتها ولما دنوت منها لم أجد لها عذرة. يأخذ الفتاة أبوها وأمها ويخرجان علامة عُذريتها إلى شيوخ المدينة إلى الباب ويقول أبو الفتاة للشيوخ أعطيت هذا الرجل ابنتى زوجة فأبغضها. وها هو قد جعل أسباب كلام قائلاً لم أجد لبنتك عُذرة وهذه علامة عُذرة ابنتى ويبسطان الثوب أمام شيوخ المدينة. فيأخذ شيوخ تلك المدينة الرجل ويؤدبونه ويغرمونه بمئة من الفضة ويعطوها لأبي الفتاة لأنه أشاع اسمًا رديًا عن عذراء من إسرائيل. فتكون له زوجة. لا يقدر أن يُطلقها كل أيامه” (تث13:22ـ19).
وهكذا ترى أن مَن ظلم زوجته التي لم تخطئ فإن المجمع لا يتركه بدون عقاب.
يجب أن نكون غيورين لأجل الصلاح، ولا نتردد في منع الإساءة إلى الأمور الموقرة كأنها غير موقرة، بل بالحري يجب أن نهتم بكل ما هو صالح، وأن نسلك بما يليق بالاسم الحسن، لأن مَن يكون حريصًا ويقظًا يصل في النهاية إلى الهدف الذي وضعه بطريقة حسنة. وهذا ما يشير إليه الناموس عندما يصرخ: ” إذا بنيت بيتًا جديدًا فاعمل حائطًا لسطحك لئلا تجلب دمًا على بيتك إذا سقط عنه ساقط” (تث8:22). أي كما أن البيت الذي ليس له سور ولم تُضف له زوايا ثلاثة على السطح هو أمر يُسبب ضررًا، هكذا أيضًا فإن كل عمل صالح نعمله إذا لم تكمله فإنه يكون غير مقبول. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد فقط. لأن الذين يتكاسلون سوف يتعرضون لذلك الخطر. فهذا ما أعتقد أنه معنى سقوط شخص من البيت. إذ يقول: “ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة” (إر10:48). إذًا فإن الناموس يرشدنا إلى ما هو نافع لنا بآلاف الطرق. لكن رغم هذه الآلاف الكثيرة من الطرق فهي كلها تُعتبر بدائية جدًا بالمقارنة بسر المسيح. نحن نعلم طبعًا أن الناموس روحي، فكل ما يتصل بالظلال والأمثلة ليس مناسبًا أن يؤخذ كغذاء كما هو إجباريًا، لكنه سيصير غذاء حقًا إذا تحول إلى التعليم الإنجيلي وإدراك سر المسيح. وهذا ستفهمه حسنًا جدًا من موسى الحكيم، إذ يكتب في سفر اللاويين ما يلي “ومتى دخلتم الأرض وغرستم كل شجرة للطعام تحسبون ثمرها غرلتها ثلاث سنين تكون لكم غلفاء. لا يؤكل منها. وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قُدسًا لتمجيد الرب. وفي السنة الخامسة تأكلون ثمرها. لتزيد لكم غلتها. أنا الرب إلهكم” (لا23:19ـ25).
أي يبدو لي أن الناموس يشير بواسطة الأشجار الكثيرة لكل أنواع التشريع أي يعطي ناموسًا لكل مسألة. أي في كل شجرة أو كل مسألة من مسائل الناموس سوف تقطع الجزء الخشبي للحرف لكي تصل إلى قلب النبات أي تصل إلى الثمر الداخلي للناموس. وهذا الثمر الداخلي سيكون غذاءً لك. وعندما يقول ” ثلاث سنين تكون لكم غلفاء لا يؤكل منها” فإنه بالثلاث سنين يشير إلى الأزمنة الثلاث الأولى التي كان فيها الناموس غير واضح. وكان محملاً بأثقال التاريخ ومحاطًا بالظلال بطريقة ما. والأزمنة الثلاثة التي أقصدها هي: زمن موسى، زمن يشوع بن نون، زمن القضاة، أما الزمن الرابع الذي بعد هذه الأزمنة فقد ظهر فيه خورس الأنبياء القديسين. وعندئذٍ بدأ يظهر ثمر مقدس من الناموس جدير بالتمجيد. فقد بدأت منذ هؤلاء الأنبياء القديسين أن تختفي أوامر الناموس وما يقال إنها ظلال وبدأوا يكرزون بوضوح عن الحقيقة التي كانت مختفية، إذ أنبأوا عن سر حضور المسيح، والسابق له مباشرةً الذي كرز قائلاً: “ توبوا لأنه اقترب ملكوت الله” (مت2:3). إذًا فالزمن الرابع كان هو بداية الارتقاء بالناموس بواسطة الأنبياء وكان ثمر هذا الزمن مقدسًا. أما ما هو مناسب للأكل فقد ظهر في الزمن الخامس الذي فيه تحقق حضور المسيح الذي شُهد له من الناموس والأنبياء. لهذا يقول: “ولتزيد لكم مملكتها” (لا25:19) أي بواسطة العظات الإنجيلية والدراسة في الناموس لأنه إذ يُفسر بطريقة روحية فإنه ينفع المحبين للمعرفة كما قال المخلص ” كل كاتب متعلم في ملكوت السموات يشبه رجلاً رب بيت يُخرج من كنزه جددًا وعتقاء” (مت52:13). فالأمور المتعلقة بالناموس توصف بالقديمة، أما الأناجيل فتوصف بالجديدة وهي التي تقدم لنا معرفة المسيح بسخاء.