المقالة6 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
السجود والعبادة بالروح والحق
المقالة السادسة
“ينبغى أن نكرس حياتنا لذاك الذي هو وحده الإله بطبيعته، ونحبه من كل النفس والقلب.”
ينبغى أن نكرس حياتنا لذاك الذي هو وحده الإله بطبيعته،
ونحبه من كل النفس والقلب.
كيرلس: قد تحدثنا يا بلاديوس، بشكلٍ مُرضٍ، عن الشجاعة والقوة الروحية في المسيح. ولكن بحسب رأيي فإن تحقيق هذا الأمر يحتاج منا أن نعيد فحصه مرة ثانية.
بلاديوس: بالصواب تتكلم.
كيرلس: إذن دعنا، ونحن نُحدِّق بعيون ذهننا في كل الاتجاهات المحيطة بهذا الأمر وننشغل بالتحليل الدقيق لأعمالنا، أن نبحث باهتمام شديد عن الطريق الذي نسلكه حتى نصير مستنيرين. وننزع عنا كل ما يستوجب المديح. أم تظن أننى لا أفكر تفكيرًا صحيحًا إذ أريد أن أفحص كل الأمور بدقة؟
بلاديوس: تفكيرك صحيح جدًا. وكنت أريد أن أقول نفس الكلام، بأنه ينبغى أن نحث على الشجاعة ونختار تلك الأمور التي بها يصير المرء مستنيرًا ليصل مباشرةً إلى الحياة التي بلا لوم.
كيرلس: دعنا نقول إذن، إن سند كل بيت هو الأساس كما أن بداية بناء السفينة يكون من القاع، هكذا فإن معرفة الحق وكلمة الإيمان بالإله الواحد الحقيقي هي الأساس الذي يحقق ما قد اخترناه أى الشجاعة. لأنه مكتوب: ” إذا لم تفهموا فإنكم لن تآمنوا“[1]. إن لم تفهم شيئًا من الأمور الضرورية، فيجب أن نتوقف، طالما نحن لا نعرف ما هو الذي نحققه. أم أنك ستقول إن الفحص الدقيق لكل ما نفعله ليس ضروريًا لتقدمنا؟
بلاديوس: هو ضروري بلا شك.
كيرلس: حسنًا، فإن الإيمان هو غذاء الفهم، والفهم يقود إلى الفحص الدقيق للأمور التي يجب أن نفعلها. إذن عندما وضع إله الجميع للإسرائيليين ناموس موسى كمربى ومرشد وكأساس ومبدأ لا يتزعزع، فإنه قدم العربون الأول لمعرفة الإله الحقيقي. لأنه اعتبر أنه سوف لا تكون لديهم القوة لكى يصلوا إلى الحياة الكريمة والأصيلة ـ بمعنى أن يضعوا الناموس ومشّرع الأمور الحسنة لينظم حياتهم ويخضعوا لوصاياه ـ إن لم يأخذوا الإيمان بالله في ذهنهم كحائط منيع مقاومين ببسالة اللذات التي تحرض على الكسل والخمول. إذن كان ينبغى على القدماء أن يعتبروا ضلال الإيمان بتعدد الآلهة كمثل مرض للنفس ويتقوون بشدة بالإيمان بالإله الحقيقي الواحد بطبيعته. لذلك أضاء الناموس على هؤلاء قائلاً: ” أنا الرب إلهك، الذي أخرجك من أرض مصر، من بيت العبودية. لا يكن لك آلهة أخرى أمامى. لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن. لأنى أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ. وأصنع إحسانًا إلى ألوف من محبيَّ وحافظي وصاياي “[2].
أى كان ينبغى أن يخيف الله ـ بتهديدات قاسية ـ أولئك الذين ينبغى عليهم حفظ الوصية بثبات. لذلك يدعو ذاته إلهًا غيورًا، ويفتقد خطايا الآباء في أبنائهم، بالتأكيد إذا استمروا في أن يحيوا مثل أولئك الآباء وشاركوا معهم في معاصيهم السابقة. أى أننا لم نتحدث بيقين بأن خطايا الآباء تسقط فوق الذين لم يخطئوا، إذ أن الله بالتأكيد يقول: ” لا يُقتل الآباء عن الأولاد ولا يُقتل الأولاد عن الآباء. كل إنسان بخطيئته يُقتل“[3].
لكن إذا اتبع الأبناء آراء آبائهم واستمروا في عدم تقواهم السابق، فإن الغضب سوف يمتد عليهم. وإذا حدث وأنعم الله بمحبته للبشر على الآباء الأولين، ففيما بعد ينزل على الجيل الثانى أو الثالث غضبه على الجيل الدنس. إذن هو يضغط عليهم عند الحاجة لكى يخيفهم داعيًا نفسه بأنه إله غيور، لكن يعضد إيمانهم بطريقة أخرى معطيًا لهم وعدًا بأنه سيُظهر رحمته للألوف الذين يحبونه. ويضيف على هذا وصية لها علاقة بكل هذا إذ يقول: ” لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً. لأن الرب لا يُبْرئ مَن نطق باسمه باطلاً“[4]. هذا ما صنعه البعض ناسبين اسم الله إلى الأخشاب والأحجار، وهذا الذي هو فوق كل اسم أنزلوه بحماقة إلى مستوى الفنون ورسوم الأيدى البشرية. قال الله عن هذا على فم إشعياء: ” نجَّر خشبًا. مدَّ الخيط. بالمخرز يعلمه يصنعه بالأزاميل وبالدوارة يرسمه. فيصنعه كشبه رجل كجمال إنسان ليسكن في البيت. قطع لنفسه أرزًا وأخذ سنديانًا وبلوطًا واختار لنفسه من أشجار الوعر. غرس سنوبرًا والمطر ينميه. فيصير للناس للإيقاد. ويأخذ منه ويتدفأ. يشعل أيضًا ويخبز خبزًا ثم يصنع إلهًا فيسجد. قد صنعه صنمًا وخرّ له“[5].
هؤلاء استخدموا اسم الرب عبثًا. لكن ينبغى على الذين عرفوا الإله الحقيقي ولم ينخدعوا بالشراك الشيطانية، أن لا يهذوا بمفاهيم سخيفة أو يسلموا أنفسهم لثرثرة وضيعة ويستندون على أمور معاكسة وينادون بأنه ينبغى أن يعرفوا آلهة أخرى وأن هذه الآلهة موجودة فعلاً. إذ يقول الرسول: ” لأنه وإن وُجد ما يسمى آلهة كثيرون وأرباب كثيرون. لكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له. ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به“[6]. أى أننا سوف لا نحصر طبيعة الألوهية، بحسب الاعتقاد اليهودى، فقط في الله الآب، بل تمتد الألوهية إلى الثالوث القدوس في الجوهر الواحد. وبالرغم من أننا نؤمن بثلاثة أقانيم إلاّ أننا نؤمن بإله واحد لأن الجوهر واحد. وهذا الإله نعبده ونسجد له وندعوه آب وابن وروح قدس. لأنه يقول:” لا يكون لك آلهة أخـرى أمامى“[7]. وأيضًا: ” الرب إلهك تتقى إياه تعبد“[8]. لأنه واحد هو الإله الآب وواحد هو الرب الابن وواحد الروح القدس المنبثق، ونحن لا ننزع من الإله الواحد الربوبية الحقيقية. لأنه على كل حال الربوبية تصاحب الطبيعة الإلهية ومجد الألوهية يصاحب الربوبية الحقيقية.
بلاديوس: ما تقوله صحيح جدًا وحكيم جدًا.
كيرلس: إذن، يا بلاديوس، نعترف بإله واحد، ولا نعتبر فوقه أى إله آخر، مبعدين ـ بعيدًا جدًا بقدر ما تستطيع ـ نفوسنا عن الازدواجية المريضة والدنسة والتي هي حسودة ومهينة، حتى لا توبخنا الكلمة المقدسة: ” حتى متى تعرجون بين الفرقتين. إن كان الرب هو الله فاتبعوه، وإن كان البعل فاتبعوه “[9]. يجب أن نسلك في الإيمان الواحد بطريق واحد وليس بسلوكيات مختلفة ومتناقضة فاعلين ما لا يليق، مغيرين دائمًا مواقفنا. لأن تأرجح المرء بين الفريقين، بحسب رأيى، هو كفر عظيم. لذلك يعاقب الناموس القديم الإنسان الذي بلا موقف بالموت. لأنه يقول: “مَن ذبح لآلهة غير الرب وحده يهلك“[10]. فأن يتمرد المرء ضد مجد الله وكل الفضائل الإلهية التي يجب أن نتشبه بها، وأن يُقدِّم العبادة للتي هي ليست آلهة بالطبيعة لهو أسوأ مرض، أو بالأحرى لهو انحلال وفُجر الأزمنة الأخيرة. إذن مِن الضروري أن يتخلص المُحب الأصيل والحقيقي لله من هذه الأمور، وليس فقط يطهر قلبه، لكن ولسانه أيضًا فلا يتفوه وينطق اسم الصنم. لأنه مكتوب: ” ولا تذكروا اسم آلهة أخرى ولا يُسمع من فمك“[11]. لأن كل ما هو قذر لا تقوله، لأنه سوف تُصاب بأذى. ينبغى أن نتذكر بولس الطوباوى لكى نحترم ونكرّم الإيمان الأصيل، وذلك عندما قال: ” لأن الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتى وسقطوا لا يمكن تجديدهم أيضًا للتوبة“[12]. لأن هؤلاء الذين حصلوا مرة واحدة على النعمة السماوية والإلهية، وبالمعمودية المقدسة قبلوا الكلمة الحقيقية والمحيية عن القيامة وملكوت الله، إذا أرادوا أن يرجعوا إلى الحالة الأولى مسرعين إلى مرضهم السابق، سوف لا يتجددون ثانية ليتطهروا بالمعمودية: ” أفلعل عدم أمانتهم يبطل أمانة الله“[13] كما يقول بولس العظيم. ولا بسبب أن البعض رجعوا إلى الخلف واحتقروا الإيمان يجعلنا أن نحسب أن هناك عدم ثبات أو تقلُّب لدى النعمة الإلهية. لكن بالحرى ديان الجميع سيفرض عقوبات على هؤلاء الذين لم يتوقفوا عن الانزلاق في الفجور حتى أنهم داسوا ابن الله واعتبروا دم العهد دنسًا وأهانوا روح النعمة التي تقدسوا به وبفضله صاروا شركاء الطبيعة الإلهية.
وكما أن الجندى الذي يلقى سلاحه ويصير هاربًا، لا ينبغى أن يُكرم بوسام ثانى لكن يجب أن يُعاقب مباشرةً ويدفع ثمن تراجعه وجُبنه، نفس الأمر ينطبق على الذين يهينون النعمة المستحقة لكل تقدير وإعجاب. فلا يُعطى لهم شرف التجديد ثانية بعطية الروح، طالما صار نقص للأول، لكن ينبغى أن يكونوا مسئولين عن العقوبات. لأن هؤلاء الذين استنيروا مرةً يجب أن يتقدموا إلى درجة المعرفة وثبات الأفكار، حتى يعرفوا أن الله بطبيعته واحد، ويحكمون بنجاسة الذين يُدخلون شيئًا مختلفًا عن هذا، رافضين عبادة الأصنام وهم لا يعملون حسابًا بتاتًا لمقدسات اليونانيين. هذا ما سوف يقوله لنا الكتاب في سفر العدد: ” وكلّم الرب موسى في عربات موآب على أردن أريحا قائلاً كلم بنى إسرائيل وقل لهم إنكم عابرون الأردن إلى أرض كنعان. فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم وتمحون جميع تصاويرهم وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة وتخربون جميع مرتفعاتهم“[14].
هل أدركتَ أن الذين يعبرون الأردن ينبغى عليهم أن يُخرِجوا من الوسط سكان الأرض عابدى الأوثان ويمحون أصنامهم وتصاويرهم بلا تردد؟ لأنه إن انتابهم حزن على هذه الأمور المعيبة فهذا يمثل برهانًا واضحًا بأنهم لم يكونوا ثابتين تمامًا، ولا هم كرسوا قلوبهم المتحررة من الذنوب إلى الله، بالرغم من أنه قال بوضوح لغير المؤمنين والأشرار ما يلى: ” لا تسجد لآلهتهم ولا تعبدها ولا تعمل كأعمالهم. بل تبيدهم وتكسر أنصابهم. وتعبدون الرب إلهكم. فيبارك خبزك وماءك وأزيل المرض من بينكم. لا تكون مُسْقِطَةٌ ولا عاقر في أرضك. وأكمل عدد أيامك“[15].
إذن، صار واضحًا من كل هذا، أن الثابتين والمؤسَّسين بلا تزعزع والذين يقتربون من إله الجميع بعقل صحيح، وقد أعطوا برهانًا واضحًا فيما يتعلق بهذا الأمر، وبالنسبة لهؤلاء فإن إبادتهم للأصنام والمرتفعات ورفضهم للحيل البشرية التي يخترعها الذهن الفاسد، كل هذه تجلب لهم المواهب الإلهية.
بلاديوس: هذا حق.
كيرلس: إذن، لو دمََّرتَ، هكذا يقول، أعمال أيدى هؤلاء وعبدتَ الله، كارهًا تلك العادات، عندئذٍ سوف يبارك خبزك وخمرك وماءك. هذا الكلام عميق وسرى. إن البركات روحية وهي الاشتراك في أسرار المسيح ونعمة المعمودية المقدسة ستكون للذين فداهم الله.
ولكن بالنسبة للذين يحيون بازدواجية ويسلكون في العصيان، فإن مصيرهم هو الغضب والإدانة. وكيف لا يفقد المرء البركة الروحية وسط هذه المآسى؟! وهذا هو الذي قال عنه بولس: ” مَن أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرمًا في جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس“[16]. يقول إذن، إن البركة أى التناول من الأسرار المقدسة، لهؤلاء الذين هم محبين لله حقًا سوف تخلّصهم من الضعف أى الخضوع الذي تمليه عليه طبيعتهم لفعل الشر الذي يقود إلى الوضاعة. وأيضًا يقول إنه لا يوجد بينهم مريض أو امرأة عاقر. لأن كل نفس مقدسة ومحبة لله هي خصبة وحاملة للثمار المقدسة، وأقول ثانيةً، حاملة لزينات الفضيلة.
بلاديوس: هذا صحيح.
كيرلس: إذن، لم يتركنا لقلبنا المتزعزع، بل إذ يحثنا بطرق كثيرة أن نختار الثبات في الإيمان والاستقامة في التقوى. مرةً يلفت نظرنا ناحية الأفضل بكلمات مناسبة، إذ يأمرنا بأن نرفض عبادة الأصنام التي تُسبب الهلاك، مظهرًا لنا هذا المرض العِضال المملوء بالوشاية العظيمة أو بالحرى مملوء بالانحلال وعدم التقوى. ومرةً أخرى يضع فينا الخوف، أقصد خوف العقاب، كمربِّي وحارس فاضل، يشجعنا مرات كثيرة إلى كل ما يحسن في عينيه. ويقول موسى الطوباوى بالحق في سفر التثنية: “هذه هي الفرائض والأحكام التي تحفظون لتعملوها في الأرض التي أعطاك الرب إله آبائك لتمتلكها كل الأيام التي تحيون على الأرض. تخربون جميع الأماكن حيث عَبَدتَ الأمم التي ترثونها آلهتها على الجبال الشامخة وعلى التلال وتحت كل شجرة خضراء. وتهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتحرقون سواريهم بالنار وتقطعون تماثيل آلهتهم وتمحون اسمهم من ذلك المكان“[17].
الحكماء والأدباء اليونانيون، وأيضًا الشعراء يتحدثون عن آلهة الجبال والغابات التي يدعونها حوريات أو عرائس أى شياطين. وهؤلاء هم أولئك الذين اختاروا تكريم آلهتهم على المرتفعات وأقاموا مذابح على الجبال ليقدموا ذبائح من الثيران. لقد أقاموا حول الأشجار الكبيرة تماثيل ونظراء للشياطين وقدموا ذبائح من الخراف. لكن كان من الضروري على الذين يعرفون الإله الحقيقي أن يهدموا بلا خوف ألعاب البشر الذين هم في الضلال ويبتعدوا عن عاداتهم. لذلك يقول أيضًا: “متى قرض الرب إلهك من أمامك الأمم الذين أنت ذاهب إليهم لترثهم وورثتهم وسكنت أرضهم فاحترز من أن تُصاد وراءهم من بعد ما بادوا من أمامك ومن أن تسأل عن آلهتهم قائلاً كيف عبد هؤلاء الأمم آلهتهم فأنا أيضًا أفعل هكذا. لا تعمل هكذا للرب إلهك لأنهم قد عملوا لآلهتهم كل رجس لدى الرب مما يكرهه إذ أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار لآلهتهم“[18].
حسنًا جدًا حرّم المُشرِّع التشبه بأولئك الذين هم في الضلال، وأمر بالابتعاد عن الذبح الوحشى للأطفال. مظهرًا مدى فساد ودمار الآلهة الدموية والكاذبون الذين يدسون بوحشية ناموس الرحمة الطبيعية (يقصد المحبة الطبيعية للآباء نحو أطفالهم) طالما هذه هي مسرتهم. لأنه يقول: ” الله خلق كل شئ ليكون موجودًا، وتكوين العالم خلاص، وعلى الأرض لا توجد مملكة الجحيم. الموت جاء إلى العالم من حسد الشيطان“[19]. إن الإرادة الإلهية قد بدّلت الموت وأبطَلَت الفساد وهي تمقت إفناء المخلوقات، لأن الله خلق كل شئ لكى يوجد كما هو مكتوب. إنما كل الذين وقعوا في شبكة رغبات الشياطين يقدمون إلى الشيطان ـ مثل رائحة بخور حلوة وجميلة ـ الذين خُلقوا للحياة ويميتون الأشياء التي بُنِيت لكى توجد. إذن يريد أن يبين بذكاء أن تصرفاتهم كانت مملوءة من الأخطاء الكبيرة، وغيَّروا الوضع الطبيعى حتى أن تقاليد محبة الأبناء التي هي محبوبة جدًا قد داسوها بأقدامهم، وهو يُحرك ذهن السامعين الكاره للشر إلى ضرورة احترام وفحص كل ما يريده ذاك ويأمر به.
كل هذا شُرِّع قديمًا لكى يُبطل عصيانهم. لكن الله حكم بالموت على مَن يريد أن يُبطل ما سبق أن تثبَّت وقبل معرفة الحق بمحبة الله. لأنه قد قال أيضًا الآتى: ” إذا قام في وسطك نبى أو حالم حلمًا وأعطاك آية أو أعجوبة ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلاً لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها وتعبدها فلا تسمع لكلام ذلك النبى أو الحالم ذلك الحلم لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكى يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم. وراء الرب إلهكم تسيرون وإياه تعبدون وبه تلتصقون. وذلك النبى أو الحاكم لك الحكم يُقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم“[20].
كم مقدس هذا الناموس ولائق بالله! لأن، إذا كان هؤلاء الذين يقتلون الجسد يجب أن يكون الموت جزاؤهم وفق النواميس، فكم لا يخاطر هذا الذي يسبب الضلال المهلك ويرمى النفس في أهوال الهلاك، تلك النفس التي هي أغلى من الجسد بحسب قول المخلّص؟ لقد حكم الله بعدل، بعقاب الموت للمضل والوقح. نفس الجزاء قرره على ذو العقل الطائش الذي سقط بسهولة، وانقاد خلف هؤلاء الناس. لأنه، بينما هو يستطيع تجنب هذا بسهولة مقبلاً إلى الحق، لماذا ـ بدلاً من هذا ـ يلجأ بإرادته إلى الشر؟ ” إذا وُجد في وسطك في أحد أبوابك التي يعطيك الرب إلهك رجل أو إمرأة يفعل شرًا في عينى الرب إلهك بتجاوز عهده ويذهب ويعبد آلهة أخرى ويسجد لها أو للشمس أو للقمر أو لكل من جند السماء. الشىء الذي لم أوصِ به. وأُخبِرتَ وسمعتَ وفحصتَ جيدًا وإذا الأمر صحيح أكيد قد عُمِلَ ذلك الرْجسُ في إسرائيل فأَخْرِج ذلك الرجل أو تلك المرأة الذي فعل ذلك الأمر الشرير إلى أبوابك الرجل أو المرأة وارجمه بالحجارة حتى يموت. على فم شاهدين أو ثلاثة يُقْتَلُ الذي يُقْتَلُ. لا يُقتل على فم شاهد واحد. أيدى الشهود تكون عليه أولاً لقتله ثم أيدى جميع الشعب أخيرًا فتنزع الشر من وسطك“[21]. عندما يتعدى المرء على الله من جهة التقوى والاحترام في شخصه، أليس من الخطر أن تُظهر رحمة لهذا الذي يفعل هذا الشر؟. كونك تُظهر محبة غير نقية تمامًا تجاه الله هو أمر ضار جدًا. وهذا هو الذي قال عنه الرب: “مَن أحب أبًا أو أمًا أكثر منى فلا يستحقُّنى“[22]. فليذهب بسلام ناموس الحنان، ولتنطفيء قوة المحبة الطبيعية وكل شئ يشدنا ناحية محبة البشر، وليُعبد الله بتقوى صارمة. أم تظن أن الذين يخرجون عن العهد بدون سبب لا ينبغى أن يُعاقبوا بدون رحمة، إذ انهم لا يكفون عن إهانة الله الذي كان ينبغى بالأحرى أن يشكروه بيقين ثابت؟
[1] إش9:7.
[2] خر2:20ـ6.
[3] تث16:24.
[4] خر7:20.
[5] إش13:44ـ20.
[6] 1كو5:8ـ6.
[7] خر3:20.
[8] تث20:10.
[9] 1مل21:18.
[10] خر20:22.
[11] خر13:23.
[12] عب4:6ـ6.
[13] رو3:3.
[14] عد50:33ـ52.
[15] خر24:23ـ26.
[16] 1كو27:11ـ28.
[17] تث1:12ـ3.
[18] تث29:12ـ31.
[19] حكمة سليمان14:1.
[20] تث1:13ـ5.
[21] تث2:17ـ7.
[22] مت37:10.