آبائياتأبحاث

المقالة5 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة5 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة5 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة5 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة5 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

المقالة الخامسة

الشجاعة التي بالمسيح

 

كيرلس: إن الهدف الذي وضعه القديسون لأنفسهم يا بلاديوس، هو أنهم جاهدوا من أجل حياة الآخرين، لأنهم لم يريدوا لأنفسهم أي شيء من أمور هذا العالم.

هكذا استطاعوا أن يكونوا حكماء وأقوياء، مملوءين بالرجاء الصالح. ومُسلحين جيدًا بالرضا السماوي. وكما تعرف جيدًا أيها الصديق أن هذه الأمور لم يكن لها أن تصير بعكس ذلك. فقد كان لهم الفكر الذي هزم صعوبات هذا العالم والشهوات الحاضرة، وواجهوها باستقامة وهزموا الأعداء بسهولة، وأيضًا بسهولة كبيرة جدًا انتصروا على مقاوميهم، لأن الله قد زلزل أولاً قوة أولئك المقاومين. لكن لو أن التلاميذ القديسين قد أسرتهم ـ هم أيضًا ـ الشهوات العالمية وحاصرتهم الرغبات الأرضية، لكانوا قد صاروا مجردين من العون السمائي، ولكانوا صيدًا سهلاً لأعدائهم كالمطُاردين وكالمقبوض عليهم بسهولة.

بلاديوس: وهل يمكن تأكيد ما قلناه؟ أريد أن أعرف ذلك بوضوح.

كيرلس: تستطيع أن تعرف من الكتاب المقدس الذي يؤكد هذه الأمور بأسلوب مفيد من خلال ما حدث للأقدمين. فإن هذه الأمور كُتبت لأجل إرشادنا كما قال القديس بولس[1].

بلاديوس: اعترف أن كل ما تذكره الكتب المقدسة يبعث فينا فائدة ليست بالقليلة. لأن تلك الظلال إنما كانت مثالاً للحقيقة.

كيرلس: إذن فلنتقدم في الحديث. عندما عبر الإسرائيليون نهر الأردن وهاجموا أريحا وتبعوا الوصايا الإلهية، حاولوا أن يحتلوها بالحصار، وفي نيتهم أن ينتصروا على الفور، إذ أننا نقرأ: ” فدعا يشوع بن نون الكهنة وقال لهم: احملوا تابوت العهد وليحمل سبعة كهنة أبواق هتاف أمام تابوت الرب. وقالوا للشعب اجتازوا ودوروا دائرة المدينة وليجتز المتجرد أمام تابوت الرب[2].

          وأيضًا عندما يوصي المسيح على فم قادة الشعب، فإننا ننتصر على الأعداء، لأن معركتنا ليست مع لحم ودم، بل مع الرؤساء والسلاطين، ومع الناموس الذي يحارب بقسوة في أعضاء الجسد. سنأتي أمام الله لابسين الدرع الإلهي ” لأن أسلحتنا ليست جسدية ” وفقًا لما قاله القديس بولس[3].

          وبناءً على هذا، فالله رب الجميع، يلاحظ المحاربين وهم لا بسين الحلل المنيرة التي للحياة الفاضلة، أي أن المحاربين يتقدمون أمام المسيح، وهم مُسلحون. وهذا أمر نافع جدًا، وبالحق نحن نتمنى أن نأتي أمام الله. إنه من الممكن أن يفرض الله عقابًا على أولئك الذين يسببون الألم، بسبب انحرافهم، إذ يستر وجهه عنهم كما هو مكتوب ” فحين تبسطون أيديكم استر عينى عنكم [4].

          ولأن الحصار امتد لليوم السابع، قال يشوع بن نون للإسرائيليين: ” اهتفوا لأن الرب قد أعطاكم المدينة. فتكون المدينة وكل ما فيها محرمًا للرب. راحاب الزانية فقط تحيا هي وكل من معها في البيت لأنها خبأت المرسلين اللذين أرسلناهما. أما أنتم فاحترزوا من الحرام لئلا تُحرموا وتأخذوا من الحرام وتجعلوا محلة إسرائيل محرمة وتكدروها. وكل الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد تكون قدسًا للرب وتدخل في خزانة الرب[5].

          أي أنه سُمح للشجعان أن يتمتعوا بالغنائم الأخرى، لكنه يقول إنه يجب أن يُنقل ويُوضع في خزانة الرب كل شئ مصنوع من فضة وذهب ونحاس وحديد، هذا هو الذي يُقال عنه إنه مُحرم، وهذا هو الذي عُزل عن كل شئ وخُصص لله. فإن ” عخان بن كرمى بن زبدى بن زارح من سبط يهوذا ـ لم يعطِ أي أهمية للوصية ـ فأخذ من الحرام فحمى غضب الرب على إسرائيل[6]. واعتقد أنه يجب على كل من يقاوم الشهوات العالمية ومغريات الحياة، ويعيش بحسب ما يريد الله، أن يتقدم بأسلحة البر ويتقابل فعلاً مع المسيح، وألاّ يشتهي شيئًا من هذا العالم، لا غنى ولا مجد ولا سلطة ولا امتيازات، ولا أي شئ من تعاليم الحكمة اليونانية الباطلة. والفضة تشير إلى بريق الرتب والامتيازات، والذهب يرمز للغنى، والنحاس يشير إلى فصاحة هذا العالم، والحديد يشير إلى القوة والسلطة، لأنه صلب جدًا ويحتمل أكثر من أي معدن آخر.

          وبناءً على هذا، لو أراد المرء أن يغتصب شيئًا، حتى ولو كان له مكانة متميزة، وهو من المحاربين وكان متفوقًا في شجاعته الروحية، ولكن لأنه عصى الله واختار أن يثير أحزان أقرانه ومعاونيه بانحرافات مريضة، فإن هذا سيؤدى به للغضب الإلهي.

بلاديوس: تكلمت بالحق، وأنا متفق معك. لكن أخبرني عن هذا، ولننتقل بحديثك من الوضع التاريخي. لماذا لم يستبعد الرب من الخيمة الفضة والذهب والنحاس والحديد، كأشياء لا فائدة منها، وعادة ما تثير التلوث؟. وإذ أن رؤيتنا الروحية دائمًا تُظهر أن هذه الأشياء تسبب تعطيل للمسيرة الروحية.

كيرلس: لأنه يا بلاديوس كل البهاء والحكمة والغني والقوة تُنسب بالحق لله، لأن الله هو الذي له المجد، وكل الإكرام والغني والحكمة والقوة. فلو أخذ أحد من الله واغتنى منه، أي أخذ غنى ومجدًا وفهمًا وقوةً، سيكون معروفًا ويصير مثالاً للآخرين. لأنه لو أراد أن يأخذ هذه الأمور من العالم، سيصير بشعًا ومكروهًا من الله الذي يكرّم الفضيلة، وسيُحاسب يوم الدينونة. لأنه على كل حال، فإن الغنى الأرضي تصاحبه الشهوات الجسدية، والبريق والتميز عن الآخرين يصاحبه الغرور. ومع السلطة يكون الطمع، ومع الحكمة العالمية تكون التعاليم المُضلة. حتى ولو كانت اللغة التي يتكلم بها (هذا الحكيم) لغة مُبهجة. ولذلك يقول الرسول بولس  ” إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلاً لكي يصير حكيمًا. لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله[7].

          إذن فعخان الذي لم يأخذ من كنز المسيح، كواحد من هذا العالم، أي كواحد من أريحا، فإنه بتصرفه هذا قد عصى الله. والضرر الذي يحدث من وراء كل هذا، هو أن الغضب الإلهي لا ينحصر فقط في الشخص المُدان، لكن بتصرفه (الخاطئ) أساء للشعب كله. ولأن الإسرائيليين فقدوا المعونة الإلهية، صاروا متوانين وجبناء، وهم الذين كان من الصعب جدًا أن يُهزموا في الماضي.

بلاديوس: بأي الطرق وأين نستطيع أن نعرف أن هذا الكلام هو كلام حقيقي؟.

كيرلس: من المكتوب فيما بعد. فبعد كل هذا البريق وهذه البطولات في أريحا من قبل الإسرائيليين جميعًا، أرسل يشوع بعض رجال من أريحا إلى عاي، وكلمهم قائلاً: ” اصعدوا تجسسوا الأرض. فصعد الرجال وتجسسوا عاي. ثم رجعوا إلى يشوع وقالوا له: لا يصعد كل الشعب بل يصعد نحو ألفي رجل أو ثلاث آلاف رجل ويضربوا عأي. لا تكلف كل الشعب إلى هناك لأنهم قليلون. فصعد من الشعب إلى هناك نحو ثلاثة آلاف رجل وهربوا أمام أهل عاي. فضرب منهم أهل عاي نحو ستة وثلاثين رجلاً ولحقوهم من أمام الباب إلى شيباريم، وضربوهم في المنحدر. فذاب قلب الشعب وصار مثل الماء[8]. هؤلاء الذين حاصروا مدنًا وغنموا بلادًا، وبدون مشقة هزموا أكثر الشعوب صلابة، انهزموا من محاربين لا ذكر لهم في عاي، فهربوا بعد أن ضُرب منهم كثيرون. في البداية لم يشأ كل المحاربين أن يأخذوا معهم أسلحة، وقالوا إنه من السهل وبعدد قليل أن يحتلوا المدينة، إذ نقرأ ” لا يصعد كل الشعب بل يصعد نحو ألفي رجل“. أمام هذا البلية غير المتوقعة وهذه النكبة غير المنتظمة، حزن يشوع جدًا ومزق ثيابه وسقط على وجهه إلى الأرض أمام تابوت الرب، وسأل الله وهو منكسر ماذا تعني هذه البلية؟ قال له الرب ” قم لماذا أنت ساقط على وجهك؟ قد أخطأ إسرائيل، بل تعدوا عهدي الذي أمرتهم به بل أخذوا من الحرام بل سرقوا بل أنكروا. بل وضعوا في أمتعتهم، فلم يتمكن بنو إسرائيل للثبوت أمام أعدائهم. يديرون قفاهم أمام أعدائهم، لأنهم محرمون ولا أعود أكون معكم إن لم تبيدوا الحرام من وسطكم[9]. وعندما أشاروا إلى عخان، قال يشوع لعخان: ” يا ابني أعط الآن مجدًا للرب إله إسرائيل واعترف له واخبرني الآن. ماذا عملت؟ لا تُخفِ عني. فأجاب عخان يشوع وقال حقًا إني قد أخطأت إلى الرب إله إسرائيل وصنعت كذا وكذا. رأيت في الغنيمة رداءً شنعاريًا نفيسًا ومئتي شاقل فضة ولسان ذهب وزنه خمسون شاقلاً فاشتهيتها وأخذتها. وها هي مطمورة في الأرض في وسط خيمتي والفضة تحتها[10]. هكذا تفهم أن السارق نفسه يقول رأيت بين الغنائم رداءً شنعاريًا نفيسًا متعدد الألوان ومائتي شاقل فضة ولسان ذهب وزنه خمسون شاقل، هذه هي التي سيطرت على عقله، أي أنه اشتهاها وهو لم يكن يحق له. وهذا الرداء الشنعاري هو الزى العسكرى وهو ثمين جدًا، ويقولون إنه الزى الذي يُنسج من خيوط مختلفة الألوان، وهو يرمز للجشع. فالعسكريون كلما يأخذوا أكثر فأكثر ترافقهم الفرحة على الدوام. والفضة ترمز للبريق العالمي، واللسان (الذهب) يرمز للحكمة اليونانية البراقة. شئ مثل هذا، هو لغة وثقافة الحكماء اليونانيين، فهي بمعنى ما، مثل الذهب وتمثل شيئًا ثمينًا جدًا، بسبب بريق الكلمة. عندما اكتُشفت الخطية، وضع يشوع على عخان عقابًا، لأنه لم يظلم نفسه فقط، لكن الضرر امتد إلى كل الإسرائيليين بسبب شهوته الجامحة. هذا ما يعلنه الرسول بولس بكل التأكيد والوضوح وبشكل تام: ” اعزلوا الخبيث من وسطكم. ألستم تعلمون أن خميرة صغيرة تخمر العجين كله[11]. ألم يبدو هذا الأمر بكل وضوح أولاً بالحديث عن إبراهيم، إن مجد الشجاعة يظل خالدًا في القديسين ويتبعه إمكانية الانتصار السهل على الأعداء، إذ أنهم تجنبوا اقتناء أي شئ من أمور هذا العالم. ثم بعد ذلك، بالحديث عن عخان عندما حدث العكس، إذ أنه ابتعد عن الطريق المستقيم وانحصر في الأمور العالمية.

بلاديوس: حديثك واضح جدًا

كيرلس: لأنه يجب على القديسين أن يظهروا على الدوام بنفس منهج الحياة، وألاّ يتغيروا في تصرفهم. هذا ما يوضحه الناموس بكلام نقي: ” لا يكن متاع رجل على امرأة ولا يلبس رجل ثوب امرأة. لأن كل من يعمل ذلك مكروه لدى الرب إلهك[12]. هو شئ مقزز ومشهد بشع جدًا أن تعرض نماذج للبطولة من خلال حياة مترفة. وهذا يعنى متاع رجل على امرأة ورغبة التنعم من رجل قوى، نفس الشيء أن يرتدى أحد ثوب امرأة.

بلاديوس: ما الذي تريد أن تقوله؟

كيرلس: أليس النفاق شيئًا خطأ، غير مقبول أمام الله والناس؟

بلاديوس: هذه حقيقة.

كيرلس: إذن لو أن هناك شخصًا محبًا للشهوة وفاسد ويظهر هذا من أعماله، ثم يتباهي بهذه الأخلاق الزائفة، هل ستمتدحه يا بلاديوس؟

بلاديوس: بالتأكيد لا.

كيرلس: وماذا أيضًا عن الأخلاق الحقيقية والأخلاق العالمية؟ ألا تعتقد أنه يجب على المرء أن يكون ثابتًا على نفس الرأي على الدوام؟ وألاّ يظهر بشكل مختلف عما هو عليه؟

بلاديوس: أوافق.

كيرلس: وعليه لا يمكن أبدًا لأناس لديهم فكر الترف والنعومة أن يحل هذا محل مجد الرجولة. وهذا هو معنى المكتوب: ” لا يكن متاع رجل على امرأة“. ولا أن تظهر القوة الحقيقية في التنعم، لأن هذا هو معنى ” ولا يلبس رجل ثوب امرأة“. لأن الخطأ واحد في الحالتين وهو الدناءة واحتقار الفضيلة.

بلاديوس: الترف كما هو واضح يمثل خطرًا، والأمر لا يخلو من ضرر.

كيرلس: لا تخف مطلقًا. لأن الخطية مُزدراه جدًا ويبغضها الله. وأنا أعتقد أنه يجب على القوي الحقيقي والشجاع ألاّ يترك ذهنه ينشغل بلا وعي بالأمور العالمية، وأن يحفظه بعيدًا عن كل خوف وجمود، ويستند على إيمان بلا لوم أمام الله، لأنه يقول: ” أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني[13]. وأن نتجنب كل شئ يثير الخطية، ونبدو أننا غير مُختبرين أمام الله من جهة الفكر، ونظهر أننا نفضل الأمور الأرضية. ومكتوب أيضًا في سفر التثنية: ” إذا خرجت للحرب على عدوك ورأيت خيلاً ومراكب قومًا أكثر منك فلا تخف منهم لأن معك الرب إلهك الذي أصعدك من أرض مصر. وعندما تقربون من الحرب يتقدم الكاهن ويخاطب الشعب، ويقول لهم اسمع يا إسرائيل. أنتم قربتم اليوم من الحرب على أعدائكم. لا تضعف قلوبكم. لا تخافوا ولا ترتعدوا ولا ترهبوا وجوههم. لأن الرب إلهكم سائر معكم لكي يحارب عنكم أعداءكم ليخلصكم. ثم يخاطب العرفاء الشعب قائلين: من هو الرجل الذي بنى بيتًا جديدًا ولم يدشنه. ليذهب ويرجع إلى بيته لئلا يموت في الحرب فيدشنه رجل آخر. ومن هو الرجل الذي غرس كرمًا ولم يبتكره. ليذهب ويرجع إلى بيته لئلا يموت في الحرب فيبتكره رجل آخر. ومن هو الرجل الذي خطب امرأة ولم يأخذها. ليذهب ويرجع إلى بيته لئلا يموت في الحرب فيأخذها رجل آخر. ثم يعود العرفاء يخاطبون الشعب ويقولون من هو الرجل الخائف والضعيف القلب. ليذهب ويرجع إلى بيته لئلا تذوب قلوب إخوته مثل قلبه[14].

بلاديوس: وأنا أيضًا أقول لتكن لنا شجاعة أمام الله، ويجب أن نميز الفضائل، وأن نندفع بشجاعة نحو كل صلاح. لكن أن يُطرد البعض من الحرب كأُناس غير مناسبين، فأنا لا أستطيع أن أفهم كيف وبأي طريقة يتم هذا؟

1 أنظر رو3:15.

2 يش6:6ـ7

3 2كو4:10.

4 إش15:1.

5 يش16:16ـ19.

6 يش1:7.

7 1كو18:3ـ19.

8 يش2:7ـ5.

9 يش10:7ـ12.

10 يش19:7ـ21.

11 1كو6:5.

12 تث5:22.

13 في13:4.

14 تث1:20ـ8.

 

المقالة5 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيمر