من ابن الله إلى ابن الانسان تحليل – ودراسة الحاخام دانيال بويارين – ترجمة: مينا كيرلس
دانيال بويارين هو حاخام يهودي أرثودوكسي مُحافظ ومؤرخ واستاذ للثقافة التلمودية في أقسام دراسات الشرق الأدنى والخطابة في جامعة كاليفورنيا، بيركلي.
تُعتبر أفضل وسيلة لفهم شخص ما هي، اولاً: عن طريق التحدث بلغة هذا الشخص، أما ثانياً: فهي فهم طريقة تفكيره.
لذلك، لا يمكن فهم يسوع إلا عن طريق التحدث بلغته وفهم كيف كان يعيش وسط بيئته ويجب ان تكون هذه الطريقة هي الوحيدة المفيدة في دراسة يسوع التاريخ.
فلا يمكن ان يجلس شخص يتحدث العربية من شبه الجزيرة مع شخص أخر يتحدث العبرية من إسرائيل بينما تعتقد انت انهما سيتوصلان إلى اتفاق رغم اختلاف اللغة والثقافة… هذا تقريبا مستحيل الحدوث.
الآن، يدرك الجميع تقريبا أن يسوع التاريخي كان يهوديا اتبع الطرق اليهودية القديمة.1
لذلك، أفضل طريقة لمعرفة يسوع حق المعرفة هي دراسته من رؤية يهودية. هناك أيضا اعتراف متزايد بأن الأناجيل نفسها وحتى رسائل بولس هي جزء لا يتجزأ من دين شعب إسرائيل في القرن الأول الميلادي. ما هو أقل إدراكا هو إلى أي مدى كانت الأفكار المحيطة بما نسميه الكريستولوجيا، قصة يسوع كمسيا إلهي بشري، جزءا [إن لم يكن جزءا لا يتجزأ] من التنوع اليهودي في هذا الوقت. الأناجيل نفسها، عندما تُقرأ في سياق النصوص اليهودية الأخرى في عصرهم، تكشف عن هذا التنوع المعقد للغاية والمتعلق بالمتغيرات الأخرى ل “اليهودية” في ذلك الوقت.
من خلال طمس الحدود بين “اليهود” و”المسيحيين”، فإننا نوضح الوضع التاريخي وتطور “اليهودية” والمسيحية المبكرة. يمكننا أن نفهم بشكل أفضل أهمية وثائقنا التاريخية، بما في ذلك الأناجيل، عندما نتخيل حالة تعكس بشكل أكثر ملاءمة الوضع الاجتماعي على أرض الواقع في ذلك الوقت، حالة اجتماعية يختلط فيها المؤمنون بيسوع الناصري وأولئك الذين لم يتبعوه مع بعضهم البعض بطرق مختلفة بدلا من فصلهم إلى كيانين محددين جيدا نعرفهما اليوم باليهودية والمسيحية.2
بفحص الادلة التاريخية في الاناجيل نفهم كيف كان يُرى يسوع وماذا كان يخبرنا عن نفسه.
دعا يسوع نفسه الابن في الاناجيل، وقد يبدو هذا اللقب غير واضح رغم ان كلمة “ابن” مُعرفة بالألف واللام (ال)، ربما اللقب غير واضح لنا في العصر الحالي لكن كيف كان يفهمه اليهود في زمن يسوع؟ كما نجد القاباً أخرى مثل ابن الله، دعا كاتب انجيل مرقس يسوع ب(ابن الله) في بداية الانجيل، كما دعا يسوع نفسه ب(ابن الله) في لقائه مع المولود أعمى، هل لقب (ابن الله) يشير إلى الوهية المسيح أم انها تشير إلى شخص صالح يفعل ما يمليه عليه الله؟
اما اللقب المثير للجدل هو لقب (ابن الانسان) والذي ذُكر أيضاً في انجيل مرقس عندما شفى يسوع المفلوج وقد اعترف يسوع اعترافين: انه ابن الانسان وان له سلطان على مغفرة الخطايا، فكيف فهم اليهود هذا الامر؟
أولا: لقب ابن الله
يعتقد الكثير من المسيحيين اليوم ان لقب ابن الله يشير إلى شخص الهي، لقب ابن الانسان فيشير إلى بشرية يسوع (ناسوته) لكن يذكر بويارين ان العكس هو الصحيح فيذكر أن:
سأبين أن العكس تقريبا كان هو الحال في إنجيل مرقس: “ابن الله” يشير إلى ملك إسرائيل، ملك داود الأرضي، بينما يشير “ابن الإنسان” إلى شخصية سماوية وليس إنسانا على الإطلاق.3
لقب ابن الله هو اللقب المساوي ل(المسيح) والذي يعني (الممسوح) وهو بالعبرية هاماشياخ ((Hamashiach
المساوي ل (christos) باليونانية، كما يخبرنا انجيل يوحنا صراحة “هذَا وَجَدَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَانَ، فَقَالَ لَهُ:«قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا» الَّذِي تَفْسِيرُهُ:الْمَسِيحُ.” إنجيل يوحنا ١: ٤١
و كان سبب ذلك أن الملك كان يُدعى المسيح انه كان يُمسح بالزيت حرفيا في مناسبة توليه عرش المملكة كما نجد في “فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قِنِّينَةَ الدُّهْنِ وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ: «أَلَيْسَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَسَحَكَ عَلَى مِيرَاثِهِ رَئِيسًا؟ سفر صموئيل الاول ١٠: ١
صب صموئيل الزيت على رأس شاول وبذلك فقد مسح الله شاول ملكاً على اسرائيل بواسطة صموئيل، وبهذا يكون شاول مُمثلا لإسرائيل أمام الله ويكون ملكاً على ميراثه، لذلك يُشار إلى الملك في الكتاب المقدس العبري بأسم ممسوح يهوه.
يذكر الكتاب المقدس العبري ملوك أخرين مثل داود في صموئيل الاول ١٦: ٣ وسليمان في ملوك اول ١: ٣٤ وياهو في ملوك اول ١٩: ١٦ ويوآش في ملوك ثاني ١١: ١٢ ويهوآحاز في ملوك ثاني ٢٣: ٣٠
أما القول القائل بأن المسيا في الكتاب المقدس العبري يشير دائما إلى ملك تاريخي حاكم بالفعل لها أهمية خاصة عندما نفكر في الآيات التالية:
قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ، وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ… «أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي». إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. سفر المزامير ٢: ٢، ٦-٧
الله يتبنى ملك اسرائيل الممسوح كأبن له، ” اليوم ” تعني يوم تتويجك او يوم اعتلائك العرش.
اما عن هذا النص الموجود في مزمور ١١٠ والمُقتبس ايضا في مرقس ١٤: ٦٢ يساهم في فكرة “جلوس المسيح المُمجد عن يمين القوة” اما عن النص في الترجمة السبعينية والذي يقول “من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك” فيرى بويارين انه بدون الدخول في تعقيدات تفسيرها فمن الواضح ان الله يقول للملك ايضاً: “لقد ولدتك”.
خلاصة القول في هذا العرض هو أنه في وقت مبكر تم استخدام مصطلح “ابن الله” للإشارة إلى المُلك الداودي دون أي تلميحات لتجسد الإله في الملك: “سأكون لك كأب، وستكون لي كابن”. الملك في الواقع حميم جدا مع الله وشخص مقدس للغاية – ولكن ليس الله. الملك موعود لنسل داود إلى الأبد.
ثم أثناء انتقال بويارين من لقب ابن الله إلى ابن الانسان يعلق قائلا:
عندما يكتب مرقس في بداية إنجيله، “بداية إنجيل يسوع المسيح، ابن الله”، فإن ابن الله يعني المسيا البشري، مستخدما اللقب القديم لملك بيت داود. من ناحية أخرى، عندما يشير إليه مرقس في الفصل الثاني من الإنجيل على أنه “ابن الإنسان”، فإنه يشير إلى الطبيعة الإلهية للمسيح. يبدو هذا وكأنها مفارقة: اسم الله يُستخدم لطبيعة يسوع البشرية، اسم “الإنسان” لطبيعته الإلهية.4
و كأن اسلوب بويارين اليهودي في التعبير عن هذا الامر هو ما نتحدث عنه بمصطلح مسيحي وهو “تبادل الخصائص الاقنومي”، كما يبدو ان لقب ابن الانسان لا يشير إلى ان المسيح مولود من انسان فقط وانما يشير إلى معنى اعمق في الفكر اليهودي، معنى لا يستطيع الشخص العربي أن يفهمه.
ثانياً: لقب ابن الانسان
يتطرق بويارين في شرح هذه المفارقة، كيف يمكن فهم المسيح على انه الله من قبل يهود موحدين عن طريق التحدث عن قصة “ابن الانسان”…
تأتي قصة “ابن الانسان” من واحدة من الكتب الاخروية في الكتاب المقدس العبري وهو سفر دانيال، الكتب الاخروية عادة تتحدث عن نهاية الايام ونهاية العالم، كما أن من المعتقد ان سفر دانيال قد كُتب في القرن الثاني قبل الميلاد وقد اعتمد كاتب السفر على ادلته من النبي حزقيال وقد وصف الرؤى السماوية للنبي دانيال، حيث يتحدث النبي دانيال عن شخصان الهيان، يشبه احدهما الرجل العجوز ويُلقب ب قديم الايام وشخصية الهية ثانية في شكل ابن انسان يتم احضاره على السحاب امام قديم الايام في حفل يشبه إلى حد كبير الاحتفالات الملكية القديمة في الشرق الادنى. في هذه الاحتفالات كان يتم تمرير الشعلة من الالهة الاكبر سناً إلى الالهة الاصغر سناً في اساطيرهم.
«كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إلى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ. سفر دانيال ٧: ١٣-١٤
و الذي يشكل اهمية كبيرة للجانب المسيحي على وجه الخصوص، فيه نجد فكرة جديدة، بدلاً من التحدث عن الملك الداودي واستعادته لعرش اسرائيل، نسمع عن شخصية الهية والتي ستُعطى سلطان ابدي على العالم كله حيث يتم استعادة العالم اجمع تحت حكم ومشورة الحاكم الابدي بمشيئة قديم الايام، وعلى الرغم من ان هذه الشخصية لا تُدعى المسيا الا انها تجلب لنا بعض الخصائص التي نجدها لاحقاً في شخص المسيا او المسيح، فما هي هذه الخصائص؟
- إنه إلهي.
- هو في شكل بشري.
- قد يتم تصويره على أنه إله أصغر سنا من قديم الأيام.
- سيتم تنصيبه في الأعالي.
- يعطى السلطة والسيادة، وحتى السيادة على الارض.
ثم يخبرنا بويارين أن:
كل هذه هي خصائص يسوع المسيح كما سيظهر في الأناجيل، وهي تظهر في هذا النص قبل أكثر من قرن ونصف من ولادة يسوع. علاوة على ذلك، فقد تم تطويرها بشكل أكبر داخل التقاليد اليهودية بين سفر دانيال والأناجيل. في مرحلة معينة اندمجت هذه التقاليد في أذهان اليهود مع توقع عودة مُلك داوودي، وولدت فكرة المسيا الإلهي البشري. ثم سُمي هذا الشخص “ابن الإنسان”، في إشارة إلى أصوله في الشخصية الإلهية المسماة “واحد شبه ابن الإنسان / إنسان” في دانيال. وبعبارة أخرى، أصبح التشبيه، وهو إله يشبه الإنسان (حرفيا ابن الإنسان) اسما لذلك الإله، الذي يدعى الآن “ابن الإنسان”، في إشارة إلى ألوهيته التي تبدو بشرية.5
لابد من ان هذه الخلفية المزدوجة تفسر التعقيد الموجود في التقاليد المختلفة حول يسوع، لا عجب في انه عندما ظهر شخص يدعي ويتوافق مع هذه الخصائص فالعديد من اليهود اعتقدوا انه الشخص المنشود وليس من العجب ان الكثيرين كانوا في شك.
هناك العديد من التقاليد التي تظهر في الاناجيل والنصوص اليهودية القديمة، بعض اليهود توقعوا هذا المخلص ان يكون انسانا يُرفع إلى درجة الالوهية، وآخرين توقعوا الاله ان يتنازل إلى شكل بشري، وعلى هذا الاساس بعض المؤمنين بيسوع قد آمنوا ان يسوع وُلد إنسانا عاديا ثم رُفع إلى درجة الالوهة والبعض الآخر اعتقد انه الاله الذي أخذ هيئة بشرية، وبالتالي فإن الروابط بين الأفكار القديمة قبل يسوع عن المسيا / المسيح وتلك التي يدعيها يسوع لنفسه هي روابط حميمة للغاية.
في بحث بويارين عن من هو “ابن الانسان” وجد ان البعض استخدم هذا اللقب اشارة إلى ناسوت يسوع، والبعض الاخر استخدمه للإشارة إلى لاهوته بينما تم استخدام هذا اللقب في العصور الوسطى للاشارة إلى تواضع يسوع، كما ان هناك من رفض هذا التجديف قائلين ان هذا اللقب وُضع على لسان يسوع بعد موته، وآخرين رفضوا وجود شخصية كهذه من الاساس، وهذا ما وضعنا في “مشكلة ابن الانسان” على مر الاجيال.
عندما مشي يسوع في الجليل مدعياً انه ابن الانسان لم يسأل احد قط “من هذا ابن الانسان على اى حال؟” لقد كانوا يعلمون عما كان يتحدث عنه بغض النظر عما إذا آمنوا او لم يؤمنوا. مع أن لقب ابن الانسان يعني فقط انسان في الارامية والعبرية الا انها تعني ابن شخص ما في اليونانية وقد يفهم المتحدثين بالآرامية من يسوع انه مجرد شخص لكن ليس هذا ما يُعبر عنه الفصل الثاني من انجيل مرقس.
يجد بويارين ان السياق في انجيل مرقس لا يدعنا نفسر لقب ابن الانسان على انه مجرد شخص، سيكون من الصعب تفسير ان اي شخص قادر على غفران الخطايا وان يكون رب السبت.
بالاشارة إلى شخص ما على انه ابن الانسان يجب ان يؤخذ على محمل تاريخي وادبي، وبفعل ذلك، نجد ان كل استخدامات لقب ابن الانسان ترجع بنا إلى الفصل المنشود في سفر دانيال.
كما ان الكثير من دراسات العهد الجديد قد ضلت بعيدا عن طريق افتراض ان ابن الانسان يشير فقط إلى يسوع القادم على السحاب اثناء مجيئه الثاني، هذا أدى إلى كثير من الاضطراب في الادب، لأنه من وجهة النظر هذه يبدو من الصعب أن نتخيل كيف يمكن ليسوع الحي الذي يتنفس، والذي لم يرفع بعد إلى السماء أو يعود إلى الأرض، أن يشير إلى نفسه على أنه ابن الإنسان، كما يبدو بالتأكيد أنه يفعل في عدة أماكن في مرقس والأناجيل الأخرى. ومع ذلك، يمكن حل هذه المشكلة إذا فكرنا في ابن الإنسان ليس على أنه يمثل مرحلة معينة في قصة المسيح ولكن كإشارة إلى بطل القصة بأكملها، يسوع المسيح، المسيا، ابن الإنسان.
لقد كان يعتقد مرارا وتكرارا أن تسمية ابن الإنسان تشير فقط إلى المسيا (المسيح) في وقت تمجيده وما بعده. في مرقس ١٤: ٦١-٦٢، يسأل رئيس الكهنة يسوع: «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ»، يمكن للمرء أن يفهم بسهولة من هذه الآية أن يسوع يستخدم لقب ابن الإنسان للإشارة فقط إلى اللحظة التي ستراه فيها آتيا مع سحاب السماء.
الآن إذا كان ابن الإنسان، كما يقول المنطق، هو المسيا (المسيح) جالسا عن يمين القوة ويأتي مع سحب السماء، فكيف يمكن أن يكون يسوع قد استخدم مصطلح “ابن الإنسان” للإشارة إلى حياته الأرضية؟ يجب أن تبذل الدراسات بعد ذلك جهودا كبيرة لتحديد أي من أقوال ابن الإنسان يمكن أن تكون ليسوع، أو ربما قالها، أو قالها بالفعل، وأيها أضافته الكنيسة الأولى – التلاميذ أو الإنجيليون – ووضعوه على فمه. ومع ذلك، إذا فهمنا أن تسمية ابن الإنسان لا تشير إلى مرحلة واحدة في قصة يسوع – الولادة أو التجسد أو السيادة على الأرض أو الموت أو القيامة أو التمجيد – ولكن إلى كل هذه الأمور معا، فإن هذه المشاكل يتم تجنبها تماما.
لقد رأى البعض حسب التفسيرات من الاقدم إلى الاحدث ان شبه ابن الانسان هو رمز لمجموعة مسماة من الإسرائيليين المخلصين اثناء ثورة المكابيين عندما كُتب سفر دانيال تقريباً.6
بينما جادل البعض ان شبه ابن الانسان هو شخص الهي بجانب قديم الايام وليس رمز لبني إسرائيل، ثم يذكر بويارين ما قاله افراهات واحد من اباء الكنيسة الايرانيين في القرن الرابع أثناء مهاجمته لتفسير (على افتراض انه من قبل اليهود) يجعل من شبه ابن انسان ليكونوا أهل اسرائيل فيقول: هل نال بنو إسرائيل مملكة العلي؟ لا سمح الله! أم أن الناس جاءوا على سحاب السماء؟7
حجة افراهات تفسيرية والى حد كبير في صُلب الموضوع، لان السحب – او الركوب على السحب – هى خصائص كتابية للظهور الالهي والذي يعني الثيؤفانيا (أي الظهور الالهي باليونانية) بواسطة العلماء.8
و كما يعلق ايضاً J.A Emerson:
“إن حدث المجيء مع السحب يوحي بثيوفاني يهوه نفسه. إذا كان دانيال ٧: ١٣ لا تشير إلى كائن إلهي، فهو الاستثناء الوحيد من بين حوالي سبعين مقطعا في العهد القديم”9
و يعتقد بويارين انه يكاد يكون من المستحيل قراءة السرد هنا عن إقامة العروش، وظهور قديم الأيام على أحدها، ومجيء شخص إليه مثل ابن الإنسان بعيدا عن قصص تنصيب الآلهة الشابة من قبل شيوخهم، والآلهة القريبة من قبل الآلهة المتعالية، وهاذان الإلهان بمرور الوقت سيصبحان اول شخصان في الثالوث.
ثم يذكر ملاحظة هامه، أن بعض الحاخامات اللاحقين على الأقل قرأوا هذا المقطع أيضا على أنه ثيوفاني (إعلان ذاتي عن الله). مقطع من التلمود البابلي (القرن الخامس أو السادس) يُظهر هذا بوضوح ويستشهد بحاخامات سابقين بالإضافة إلى رؤية حدث مهم في عقيدة الله تظهر هنا.
كما نتعلم في تقليد قديم:
واحد له وواحد لداود. هذه هي كلمات الحاخام اكيڤا. قال له الحاخام يوسي الجليلي: أكيڤا! إلى متى ستدنس الشكينة؟! بل كان أحدهما للحكم والآخر للرحمة.10
لكن بويارين لديه قناعته واستنتاجه الخاص ان المعنى الاصلي للنص يدل انه كان هناك عرشان، واحد لله الآب والاخر لتأليه الملك داود ولذلك كان الحاخام يوسي مصدوماً.
بالرجوع إلى ما قاله افراهات – وقراءة باقي الفصل في دانيال ٧ – كان بإمكان هؤلاء اليهود الذين كانوا خصوما لأفراهات أن يردوا بوضوح: “هل يخضع كائن سماوي أو إله صغير للاضطهاد من قبل ملك سلوقي يجبره على التخلي عن أيامه المقدسة وشريعته لمدة ثلاث سنوات ونصف؟ سخيف! يجب أن يكون ابن الإنسان رمزا لبني إسرائيل”
و هنا يعلق بويارين:
كلا الجانبين من هذه الحجة على حق. كما رأينا للتو، يبدو أن رؤية دانيال نفسها تتطلب أن نفهم “الشخص مثل ابن الإنسان” كشخصية إلهية ثانية. يبدو أن فك شفرة الرؤيا الملائكية في نهاية الفصل يفسر بوضوح “الشخص مثل ابن الإنسان” كشخصية أرضية جماعية، إسرائيل أو أبرار إسرائيل. لا عجب أن يجادل المعلقون. يبدو أن النص نفسه هو منزل منقسم على نفسه. الجواب على هذا اللغز هو أن مؤلف سفر دانيال، الذي كان لديه رؤية دانيال نفسها أمامه، أراد قمع الشهادة القديمة لإله أكثر من المفرد، باستخدام الرمز للقيام بذلك. بهذا المعنى، فإن الجدل اللاهوتي الذي نعتقد أنه موجود بين اليهود والمسيحيين كان بالفعل جدلا بين اليهود قبل يسوع بوقت طويل.11
اذا جمعنا فكرة المخلص الشاب الذي سيجلس على العرش الثاني بجانب قديم الايام في دانيال ٧ مع لقب المسيح اي المخلص الذي يجلس على عرش داود – المعتقد السائد في المجتمع اليهودي – يصبح من الطبيعي جداً ان ننسب لقب ابن الله إلى المسيح الذي هو ابن الانسان.
و هذا ما يوضحه بويارين:
ما الذي يمكن أن يكون أكثر طبيعية، إذن، من تبني الاستخدام القديم “ابن الله”، المنسوب بالفعل إلى المسيا في دوره كملك داود لإسرائيل، وفهمه حرفيا على أنه علامة على الألوهية المتساوية لقديم الأيام وابن الإنسان؟ وهكذا أصبح ابن الإنسان ابن الله، وأصبح “ابن الله” اسما لطبيعة يسوع الإلهية – وكل ذلك دون أي انقطاع عن التقاليد اليهودية القديمة.
إن لاهوت الأناجيل، بعيدا عن كونه ابتكارا جذريا في التقليد الديني الإسرائيلي، هو عودة محافظة للغاية إلى أقدم اللحظات في هذا التقليد، لحظات تم قمعها إلى حد كبير في هذه الأثناء – ولكن ليس بالكامل. إن تحديد هوية الراكب على السحاب مع الشخص الذي يشبه ابن الإنسان في دانيال يوفر اسم وصورة ابن الإنسان في الأناجيل أيضا. ويترتب على ذلك أن الأفكار عن الله التي نعرفها كأفكار مسيحية ليست ابتكارات ولكنها قد تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا ببعض أقدم الأفكار الإسرائيلية عن الله. تعود هذه الأفكار على الأقل إلى قراءة معقولة تماما [وموثقة] لدانيال ٧ وبالتالي إلى القرن الثاني قبل الميلاد على أبعد تقدير. وقد تكون أقدم بكثير من ذلك.12
في النهاية اذا كان (سفر) دانيال هو النبوءة، فالأناجيل هي اتمام هذه النبوءة، واذا كان يُمكن فهم الوهية يسوع فقط بمجرد دراسة بعض من القابه في الاناجيل من منظور يهودي في القرن الاول اثناء حياته، فلماذا يصر البعض على ان المسيح لم يدعي قط انه الله؟ ولماذا يدعون ان الاناجيل لم تتحدث قط عن يسوع بصفته الله؟
أهذا اصرار على عدم رؤية الحقيقة ام جهل بالحقيقة؟ او كلاهما؟
- The Aryan Jesus: Christian Theologians and the Bible in Nazi Germany (Princeton: Princeton University Press, 2008).
- Craig C. Hill, “The Jerusalem Church,” in Jewish Christianity Reconsidered: Rethinking Ancient Groups and Texts, ed. Matt Jackson-McCabe (Minneapolis: Fortress Press, 2007), 50.
- Daniel Boyarin, The Jewish Gospels: The Story of the Jewish Christ, Chapter 1: from Son of God to Son of Man, P. 26.
- Ibid P. 30-31.
- Ibid P. 33.
- John J. Collins, “The Son of Man and the Saints of the Most High in the Book of Daniel,” Journal of Biblical Literature 93, no. 1 (March 1974): 50n2.
- Demonstration 5:21
- Louis Francis Hartman and Alexander A. Di Leila, The Book of Daniel, trans. Louis Francis Hartman, The Anchor Bible (Garden City, NY: Doubleday, 1978), 101. They themselves list Exodus 13:21; 19:16; 20:21; Deut 5:22; I Kings 8:10; and Sir 45:4.
- A. Emerton, “The Origin of the Son of Man Imagery,” Journal of Theological Studies 9 (1958): 231-32.
- [BT Hagiga 14a]
- Daniel Boyarin, The Jewish Gospels: The Story of the Jewish Christ, Chapter 1: from Son of God to Son of Man, P. 43.
- Ibid P. 47.
The Jewish Gospels: The Story of the Jewish Christ by Daniel Boyarin