Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

المسيح فصحنا الجديد ج1 – القديس كيرلس الكبير – د. جورج عوض إبراهيم

المسيح فصحنا الجديد ج1 – القديس كيرلس الكبير – د. جورج عوض إبراهيم

المسيح فصحنا الجديد ج1 – القديس كيرلس الكبير – د. جورج عوض إبراهيم

 

مقدمة

 

          ولد القديس كيرلس[1] حوالي سنة 375م بالأسكندرية، وهو ابن أخت البابا ثاوفيلس بطريرك الأسكندرية الـ23، وقد تعلم كيرلس في الأسكندرية برعاية البطريرك ثاوفيلس. ثم قضي كيرلس حوالي خمس سنوات في برية شيهيت (394ـ399)، إذ هناك قرأ العهدين القديم والجديد على يدي الأب سرابيون الشيخ خليفة القديس مقاريوس الكبير.

          كان كيرلس يحفظ النص الكتابى بمجرد قراءته مرة واحدة، وحضر دروس المدرسة اللاهوتية بالأسكندرية على يدي ديديموس الضرير .

          ثم استدعاه خاله البطريرك ثاوفيلس ليكون شماسًا معه في الأسكندرية ورسمه قارئًا وطلب منه أن يشرح الكتب المقدسة للشعب.

          وفي سنة 404م رُسم كيرلس قسًا بكنيسة الأسكندرية وانطلق يعظ ويعلم الشعب ويفسر الكتب المقدسة. لقد  درس القديس كيرلس مؤلفات آباء الأسكندرية مثل أوريجينوس، وأثناسيوس، وديديموس الضرير. كما أطلع أيضًا على مؤلفات القديسين باسيليوس القيصري وغريغوريوس النزينزى. كما درس القديس كيرلس اللغات القديمة الشائعة في أيامه وهي العبرية والسريانية ولكنه كتب باليونانية وربما القليل بالقبطية.

          عندما تنيح الأنبا ثاوفيلس في 15 أكتوبر سنة 412م اتجهت أنظار الجميع إلى القديس كيرلس، فتم انتخابه وقام الأساقفة برسامته أسقفًا للأسكندرية وبطريركًا للكرازة المرقسية رقم 24 في نفس السنة وله من العمر حوالي 38 سنة.

          واصل البطريرك كيرلس جهاده في تعليم المؤمنين بالوعظ وتفسير الكتب المقدسة، وابتداءً من 428م بدأ القديس كيرلس يظهر كعلامة بارزة ومحطة هامة في تاريخ العقيدة الأرثوذكسية وتاريخ العلاقات الكنسية، وذلك بظهور هرطقة نسطوريوس بطريرك القسطنطينية، إذ قام كيرلس بدور المدافع الأول عن الأرثوذكسية ضد البدعة النسطورية.

          رقد القديس كيرلس في الرب في يوم 3 أبيب سنة 160 ش الموافق 10 يوليو 444م، وذلك بعد كفاح طويل وصمود شامخ فى الدفاع عن الإيمان ضد أخطر بدعتين هما الآريوسية والنسطورية.

 

القديس كيرلس مفسرًا للعهد القديم  :

          إن تفاسير القديس كيرلس للعهد القديم تعتبر من أقدم كتاباته، فقد كتب  ” العبادة بالروح والحق” فى صورة حوار بينه وبين بلاديوس، وهو شرح روحى “رمزى”، ” نماذجى”، ويشمل الكتاب 17 جزءً، وهى موجودة باليونانية فى مجلد 68 من باترولوجيا مينى.

          وكتب أيضًا فى هذه الفترة “الجلافيرا” (Ta Glafύrα): “تعليقات لامعة” من ثلاث عشر جزءً، وهو يُكمل ما سبق أن كتبه فى ” العبادة بالروح والحق”، ولكنه لم يكن فى صورة حوار: ما يخص سفر التكوين سبعة أجزاء، وثلاثة أجزاء لسفر الخروج، وثلاثة لأسفار اللاويين والعدد والتثنية.

          وكتب أيضًا فى هذه الفترة تفسيره لسفر إشعياء والذى شغل مجلدًا كاملاً (رقم70) فى سلسلة Migne، وكتب أيضًا شرحه  للأنبياء الصغار.

          أما شروحات القديس كيرلس لأسفار الملوك، نشيد الإنشاد، والأنبياء حزقيال، إرميا، باروخ، دانيال فلم يبق منها سوى مقاطع صغيرة.

هذه العظة:

          والعظة التى يتضمنها هذا الكُتيب تحت عنوان “المسيح فصحنا الجديد” هى مأخوذة من كتابه الجلافيرا: “تعليقات لامعة”، المقالة الثانية على سفر الخروج، فى حديثه عن “ذبيحة الحمل” من مجموعة ΕΠΕ آباء الكنيسة مجلد 5: 58ـ99 باللغة اليونانية للقديس كيرلس الأسكندرى، إصدار   “ΤΟ ΒΥΖΑΝΤΙΟΝ” تسالونيكى 2000.

 

بعض المبادئ الأساسية لفهم التفسير الروحى للقديس كيرلس:

          إن الإيمان الصحيح بسر التجسد هو ضرورة أساسية للتفسير، إذ أن الأساس الخريستولوجى[2] أى التعليم عن المسيح هو أساس كل شروحاته، وأيضًا أساس صياغاته للعقيدة.

          يؤكد القديس كيرلس أن الكتاب المقدس يتكلم عن الله بشريًا لأن الله لا يستطيع أن يتكلم أو يُعلن عن نفسه إلاّ بطريقة بشرية يسهل على الإنسان فهمها. وهذه الطريقة لا تُقلِّل من الكرامة والرفعة الإلهيتين، ولكن على العكس فإن عجز العقل البشرى واللغة البشرية هما السبب الذى جعل الكتاب يتكلم بطريقة بشرية عن الله. وهدف تفسير الكتاب هو معرفة التدبير الإلهى للخلاص. لذلك لا يمكن أن نظل فى الحرف لأن الغرض من الكلمة المكتوبة هو أن نرتفع دائمًا من المحسوس إلى الروحى، أى مما هو أدنى إلى ما هو أسمى. فالكلمة المكتوبة لها مفهومان: مفهوم تاريخى ومفهوم روحى، والذى يقودنا إلى التفسير الصحيح هو الإيمان، لأن الإيمان  يسبق المعرفة. فالعهد القديم هو نص نبوى له صفة الظل والمثال فهو يتنبأ عن سر المسيح.

          هكذا فى هذه العظة يستكشف القديس كيرلس سر المسيح لشعبه فى كيفية تتميم ناموس الفصح كما ورد فى سفر الخروج. وفى هذه العظة يعطى القديس كيرلس لمراحل ذبح وأكل خروف الفصح أبعادًا خريستولوجية، فيرى أن الفصح هو رمز لسر المسيح. وأن تحديد موعد الفصح فى بداية العام هو إشارة إلى المسيح الذى هو بداية كل شئ. وأن حفظ الخروف لمدة خمسة أيام إشارة إلى خمسة ازمنة فى تاريخ خلاص البشرية، ويربط بين هذه الأيام الخمسة ومثل صاحب الكرم (مت1:20ـ7) وأن الساعة الحادية عشر تمثل الفترة الخامسة التى فيها دعا المسيح المتجسد الأمم إلى الخلاص. وهكذا يختم القديس كيرلس شرحه بإعطاء بُعدًا خريستولوجيًا لوصية عدم كسر عظام الخروف عند أكله. ويرى أنها ترمز للعقائد الثابتة التى لا يجب أن تتغير من جهة الإيمان بالمسيح المتجسد، الأمر الذى فعله الهراطقة فأدانتهم الكنيسة.

          ليبارك المسيح إلهنا فصحنا الجديد حياتنا، بصلوات القديسة العذراء والآباء الرسل وجميع القديسين، والقديس كيرلس عمود الدين، وصلوات قداسة البابا شنودة الثالث، شركائه فى الخدمة الرسولية الآباء المطارنة والأساقفة، ولإلهنا كل تسبيح وسجود الآن وإلى الأبد.

29 أبريل 2005م

21 برمودة 1721ش الجمعة العظيمة   

المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية

ذبيحة الحمل

 

ليس بأحد غيره الخلاص[3]:

          يستطيع المرء أنْ يعرف ـ بطرقٍ كثيرةٍ ـ أننا ننجو من قوة الموت بواسطة المسيح وحده، وهذا ما يؤكده لنا التلميذ الحكيم بقوله:    “ ليس بأحدٍ غيره الخلاص. لأن ليس اسمٌ آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلُص” (أع4: 12). كما أن هناك آلاف من الصور المتألقة ـ في الكتاب المقدس ـ تقدم لنا هذا السر بكل وضوح.

 

اطلق شعبى:

          إذن فلنمضِ لنجمع هذه الشواهد التي تخدم هدفنا، حتى نُظهر هذا السر شارحين إياها فى حديثنا هذا.

          يقول الكتاب: ” دخل موسى وهارون وقالا لفرعون هكذا يقول الرب إله إسرائيل اطلق شعبي ليعيِّدوا لي في البرية. فقال فرعون مَنْ هو الرب حتى أسمع لقوله فأُطلق إسرائيل. لا أعرف الرب وإسرائيل لا أُطلقه. فقالا: إله العبرانيين قد التقانا. فنذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا لئلا يصيبنا بالوباء أو بالسيف. فقال لهما ملك مصر لماذا يا موسى وهرون تبطِّلان الشعب من أعماله. اذهبا إلى أثقالكما” (خر5: 1ـ4).

 

إله العبرانيين يؤيد شعبه بالمعجزات:

          يقول فرعون المغتاظ، وهو مليء بالغباء الشيطاني إنه لا يعرف مَنْ هو إله العبرانيين. لكن عندما بدأت الضربات على مصر بجروحٍ مستمرةٍ ومخيفةٍ، وأصابها التدمير تدريجيًا، مرةً بتحول المياه إلى دم، ومرةً أخرى بغمر الأرض بالجراد والبَرَد، وبظهور البعوض والضفادع، وأيضًا بحلول ظلام لثلاثة أيامٍ؛ كانت النتيجة أن فرعون أعطى وعدًا مباشرًا ـ ضد إرادته ـ بترك العبرانيين أحرارًا، وبرغم ذلك فإن قلب فرعون قد تقسى وأصبح أكثر صلادةً وتجبُّرًا ورهبةً بل ورفض تحرير الإسرائيليين من العبودية الطويلة.

ثم بعد ذلك أراد الله أن يرسل الملاك المُهلِك إلى أبكار المصريين. ولكن لأنه لا ينبغي أن يهلك المختارون مع الغرباء الدنسين، فإن الله قد وضع شريعة الفصح ـ محبةً للآباء ـ وأمر أن يُحتفَل بالفصح الذى يشير إلى سر المسيح قبل إعلان غضبه على أبكار المصريين. ومن هذا الأمر نستطيع أن نفهم أنه كان من المستحيل أن يُبطَل الموت بواسطة موسى والناموس. بل أن دم المسيح الكريم وحده هو الذى يُبعد المهلك ويحرر المُقدَّسين من هلاك الموت. لأن المسيح هو الحياة من الحياة، وهو إله الكل، إذ أنه إلهٌ من إلهٍ.

 

خروف الفصح:

          حسنًا يقول الكتاب المقدس:

وكلَّم الرب موسى وهرون في أرض مصر قائلاً. هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور. هو لكم أول شهور السنة. كَلِّما كل جماعة إسرائيل قائلين في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحدٍ شاةً بحسب بيوت الآباء. شاةً للبيت. وإن كان البيت صغيرًا عن أن يكون كفوًا لشاةٍ، يأخذ هو وجاره القريب من بيته بحسب عدد النفوس. كل واحد على حسب أكله تحسبون للشاة” (خر12: 1ـ4).

          وبعدما أمرهم أن يأخذوا شاةً، يضيف ـ محددًا ـ نوع الذبيح، ومتى وأين يذبحونه؟ إذ يقول: ” ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر. ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية. ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين والعتبة العليا في البيوت التي يأكلونه فيها. ويأكلون اللحم تلك الليلة مشويًا بالنار مع فطير. على أعشابٍ مرةٍ يأكلونه. لا تأكلوا منه نيئًا أو طبيخًا مطبوخًا بالماء بل مشويًا بالنار مع أكارعه وجوفه. ولا تُبقوا منه إلى الصباح. والباقي منه إلى الصباح تحرقونه بالنار” (خر12: 6ـ10).

          كما يضيف المُشرِّع مخبرًا إياهم عما ينبغي أن يكون عليه ملبسهم، وما هي الطريقة التي يأكلون بها الفصح في تلك العشية المقدسة؛ لأنه يقول لهم: “ تأكلونه وأحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم، وعُصيكم في أيديكم. وتأكلونه بعَجَلةٍ. هو فصحٌ للرب” (خر12: 11). الفائدة المحققة نتيجة ذبح الخروف هى أكيدة، والمُشرِّع يعلنها قائلاً: ” فإني أجتاز في أرض مصر هذه الليلة وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم وأصنع أحكامًا بكل آلهة المصريين. أنا الرب. ويكون لكم الدم علامةً على البيوت التي أنتم فيها. فأرى الدم وأعبر عنكم. فلا يكون عليكم ضربةً للهلاك حين أضرب أرض مصر” (خر12:12ـ13). وبعد ذلك يقول: ” سبعةُ أيامٍ تأكلون فطيرًا. اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم” (خر12: 15).

كما أنه يشدِّد على الاشتراك فى هذه الاحتفالية والتفرغ لها، إذ يقول: ” ويكون لكم في اليوم الأول محفل مقدس، وفي اليوم السابع محفل مقدس. لا يُعمل فيها عمل ما إلاَّ ما تأكله كل نفس، فذلك وحده يُعمَل” (خر 12: 16).

 

التفسير الروحى لذبيحة الفصح:

هذا إذن ما يقوله الكتاب المقدس، ونحن إذ نفحص هذه الأقوال، نضيف إليها شرحًا وافيًا يوضح ـ بأكثر من طريقة ـ أهمية كل قول على حدة، فى الإشارة لسر المسيح.

 

المسيح قدّس الكل من البداية:

لقد تحدد وقت عمل التقديس في أثناء الشهر الأول من بداية العام؛ لأن بداية الكل هو المسيح (راجع كو1: 18)؛ لأن المسيحَ الكلمة والابن المتجسد لم يكن حديث العهد، بل هو نفسه المولود قبل كل الدهور من الآب، وقد قدَّس كل الأزمنة التي صارت من البداية وحتى النهاية. أيضًا يقول إن الاحتفال حُدِّد في بداية العام الجديد، وهذا يشير أنه ” بالمسيح الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكلُ قد صار جديدًا” وفقًا لكلام بولس الطوباوي (2كو5: 17، إش43: 19)، لقد أزهرت بالفعل طبيعة الإنسان ـ ثانيةً ـ بالمسيح والكل صار جديدًا.

 

المسيح هو المُحرِّر:

لقد أمر الله بكل هذا، في حين كان الإسرائيليون مازالوا عبيدًا يرزحون تحت سلطة المصريين، معبِّرًا بذلك ـ بطريقةٍ رمزيةٍ ـ عن أن نفس الإنسان لا يمكنها أن تنطلق تجاه التحرر من الخطية، أو الهرب من شهوة إبليس، والانفصال عن العالم، وصولاً إلى المدينة السماوية، إلاَّ بمحبة المسيح فقط للبشر.

وهذا هو ما قاله المسيح نفسه لليهود الحمقى: “ الحقَّ الحقَّ أقول لكم إن كل مَنْ يعمل الخطية هو عبدٌ للخطية. والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد. أمَّا الابن فيبقى إلى الأبد. فإن حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا” (يو8: 34ـ36)، كما قال أيضًا: ” الحقَّ الحقَّ أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم” (يو6: 53)، ولا شك أن الصورة الرمزية لهذا الأمر يمكن أن نجدها في أرض الميعاد، تلك التي كان الإسرائيليون يسيرون إليها.

 

المسيح أتى فى الأزمنة الأخيرة:

ونلاحظ أنَّ الخروف كان يوضع تحت الحفظ من اليوم العاشر للشهر حتى اليوم الرابع عشر منه لكي يُذبَح في المساء. وإذا تساءلنا عن سبب ذلك، وجدنا أن هناك دلالةً هامة لتلك الأمور. وربما يسأل المرء ما المشكلة لو أُخِذَ الخروف في اليوم الأول من الشهر؟ وما هو الهدف الذي شَرَّع الله لأجله أن يُحفظ الخروف لمدة خمسة أيام، ومن ثم يُذبَحُ في المساء؟ ولماذا بدأنا العدُّ من اليوم العاشر حتى الرابع عشر، حتى يكون مدة حفظ الحمل هى خمسة أيام؟

أما من جهة أنَّه لا يجب أن يُؤخذ الخروف للحفظ من اليوم الأول للشهر، فهذا يدُل ـ رمزيًا ـ على أنَّ زمننا هذا، قد أتى بعد أن كانت قد مرَّت قبلنا أزمنةٌ كثيرة وأجيالٌ طويلة، لم تكن خالية أبدًا من وجود الله. لأن فترة الخمسة أيام التي سبق أن أُشير إليها قُسِّمت بعد ذلك إلى خمس فترات زمنية. وهذا هو الأمر الذي اتضح من المثل الذي قاله المخلِّص: ” فإن ملكوت الله يشبه رجلاً ربَ بيتٍ خرج مع الصبح ليستأجر فعلةً لكرمه. فاتفق مع الفعلة على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه. ثم خرج نحو الساعة الثالثة ورأى آخرين قيامًا في السوق بطالين. فقال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم. فمضوا. وخرج أيضًا نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك. ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قيامًا بطالين. فقال لهم لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين. قالوا له لأنه لم يستأجرنا أحدٌ. قال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم” (مت20: 1ـ7).

هل اتضح لك من هذه الأقوال أن زمننا هذا قد قُسِّم إلى خمس فترات؟ الفترة الأولى هي التي عاش فيها آدم، الأب الأول في الفردوس. والفترة الثانية كمثل “الساعة الثالثة”، ويقصد بها الزمن الذي عاش فيه نوح والذين كانوا معه. والفترة الثالثة هي مثل “الساعة السادسة” في المثَل وهي تُشير إلى الفترة الزمنية التي تبدأ بدعوة إبراهيم لكي يعرف الإله الحقيقي. والفترة الرابعة هي أيضًا مثل “الساعة التاسعة”، ويُقصد بها الفترة التي عاش فيها موسى والأنبياء. أمَّا الفترة الخامسة أي “نحو الساعة الحادية عشر”، أي التي فيها ينتهي اليوم، ويصل الزمن الحاضر إلى نهايته، في هذه الفترة استأجر السيد المسيح الأمم الذين لم يكونوا قد دُعوا بعد من أي أحد آخر أثناء الفترات السابقة. لذلك أجاب هؤلاء الآخرون قائلين: “ لم يستأجرنا أحد“.

هكذا يؤخذ الخروف للحفظ في اليوم الأول من تلك الخمسة أيام، أي اليوم العاشر الذي يشير إلى بداية الزمن، ويُحفظ لآخِر الوقت، أي اليوم الرابع عشر ويُذبح في المساء، وهذا يجعلك تدرك أيضًا أن سر المسيح ليس أمرًا مستحدثًا، لكنه كان محفوظًا فى علم الآب السابق من قبل خلق العالم (راجع أف3: 9)، غير أنه مات لأجلنا في الأزمنة الأخيرة.

[1] انظر: دكتور نصحى عبد الشهيد، القديس كيرلس الأسكندرى حياته وكتاباته، أعمال المؤتمر السنوى السادس للدراسات الآبائية، سبتمبر 1998، إصدار مركز دراسات الآباء، ص9ـ18.

[2]  راجع د. جوزيف موريس فلتس، أمثلة من تفسير الآباء لآيات الكتاب المقدس (1)، دورية دراسات آبائية ولاهوتية، السنة الثامنة، العدد الخامس عشر، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، يناير 2005، ص44ـ53.

[3] العناوين الجانبية من وضع المترجم.

 

المسيح فصحنا الجديد ج1 – القديس كيرلس الكبير – د. جورج عوض إبراهيم

Exit mobile version