آبائياتأبحاثكتب

الرسالة رقم 39 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي

الرسالة رقم 39 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي

الرسالة رقم 39 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي

الرسالة رقم 39 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي
الرسالة رقم 39 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي

مقدمة الرسائل

أهمية هذه الرسائل:

تُعرف هذه الرسائل الثلاث، بأنها الرسائل المسكونية:

          فالرسالة رقم 4 الموجهة إلى نسطور وهى الرسالة الثانية إلى نسطور، قد نعتت بالرسالة العقائدية ، وقد كتبت في أمشير عام 430 م.، قبل مجمع أفسس. وقد اعتمدها مجمع أفسس المسكونى، عندما انعقد سنة 431م باعتبارها تحمل تعليم مجمع نيقية. كما أن مجمع خلقيدونيا سنة 451م ، ومجمع القسطنطينية الثانى سنة 553م ، اعتمد كلاهما الرسالة نفسها.

والرسالة رقم 17، مرسلة إلى نسطور من كيرلس باسم مجمع الأساقفة المنعقد في الأسكندرية في 30 نوفمبر سنة 430م. (وهى الرسالة الثالثة إلى نسطور) وهى تحوى في نهايتها الحرومات المعروفة باسم “الحرومات الاثنى عشر”. وقد أضيفت هذه الرسالة إلى أعمال مجمع أفسس.

          أما الرسالة رقم 39 ، فقد أرسلها البابا كيرلس إلى يوحنا الأنطاكى سنة 433م بعد استعادة السلام والوحدة مع كنيسة إنطاكية. وتظهر هذه الرسالة فرح كيرلس بتحقيق المصالحة واستعادة صداقته مع البطريرك يوحنا. كما تحوى الرسالة وثيقة الاتحاد التى أرسلها مجمع أساقفة إنطاكية إلى البابا كيرلس، وقد وافق البابا كيرلس على هذه الوثيقة كما يظهر في هذه الرسالة. وبسبب الأهمية المسكونية لهذه الرسائل الثلاث، فإنها لا تزال تشكل أساسًا لتحقيق الوحدة الكاملة بين الكنائس الأرثوذكسية بعائلتيها الخلقيدونية وغير الخلقيدونية. فالعائلتان تقبلان تعليم البابا كيرلس كمصدر للتعليم المستقيم بخصوص شخص المسيح وكيفية التعبير عن سر التجسد الفائق للعقل.

[ تمت الترجمة عن مجموعة الآباء باليونانية مجلد 77 ـ مينى

 Migne, P.G Vol 77

 

الرسالة رقم 39

 

          كيرلس يهدي التحيات في الرب إلى سيدي وأخي المحبوب وشريكي في الخدمة الكهنوتية، يوحنا.

لتفرح السماوات ولتبتهج الأرض[1]، ” وحاجز السياج المتوسط[2] قد نُقض، والحزن قد انتهي، وكل نوع من الخلاف قد أزيل، حيث أن المسيح مخلصنا جميعا قد منح سلامًا لكنائسه. والملوك الأتقياء جدًا والمحبون لله جدًا قد دعونا إلى هذا، والذين قد صاروا غيورين بأقصى درجة على محاكاة تقوى أسلافهم، وحافظين الإيمان الحقيقي في نفوسهم سالما وبغير اهتزاز.  لقد أعطوا عناية خاصة للكنائس المقدسة، لكي يكون مجدهم معلنًا إلى الأبد في كل مكان، ويظهر ملكهم عظيمًا جدًا. والمسيح رب القوات نفسه، يوزع عليهم الخيرات بيد سخية، ويمنحهم أن يسودوا على مقاوميهم وينعم عليهم بالنصر. لأنه لا يكذب حينما يقول: ” حي أنا يقول الرب، فإني أكرم الذين يكرمونني [3].

 

          2 ـ ولذلك، منذ أن وصل إلى الإسكندرية، سيدي المحبوب جدًا من الله وشريكي في الخدمة الكهنوتية وأخي بولس، قد امتلأنا بابتهاج القلب وبكل حق.  مثل هذا الرجل يعمل كوسيط ويدخل في أتعاب محادثات تفوق الطاقة، وذلك لكي يهزم بغضة الشيطان، ويوحد ما كان منفصًلا، بأن ينزع العثرات التي تسبب الانقسام كلية من بيننا، ولكي يكلل كنائسنا وكنائسكم بالفكر الواحد وبالسلام. إنه من فضلة القول أن نتحدث عن الأسلوب الذي تُنزع به هذه العثرات. وإني أفترض أنه من الخير أن نهتم وأن نتكلم بما هو لازم لوقت السلام ولذلك فقد سررنا بلقائنا بالرجل المتقي لله جدًا السابق ذكره، الذي ربما تصور أنه لن يحتاج إلى بذل مجهود قليل لإقناعنا أنه يجب أن نجمع الكنائس معًا إلى السلام، ونبطل ضحك أصحاب الآراء المخالفة، ونلاشي أيضًا منخاس شر الشيطان. ولكنه وجدنا هكذا مهيئين لهذا الأمر، حني أنه لم يئن بالمرة من أي تعب. لأننا نذكر قول المخلص: ” سلامي أعطيكم، سلامي أترك لكم [4]. وقد تعلمنا أن نقول في صلواتنا: “أيها الرب إلهنا أعطنا سلامك، لأن كل شئ قد أعطيتنا” [5]، حتى أنه إذا صار أحد ما شريكا في السلام المعطي من الله، فإنه لن ينقصه أي شئ صالح.

 

          3 ـ ولكننا قد تيقنا تمامًا، وعلى الأخص الآن، أن عدم الاتفاق بين كنائسنا قد حدث بطريقة غير لائقة، وبإفراط. إن سيدي الموقر جدًا، الأسقف بولس أحضر وثيقة تحوي اعتراف إيمان غير ملوم، وأكد بقوة أن هذه الوثيقة قد صيغت بواسطة قداستكم وبواسطة الأساقفة المحبون لله جدًا عندكم.  وهذه الوثيقة هي كما يلي بنفس كلماتها وهي ملحقة برسالتنا هذه:

          فيما يخص العذراء والدة الإله كما نعتقد ونقول، وفيما يخص كيفية تأنس ابن الله الوحيد، من الضروري أن نتكلم بكلمات قليلة ـ بدون إضافة شئ ـ بل في ملء إلىقين، كما قد استلمنا الإيمان منذ البداية من الكتب المقدسة ومن تسليم (تقليد) الآباء القديسين، ودون أن نضيف شيئا بالمرة علي إيمان الآباء القديسين الموضوع في نيقية، وكما سبق وقلنا فإن الإيمان الموضوع في نيقية هو كاف لكل معرفة التقوى وللكرازة العلنية ضد كل تعليم هرطوقي رديء السمعة. وسوف نتكلم دون أن نقتحم بجسارة الأمور التي لا يمكن البلوغ إليها. ولكننا، ونحن نعترف بضعفنا، فإننا نستبعد أولئك الذين يرغبون في أن يقحموا أنفسهم في الأمور التي يعلوا الفحص فيها على الإنسان. لذلك نعترف أن ربنا يسوع المسيح، ابن الله، الوحيد، هو إله كامل وإنسان كامل ذو نفس عاقلة وجسم، وهو مولود من الآب قبل الدهر بحسب لاهوته، وأنه هو نفسه في الأيام الأخيرة، من أجلنا ومن أجل خلاصنا وُلد من العذراء بحسب ناسوته، وهو نفسه، من الجوهر نفسه الذي للآب (أو مع الآب) حسب لاهوته، ومن نفس الجوهر الذي لنا (أو معنا) بحسب ناسوته. لأنه قد حدث اتحاد بين الطبيعتين.  لأجل هذا نعترف بمسيح واحد، ابن واحد، رب واحد. وبحسب هذا الفهم للاتحاد بدون اختلاط نعترف بأن العذراء القديسة هي والدة الإله، لأن الله الكلمة قد تجسد وتأنس، ومنذ ذات الحمل به وحَّد الهيكل الذي أخذه منها، مع ذاته. ونحن نعرف أن اللاهوتيين ينسبون بعض أقوال البشيرين والرسل عن الرب باعتبارها تشير بصفة عامة إلى شخص واحد، ويقسمون أقوالاً أخرى بأنها تشير إلى طبيعتين، فتلك التى تليق بالله ينسبوها إلى لاهوت المسيح، أما تلك الأقوال المتواضعة فينسبونها إلى ناسوته.

 

          4 ـ وإذ قد قرأنا أقوالكم المقدسة هذه ووجدنا أننا نحن أنفسنا أيضًا نعتقد هكذا، لأنه يوجد ” رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة [6]، مجدنا الله مخلص الكل، مهنئين بعضنا بعضًا لأن كنائسنا وكنائسكم لها الإيمان بحسب الكتب الإلهية الموحى بها وحسب تسليم (تقليد) آبائنا القديسين.

          ولكن حينما علمت أن بعضًا من أولئك الذين اعتادوا أن يتصيدوا الأخطاء بشغف ويطنوا حول البر مثل زنابير متوحشة وكانوا يتقيأون كلمات حقيرة ضدي، كما لو كنت أقول إن جسد المسيح المقدس قد نزل من السماء وليس من العذراء القديسة، رأيت من الضروري أن أتكلم إليهم قليلاً حول هذا الموضوع. أيها الأغبياء الذين تعرفون فقط أن تتهموا زورًا، كيف تجاوزتم الصواب في الرأى؛ وكيف فكرتم بمثل هذه الحماقة؟ لأنه من الضرورى، ومن الضرورى بوضوح، أن تدركوا أن كل الجهاد تقريبًا الذي خضناه من أجل الإيمان قد حاربنا فيه بسبب أننا أكدنا أن العذراء القديسة هى والدة الإله. فإذا كنا نقول إن جسد المسيح المقدس مخلصنا جميعًا ولد من السماء وليس من العذراء، فكيف لا نزال نعتبر أنها والدة الإله؟ لأنه من يكون هذا الذي ولدته إن لم يكن حقيقيًا أنها قد ولدت عمانوئيل حسب الجسد.

 

          5 ـ فلنضحك إذن على هؤلاء الذين يهذرون بهذه التفاهات عنى لأن النبى المبارك إشعياء لم يكذب عندما قال ” هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا، ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره: الله معنا[7]، وجبرائيل المقدس كان صادقًا تمامًا وهو يقول للعذراء القديسة ” لا تخافى يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع [8]ويخلّص شعبه من خطاياهم [9] ولكن حينما نقول إن ربنا يسوع المسيح هو من السماء ومن فوق فنحن لا نقول مثل هذه الأشياء كما لو أن جسده المقدس قد نزل من السماء، من فوق، بل إننا بالحري نتبع بولس الموحى إليه من الله الذي صرخ بوضوح قائلاً: ” الإنسان الأول من الأرض، ترابي، الإنسان الثانى من السماء[10]. ونتذكر أيضًا قول المخلص نفسه:” ليس أحد صعد إلى السماء إلاّ الذي نزل من السماء ابن الإنسان [11].

 

          6 ـ ورغم أنه ـ كما قلت منذ قليل ـ قد وُلِدَ حسب الجسد من القديسة العذراء، ولأنه من فوق، وأن الله الكلمة نزل من السماء ” وأخلى نفسه، آخذًا صورة عبد “[12] ودعى ابن الإنسان بعد أن بقي كما كان أى: الله (غير المتغير وغير المتبدل حسب الطبيعة) ومُدرَكًا أنه واحد مع جسده، لذلك يقال إنه نزل من السماء. ولكنه يدعى إنسانًا من السماء أيضًا، بسبب أنه كامل في لاهوته وهو نفسه كامل في ناسوته، ويُعرَف في شخص واحد. لأن الرب يسوع المسيح هو واحد، حتى لو لم نجهل الاختلاف بين الطبيعتين اللتين نقول إن الاتحاد الذي يفوق الوصف، قد صار منهما. فلتعمل قداستكم على غلق أفواه أولئك الذين يقولون إن اختلاطًا أو امتزاجًا أو اندماجًا صار لله الكلمة مع الجسد، لأنه من المحتمل أن البعض يثرثرون بهذه الأفكار أيضًا عنى، كما لو كنت قد اعتقدت بها أو قلتها. ولكنى أنا أبعد ما يكون عن التفكير بمثل هذه الأفكار حتى أنى أعتبر أن أولئك الذين يتخيلون أن مجرد ظل تغيير يمكن أن يحدث فيما يخص الطبيعة الإلهية للكلمة، هم مختلين في عقولهم. لأنه يبقى كما هو دائمًا، وهو لا يتغير بل بالحري فهو لن يتغير ولن يكون قابلاً للتحول. وكل واحد منا يعترف أن كلمة الله، بالإضافة إلى ذلك، غير متألم رغم أنه هو نفسه وهو يدبر السر بكل حكمة، نراه ينسب لنفسه الآلام التى حدثت لجسده الخاص. وبهذه الطريقة أيضًا، فإن بطرس الحكيم جدًا يتكلم قائلاً: “وإذ قد تألم المسيح بالجسد [13] وليس في طبيعة لاهوته التى لا ينطق بها. ولكي يُؤمَن به أنه هو نفسه مخلص الجميع، فإنه كما قلت ـ بحسب تدبير تجسده ـ فإنه ينسب إلى نفسه آلام جسده الخاص، كما تنبأ عنه النبى القائل:” بذلت ظهري للضاربين، وخدىَّ للناتفين وجهي لم أستر عن العار والبصق[14].

 

          7ـ فلتقتنع قداستكم، ولا تدع أحدًا من الآخرين، يشك في أننا نتبع تعاليم الآباء القديسين من كل وجه، وخاصة أبينا المبارك والمجيد جدًا أثناسيوس، طالبين باجتهاد أن لا نبتعد عنه في أي شيء على الإطلاق. وكنت أود أن أضيف أيضًا اقتباسات كثيرة من الآباء لأعطى ثقة في كلماتى الخاصة من كلماتهم لولا أنى خفت أن تؤدى هذه (الاقتباسات) إلى أن تطول رسالتي وتصير بذلك مملة. ونحن لا نسمح بأى صورة من الصور لأي شخص أن يهز الإيمان المحدد، أى قانون الإيمان المحدد بواسطة الآباء القديسين الذين اجتمعوا في نيقيا في الأزمنة الحرجة. وبكل تأكيد أيضًا، أننا لا نسمح سواء لأنفسنا أو لآخرين أن تتغير كلمة فيه أو أن يحذف منه مقطع واحد، متذكرين الذي قال:” لا تنقل التخم القديم الذي وضعه آباؤك “[15] لأنهم لم يكونوا هم المتكلمين بل روح الله الآب[16]، نفسه، الذي ينبثق منه وهو ليس غريبًا عن الابن بسبب جوهره. وبالإضافة إلى هذا فإن أقوال معلمى الأسرار تشدد إيماننا، لأنه مكتوب في سفر الأعمال، ” وحينما جاءوا إلى ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلى بيثينيا فلم يدعهم الروح[17]. وبولس الموحى إليه من الله يكتب: ” فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله وأما أنتم فلستم في الجسد إن كان روح الله ساكنًا فيكم، ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له (للمسيح)[18].

 

          8 ـ ولكن عندما يقوم بعض أولئك الذين اعتادوا ” أن يقبلوا ما هو صواب [19]، بتحريف كلماتى إلى ما يبدوا مرضيًا أكثر لهم، فلا تتعجب قداستكم من هذا، عالمًا أن أولئك الضالعين في كل هرطقة يجمعون من الكتب الموحى بها حججًا لانحرافهم، مما نطق به حقًا بواسطة الروح القدس، ويفسدونه بأفكارهم الشريرة الخاصة ويصبون نارًا لا تنطفئ على رؤوسهم أنفسهم. ولكن حيث إننا علمنا أن البعض قد نشروا نصًا مشوهًا لرسالة أبينا المجيد جدًا أثناسيوس إلى المبارك إبكتيتوس [20]، وهي رسالة أرثوذكسية، حتى أن الكثير أصابهم الضرر (بسبب هذا التشويه). ولهذا السبب رأيت أنه من النافع والضروري للاخوة، أن أرسل لقداستكم نسخًا منها منقولة من النسخة القديمة الموجودة عندنا والتي هي نسخة أصيلة.

[1] مز 96 : 11 

[2] أف 2 : 14

[3] 1 صموئيل3 : 30

[4] يو 14 : 27

[5] أنظر أشعياء 26 : 2 وترد هذه الصلاة في القداس الإلهي في أوشية السلام الكبيرة

[6] أف 5:4

[7] أنظر إش 4:7، مت 23:1،24

[8] لو 30:1، 31

[9] مت 21:1

[10] أنظر 1كو 47:15

[11] يو 13:3

[12] في 7:2

[13] أنظر 1بط 1:4

[14] أنظ إش 6:50

[15] أنظر أم 28:22

[16] أنظر مت 20:10

[17] أع 7:16

[18] رو 8:8، 9

[19] ميخا 9:3

[20] ترجمت رسالة القديس أثناسيوس إلى إبكتيتوس ونشرها ” بيت التكريس لخدمة الكرازة ” في كتاب “المسيح في رسائل القديس أثناسيوس” في ديسمبر 1981. وقد قام بالترجمة المرحوم الأستاذ صموئيل كامل عبد السيد، والدكتور نصحى عبد الشهيد. وهى مع الرسالتين الأخرتين اللتين نشرتا في هذا الكتاب تعتبر أول ما ترجم من نصوص الآباء من اللغة اليونانية مباشرة، وقد صدرت طبعة ثانية لكتاب ” المسيح فى رسائل القديس أثناسيوس ” فى يناير 2000.

الرسالة رقم 39 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي