آبائياتأبحاثكتب

لقب الابن خليقة مميزة – الحوار الرابع ج3 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

لقب الابن خليقة مميزة – الحوار الرابع ج3 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

لقب الابن خليقة مميزة – الحوار الرابع ج3 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

لقب الابن خليقة مميزة – الحوار الرابع ج3 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري
لقب الابن خليقة مميزة – الحوار الرابع ج3 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

 

الحوار الرابع

في أن الابن غير مخلوق وغير مصنوع

 

هل يُعبّر لقب ” الابن” على أنه خليقة مميّزة؟

إرميا: غير أنه إن قَبَل هؤلاء بأنه يجب أن ندعوه وحيد الجنس لأنه هو الوحيد الذي جاء من الآب الفريد، فماذا ستكون إجابتك على هذا؟.

كيرلس: كنت بالطابع سأعتقد بأنهم فقدوا نعمة العقل الذي يجب أن يرى بطريقة لائقة وبشهامه. بل أنهم يرتكبون خطًأ كبيرًا من جهة معرفتهم بمعنى الأسماء مُعطين إياها معاني بحسب ما يرغبون. لأن “وحيد الجنس” تعني ذلك الذي وُلِدَ حسب الطبيعة من آخر وليس ذَلك الذي صُنِع بطريقه ماهرة. وليأتوا هؤلاء إلى هنا ليجيبونا عندما نسألهم أين قرأوا أن هذا التعبير يستخدم ليصف عملاً من الأعمال الفنيّة أو العلّمية. لأننا لن نسمح لأفكارهم الزائفة أن تُقنن ما يريدونه هم في توجيههم لمعاني الكلمات بطريقه خاطئة جدًا نحو تفسير غير سليم بالمرّة. فلو أن نجارًا- على سبيل المثال- قد صنع مركبًا واحدًا فريدًا، فهل كان يسمىّ وحيد الجنس بالنسبة له مع أن هذا المركب هو من صُنعِه ونتيجة لخبرته؟ وكيف لا يكون هذا مدعاة للسخرية؟ أم أنك تعتقد أن هذا تفكير حكيم؟.

 

إرميا: طبقًا لا أعتقد هذا بالمرّة.

 

كيرلس: وأيضًا ما يدّعيه المعارضون وبطريقه غبيّة بأن الابن وحده قد وُلِدَ من الآب ولهذا فإن له طبيعة مُميزَّه وأنه لذلك قد وصلَ إلى هذا القَدْر الرفيع من المجد، في كل هذا سنثبت بطريقتين أن هؤلاء المعارضون يرتكبون خطًأ وأنهم جهلاء.

 

إرميا: قُل لىّ كيف ستثبت هذا.

 

كيرلس: أولاً، إن تفكيرهم هذا سيقودهم بالضرورة وسيحصرهم في أن ينسبوا للآب أنه كفَّ (عن أبوَّته) بعد أن وَلَد الابن. وبدون أن يريدوا يعترفون بأن الطبيعة الفاعله على الدوام كفَّت عن فعل ما يخصها وأن عمليه الخلق قد إنتهت وأنه بعد ذلك لم ينشغل بأى أمر على الإطلاق بل أنه قد حوَّل للابن- بطريقه ما- أن يفعل الأمور التي بواسطتها فقط تُعرف خصائص الطبيعة الفائقة. وهكذا فإن ثمار الجوهر المولود ستكون هي خصائص الالوهيه بينما حسب ما هو ظاهر- فإن الله الآب سيكون فخورًا بالابن الذي هو مخلوق فريد بينما الابن وهو يري الأعمال الكثيرة، فإنه سيعتقد أنه في مرتبه أعلى مساوية لمرتبه الآب لأنه بسبب ولادته قد أرتقى ليكون خالقًا حيث إنه قد أحضر الأشياء غير الموجودة إلى الوجود، بل أنه أيضًا يفوق على ذلك بأنه صالح حيث إن عمل مَنْ هو صالح هو أن يُحضر للوجود تلك الأشياء التي لم تكن لها هبه الوجود. وهكذا فإن الحديث يبتعد عن الجدّية مظهرًا البطيء في الطبيعة الدائمة الحركة حيث إنها تَقْدَر فقط أن تَهِب الوجود للأشياء غير الموجودة. وهل لا يعتبر هؤلاء التعساء أن ولادة الابن هي توقف فعلّي للطبيعة الولوده وذلك بحسب أفكارهم الخاصة والتي يعتبروها صحيحة بالنسبة لهم؟. وإلاّ فإن كان الله الآب قد فضَّل أن يَكفُّ عن العمل، فلماذا كتب لنا موسى المطوّب كلاما غير صحيح بالنسبة لهؤلاء المعارضون قائلاً وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا[1]؟ لان عبارة “لنَخلقْ”[2] توضح أن الله لم يتحاش على الإطلاق أن يخلق، بمعنى أن يخلقنا نحن أنفسنا بل بالحري كان يُفضّل العمل المشترك مع الابن والروح القدوس وقد تمّ هذا بالفعل لأنه مكتوب فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ[3]. وكلام موسى لن يكون كاذبًا لأنه كان عالمًا بالأمور اللاهوتية وكان يكرّم طبيعة الله. غير أن الكلمة الذي أتي من الآب سيُعلن لنا بالأكثر أن طبيعة الآب هي فعّاله دائمًا وعامله. لأن المسيح عنفّ مرّة اليهود عندما رآهم غاضبون من أنه قد فعل شيئاً في يوم السبت قائلا لهم “أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل” وفي موضع آخر قال الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ[4]. إذن يا أرميا أليس من غير اللائق وهو خطأ كبير أن نعارض كلام المُخلّص ونصوص الكتاب المقدّس- والتي تتفق مع ما قاله الابن- ونجرؤ على القول بإن الآب غير فاعل أيضًا بالنسبة للخليقة؟.

 

إرميا: هو خطأ كبير بالفعل.

 

كيرلس: وأعتقد أن هناك أمراً آخر هو غير واضح وغير مفهوم.

 

إرميا: وما هو؟.

 

كيرلس: فَليَقُل ليّ هؤلاء إذن، لأني أريد أن أتعلّم، لو كان الابن فقط هو الذي خضع لعملّيه الخلق ولهذا فهو مختلف عن جميع المخلوقات لأنه هو الوحيد الذي صار بواسطة الآب فقط. فأيهما لا يحبه الآب: المخلوقات التي خُلِقَت بعد الابن وبواسطته والتي لم يسمح لها لهذا السبب أن تصل إلى درجه عاليه من الطوبى لأنه يترفّع عن خلقتها، أم أنهم سيقولون إن الآب هو فوق كل حسد وكل جمود؟.

إرميا: سيقولون هذا بالفعل على ما أعتقد.

كيرلس: سيقولون هذا لو أنهم كانوا يؤمنون حتى بهذا فقط. لأني لا أتخيّل أن يصلوا إلى أبعد من أفكار الفلاسفة اليونانيين في هذا الأمر، حيث إن أحدهم وهو أفلاطون قد قال عن الله “إنه كان صالحًا وبالتالي لا يوجد فيه حسد بالمرة تجاه أي شيء”. إذن طالما أن الآب هو صالح وبالحري هو نفسه معدن الصلاح، وبالتالي فهو قد سمح بإرادته وفِعله وحده، للمخلوقات أن تصل إلى درجه عاليه من السعادة، فلماذا إذن لم يجعل هذه السعادة عامة للجميع بدون أن يحسد بكونه هو الصالح، ولماذا أسند لآخر (الابن) أن يفعل هذا حارمًا بذلك الخليقة من أمر فائق لا يقارن؟.

 

إرميا: غير أن الآب لا يظَّل غير فاعل على الدوام لأنه يعمل مع الابن مُعطيًا الوجود لكل المخلوقات.

كيرلس: وما هي إذن مساهمه الابن في عملية الخلق؟ هل كانت تفوق قدره الآب ولهذا فقد كانت ضرورية له فيما يفعل وأنه قَبَلَها عن احتياج؟ أم كانت أدنى منه ولهذا فلم تكن ضرورية له؟ فإن كانت تَفوُقه وضروريّة وأنه لهذا قَبِلها فإن هذا الكلام سيكون بلا معني بل بالحري تجدّيف. لأن الابن سيكون متفوقًا على مَنْ جاء منه وسيفوق طبيعة الله الآب بل وسيكملّها بما تحتاجه وبكل ما هو صالح. ومن ناحية آخرى إن كان قَبِلَها مع أنها أدنى منه وليست ضرورية، حيث تُظهر عدم روعه الخليقة، إذن- فقل لي- ما هو الأمر الذي أقنع الآب كي يعمل مع الابن؟ وهل لن يبادر أحد بالقول إن الآب تخلّى عن ما هو أعلى– ولا أعرف بأي طريقة- بينما أراد أن يتمسك بما لم يكن أعلي. بمعني أنه يتحاشى بسبب الخوف أن يخلق بنفسه الخليقة، رغم أن عن طريقه هو وحده وبواسطته يمكن أن تظهر روعه الخليقة، وإنه قَبِلَ الابن كشريك حتى يكون  إحضار الخليقة هو عمل بلا أي شائبه؟.

 

إرميا: غير أنهم يقولون إن الطبيعة المخلوقة لم تتّم بفعل الآب وحده، لأنه كان سيكون من غير المعقول على مثل هذه القوة الفائقة السامية أن تضطر لأن تتنازل إلى فعل مثل هذه الأمور البسيطة.

 

كيرلس: إن هذا القول هو قول أحمق ينتج عن عقل طائش. أليس من عدم الحكمة أن يفكر أحد ويقول بإنه لو كان في الحقيقة خلق الخليقة هو أمر أدنى وغير مقبول ويمثل عبئًا بالنسبة للآب؛ إلاّ أن نفس الأمر ليس كذلك بالنسبة له عند خلق الابن وحده، إذ هو أمر مقبول وسامي، مع أن الابن له نفس طبيعة المخلوقات كما يقال؟ ولا يمكن أن يكون هناك أمر يمثل عبئًا عن خلق الخليقة ولا يمثل عبئًا عن خلق الابن حتى لو كان الابن يبدو مكانه أعلى من بقية الخليقة. إما  إن تجرأت بالقول بإنه لا يليق يسمو الآب أن يتنازل ويهتم بخلق الخليقة فإن مثل هذا القول يحمل في طيلته تجديفًا مزدوجًا، لأنه يهين الابن من ناحية ومن ناحية أخرى يلوم الآب رغم ظنهم بأنهم يكرمونه بمثل هذه الادعاءات.

 

إرميا: وماذا تقصد بقولك هذا؟.

 

كيرلس: في قولهم بتفوّق الآب، هم يظنون أنهم يقللّون من مكانه الابن، ومع هذا فاني أعتقد أنهم لا يستطيعوا أن ينزعوا عنه مكانته العليا وسمو مجده. إذن طالما أن طبيعة الابن هي هكذا وأنه قد وصل إلي هذه الدرجة من الكرامة والمجد حتى أنه يخلق الرئاسات والسلاطين والكراسي وما دونها، فقلّ لي هل يليق به أنه بينما يخلق عصفورًا صغيرًا وأشياء أخرى أقل، أن تنسب له أنه يخلق كل هذا بواسطة قدرات آخر؟ وماذا سيبقي صحيحاً في إيماننا لو أننا اعتقدنا بذلك؟.

 

إرميا: هذا لا يليق بأي حال من الأحوال لأنه مكتوب كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ[5].

  

كيرلس: وكيف لا تكون إهانه وتحقير لطبيعة الابن أن يخلق عصفورًا صغيرًا؟ وطالما أنه هو صورة الآب وشبهه، فهل هذا الشبه يعني أنه يهدر قوّته المُحييّة في خلق مثل هذه الأشياء المتواضعة؟. وبالتالي فهّم عندما يَتعجّبون من قدره الآب الفائقة فإنهم يَقولون إن خلقته للملائكة هو أمر متواضع وبالتالي كان سيكون من السهل عليهم أن يقولوا بإن الابن لا يجب  أن يخلق عصافيرًا أو زواحف وأيضًا كل تلك الأنواع العديدة من الزهور في الحقول؟ ولكن لماذا يصفه المزمور بكل هذه الصفات الرائعة قائلا الْمُنْبِتُ عُشْباً لِلْبَهَائِمِ وَخُضْرَةً لِخِدْمَةِ الإِنْسَانِ[6]؟ وبطريقه آخرى إذن هم يعترفون (بآلهه) أخرى خالقه لها نفس طبيعة تلك الخلائق البسيطة أو هم يهينون وبطريقه علنيّة الابن الوحيد عندما يتحدّثون عنه كخالق فقط لتلك المخلوقات البسيطة.

 

إرميا: لو فكروا بهذا سيكون أمرًا خطيرًا عليهم.

 

كيرلس: وكيف لا ينسبون للآب حماقة وتفاخر بقولهم إنه لم يرغب في أن يكون خالقًا لتلك المخلوقات التي يريد أن يكون هو ربها؟ مع أننا نسمع المسيح وهو يثني علي عناية الله الآب وتدبيره عندما قال: أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لاَ يَسْقُطُ عَلَى الأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ[7]. وكيف يمكن لذلك الذي يبسط عنايته حتى بالنسبة للعصافير، أن ينسي أن يخلق ملائكة وأن يبسط السماء ويثّبت الأرض ويصنع الشمس والقمر والنجوم، تلك الأمور التي اِمتُدحت من الملائكة القديسين على أنها عمل الخالق العظيم، لأن الربّ قال “ترنمت كواكب الصبح معاً”[8]. فألا يتضّح لك أنه يجب أن نفكر بطريقه سليمة فيما يجب أن نقوله؟.

 

إرميا: بالتأكيد.

 

كيرلس: قُلّ لي أذن، هل تَستَطيع أن تقول إن جزء صغيرًا أو كبيرًا من بين المخلوقات ليس هو نتيجة عمل القوّه الإلهية؟.

 

إرميا: إطلاقًا.

 

كيرلس: وكيف لا يكون دليلاً على جهلهم أنهم يَصفُون الأعمال التي تمّت بواسطة الابن بأنها إلهيه ومع ذلك لا يؤمنون أنه هو الله بل يحسبونه ضمن المخلوقات كما لو كانت له نفس طبيعة الأشياء المخلوقة؟ لأن ما هو مخلوق ليس هو الله، ولن تستطيع المخلوقات أن تشعر بتفوّق طبيعة خالقها على طبيعتها إن لم تكن طبيعتها أقل بل ومختلفة عن طبيعة الله الذي خلقها، ولقد فهم الطوباوي بولس هذا الأمر جيدًا عندما كتب لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ[9]. إذن هل يمكن أن تُدرَك الوهيته وقدرته السرمديه لو جعلتم الكلمة خالق الكل، مخلوقًا؟![10].

حاشا لأنه أزلى. لكن أعتقد أنه- حسب تفكيرهم هذا- يمكن للخليقة أيضًاأن تتباهى بكونها إلهيه، غير أنه ما سينتج من مثل هذا التفكير؟ سيظهر أن الخليقة التي يشاهدونها أمامهم وليس الله الخالق- ستكون بالنسبة لهم كإله”[11].

 

[1] تكوين26:1 في موضع آخر استخدم القديس كيرلس هذه الآية لشرح عقيدة أن الله هو جوهر واحد وثلاثة أقانيم أنظر: الحوار حول الثالوث. المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ج1 ص وهنا يستخدمها لبيان دور الله الآب، الإيجابي في عملية الخلق. هذا الدور كان من الممكن ألاّ يكون إيجابيًا كنتيجه لتفكير المعارضين وثانيًا: للتركيز على العمل المشترك لأقانيم الثالوث كنتيجة طبيعية لوحدة الجوهر بينهم.

[2] انظر تكوين27:1.

[3] تك27:1

[4] يوحنا14: 10

[5] يوحنا3:1

[6] مز14:104

[7] مت29:10

[8] ايوب7:38

[9] رومية20:1

[10] وبالتالي خاضع لعنصر الزمن ولن يكون سرمديًا.

[11] وهذا ما ذكره بولس الرسول في رسالته  إلى أهل روميه عندما تحدث عن هؤلاء الذين “عبدوا المخلوق دون الخالق” (رو1: 25)

 

لقب الابن خليقة مميزة – الحوار الرابع ج3 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري