آبائياتأبحاثكتب

شركة الخصائص الذاتية ج1 – الحوار الثالث ج2 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

شركة الخصائص الذاتية ج1 – الحوار الثالث ج2 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

شركة الخصائص الذاتية ج1 – الحوار الثالث ج2 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري
شركة الخصائص الذاتية ج1 – الحوار الثالث ج2 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

 

الحوار الثالث

” إن الابن هو إله حقيقى كما أن الآب إله حقيقى “

 

أمثلة عن شركة الخصائص الذاتية للآب والابن:

المثال الأول:

إرميـــا: وماذا تقصد بهذا؟

 

كيرلس: ألا تعرف يا صديقى أن بولس الطوباوى يكتب عن الله الآب قائلاً: ” لكى يكون الله الكل في الكل[1].

 

إرميـــا: وما معنى هذا؟

 

كيرلس: انتبه، فالقديس بولس أعطى نفس المجد للابن ويزيّن طبيعة الابن الوحيد بتلك الأمور التي تمجد الآب وذلك عندما قال في موضع آخر عن الابن ” الذي يملأ الكل في الكل[2].

 

إرميـــا: نعم لقد قال هذا.

 

كيرلس: أعتقد إذًا أن المرء سيُمكنه أن يتساءل عن كيفيّة حدوث ذلك (لأنه سيقول) طالما أن الله الآب يملأ الكل ويوجد ويُعرف من الكل بأنه الله فإنى لا أرى أى مساحة (متبقية) يمكن أن يملأها الابن. ولهذا فنحن مجبرين على أن نفكر بأنه إن لم يكن الواحد منهما في الآخر جوهريًا فحينئذ فإن ملء الكل بواسطة الله الآب سيكون لا لزوم له، لأن الملء سيكون كافيًا بواسطة الابن. أو عكس ذلك إذ أنه إن كان الله الآب يملأ الكل، حينئذٍ سيكون الملء المُعطى للكل من الابن بدون داعٍ طالما أن الآب كافٍ وقادر على أن يملأ الكل. وكيف يمكن للمرء أن يثبت أن الكل ينقصه شئ طالما أن الله الآب هو الذي يملأ هذا الكل.   وهكذا يا صديقى، تجد أن كلمات الحكيم يوحنا ـ في فكر المعارضين ـ هى بلا معنى، وأن تمجيده للابن كان بدون وجه حق عندما قال عن الابن والقديسين ” ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا[3]، فلأى شئ كانت حاجتهم التي أخذوها من ملء الابن طالما أن كل ما كانت الخليقة في احتياج إليه موجودًا في الله الآب وحده، وتكون الخليقة غير محتاجة لشئ من أى أحد غيره؟

 

إرميـــا: لقد تكلّمت بالصواب.

 

كيرلس: وعندما نفحص بالضبط ما هو “الملء” المُعطى من كل من الآب والابن فإنه يصير واضحًا إذًا بالنسبة لكل منا أنه، إن كان الجوهر منقسمًا في كليهما حتى أنهما يصيران مختلفين (في الجوهر)، أفلن يعنى هذا إذًا أن الملء الخاص لكل منهما سيكون متناسبًا مع طبيعته (الخاصة به)؟

إرميـــا: حتمًا.

 

كيرلس: فلو قلت إن الآب هو إله حقيقى فحتمًا ستكون أفعاله هى إلهية، بينما لو قلت إن الابن هو مجرد من الألوهة الحقيقية فيتبع ذلك أن قدرته على الملء ستكون طبعًا غير إلهية، وستكون متفقة حتمًا مع طبيعته (الغير إلهية). وهكذا سيكون كل الملء فينا مزدوج وغير متساوٍ. وطالما أن الملء المُعطى بواسطة الآب كان كافيًا لهؤلاء الذين نالوا الخلاص، إذ هو ملء إلهى أعلى من كل ملء. فإذ كان حقيقيًا أن الابن لا يعمل كما يليق بإله حسب الطبيعة إذًا فإنه لم يضف إلينا غير ملء أقل من ملء (الآب). وأيضًا لو قبلنا أن ملء الابن هو أمر نافع وهام وضرورى لخلاصنا فلن يتبقى إلاّ أن نفكر وأن نقول إن الأفضل قد احتاج إلى الأدنى، وأن الأصغر قد أضاف إلى الكامل ما ينقصه، هذا إن كان حقيقيًا أن الملء المعطى بالله الآب لم يكن كافيًا لخلاصنا. وهذا اتهام سخيف ويجب ألاّ يكون إيماننا بهذه الحقائق هكذا.

          وبالتالى فيلزم أن نُلقي عنا بعيدًا كل هذا الهذيان. فما نؤمن به وما نعتقده هو أن فعل الآب والابن واحد[4]، كما أن الملء الحادث فينا بواسطة الآب والابن هو واحد، وذلك لأن طبيعة الآب والابن هى واحدة. فالواقع أن الطبائع التي يصل اختلافها إلى حد التباين والتي تتباعد فيما بينها تمامًا إلى حد الغربة لا يمكن أن يكون لها نفس الفعل المتساوى والمتطابق في أى من الكائنات. لكن حيث تختلف الطبائع فبالضرورة تكون الأفعال أيضًا مختلفة وغير متشابهة.

 

إرميــا: هذا حقيقى. غير أنى أريد أن أسألك كيف نفهم أن الملء يحدث فينا بواسطة الآب والابن طالما أن هذا الملء واحد ومتشابه.

 

كيرلس: بالتأكيد ليس هناك مانع ولا صعوبة في شرح هذه الحقيقة. وهل هناك طريقة أخرى تمكّننا من ذلك سوى معونة الروح القدس؟ ذاك الذي هو نفسه يملأنا بالنعم الإلهية. والذي يجعلنا شركاء الطبيعة الإلهية؟[5] لأنه هكذا كتب تلميذ المسيح ” بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا إنه قد أعطانا من روحه[6].

 

إرميـــا: وهل يتم فينا الملء من كل من الآب والابن بواسطة الروح القدس الواحد معًا، أم يتم من كل واحد منهما على حدة؟

 

كيرلس: تمامًا يا إرميا، غير أن ما يدفعك إلى التساؤل لكى تتعلّم ـ على ما أعتقد ـ هو أنه إن كان الملء يتّم فينا بواسطة الآب والابن فكيف وقد صار هذا الملء تامًا أن يتّم فينا فعل ملء الروح القدس أيضًا؟

 

إرميـــا: وما هو رأيك إذًا؟

 

كيرلس: ربما أنك تفكر ـ وكما هو طبيعى ـ وتقول إنه إن لم يكن للابن طبيعة مساوية لطبيعة الآب، طالما أن الابن ـ حسب ما يعتقد هؤلاء ـ أقل في جوهره من جوهر الآب، فلا أعرف كيف سيفعلان (أى الآب والابن) شيئًا في داخلنا طالما أن الابن غير مساوٍ (للآب) ومتغيّر في كل شئ، وحينئذٍ كيف سيمكن اعتبار أن ملء الآب والابن قد تمّ فينا؟

 

ثم كيف سيتم فينا هذا الملء بواسطة الروح القدس وحده، إن كان من المحتمل أنه يفعل فينا فعل ملء الآب والابن كخادم[7] مع أنه يحمل إلينا هذا الملء بحسب طبيعته الإلهية التي هى نفسها طبيعة الآب والابن.

 

إرميـــا: كلامك معقول، لأن هذا هو ما يدور في عقلى بالفعل.

 

كيرلس: إذًا لنوجّه حديثنا نحو هذه الأمور ويمكننى أن أقول إن مَن يمكنه بذاته أن يجعل الآخر يشترك في أشياء أخرى بدون أن يفقد علاقته الطبيعية بها، فإنه يتصرف بطريقة تدل على أنه مساوٍ لها. لأنى أعتقد أن كل مَن يُظهرون أن لهم فيما بينهم فعل متساوٍ في القوة، فبالضرورة لابد وأن يكون لهم نفس الطبيعة.

 

إرميـــا: استطرد من فضلك في حديثك معطيًا لى مثالاً حتى أستطيع أن أتابعك.

 

كيرلس: سأستطرد في الشرح وسأقول لك إن الشمس[8] على سبيل المثال تُرى وتُدرك على أنها شئ واحد في حد ذاته، عالية هناك، وتتبع نظامًا محددًا حسب ما قصد خالقها. هذه الشمس تُرسل لأسفل أشعتها وتتصل بالموجودات على الأرض، وتنقل إليها الإحساس بالحرارة. وإن أردنا معرفة طبيعة الشمس ومن أين اكتسبتها، فإننا نستطيع ذلك بدون جهد. لأنها ملتهبة وتشبه النار. وكل مَن اقترب منها ولو لمرة واحدة يستطيع بسهولة أن يدرك ذلك بدليل الأشعة الساخنة التي تأتى منها.

 

إرميــا: تتكلم بالصواب، لأنه بالفعل، يمكن الشعور بها لأنه أمر غير صعب.

 

كيرلس: بالمثل، كيف لا يكون الأمر الذي تتكلم فيه واضحًا أمام ذوى العقول؟

إرميـــا: ماذا تقصد؟

 

كيرلس: أقصد أن طبيعة الشمس لا تختلف عن طبيعة الأشعة التي تصدر منها وتخترق المخلوقات التي تتأثر بحرارتها. لأنه كيف من الممكن أن يكون فعل الشعاع مختلفًا وطبيعة الشمس بالنسبة له هى مصدر إشعاعه، حتى أن الشعاع يُدرك على أن له نفس نوعية جوهر الشمس التي تشعه؟

 

إرميـــا: طبعًا لا يمكن أن يكون الشعاع مختلفًا.

 

 

طبيعة الروح القدس

كيرلس: لنأتِ الآن للحديث عن طبيعة الروح القدس ولنفحص الأمر بتدقيق، بدون أن يخرج حديثنا عن هدفه. لأن الوقت يدفعنا للحديث عن أمورٍ أخرى مهمة. ولنفكر في أحد أمرين. هل نحسب الروح القدس مع الآب والابن وبالتالى له نفس الطبيعة الإلهية الواحدة، أم لا؟[9]

 

إرميـــا: يقولون إنه واحد هو الإله الحقيقى وهو الآب ومعه لا يحسبون آخر.

 

كيرلس: وبالتالى وحسب ما يقوله هؤلاء، فإن الابن والروح القدس لا يحسب أى منهما إلهًا حقيقيًا، بل يحسبونهما ضمن المخلوقات العديدة والتي هى ـ حسب قولهم ـ لها نفس طبيعة الابن وهى بعيدة كل البُعد عن جوهر الله الآب. وليدُلّنا هؤلاء عن مَن هو الله، الذي يوجد أيضًا فينا إن كان الروح القدس يسكن في الذين تعمدوا؟[10] وأعتقد أنهم لا يقدرون أن يقولوا شيئًا عن الله الآب، غير أن كوننا شركاء الطبيعة الإلهية[11] هو حقيقة لا يستطيع أحد أن يحصل عليها بواسطة روح مخلوق لو أن الروح القدس ليس إلهًا من طبيعة الله الآب[12]. ويبقى أن نقول إن الابن فقط هو الذي يوجد فينا مع أنه ـ وفقًا لما يقولون ـ له طبيعة مختلفة وهو بعيد عن جوهر الله الآب. ولهذا السبب فهم يُحْصَون الابن مع المخلوقات. وهكذا فمَن يوجد داخلنا أى الروح، هو مخلوق وليس الله. ومع أنه ليس له علاقة مع الله الآب فإنه يهبنا التقديس. وأيضًا إن هم نظروا إلى أعلى وقالوا إن الابن هو إله فليقولوا لنا، هل سيوجد داخلنا إلهان، طالما أن الآب والابن يسكنان فينا. أم يسكن فينا إله واحد؟ لأن المسيح قال: ” إن أحبنى أحد يحفظ كلامى ويحبه أبى وإليه نأتى وعنده نصنع منزلاً[13].

إرميـــا: لا أعتقد أنهم يقصدون إلهين فربما يميلون نحو الأصح ويقبلون أنه يوجد في داخلنا إله واحد حق حسب طبيعته وأنه ـ حسب اعتقادهم ـ هو الآب فقط.

 

كيرلس: إذًا هم مضطرون ـ وليس بحسب رغبتهم ـ أن يقولوا الآتى: إن كان يوجد داخلنا إله واحد فقط وهو الآب وأن الابن يأتى معه بدون لزوم أو ضرورة، فإن كان الابن ليس إلهًا حقيقيًا، فحينئذٍ يكون الملء الذي يتم بواسطته هو بدون أى هدف. وسيكون مجىء المسيح إلى داخلنا هو أمر غير لائق طالما أنه دخول بلا هدف.

          لأنه طالما أننا هيكل للإله الواحد وليس لآلهة كثيرين فيجب أن نصرخ إلى الابن كى يخرج من داخل قلوبنا، أو بالحرى من الذي وعد بأن يأتى إلينا هو أيضًا طالما أنه لا يستطيع أحد أن يأتى مع الآب مادام الآب وحده كافٍ بطبيعته الإلهية كى يملأ بالتمام الهيكل الذي سيحل فيه؟

          وبالتالى (سأعود مرة أخرى إلى هذا الموضوع) فإن الله لن يأتِ إلى داخلنا بواسطة الروح القدس، وذلك لأن مَن ليس له الطبيعة الإلهية ـ حسب قولهم ـ لا يستطيع أن يهبنا أن نكون شركاء الطبيعة الإلهية. وهكذا فإن مجىء المسيح إلى داخلنا مع الآب هو بلا نفع ولن يكون هناك ما يمنعنا من أن نصف قول المطوّب بطرس أنه بلا معنى إذ أنه كيف يقول بوضوح أن المسيح الإله يكون داخلنا بواسطة الآب وأن الآب يدعونا بواسطة الابن أن نكون شركاء الطبيعة الإلهية حقًا.

 

إرميـــا: أقوالهم هذه هى خالية من كل تقوى.

 

كيرلس: نحن نتفق على أن طبيعة الألوهة واحدة. وأن الابن ليس كما يقولون هؤلاء، غريب عن الآب، وأنه إله حقيقى يأتى منه ويوجد فيه، وهكذا فإن طبيعته هى طبيعة الذي وَلَده. ولذلك فنحن لا نؤمن أنهما إلهان[14] لكن إله واحد وفريد يُعبد في ثالوث قدوس[15]. هل تعتقد أنه يجب أن نقبل هذه الحقائق أم نقول إنها غير صحيحة؟

 

إرميـــا: إنها صحيحة تمامًا.

[1] 1كو28:15.

[2] أف23:1.

[3] يو16:1. يرى ق. كيرلس في هذه الآية ما يوضّح إختلاف طبيعة الابن عن طبيعة باقى المخلوقات وأنها تثبت ألوهيته فيقول: ” نحن نأخذ من ملئه والطبيعة الإنسانية التي وجدت أنها= =تحتاج إلى كل شئ تأخذ من ملئه. من ملء الابن كما من الينبوع الأصلى وعطية النعم الإلهية تتدفق على كل نفس تستحق أن تأخذ. وإذا كان الابن يعطى من ملء طبيعته، فالخليقة هى التي تأخذ. فكيف يمكن أن يعتقد أحد أن الخليقة لها ذات المجد الذي للابن. فهو يعلو الجميع بحسب طبيعته الخاصة ويفوق الكل بكرامة كيان أبيه “. شرح إنجيل يوحنا، إصدار مركز دراسات الآباء، القاهرة 1989، ج1 ص138. ويعود ق. كيرلس لإستخدام هذه الآية مرة أخرى. انظر ص73.

[4] وقد سبق ق. أثناسيوس أن استخدم ما جاء في رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 13:13 ” نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وبشركة الروح القدس مع جميعكم ” ويدلّل بهذا على ألوهية أقانيم الثالوث ووحدتهم في الطبيعة والفعل فيقول: ” لأن هذه النعمة الإلهية التي تعطى في الثالوث من الآب بالابن في الروح القدس، وكما أن النعمة المعطاة هى من الآب بالابن، هكذا فإنه لا يكون لنا شركة في العطية إلاّ في الروح القدس. لأننا حينما نشترك فيه تكون لنا محبة الآب ونعمة وشركة الروح نفسه. ويتضح مما سبق أن فعل الثالوث هو واحد. فالرسول لا يعنى أن ما يعطى، يعطى من كل واحد متنوعًا ومجزئًا “. الرسالة الأولى إلى سرابيون عن الروح القدس المرجع السابق30، 31.

[5] 2بط4:1 بمعنى أن نكون شركاء في عطايا ونعم ومواهب الروح القدس. في موضع آخر وفي دفاعه عن ألوهية الابن المتجسد، يتحدث ق. أثناسيوس عن علاقتنا بالابن والتي تتم عن طريق الروح القدس على أنها علاقة مع الابن وكلمة الله ذاته، مستخدمًا نفس هذه الآية لتدعيم تعاليمه. انظر المقالة الأولى ضد الآريوسيين، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، فقرة 16.

[6] 1يو13:4.

[7] يشدّد ق. كيرلس على أن الروح القدس بسبب أنه رب وواحد في الجوهر مع الآب والابن، فإنه يعمل بسلطة بحسب طبيعته الإلهية وليس كخادم. وفي صلاة سر حلول الروح القدس في القداس الإلهى المنسوب لاسمه يقول ” وإرسل إلى أسفل من علّوك المقدس … روحك القدوس الكائن بالأقنوم، غير المستحيل ولا متغيّر الرب المحييّ … الفاعل بسلطة مسرّتك، الطهر على الذين أحبهم وليس كخادم ” الخولاجى المقدس. دير البراموس الطبعة الثالثة 2002 ص467. وفي شرحه ليوحنا 25:14ـ26 يقول: ” فالروح لأنه يعرف ما هى مشورة الابن الوحيد فهو يخبرنا بكل شئ، وهو لا يأخذ هذه المعرفة بالتعلّم لكى لا يبدو أنه يشغل رتبة الخادم الذي ينقل كلمات آخر بل هو روحه، وإذ يعرف ـ دون تعلّم ـ كل ما يخص ذلك الذي هو منه وهو كائن فيه، فإنه يعلن الأسرار الإلهية للقديسين “. وأيضًا يكرر نفس هذه الحقيقة، لكن من جهة علاقة الآب بالروح القدس فيقول في شرحه ليوحنا 15:16 ” كل ما للآب هو لى “: [ الله الآب له روحه الذاتى من ذاته وفي ذاته أى الروح القدس الذي بواسطته يسكن في القديسين ويعلن لهم أسراره ـ لا كأن الروح يمارس مجرد وظيفة خدمة ـ بل بالحرى لأنه هو فيه جوهريًا ومنبثق منه بغير إنفصال ولا إنقسام وهو يفسر ما هو خاص بذلك الذي هو كائن فيه والذي منه يصير ـ وهذا ما هو يخصه أيضًا هو نفسه ـ لأن الله له إتحاد بالخليقة، فقط بواسطة ابنه في الروح وهذا الروح يخص الابن الوحيد لأنه واحد معه في الجوهر ]. انظر مقال “الروح القدس عند القديس كيرلس” د. نصحى عبد الشهيد، ضمن كتاب “الروح القدس عند الآباء”. مركز دراسات الآباء 1994. ويؤكد ق. أمبروسيوس نفس هذه الحقيقة الإلهية بقوله: [ وبكل يقين الروح القدس ليس خادمًا بل شاهدًا للابن، وهذا ما يقوله الابن نفسه ” هو يشهد لى ” (يو26:15) فالروح شاهد للابن والشاهد يجب أن يعرف كل شئ لأن الله الآب هو أيضًا شاهد ]. كتاب الروح القدس. مؤسسة القديس أنطونيوس 1983 الكتاب الأول ص24.

[8] كثيرًا ما استخدم الآباء تشبيه الشمس وأشعتها لإثبات وحدة الجوهر الإلهى للآب والابن. انظر على سبيل المثال: القديس أثناسيوس، تجسد الكلمة، ترجمه عن اليونانية وتعليقات د. جوزيف موريس فلتس، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، طبعة ثالثة 2004 الفصل 32 فقرة3 ص 90ـ91. انظر أيضًا المقالات ضد الآريوسيين إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، المقالة الأولى فقرة 13، 25. المقالة الثانية فقرة 33. المقالة الثالثة فقرة 15:5. الرسائل عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية 1994: الرسالة الأولى 16، 19، 20، 30. ” الآب نور والابن شعاع ونور حقيقي الآب إله حقيقي والابن إله حقيقي “. الرسالة الثانية: 2. القديس غريغوريوس النيسى: ضد أفنوميوس، الكتاب الثامن P.G 45. 773B

[9] سبق القديس أثناسيوس أن وصف الذين يحاربون الروح القدس وينكرون ألوهيته بأنهم ” لم يدركوا أنه كما لا يجوز أن نفصل الابن عن الآب محافظين على الإيمان الصحيح بإله واحد، هكذا أيضًا فإنهم إذ يفصلون الروح عن الكلمة لا يحتفظون بعد بالإيمان بألوهية واحدة في الثالوث لأنهم يمزقون الألوهة ويخلطون معها طبيعة غريبة ومن نوع مغاير” المرجع السابق. الرسالة الأولى: 2.

[10] سكنى الروح القدس في الذين تعمدوا يدل على ألوهيته، انظر شاهد رقم 1 ص 11.

[11] 2بط4:1.

[12] أكد ق. أثناسيوس هذه الحقيقة الإلهية مدافعًا عن ألوهية الروح القدس ـ كما كان قد سبق فدافع عن ألوهية الابن المتجسد ـ وذلك ببيان كل ما أتمه الابن والروح القدس (إذ هما واحد في الجوهر) لأجل البشرية، الأمر الذي لم يكن في مقدور أى من الخلائق عمله. وفي رسائله عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون يقول: ” وإن كنا بالإشتراك في الروح نصير شركاء الطبيعة الإلهية فإنه يكون من الجنون أن نقول عن الروح القدس من طبيعة المخلوقات وليس من طبيعة الله. وعلى هذا الأساس فإن الذين هم فيه، يتألهون وإن كان هو يؤله البشر، فلا يتبقى أن يشك في أن طبيعته هى طبيعة إلهية، وفي نفس الموضع يقول: ” فلو كان الروح القدس مخلوقًا، لما كان لنا إشتراك في الله بواسطته، فإن كنا قد اتحدنا بمخلوق فإننا نكون غرباء عن الطبيعة الإلهية حيث إننا لم نشترك فيها”. انظر الرسائل عن الروح القدس المرجع السابق. الرسالة24:1. وواضح هنا تأثر ق. كيرلس بهذه التعاليم.

[13] يو23:14. يستشهد ق. أثناسيوس بهذه الآية للدفاع ليس فقط عن ألوهية الابن المتجسد بل وأيضًا عن ألوهية الروح القدس فيقول: ” فالمواهب التي يقسّمها الروح لكل واحد تُمنح من الآب بالكلمة.= =لأن كل ما هو من الآب هو من الابن أيضًا. إذًا فتلك الأشياء التي تعطى من الابن بالروح هى مواهب الآب. وحينما يكون الروح فينا، فالكلمة الذي يعطى الروح يكون أيضًا فينا، والآب موجود في الكلمة وهكذا يكون كما قال ” سنأتى أنا والآب ونصنع عنده منزلاً “. الرسائل عن الروح القدس. المرجع السابق. الرسالة الأولى: 30.

[14] هنا يدافع القديس كيرلس عن ألوهية الابن بكونه ضمن الأقانيم الثلاثة لله الواحد ويقول بأننا لا نؤمن أن الآب والابن إلهين لكن إله واحد وفريد يُعبد في ثالوث مقدس، وكان ق. أثناسيوس قد سبق ودافع بالمثل عن ألوهية الروح القدس ضد الذين أنكروا أنه رب وإله وبالتالى فقد جعلوا أقانيم الله الواحد اثنين وليس ثلاث ولهذا وجه لهم ق. أثناسيوس السؤال التالى: [ وإذًا فحيث إن الكنيسة لها أساس الإيمان، قليقل لنا أولئك الناس مرة أخرى وليعطوا جوابًا هل الله ثالوث أم اثنان؟ فإذا كان اثنين فعليكم أن تحسبوا الروح من بين المخلوقات. وبهذا يكون إيمانكم ليس إيمانًا بالله الواحد ” الذي على الكل وبالكل وفي الكل ” ] (أف6:4) المرجع السابق. الرسالة الأولى: 29.

[15] وقد سبق القديس أثناسيوس وأكد هذه الحقيقة بقوله ” لأنه كما أن الآب هو الكائن الذي يكون، هكذا أيضًا الكلمة هو الكائن والإله على الكل. والروح القدس ليس بدون وجود حقيقي بل هو يوجد وله كيان فعلى. وليس بأقل من هؤلاء الثلاثة تعتقد الكنيسة الجامعة “. المرجع السابق: الرسالة الأولى إلى سرابيون: 28.

شركة الخصائص الذاتية ج1 – الحوار الثالث ج2 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري