آبائياتأبحاثكتب

الولادة والتغير – الحوار الثاني ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

الولادة والتغير – الحوار الثاني ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

الولادة والتغير – الحوار الثاني ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

الولادة والتغير – الحوار الثاني ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري
الولادة والتغير – الحوار الثاني ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

 

الحوار الثانى

عن أن الابن أزليّّ مع الله الآب ومولود منه حسب الطبيعة

 

الولادة والتغيّر :

إرميـــا: هذا هو التفكير الصحيح. ولكنهم سوف يتساءلون مرّة أخرى على ما أظن، عن كيفّية أن الآب عندما وَلَدَ، لماذا لم يصبه شئ مما يحدث في العادة للذين يَلِدون، مثل التجزئة أو انفصال جزء منهم عنهم؟ وكيف لا تكون العلّة أقدم من المعلول في كل الأحوال؟

كيرلس: هذا أمر صعب للغاية يا إرميا وليس من السهل أن نصل إلى عمقه، وهو أمر ليس سهل المنال حتى للقادرين على الشرح. لأن العقل لا يستطيع أن يدرك مَنْ هو فوق العقل، ومَنْ هو فوق الكلام، لا يمكن شرحه بالكلام. فالله آب وقد وَلَد الابن بالحقيقة من جوهره الخاص، وهذا تسلّمناه بالإيمان؛ والكتب المقدّسة الموحى بها من الله تذكر في كل مكان، الله الآب وأنه وَلَدَ.       

          وأعتقد أنه يجب أن لا نكون فضوليين أكثر من ذلك، وألاّ نجازف بالفحص المتهور لما تسلّمناه بالإيمان. وذلك لأن الذي من الإيمان لا نسعى لامتلاكه بطرق أخرى. وذلك كما يقول الرسول الحكيم جدًا بولس : “لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلَكِنَّ \لرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟ “[1] وَلَكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ \لَّذِي يَأْتِي إِلَى \للهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ[2]، ولا ينبغي أن نبحث أكثر من ذلك. ولهذا يجب أن نقبل الرأي بأن الله هو الآب وأنه وَلَدَ، ولنترك كيفيّة ذلك لأنه فوق قدرتنا.. وأعتقد أنه لا يخطر ببال إنسان أن يسخر من أولئك الذين ـ بحكمة ـ سلّموا بالتفوق لما هو أعلا منهم. وهكذا نحن نعرف أن كيفّية الولادة الإلهية تفوق كل عقل. وهذا يمكن أن نعرفه من الله الذي أعلن عن اللوغوس الذي خرج من طبيعته، هكذا: “من البطن قبل الصبح ولدتك[3]. والتعبير”من البطن” يدل على أن الابن وُلِدَ من جوهر الآب بالطبيعة. وهو تشبّيه مأخوذ من حياتنا اليومية. وأما عن ذِكْر “قبل الصبح” فهذا يدّل على أن عملية الولادة قد تمّت في غموض وبشكل سرّى يصعب فهمه مثلما يحدث عندما لا يرى شخص شيء ما بسبب الضباب الكثيف. وحينما يبدأ الفجر في البزوغ بنوره وشعاعه من المشرق تبدأ إشعاعات صغيرة في الظهور في الأثير ويظهر نور خافت وضعيف ليُعدّ الطريق لنور الشمس الساطع بينما تكون أنوار الليل وظلماته قد وهنت جدًا. ولكن مادمنا لا نرى نور الفجر في السماء، فإن الليل يظّل مخيّمًا ويكون الظلام كثيفًا في العيون. وقل لىّ أنت بحق، ما هو الغريب في أن نقول إن الابن وُلِدَ، مادمنا قد قبلنا أنه وُلِدَ “قبل الصبح”؟

إرميـــا: ليس هناك ما يدعو للعجب يا صديقي العزيز، في أمر الولادة فإن الأمر حقًا قديم قَدِم الفجر بالنسبة للنهار.

كيرلس: إذن من الأفضل أن نقول “قبل السماء والأرض” لأنهما أقَدم من النجوم والفجر، أو أن نقول، وهذا أفضل، إن الابن كائن قبل وجود الأرض والسماء أي قبل الخليقة كلها. وهذا في رأيي أمر بديهي، فالابن خرج من الآب الذي لا بداية له، وقد وُلِدَ بشكل يفوق الفهم. ولهذا فإشعياء الفصيح يقول بدوره “من يخبر بجيله” ويقول إن ” قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ[4] وفى رأيي أن ” الجيل ” يعنى الولادة و”الحياة” تعنى الوجود. وهذه الحياة أُخِذَت من كل الأرض بمعنى إنها تنتمي للأرض، ولكنها تفوق ذهن كل كائن على الأرض، إنها تعلو فوق مستوى مفاهيمنا، ولا تقدر أي قامة إنسانية على سبر غورها. والنبي كان على حق فيما قال، وفى أن الابن يسمو على الزمن أيضًا، وإنه مثله مثل الآب يعلو على كل بداية، فهذا ما صرخ به نبيّ أخر من الأنبياء القديسينأَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ[5]. فالنبي يتكلّم عن الميلاد كخروج خاص من كيان الآب، وهذا يجعلنا نفهم معنى وجود الابن الدائم، الذي وُلِدَ منذ البدء الذي لا بدء قبله ـ مع الذي وَلَدَه، وهذا الوجود معناه أن الابن مولود وليس أنه غير مولود. يا للسخرية التي تنتظرهم أمام جميع الناس، هل فكّرت في ذلك، فهم يعتقدون ـ لا أعرف كيف ـ أنهم قادرون بواسطة أفكار بشرّية أن يصلوا إلى حقائق إلهية عالية جدًا. إني أتساءل، بأي طريقة يمكن أن نعرف كيف يلد الله، بينما لم نعرف بعد كيف أنه كائن بالطبيعة؟

إرميـــا: هذا مستحيل لأنه جَعَلَ الظُّلْمَةَ سِتْرَهُ[6] حسب المكتوب “وحوله مظلّته”. وذلك لأنه حسب اعتقادي؛ فإن الصعوبة تكمن في رؤيته، أو بالأولى في عدم القدرة على استيعابه، والكتاب يسمى ذلك ظلمة ومظلّة. وهو الذي يملأ الكّل وهو غير معروف بالكامل إلاّ لنفسه ولمولوده أي ابنه. وقد قال الابن ذلك لاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ[7].

كيرلس: هذا كلام صحيح وأريد أن أُبدى لك إعجابي بهذه الأفكار. إذن، لو أن إنسانًا بدأ في البحث عن أمر يفوق العقل ولا يمكن اقتناؤه بواسطة العقل، فلا يجب أن نمدح هذا الإنسان على أنه مجتهد إذ أن تعبه باطل، بل يجب أن نقول لكل إنسان من هذا النوع ما قاله الحكيم: “الذي يتكل على الأكاذيب سوف يرعى الرياح ويطارد العصافير الطائرة ويترك طرق مزرعته، وهو يسلك في الضلال ويسير في صحراء بلا ماء وأرض مهيأة للعطاش ويحصد بيديه العقم”[8]. وهم يفتقّدون تمامًا الاتجاه الصحيح ولا يهتمون بالنافع والمفيد وهذا يحجب الحقيقة، لأنهم يتبعون الكذب ويتمّسكون بما لا يعطى ثمر التقوى. والسبب في وجودهم في هذه الحالة هو ذهنهم المتكّبر الذي أوصلهم إلى أن يعتبروا حقيقة عدم إدراك طبيعة الله التي هي امتياز خاص به، موضع شكوى وتذمر. ومع ذلك فإن الكتب المقدّسة الموحى بها تصرخ مؤكّدة أن طرق الله أعلى من ذهن البشّر، وهذا هو تدبير الله وتصّرفه مع كل الكائنات المتغيّرة. الطوباوي داود وقد قال هذا بالترانيم والموسيقى: فِي الْبَحْرِ طَرِيقُكَ، وَسُبُلُكَ فِي الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ، وَآثارُكَ لَمْ تُعْرَفْ[9]. وذلك لأنه حينما تسير المركب بقوة الرياح المواتية وتدخل إلى أعماق البحار فإن أثرها سرعان ما يختفي. وهذا يشبه تمامًا ما يفعله المحراث في شق سطح الأرض، هكذا تَشقُ السفينة عباب الماء، وحينما تتقدّم السفينة تعود المياه إلى سابق عهدها، أليس هذا هو ما يحدث؟

إرميـــا: تمامًا، ولكن لنفحص كيف يمكن أن يتّم الميلاد ـ حسب إيماننا ـ بدون تغيّير في الطبيعة، وهل من الممكن القول إن العلّة لا توجد قبل المعلول؟

كيرلس: بالتأكيد ليس هناك وجود سابق من أي نوع، وحينما يتعلّق أمر الولادة بالله فليس هناك أي تغيّير أو تجزئة من أي نوع، لأن الله لا يخضع للضرورات التي يخضع لها البشر، ومنها التجزئة والولادة في الزمن. فإذا تكلّمنا عن ذوى الأجساد، وجب أن نقول إنهم هم الذين يختبرون ذلك لأن طبيعتهم خاضعة للتغيّر، وأيضًا لأنهم محكومون بالزمن الحاضر. ولكن لأن حديثنا يتعلّق بالطبيعة الإلهية، التي هي أسمى من كل جسد ملموس ومرئي، والتي هي صانعة الدهور نفسها وكائنة قبل الزمن، فكيف لا يكون نوع من اللّغو أن نتصوَّر أن هذه الطبيعة جازت أية تغيّرات أثناء الولادة، أو أن الذي وُلِدَ منها خاضع للزمن وتقلباته؟ لأنه في حالة الله يجب ألاّ نتكلّم عن العلّة والمعلول، بل من المناسب أن نتكلّم عن الله الآب والابن المولود منه.

إرميـــا: يجب أن تعرف أنهم على استعداد للتنازل وقبول هذا الكلام لإرضائك، ولكن سوف يسألون أولاً عن كيف يلد الآب من جوهره بدون أن يتمزّق أو ينفصل جزء منه مادام الابن قد خرج من جوهر الآب حقيقة ليكون كائنًا بذاته؟ والسؤال الثاني كيف لا نتصّور للوالد وجودًا سابقًا على المولود منه؟

كيرلس: اللَّئِيمَ يَتَكَلَّمُ بِاللُّؤْمِ، وَقَلْبُهُ يَعْمَلُ إِثْمًا لِيَصْنَعَ نِفَاقًا يقول النبي[10]، فما كان ينبغي أن يخجلوا من ذكره ـ إذا كان لديهم حس سليم ـ نجدهم يتباهون به بغباء غير مفهوم. فإنهم يفرضون قيودًا على ذات الطبيعة الإلهية. وهذه القيود هي التقسيم والتمزّق والاضطرار للولادة في الزمن، ولكن من الأفضل أن نستوعب أن هذه الولادة لا تُفهم ولا تُوصف كولادة بشريّة. لأنه لا يجب القول إن الله قد وَلَدَ في الزمن فهو بلا بداية ولا نهاية ولا زمني، فهو كائن وهكذا الذي وُلِدَ منه كائن فيه ومعه. لأن الابن أشرق كنور وذلك بشكل يفوق الذهن. وهذا تّم في جوهر الآب، فلم يتّم ذلك نتيجة انقسام الوالد أو تجزئته، وإلاّ لكان الابن مختلفًا عن الآب الذي وَلَده. فهو وُلِدَ بطريقة غير جسديّة لا تخضع لظروف الولادة الجسديّة التي يصفونها[11]. لأنه لو خضع لذلك، لكانت الطبيعة الإلهية جسدًا، وفى هذه الحالة تصير محدودة بالمكان ولها حجم وكم. ولأنها محدودة فيمكن تحجيمها، ويتبع هذا سلسلة طويلة من الأفكار ناتجة عن تصوّرات البشر عن الجسد، وهى أفكار غبية غباءً منقطع النظير.

إرميا: أنا أوافقك تمامًا.

كيرلس: إني لا أترّدد أن أضيف شيئًا آخرً.

إرميـــا: ما هو؟

كيرلس: إذا اعتبرنا أن طبيعة الله الآب خاضعة لقوانين وعادات الأجساد البشرّية، ففي هذه الحالة تكون الولادة بالإنقسام والتمزّق، وبذلك يصير مولودها في وضع وحالة خاصة به، لأنه سيكون غير مرتبط بجوهر الذي وَلَدَه، أي سَيَصير مجرّد كائن خارج تمامًا عن الذي وَلَدَه، لأن هذه هي الطريقة التي تُولد بها الأجساد البشرية. فلو كانوا لا يزالون يؤمنون بأن الله مالئ الكل، فأين إذن سنضع هذا المولود الخارج منه وما هو وضعه الخاص؟

إرميـــا: الحق معك في أن نقول إن أفكارًا شريرة كثيرة ستخرج من هذا التفكير، فنتيجة لذلك سيلغون الولادة في الآب ويعتقدون أنها ليست حقيقية في حاله الله، وهكذا يواصلون أفكارهم الغبيّة.

كيرلس: هذا معناه أن ندوس بأقدامنا معطيات الإيمان. والسؤال هو بالأولى كيف يمكن أن تحتفظ الطبيعة الإلهية للثالوث الواحد والتي لا يُعبّر عنها، بما لها، إذا نفينا وجود ولادة حقيقية؟ وهذا في رأيي لون من ألوان الشعوذة والدجل الذي يُمسَك فيه أولئك المتهودين، في ذات الفعل. فلو وافقناهم سوف ننحدر نحن إلى نفس مستواهم، لأنهم يتمسّكون بأن هناك إله واحد خالق وآب للكون، ولكنهم لا يقبلون ربنا يسوع المسيح. فماذا يمنعنا إذن أن نقوم ونرجم المسيح كما فعل اليهود ونرميه بهذه التهمة: لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا[12] فلو أنهم هدموا ـ بعدم تقوى ـ مبدأ الولادة الحقيقية فلن يستطيع إنسان، في هذه الحالة، أن يتجرأ ويفكر بأن الابن هو الله بالطبيعة، وأنه يملك هذا الاسم الإلهي بالحقيقة، بل سوف يضعه مع باقي البشر، ويكون كباقي البشر مخلوقًا، وكأنه لم يخرج من ذات جوهر الآب. ولكن إذا كان حسب رأيهم ليس ابنًا بالطبيعة، بل هو محسوب بين المخلوقات، إذن في كل مّرة نسجد له، فنحن نسجد للمخلوقات دون الخالق، ومن ناحية أخرى إن إتهامنا بالتجديف لن يكون عادلاً من قِبل الله، لأنه هو نفسه السبب وراء (سجودنا)، لأنه حينما أُدخِلَ البكر إلى العالم قال وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ[13]. إذن كيف لا يكون ذاك الذي تسجد له الملائكة القديسون أنفسهم، هو الذي يَملك المجد اللائق بالله الآب في كيانه؟ كيف لا يكون هو ذاته من طبيعة الآب وبسبب هذا فهو الله؟ ولتلاحظ كيف أن فكرة هذه الضرورة التي يضعونها على الله وتفكيرهم أن الولادة ليست حقيقية، تصير فكرة ضعيفة وتتحوّل ضدهم، وذلك لأنهم بدون فحص، ينسبون لله الضرورات البشّرية والتمزّق والتغيّر.

إرميـــا: إننا نتفهّم ذلك ولكنهم يسألون عن كيفية الولادة بدون تغيّر؟

كيرلس: كما سبق وقلت إنه من دواعي التقوى أن نقبل أن غير الجسدي، غير خاضع لقوانين الأجساد. والحقيقة أن الولادة بالجسد خاضعة للتغيّر والتمّزق، ولكن غير الجسدي لا يلد بهذه الطريقة. فكما أنه كائن بطريقة تختلف عن طريقة وجود الكائنات الجسديّة، هكذا أيضًا لابد وأن تكون طريقة ولادته تناسب طبيعته. فكل كائن ـ حسب رأيي ـ لا يخضع لقوانين الكائنات الأخرى ولكن له قوانينه الخاصة. فالوجود أمر مشترك بين جميع الكائنات إلاّ أن الطبيعة الخاصة بكل كائن تُعطِى لكل منها فرادته التي تحفظه من الذوبان في باقي الكائنات. فالأجساد تخضع بالطبع لقوانين وعادات الأجساد، وتلد أيضًا حسب قوانينها وتتعرّض للتغيّر. ولكن غير الجسدي بدوره له قوانينه الخاصة ويلد بطريقته الخاصة، لأن طبيعته غير خاضعة للتغيّر والتمزّق. وإذا كان الذهن يستطيع أن يميّز طريقة الولادة الجسديّة ولكنه لا يستطيع أن يفهم الولادة الخاصة بالطبيعة غير الجسّدية، أفلا ينبغي أن نقر بأن معرفة الذهن محدودة؟ فالذهن يُنزل بِمَنْ هو أسمى من الجسد، بصورة فائقة، إلى مستوى أدنى، ولا يخجل من أن ينسب إليه أوجاعًا وانفعالات لا تناسبه بالمرّة. وهل معنى ذلك أن نلغى بكل بساطة ما لا يبذل الذهن جهدًا لفهمه، أو ما يستحيل عليه معرفته؟ فلا يستطيع أحد أن يعرف ماهية طبيعة الآب، فهي تفوق معرفة كل الأذهان. فإما أن يكفروا بلا تحفظ ويقولوا إنه لا يوجد إله، أو أن يحسبوه ضمن الكائنات المخلوقة والخاضعة لكل تغيّر، وبالتالي فهو عرضه للتمزّق. وهكذا يجعلون الذي لا يتغيّر عرضه للتغيّر. ولكنى أعتقد أنه لا يوجد كلام مهمًا كان يستطيع أن يجعل الله عرضة للتغيّر، بل أن الله سيبقى ثابتًا كما هو لا يتغير أبدًا حسب ما نؤمن به.

 

40 رو8: 24.

41 عب11: 6.

42 مز109: 3س.

43 إش53: 8.

44 ميخا5: 2.

45 مز17: 12.

46 مت11: 27.

47 أم9: 12س.

48 مز77: 19.

49 إش32: 6.

50 لأن هذا هو ما حاول الآريوسيون فعله إذ نادوا بأن ولادة الابن من الآب مثل الولادة البشرية الخاضعة للزمن والتغيّر والانقسام.

51 يو33:10.

52 عب6:1.

 

الولادة والتغير – الحوار الثاني ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري