لفظ غير مولود ج2 – الحوار الثاني ج2 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري
الحوار الثانى
عن أن الابن أزليّّ مع الله الآب ومولود منه حسب الطبيعة
إرميـــا: لقد تكلّمت بكل قوة ووضوح، ومن المستحيل أن يكون لنا رؤية أخرى تخالف ذلك. ولكنهم يقولون إن لقب “غير المولود” يحدّد طبيعة الله الآب وهذا معناه وبكل سهولة أن للابن طبيعة أخرى لأنه من المسلّم به أن المولود يختلف عن غير المولود.
كيرلس: ونحن سنقول لهم، يا أعزائى، إنه إذا كانت صفة “المولود” تحددّ طبيعة الابن، فإن الابن فى هذه الحالة سيكون من طبيعة أخرى غير طبيعة الآب، وبالتالى فهو غريب عن جوهره. وما عواقب ذلك؟ ستكون العواقب جرائم صعبة جدًا وأراء فاسدة عن جوهر الابن الوحيد. وهذه الآراء تَحُط من قَدْر المسيح العالى جدًا. وهو يقول لنا نحن المخلوقين، ذلك بصراحة : “أنتم من أسفل” وعن أقنومه الخاص يقول “أنا من فوق“[1]. أما عن كيفيّة أن يكون كائن ما من فوق وينزل إلى أسفل ويظلّ غريبًا عن العالم الذي من أسفل فهذا أمر يسهل شرحه لكل مَنْ يرغب فى سبر غور هذه المسألة. إن كل كائن غير مولود يشترك مع أى كائن أخر غير مولود فى صفة أساسية وهى عدم الولادة . ألا يجدر بنا أن نستمر فى التفكير بهذه الطريقة ونعتبر أن أى كائن مولود مساوٍ لكائن آخر مولود؟
إرميـــا: وما هو الغامض فى ذلك ؟ فالفكرة واضحة فى الحالتين وسهلة
كيرلس: هل تعتقد يا إرميا أن عدم التقوى غير ظاهر بعد فى كلامهم هذا؟ أم تعتقد أن الكلام الخادع لهؤلاء المضاّدين والمعاندين يمكن أن يمر مرور الكرام؟ فإن تَصَنُعهم وبريق كلامهم وكأنه من الله، جعلهم يجذبون أذهان البسطاء، وهو فى الواقع أكثر شرًا من التجديف البشع. لقد أنزلوا الابن الوحيد إلى درجة المخلوقات، وهو الذي “ بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ “، صار معدودًا بين الكائنات المحكوم عليها بالتغيّير والفساد… وإذا كان لقب “المولود” هو، كما يدّعون، اسم الابن وجوهره، فإن جوهر الابن فى هذه الحالة سيكون مساويًا لأى مولود آخر[2] من الكائنات الحيّة والتى تُقدّر بالآلاف، بل ولا تُحصى، وتتضّمن أصغر الكائنات مثل الناموس والذباب..
إرميـــا: لقد قلت الحق.
كيرلس: فلماذا إذن يُسموّنه بالابن؟ ولماذا يسلّمون بأن الله هو الآب إذا لم يكن بالحقيقة قد وَلَد ابنًا من جوهره الخاص؟ ولهذا لا يجب أن ينطقوا فيما بعد أيّة كلمة، لا عن الآب ولا عن الابن، لأن الحقيقة دائمًا محبوبة من المسيحيين، والمسيحيون يحبون الحق. وأمام هذا القيء نستطيع أن نفهم وبعمق أهمية أن يصمت الإنسان أمام أسرار الله، كما هو مكتوب “لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ“[3]، ولكن عليهم أن لا يهجموا على البسطاء بدون أى تمييّز أو كياسة ويتصوّرون أنه من الصعب أن نظهر فساد آرائهم، والله وحده يعلم مدى بؤس حججهم. فلنحارب أولئك المسلحّين بالكذب والخداع وذلك بقوّة اتحادنا بالمسيح الظافر، وأدلة العقل السليم، ولنرنم مع داود:
“لأَنِّي عَلَى قَوْسِي لاَ أَتَّكِلُ، وَسَيْفِي لاَ يُخَلِّصُنِي.7 لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَّصْتَنَا مِنْ مُضَايِقِينَا، وَأَخْزَيْتَ مُبْغِضِينَا”[4] وأنت ماذا تقول؟
إرميـــا: إمض إذن وبكل شجاعة، وسيّد الكلّ سوف يقف بجانبنا ويكون رفيقنا فى الكفاح ..
كيرلس: أنا كلىّ اشتياق لعمل ذلك وليس عندى أدنى تردّد ولكن قبل كل شئ أعتقد أنه يجب أن أقول شيئًا.
إرميـــا: ما هو؟
كيرلس: إنه شئ مُخجل ومُخالف للحقيقة ادعائهم بأن عدم المولودية هى تحديد وتعريف لله. ونحن نعلم أن الحد هو ما يُظهر طرف الشيء ونهايته. وهكذا تصل وقاحتهم إلى درجة يستحيل معها الحوار والإقناع.
إرميـــا: نعم وليس لديهم أى تردد فى التأكيد على ذلك، بل ويصرون عليه..
كيرلس: إنك لا تكذب فيما تقول لأن وقاحتهم قد تَعدت كل حدود الرزانة واللياقة. فإن ما يقولونه هو جهل مطبق بدون أى شك لأنهم بكل بساطة وبدون أدنى خوف يَحكمون على الرأى المستقيم والذى بلا عيب، وهم يلهثون وراء كل ما يستحسنون حتى ولو اكتشفوا بعد ذلك أنها أمور غير مقبولة. لاحظ كيف سقطوا فى الفخاخ التى صنعها لهم جهلهم وبالذات فيما يخص النقطة الآتية: فهم يقولون إن تعريفات الجوهر تتّم من خلال اسم واحد أو كلمة واحدة، وهذا أمر لا يقبله العلماء والذين يبحثون عن الدقة فى هذا المجال. وبالإضافة إلى ذلك يقولون إنه لا يوجد غير التعريفات المكّونة من كلمة واحدة. وحتى عند استعمال كلمتين، فهاتين لا تكفيان للوضوح الكامل بل بالحرى يحتاج الأمر إلى ثلاث كلمات حتى تظهر معانى الأشياء التى نريد تحديدها بوضوح .
إرميـــا: هل لك أن تعطنى مثالاً على ذلك؟
كيرلس: لنفترض أننا بصدد سؤال عن مَنْ هو الإنسان؟ فإذا أردنا إعطاء إجابة مختصرة وفى كلمة واحدة فسنُعرّف الإنسان بأنه “حىّ”. ولكن حتى هذا التعريف لا يخلو من الغموض. صحيح أن الإنسان “حىّ” ولكن هذه الصفة ليست حكرًا علية وحده فهو يشترك فى هذه التسميّة مع آخرين. فالكائنات الحيّة الأخرى لا تُحصى. فالكلب والبقرة والنمر تُعد كائنات حيّة.. فإذا أضفنا تعبيرًا آخر إلى الصفة الأولى وقلنا إنه “حىّ وزائل”، فإننا وإن كنا نقول الحقيقة إلاّ أن تعريف الإنسان هذا غير كامل، لأننا نسمى الكلب والبقرة أيضًا كائنات حيّة زائلة أو مائتة، ولكن إذا انتقل الحديث إلى تناول أهم خصائص الإنسان الجوهرية سواء كانت عامة أو خاصة فسنقول إنه “حى زائل عاقل، وهو المؤهّل للعلم ولإِعمَال العقل”، وسوف نكون قد وفّينا التعريف حقه ولا ينقصه شئ. هل أدركت الآن كم أن رأينا سليم وهو كلام حق؟
إرميـــا: نعم أدرك، وماذا بعد ذلك؟
كيرلس: ولهذا فيجب أن يعلموا أنه أمر مخالف وغير مناسب للعلم الذى يدَّعون أنهم يحبونه، أن نحاول أن نعرّف شيئًا ما تعريفًا وافيًا بكلمة واحدة. فبماذا سيردون بكل ما لهم من مظاهر الحكمة إذا قلنا إن جوهر الله الآب يتحددّ فقط بكلمة “غير المولود”، ويبدو أنهم بدون وعى انطلقوا فى هذه الأحاديث مع أناس يعتقدون أنهم ذوو حس مرهف وذهن حاد، وهناك أمر آخر فات عليهم فهمه.
إرميـــا: ما هو هذا الأمر الذى فاتهم؟
كيرلس: إن تعريفات الجواهر، إذا ما تمّت بطريقة منطقيّة ومناسبة ومنسجمة مع نفسها، فلابد أن تبدأ من النوع أو الجنس ثم تنتقل إلى بيان خصوصيات كل نوع، وما تميّزه عن غيره. ولكن انتظر فهناك أمر أريد أن أقوله لك.
إرميــا: أوُضِح ذلك لأنى أعتقد أنه يجب أن نمضى بنفس الطريقة فى عرض الأمور التى نتحدّث عنها.
كيرلس: إذا اقترب منك أحد الناس مستفسرًا عن معنى كلب أو بقرة فبماذا تجيبه يا إرميا؟
إرميـــا: سأقول إنها “كائنات حيّة”.
كيرلس: والآن قل لىّ، هل تعتقد أنك بهذه الإجابة قد أعطيت شرحًا وافيًا لهذا الأمر؟
إرميـــا: أبدًا، لأنى سوف أضيف أيضًا، اختلاف الطبائع الكامنة فى كل منها، هذا إذا أردت أن أتكلّم بطريقة مقبولة .
كيرلس: هذا حق ورائع، إذن ليس هناك غموض فى هذا الصدد فتعريف الجواهر يجب أن يتم انطلاقًا من الجنس أو النوع، ثم ينتقل إلى بيان خصوصيات كل نوع.
إرميـــا: نعم، فليس هناك طريق آخر.
كيرلس: إذن فَكِّر مليًا أو بالأحرى، فليفكر هؤلاء الذين يريدون أن ينسبوا بجهل، للفظ “غير المولود” إمكانية تعريف الجوهر، دون أن يوضحوا هل يشيرون بهذا اللفظ إلى النوع أم إلى الاختلاف داخل النوع. فإذا قالوا إنهم يشيرون به إلى النوع فيجب أن لا يطلقوه على شئ أخر غيره، لئلا ننسب للنوع إمكانية تحديد اختلاف الطبائع وهكذا نعطيه دورًا غير دوره. أما إذا تركوا هذا الأمر وقالوا إنه يعنى الاختلاف فى الطبائع، فليشرحوا لنا أى اختلاف سيظهر مادمنا لم نعرّف أولاً النوع المشار إليه؟ كيف يكون لدينا تعريف وافٍ للجواهر، وكيف نفهمه فى سياقه المنطقى وهو لا يتكّون إلاّ مما يشير إلى اختلاف(داخل النوع)؟ إنهم بتمسكّهم بهذا على أنه حق، سوف يجلبون على أنفسهم السخرية.
إرميـــا: هذا أمر لا شك فيه.
كيرلس: إذن الحقيقة الواضحة هى أن نقول لهم إن آرائهم إنما هى افتراءات زائدة عن حدّ اللياقة.
إرميــــا: وكيف نظهر ذلك لهم، أخبرنى؟
كيرلس: كما سبق وقلت إننا لا يمكن أن نصل إلى تعريف صحيح لأى جوهر، من خلال الاختلاف فقط. وذلك لأن معرفة النوع تتم من خلال ما يميّزه (عن غيره)، لأن منه ينطلق الحديث كما من نقطة انطلاق المتسابقين حتى نصل إلى رؤية واضحة. وعلى هذا الأساس فإذا أصروا بجهل على أن لفظ “غير المولود” يمكن أن يوضّح لنا الأمر فلن نجد اختلاف (داخل النوع)، فرغم أن هذا التعبير يعنى أنه لم تكن هناك ولادة، ولكن يجب ألاّ نعطى لهذا التعبير كل هذه الأهمية. ولكن فيما يخصهم سيستخدمون اللفظ كتعبير عن النوع، هكذا ببساطة وبدون تمييز. ولكن هذا يخرج بنا خارج حدود المنطق واللياقة، وذلك لأننا نحاول أن نطبق على الله صفة النوع بينما لا يوجد كائن آخر مساوٍ له أو سابق عليه. ولنفرض أن الله ينتمى إلى نوع وهو “غير المولود”، وذلك حسب رأيهم، فسوف يكون نوع لا قيمة له بالنسبة لنا مادمنا نجعله نوعًا بدون الاهتمام بأهمية الفروق بينه وبين الأنواع الأخرى. فإذا كان دور لفظ “غير المولود” ينحصر فى أنه يُظهر لنا أنه لم يَوَلَد فما الفارق الذى يمكن أن يُظِهَره بين الآب والابن، لو كان الابن فى مكانة أقل بسبب كونه مولودًا. أنا غير قادر على فهم ذلك كله؟ وأنت ما رأيك يا إرميا؟
إرميـــا: هل يمكننى أن أقول أى شئ بعد كل هذا؟
كيرلس: ولكن حسب اعتقادى ـ وقد أظهرنا ذلك بوضوح ـ أن لفظ “غير المولود” ليس له قوّة التعريف الكامل والدقيق. وهذا ليس معناه أننا معتادون على بحث هذه الأمور، ولكن الضرورة وُضعت علينا ودفعتنا الحاجة أن نتنازل على غير رغبتنا وننشغل بأمور تتعّدى معرفتنا وممارستنا ولكن هذا لا يلغى فائدتها. ولا شك أن الخوض فى أفكار جديدة أمر لا يخلو من تعب، ويجب أن نقول إن رجال الاختصاص الدائبين على العمل فى هذا المجال بدقة يقولون إن كل تعريف أو تحديد معناه التغيير.
إرميــا: وما هو هذا التغييّر؟ سأكون سعيدًا إذا ما عرفّتنى؟
كيرلس: سوف أقول لك ذلك، بأن أعود إلى الوراء وأعيد على مسامعك ما سبق وقلته، فنحن نُعرّف الإنسان على أساس أنه كائن حىّ زائل بينما نحدّد الحصان مثلاً على أنه حيوان يتميّز بالصهيل وهكذا، وهناك طريقة أخرى لكى نحدّد طبيعة هذه الكائنات، وهى أن ننطلق من الصفات الأخيرة وليست الأولى، إلى أن نصل إلى حيث يبدأ التحديد، بمعنى أنه إذا كان هناك كائن حىّ زائل وعاقل فإننا سنفهم أنه الإنسان، وإذا قلنا إن كائنًا ما قادر على الصهيل فسوف يظهر ذلك أن الأمر يتعلّق بطبيعة الحصان. فإذا كان تعبير “غير المولود” هو تعريف، فلماذا لا يقبل التغييّر أو التعديل. يجب أن لا يترددوا فى أن يعترفوا بذلك، فإذا قلنا عن كائن إنه “غير مولود”، فهذا يكون تحديدًا لجوهر الله الآب، ولكن هذا الفكر عارٍ تمامًا من الصحة، لأنه يوجد آلاف الأشياء بنفس الطريقة. ومن الصعوبة بمكان أن نحصر الأشياء التى ينطبق عليها هذا الكلام. هل فهمت الآن درجة الغموض التى يقودنا إليها كلامهم وأفكارهم.
إرميـــا: حقًا إنه لأمر مفزع.
كيرلس: هناك دلائل أخرى تؤكد على أن تعبير “غير مولود” غير كافٍ كتعريف متكامل ويجب أن نعيد فحص هذا الأمر. نحن نحدّد كل كائن انطلاقًا من إيماننا بماهيته الحقيقية، وليس من عوارض فيه التي يمكن أن تختفى لأسباب كثيرة ..
إرميـــا: أوُضِح ذلك من فضلك؟
كيرلس: لنأخذ النار أو الماء مثالاً، فحينما نريد أن نُعرّف ماهيتهما أو نحدّد طبيعة كل منهما، فسوف نقول عن النار إنها جسم ساخن وجاف، أما الماء فهو سائل وبارد. وهذا هو على ما أعتقد التحديد المناسب انطلاقًا من كينونتهما الحقيقية. فإذا قلنا عن النار إنها لا باردة ولا ليّنة مع حذف القول إنها ساخنة وجافة، وكذلك عن الماء نقول إنه لا ساخن ولا جامد، بينما يجب القول إنه بارد، ولكن إذا عرَّفنا هذه الأشياء بهذه الطريقة السلبّية، فمن أين سنأخذ التحديد الصحيح؟
إرميــا: أعتقد أننا متفقون على أن نُعرَّف هذه الأشياء انطلاقًا من الصفات التى لا تملكها، أى التعريّف السلبّى، مثل الشيء الصلب نقول عنه إنه ليس لينًا.
كيرلس: ولكن هل لو تكلّم إنسان هكذا عن كائن ما، فهل سينجح فى إظهار الحقيقة بدون انحراف عن القصد؟
إرميـــا: إطلاقًا.
كيرلس: كيف إذن نستطيع أن نقول أن تعبير “غير المولود” هو تعبير كافٍ كتحديد، وهو لا يُظهر لنا ماهية الآب، ولكن ما ليس للآب؟
إرميـــا: على كل حال أنت تؤكد أنه “غير مولود”.
كيرلس: هذا هو فعلاً ما أكدّته، وهذا هو مضمون الكلمة بشكل عام، ما هو رأيهم إذن إذا قلنا إن تحديدات الجواهر لا تُوجد بها بالضرورة خصائص متناقضة، ولذلك فهى لا تدخل فى نطاق التحديدات النسبّية، ومن خصائص هذه التحديدات النسبيّة أنها تشير دائمًا إلى علاقة بشيء آخر.
إرميـــا: إن كلامك غير واضح ـ على الأقل بالنسبة لى.
كيرلس: ليس هناك ما يَمنع أن نجعله واضحًا، فحينما نتكلّم عن الآب فإننا نثير فى أذهان السامعين فكرة الابن أى مجرد فكرة وجود كائن مولود، والعكس صحيح، فحينما نذكر الكائن المولود فإننا نجلب إلى الأذهان ذاك الذى يَلدِ. نفس الشيء يمكن أن ينطبق على فكرة الاتجاهات، فحينما نتكلّم عن اتجاه ما، نَتَذكّر الاتجاه الآخر، أى حينما نقول اليمين يذهب فكرنا أيضًا إلى وجود يسار. ولكن حينما نتكلّم عن الإنسان ونحاول تحديد جوهره أو جوهر أى كائن آخر من الكائنات الحيّة، فإذا قلنا إنه إنسان لا نضيف عليه شيئًا مختلفًا أو معاكسًا، كما نتكلّم عن اليمين أو اليسار أو الآب والابن، وذلك لأن الإنسان هو الإنسان، كما أن الصخرة هى الصخرة ولا يوجد فيها ما يجعلنا نميّزها عن غيرها، ولذلك فإن خصائصها المميّزة لها هى التى تحدّد الأسماء التى نطلقها عليها. وإذا جئنا إلى لفظ “غير المولود”، فإنه يعنى “غير المولودية” كما أنه يشير ضمنًا إلى “المولود”، لأن اللفظ يشير إلى الخاصتين اللتين يعبر عنهما . فكيف إذن نعتبر لقب “غير المولود” تعريفًا (لجوهر) الله بينما هو يختلف عن لقب “مولود” وليس فيه معنى يشير إلى ما هو مشترك بينهما؟[5].
إرميــا: إذن لقب “غير المولود” حسب رأيك لا يعنى شيئًا بالنسبة لله؟
كيرلس: أبدًا يعنى الكثير، وذلك بسبب أنه قد خُصص للآب وارتبط به وحده فقط، وذلك للتعبير عن حقيقة “عدم الولادة” ولكن لا يجب أن ننسب لهذه الكلمة وحدها صفة التحديد أو التعريف النهائى لجوهر الله.
17 يو8: 23. في موضع آخر يشرح ق. كيرلس قول المسيح هذا، والذي لم يفهمه اليهود. بل ظنوا إنه شخص عادي يتعرّض للموت أو يختفى بالهروب فيقول ق. كيرلس إن المسيح أراد أن يعلّمهم “أن الأمرلا يختص بميلاد واحد وفنائه، بل يختص بذلك الذي هو بالحقيقة مولود من فوق أى من الله الآب”. ويستمر ق. كيرلس في شرحه واضعًا هذا الكلام على فم المسيح “فيقول لذلك فإن الموت =والهروب لن يناسبني لأني أنا من فوق أي إله من إله (لأن الله هو فوق الكل) ولكن هذا يناسبكم أنتم بالحرى لأنكم “من أسفل” أي طبيعة خاضعة للموت والفناء والخوف… ولا يتساوى الذي من أسفل من الأرض مع ذلك الذي هو من فوق مولود من الله الآبَّ. شرح انجيل يوحنا. ترجمة د. موريس تاوضروس د.نصحي عبد الشهيد. المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ديسمبر 2000 ج4 ص44-46.
[2] أى يكون مساويًا لأى مولود آخر من المخلوقات، أى أن يكون جوهره مخلوقًا مثل الكائنات الحيّة الأخرى.
[5] يقصد ما هو مشترك بين “غير المولود” و”المولود” من ناحية، وبين “جوهر الله” من ناحية أخرى.