رسالة رومية الأصحاح14 ج5 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
4- “ألك إيمان؟ فليكن لك بنفسك أمام الله” رو 14-22.
يبدو لي هنا إنه يُلمَّح بطريقة هادئة للمجد الباطل أو للزهر لذاك الذي هو كامل في الإيمان. ما يقوله يعني الآتي: أتريد أن تُظهر لي، إنك كامل وتام؟ لا تظهر هذا لي، بل لتحتفظ به في ضميرك. لكن الإيمان الذي يقصده هنا، ليس هو الإيمان عن العقائد، بل الإيمان عن الموضوع الذي يجري الحديث بشأنه. لأنه يقول عن ذلك الإيمان: “الفم يعترف به للخلاص”(30) و “من استحى بي وبكلامي فبهذا يستحي إبن الإنسان”(31). لأن ذلك الإيمان حين لا يعترف به، فإن ذلك يؤدي على الهلاك، بينما هذا الإيمان (أي الإيمان الذي يُحتفظ به في الضمير) حين يُعترف به، فهو غير ملائم. “طوبى لمن لا يريد نفسه فيما يستحسنه”. مرة أخرى يُصيب الأكثر ضعفًا، ويعطيه تاج مرضي، تاج ضميره. لأنه حتى وإن لم يراك إنسان، يكفيك ضميرك، لكي تصير مطوبًا. إذًا فقد قال “فليكن لك بنفسك” حتى لا تعتبر هذا القضاء (قضاء الضمير) أمرًا بسيط، ما يقوله هو بالنسبة لك، هو أفضل من المسكونة كلها. وحتى وأن كان الجميع بعد يدينونك، لكن أنت لا تُدين نفسك، وضميرك لا يعذبك، فأنت مُطوب. وهم لم يُشر إلى هذا الأمر، متكلمًا بشكل عام للجميع. لأن هناك كثيرون لا يُدينون أنفسهم، على الرغم من إنهم يصنعون أخطاء كثيرة جدًا، والذين هم أكثر تعاسة من الجميع. لكنه يُشير أولاً إلى الموضوع الذي يجري الحديث بشأنه.
وأما الذي يرتاب فإن أكل يُدان” رو14-23. يقول هذا مرة أخرى، راجيًا ذاك أن يتألم لمن هو أكثر ضعفًا. لأن من هو الأخ الذي إن أكل مرتابًا، يدين نفسه؟ لأنني أقبل ذاك الذي يأكل ولا يُدين نفسه. أرأيت كيف إنه يُحثه ليس فقط أن يأكل، بل وأن يأكل، بل وأن يأكل بضمير نقي؟ بعد ذلك يتحدث عن السبب الذي من أجله أُدين، فيضيف قائلاً: “لأن ذلك ليس من الإيمان” ليس لأنه نجس، بل لأنه لا يأتي من الإيمان. لأنه لم يؤمن (الذي يأكل) إنه طاهر، لكن أكله كعظام نجس. لكن من خلال هذه الأمور، يُظهر مقدار الضرر الذي يثيرونه عندما يُلزمون، ولا يُقنعون هؤلاء أن يأكلوا تلك الأطعمة التي تبدو أولاً إنها نجسة بالنسبة لهم، لكي يتجنبوا على الأقل التأنيب من خلال هذا. “وكل ما ليس من الإيمان فهو خطية”. إذا عندما يقول، ليس لديه ثقة (أي يرتاب)، ولا يؤمن بأنه طاهر، فكيف لا يكون قد فعل خطية؟ كل هذا قد قاله ق. بولس بخصوص الموضوع الذي جرى الحديث بشأنه، وليس للجميع. وإنتبه كم هو يعتني (في حديثه) حتى لا يُعثر أحد. لأنه قال سابقًا “فإن كن أخوك بسبب طعامك يحزن فلست تسلك بعد حسب المحبة”. لكن إن كان لا يجب أن تُثير حزن، فكم بالأولى لا ينبغي أن تُعثر أحد.
وأيضًا “لا تنقض لأجل الطعام عمل الله”. لأنه إن كان أمرًا مخيفًا وأحمق أن تهدم كنائس، فبالأكثر جدًا هو أمر مخيف أن تهدم هيكل روحي خاصة وأن الإنسان هو أكثر تقديرًا من الكنيسة (كمبنى). لأن المسيح لم يمت من أجل الحوائط، بل من أجل هذه الهياكل الروحية.
5- إذًا لنفحص كل أمورنا من كل الجوانب، وألا نعطي أقل دافع “للإدانة”. خاصة وأن الحياة الحاضرة هي مرحلة، ويجب أن يكون لنا أعين كثيرة من كل جانب (أي أن نكون مُتيقظين دومًا)، ولا نتصور أن عدم المعرفة هي كافية كمبرر (للخطية). لأنه من الممكن، نعم من الممكن أن تُدان عن عدم المعرفة، عندما تكون عدم المعرفة أمر غير قابل للصفح. كذلك فإن اليهود أظهروا جهلاً، لكن لم يكن جهلهم مستحقًا للصفح، واليونانيين جهلوا، لكن لم يكن لهم مبرر (لجهلهم). لأنه بالطبع عندما تجهل تلك الأمور التي من غير الممكن أن تعرفها، فإنك لن تتُهم عن أي شيء، لكن عندما تجهل الأمور السهلة، وتلك التي من الممكن أن تصير معروفة، فإنك سُتعاقَب بأشد العقاب. من ناحية أخرى، إن لم تنقصنا الشجاعة، بل ونُقدم كل مالنا، فإن الله سيمد لنا يده، في تلك الأمور التي نجهلها أيضًا، الأمر الذي قاله ق. بولس إلى أهل فيلبي “فليفتكر هذا جميع الكاملين منّا وإن افتكرتم شيئًا بخلافه فالله سيُعلن لكم هذا أيضًا”(33). لكن عندما لا نُريد أن نُصلح كل شيء من تلك الأمور التي تُسيطر عليها، فإننا ولا حتى في هذه سنتمتع بتوافق، وهو الأمر الذي حدث لليهود. “من أجل هذا أكلمهم بأمثال. لأنهم مبصرين لا تبصرون”(34). كيف بينما أبصروا لم يُبصروا؟ أبصروا كيف أن الشياطين يُطردون، وقالوا أن به شيطان، أبصروا كيف أُقيموا الأموات ومع ذلك لم يسجدوا له، بل وحاولوا أن يقتلوه. لكن كرنيليوس لم يكن هكذا. ولهذا تحديدًا، لأنه صنع برغبة حسنة كل تلك الأمور التي تعتمد عليه، فإن الباقي قد أكلمه الله.
إذًا لا تقل أن فلان قد سمح له الله، أن يكون بسيط وصالح، على الرغم من إنه كان عابد للأوثان؟ لأنه أولاً، لو أن شخص هو بسيط، فمن غير الممكن لدى الناس أن يعرفوا هذا جيدًا، بل هو معروف فقط لدى ذاك الذي خلق القلوب. بعد ذلك نستطيع أن نقول أيضًا، إنه مرات كثيرة لم يهتم، ولا حاول. وكيف يقول، إستطاع، بينما كان بسيط إلى حد كبير جدًا؟ لاحظ إذًا من فضلك، هذا البسيط والتلقائي أيضًا، كيف إنه لاحظ الأشياء الحسنة في الأمور الحياتية، وسترى إنه يُظهر دقة كبيرة، والتي إن أراد بالطبع أن يظهرها في الأمور الروحية أيضًا، فإنه لن يتغافل عنها. خاصة وأن تلك الأمور التي تضبط الحقيقة هي أكثر إشراقه من الشمس، وفي أي مكان أو حيثما وصل الإنسان، من السهل أن ينال خلاصه أو يتمم خلاصه، إن كان بالطبع يريد أن يحترس، ولا يعتبر هذا عمل ثانوي أو غير مهم. إذًَا هل الأمور إنحصرت في فلسطين؟ هل أنحصرت في زاوية صغيرة في المسكونة؟ ألم تسمع النبي الذي يقول: “كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم”(35). ألا ترى أن الأمور تصدق؟ إذًا كيف سينال هؤلاء الصفح، عندما يرون أن مبدأ الحقيقة منتشرة في كل مكان، ولا ينشغلون بهذا، ولا يهتمون أن يتعلموها؟
وهذه الأمور تطلبها من شخص فظ وبربري، بل وإن كان هناك بعد شخص هو أكثر بربرية من البربر الذين هم موجودون الآن. لأنه، أخبرنيـ لأي سبب عندما يتعلق الأمر بالأمور الحياتية يعرف أن يعارض عندما يُظلم، ويقاوم عندما يُجبر على فعل شيء، ويفعل كل شيء، ويُدبر كل شيء، حتى إنه لا يريد أن يُضار مطلقًا ولا حتى لأجل أمر قليل أو يسير، بينما في الأمور الروحية لا بعمل بنفس هذا التعقل تحديدًا؟ وعندما يسجد لحجر ما، ويعتبره إله، ويقيم إحتفالات، وينفق أموال، ويظهر خوف كثير، ولا يظهر أبدًا عدم مبالاة من جهة سذاجته، لكن عندما يطلب الإله الحقيقي، حينما تذكر لي السذاجة والبساطة. هذه الأمور ليست صحيحة، الإتهامات تتعلق فقط بعدم المبالاة. لأنه مَن تعتقد إنهم سذج وأفظاظ أكثر، هل هم أولئك الذين عاشوا في عصر أبرآم، أم الذين يعيشون الآن؟ من الواضح جدًا إنك تعتقد أن الأكثر سذاجة وفظاظة هم أولئك الذين عاشوا في عصر إبرآم. وفي أي وقت نجد من السهل أن تجد التقوى، الآن، أم في عصر إبرآم؟ من الواضح جدًا إنه الآن. لأن الجميع الآن ينادون بإسم الله، والأنبياء بشروا، والأمور إكتملت، وأفكار اليونانيين نُقضت، لكن في عصر إبرآم، الكثيرين كانوا بعد جهلاء، وقد سادت الخطية، ولم يكن هناك ناموس لكي يُعلم، ولا أنبياء، ولا معجزات، ولا تعليم، ولا ذلك الجمع الذي يعرف الأمور جيدًا، ولا أي أمر آخر مشابه، بل أن كل الأمور كانت قائمة كما لو إنها داخل ظلام دامس، وليل غير مُقمر وشتوي.
لكن ذلك الرجل المدهش والسخي (أي إبراهيم)، بالرغم من إنه كانت توجد عوائق كثيرة، فإنه عرف الله، ومارس الفضيلة، وقاد الكثيرين إلى غيرة مشابهة، وكل هذا قد حدث دون أن يعرف الحكمة الإنسانية، لأنه كيف كان له أن يعرفها في اللحظة التي لم تكتشف فيها المعارف والعلوم؟ لكن لأنه قدّم كل ما يتعلق به، فإن الله قدّم له بعد ذلك كل ما له. وبالطبع لا يمكنك أن تقول أن إبراهيم قد قبل التقوى من آبائه، لأن ذاك كان عابد للأوثان، وعلى الرغم من إنه وُلد من أسلاف مثل هؤلاء (أي الوثنيين)، وكان بربري ونمى وسط بربر، ولم يكن له معلم للتقوى، إلا إنه عرف الله، وقد نال كرامة أكثر بكثير من كل نسله الذي تمتع بالناموس وبالأنبياء أيضًا، بصورة لا يمكن التعبير عنها. لماذا يا ترى؟ لأنه لم يهتم بالأمور الحياتية بشكل مبالغ فيه، لكنه كرّس نفسه بالكامل للأمور الروحية وماذا عن ملكيصادق؟ ألم يولد في تلك الأزمنة، ألم يتميز جدًا، حتى إنه عمل ككاهن الله؟ خاصة هو أمر ضعيف، بل وضعيف جدًا، أن يُغلق على هذا الإنسان الوديع أبدًا أو أن يظل مجهولاً.
إذًا يجب ألا تقلقكم هذه الأمور، بل تعرفون أن القيمة في كل مكان ترتبط بالرغبة، فلنفحص أمورنا، كي نصير أفضل. وعلينا ألا نطلب أو نلقي المسئولية على الله، ولا أن نفحص لماذا ترك أو أهمل فلان، ودعى فلان. خاصةً ونحن نصنع نفس الأمر، مثلما لو فعل خادم ما، وفحص بالتدقيقي في تدبير سيده، لأنه سخط عليه. أيها التعس والشقي، بينما كان يجب عليك أن تهتم بتحمل مسئولياتك، وكيف تتصالح مع السيد الرب، تُلقي بالمسئوليات بشأن تلك الأمور التي لن تقدم عنها حساب، وتركض نحو تلك الأمور هذه التي أنت مُلزم أن تقدم عنها حساب.
(30) رو10:10.
(31) لو16:9.
(33) في3-15.
(34) مت13-13.
(35) ار31