رسالة رومية الأصحاح14 ج4 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح14 ج4 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح14 ج4 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
” إني عالم ومتيقن في الرب يسوع أن ليس شيء نجسًا بذاته إلا من يحسب شيئًا نجسًا فله هو نجس” رو14-14.
1- بعدما وبخّ أولاً ذاك الذي يُدين أخيه، وبعدما أبعده هكذا بالتأنيب، وقتها تكلّم عن العقيدة (الإيمان) أيضًا، وبهدوء بدأ يُعلم عن الأكثر ضعفًا في الإيمان، مُظهرًا هنا أيضَا كثير من الوداعة. لأنه لم يقول، إنه سُيدان، ولا أي شيء من هذه الأمور، بل أن الخوف وحده هو الذي يحل الأمر، حتى يقتنع ذاك بصورة أكثر سهولة كلامهن ويقول: “إني عالم ومتيقن”. بعد ذلك لكي لا يقول أحد من غير المؤمنين، وماذا يهمنا نحن، إن كنت أنت متيقن؟ لأنه لستَ موضع ثقة لتحل محل الناموس عظيم بهذا القدر، ووصايا نافعة نزلت من السماء، أضاف: “في الرب يسوع” أي إنني تعلّمت هذه الأمور من السماء، وأخبرت بها من الرب يسوع. وبناء عليه فإن الحكم لا يتعلق بفكر إنساني. إذًا فلتقل ما هو يقينك وماذا تعرف؟ “أن ليس شيء نجسًا بذاته”. أي إنه يقول، إنه لا يوجد شيء نجسًا بطبيعته، لكنه يصير نجسًا بواسطة إدارة ذاك الذي يفحصه. هكذا يصبح نجسًا لذاك وحده، وليس لآخرين. لأنه يقول: “من يحسب شيئًا نجسًا فله هو نجس”.
إذًا لماذا لا تُصلح أو تُصحح الأخ، حتى لا يعتبره نجسًا؟ ولماذا لا تُبعده عن عادة مثل هذه، وفكر مثل هذا، بكل الحق الذي لك، لكي لا يجعل هذا الشيء نجسًا؟ هكذا يقول أخشى (من فعل هذا) ربما أُحزنه. ولهذا أضاف: “فإن كان أخوك بسبب طعامك يُحَزن فلستَ تسلك بعد بمحبة” رو14-15.
أرأيت كيف غنه إنتزع أولاً قبوله، فظهرا كيف إنه تحدث طويلاً لأجل ذاك (الأخ)، حتى لا يُحزنه، ولا أن يأمره من البداية أن يتجرأ على فعل الأمور الضرورية جدًا، بل أن يجذبه بالأكثر بالغفران والمحبة؟ لأنه لا يستميله، ولا يُلزمه بعد نزع خوفه، بل يتركه سيد نفسه. وبالطبع ليس هو نفس الشيء أن يُبعده عن الطعام، وأن يحاصره بالحزن. أرأيت كم هو مهتم بالمحبة؟ لأنه يعرف أن المحبة تستطيع أن تُصحح كل شيء ومن أجل هذا هو هنا أيضًا يطلب من هؤلاء شيئًا أكبر. لأنه لا يقول فقط، لا ينبغي أن تبعدوهم إجباريًا، بل إن إحتاج الأمر أن تظهروا تسامحن ولا أن تترددوا في فعل هذا. ولهذا فقد أضاف قائلاً: “لا تهلك بطعامك ذاك الذي مات المسيح لأجله”.
أم إنك لا تعتقد أن أخوك مستحق لمثل هذا الأمر الكبير، حتى لا تفدي خلاصه، ولا حتى بإبتعادك عن الطعام؟ وبالطبع المسيح لم يتجنب أن يصير عبدًا، ومات لأجله، لكن أنت لا تزدري بالطعام، لكي تخلّصه؟ وإن كان المسيح لم يربح الجميع على كل حال، لكنه مات لأجل الجميع، مُتممًا كل ما يتعلق به. بينما أنت تعرف إنه بسبب الطعام، تُقصيه عن الأمور العظيمة، تتشاجر بعد؟ وذاك الذي يُعد مهم للمسيح، هل تعتبره أن لا أهمية له مطلقًا، وذاك الذي أحبه المسيح، هل أنت تحتقره؟ والمسيح مات ليس فقط لأجل الضعيف، بل ولأجل العدو أيضًا، المسيح أيضًا أظهر الأمر الأعظم، بينما أنت لم تظهر أقل شيء، وإن كان بالطبع هو الرب، بينما أنت تُدعى الخ. هذا الكلام كان كافيًان لأن يلوم ذاك (الذي تجاهل أخوه)، لأنه يُظهر كيف إنه صغير النفس، فبينما تمتع بأشياء عظيمة من الله، لكنه لم يُبادل هذا العطاء الإلهي ولا حتى بأشياء بسيطة.
2- “فلا يفتر على صلاحكم. لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشربًا” رو16:14-17. يقصد بالصلاح هنا، إما الإيمان، وإما الرجاء المستقبلي للمكافآت، وإما التقوى الكاملة. إذًا ليس فقط لن تفيد الأخ، بل تجعل الإيمان ذاته يُساء إليه، وكذلك نعمة الله وعطيته. لأنه عندما تعارك، وعندما تتشاجر، وعندما يُثير ألم، عندما تجزأ الكنيسة، وعندما تهين الأخ وتبغضه، فإن من هم خارج الكنيسة يجدفون (علينا). وبناء على ذلك ليس فقط لن يتحقق شيء من وراء هذا، بل العكس تمامًا (سيحدث). لأن الصلاح بالنسبة لكم هو المحبة، محبة الأخوة الوحدة، الترابط فيما بينكم، أن تحيوا بالسلام، وبالرأفة. وبعد ذلك أيضًا، يُذيل خوف هذا، وعداوة ذاك، فيقول “لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشربًا”. إذًا هل نستطيع أن نُسّر أو ننمو بهذه الأمور (الأكل والشرب)؟ هذا بالضبط ما يقوله في موضع آخر “لأننا إن أكلنا لا نزيد وإن لم نأكل لا ننقص30، وهو ليس في حاجة لدليل، لكنه يكتفي بالحكم. ما يقوله يعني الآتي: هل لو أكلت، سيقودك هذا الأكل إلى ملكوت الله؟ ولهذا يزدرى بهؤلاء، لأنهم تباهو من جهة هذا الأمر (أنهم يأكلون ويشربون)، ولم يقل فقط أكل، بل وشرب.
إذًا ما هي تلك الأمور التي تقود إلى الملكوت؟ هي البر، والسلام، والفرح، الحياة الفاضلة، السلام تجاه الأخ، والذي فيه يتم التصدي لهذه العداوة، الفرح الناتج عن الوفاق، والذي به يزول هذا التوبيخ. لكنه لم يتكلم بهذه الأمور في مواجهة واحد فقط، بل في مواجهة أثنين أيضًا، لأن تجاه الأثنين، لديه فرصة أن يقول هذا الكلام. بعد ذلك، ولأنه تكلّم عن السلام، والفرح، إلا إنه يوجد بعد سلام وفرح في الأمور الشريرة، ولذلك أضاف: “في الروح القدس”. حتى أن ذاك الذي يُحكم أخوه، فإنه يكون قد قضى على السلام، وتعّدى على الفرح، والأكثر من ذاك هو ذلك الذي يسلب المال. والأكثر سوءًا من هذا، إنه أنقذ الآخر، وأنت تظلم وتُحطم. إذًا عندما لا يستطيع الطعام والكمال الظاهري أن يُدخل (إلى النفس) هذه الأمور (البر، السلام، الفرح)، بلى يُدخل تلك الأمور التي تُزيل (البر، السلام، الفرح)، فكيف لا يجب أن نزدري بالأمور البسيطة، حتى ننال أو نُمنِّن الأمور العظيمة؟ بعد ذلك لأن هذا التوبيخ قد صار رويدًا رويدًا بسبب المجد الباطل، أضاف قائلاً: “لأن من خدم المسيح في هذه فهو مرضِ عند الله ومزكى عند الناس” رو14-18.
لأن الجميع لن يُعجبوا بك لأجل بهذا القدر لأجل الكمال، بقدر ما سيُعجبوا بك لأجل السلام والوفاق. بالطبع هذا الخير سيتمتع به الجميع، بينما ذاك (أي من يتجاهل أخوه)، لن يتمتع ولا حتى بواحدة من هذه الخيرات.
3- “فلنعكف إذًا على ما هو للسلام وما هو للبنيان بعضنا لبعض” رو14-19. هناك أمر يتوجه به لذاك، لكي يهتم بالسلام، والأمر الآخر يتوجه به لهذا (الذي يحيا لنفسه)، لكي لا يحطم أخوه. لكن هذين الأمرين، جعلهما مشتركين فيما بينهما أيضًا، قائلاً “بعضنا لبعض”، واظهر إنه بدون السلام ليس من السهل أن نبني.
“لا تنقض لأجل الطعام عمل الله” رو14-20. داعيًا خلاص الأخ هكذا “عمل الله” ، ويُزيد من مقدار الخواف جدًا، ومُظهرًا إنه يفعل عكس ما يسعى نحوه. لأنه ليس فقط لا تبني ما تعتقد فيه، بل وتحظم أو تنقض، وليس فقط تنقض بناء إنساني، بل تنقض بناء الله، وليس من أجل أمر عظيم، بل من أجل أمر زهيد أو تافه. “لأجل الطعام” هكذا يقول ق. بولس. بعد ذلك ولكي لا يُرسخون كل هذه المسامحات لمن هو أكثر ضعف في الفكر الشرير، يضع مبدأ مرة أخرى قائلاً: “كل الأشياء طاهرة لكنه شر للإنسان الذي يأكل بعثرة” أي شر لذاك الذي يأكل بضمير شرير.
حتى وإن ألزمته بعد (على السلوك بمحبة)، وأكل، فإن المنفعة ستكون لا شيء. لأنه أن يأكل أحد فإن الأكل لا يجعله نجسًا، بل إن ما يجعله نجسًا هو الضمير الذي يأكل به. إذًا إن لم تُصلح هذا الضمير، فإنك تفعل كل شيء سدى، وبالأكثر قد صنعت ضررًا، لأنه ليس هو نفس الشيء أن تعتقد في شيء إنه نجسًا، وبرغم من إنك تعتبره كذلك، فإنك تأكله. إذًا فأنت تصنع خطتين هنا، تُزيد من المعوقات بالتشاجر، وتجعله يأكل أكل نجس. وبناء على ذلك إلى أن تُقنعه، لا تجبر أخيك (على فعل شيء).
“حسن أن لا تأكل لحمًا ولا تشرب خمرًا ولا شيئًا يصطدم به أخوك أو يعثر أو يضعف” رو14-21. مرة أخرى يطلب ما هو أكثر، حتى إنه ليس فقط يجب ألا نُلزمه، بل أيضًا تظهر تسامح نحوه. كذلك وإن ذاك في مرات كثيرة قد صنع هذا الأمر، مثلما حدث عندما مارس الختان، وعندما حلق رأسه، وعندما قدم تلك الذبيحة اليهودية. ولم يقل الرسول بولس لذاك أصنع هذا الأمر، بل يتوجه به كرأي، لكي لا يجعل بالأكثر ذاك الذي هو ضعيف في الإيمان، متراخي أو غير مبالي وماذا يقول؟ “حسن أن لا تأكل لحمًا”. ولماذا أقول لحمًا؟ فسواء كان نبيذ، أو أي شيء آخر مثل هذا يمكن أن يُعثر، فلنتجنبه.
إذًا لا يوجد شيء يمكن أن يعادل خلاص الأخ. وهذا ما أظهره المسيح، بعدما آتى من السموات (تجسد)، وتألم بكل ما تألم به من أجلنا. لكن لاحظ من فضلك، كيف يصل إلى ذاك، قائلاً: “يصطدم أو يعثر أو يضعف”. لا تقل لي، هكذا يقول ق.بولس، أن هذا الأمر غير معقول، لكنني أقول لك، كلما أمكنك (أن تصحح هذه الأمور) فلتصححها. خاصة وأن ذاك (الضعيف في الإيمان) له كل الحق أن تُقَدم له المساعدة في ضعفه” ومن جهتك لن يُصيبك أي ضرر، وبالطيع فإن هذا الملاك لا يُعد نفاق، بل هو بناء وتدبير. لأنه لو ألزمته، وتحطم، فإنه سيتهمك أنت، وبالأكثر سيتشجع في الأكل، بينما لو إنك تُظهر ترفق أو سامحه، أولاً سيُحبك، ولن يتشكك فيك حين تُعلم وستأخذ السلطة في أمر دقيق جدًا أن تزرع داخله التعاليم المستقيمة. لكن لو إنه أبغضك مرة واحدة، فإنك تكون قد أغلقت المدخل للحديث (معه). إذًا لا تجبره، بل أنت نفسك فلتبتعد (عن كل ما يعثره) لأجله (أي لأجل خلاصه، تبتعد لا لأنه نجس، بل لأنه يعثر ذاك (الأخ))، وبهذا سيُحبك بالأكثر. هذه الوصية هي التي أعطاها الرسول بولس، قائلاً: “حسن أن لا تأكل لحمًا” ، لا لأن أكل اللحم نجس، بل لأنه يُعثر ويضعف أخوك.
30 -1كو 8:8.