رسالة رومية الأصحاح14 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
7-أتكلم عن هذه الأمور، لا لكي أحزنكم، بل لكي أأُمنّكم، ولكي لا أسليكم بلا نفع، وأن أعدكم لتصبروا بأكثر مخافة. إذًا لماذا، أخبرني لا تقبل أن تُدان، حين تُخطيء؟ ألم يخبرك بكل هذا من قبل؟ ألم يهددك؟ الم يُساعدك؟ ألم يضع أمور لا تُحصى من أجل خلاصك؟ ألم يهبك معمودية الميلاد الجديد؟ وغفر لك كل خطاياك السابقة؟ ألم يعطيك أيضًا بعد هذا الغفران، وهذه المعمودية، المساعدة عن طريق التوبة، عندما نخطيء؟ وبعد هذا الغفران لخطاياك ألم يجعل لك الطريق سهلاً؟ إسمع إذًا أي وصية قد أعطى “إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي”(21)، هكذا يقول، وأية صعوبة في هذا الأمر، “أطلبوا الحق إنصفوا المظلوم أقضوا لليتيم. حاموا عن الأرملة ” ثم يقول “إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيّض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف”(22). وأي جهد يحمل هذا الأمر؟ يقول “ذكّرني فنتحاكم معًا. حدث لكي تتبرر”(23). أية صعوبة في هذا الأمر؟ يقول “ليطلبوا المراحم من قبل إله السموات”(24). أية متاعب في هذا الأمر؟ لقد قال العشار “أللهم أرحمني أنا الخاطئ”(25)، ونزل مبررًا. أيه جهد تحتاج لكي تحاكي العشار؟
لكنك لا تريد أن تقنعك، ولا حتى بعد كل هذه الأمور الكثيرة المشار إليها، إنه يوجد جحيم وعقاب؟ حينئذ سيمكنك أن تقول، إنه ولا الشيطان يُعَاقَب. لأنه يقول “إذهبوا عني….إلى النار الأبدية المعدة لأبليس وملائكته”(26). إذًا إن لم يوجد جهنم، ولا الشيطان يُعَاقَب (كان لك الحق فيما تقول)، لكن إن كان الشيطان يُعَاقَب، فمن الواضح إننا سنُعَاقَب نحن أيضًا. لأنه بالتأكيد نحن أيضًا قد عصّينا، وإن كان ليس لذات الأمور. لكن كيف لا ترتعب، متكلمًا بكل هذه الجرأة؟ لأنه عندما نقول، بإن الله محبًا للبشر، ولا يُعَاقِب، فإن عَاقِب، سيكون وفقًا لكم، إنه ليس بعد محبًا للبشر. أرأيت على أي حديث يقودكم الشيطان؟ ماذا إذًا؟ هل الرهبان الذين سكنوا الجبال، وأظهروا نسكً فائقًا، سيرحلون عن هذا العالم غير متوجين؟ إذَا فإن كان الأشرار لا يُدانون، ولا يوجد تعويض لأي أحد، فربما يقول شخص آخر، إنه ولا الأتقياء أيضًا سُتوجون. يقول نعم، لأن هذا يليق بالله، أن يوجد ملكوت فقط، ولا يوجد جهنم. وبناء على ذلك هل العاهر والزاني، وذلك الذي صنع شرور لا حصر لها، سيتمتع بنفس الهبات، مع ذاك الذي أظهر تعقل وقداسة، وهل بولس سيقف (على نفس المستوى) مع نيرون، أو من الأفضل القول هل سيقف الشيطان (على نفس المستوى) مع بولس (أمام الله)؟
إذًا إن كان لا يوجد جهنم، وهناك قيامة للجميع، حينئذ فإن الأشرار أيضًا سينالوا نفس الهبات مع الصالحين. ومن يستطيع أن يقول هذا الكلام، حتى وإن كان بعد من الناس الذين يتسمون بجنون شديد؟ أو من الأفضل أن نقول مَن من الشياطين يستطيع أن يقول بهذا؟ خاصة وإن الشياطين يعترفون بإنه يوجد جهنم، ولهذا يصرخون قائلين: “أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا”(27)، إذًا كيف لا نخاف ولا نرتعب، فحين تعترف الشياطين (بوجود جهنم)، أنت ترفض هذا الأمر؟ وكيف لا تنتبه لمعلم هذه العقائد الخبيثة؟ لأن ذاك (أي الشيطان) الذي خدع الإنسان منذ البداية، وحرمه من الخبرات التي كانت بين يديه، بواسطة إقتراح فيه رجاء كبير، هذا هو الذي يمنع الآن أن يقولوا وأن يفكروا في هذه الأمور، ولهذا فإنه يقنع البعض أن يستنتجوا إنه لا يوجد جهنم، لكي يلقيهم في جهنم. بينما الله على العكس من ذلك، يهدد بجهنم، وقد أعّدها، حتى إنه بعدما تعرف (طبيعة جهنم)، أن تحيا في تقوى، حتى لا تقع داخل جهنم. لكن إن كان الشيطان يُقنعك بهذه الأمور، بينما في الحقيقة يوجد جهنم، فكيف بدون أن يوجد جهنم، قد إعترف الشياطين بوجودها، هؤلاء الذين يُعننون جدًا ألا نرتاب في شيء مشابه، حتى إنه بعدما نصير بالأكثر غير مبالين، من خلال عدم الخوف، أن نسقط معهم في تلك النار (نار جهنم)؟ إذًا كيف يقول، إنهم إعترفوا بجهنم وقتها، لأنهم لم يحتملوا العقوبة التي هُددوا بها.
إذًا بعدما فهمنا كل هذا، لنُوقف هؤلاء الذين يتكلمون بهذا الكلام، هؤلاء الذين يخدعون أنفسهم أيضًا، ويخدعون الآخرين، لأنهم سيُعَاقَبون عن هذا الكلام، إذ يسخرون من تلك الأشياء المخوفة (أي العقاب الأبدي)، ويضعفون إهتمام الكثيرين الذين يريدون أن يعطوا إهتمام لهذه الأمور، ولا يُحاكموا ولا حتى البربر(28). لأن أولئك (أي أهل نينوى) بالرغم من إنهم كانوا عديمي الخبرة جميعًا، إلا إنهم عندما سمعوا أن المدينة ستدمر أو ستهلك، ليس فقط قد قبلوا أو آمنوا، بل أيضًا تنهدوا ولبسوا مسوح، وإضطربوا، ولم يتوفقوا عن أن يصنعوا كل شيء، حتى أوقفوا غضب الله(29). بينما أنت الذي عرفت أمور كثيرة بهذا القدر، هل بالكلام تُسفه الأمور السابقة، إذًا ستحدث المتضادات. لأنه تمامًا كما أن هؤلاء (أي أهل نينوى)، لأنهم خافوا من الكلام (أي كلام يونان النبي)، لم يُعَاقَبوا عن الأمور التي فعلوها، هكذا أنت أيضًا، لأنك إحتقرت التهديد بالكلام، ستنال العقاب أو سُتعاني العقاب عن الأمور التي صنعتها. وإن كان الكلام الآن يبدو لك خرافه، لكنه لن يبدو لك كذلك، عندما سُتقنعك الأمور ذاتها في حينها.
ألا ترى هنا أيضًا ماذا صنع؟ كيف أخذ لصين، ولم يعتبرهما مستحقين لنفس الأشياء، بل أن الواحد قاده إلى ملكوت السموات، بينما أرسل الآخر إلى جهنم؟ ولماذا أتكلم عن لص وقاتل؟ لأنه يحزن حتى على الرسول (أي يهوذا)، لأنه صار خائن، بل ناظرًا إليه وهو يندفع إلى حبل ويشنق نفسه ويمزن جسده في المنتصف (لأنه بالحقيقة فتح بطنه وإنسكبت كل أحشاءه)، لكن بالرغم من إنه عرف كل شيء من قبل، تركه ليعاني كل هذا الأشياء، لكي يُقنعك من خلال الأمور الحاضرة، بكل ما سيحدث هناك (أي في الدهر الآتي). إذًا لا تخدعوا أنفسكم، بأن تقتنعوا بكلام الشيطان، لأن هذه الأفكار هي له. لأنه إن كان القضاة والسادة، والمعلمين، والبربر يكرمون الصالحين، بل ويعاقبون الأشرار فكيف سيمكن أن يكون هناك مبرر لأن يصير ما هو عكس ذلك في الله، ونُقيّم نفس الأمور، للصالح وللشرير أيضًا؟
لكن حتى سيتخلصون من الشرور؟ إذًا الآن حين ينتظرون العقوبة ويُقيمون بين مخاوف كثيرة جدًا والتي تأتي من القضاة ومن القوانين، إلا إنهم لا يبتعدون عن الشرور ولا حتى بهذه الطريقة، وعندما ينتقلون على هناك (إلى الحياة الأخرى)، ويطردون هذا الخوف، وليس فقط لا يسقطون وسط جهنم، بل وينالوا ملكوت السموات أيضًا، متى سيتوقفون أن يكونوا أشرارًا؟ أخبرني إذًا هل هذا هو علامة محبة للبشر، ألا يُعَاقِب الشر، أن يُعطي مكافأة للشر، لأن يعتبر العفيف والفاسق، والمؤمن والجاحد، بولس والشيطان، مستحقًا (للكرامة) من أجل نفس الأمور؟ إذًا على أي مدى سنهذي نحن أيضًا؟ ولهذا من فضلكم بعدما تتخلصوا من هذا الجنون، وبعدما تصبحون أسياد أنفسكم، إن تقنعوا أنفسكم أن تخاف وأن ترتعد، لكي تُنقذ من جهنم المستقبلية، وطالما تحيا بالتعقل في الحياة الحاضرة، تنال خيرات الدهر الآتي، والتي ليتنا جميعًا ننالها بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد إلى الأبد أمين.
(21) 14:6.
(22) أش17:1-18 .
(23) إش26:49.
(24) 18:3.
(25) لو13:18.
(26) مت41:25.
(27) مت29:8.
(28) الإشارة هنا إلى نينوى (Νινευιτες).
(29) يونان 1:3-10.