رسالة رومية الأصحاح13 ج1 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح13 ج1 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح13 ج1 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
” لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة” (رو1:13).
1 ـ لقد تحدث (القديس بولس) كثيرًا عن هذا الأمر في رسائل أخرى، إذ يطلب من المواطنين أن يخضعوا للرؤساء، تمامًا مثلما يخضع الخدام للأسياد. وهو يوصي بذلك لكي يظهر أن المسيح لم يضع قوانينه للتحريض على القيام بالانقلاب على الدولة، بل من أجل إصلاح أفضل لها، ولكي يُعلّم بألاّ نشن حروباً مدمرة وبلا داعي. لأن الدسائس التي تُحاك ضدنا بسبب أظهار عن الحقيقة، هى كافية ولا ينبغي أن تُضاف تجارب لا داعي لها ولا تفيد شيئاً. لكن انتبه كيف أنه في اللحظة المناسبة حوّل كلمته إلى هذه الأمور. إذًا بعدما طلب السلوك بتلك الحكمة العظيمة أو تلك الفلسفة العظيمة (أى مواجهة الإساءة بالإحسان) وجعل الجميع يتآلفوا مع الأصدقاء والأعداء في حالة تآلف جعلهم نافعين لمن هم في سعادة، وللذين هم في حالة أسى وحزن، وللمحتاجين، وبشكل عام تجاه الجميع. وأسس المدينة التي تليق بالملائكة، لقد عالج غضبهم ووبخ افتخارهم، وفي كل شئ جعل نفوسهم رقيقة، حينها قدم النصيحة من جهة هذه الأمور. لأنه إن كان أولئك الذين يظلموننا يجب أن يُكافأوا بصورة عكسية، فبالأولى جدًا يليق بنا أن نخضع لأولئك الذين يُحسنون إلينا.
إلاّ أنه أوصي بذلك في نهاية النصيحة، ولم يشر إلى هذه الأفكار التي قالها في البداية، بل أشار إلى الأفكار التي تحث على فعل هذا كدين عليهم. ولكي يُبيّن أن هذه الوصية موجهة للجميع، للكهنة وللرهبان أيضًا، وليس للعلمانيين فقط، لقد جعل هذا الأمر واضحًا منذ البداية، قائلاً: ” لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة “، سواء كان رسولاً، أم كان مبشرًا، أم نبيًا، أو كان أى شيئًا آخر، لأن هذا الخضوع لا يؤثر في التقوى. ولم يقل “لتطيع” بل قال “لتخضع”. وأول تقييم لهذا التشريع، وهذا الفكر الذي يليق بالمؤمنين، هو أنهم قد أُمروا به من الله. ” لأنه ليس سلطان إلاّ من الله “. ماذا تقول؟ هل كل حاكم هو مرسوم من الله؟ يُجيب بأنني لا أقصد هذا، ولا كلامي الآن هو موجه للحكام بشكل منفصل، لكنه يختص بالسلطان. لأنه أن يوجد سلاطين فهذا يعني أن هناك بالطبع من يَحكم، وهناك من يُحكم، ويجب عليهم ألا يسلكوا في كل شئ بلا هدف وبلا ضابط، وأنه يجب على الشعوب ألا تتأرجح هنا وهناك مثل الأمواج، فهذا السلطان هو عمل حكمة الله.
لهذا لم يقل، إذًا ليس حاكم إلاّ من الله، لكن يتكلم بشكل عام عن هذا الأمر (أى السلطان)، ويقول ” لأنه ليس سلطان إلاّ من الله. والسلاطين الكائنة هى محددة من الله “. هكذا قال الحكيم ” الزوجة المتعقلة فمن عند الرب “[1]، هذا ما يقصده، أى أن الله صنع الزواج، وليس أن ذاك يوّحد أي أحد يقيم في علاقة جسدية مع امرأة. خاصةً ونحن نرى أن كثيرين قد ارتبطوا فيما بينهم بالشر، وبزواج غير شرعي، ولا يمكن أن نعتبر ذلك من الله. لكن ذاك الذي قال: “الذي خلق من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى وقال: “من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكونان الاثنان جسدًا واحدًا”[2]، نفس الأمر قاله ذلك الحكيم حين فسّره. إذًا نظراً لأن المساواة في الكرامة، تدفع في مرات كثيرة للتصادم، فقد أوجد الله سلاطين وأنواع كثيرة ومتنوعة من الخضوع على سبيل المثال، الخضوع بين الرجل والمرأة، الابن والأب، الشيخ والشاب، العبد والحر، الحاكم والمواطن، المعلّم والتلميذ. ولماذا تتحير لأنه تحدث عن الخضوع بين البشر، مع أنه فعل هكذا أيضاً بالنسبة
لنفس الشيء في الجسد؟ إن الله لم يخلق الجسد بأعضائه المتساوية في الكرامة، بل خلق عضواً أصغر، والعضو الآخر أسمى، وجعل بعض الأعضاء تسود، وبعضها يُساد عليها. بل وفي الحيوانات يستطيع المرء أن يرى نفس الشيء، كما في النحل، وفي طيور الكركر، وفي قطيع الخراف المتوحشة. ولا البحر أيضًا حُرم من هذا النظام الحسن، بل هناك أيضًا كثير من الأجناس البحرية، توضع تحت سلطان بعض الأسماك، وهى تُساق أو تُدار هكذا عندما توشك القيام برحلاتها البعيدة. خاصةً وأن الفوضى في أي موضع هى أمر سيء، وتسبب للاضطرابات.
2 ـ إذًا بعدما تكلّم عن السلاطين ومن أين تأتي، أضاف:
“حتى أن من يقاوم السلطان يُقاوم ترتيب الله” (رو2:13).
أرأيت إلى أين يقود هذا الأمر، وممن قد أخافهم، وكيف أنه بيّن، أن هذا قد صار كدين عليهم؟ إذًا لكي لا يقول المؤمنون أنه يُهيننا، ويجعلنا مُحتقرين، مُخضعًا الذين سيتمتعون بملكوت السموات للحُكام، يُظهر أنه لا يُخضعهم للحكام، بل هو يُخضع لله أيضًا، وهذا يتم حين يخضعوا للحكام. لأن كل من يخضع للسلاطين، يطيع الله. لكنه لم يقل هذا، أى أن من يُطيع الله، هو من يخضع للسلاطين، لكنه يُخيفهم من الوجهة العكسية، ويُدلل على هذا بدقة كبيرة، قائلاً أن من لا يخضع للحاكم يُقاوم الله الذي رتب هذه الأمور. وقد حرص على إظهار هذه الحقيقة في كل موضع، أننا لا نمنح هؤلاء الطاعة، بل نحن مدينين بها. وهكذا سيُمكنه أن يجذب الحكام غير المؤمنين للتقوى، والمؤمنين للطاعة.
لقد كثر الكلام في هذا الشأن في كل مكان، وانتشرت النميمة على الرسل حول موقفهم من التجديد أو التحدث، وتردد أن هدف كل ما قالوه وفعلوه، يكون تغيير القوانين العامة. وحين اتضح أن إلهنا يؤكد على هذا الأمر لكل أخصائه، فعليك عندئذٍ أن كسرة أفواه الذين وشوا بالرسل كمتمردين، وتتكلم بجرأة كبيرة عن المبادئ الحقيقية. إذًا لا تخجل من مثل هذا الخضوع خاصةً وأن الله هو الذي أمر به، وهو يعاقب بشدة عندما تحتقر ما يوصي به. لأنه لن يعاقبك بعقوبة بسيطة عندما لا تخضع لهذه الأمور، بل بعقوبة كبيرة جدًا، ولن تفلت من العقاب، عندما تقاوم، بل ستنال من البشر عقوبة مُخيفة للغاية، ولن يحميك أحد، وسيغضب منك الله بدرجة كبيرة جدًا. كل هذا ما يعنيه تحديداً عندما يقول: “والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة”.
ولكي يُبيّن بعد ذلك فوائد الخضوع فبعدما أخافهم، يحاول أن يقنع بالمنطق، قائلاً:
“فإن الحكام ليسوا خوفًا للأعمال الصالحة بل الشريرة” (رو3:13). إذًا لأنه واجهتهم ضربة قوية وأخافتهم، عاد وظهر شيئاً من المرونة وكطبيب حكيم أعطاهم دواء مناسباً، وأخذ يعزيهم قائلاً: ماذا تخشى؟ لماذا ترتعب عندما تعمل أعمالاً حسنة؟ هل يُقلل هذا من شأنك هل اهتمامك بالفضيلة يقلل من شأنك؟ أمر مخيف؟ ولهذا أضاف: ” أفتريد أن لا تخاف السلطان؟ افعل الصلاح فيكون لك مدح منه “. أرأيت كيف أنه صالح ذاك مع الحاكم، بعدما أظهر أنه يمتدحه؟ أرأيت كيف أنه فرّغ الغضب؟
“لأن الحاكم هو خادم الله للصلاح” (رو4:13).
بعيد كل البعد عن إخافتك، لأنه يمتدحك أيضًا، ويبتعد تماماً عن أن يُعيقك، طالما أنه يعينك أيضًا. إذًا حين يكون لديك هذا المادح وهذا المعين، فلماذا لا تخضع؟ خاصةً وأنه يجعل الفضيلة بطريقة أخرى أكثر سهولة بالنسبة لك، أي بمعاقبة الأشرار، ويحسن ويكرم الأبرار، وهكذا يكون السلطان متفقًا مع إرادة الله عندما يفعل ذلك دعاه بولس الرسول خادم الله. لكن انتبه، فإني أنصح بالتعقل، والحاكم أيضًا ينصحنا بنفس الشيء من خلال تطبيق القوانين، فهو يحثنا على أنه ينبغي علينا ألا نكون طامعين، ولا خاطفين، ولذلك فهو يجلس ويحاكم، حتى أنه بهذا المسلك يكون عاملاً معنا ومعينًا لنا، ومُرسلاً من الله من أجل ذلك. إذًا فهو من الوجهتين محل تقدير، لأنه مُرسل من الله، ولأنه مُرسل من أجل تحقيق هذا الأمر. ” ولكن إن فعلت الشر فخف “. وبناء على ذلك فإن الحاكم لا يبث الخوف، بل أن مصدر الخوف هو ارتكابنا الشرور. “لأنه لا يحمل السيف عبثًا”. أرأيت كيف أقامه بعدما سلّحه جيدًا، مثل الجندي الذي يثير الخوف لدى الذين يخطئون؟ ” إذ هو خادم الله منتقم بالغضب من الذي يفعل الشر ” إذًا وحتى لا تتمرد حين تسمع أيضًا عن إدانة، وعقوبة، وسيف، يقول مرة أخرى، أنه يُتمم ناموس الله. وما هى الأهمية، إن كان ذاك لا يعرف؟ إن الله عيّنه ليتمم ذلك.
إذًا إن كان يعاقب، يكرم بصفته خادم، وينتقم من أجل أن تسود الفضيلة، مُبعدًا الشر، الأمر الذي يريده الله، فلأي سبب تقاومه طالما أنه يحمل كل هذه الخيرات، ويُمهد الطريق من أجلك؟ لأنه يوجد بالحقيقة كثيرون بعدما سلكوا بالفضيلة خوفاً من الحكم أولاً قد سعوا إليها فيما بعد بمخافة الله. وبالنسبة للضعفاء روحيًا لا تُخيفهم الأمور المستقبلية، بقدر ما تخيفهم الأمور الحاضرة. إذًا فذاك الذي بواسطة الخوف والتكريم يُعد أنفس الكثيرين لكي لتقبل التعليم يكون تعيينه خادم الله أمرًا مُبررًا.
3 ـ “لذلك يلزم أن يُخضع له ليس بسبب الغضب فقط. بل أيضًا بسبب الضمير” (رو5:13).
ما معنى ليس بسبب الغضب فقط؟ يقول أنه يجب عليك أن تخضع ليس فقط لأنك تقاوم ترتيب الله إن لم تخضع وليس لأنك تُسبب لنفسك أضرار كبيرة من قِبل الله ومن قِبل الحكام أيضًا، بل لأنه صار مُحسنًا لك في الخيرات الوفيرة، طالما أنه باعث على السلام وعلى التدبير السياسي. خاصةً وأنه بواسطة هؤلاء السلاطين تتحقق خيرات لا حصر لها في المدن. وإن أبطلت سلطة هؤلاء فإن كل شئ سينتهي، ولن يكون هناك وجود لمدينة ولا لقرية، ولا لبيت ولا لسوق ولا يمكن لأي شئ أن يثبت على حالة بل ستقلب كل الأشياء، إذ أن من هم أكثر قوة سيبتلعوا الضعفاء. وبناء على ذلك فحتى إن لم يصيبك غضب بسبب تمردك، فإنه هكذا أيضًا كان ينبغي أن تخضع، حتى لا تبدو وكأنك بلا ضمير وناكرًا لجميل من أحسن إليك.
“فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضًا. إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه ” (رو6:13).
بعدما تجنب الكلام بشكل منفصل عن الإنجازات التي يحققها الحكام في المدن مثل الإدارة الحسنة، ونشر السلام، وتقديم الخدمات الأخرى للجنود، ولأولئك الذين يهتمون بالأمور العامة، وأوضح أن الخدمة الواحدة من هذه الأمور، تبين حجم الخدمات التي تُقدم للكل. إذًا فإنك إن تثبت رضاك ومساندتك للحاكم عندما تدفع الجزية.
لاحظ حكمة وتعقل المطوب بولس. لأن ما كان يبدو مُزعجًا ومُحزنًا أى المطالب (التي طلبها)، هذا يجعله دليل اهتمام وعناية نحو هؤلاء. إذًا لماذا يطلب أن نعطي الجزية للملك؟ ألا يجب علينا أن ندفع أجر الوكالة (أى وكالته عنا في إدارة الدولة)، لأنه يعتني بنا، ولأنه يحمينا؟ إلاّ أننا نرفض ذلك إن لم نعرف من البداية أننا نستفيد كثيراً من هذا السلطان. ولهذا فق أقر الجميع من البداية أننا يجب أن نساهم في توفير معيشة الحكام لا يبالون بأنفسهم من أجل الاهتمام بالصالح العام، حتى أنهم ينشغوا بذلك حتى في فترات إجازتهم لكي يتمموا كل ما يخصنا، وبعدما تكلّم عن تلك الأمور التي تأتي من الخارج، يعود مرة أخرى بحديثه إلى الأمور السابقة (لأنه هكذا كان ممكنًا بالأكثر أن يُحرك المؤمن)، ويُظهر مرة أخرى أن هذا يبدو أمرًا حسناً أمام الله، وفي هذا يختم النصيحة، قائلاً: “ولكي يبين ما يبذلونه من جهد وتعب، أضاف: ” مواظبون على هذا بعينه”. إذًا هذه هى حياتهم، هذا هو اهتمامهم، أى كيف تتمتع أنت بالسلام. ولهذا في رسالة أخرى، لا يأمر فقط بأن نخضع، بل وأن نُصلي من أجل هؤلاء (أى الحكام). ومبينًا في تلك الرسالة أن الربح الفائدة عامة، أضاف: “لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار”[3].
لأنه بالنسبة لنا ليس هو بالأمر القليل ما يقدموه لنا من منافع في الحياة الحاضرة، إذ هم يأخذون السلاح ويحاربون، يُبعدون الأعداء، يمنعون أولئك الذين يثورون على المدن، يقدمون حلولاً للمشاكل في كل شئ، إذًا لا تحدثني عن إذا كان يوجد من يُسيء استخدام السلطة، بل عليك أن تلاحظ لياقة هذا الترتيب، وسترى عظمة حكمة الذي قنن هذه الأمور منذ البداية.
” فاعطوا الجميع حقوقهم الجزية لمن له الجزية الجباية لمن له الجباية. والخوف لمن له الخوف والإكرام لمن له الإكرام. لا تكونوا مديونين لأحد بشئ إلاّ بأن يحب بعضكم بعضًا ” (رو7:13ـ8).
ولازال يقيّم نفس الأمور، طالبًا من هؤلاء ليس فقط أن يدفعوا أموالاً، بل وأن يقدموا كرامة واحتراماً. وكيف يقول من قبل “أفتريد ألا تخاف السلطان افعل الصلاح ” وهنا يقول ” الخوف لمن له الخوف ” يقول هذا وهو يقصد الكرامة الفائقة، وليس الخوف الذي يأتي من الضمير الشرير، الذي أشار إليه سابقًا. ولم يقل(δώστε) أى امنحوا بل (αποδώστε) أى اعطوا، وأضاف “حقوقهم”. وبالطبع فإنك لا تصنع خدمة، حين تفعل هذا الأمر. لأنه حق، وإن لم تفعله، ستُدان كناكر للمعروف أو كغير معترف للجميل.
إذًا لا تتصور أنك تُحتقر، وتُضار، فيما يختص بقيم إيمانك، إذا وقفت احترامًا، حين يعبر الحاكم من أمامك، أو إذا خلعت قبعتك عن رأسك. لأنه إن كان قد حدد هذا الأمر في ذلك الحين الذي كان فيه الأمم حكامًا فبالأولى كثيرًا الآن ينبغي أن يسري هذا على المؤمنين. ولكن إذا كنت تزعم أنه استأمنك على الأمور الأعظم، فلتعلم أن الآن ليس هو وقتك، لأنك غريب ووجودك مؤقت. سيأتي الوقت الذي سيظهر فيه “لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ مَتَى اظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أنْتُمْ أيْضاً مَعَهُ فِي الْمَجْدِ”[4]. إذًا يجب ألا تطلب المكافأة في هذه الحياة الحاضرة، بل إن احتاج الأمر، ولتشعر بهيبة ووقار الحاكم عندما تمثل أمامه، لا يتلائم مع أصلك النبيل. لأنه هكذا يريد الله، حتى أن الحاكم الذي أُعطى من الله، تكون له قوته. لأنه حين يقف ذاك الذي لم يقترف أى شر بخوف أمام القاضي، فبالأولى يخاف من يقترف الشر. لكنك هكذا ستصير أكثر بهاءً، لأن الخضوع لا يأتي من الكرامة، بل من الإهانة، والحاكم أيضًا سيكرمك إلى أقصى درجة، وسيمجدك إلهك لهذا السبب، حتى إن كنت غير مؤمن.
” لا تكونوا مديونين لأحد إلاّ بأن يُحب بعضكم بعضًا ” (رو8ك13).
يلجأ مرة أخرى إلى منبع الصالحات (أى المحبة)، إلى تلك التي ما تُعلّم ما سبق الإشارة إليه، والتي تنشئ كل الفضيلة، ويقول كيف أنها نافعة، لكن ليست مثل الضريبة، والجزية، بل بصفة دائمة. لأنه لا يريد مطلقًا بهذه المحبة تُسترجع، أو من الأفضل أن نقول دومًا هو يريد أن تُرد، لا أن تُعوض، فهي فافعة على الدوام. لأن هذا هو الدين، أننا نظل نُعطي، ونبقى مديونين على الدوام. إذًا بعدما قال كيف أنه ينبغي علينا أن نحب، يُظهر فائدة ذلك، قائلاً: “لأن مَن أحب غيره فقد أكمل الناموس”. إذًا لا تعتبر هذا العمل أنه معروفاً، خاصةً أنه دين. لأنك مدين لأخيك بالمحبة بسبب القرابة الروحية. وليس فقط لهذا السبب، بل ولأننا نحن أعضاء بعضًا لبعض. وإن مُحيت منا هذه أي المحبة، فإن كل شئ سيفنى. إذًا فلتحب أخاك. لأنه إن كان بمحبته ستربح الكثير، فحتى تتمم كل الناموس، فإنك مدين له بالمحبة، بعدما تنعم بالإحسان منه.
” لأن لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تشته وإن كانت وصية أخرى هى مجموعة في هذه الكلمة أن تحب قريبك كنفسك ” (رو9:13).
لم يقل، تُتّمم، بل قال “مجموعة “، أى موجزة وفي كلمات قليلة، يكتمل كل عمل الوصايا. لأن بداية ونهاية الفضيلة، هى المحبة. لأن هذه المحبة لها جذور، هذه هى الأساس، والقمة. إذًا فإن كانت المحبة هى البداية والنهاية، فهل يوجد ما هو مساوٍ لها؟ لكنه لا يطلب فقط محبة، بل محبة فائقة. لأنه لم يقل فقط ” تحب قريبك ” بل قال تحبه “كنفسك”. ولهذا قال المسيح عنها، أن بها يتعلق الناموس والأنبياء[5]. وبعدما أشار المسيح إلى نوعين من المحبة، لاحظ إلى أين قد سما بها. لأنه بعدما قال إن الوصية الأولى هى أن “تحب الرب إلهك” أضاف الثانية، قائلاً: ” والثانية مثلها. تُحب قريبك كنفسك “[6].
هل هناك ما يتساوى مع محبة الله للبشر؟ هل هناك ما يتساوى مع هذا الصلاح؟ فبرغم الفارق الشاسع بيننا وبين جعل محبتنا بعضنا لبعض مساوية لمحبتنا له ويقول إن محبة الرب إلهك هى مثل محبة القريب. لهذا تحديدًا حدد معايير متساوية تقريبًا في الحالتين، فمن حيث محبتنا لله، قال “من كل قلبك. من كل نفسك”، أما بالنسبة لمحبة القريب قال: “كنفسك”. والقديس بولس، أشار إلى أنه عندما لا توجد لدينا محبة للقريب، فإننا لن ننتفع من محبتنا لله. تمامًا فكما يحدث معنا، عندما نحب شخصاً، نقول: إن أحببت ذاك، فإنك تحبنا نحن، هكذا المسيح أيضًا، لكي يُعلن عن هذا، قال ” والثانية مثلها”. هكذا قال أيضًا لبطرس ” أتحبني .. ارع غنمي”[7]. إذًا:
“المحبة لا تصنع شرًا للقريب. فالمحبة هى تكميل الناموس” (رو10:13).
أرأيت كيف أنه يحمل الفضيلتين، أولاً الابتعاد عن الشرور، لأنه يقول ” لا تصنع الشر”، ثانياً ممارسة الصلاح، لأنه يقول ” فالمحبة هى تكميل الناموس”، دون أن يهمل الاستفاضة في شرح التعليم الخاص بالفضائل ينبغي أن نفعلها، بل جعل ممارستها أسهل. لأنه لم يهتم فقط بكيف سنتعلم الأمور التي تعود بالفائدة علينا، الأمر الذي هو عمل الناموس، بل أن يساعدنا أيضاً على ممارستها أيضًا سيساعدنا جدًا، طالما أنه يجعلنا نتمكن من ممارسة ليس فقط من جزء واحد من الوصايا، بل من كل الفضيلة.
[1] أم14:19.
[2] مت4:19ـ5.
[3] 1تيمو2:2.
[4] كو3:3ـ4.
[5] مت40:22.
[6] مت38:22ـ39.
[7] يو16:21.