أبحاث

رسالة رومية الأصحاح10 – عظة18 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح10 – عظة18 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح10 – عظة18 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح10 – عظة18 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح10 – عظة18 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

بقية العظة الثامنة عشر:

6 ـ بيد أنه من حيث إن هذه الشهوة تعتبر شهوة رديئة، فهذا واضح لكل أحد. لكن كيف يمكننا أن نتجنبها، هذا ما يجب أن يقوله لنا القديس بولس. سنبدأ بداية رائعة من أجل التغيير أو التصحيح، لو أنك أقنعت نفسك جيدًا، أن هذا الداء أى شهوة المجد الباطل، هو داء مُفزع. لأن المريض أيضًا سيطلب الطبيب على وجه السرعة، إن علم أنه مريض. أما إن كنت تطلب أو تبحث عن طريقة أخرى لتجنب هذه الشهوة، فيجب عليك أن تتطلع دومًا نحو الله، وأن تكتفي بالمجد الإلهي. وحتى وإن كنت ترى بعد أن الشهوة تُداعبك أو تدغدغ إرادتك، وتُحركك للتحدث بفخر بإنجازاتك لمن هم شركائك في الإنسانية، وطالما أنك تفكر مرة أخرى، في كيف يمكن أن تستعرض ذلك، وأنه لا ينتج من ورائها أى ربح، فعليك أن تمحو هذه الرغبة الفاسدة، وقل لنفسك ها إنك تعبت كل هذا الزمان حتى لا تبوح بإنجازاتك وأنت لم تحتمل أن تحتفظ بها سرًا، بل أعلنتها للجميع، فماذا تحقق لك، أكثر مما أنت عليه هنا؟ بالطبع لا شئ، بل خسارة وأكثر من خسارة، إذ أنك تُفرِغ كل ما جُمع بجهد وتعب كثير.

لكن مع كل هذا، فكّر في أن قرار الكثيرين وحكمهم هو قرار وحكم خاطئ، وليس فقط خاطئًا، بل إنه سريعًا ما يزول. لأنه وإن كانوا قد أُعجبوا بك للحظة، فعندما يعبر الوقت، فإنهم ينسون كل شئ، وهكذا يكونون قد خطفوا الإكليل الذي أعطاه الله لك، ولم يستطيعوا أن يحتفظوا لك بالإكليل الخاص بهم. وإن افترضنا أن هذا الإكليل باق، فسيكون من يُبدل إكليله بإكليلهم تعس جدًا، أما عندما يتحطم هذا الإكليل، فأى مُبرر سنُعطى، طالما إننا نُسلم الذي يبقى من أجل الزائل، ومن أجل أن ننال مديح القليلين نفقد كل هذه الخيرات الكثيرة؟ وحتى وإن كان الذين يمتدحوننا هم كثيرون، فإننا هكذا سنكون مستحقين للعذاب، وبالأكثر في الوقت الذي يمدحوننا فيه. ولكن إن كنت تشك فيما قيل، فاسمع المسيح له المجد حين يُدين هذا. ” ويل لكم إذا قال فيكم جميع الناس حسنًا “[1]، وهذا كلام له ما يبرره. لأنه لو كان يجب على الصنّاع أن يطلبوا مُقيّمين أو قضاة لكل عمل، فكيف تسمح للناس أن يراقبوا الفضيلة، ولا تسمح لله الذي يعرف قبل الجميع وأكثر من الجميع، والذي يمكنه أن يُدين، وأن يُكلل؟ لنكتب هذه العبارة إذًا على الجدران، وعلى الأبواب، وفي آذاننا، ونكررها في أنفسنا دائمًا: ويل لنا إذا قال فينا جميع الناس حسنًا.

وهؤلاء الذين يمتدحونك، هم بالحقيقة الذين يذمونك فيما بعد ويقولون عنك إنك محب للمجد الباطل والعظمة، وإنك تشتهي مديحهم بشكل مُبالغ فيه. أما الله فلا يفعل هذا، بل عندما يراك تشتهي مجده، فهو يمتدحك في ذلك الوقت ويصنع معك معجزات، ويُكللك. وعلى العكس من ذلك فإن الإنسان لا يفعل هكذا، بل يعتبرك عبدًا بدلاً من حرًا، وكثيرًا ما يمنحك مدحًا كاذبًا فقط وبكلام ساذج، ويكون قد إختطف منك الأجر الحقيقي واشتراك، بل وبالأكثر جعلك عبدًا. لأن العبيد يخضعون لسادتهم بعد أن يصدروا لهم أوامرهم، أما أنت فتصبح عبدًا بدون أوامر. لأنك لا تنتظر أن تسمع شيئًا من الذين يمدحونك، بل بدون أن يصدروا لك أوامرهم، فأنت تفعل كل شئ يُسعدهم. إذًا ألا نكون مستحقين لهذا القدر من الجحيم، حين نُفرِح الأشرار، ونخضع لهم حتى قبل أن يأمروننا، بينما الله الذي يحثنا وينصحنا كل يوم، لا نسمع له؟

ولكن إذا كنت تشتهى المجد والمديح إشتهاءً شديدًا، فعليك أن تتجنب مديح الناس، وعندئذٍ ستنال المجد. احتقر الكلام المنمق، حينئذٍ ستتمتع بمديح كثير من الله ومن الناس أيضًا. لأن مَن يحتقر ويزدري المجد الباطل هو عادةً الذي نمجده ونمتدحه ونُعجب به. فإذا نحن احتقرنا المجد الباطل، فبالحرى جدًا سيُمجدنا إله الكل. وعندما يُمجدك الله ويمتدحك، فمن ذاك الذي يمكن أن يكون أكثر سعادة منك؟ وبالحقيقة فإنه بقدر إتساع المسافة بين المجد والإزدراء، هكذا يكون الفرق بين المجد الإلهي والمجد الإنساني الباطل شاسعًا جدًا ولا نهاية له. فإذا كان المجد الإنساني الباطل سيئًا ورديئًا حتى عندما لا يُقارن بشئ، أو عندما نفحصه بالمقارنة مع شئ آخر، ففكّر إذًا في مدى القبح الذي سيظهر منه. فهو تمامًا مثل المرأة الزانية، حتى ولو كانت تُقيم في منزل، إلاّ أنها تعرض نفسها للآخرين، هكذا أيضًا عبيد المجد الباطل. وربما هم أسوأ من هذه المرأة الزانية، لأن مثل هؤلاء النساء كثيرًا ما يحتقرن شخصًا يكون قد اشتهاهم، بينما أنت قد عرضت نفسك للجميع، لمجرمين ولصوص، ولسارقي الأموال. لأن هؤلاء وأشباههم يمثلون المتفرجين الذين يمتدحونك. وهؤلاء الذين عندما يكونون متفرقين بعيدًا لا تعتبرهم مستحقين شيئًا على الاطلاق، لكنهم عندما يجتمعون معًا، تُفضّلهم على خلاصك، وتقدم نفسك مُجردًا من المجد أكثر من كل هؤلاء.

بالحقيقة كيف لا تكون مُجردًا من المجد، أنت يا من تحتاج للمديح من الآخرين، وهل تعتقد إنك لو أخذت المجد من آخرين سيكون هذا مفيدًا لك؟ أخبرني، ألم تفكر، بالإضافة إلى كل ما قيل، كيف أنهم عندما ينظروا إليك من كل جانب، حين تصبح معروفًا للجميع، أنه سيكون أمامك عددًا لا يُحصى ممن يدينونك إذا ما أخطأت، بينما حين تكون غير معروف، ستبقى في أمان؟ نعم هكذا يقول، وحين أُحقق إنجازات، سيكون لديّ مُعجبين لا حصر لهم. إنه لأمر مخيف حقًا، ليس فقط حين تُخطئ، لكن أيضًا حين تُحقق إنجازات، فإن مرض المجد الباطل سيؤذيك. لقد طرح الكثيرين إلى أسفل من قبل، والآن ينزع عنك كل أجرك.

7 ـ إذًا، فاشتهاؤك بشدة للمجد في الأمور العالمية يعد أمرًا مُخيفًا ومخزيًا للغاية، لكن حين تُصاب بنفس المرض في الأمور الروحية، فكيف تتوقع أن يُغفَر لك، إذا كنت لا تريد أن تقدم لله قدرًا من الكرامة التي تنالها أنت ذاتك من الخدم؟ لأن العبد يتطلع إلى عيني سيده، والعامل إلى عيني صاحب العمل، الذي سيدفع الأجر، والتلميذ إلى مُعلّمه، بينما أنت تفعل العكس تمامًا، عندما تترك الرب الذي أسند إليك عمله مقابل أجر، وتتطلع إلى بشر مثلك، على الرغم من أنك تعلم أن الله لا ينسى لك في الدهر الآتي ما قد حققته، بينما الإنسان يذكره لك هنا في الحاضر، وبالرغم من أن لك شهودًا يجلسون في السماء، فإنك تجمع حولك شهودًا أرضيين. إن الشخص الرياضي يكون متميزًا عندما يدخل في منافسة، بينما أنت وإن كنت تجاهد، إلاّ أنك تحاول أن تُتوَّج في الأرض. وهل هناك غباء أسوأ من ذلك؟

والآن لنرَ إن كنت تُريد هذه الأكاليل. واحد منها هو من الغباء، والآخر من حسد الغير، وبعضها من السخرية والتملق، وآخر من المال، وغيره من الخدمة الدنيئة. وكما أن الأولاد عندما يلعبون يضعون تاجًا من العشب، فوق رأس واحد منهم، دون أن يدري، ثم يسخروا منه من الخلف، هكذا الآن أيضًا، فإن الذين يمتدحونك، كثيرًا ما يهزأون بك في داخلهم، واضعين عليك تاجًا من عشب. وليت تاج العشب فقط، بل يكون مملوءً بالأضرار، ويدمر كل ما حققناه من إنجازات. إذًا طالما أنك تفكر في مدى تفاهة هذا التاج، فلتتجنب الخسارة، أو الضياع. لأنه كم هو عدد الذين تُريد أن يمتدحونك؟ هل مائة أم مائتان، أم ثلثمائة أم ربعمائة؟ أو لو أردت، احسب عشرة أضعاف هؤلاء، أو عشرين ضعفًا، وليكونوا ألفين أو أربعة آلاف بل ليكونوا عشرة آلاف إن أردت، ممن يُصفقون لك، لكن هؤلاء لا يختلفون كثيرًا عن الطيور التي تصيح من أعلا، أو من الأفضل أن نقول، لو تأملت مسرح الملائكة، سيظهر هؤلاء أنهم لا يمثلون أى شئ وأنهم أقل من الحشرات، ومديحهم أضعف بكثير من العنكبوت والدخان، والأحلام. إذًا اسمع القديس بولس، الذي فكّر في هذه الأمور باهتمام، فهو لا يتوقف عند رفض هذه الأمور فقط، بل لا يتمناها مطلقًا، قائلاً: ” وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربنا يسوع المسيح “[2].

إذًا فلتتمثل أنت بهذا الافتخار، لكي لا تُغضب الرب. لأنه حين تسعى نحو المجد الباطل، فإنك تزدري بالله، وليس بنفسك فقط. فإن كنت رسّامًا وتتلمذت على يد آخر، وحدث فيما بعد أنه أهمل أن يوضح لك فنه، ووضع اللوحة في الخارج للعابرين فقط، فإنك ستعاني من هذا الأمر في هدوء. فإن كان هذا الأمر يُعد بالنسبة للبشر الذين هم مثلك، إهانة، فبالأكثر جدًا يكون للرب. وإن أردت أن تتعلم احتقار المجد الباطل بطريقة أخرى، فلتصر أسمى في الفكر: احتقر الأمور المرئية، اجعل حبك أكبر للمجد الحقيقي، وامتلئ بالفكر الروحي، قل لنفسك كما قال الرسول بولس: ” ألستم تعلمون أننا سنُدين ملائكة “[3]. وبعدما تسمو هكذا، وبّخ نفسك بعد ذلك، وقل لها، أنتِ يا من ستدينينِ ملائكة، هل تريدين أن تُدانين ممن لا قيمة لهم، وأن تُمتدحى مع راقصين، وممثلين، ومصارعي وحوش، وقائدي العربات التي تجرها الخيول؟ لأن هؤلاء يسعون نحو هذا المديح.

لكن أنت فلتسمُ فوق صيحاتهم، ولتحاكِ ساكن الصحراء (يوحنا المعمدان)، وتعلم كيف أنه ازدرى بذلك الجمع، وعندما تملقوه لم يتغير، بل على النقيض عندما نظر كل سكان فلسطين قد جاءوا إليه وأُعجبوا به وبقوا في دهشة منه، لم يقبل هذه الكرامة العظيمة جدًا، بل غضب في مواجهتهم، وتحدث مع هذا العدد الكبير، كما لو كان يتكلّم مع طفل صغير، هكذا وبّخهم قائلاً: ” يا أولاد الأفاعي “[4]. وإن كان من المؤكد أنهم تجمعوا وتركوا مدنهم من أجله، لكي يروا هذه القامة المقدسة، لكن لا شئ من كل هذا قد فتنه، لأنه كان بعيدًا عن المجد الباطل، وحرًا من كل تباهي أو افتخار. وهكذا أيضًا اسطفانوس، وهو ينظر لنفس الشعب، الذي لم يكن يكرّمه بل كان في حالة هياج شديد ضده، ويصّر بأسنانه، وبعدما سمَا فوق هياجهم وغضبهم قال: “ يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب[5]. وهكذا إيليا أيضًا، فبينما كانت تلك القوات حاضرة[6]، وأيضًا الملك، وكل الشعب قال: ” حتى متى تعرجون بين الفرقتين[7]. لكن نحن نتملق الجميع، نخدمهم ونحن نستغل حبهم للكرامة. ولهذا تداخلت كل الأمور وتشوشت، وابتعد المسيحيون عن احتقار المجد الباطل، وكل شئ أُهمِلَ من أجل مديح الكثيرين.

إذًا فلنقتلع شهوة المجد الباطل من الجذور، وعندئذٍ سنعرف جيدًا معنى الحرية، وسنصل إلى الميناء، حيث التمتع بالهدوء. لأن صاحب المجد الباطل يُشبه أولئك الذين هم في وسط الأمواج والعواصف، فهو يرتعب على الدوام ويخاف ويخدم سادة كثيرين، بينما مَنْ هو موجود خارج هذا القهر، فإنه يُشبه الذين يجلسون في المواني ويتمتعون بحرية واضحة. أما مَن يسعى للمجد الباطل فليس كذلك، بل يضطر أن يصير عبدًا لهذا الحشد الكبير من السادة الذين أصبح معروفًا لديهم. إذًا كيف سنتحرر من هذه العبودية المخيفة؟ نتحرر منها، حين نسعى نحو التمتع بمجد آخر، نحو المجد الحقيقي. لأنه كما أن أولئك الذين يشتهون الوجوه البشرية، عندما يظهر وجه آخر أكثر إشراقًا، فإنه يُبعدهم عن الوجه السابق، هكذا بالضبط أولئك الذين يشتهون المجد البشري، عندما يشرق عليهم المجد السمائي فإن هذا المجد يستطيع أن يبعدهم عن ذلك المجد البشري.

إذًا فلنحذر من المجد الباطل، ولنعرف جيدًا بهاء المجد السمائي حتى أننا بعدما نتمتع بجماله، نتجنب قبح المجد الباطل، مختبرين على الدوام متعة ولذة هذا المجد السمائي. وليتنا ننال جميعًا هذا المجد بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لإلهنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد إلى أبد الدهور آمين.

[1]  لو26:6.

[2]  غلا14:6.

[3]  1كو3:6.

[4]  مت7:3.

[5]  أع51:7.

[6]  انظر 1مل21:18.

[7]  1مل19:18.

رسالة رومية الأصحاح10 – عظة18 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب