Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

بقية العظة الثالثة عشر:

بعد أن انتهى من الكلام عن التعاليم العملية الأخلاقية، نجده يعود مرة أخرى للتعاليم الإيمانية قائلاً:

” أم تجهلون أيها الاخوة؟ لأنى أكلّم العارفين بالناموس ” (رو1:7).

          إذًا بعد أن قال إننا متنا عن الخطية، يوضح هنا أنه ليس الخطية فقط هى التي لن تسود عليهم بل ولا الناموس أيضًا. فإن كان الناموس لا يسود عليهم فبالأولى جدًا لن تسود عليهم الخطية. ثم يجعل كلامه مبهجًا، موضحًا ذلك بمثال من الواقع. ويتضح من هذا المثال أنه يتكلم حقًا عن أمر واحد، له دلالتين، الأولى أن المرأة لا تعد تخضع لناموس الرجل بعد موته، ولا يوجد ما يمنعها أن تصبح زوجة لآخر. والثانية أنه ليس فقط الرجل هو الذي مات في هذه الحالة بل، والمرأة أيضًا، ولكن بالنسبة لناموس الرجل (أى التزامها به كزوجة) وبناء على ذلك  فإنها تتمتع بحرية مُزدوجة، فعندما يموت الرجل، تكون قد تحررت من السلطة (أى من سلطة الرجل)، وعندما يظهر أنها هى ذاتها قد ماتت (عن التزامها بناموس الرجل)، فقد صارت بالأولى جدًا، حرة. فلو أن حدثًا واحدًا (أى موت الرجل) يُحررها من السلطة (أى من سلطة الرجل)، فبالأولى كثيرًا عندما يتحدا الحدثان معًا (أى موت الزوج وموت الزوجة عن التزامها بناموس الرجل). وحيث إنه أراد أن يتقدم في الكلام للتدليل على كل هذا، فإنه يبدأ في مدح المتلقين لرسالته قائلاً: ” أم تجهلون أيها الاخوة؟ لأنى أكلّم العارفين بالناموس”. بمعنى أننى أتكلّم عن أمر معروف وواضح جدًا لأناس يعرفون كل هذه الأمور بكل دقة.

 

” أن الناموس يسود على الإنسان مادام حيًا ” (رو1:7).

          لم يقل يسود على الرجل أو على المرأة بل “على الإنسان”، وهو لفظ واحد يطلق على الاثنين معًا. ” لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية[1]. وبناء على ذلك فإن الناموس هو ملزم للأحياء، أما بالنسبة للأموات فهو لم يعد ملزمًا لهم في شئ بعد. أرأيت كيف أنه أظهر أن للحرية جانبان؟ وبعدما أشار في البداية إلى هذا (أى إلى سلطة الناموس)، نجده يُدلل على ما يقوله بالإشارة إلى المرأة بقوله:

 

” فإن المرأة التي تحت رجل هى مرتبطة بالناموس بالرجل الحىّ. ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل. فإذًا مادام الرجل حيًا تدعى زانية إن صارت لرجل آخر. ولكن إن مات الرجل فهى حرة من الناموس حتى إنها ليست زانية إن صارت لرجل آخر” (رو2:7ـ3).

          إن الرسول بولس يشير بصفة دائمة إلى هذه الحقيقة (أى التحرر من الناموس)، وبدقة شديدة، لأنه يؤمن تمامًا بها. وهو هنا يضع الرجل في موضع الناموس، بينما يضع كل أولئك الذين آمنوا بالمسيح في موضع المرأة.

          غير أننا نجد أنه لم يُعبّر صراحةً عن قناعته بأن الناموس قد مات وفقًا لما قاله، لأنه كان من الممكن أن يقول ” يا اخوتى لا يسودكم الناموس لأنه مات”. ولكنه لم يقل هذا لأنه  أشار إليه من قبل، بل يُستنتج من كلامه حقيقيةً كيف أن المرأة ماتت بالنسبة للناموس حتى يجعل تأثير كلامه أقل ألمًا، وهذا يتضح من قوله:

 

 

” إذًا يا اخوتى أنتم أيضًا قد مُتم للناموس” (رو4:7).

          فإذا كانت الحرية هى ذاتها التي يمنحها هذا وذاك، (أى عندما يموت الرجل، وعندما تموت المرأة عن التزامها بناموس الرجل)، فلن يكون هناك ما يمنع أن يمتدح الناموس من حيث إنه لا يتسبب في أية أضرار.   ” لأن المرأة التي تحت رجل هى مرتبطة بالناموس مادام هو حيّ“. أين هم الآن أولئك الذين يسيئون إلى الناموس؟ فليسمعوا هذا. فبالرغم من أنه لا يمكن إلغاء الناموس عندما تكون هناك ضرورة لوجوده إذ يتحتم على اليهودى أن يخضع له، بل إن مَن يخالفونه يعتبرون زناة، إلاّ أنه لن تكون هناك حجة إذا هجر اليهود ذلك الناموس عندما يصبح ميتًا، فلن يوجه أحد أية إساءة لهم في هذه الحالة. ” ولكن إن مات الرجل فقد تحرَّرت من ناموس الرجل “. أرأيت كيف أنه هنا في المثال يوضح أن الناموس قد مات؟ ولكنه لا يتحدث عن موت الناموس كليةً. ” فإذًا مادام الرجل حيًا تُدعى زانية إن صارت لرجل آخر“.

          انتبه كيف أنه يُصّر على توجيه إدانة أولئك الذين يخالفون الناموس طالما أنه لا يزال باقيًا. أما عندما يبطل، فيمكن للزوجة أن توهب لآخر دون خوف من الإدانة، إذ هى لا تخالف الناموس في هذه الحالة. لأنه     ” مادام الرجل حيًا تدعى زانية إن صارت لرجل آخر“. ” إذًا يا اخوتى أنتم أيضًا“، وكان متوقعًا أن يقول ـ طالما أن الناموس قد مات، لن تدانوا بالزنا، عندما ترتبطوا فيما بينكم بطريقة أخرى ـ ولكنه لم يقل هذا، بل قال “قد متّم للناموس”. فإن صرتم أمواتًا للناموس فإنكم لستم تحت الناموس. إذًا طالما أن المرأة تصير متحررة بموت الرجل، فبالأولى جدًا عندما تموت المرأة (عن التزامها بناموس الرجل كزوجة) تصير متحرّرة منه. أرأيت كم هى عظيمة حكمة الرسول بولس إذ أظهر أن الناموس قد أراد هذا، أن للمرأة الحق في أن ترتبط برجل آخر بعد موت زوجها؟ لأنه كما يقول الرسول بولس إنه ليس هناك ما يُعيقها أن تتزوج برجل آخر، طالما أن الأول قد مات. فكيف يسمح (الناموس) أن تُعطى الزوجة كتاب طلاق بينما الزوج لا يزال حيًا؟ أقول إن هذا يتعلق بالأكثر بالخطية التي قد تسقط فيها المرأة. لذا لم يشر إلى هذا الأمر وحتى لو سمح به، إلاّ أنه لم يكن بالنسبة للرسول بولس مُعفى من الاتهام. وعلينا أن نلاحظ مبدأ عند القديس بولس هو أنه غير مُجبر على الحديث عن حالات اضطرارية أو مسائل خاصة أثناء حديثه، هكذا لا يتطرق إلى أمور غير ملزمة للجميع أو أقل ضرورة، لأنه لا يهتم إلاّ بجوهر الأشياء.

          إذًا فالأمر المدهش هو أن الناموس نفسه يقودنا إلى أن نتخلّص من الخطايا عندما نتحرر منه. فهو يريدنا أن ننقاد إلى المسيح. إذ أن الناموس قد مات بالحقيقة، ونحن متنا (للناموس) وبَطُل سلطانه تمامًا. ولكن الرسول بولس لم يكتفى بهذا ، بل أضاف السبب. لأنه لم يشر إلى الموت فقط، ولكن إلى الصليب أيضًا الذي حقق كل هذا، وهكذا جعلنا مُميّزين. لأننا لم نخلص بسهولة ولكن خلاصنا قد تم بموت الرب. لأنه كما يقول الرسول بولس:

 

” متم للناموس بجسد المسيح ” (رو4:7).

          ولكنه لا يعظ بهذا فقط، بل يعظ ويؤكد أيضًا على امتياز آدم الثانى. ولهذا أضاف:

 

” لكى تصيروا لآخر للذي أُقيم من الأموات ” (رو5:7).

          حتى لا يقولوا فيما بعد، ماذا سيحدث إن لم نصر لآخر؟ وأقول إن الأمر المؤكد هو أن الناموس لم يجعل الأرملة زانية عندما تتزوج للمرة الثانية، كما أنه لا يجبرها أن تتزوج. إذًا فلكى لا يقولوا هذا، وضح لهم ضرورة أن نكون لآخر بسبب ما أصبحنا نتمتع به، وهذا ما أشار إليه في مواضع آخرى بأكثر وضوح، قائلاً: ” إنكم لستم لأنفسكم[2]، و” أُشتريتم بثمن[3]، و” لا تصيروا عبيدًا للناس[4]، وأيضًا ” وهو مات لأجل الجميع لكى يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم..[5]، هذا بالتحديد ما أشار إليه هنا بقوله متم للناموس “بجسد المسيح”.

          ثم بعد ذلك يُبشر برجاء عظيم، قائلاً: ” لنثمر لله“. لأنكم من قبل (أى حين كنتم تسلكون بالجسد)، كنتم تُثمرون للموت، أما الآن فأنتم تثمرون لله.

 

” لأنه لما كنا في الجسد كانت أهواء الخطية التي بالناموس تعمل في أعضاءنا لكى نثمر للموت ” (رو5:7).

          هل ترى أن الإنسان الأول قد ربح شيئًا؟ ولم يقل الرسول بولس عندما كنا تحت سلطان الناموس، متجنبًا دائمًا أن يتيح فرصة للهراطقة، ولكنه قال “لما كنا في الجسد”، أى في الأعمال الشريرة، والحياة الجسدية. فهو لم يقل إن السلوك حسب الجسد كان قبل الناموس بل مع وجود الناموس، ولكنه أوضح كيف أنهم صاروا يشتهونه حتى بعدما أصبحوا متحررين من سلطة الجسد. ولكن بعدما أوضح هذا، لم يقل إن الناموس هو السبب في ارتكاب الخطايا، ولا أعفاه من اللوم. لأنه كان في موضع الاتهام، بكشفه عن الخطايا. لأن هذا الناموس الذي كثيرًا ما يأمر الإنسان بالخضوع لوصايا الله يكشف مدى ضعف الإنسان المتمثل في رفضه الخضوع لتلك الوصايا وارتكابه للخطايا. ولهذا لم يقل أهواء الخطية التي صارت بالناموس، بل “التي بالناموس”، ولم يُضف التي صارت، ولكن اكتفى بعبارة “التي بالناموس”، أى تلك التي تُكشف بالناموس، والتي تُعرف بواسطة الناموس.

          ثم بعد ذلك ولكى لا يتهم الجسد، لم يقل تلك الأهواء التي تعمل من خلال أعضاء جسدنا، بل ” أهواء الخطية.. تعمل في أعضاء الجسد” مُظهرًا كيف أن بداية الشر مصدرها الأفكار التي تُحرّض على ارتكاب الخطايا. كأن النفس هى كالعازف بينما الجسد هو كالقيثارة، فتخرج النغمات كما يريدها العازف. وبناء على ذلك فإن النغمة الرديئة لا تنسب للقيثارة (الجسد)، إنما يجب أن ننسبها للنفس.

 

3 ـ ” وأما الآن فقد تحررنا من الناموس ” (رو6:7).

          أرأيت كيف أنه هنا أيضًا يهتم بالحديث عن الجسد بجانب حديثه عن الناموس؟ لأنه لم يقل إن الناموس تحرر، ولا قال إن الجسد تحرر، بل قال “تحررنا”. وكيف تحررنا؟ تحررنا بعدما مات الإنسان العتيق الذي كنا ممسكين فيه ودُفن. لأن هذا هو ما أعلنه قائلاً: ” إذ مات الذي كنا ممسكين فيه”. كما لو كان قد قال إن القيد الذي كنا ممسكين به قد سقط وانتهى، حتى لا نكون ممسكين بالخطية التي أمسكتنا قديمًا. إلاّ أنك لا يجب أن تستكين ولا أن تكون غير مبال. لقد تحرّرت لكى تصير مرة أخرى عبدًا، ولكن ليس بنفس الطريقة، بل ” بجدة الروح لا بعتق الحرف”.

          فما الذي يعنيه الرسول بولس من كلامه هنا، هذا ما يجب أن نوضحه حتى لا ننزعج عندما نصل إلى هذا الجزء.

          عندما يقول الرسول بولس إن آدم أخطأ، وصار جسده فاسدًا، وخضع للشهوات وجاز نقائص كثيرة، يكون بهذا قد أصبح أكثر حزنًا وعصيانًا. لكنه يصف لنا حالتنا بعدما أتى المسيح قائلاً إنه أتى وجعل جسدنا أكثر خفة بواسطة معموديتنا، مانحًا هذا الجسد أجنحة الروح[6]. ولهذا السبب تحديدًا فإننا لن نجوز نفس التجارب التي جازاها القدماء، لأن الطريق لم يكن سهلاً في ذلك الوقت. ولذلك فإن المسيح له المجد لا يطلب منا نحن الذين اعتمدنا باسمه أن نكون مُبغضين فقط للقتل ـ مثلما كان قديمًا ـ بل مُبغضين للغضب أيضًا. كذلك لا نكون متحررين فقط من الزنا، لكن متحررين أيضًا من النظرة الشريرة. ولا أن نبتعد فقط عن إعطاء الوعد عن طريق القسم، لكن أن نبتعد عن القسم تمامًا، بل ويوصينا أن نحب الأعداء. وفي كل الأمور الأخرى جعل طرق خلاصنا ممكنة وسهلة، وإن لم نخضع فإنه ينذرنا بجهنم، وقد أوضح لنا أن المطلوب ـ بالنسبة للذين يجاهدون ـ ليس هو مجرد الرغبة في الافتخار بالعفة والتجرد مثلاً، بل بالحرى ينبغى على كل حال أن نتمم هذه الفضائل عمليًا. لأن هناك ضرورة ملّحة لتطبيقها، والذي لا يفعلها يُعاقب بأشد العقاب. ولهذا قال: ” إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات[7]، والذي لن يرى الملكوت بالطبع سيوجد حتمًا في جهنم. ولذلك قال الرسول بولس: ” فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة[8]. وهنا أيضًا يقول: ” حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف“. لأنه لا يوجد حرف يُدين، أى الناموس القديم، بل يوجد الروح الذي يُعين. فإذا استطاع شخص ـ في فترة الناموس القديمة ـ أن يحفظ البتولية، فهذا في حد ذاته كان يعد أمرًا عظيمًا جدًا، أما الآن في المسيح فإن هذا الأمر منتشر في كل أرجاء الأرض. وكذلك بالنسبة للموت أيضًا، الذي استطاع بعض الرجال أن يستهينوا به، بينما الآن في المسيح توجد أعداد لا تُحصى من الشهداء في القرى والمدن وليس من الرجال فقط، بل ومن النساء أيضًا الذين لا يعطون للموت حسابًا.

[1] رو7:6.

[2] 1كو19:6.

[3] 1كو20:6.

[4] 1كو23:7.

[5] 2كو15:5.

6 هذا التعبير (أجنحة الروح) قد إستخدمه ق. مقاريوس في العظة (2) حينما قال: ” فلنلتمس من الله أن يُنعم علينا بأجنحة (أى الروح القدس). عظات ق. مقاريوس، ترجمة د. نصحى عبد الشهيد، الطبعة الرابعة، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ص39ـ40.

[7] مت20:5.

[8] رو14:6.

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

Exit mobile version