أبحاث

رسالة رومية الأصحاح6 – عظة13 ج1 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح6 – عظة13 ج1 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح6 – عظة13 ج1 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح6 – عظة13 ج1 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح6 – عظة13 ج1 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

العظة الثالثة عشر:

” أتكلم إنسانيًا من أجل ضعف جسدكم. لأنه كما قدمتم أجسادكم عبيدًا للنجاسة والاثم للاثم هكذا الآن قدموا أعضاءكم عبيدًا للبر للقداسة” (رو19:6).

          إن الرسول بولس طلب منهم أن يكونوا يقظين بالنسبة للحياة التي يعيشونها، حاثًا إياهم أن يكونوا أمواتًا عن العالم، وأن يكونوا قد ماتوا عن الشر، ويبقوا ثابتين في مواجهة الخطايا، والواضح أنه قال لهم أمرًا كبيرًا وثقيلاً ويفوق قدرات الطبيعة الإنسانية، إلاّ أنه أراد أن يُبيّن أنه لم يطلب شيئًا مُبالغًا فيه، ولم يعطِ انطباعًا بأنه طلب من ذاك الذي تمتع بعطية عظيمة بهذا القدر أن يفعل فعلاً عظيمًا، لكنه أراد أن يظهر شيئًا معتدلاً جدًا وسهلاً، فاستخدم هذه المفارقة وقال: ” أتكلم إنسانيًا ” كما لو كان قد قال إن هذه الأمور عادةً ما تصير بالمنطق الإنسانى. وسواء كان هذا الشئ كبيرًا أو متوسطًا، فإنه يوضحه من حيث أنه إنسانى. لأنه في موضع آخر يقول: ” لم تصبكم تجربة إلاّ بشرية[1] أى بحسب قدرات الإنسان. كما قدمتم أجسادكم عبيدًا للنجاسة والإثم للاثم. هكذا الآن قدموا أعضاءكم عبيدًا للبر للقداسة “. وعلى الرغم من أنه يوجد اختلاف كبير بين السادة، لكنني أطلب معيارًا متساويًا من جهة العبودية (للبر)، وبالأكثر جدًا أن تقدموا أعضاءكم عبيًا للبر والقداسة، على قدر ما لهذه السيادة (سيادة البر) من عظمة وأفضلية، مُقارنةً بسيادة الخطية. لكنني لا أطلب منكم شيئًا أكثر بسبب ضعفكم.

          ولم يقل ” اختياركم “، ولا ” رغبتكم “، لكنه قال ” أجسادكم “، جاعلاً حديثه أقل إيلامًا. فإن كان هناك جسد للنجاسة وآخر للقداسة وجسد إثم، وحياة بر فمن هو ذاك البائس والتعس الذي يُفضل العبودية للخطية وللشيطان على العبودية للمسيح؟ لذا عندما نسمع الآيات الآتية، سنعرف جيدًا، إننا لا نُقدم ولا حتى هذا الشئ اليسير.

          لأنه حين قيل هذا الكلام لم يكن محلاً للثقة، ولم يلاقِ ترحيب، ولم يحتمل أحد أن يسمعه، ولم يكن أحد يخدم المسيح كعبد (للبر)، بقدر ما كان يخدم الشيطان، لذلك يُبرهن على صدق كلامه بالآيات اللاحقة، مُشيرًا إلى تلك العبودية التي خضعوا لها قائلاً:

 

” لأنكم لما كنتم عبيدًا للخطية كنتم أحرارًا من البر ” (رو20:6).

          ما يقوله يعنى الآتى: عندما كنتم تعيشوا في الشر والجحود وترتكبوا أسوأ الخطايا، كنتم تعيشوا في خضوع كبير حتى إنكم لم تفعلوا أى صلاح على الاطلاق. هذا هو معنى ” أحرارًا من البر“. أى أنكم لم تكونوا خاضعين للبر، بل مُتغربين عنه تمامًا. وبالتأكيد ولا حتى قسّمتم عبوديتكم تارة للبر وتارة أخرى للخطية، لكنكم سلمتم أنفسكم بالكامل للشر.

          وبناء على ذلك ولأنكم انتقلتم الآن إلى البر، فعليكم أن تسلموا أنفسكم بالكامل لحياة الفضيلة، ولا تفعلوا أى خطية على الإطلاق، لكى تظهروا على الأقل، تماثلاً في المعيار أو المقياس. على الرغم من أنه ليس فقط أن الفرق في السلطان (أى بين سلطان الخطية وسلطان البر) كبيرًا، إلاّ أن الفرق في العبودية هو أيضًا كبير جدًا، الأمر الذي شرحه بوضوح كبير، وأظهره لمن كانوا عبيدًا آنذاك، ولمن هم عبيدًا الآن. ولم يتكلم بعد عن الخسارة التي تأتى من (العبودية للخطية)، لكنه تكلم أولاً عن الاستحياء.

 

” فأى ثمر كان لكم حينئذ من الأمور التي تستحون بها الآن ” (رو21:6).

          لأن العبودية للخطية لم تأتِ بأى ثمر، حتى أن تذكّرها الآن يُثير استحياءً فلو أن التذكّر يُثير ذلك، فبالأكثر جدًا فعل الخطية، حتى أنكم الآن قد ربحتم بطريقة مزدوجة، إذ قد تحررتم من الاستحياء، وأيضًا عرفتم الحالة التي كنتم فيها تحيون، تمامًا مثلما كانت الخسارة قبلاً مزدوجة لأنكم فعلتم أمور تستوجب الاستحياء، ولأنكم لم تعرفوا أن تستحون، وهو الأمر الذي يُمثل صعوبة أكثر من الأمر الأول لذلك وبعدما أظهر الرسول بولس الخسارة الكبيرة التي صارت من جراء الأفعال التي حدثت آنذاك، من خلال الاستحياء، يتقدم نحو نفس الأمر. وما هو هذا الأمر؟

 

” لأن نهاية تلك الأمور هى الموت ” (رو21:6).

          لأنه طالما أن الاستحياء لم يبدو أنه كان أمرًا مزعجًا على الاطلاق، فإنه يأتي إلى الأمر الأكثر فزعًا، أى الموت، برغم أن ما قيل سابقًا كان كافيًا.

          فلتفكر إذًا في مقدار قوة الخطية، إذ لم يكن في استطاعتهم في اللحظة التي كانوا فيها متحررين من الإدانة، أن يتخلّصوا من الأمور التي تدعو للاستحياء. فأى مكافأة تُنتظر من كونكم عبيدًا للخطية عندما ترى أن مجرد تذكّر الخطية في حد ذاته يجعلك تختبئ وتخجل، بالطبع في اللحظة التي فيها أنت متحرر من الإدانة، وإن كان من المؤكد، أنك مُقيم في نعمة عظيمة جدًا؟ لكن مثل هذه الأمور (الشائنة)، ليست من الله.

 

” الآن إذ أعتقتم من الخطية وصرتم عبيدًا لله فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة أبدية ” (رو22:6).

          الثمر لأولئك الذين فعلوا الخطية وصاروا عبيدًا لها كان الاستحياء ثم بعد ذلك التحرر، الثمر لهؤلاء الآن الذين صاروا عبيدًا لله هو القداسة، وحيث توجد القداسة، يوجد كل شئ في العلن. نهاية أولئك (الخاضعين للخطية) هى الموت، بينما نهاية هؤلاء (الخاضعين للنعمة) هى الحياة الأبدية.

أرأيت كيف أنه يُظهر أمورًا قد أُعطيت، وأمورًا أخرى على رجاء الانتظار، ويؤكد على حقيقة الأمور التي أُعطيت، من خلال تقديس الحياة؟ هكذا لكى لا تقول، إن كل الأمور هى على رجاء الانتظار، يُبيّن كيف أنك قد أثمرت. أولاً: أنك تحرّرت من الخطية وكل الشرور المشابهة، والتي تذكّرها يثير خجلاً. ثانيًا: أنك صرت عبدًا للبر. ثالثًا: أنك تمتعت بالقداسة. رابعًا: أنك ستنال الحياة، ولكنها ليست الحياة الحاضرة، بل الحياة الأبدية. فإنني لا أطلب منكم شيئًا كثيرًا بل أطلب منكم أن تصيروا عبيدًا للبر لكن العبودية في هذه المرة غير العبودية السابقة التي كانت للخطية. هذا ما أردت أن أوضّحه لكم، أن الرب يمنح الكثير جدًا، وأن الفرق في العبودية وفي المكافآت هو كبير جدًا. وبعدما أشار سابقًا إلى أسلحة وإلى ملك، يُصّر على المقارنة، قائلاً:

 

 

 

 

”لأن أجرة الخطية هى موت. وأما هبة الله فهى حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا ” (رو23:6).

          بعدما قال “أجرة الخطية”، فإنه لم يستخدم نفس الاسلوب بالنسبة للأمور الصالحة لأنه لم يقل “أجرة إنجازاتكم”، لكن “أما هبة الله”، مُظهرًا أنهم لم يتحرروا من تلقاء أنفسهم، ولا أخذوا منفعة ما، ولا مكافأة ولا تعويضًا عن أتعابهم، بل كل هذا قد صار بالنعمة الموهوبة لهم. حتى أن التمييز يأتى من هنا، لا لأنه قد خلّصهم فقط، ولا لأنه غيّرهم نحو الأفضل، لكن لأن هذا قد حدث دون جهد أو تعب بشري. فالله لم يخلصهم فقط بل أعطاهم الكثير جدًا، وهذه العطايا قد أعطاها بابنه. ولقد ذكر هنا الرسول بولس كل هذه العطايا لأنه تكلم عن النعمة وهو ينوى فيما بعد أن يُشير إلى الناموس. ولكى لا يصيروا غير مبالين أكثر بالنسبة للخطية ومدى سطوتها، والهبة ومدى عظمتها، يُشير إلى أسلوب الحياة الصحيح، حاثًا المستمع في كل موضع على الاهتمام بالفضيلة. فعندما دعى الموت، بأنه أجرة الخطية، أراد أن يخيفهم مرة أخرى، ويؤّمنهم من جهة الأمور المستقبلية. لأنه من خلال الأمور السابقة في حياتهم والتي يُذكّرهم بها دومًا، يجعلهم يدركون مدى إحسانات الله ويعترفون بهبة الحياة ويثقوا أنهم في أمان من جهة الأمور المستقبلية.

[1] 1كو13:10.

رسالة رومية الأصحاح6 – عظة13 ج1 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب