رسالة رومية الأصحاح4 – عظة9 ج3، 10 ج1 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
بقية العظة التاسعة:
9 ـ إذًا لا تُضيف إليه ضربة أخرى ولا تُلقى بنفسك إلى أسفل معه. لأنه على قدر ما تكون قائمًا مرتفعًا، يمكنك أن تُنقذه، بينما إذا دمرته ورددت له الإهانة، فمَن سيرفعك فيما بعد؟ فهو الذي جُرح؟ إن ذاك لن يستطيع أن يُعينك، طالما أنه مطروح أسفل. وهل تستطيع أنت يا مَن سقطت معه أن تقدم أى مساعدة؟ وكيف ستتمكن أن تُساعد الآخر، طالما أنك لا تستطيع أن تُعين نفسك؟ إذًا قف بشجاعة وضع أمامك الدرع واجذب أخيك من المعركة، إذ هو ميت (روحيًا)، وكن طويل الأناة. ألم يُصيبه الغضب؟ فلا تجرحه أنت أيضًا، بل عليك أن تُخرج منه السهم الذي أصابه. لأنه لو سادت بيننا المحبة سنصير هكذا سريعًا أصحاءً. وعندما نستخدم الأسلحة الواحد ضد الآخر، فلن تكون هناك حاجة للشيطان لكى نهلك. لأن الحرب بصفة عامة هى شئ مخيف، وبشكل خاص الحروب الأهلية. لكن هذه الحرب (بين الاخوة) هى أكثر فزعًا من الحروب الأهلية على قدر ما تكون الحقوق المطالب بها كبيرة، كما يظهر من سلوكنا أو كما يظهر من أى شئ له علاقة بهذا السلوك. هذا ما حدث حين قتل قايين أخاه هابيل، وسفك دم مَن كان تربطه به قرابة جسدية، هذا الأمر يعتبر أكثر جُرمًا من قتل الغريب، وبقدر ما تكون القرابة الروحية قوية، على قدر ما يكون الموت مُخيفًا. لأن قايين قد أصاب الجسد، ولكنك أنت قد أعددت السيف ضد نفس أخيك. ألم يُصبك الأذى أنت أولاً حين تفعل الشر؟ إن الأذى الحقيقى الذي يُصب المرء، هو في فعل الشر، وليس في المعاناة من عمل الشر. ولكن انتبه، لقد ذَبح قايين وذُبح هابيل، فمَن الذي مات؟ هل هو ذاك الذي صرخ بعد الموت (أى هابيل)، لأن الكتاب يقول: ” صوت دم أخيك صارخ إلىّ من الأرض“[9]. أم هو قايين الذي ارتعب وخاف أثناء حياته؟ فهو الذي صار بالحقيقة أكثر بؤسًا من كل مائت.
أرأيت أنه من الأفضل أن يقبل المرء الظلم، حتى لو وصل إلى مرحلة الموت؟ يجب أن تعلم كيف أنه عندما يُظلم المرء فإن هذا يُعد أمرًا سيئًا. إن قايين قد ضرب وقتل أخاه، لكن واحدًا تُوج والآخر قد أُدين. لقد قُتل وذُبح هابيل بغير وجه حق، ولكنه أخيرًا بموته قد أدان وسبى، بينما الآخر على الرغم من أنه عاش، إلاّ أنه صمت وشعر بالخجل وسُبى، وأعد لنفسه عكس ما تمنى. لأنه قتل أخاه، إذ رآه محبوبًا، أملاً أن يُبعده عن المحبة، لكنه بهذا الفعل جعل المحبة أكثر، وعندما مات، طلبه الله أكثر قائلاً: ” أين هابيل أخوك“[10]، لأن حسده لم يستطع أن يُطفئ شوق هابيل إلى الله، لكنه قد أشعله بالأكثر، لم يقلل من كرامة أخيه بالذبح، لكنه قد عظّمه أكثر. لأن الله كان قد أخضعه قبل ذلك له، ولكن لأنه قتله، فسيُدينه الله على الرغم من أنه مات (روحيًا). إذًا مَن هو ذاك الذي أُدين؟ مَن الذي عاقب ومن الذي عوقب؟ ومن هو ذاك الذي تمتع بكرامة عظيمة من الله، وذاك الذي سُلم لعقاب جديد وعجيب؟ أنت لم تُخيفه عندما كان حيًا، فهل ستخفيه الآن بعدما مات، لم ترتعب عندما اعتزمت أن تستخدم السيف، والآن سيسود عليك رعب دائم، بعد سفك الدم. عندما كان حيًا كان خاضعًا لك ولم تحتمل مثل هذا الأمر، لهذا الآن بعد موته، صار سيدًا مخيفًا لك. إذًا فلنفكر في كل هذا أيها الأحباء، لنترك الحسد ولنطفئ الشر ولنحيا بالمحبة بعضنا نحو بعض، حتى نربح الخيرات ـ كنتيجة للمحبة ـ في هذا الدهر وفي الدهر الآتى بالنعمة ومحبة البشر اللواتى لربنا يسوع المسيح الذي له المجد والقوة إلى دهر الدهور آمين.
العظة العاشرة
” لكن لم يُكتب من أجله وحده أنه حُسب له برًا بل من أجلنا نحن أيضًا الذين سيحسب لنا الذين نؤمن بمَن أقام يسوع من بين الأموات” (رو23:4ـ24).
بعد أن قال أمورًا كثيرة وعظيمة عن إبراهيم، من جهة إيمانه وبره، والكرامة التي نالها من الله، فإنه يعود بالحديث عنا حتى لا يقول مَن يسمعه: ما علاقة كل هذا بنا إذ أن ابراهيم هو الذي تبرر بالإيمان؟ كم هى عظيمة قوة الكلمات الروحية. لأن الذي أتى من الأمم، ودخل إلى الإيمان منذ وقت قليل والذي لم يفعل أى شئ، لديه إيمانًا لا يقل فقط عن إيمان اليهودى، بل ولا يقل عن إيمان إبراهيم، وإن أردنا أن نقول شيئًا مثيرًا للإعجاب، نقول إنه يملك إيمانًا أكثر جدًا مما كان لليهودى، حتى أن إيمانه يُعد نموذج لإيماننا. وهو لم يقل طالما أن إيمان ابراهيم قد حسب له برًا، فمن الطبيعي سيُحسب لنا، حتى لا يجعل هذا أمرًا منطقيًا، لكنه تكلم عن النواميس الإلهية التي ليست هى محل شك، وقدم هذا كله على أنه حكم الكتاب المقدس (أى أن الأمر لا يتعلق بالمنطق). إذًا لماذا يقول إن هذا لم يُكتب إلاّ لكى نعلم أننا نحن أيضًا نتبرر هكذا؟ لأننا آمنا بنفس الإله ومن أجل نفس الأمور، وإن كان الأشخاص ليسوا هم نفس الأشخاص. وبعدما تكلم عن إيماننا، ذكر محبة الله التي لا يُعبّر عنها تجاه البشر، والتي يشير إليها دائمًا، إذ قد أشار إلى الصليب، الأمر الذي يذكره الآن قائلاً:
” الذي أُسلم لأجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا ” (رو25:4).
انظر كيف أنه بعدما أورد سبب الموت، يفعل نفس الشئ، ويقدّم برهان القيامة. لأنه إن كان هو خاطئًا فكيف قام؟ وإن كان قد قام فمن الواضح جدًا أنه لم يكن خاطئًا. ولكن لو لم يكن خاطئًا فكيف صُلب؟ وتقول إنه صُلب من أجل الآخرين، فإذا كان قد صُلب من أجل الآخرين، فمن المؤكد أنه قام. إذًا لكى لا تقول وكيف يمكن أن نتبرر، بينما نحن مسئولون عن خطايانا الكثيرة؟ أشار إلى ذاك الذي محى كل الخطايا، ولكى يؤكد كلامه يُشير إلى إيمان إبراهيم، الإيمان الذي به تبرّر، ثم يُشير إلى الإيمان بالآلام المُخلِصة، تلك التي بها تخلصنا من كل الخطايا. وبعدما أشار إلى موت المسيح، أشار إلى قيامته. لأنه لم يمت، لكى يقف أمامه أناس يستوجبون العقاب ومحكوم عليهم، بل لكى يُقدم لهم العون. لهذا مات وقام لأجل تبريرنا.
[10] تك9:4.