رسالة رومية الأصحاح3 – عظة7 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
بقية العظة السابعة
” إذًا ما هو فضل اليهودى؟” (رو1:3)
قال هذا لأن اليهودى تنصّل من كل شئ، من السمع، التعليم، وتبعيته للجنس اليهودى، ومن الختان، ومن كل الأمور الأخرى وذلك كله لأنه كان يسلك حسب الظاهر. ويتضح هذا من خلال قول الرسول بأن ” اليهودى في الظاهر ليس يهوديًا .. بل اليهودى في الخفاء هو اليهودى” ويرى فيما بعد أن هناك تعارض ما ينشأ، ويتوقف عنده. لكن ما هو هذا التعارض؟ يتمثل في أن هذه الأمور لا تُفيد مطلقًا، فلماذا دُعيوا الأمم، ولأى سبب أُعطى الختان؟ إذًا فماذا يفعل وكيف نجد حلاً لهذا التعارض؟ إن الحل يكمن في الأمور التي سبق الاشارة إليها. فهو لم يمدحهم أو يثنى عليهم، لكنه تكلم عن احسانات الله وليس عن مفاخرهم أو مآثرهم. لأنه أن يُدعى أحد يهوديًا ويعرف إرادة الله ويُميّز الأمور المتخالفة، فإن هذا لا يرجع لإمكانيات خاصة به بل إلى نعمة الله، الأمر الذي أشار إليه النبى متهمًا هؤلاء اليهود بقوله: ” لم يصنع هكذا باحدى الأمم. وأحكامه لم يعرفوها “[1]. ويقول موسى أيضًا ” لأنه مَن هو من جميع البشر الذي سمع صوت الله الحى يتكلم من وسط النار مثلنا وعاش “[2]. هذا ما فعله (بولس) هنا أيضًا.
وبالمثل عندما تكلّم عن الختان، فهو لم يقل إن الختان لا يصبح مفيدًا على نحو مطلق بدون حياة مستقيمة، بل يقول إن فائدة الختان تظهر عندما يقترن بأسلوب حياة نقية، مظهرًا نفس الشىء ولكن بصورة هادئة ونغمة أكثر رقة، وأيضًا يقول” إن كنت متعديًا الناموس ” هنا لم يقل أيها المختتن إن الختان لا ينفعك بشئ، ولكنه قال ” فقد صار ختانك غرلة“. وبعد هذا أيضًا يقول “ستدينك الغرلة” وليس الختان، ولكنها تدينك أنت ” المتعدى الناموس” إذًا فهو ينظر لوصايا الناموس نظرة تقدير ويوجه هذا الكلام لليهود. هكذا فعل هنا أيضًا. فقد وضع هذا (أى اليهودى) في مواجهة مع نفسه قائلاً ” إذًا ما هو فضل اليهودى” ويقول ” أو ما هو نفع الختان؟” الفضل كبير من جميع النواحي.
” أولاً فلأنهم استأمنوا على أقوال الله ” (رو2:3).
هل اتضح لك ما تكلمت عنه سابقًا، وكيف أنه لا يُعدد أبدًا المفاخر والمآثر الخاصة بهم، لكنه يذكر احسانات الله؟ بالإضافة إلى هذا ماذا يقصد بكلمة “أُستأمنوا”؟ يقصد أن هؤلاء أخذوا الناموس وأن الله اعتبرهم مستحقين كي يستأمنهم على الوصايا السمائية. إننى أعرف بالطبع أن عبارة “الأمانة” يُرجعها البعض إلى أمانة اليهود أنفسهم لا إلى الناموس عينه، وهذا يعنى أن أقوال الله غير أمينة. إلاّ أن الكلام اللاحق لا يجعلنا نعتقد في ذلك. أولاً لأنه قال هذه الأمور بهدف إدانتهم ولكى يبرهن على أنهم تمتعوا بإحسانات جزيلة من قبل الله، وعلى الرغم من ذلك فقد أظهروا جحودًا كبيرًا. وقد أظهروا هذا الجحود فيما بعد، ويتضح هذا من الكلام اللاحق، حيث أضاف ” فماذا إن كان قومًا لم يكونوا أمناء “.
ولكن إذا كانوا قد أظهروا عدم إيمان فكيف يدّعى البعض، أنهم استأمنوا على أقوال الله؟ ماذا يقصد إذًا؟ يقصد أن الله استأمن هؤلاء على هذه الأقوال، وليس أن هؤلاء قد آمنوا بهذه الأقوال. لأنه كيف يمكن تبرير الكلام اللاحق؟ لأنه أضاف ” فماذا إن كان قوم لم يكونوا أمناء” ونفس هذا الكلام قد أوضحه فيما بعد، بقوله:
” أفلعل عدم أمانتهم يُبطل أمانة الله. حاشا ” (رو3:3).
إذًا ما قد استأمنوا عليه هو الذي يعلن عن إحسانات الله. لاحظ من فضلك رؤية الرسول بولس هنا، حيث إن إدانتهم لا تأتى منه هو بل من المخالفة (أى مخالفة الناموس). إنه يتحدث كما لو كان يسألك: ” هل ستقول وما هو نفع الختان إن كانوا لم يستخدموه (الختان) كما ينبغى، وإن كانوا استأمنوا على الناموس وأظهروا عدم إيمان “؟ ومع أنه في البداية لم يوجه لهم إدانة قاسية، إلاّ أنه بعد ذلك وجه كل الإدانات لهؤلاء (اليهود)، فقد أراد أن ينأى بالله عن هذه الإدانات.
ثم لماذا تدينهم بأنهم أظهروا عدم إيمان؟ وأى علاقة تربط بين هذا الموقف وبين الله؟ وهل جحود أولئك الذين نالوا إحسانات من الله يُبطل إحسان الله ويجعل الكرامة تفقد؟ هذا ما يعنيه بقوله ” أفلعل عدم أمانتهم يُبطل أمانة الله؟“. مثل هذا الفكر يعد أمرًا مُستبعدًا. إن ذلك يعني كما لو أن أحد قال أنا أكرمت فلانًا. ولكنه إذا لم يقبل الكرامة فإن هذا لا يُشكل إدانة لى ولا يلاشى محبتى للناس بل يبرهن على عدم تقديره للمحبة وعدم إحساسه بها. لكن بولس لم يقل هذا فقط لكنه قال ما هو أكثر، بمعنى أن عدم أمانتهم هذه ليست فقط لا تُنسب لله كإدانة، لكنها تظهر عظم كرامته ومحبته للبشر، عندما يظهر أنه يُكرم ذاك الذي ينوى أن يزدرى به.
5 ـ أرأيت كيف جعلهم مسئولين عن تلك المخالفات التي كانوا يفتخرون بها؟ وعلى الرغم من أن الله عامَلَ هؤلاء بقدر كبير من الكرامة إلاّ أنهم إزدروا بالذي أكرمهم من خلال نفس الأشياء التي كُرموا بها ثم أصبح من الواضح بعد ذلك أن الجميع أظهروا عدم أمانة لأنه قال ” فماذا إن كان قومًا لم يكونوا أمناء“. ولكى لا يبدو أيضًا أنه يوجه لهم إدانة شديدة ويظهر كعدو لهم، يشير إلى الحقيقة الواضحة كرؤية ونتيجة قائلاً:
” ليكن الله صادقا وكل إنسان كاذبًا ” (رو4:3).
بيد أن الرسول بقوله هذا كان يعني الآتي: أنا لا أقصد أن البعض أظهروا عدم إيمان، بل أن الجميع قد أظهروا في الواقع عدم أمانة. وهو هنا يبرز العمل الحقيقى كنتيجة لكى يبدو مرنًا وحتى لا يكون كلامه موضع شك.
لأنه هكذا يتبرر الله بالحقيقة. ماذا تعنى كلمة يتبرر؟ تعنى أننا لو نظرنا بحكمة وفحص إلى الأعمال التي صنعها الله مع اليهود في مقابل أعمالهم أمامه فلابد أن يتضح عندئذ أن الله صادق وبار تمامًا.
وبعدما أوضح هذا بجلاء ـ من خلال كل ما أورده سابقًا ـ استعرض كلمات النبى التي تتفق مع ما قاله، لأنه يقول ” لكى تتبرر في أقوالك وتغلب متى حوكمت“[3]. أى أن الله قدّم كل ما لديه، ومع ذلك فإن هؤلاء لم يتغيروا إلى الأفضل. ثم بعد ذلك يعرض أيضًا مخالفة أخرى تتضح مما سبق عرضه إذ يقول:
” ولكن إن كان إثمنا يبيّن بر الله فماذا نقول؟ ألعل الله الذي يجلب الغضب ظالم. أتكلم بحسب الإنسان. حاشا ” (رو5:3).
ثم بعد ذلك يجد حلاً للأمور التي تبدو متناقضة. ويقول لأن هذا غير واضح، وأرى أن هناك احتياج أن أعرض ما قاله الرسول بصورة أكثر وضوحًا كالآتى: ما معنى الكلمات التي قالها؟ معناها أن الله كرّم اليهود، أما هم فقد ازدروا به. وهذا يكشف عن محبته الكبيرة للبشر والتي تظهر بوضوح لأنه كرّمهم على الرغم من أنهم ازدروا به. وبناء عليه يقول (أى اليهودى) لقد غلب الله وظهر بره مشرقًا، لأننا ازدرينا به وظلمناه فلأى سبب أُدان إذًا طالما أنا الذي أظهرت صدق الله عن طريق الأمور التي احتقرتها؟ كيف يشرح الرسول بولس هذا؟ إنه يشرحه بطريقة أخرى، كما قلت، أى بطريقة غير معتادة. فلو إنك صرت سببًا لاستعلان صدق الله، ثم أُدنت فهذا يُعد ظلمًا. ولكن لو أن الله ليس بظالم وأنت في موضع دينونة فأنت لا تصير أبدًا سببًا لغلبته. وعليك أن تلحظ ورع الرسول بولس، لأنه بعدما قال ” ألعل الله الذي يجلب الغضب ظالم ” أضاف ” أتكلم بحسب الإنسان “، لأن دينونة الله العادلة تفوق بكثير تلك الأمور التي تبدوا لنا أنها عادلة. ثم كرّر نفس الكلام أيضًا للمرة الثانية لأنه لم يكن واضحًا، وذلك بقوله:
” فإنه إن كان صدق الله قد ازداد بكذبى لمجده فلماذا أُدان أنا بعد كخاطئ ” (رو7:3).
إذًا فلو كان الله (كما يقول القديس بولس) هو محبًا للبشر وبارًا وصالحًا عن طريق إعلان تلك الأمور التي لم تحترمها أنت، فلا ينبغى فقط ألا تُدان، بل يجب أيضًا أن تتمتع بالإحسان. ولكن لو أن صدق الله قد ازداد بكذبى لكان هناك تناقض، لأن هذا يعني أن الأمور الحسنة تأتى من الأمور السيئة. وأن الأمور السيئة هى التي تسبب الأمور الحسنة، وهذا ما قاله الكثيرون، فالمهم في رأيهم أن يحدث أحد هذين الأمرين: إما أن يبدو الله ظالم عندما يُدين، أو أن يغلب بسبب شرورنا، وذلك عندما لا يُعاقب. وكلا الأمرين غير معقول. إن الرسول بولس نفسه قد أظهر هذا، مشيرًا إلى المعلّمين اليونانيين المبتدعين، معتبرًا كيف أنه يكفي لإدانة هؤلاء، إظهار نوعية أو صفات أولئك الأشخاص الذين يقولون هذا الكلام. أيتهكمون علينا إذًا ويقولون لنفعل السيئات لكى تأتى الخيرات. من أجل ذلك فقد ذكر الرسول هذا الأمر بوضوح قائلاً الآتى:
” أما كما يُفترى علينا وكما يزعم قوم أننا نقول لنفعل السيئات لكى تأتى الخيرات. الذين دينونتهم عادلة ” (8:3).
ولأن بولس قال: ” حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا“[4] يتهكمون عليه، وبنية خبيثة، يحولون كلمته عن مسارها الصحيح ويقولون إنه ينبغى أن نسعى نحو السيئات لكى نتمتع بالخيرات. لكن القديس بولس لم يقل هذا. ولذلك فإنه وضّح في موضع آخر ما يقصده، بقوله: ” فماذا نقول أنبقى في الخطية لكى تكثر النعمة. حاشا“[5]. وتحدث عن هذا السلوك المشين الذي كان يحدث في الأزمنة السابقة، وهو يذكره لا لكى يجعله عادة، فهذا الفكر يعتبر أمرًا مستبعدًا تمامًا لأنه أكد فيما بعد بأننا ” نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها“[6].
6 ـ يتضح مما سبق أنه كان سهلاً عليه أن يُدين اليونانيين لأن حياتهم بالفعل كانت قد فسدت جدًا. أما بالنسبة لليهود، فعلى الرغم من أن حياتهم كانت تتسم باللامبالاه كما اتضح، إلاّ أنه كانت لديهم عدة دعائم يستندون إليها وهى: الناموس، والختان، وأن الله كلّمهم، وأنهم معلّمون للجميع. من أجل هذا فقد جرّدهم من كل هذه الأمور، وقد أفصح بأنهم سيُدانون من جهة هذه الأمور التى ختم بها كلمته هنا. فلو كانوا لا يُدانون، عندما يصنعون كل هذه الأمور المشينة، لكان من الممكن أن يُقال هذا القول المجدّف، أى ” لنفعل السيئات لكى تأتى الخيرات “. ولأن هذا يُعد جحودًا، وأن كل مَن يقول به سيُدان كما سبق وأوضحه قائلاً: ” الذين دينونتهم عادلة ” فمن الواضح جدًا أنهم سيُدانون. فإذا كان مَن يقول: ” لنفعل السيئات لكى تأتى الخيرات “، يكون مستحقًا للدينونة، فبالأولى كثيرًا، كل مَن يصنع هذا. وهم قد استحقوا الدينونة لأنهم قد أخطئوا بالفعل. إن الذي يُدين ليس هو مجرد إنسان، حتى يوضع حكمه في موضع شك، ولكنه هو الله الذي يحكم على كل شئ بعدل. فلو أنهم بعدل يُدانون فإنه من العبث أن ينسبوا إلينا هذا القول: ” لنفعل السيئات لكى تأتى الخيرات “، تلك التي قالها أولئك الذين يتهكمون علينا. لأن الله خلق كل شئ بعناية كاملة ومازال يخلق لكى يُنير طريقنا ويُصححه من جميع الجوانب. إذًا ينبغى ألا نبالى بهذا الكلام، لأننا بهذا سنتمكن من أن نُبعد اليونانيين عن الخداع. ولكن إن كنا أتقياء بالكلام فقط، بينما بالعمل أشرار، فبأى أعين نراهم؟ وبأى لغة سنحدثهم عن المبادئ المستقيمة؟ لأنهم سيقولون لكل واحد منا، إذا كنت لم تتمكن من أن تُتمم الأمور الصغيرة فكيف تكون مستحقًا لأن تُعلّم الأمور الكبيرة؟ أنت يا مَن لم تتعلّم بعد أن الجشع يُعد شرًا كيف تُعلّم بالأمور السمائية؟ لكن هل تعرف أن الجشع شر؟ فإن كنت تعرف، فإن الجرم يكون أكبر لأنك مازلت تصر على الجشع على الرغم من معرفتك بأنه يعد شرًا. ولماذا أتكلم عن اليونانى؟ السبب هو أن نواميسنا لا تسمح لنا أن نتمتع بهذه الجرأة، عندما تكون حياتنا فاسدة. إذ يقول الله للخاطئ ” وأنت … ألقيت كلامى خلفك “[7].
ذات مرة أُقتيد اليهود إلى السبى، وعندما اضطهدهم الفرس وأُعطوا الفرصة أن يرنموا الترانيم الإلهية قالوا: ” كيف نُرنم ترنيمة الرب في أرض غريبة“[8].
إذًا فلو أنهم قد فقدوا الرغبة في أن يترنّموا بكلام الله في بلد كان يتسم بالسلوك البربرى فبالأولى جدًا ألاّ يُسمح للنفس البربرية أن تترنم بكلام الله. لأن البربرية هى وصف للنفس المُتقسّية. فلو أن الناموس جعل الذين كانوا أسرى صامتين (أى لا يترنموا)، وقد صاروا عبيدًا في بلد بربرى، فبالأولى كثيرًا وهذا عدل، أن يُغلق أفواه أولئك الذين هم عبيدًا للخطية ويحيون بطريقة شاذة. وعلى الرغم من أنهم في ذلك الحين كانوا يملكون آلات موسيقية، لأنه يقول: “علقنا أعوادنا“[9] وذلك على الصفصاف الذي كان يوجد في هذا البلد (فارس)، لكنهم ولا بهذه الآلات استطاعوا الترنيم. وبناء عليه ونحن أيضًا حتى ولو كان لدينا فمًا ولسانًا ـ وهى أعضاء للكلام ـ لا نستطيع أن نتكلّم بجرأة إذا ما بقينا عبيدًا للخطية، التي تعتبر أكثر قسوة من كل البربر. أخبرنى، ماذا ستقول لليونانى عندما تكون سارقًا وطماعًا؟ هل ستقول له ابتعد بعيدًا عن عبادة الأوثان، واعرف الله جيدًا، ولا تقترب من الفضة ولا من الذهب؟ فهو إن سمع منك هذا سيبتسم ساخرًا ويقول، قل لنفسك هذه الأمور أولاً؟ لأنه ليس هو نفس الأمر، أن يعبد اليونانى الأوثان، وأن يرتكب المسيحى نفس الخطية.
كيف سنتمكّن أن نُبعد الآخرين عن عبادة الأوثان، دون أن نُبعد أنفسنا نحن عن هذه العبادة؟ لأننا نحن أقرب لنفوسنا منها للقريب. فعندما لا نستطيع أن نُقنع أنفسنا كيف سنستطيع أن نُقنع الآخرين؟ لأن ذاك الذي لا يُدبر بيته حسنًا لن يستطيع أن يعتنى بالكنيسة. وكيف سيستطيع أن يُصحح مسيرة الآخرين ذاك الذي لا يستطيع أن يعتنى بنفسه؟ إذًا لا تقل لى أنك لا تسجد لتمثال من ذهب لكن اظهر لى هذا، أظهر أنك لا تصنع تلك الأمور التي تحركها شهوة الثروة. لأنه بالحقيقة توجد طرق مختلفة لعبادة الأوثان، فهناك واحد يعتبر الثروة ربًا، وآخر يعتبر البطن إلهًا، بينما ثالث يدعو شهوة أخرى ـ أكثر رعبًا من باقى الشهوات ـ إلهًا له. مع أنه لا يقدم ذبائح أبقار لهذه الآلهة كما يصنع اليونانيون. لكنك بهذا السلوك أنت تذبح نفسك، وهو الأمر الذي يُعد مفزعًا أكثر من أى شئ آخر. وإن كنت لا تركع ولا تسجد إلاّ أنك تصنع كل شئ تأمرك به بطنك، وتحركك إليه شهوة الغنى، وتشتعل فيك نار الشهوة وأنت تفعل كل هذا في خضوع وطاعة. لقد سلك اليونانيون طريق الإنحراف لأنهم جعلوا الشهوات آلهة لهم، فدعوا الشهوة “أفروذيتى”، والغضب “آرى”، والسكر “ديونيسيوس”[10]. ومع أنك لم تصنع لنفسك أوثانًا، كما يصنع اليونانيون لكنك تخضع برغبة جارفة لنفس الشهوات، جاعلاً أعضاء المسيح أعضاء زنا وأغرقت نفسك في تعديّات أخرى. من أجل هذا فإنى أترجاكم، طالما أنكم قد فهمتم حجم الخطية وخطورتها، أن تتجنبوا عبادة الأوثان، لأن بولس يطلق على الطمع عبادة الأوثان[11]. ولكن ليس فقط الطمع في المال هو ما ينبغى تجنبه، بل أيضًا في شهوة الزنا، وفي اقتناء الملابس، والمأكولات وكل الأمور الأخرى. لأننا سنُدان دينونة عظيمة، إن لم نخضع لناموس الرب. لأن ” العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيُضرب كثيرًا“[12]. إذًا لكى نتجنّب هذا العقاب ولكى نصير نافعين للآخرين، ولأنفسنا ليتنا نمحوا من الجذور كل شر من نفوسنا ولنسلك بالفضيلة. لأننا بذلك سنتمتّع بخيرات الدهر الآتى التي نترجاها جميعًا، بالنعمة ومحبة البشر اللواتى لإلهنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والكرامة والقوة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
[1] مز20:147.
[2] تث26:5.
[3] مز4:51.
[4] رو20:5.
[5] رو1:6ـ2.
[6] رو2:6.
[7] مز16:50.
[8] مز4:137.
[9] مز2:137.
[10] ديونيسو هو إله الخمر، المختص بالعناية بزراعات الكروم والنبيذ، ورمز القوة المخصبة والمنتجة.
[11] كو5:3.
[12] لو47:12.