رسالة رومية الأصحاح2 – عظة6 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح2 - عظة6 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح2 – عظة6 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
5ـ أرأيت كيف أنه يوضح احتياج اليهود المُلّح لأن يركضوا نحو النعمة؟ لأنهم قالوا إنهم لا يحتاجون إلى النعمة، وإنهم يخلصون بالناموس فقط. فأوضح أنهم محتاجون للنعمة أكثر من اليونانيين، طالما أنهم سيُدانون أكثر. ثم بعد ذلك، لكى يؤكد ما قاله يضيف تعليمًا آخر قائلاً:
” لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرارًا عند الله”.
وحسنًا أضاف “عند الله” لأنهم ربما يظهرون أمام الناس أنهم مستحقون للتقدير بسبب سماعهم للناموس، ويفتخرون بهذا كثيرًا. لكنهم أمام الله تنكشف حقيقتهم تمامًا. لذا نراه يذكر مَن هم الذين سيُبررون بقوله:
” بل الذين يعملون بالناموس هم يُبررون ” (13:2).
بعدما تكلم عن أن الأبرار عند الله ليسوا هم الذين يسمعون الناموس، فإنه الآن يتكلم عن أن الأبرار هم الذين يعملون بالناموس.
أرأيت كيف أنه تكلم بفيض وغنى لكي ينتقل بكلمته لاتجاه عكسي؟ يقول القديس بولس، إذن لو أنك تعتقد بأنك سوف تخلص بسبب اتباعك للناموس، فإن اليونانى يُعد أفضل منك أمام الله، لأنه كما هو واضح قد عمل بالمكتوب. وكيف يمكن أن يعمل بالناموس ذاك الذي لم يسمع الناموس؟ بل أقول لك، وأنه من الممكن أيضًا، عندما يسمع اليهودى الناموس ألاّ يعمل به. ولقد ذكر بولس الرسول نفس هذا المعنى فيما بعد بأكثر تشديد بقوله : ” فأنت إذا الذي تعلّم غيرك ألست تعلّم نفسك “[1].
” لأن الأمم الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم ” (14:2).
والرسول بولس هنا لا يرفض الناموس، بل على العكس هو يُبرر الأمم من خلال الناموس أيضًا. أرأيت كيف أنه يُقوض مجد اليهودية، ولا يستطيع أحد أن يشتكى عليه، باعتبار أنه يسيء إلى الناموس؟ لكن على العكس، فإنه يُظهر كل الأشياء كما هى، فيرفع من شأن الناموس ويُظهر فضله. وعندما يقول “بالطبيعة” يقصد الأفكار الفطرية، ويُظهر كيف أن البعض أفضل من هؤلاء اليهود. والأمر الأكثر أهمية بالنسبة له، إنهم صاروا أفضل مع أن ليس عندهم الناموس، الذي يفتخر به اليهود على الأمم. ولهذا تحديدًا يقول إن الأمم مستحقون للتقدير، لأنهم لم يتسلموا الناموس، ومع ذلك عملوا بكل وصاياه. وعبّروا عن أفكارهم بأعمالهم وليس بالكلام فقط. لأنه يقول:
” الذين يظهرون عمل الناموس مكتوبًا في قلوبهم شاهدًا أيضا ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة. في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح ” (16،15:2) .
أرأيت كيف أنه يشير أيضًا إلى يوم الدينونة، ويجعله قريبًا، وينذرهم، موضحًا كيف أنه ينبغي تكريم أولئك الذين اهتموا بأن يعملوا بوصايا الناموس بدون الناموس؟ لكن ما ينبغي أن نُعجب به بشكل خاص هو رؤية الرسول بولس، وهذا ما يستحق أن نتكلم عنه الآن. لأنه بعدما أظهر بالدليل، كيف أن اليوناني هو أسمى من اليهودي، لم يشر إلى هذا كنتيجة مجملة مُسلم بها، حتى لا يثير سخط اليهودي. ولكي يكون قولى أكثر وضوحًا، سأشير إلى كلامه هو نفسه حيث قال: ” لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرارًا عند الله، بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون “. وقد كان متوقعًا أن يقول: ” لأن الأمم الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس” هؤلاء هم أفضل بكثير من أولئك الذين لديهم الناموس. غير أنه لم يقل هذا، لكنه توقف عند مدح اليونانيين، ولم يواصل كلمته، فقد عقد أولاً تلك المقارنة (بين مَن يسمع الناموس وبين مَن يعمل بالناموس) حتى يقبل اليهودي هذا الكلام. لذلك اكتفى بأن يقول: ” لأن الأمم الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم، الذين يظهرون عمل الناموس مكتوبًا في قلوبهم شاهدًا أيضا ضميرهم “.
لأنه يكفي في مقابل العمل بالناموس العمل بحسب الضمير والفكر. بهذا الكلام أظهر الرسول بولس أيضًا، كيف خلق الله الإنسان قادرًا على اختيار الفضيلة وتجنب الشر.
فلا تتحير لأنه أظهر هذا الأمر عدة مرات، لأن هذا الأمر الهام كان يُعد بالنسبة له، أمرًا مُلحًا، تجاه أولئك الذين تساءلوا لماذا أتى المسيح الآن؟ وأين كانت عناية الله في الأزمنة السابقة؟ وهو يرد على هؤلاء مبينًا لهم إنه في الأزمنة السابقة وقبل إعطاء الناموس، كان الجنس البشري يتمتع بعناية الله بصورة كاملة. فما أعلنه الله من قبل، كان واضحًا لهؤلاء، بل إنهم أيضًا قد عرفوا ما هو الخير وما هو الشر، وكانت معرفتهم هذه سببًا في أنهم أدانوا الآخرين. ولهذا تحديدًا اتهمهم وقال: ” فيما تدين غيرك تحكم على نفسك“، لكن في حالة اليهود بالإضافة إلى كل ما طُرح، فإنهم قد تسلموا الناموس، أى أنه بالاضافة للعطية الإلهية الممنوحة لكل البشر وهى العقل والضمير، فإنهم أيضًا أُعطوا تعاليم الناموس. لكن لأي سبب أشار إلى أن ” أفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة“؟ السبب في ذلك أنه لو كان عندهم الناموس المكتوب ويظهرون عمله، فهل يكون هناك مجال للفكر أن يشتكى؟ وعندما يقول “مشتكين” فإنه لا يقصد أن الأفكار فقط هى التي تشتكى عليهم (أى تتهمهم)، بل إن كل الطبيعة تشتكى عليهم أيضًا[2]. وهذا اتهام كافى لدينونتهم.
ثم بعد ذلك، لكى يزيد من خوفهم من يوم الدينونة أكثر، فإنه لم يُشر إلى خطايا البشر المعلنة فقط، لكنه أشار إلى “سرائر الناس أيضًا”. وهنا نرى أن دينونة الله هى أكثر دقة من دينونة البشر، باعتبار أن الناس يحكمون على الأمور الظاهرة فقط. وهو يُشير إلى ” سرائر الناس “، كى لا تتعرض لنفس الدينونة التي بها تدين غيرك حتى وإن كنت تدينه بأفكارك. ومن أجل هذا قال ” أفتظن هذا أيها الإنسان الذي تُدين الذين يفعلون مثل هذه وأنت تفعلها أنك تنجو من دينونة الله “؟. ثم أكمل أن في يوم الدينونة هذه ” سيُدين الله سرائر الناس حسب إنجيلى بيسوع المسيح ” وهنا نلاحظ أنه على الرغم من أنه تكلم فيما سبق عن الله الآب فقط، فإنه هنا يتكلم عن المسيح[3].
6ـ أرأيت كيف أنه بهذه الحكمة، قد قاد الجميع ودعاهم إلى بشارة المسيح المفرحة ، وأظهر أن نتائج أعمال الإنسان، لا تنحصر في هذه الحياة فقط، بل تمتد إلى حياة الدهر الآتى أيضًا، وهذا يتضح مما سبق وقاله: ” تدخر لنفسك غضب في يوم الغضب “[4]، أما في هذه الآية فيقول أيضًا: ” اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس ” إذن فينبغى على كل واحد أن يفحص ضميره من جهة خطاياه، ويطالب نفسه ـ بكل تدقيق ـ بمسؤلياتها لكى لا يُدان مع العالم كله يوم الدينونة العتيدة. لأن تلك المحاكمة رهيبة وذلك الكرسى مخوف، ومسئوليات النفس عن أعمالها مرعبة والنار تجري كالنهر ” والأخ لن يفدي الإنسان فداءً، ولا يُعطى الله كفارة عنه“[5]. فتذكّر إذن هذه الأمور التي قيلت في الإنجيل عن الملائكة الذين يروحون ويجيئون، والنار التي لا تُطفأ، والحجال الذي أُغلق، وقوات الشر التي تُجّر إلى أتون النار. فتخيل إذن، لو أن شخصًا منا أظهر اليوم أمام الكنيسة أمرًا خفيًا، كيف أنه يتمنى أن يختفي وتبتلعه الأرض، على أن يكون هناك شهود كثيرون على خطاياه؟ كم بالحرى سيكون الألم في ذاك الوقت، عندما تُعرض كل هذه الأمور أمام المسكونة كلها في مثل هذا المحفل المنير، لأن كل شئ سيكون حينئذٍ مكشوفًا ومعلنًا أمام الجميع.
لكن لماذا اضطررت أن أنذركم؟ فعلت ذلك بدافع المحبة لكم، وكان ينبغى علىّ أن أفعل هذا وأشدّد على ضرورة مخافة الله وإظهار دينونته العادلة. أخبرني كيف سنكون وقتها (أى يوم الدينونة)، عندما تُصّر أسناننا وننقاد إلى الظلمة الخارجية؟ أو من الأفضل أن نتساءل: ماذا سنفعل عندما نقاوم إرادة الله، الأمر الذي هو أكثر رعبًا من كل شئ؟ لأن الشخص الذي لديه حس وإدراك هو ـ من الآن ـ يمكن أن يشعر بما سيعانيه في الجحيم، إلى أن يقف أمام الله في يوم الدينونة العتيدة. أما مَن ليس له هذا الحس وذلك الإدراك فسيكون مصيره الجحيم. لأنه بالحقيقة كان ينبغي علينا أن نتألم لا عندما نُدان، ولكن عندما نخطئ. اسمع الرسول بولس وهو يحزن ويئن، لأجل خطايا لن يُدان عنها: ” لست أهلاً لأن أُدعى رسولاً لأني اضطهدت كنيسة الله“[6]. اسمع داود أيضًا ـ لأنه اعتقد أنه سلك ضد إرادة الله ـ طلب إدانة نفسه قائلاً: ” فلتكن يدك علىّ وعلى بيت أبي“[7]. لأن مقاومة إرادة الله هو أمر أكثر فزعًا من الدينونة، وهذا يعكس حالة البؤس التي نحياها، فإن لم يوجد الخوف من الجحيم، فلن نسرع إلى فعل الصلاح وهذا أمر غير مقبول أمام الله. ولهذا تحديدًا سنكون مستحقين لهذا الجحيم، لأننا نخاف من الجحيم أكثر من مخافة المسيح. ولننظر إلى المُطوب بولس الذي سلك في مخافة الله على الدوام. أما من جهتنا فنحن نسلك بشكل مختلف، فالخوف من الجحيم هو الذي يدفعنا لفعل الصلاح، لهذا يُحكم علينا بالجحيم. وسنعرف لو أننا حقًا نحب المسيح كما ينبغي لنا أن نحبه، وسندرك أيضًا أن الأكثر فزعًا من الجحيم هو معاندة ذاك الذي نحبه. لكن لأننا لا نحبه، فنحن لا ندرك مقدار الاثم الذي نفعله. وهذا ما يجعلني على كل حال أحزن وأئن.
لكن هل هناك شيئًا لم يفعله الله لأجل خلاصنا، لكى لا نحبه؟ وما الذي لم يدبره بصلاحه لخيرنا؟ وما الذي لم يفكر فيه لأجلنا؟ لقد ازدرينا به، على الرغم من أنه أعطانا هبات كثيرة، وأنعم علينا بخيرات وفيرة لا توصف. لقد انصرفنا عنه بالرغم من أنه دعانا وجذبنا نحوه من كل صوب، ومع هذا كله لم يعاقبنا، لكنه ركض نحونا وعضدّنا، في الوقت الذي فيه تركناه ورفضناه، وقبلنا مشورة الشيطان. ورغم هذا الموقف الرافض، إلاّ أنه أرسل كثيرين من الأنبياء، والملائكة، والآباء لدعوتنا مرة أخرى، ولم نقبل الدعوة وليس هذا فقط، بل أننا قد أسأنا إلى هؤلاء الذين أرسلهم. ومع كل ذلك لم يتركنا، فقد أُسئ إليه وقَبِل الإساءة، وقد احتمل هذا من أجل أن يأتى بالجميع إليه ممن في السماء وممن على الأرض، مع كل من إرميا وميخا. لقد فعل ذلك باختياره لأجل خاصته. واقترب هو نفسه من أولئك الذين انصرفوا عنه، مبشرًا هؤلاء الذين كانوا يصمّون آذانهم عن كل شئ. لأنه يقول: ” يا شعبى ماذا صنعت بك وبماذا أضجرتك. اشهد علىَّ“[8]، غير أننا بعد كل ذلك فإننا قد قتلنا الأنبياء، ورجمناهم، وسببّنا لهم متاعب لا تُحصى. ماذا فعل الله تجاه كل هذا؟ لم يُرسل بعد أنبياء ولا ملائكة ولا آباء، لكن أرسل ابنه الوحيد. وعندما أتى ابن الله ذاق الآلم وجاز الموت، ومع كل هذا لم تنقص محبة الآب، ولازال يدعو الجميع حتى بعد موت ابنه، ويترجى أن نفعل كل ما نستطيع حتى نرجع إليه. ولهذا فإن الرسول بولس يصرخ قائلاً: ” إذ نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله“[9].
7ـ ومع أننا لم نتصالح مع الله إلاّ أنه لم يتركنا، ولم يتغير موقفه تجاهنا. بل إنه لكى يجذبنا نحوه، قد توعدنا بالعقاب ووعدنا بملكوت السموات. ومع كل هذا فإننا قد سلكنا بلا شعور. فهل يوجد أقسى من هذه الوحشية؟ فلو أن إنسانًا قد فعل بنا خيرًا، ألا نصير أسرى محبته هذه؟ أما حين يصنع الله معنا كل هذه الأمور فإننا ننصرف عنه. أليس هذا جحودًا وعدم مبالاة!. نحن دومًا نرتكب الخطايا والشرور، ولو حدث مرة وفعلنا شيئًا صالحًا، فإننا نفعله واضعين أمام أعيننا الأمور المادية، مثلما يفعل الخدم الجاحدون، حاسبين ذلك المقابل المادى بكل دقة. لكن تكون المكافأة أعظم، لو أنك تعمل دون أن تنتظر مقابلاً لما تفعله. لأن هذا السلوك وهذه الحسابات الخاصة بانتظار المقابل، هو سلوك يخص بالأكثر كل مَن يعمل من أجل المكافأة، وليس سلوك خادم يشعر بالإمتنان لسيده. إذن ينبغي أن نفعل كل شئ لا من أجل المكافأة المادية بل من أجل الإتحاد بالمسيح حتى ننعم بالخيرات في بملكوت السموات. فمحبة الله في حد ذاتها هى أعظم مكافأة، فهى الملكوت الحقيقى، ورفض هذه الحقيقة هو الجحيم ذاته. لذلك ينبغى علينا أن نحبه كما أحبنا هو أولاً، لأنه هو الملكوت، وهو الفرح، وهو المتعة، وهو المجد والكرامة، وهو النور والسعادة غير المحدودة، ذاك الذي لا يُعبَّر عنه، غير الموصوف وغير المدرك.
أنا لا أعرف كيف انجذبت لهذا الحديث، لكنى أهدف إلى حث أولئك الذين ينشغلون بمجد وسلطان هذا العالم الحاضر، على احتقار هذه الأمور لأجل ملكوت الله.
إن أغلبية الرجال العظماء، الجسورين، قد وصلوا إلى هذا القدر من المحبة. لقد اشتعل الرسول بطرس بالمحبة نحو المسيح، مفضلاً إياه عن نفسه وحياته وعن كل شئ آخر. وعندما أنكره، لم يبك خوفًا من الجحيم، لكن لأنه أنكر ذاك الذي أحبه جدًا، وهذا الأمر كان يعّد بالنسبة له أقسى من الجحيم. فقد كان باستمرار مداومًا على أن يسأل الرب يسوع قائلاً: ” أين تذهب“[10]، وأيضًا ” إلى مَن نذهب“[11]، و” إنى مستعد أن أمضى معك حتى إلى السجن“[12]. لأن المسيح كان كل شئ بالنسبة للتلاميذ، ولم يكن الدافع لمحبتهم للمسيح هو انتظار أية مكافأة. ودعنى أسأل لماذا تندهش من سلوك بطرس؟ اسمع ما يقوله النبى: ” ما لى في السماء ومعك لا أريد شيئًا على الأرض“[13]. إن ما يقصده هو الآتى: أنه لا يتمنى شيئًا لا من الأمور السمائية، ولا من الأمور الأرضية، لا شئ يتمناه سوى الله. هذه هى المحبة، هذا هو العشق الإلهى. فلو أننا نحب هكذا، فإن هذه المحبة لن تقارن على الاطلاق بأية أمور أرضية أو حتى أمور مستقبلية، وسنربح ملكوت السموات منذ الآن، متمتعين بمحبته. وقد يتساءل المرء كيف سيحدث هذا؟ نجيب: لو أننا أدركنا كم مرة أسأنا إليه، بينما هو لا يزال يدعونا ويقدّم لنا خيرات لا تحصى. كم مرة تجاهلناه، بينما هو لا يتجاهلنا أبدًا، بل ويركض نحونا ويجذبنا إليه ويقودنا بالقرب منه. لو أننا فكرنا في كل هذا، وأمور أخرى مشابهة، سنستطيع أن نلتهب بالشوق إليه. مثلما يحدث لو أحب إنسان بسيط ملكًا، ألا يُقدّر هذا الملك هذا الحب؟ بالتأكيد سيقدره كثيرًا جدًا. لكن عندما يحدث العكس، ويكون مَن يحبنا ذو جمال وغنى ومجد لا يُعبّر عنه، بينما نحن المحبوبين غير جديرين بمحبته، فكيف لا نكون ـ نحن غير المستحقين ـ أهلا للجحيم، عندما نصير محبوبين بهذا القدر الكبير من المحبة، من ذاك العظيم العجيب، ولا نبالى بمحبته؟ فالحقيقة أنه بالرغم من عدم مبالاتنا فإن الله لا يتوقف على أن يقدم لنا كل محبة.
وفي الحقيقة نحن في احتياج كبير لمحبته، وبالرغم من ذلك لا ندرك أهمية وغنى هذه المحبة. لكننا نُفضل الأشياء المادية، وصداقات الناس، وراحة الجسد، والسلطة والمجد، بينما هو لا يريد أى شئ آخر منا سوى خلاص نفوسنا فقط، إذ أنه لم يشفق على ابنه وحيد الجنس الحقيقى لأجل خلاصنا. ومع هذا كله فإننا نُفضل أمورًا أخرى كثيرة عن محبته.
هل بعد ذلك لا يوجد جحيم؟ لأنه ماذا نستطيع أن نقول، عندما نفضّل أفكار الشيطان على نواميس المسيح، وعندما لا نبالى لخلاصنا، ونفضّل أن نسلك في الشر على أن نتحد بذاك الذي جاز الآلام لأجلنا؟ وأى عذر يمكن أن يقدم عن كل هذا؟ وأى تبرير؟ بالقطع لا يوجد.
ومادمنا نفكر في كل هذا، فلنتوجه بالحديث نحو المتغافلين، لعلنا نستفيق، فلنعطى المجد للمسيح من خلال أعمالنا. لأنه لكى نتمتع بمجده لا يكفى أن نمجده بمجرد الكلام. لأننا نتمنى أن نتمتع بمجده الحقيقى جميعنا بالنعمة ومحبة البشر اللواتى لربنا يسوع المسيح الذي يليق به المجد والقوة والكرامة مع الآب والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
[1] رو21:2.
[2] حيث انهم أساءوا إلى الطبيعة كلها. (انظر رو23:1ـ32).
[3] هنا يُشير إلى أن الابن هو ديان أيضًا، وهذا ما نردده في قانون الإيمان ” الذي يأتى في مجده ليدين الأحياء والأموات “.
[4] رو5:2.
[5] مز7:49.
[6] 1كو9:15.
[7] 2صم17:24.
[8] ميخا3:6.
[9] 2كو20:5.
[10] يو36:13.
[11] يو68:6.
[12] لو33:22.
[13] مز 25:73.