رسالة رومية الأصحاح1 – عظة3 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
تابع العظة الثالثة:
5ـ وقد تمكن بولس الرسول من توضيح قصده، بمعنى أنه مُنع، على الرغم من رغبته في رؤيتهم والإشتياق الشديد إليهم. ولم تكن هذه مجرد رغبة عابرة، فقد أكد لهم على أن إشتياقه لرؤيتهم يفوق بكثير إشتياقهم لرؤيته. ومن خلال أمور أخرى كثيرة، بيّن محبته لهم. فلم يتوقف عن محاولته الذهاب إليهم على الرغم من أنه مُنع، فقد كان دومًا يحاول الذهاب إليهم، وكان دومًا يُمنع، لكنه لم يتوقف أبدًا عن المحاولة، وهو في هذا لم يقاوم إرادة الله، فقد كان يحمل لهم كل حين، محبة كبيرة. وهو بهذه النية وأيضًا في محاولاته المستمرة الذهاب إليهم، قد أظهر محبته نحوهم، كما أنه أظهر محبة كاملة لله عندما أُعيق عن الذهاب ولم يقاوم إرادة الله.
” ليكون لي ثمر فيكم” وعلى الرغم من أنه كان قد أعلن سبب اشتياقه إليهم كما سبق الاشارة، لكنه هنا يركز على إيضاح هذا السبب، لكي يزيل أي شكوك في نفوسهم. لأن مدينتهم كانت ذات شهرة ومتميزة في كل المسكونة، فكان الكثيرون يتكالبون على زيارة هذه المدينة فقط.
ولكي يزيل أي ظن في نفوسهم أو أي شك من نحوه، وأن زيارته لهم لم تكن بسبب شهرة المدينة وتميزها، بل بسبب اشتياقه لهم وارتياحه لمسيرتهم الإيمانية، فكان دائمًا يُذكّرهم بسبب اشتياقه لهم.
وكما سبق وقال لهم ” لأني مشتاق أن أراكم لكي أمنحكم هبة روحية لثباتكم” هنا أيضًا يقول لهم بكل وضوح ” ليكون لي ثمر فيكم كما في سائر الأمم” بمعنى أن الثمر هو للجميع. فبرغم كل الإنتصارات العظيمة والغنائم الكثيرة ورغم الرتب والمناصب التي كانت للنبلاء، فإنه لا يفرّق بين الرؤساء وبين المواطنين البسطاء، وهو محق في هذا لأن عطية الإيمان عندما توهب، لا يكون هناك فرق بين يوناني وبربري ولا بين مواطن وأجنبي، الكل متساوون وفي نفس المرتبة السامية. لاحظ كيف يتكلم الرسول بولس باعتدال، لأنه لم يقل لكي أعلّمكم أو لكي أعظكم، لكن ” ليكون لي ثمر فيكم” وهو لم يقل فقط ثمر بل ” ثمر فيكم“. هو هنا لم يعظّم من شأنه، وأيضًا لم يعظّم من شأن أهل رومية. لأنه يقول ” كما في سائر الأمم” أي لا لأنهم أغنياء أو لأنهم على ثراء أكثر من الآخرين، يُبدي لهم اهتمامًا أكثر من الآخرين، لأنه لا يطلب منهم غنى، بل يطلب إيمانًا فقط. ولعلنا نتساءل أين تأثير فلاسفة اليونان الآن، الذين كان لهم لحى كثيفة ويرتدون ملابس ثمينة، ويفتخرون كثيرًا بأنفسهم؟ إن كل بلاد اليونان وكل بلاد البربر قد قادها الخيّام (بولس) إلى حظيرة الإيمان. بل إن أفلاطون الذي نال شهرة واسعة وحاز ثناء الكثيرين، عندما أتى إلى صقلية ليس لمرة أو مرتين بل لثلاث مرات، وكان الجميع متلهفين لسماع كلماته، لم يستطع أن يؤثر في أي حاكم مستبد، بل إنه رحل عنهم وهو يجر أذيال الخيبة والمهانة[1]. وعلى العكس نجد أن الخيّام (بولس) قام بالتبشير ليس فقط في صقلية وإيطاليا بل وفي بلاد كثيرة. والجدير بالذكر أنه عندما كرز، لم يتوقف عن عمله، بل إنه استمر في نشاطه كصانع للخيام. وعمله هذا لم يقف حجر عثرة أمامه في كرازته للنبلاء، فلا الحِرَف ولا المهن المختلفة هى التي تقلل من شأن المعلّمين، لكن الذي يجعلهم بلا قيمة هو الكذب والتعاليم المضلة.
وبينما يلتف أهل أثينا حول هؤلاء المعلّمين الكذبة نجد أن الرسول بولس يذهب إلى البربر والغير متعلمين والبسطاء، لأن الكرازة هى للجميع. وهو لم ينظر إلى الرتب المختلفة، ولا لأجناس متميزة ولا شئ من كل هذا، بل هو يحتاج فقط إلى إيمان، لا إلى الأفكار الفلسفية.
ولذلك فإن كرازته تستحق كل الإعجاب، ليس فقط لأنها أتت بثمر وقادت إلى الخلاص، بل لأنها بسيطة وسهلة ويفهمها الجميع، هذه الكرازة هى ثمر عناية الله الذي يغدق على الجميع بلا حدود. وهذه العناية نجدها في خلق القمر والأرض والبحر والأشياء الأخرى، فعطايا الله ليست هى للأغنياء فقط، بل هى للفقراء أيضًا، فالجميع يتمتعون بخليقة الله بنفس القدر. هكذا أيضًا دبر الله الكرازة للجميع. إذ أن الكرازة هى أكثر أهمية من هذه الأمور.
ولهذا نجد المطوب بولس يقول باستمرار ” في سائر الأمم“. ثم بعد ذلك يوضح لهم، كيف أنه لم يقدم لهم أي شئ من عنده، لكنه ينفذ وصية الرب فقط ويشكر الله من جهة جميعهم ويقول:
” إني مديون لليونانيين والبرابرة والحكماء والجهلاء ” (14:1).
وما يكتبه هنا إلى أهل رومية قد كتبه أيضًا إلى أهل كورنثوس. وفي كل الحالات يعترف بهذا الدين لله.
” فهكذا ما هو لي مستعد لتبشيركم أنتم الذين في رومية أيضًا ” (15:1).
6ـ كم هى عظيمة خدمة القديس بولس، إذ أنه وضع على عاتقه عمل ضخم ملىء بأخطار كثيرة، أخطار بحار، تجارب متنوعة، هجوم، ومواجهات عنيفة. وكان من الطبيعي أن يعبر على هذه التجارب الكثيرة، ما دام قد عقد النية على الكرازة في هذه المدينة الكبيرة التي إفتقرت إلى التقوى. هذا وقد انتهت حياته في هذه المدينة واستشهد بقطع رأسه على يد الإمبراطور نيرون”[2].
وعلى الرغم من أنه عانى ولاقى عذابات كثيرة، إلاّ أنه لم يحاول تجنب هذه الآلام مطلقًا. ومع كل هذه الآلام لم تخر عزيمته، ولم يتوان عن كرازته، بل كان دائمًا مستعدًا للبشارة. ولهذا يقول: “ما هو لي مستعد لتبشيركم أنتم الذين في رومية“[3].
” لأني لست استحي بإنجيل المسيح ” (16:1).
ماذا تقول يا بولس؟ لأنه كان ينبغي أن تقول ” إني افتخر وأزهو ” لكنه قال ” لست استحي” إذًا لأي سبب تكلم هكذا وما معنى ذلك؟ ومع أنه كان يفرح لأجل الإنجيل، فقد كتب إلى أهل غلاطية قائلاً ” أما من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح “[4]. إذًا فلأي سبب هنا يقول ” لست استحي” ولا يقول إني افتخر؟ السبب أن أهل رومية كانوا محصورين في أمور هذا العالم الحاضر، بسبب الغنى الذي كانوا يتمتعون به، وبسبب السلطة والانتصارات الكثيرة، هذا بالإضافة إلى أنهم اعتبروا ملوكهم مساوين للإلهة، ولهذا أيضًا بنوا لهم هياكل ومذابح وقدموا لهم الذبائح. ولأنهم كانوا يفتخرون بوضعهم هذا، ولأن الرسول بولس كان ينوي أن يبشر بيسوع الذي اعتقدوا أنه ابن النجار الذي تربى في اليهودية في منزل بسيط، بلا حراس حوله ولا تبدو عليه علامات الثراء، بل إنه مات وأُدين مع لصوص وصبر على أمور كثيرة مهينة. من أجل هذا كله كان من الطبيعي أن يشعروا نحوه بالخجل، طالما أنهم لم يكونوا قد عرفوا بعد أي شئ عن الأمور السامية والتي لم تُستعلن لهم بعد. ولهذا قال ” لست أستحى” معلّمًا إياهم، خطوة خطوة، ألا يستحوا، لأنه يدرك أنه إذا تحقق هذا، فإنهم سوف يتقدمون سريعًا وسيصلون إلى مرحلة الإفتخار.
وأنت أيضًا إن سمعت أحد يقول لك، هل تسجد للمصلوب؟ لا تخجل ولا تنظر إلى أسفل، بل يجب أن تفتخر وتزهو وتعترف بإيمانك برأس مرفوعة ولا تستحى. ولو قالوا لك هل تسجد للمصلوب؟ أجبهم إننى لا أسجد لشخص زانى ولا قاتل لأبيه ولا قاتل لأبنائه، لأن هذه الأمور تصنعها آلهتهم. لكن المسيح بصليبه أسكت الشياطين وأعوانهم وقضى على أعمالهم المضللة. لأن الصليب بالنسبة لنا هو عمل محبة الله نحو البشر، تلك المحبة التي لا يُعبّر عنه. فالصليب هو رمز العناية الغير محدودة بنا. ولأن أهل رومية افتخروا بصناعة الكلام جدًا، وانتفخوا بالحكمة العالمية، أتى الرسول بولس يبشرهم بالصليب وهو لا يخجل من ذلك.
لأن الإنجيل هو ” قوة الله للخلاص ” كما أنه هو قوة الله للدينونة. لأن الله عندما عاقب المصريين قال “جيشى العظيم الذي أرسلته عليكم“[5]. وأيضًا يقول ” خافوا بالحرى من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم“[6]. ولهذا فالرسول بولس يقول لهم بأننى لم آت لأبشركم بالأمور الخاصة بالدينونة، لكن لأبشركم بالأمور المختصة بالخلاص. ماذا إذًا؟ ألم يبشر الإنجيل بهذه الأمور الخاصة بالدينونة؟ بلا، فالإنجيل يخبرنا أيضًا عن الدينونة. وإن كانت هناك دينونة، فكيف يقول إذًا إن الإنجيل هو ” قوة الله للخلاص“. اسمع ما يقوله فيما بعد ” لكل من يؤمن لليهودي أولاً ثم لليوناني“. إذًا فالإنجيل ليس للجميع بشكل عام، ولكن لكل من يقبله. لأنه لو أنك يوناني، ولو فعلت كل شر، أو أنك سكيثي، أو بربري، ولو أنك ملىء بكل جهالة، محمل بخطايا كثيرة، فعندما تقبل البشارة بالصليب والمعمودية، فإن كل هذه الأمور سوف تختفي.
لكن لماذا قال هنا ” لليهودي أولاً ثم بعد ذلك لليوناني؟” ماذا يريد بهذا الترتيب؟ فعلى الرغم من أنه في مواضع كثيرة قال: ” لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة” فكيف يُميز هنا، واضعًا اليهودي أولاً ثم بعد ذلك اليوناني؟ وماذا يعني هذا؟ الترتيب هنا هو ترتيب شرفي فقط، فهذا لا يعني أن اليهودي حاصل على نعمة أكثر لأنه أولاً، لأن نفس العطية أُعطيت لليهودي واليوناني. كما في حالة المعمدين، فإن الجميع يذهبون للمعمودية، لكن ليس في الوقت نفسه، بل إن واحدًا يذهب أولاً والآخر بعده. لكن الأول لا يأخذ نعمة أكثر من الثاني، بل الجميع يتمتعون بنفس النعمة. إذًا فكلمة (الأول) هنا هى كلمة شرفية وليس المقصود بها نعمة أكثر.
بعد ذلك، عندما قال ” إنه قوة الله للخلاص” فإنه يعنى أن العطية تتزايد، مظهرًا أنه لا يتحدث عن الأمور الحاضرة، لكنه فقط يشير إلى أمور الدهر الآتى. لأن هذا قد أوضحه قائلاً:
” لأن فيه معلن بر الله بإيمان لإيمان. كما هو مكتوب أما البار فبالإيمان يحيا” (17:1).
إذًا فهذا الذي صار بارًا بالإيمان، سيحيا ليس فقط في هذا الدهر، ولكن في الدهر الآتي أيضًا. كما أنه يشير إلى شئ آخر، وهو أن هذه الحياة هى حياة مشرقة وممجدة. لأنه من الممكن أن يُنقذ المرء وهو غير مستحق، مثلما يُنقذ الكثيرون ولا يتعرضون لعقاب بسبب إحسان الملك لهم، ولكي لا يتشكك أحد في هذا عندما يسمع عن الخلاص، يضيف كلمة “البر” والبر ليس برًا ذاتيًا، لكنه بر من الله، مشيرًا إلى أن هذا البر يمنح بإغداق.
وبكل تأكيد، فإن المرء يحصل على هذا البر لا بجهد وتعب بل كمنحة من الله. وهذه المنحة التي يقدمها الله هى عطية الإيمان.
وعندما يتحدث عن الزناة ومضاجعى الذكور ونباش القبور، والمخادعين، بأنهم سينجون من العقاب، وليس هذا فقط، بل أنهم سيصيرون أبرارًا وفي أعلى درجات البر، فإن حديثه هذا يبدو صعب التصديق. ولهذا فإنه يؤكد كلامه باستخدام شواهد من العهد القديم بقوله: ” كما هو مكتوب أما البار فبالإيمان يحيا“[7] ونراه هنا يُحيل المستمع لتدبير الله الذي اتضح في العهد القديم، ثم يشرحه بكل حكمة، عندما يكتب أيضًا إلى العبرانيين، موضحًا كيف أن الأبرار والخطاة، حينذاك قد تبرروا. ولهذا أشار إلى راحاب وإبراهيم. وهو لم يشر إلى ذلك فقط، لكنه أكد كلماته أيضًا من أقوال الأنبياء، لأنه أشار إلى حبقوق في حديثه الذي نادى وقال ” والبار بإيمانه يحيا“. إذًا لأن هذه الأمور التي يمنحها الله تتجاوز كل منطق، فإننا في احتياج إلى إيمان.
فليسمع الهراطقة هذا الصوت الروحي. لأن طبيعة أفكارهم تشبه طُرقات مظلمة كما أن أقوالهم معقدة، ولا يوجد فيها ما يبني، فهى تبدأ بالتعالي والزهو لأنهم يشعرون كما لو أن قبول الإيمان يجلب الخجل، ويعتقدون أنهم لا يعرفون شيئًا عن الأمور السمائية، وهم في ذلك يلقون أنفسهم في سحابة من غبار الأفكار الكثيفة. أيها التعس والبائس، المستحق البكاء عليك لو سألك أحد، كيف صارت السماء؟ وكيف جاءت الأرض؟ ولماذا أتكلم عن السماء والأرض؟ كيف وُلدتَ أنت نفسك؟ وكيف تربيت وكبرت، ألا تخجل لجهلك؟ وإذا جاء حديث عن الابن الوحيد الجنس، فإنه بسبب خجلك من قبول الإيمان بالمسيح، فإنك تلقى بنفسك إلى حافة الهلاك، وهل تظن أن عدم معرفتك بكل الأشياء هو أمر لا يستحق منك الاهتمام؟ لكن ما لا يستحق الاهتمام هو الرغبة في المشاجرة والانشغال بموضوعات عديدة وغريبة في وقت غير مناسب.
ولماذا أتحدث عن الأمور الإيمانية؟ لأننا لن نتخلص من شرور هذه الحياة الحاضرة إلاّ بالإيمان. ولهذا فقد تميّز كل مَن عاش بالإيمان، إبراهيم واسحق ويعقوب، وهكذا أُنقذت راحاب الزانية، وهؤلاء الذين وردت أسماءهم في العهد القديم وأيضاً الذين وردت أسماؤهم في العهد الجديد. لأنه يقول: ” بالإيمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاه إذ قبلت الجاسوسين بسلام“[8]. ولم تفكر في نفسها، كيف سيستطيع هؤلاء الأسرى والمنفيون والمهاجرون الذين يعيشون حياة ترحال “حياة البدو”، أن ينتصروا علينا نحن الذين نملك مدينة وأسوار وأبراج؟ لأنها لو قالت هذا، لدمرت نفسها وهؤلاء معًا، الأمر الذي كابده أجداد هؤلاء عندما أُنقذوا آنذاك. لأن الجواسيس ـ في القديم ـ بسبب عدم الإيمان، عندما رأوا أناس طوال القامة وعمالقة، انهزموا بدون حرب، لأنهم قالـوا ” لا نقدر أن نصعد إلى الشعب لأنهم أشد منا. فأشاعوا مذمة الأرض التي تجسسوها في بني إسرائيل قائلين الأرض التي مررنا فيها لنتجسسها هى أرض تأكل مكانها. وجميع الشعب الذي رأيناه في هذه الأرض هم أناس طوال القامة فكنا في أعيننا كالجراد وهكذا كنا في أعينهم“[9]. أرأيت كيف أن هوة عدم الإيمان هى عميقة، وكيف أن سور الإيمان هو عظيم؟ لأن عدم الإيمان أهلك آلاف، بينما الإيمان لم ينقذ راحاب فقط، بل جعلها أيضًا حامية لكثيرين.
ولأنكم تعرفون هذه الأمور بل وأكثر منها، فلا ينبغي لنا أن نطلب من الله مسئوليته عن هذه الأمور التي تحدث، بل يجب أن نقبل ما يأمر به، لا أن نُحلله ونفحصه كثيرًا، حتى لو كان الأمر يبدو كأنه غير معقول بالنسبة للفكر البشرى. لأنه هل يوجد أمر يبدو غير معقول أكثر من أن يذبح الأب ابنه الوحيد؟ لكن إبراهيم البار عندما أُمر، لم يفحص هذا كثيرًا، لكنه قَبِلَ وأطاع. وعندما أمر شخص آخر أن يضرب أحد الأنبياء في وجهه، ولم يخضع، فقد عوقب بالموت[10]، لأنه فحص هذا الأمر ورأى أن هذا المطلب هو أمر غير معقول. بينما الآخر الذي أطاع وضربه شعر بالفرح. وعندما أنقذ شاول أناس بغير إرادة الله، خسر مملكته وعانى من أمراض لا تُشفى[11].
وأمثلة أخرى كثيرة يستطيع المرء أن يجدها. ولذلك ـ فمع كل ما تعلمناه ـ علينا ألاّ نطلب سبب أو دافع لتنفيذ أوامر الله، بل علينا أن نسمع ونخضع فقط. كما أنه من الخطورة أن نحلل الأوامر التي يأمر بها، إذ أن أولئك الذين يدققون كثيرًا في أوامر الله سيتعرضون لعقاب أشد. وبالحرى أولئك الذين يفحصون أمورًا تفوق قدرات العقل البشري، أى كيف تم ميلاد الابن وبأي طريقة وما هو جوهره، أي دفاع سيقدمون عن أنفسهم وقتها؟ ولأننا نعلم هذه الأمور، فلنقبل الإيمان الذي هو تاج كل الفضائل، بكل امتنان وشكر، حتى أننا كمثل من يبحر في ميناء هادئ، نحفظ الإيمان المستقيم، ونقود حياتنا في أمان، ونحصل على الخيرات الأبدية بالنعمة ومحبة البشر اللواتى لربنا يسوع المسيح الذي يليق به المجد والقوة والكرامة مع الآب والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
[1] لقد زار أفلاطون (427 ـ 347 ق.م) مدينة صقلية وطالب أهلها بإصلاحات سياسية، لكن دون أن يحقق نجاح يذكر.
[2] غير معروف على وجه الدقة تاريخ استشهاد ق. بولس لكن بحسب تقليد الكنيسة، فإن القديس بولس قد استشهد في زمن اضطهاد نيرون (64ـ68).
[3] أو بحسب النص اليونانى ” ومن هنا رغبتى في أن أبشركم “.
[4] غلا14:6.
[5] يوئيل25:2.
[6] مت28:10.
[7] حبقوق 4:2.
[8] عب31:11.
[9] عد31:13ـ33.
[10] انظر عد35:20ـ36.
[11] 1صم9:15ـ11.