الحجر مدحرجا – إنجيل لوقا 24 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
قيامة المسيح
(لو1:24ـ5): “ ثُمَّ فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَوَّلَ الْفَجْرِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ. فَوَجَدْنَ الْحَجَرَ مُدَحْرَجًا عَنِ الْقَبْرِ. فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ. وَفِيمَا هُنَّ مُحْتَارَاتٌ فِي ذَلِكَ إِذَا رَجُلاَنِ وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ. وَإِذْ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إِلَى الأَرْضِ“.
النسوة أتين إلى القبر، ولما لم يجدن جسد المسيح ـ لأنه كان قد قام ـ فإنهن تحيّرن كثيرًا. ثم ماذا تبع ذلك؟ إنهنَّ لأجل حبهنَّ للمسيح، ولأجل غيرتهنَّ الحارَّة له، فقد حُسِبن مستحقات أن يَرين الملاكين المقدَّسَيْن اللذين أخبراهن بالأخبار السارة، وصارا مبشرين بالقيامة قائلين: “ لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟ ليس هو ههنا لكنه قام” (لو5:24، 6). إن كلمة الله حي إلى الأبد، وبحسب طبيعته هو الحياة ذاتها، ولكنه عندما أخلى ذاته، ووضع نفسه ليصير مثلنا، فإنه ذاق الموت، ولكنه برهن على موت الموت، لأنه قام من الموت ليصير هو الطريق الذى به ليس هو فقط بل نحن أيضًا نعود إلى عدم الفساد. ليت لا أحد يبحث عن ـ هذا الحي إلى الأبد ـ بين الأموات، لأنه هو ليس هنا بين الأموات وهو ليس في القبر، ولكن أين يوجد بالأحرى؟ ببساطة ووضوح، هو في السماء، في مجد الله. ولأجل أن يرسِّخ الملاكان بأكثر ثبات إيمان النسوة بهذه الأخبار، فإنهما أعادا إلى ذاكرتهن ما سبق أن قاله المسيح: ” اذكرن كيف كلَّمكن وهو بعد في الجليل قائلاً: إنه ينبغي أن يُسلَّم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة ويُصلب وفي اليوم الثالث يقوم” (لو7:24).
إن الملائكة هم الذين أتوا بالأنباء السارة للميلاد إلى الرعاة في بيت لحم، والآن أيضًا هم الذين يُبلِّغون أخبار القيامة، والسماء تُقدِّم خدمتها لتشهد له، والأجناد الروحانية العلوية تعبد الابن كإله حتى بعد أن صار جسدًا.
(عدد 9): ” وَرَجَعْنَ مِنَ الْقَبْرِ وَأَخْبَرْنَ الأَحَدَ عَشَرَ وَجَمِيعَ الْبَاقِينَ بِهَذَا كُلِّهِ“.
بعد أن تعلََّّمن السِّر من صوت الملائكة، فإنهن أسرعن ليبلغن التلاميذ بهذه الأمور. كان لائقًا جدًّا أنَّ هذه النعمة، رغم أنها عظيمة جدًّا أن تُخوَّل للنساء، إذ أنَّ المرأة التي خدمت الموت في القديم قد أُعتِقت الآن من ذنبها، بالخدمة التي وصلتها بصوت الملائكة القديسين، وكذلك لأنها صارت الأولى لأنها أولاً: عَلِمت، وثانيًا: لأنها أخبرت بسرَّ القيامة المجيد. لذلك فإن الجنس النسائي قد نال البراءة من العار، وكذلك بطُلَت اللعنة، وذلك لأن الذي قال للمرأة في القديم: بالوجع تلدين أولادًا (تك16:3) هو الذى خلصها من البليَّة، بأن قابلها في البستان ـ كما ورد في إنجيل آخر ـ وقال لها: “ سلام” (متى9:28). أمَّا بخصوص الرسل القديسين، فقد ظلَّت رواية القيامة تبدو لهم وكأنها غير معقولة تمامًا ومزيَّفة، لأنه حتى ذلك الوقت لم يكونوا يعرفون الكتب المقدسة، لذلك كانوا غير مُصدِّقين، ولأجل ذلك فقد سَخَروا من خبر القيامة ورفضوه.
ولكن كيف أنَّ التلاميذ في إنجيل يوحنا، بعد أن سمعوا مريم المجدلية، وركضوا تجاه القبر آمنوا ؟ بخصوص هذا فإن البشائر تشهد لهم بالقول: ” فحينئذٍ دخل أيضًا التلميذ الآخر الذى جاء أولاً إلى القبر ورأى فآمن” (يو8:20). فالاثنان آمنا: بطرس ويوحنا. أمَّا إنجيل لوقا فيقول: ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله، وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قُلن هذا للرسل ، فتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوهن.
(أعداد 13ـ15): “ وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً اسْمُهَا عِمْوَاسُ. وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ. وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا“.
بخصوص الاثنين اللذين كانا منطلقين إلى قرية عمواس، فقد كانا يتكلمان مع بعضهما بشأن المسيح، وهما يعتبرانه أنه لم يَعُد بعد على قيد الحياة، بل كانا ينوحان عليه كميت، وبينما كانا يتكلمان ويتحاوران اقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما دون أن يعرفاه، لأن أعينهما أُمسِكت عن معرفته (ع16). فقال لهما: ” ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين؟ فأجاب أحدهما الذى اسمه كليوباس وقال له: هل أنت متغرِّب وحدك في أورشليم… إلخ” (أعداد 17ـ21)، ثم أخبراه عن الإشاعات التى وَافَتهُم بها النسوة بخصوص القيامة، وكذلك بخصوص كلام بطرس، ولكنهما لم يصدقوهن، لأنه بقولهما: “ بل بعض النسوة حيَّرننا… لأنهم لم يجدن الجسد…” (أعداد23،22)، يتضح أنهما لم يقتنعا ليؤمنا بالأخبار، ولا نظرا إليها كأخبار حقيقية، ولكنها أصبحت في نظرهما أخبارًا تدعو إلى القلق والدهشة، بل وحتى شهادة بطرس الذى رأى اللفائف الكتان عند القبر، لم يعتبراها برهانًا كافيًا جديرًا بالثقة والتصديق بخصوص القيامة لأن الإنجيلي لم يقل عنه إنه رأى الرب شخصيًّا، بل إنه استنتج أنه قام بسبب كونه لم يعد موجودًا في القبر. يجب عليكم أيضًا أن تعلموا أنَّ هذين الاثنين هما من عداد السبعين تلميذًا، وكان سمعان ـ وهو غير بطرس ـ هو رفيق كليوباس، كما أنه ليس من قانا، ولكنه واحد من السبعين[1].
(عدد 27 ): ” ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ“.
لقد بيَّن الرب من خلال هذا الحديث أنَّ الناموس كان ضروريًّا ليُمهِّد الطريق، وأيضًا خدمة الأنبياء كانت لازمة لتُعِد البشر للإيمان بهذا العمل الفائق، حتى إذا ما تم هذا العمل بالفعل، فإنه يجب على هؤلاء الذين ينزعجون بسبب المجد الفائق أن يتذكروا ما سبق أن قيل في القديم، وهذا يقودهم إلى الإيمان، لذلك فإن يسوع قد مهَّد الطريق لهم من خلال كتابات موسى والأنبياء، وهو يشرح لهما معانيها الخفية، ويفسِّر للذين يستحقون ما هو غامض على غير المستحقين، وهكذا يوطِّد في داخلهم الإيمان القديم والمتوارَث الذي تعلَّموه من الكتب المقدسة التي كانت في حوزتهم، لأنه لا شئ يأتي من عند الله بلا منفعة، بل الكل له الموضع والخدمة المحدَّدة. فالخدام يُرسَلون مسبقًا إلى مكانهم الواجب ليعدُّوا لحضور السيد، بأن يقدموا من قَبْل نبوات كإعداد ضرورى مسبق للإيمان، تمامًا مثل كنز ملكي قد سبق التنبؤ عنه، فإنه يجب في الأوان المناسب أن يُؤتى به من مخبئه السابق المُحاط بالغموض، بأن يُماط عنه اللثام ويصبح ظاهرًا جليًّا من خلال وضوح التفسير. وهكذا فإن الرب بعد أن حرَّك عقليهما عن طريق كتابات الناموس والأنبياء، فإنه بعد ذلك بوضوح أكثر، وضع نفسه أمامهما عندما قبل رجاءهما بأن يذهب معهما إلى القرية، إذ أنه أخذ خبزًا وباركه وقسمه بينهما، لأنه مكتوب: أُمسِكت أعينهما عن معرفته (ع16)، إلى أن دخلت الكلمة داخلهما وحركت قلبيهما للإيمان، وبعد ذلك صيَّرت ما سبق أن سمعاه وآمنا به، مرئيًّا، لأنه منحهما الرؤية في أوانها بعد السماع، إلاَّ أنه لم يستمر معهما لأن الكتاب يقول: “ ثم اختفى عنهما“، لأن علاقة الرب بالناس بعد القيامة لا تستمر كما كانت من قبل، لأنهم هم يحتاجون إلى تجديد وحياة ثانية في المسيح، حتى يلتحم الجديد بالجديد، وغير الفاسد يقترب من غير الفاسد، أليس لهذا السبب لم يسمح الرب ـ كما يقول يوحنا في إنجيله (انظر يو17:20) لمريم المجدلية أن تلمسه إلى أن يصعد ثم يعود ثانية.
(عدد 33): ” فَقَامَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ هُمْ وَالَّذِينَ مَعَهُمْ “.
يقول الكتاب إن كليوباس ورفيقه قاما في تلك الساعة. وذلك في نفس الوقت الذي اختفى فيه المسيح عن أعينهما ورجعا إلى أورشليم، ولكنه لم يقل إنهما وجدا الأحد عشر مجتمعين معًا في نفس تلك الساعة، وأنهما قالا لهم ما حدث بخصوص المسيح بل بعد مرور عدد من الساعات تكفي للسفر ستين غلوة بين عمواس وأورشليم، وفي أثناء هذه الساعات ظهر الرب لسمعان بطرس.
والبشير (لوقا) حذف الأحداث التى تمَّت في خلال هذا الزمن (الأربعين) بين ظهوره للرسل في أورشليم وبين اليوم الذى ارتفع فيه. أمَّا ما سمعه كليوباس ورفيقه من الرسل: ” إنَّ الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان ” (لو24: 34)، فهذا الظهور لم يذكر عنه أين أو متى أو كيف تم… خلال هذه الفترة أيضًا (بين الظهور مساء القيامة وبين الصعود) تمت الأحداث التي في الجليل والتي سجلها القديس متى (انظر مت16:28ـ20)[2].
(عدد 36): ” وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسَطِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: سَلاَمٌ لَكُمْ!“.
والآن، نحن نلتزم بترتيب الحوادث، فإننا نقول إن رواية القيامة قد بلغت الرسل من جهات مختلفة، وصارت رغبتهم في رؤية الرب جامحة، وها هو يأتي بحسب رغبتهم ويقف مرئيًّا في وسطهم ويُعلِن نفسه إذ قد صاروا يبحثون عنه ويتوقَّعون حضوره، وها هو الآن يظهر لهم وأعينهم ليست مُمسكة عن المعرفة، ولا كمن يتحدث معهم عن شخص آخر، وهو الآن يسمح لهم أن يبصروه بوضوح، ويُحيِّيهم بالتحيَّة الملائمة، ولكن مع ذلك ” فإنهم جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحًا” (لو37:24)، أي ظنوا أنه ليس هو نفسه، بل مُجرَّد شبح وخيال. وللوقت فإنه هدَّأ من روعهم وقلقهم بسبب هذه الأفكار التى خطرت في قلوبهم وخاطبهم بتحيته المعتادة وقال: “سلام لكم“.
(عدد 38): ” فَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟“.
لكي يقنعهم الرب بتأكيد لا يدع مجالاً للشك بأنه هو نفسه الذي تألّم، فإنه يٌبيَّن للتو أنه بسبب كونه الله بالطبيعة، فإنه يعرف ما هو مخفي، وأن الأفكار الثائرة داخلهم لا تخفى عن معرفته، لذلك قال لهم: ” ما بالكم مضطربين؟” هذا برهان واضح أنَّ هذا الذي يرونه أمامهم ليس شخصًا آخر، بل هو نفسه الذي رأوه يذوق الموت على الصليب، والذي وُضِع في القبر، وهو نفسه الذي يفحص القلوب والكُلى والذي ليس شيء غير مكشوف لعينيه. هذا الأمر يعطيه لهم كعلامة تدل علي شخصه، أعني معرفته بالأفكار الثائرة داخلهم. ولكي يبرهن لهم بصورة أقوى، وبطريقة أخرى أنَّ الموت قد قُهِرَ، وأن الطبيعة البشرية قد خلعت عنها الفساد في شخصه كباكورة، فإنه أراهم يديه ورجليه وثقوب المسامير وسمح لهم بأن يمسكوه، لكى يقنعهم بكل وسيلة أنَّ نفس الجسد الذي تألم هو الذى قام كما قلت لكم. لذلك ليت لا أحد يثير اعتراضات تافهة بخصوص القيامة، وإن كنتم تسمعون الكتاب المقدس يقول عن الجسم الإنسانى إنه يُزرع جسمًا حيوانيًّا ويُقام جسمًا روحانيًّا (1كو44:15) فلا تنكروا عودة الأجسام البشرية إلى عدم الفساد، لأنه كما أنَّ الحيواني هو الذي يكون تابعًا ويخضع للبهيمية أي الشهوات الجسدانية، كذلك أيضًا الروحاني هو تحت سلطان الروح القدس (أي جسمًا روحانيًّا).
لأنه لن يوجد بعد القيامة من الموت فرصة للعواطف الجسدانية لأن مِهماز الخطية سيكون بلا قوة تمامًا، وهذا الجسد نفسه الذى جُبِل من الأرض، سوف يلبس عدم فساد. ولكى يتأكد التلاميذ تمامًا أنَّ هذا هو نفسه الذى تألم وقُبِرَ، وهو الذي قام ثانيةً وهو واقف الآن أمامهم، فإنه ـ كما قلت لكم ـ أراهم يديه ورجليه. وأمرهم أن يكونوا مقتنعين تمامًا أنه ليس روحًا كما يظنون، بل هو بالحري قام بجسد حقيقي، فيقول لهم: “ فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي” (ع39)، لأن الظِّلَ والروح والشبح لا يمكن لمسها باليد.
وبعد أن أراهم ـ كما قلنا ـ يديه ورجليه، فإنه أقنعهم تمامًا أنَّ الجسد الذي تألم قد قام، ولكن من أجل أن يجعل فيهم قدرًا وافرًا من الإيمان بتأكيد أكثر، فإنه سألهم عن طعام، فناولوه جزءًا من سمك مشوي (ع42)، فأخذ وأكل قدامهم (ع43)، وهذا فعله ليس لأي سبب آخر سوى أن يبيِّن أنَّ مَن قام من الأموات هو نفسه الذي فيما مضى أكل وشرب معهم طوال فترة خدمته معهم، وهو الذي تكلم معهم كإنسان بحسب الصوت النبوي في القديم (باروخ37:3)، وكان قصده من هذا أن يلاحظوا أنَّ الجسم البشري يحتاج فعلاً إلى غذاء من هذا النوع، أما الروح فلا تحتاج لذلك. فالذى يستحق أن يُدعَى مؤمنًا، والذي يقبل بلا تردد شهادة الإنجيليين القديسين (بخصوص القيامة) لن ينصت فيما بعد إلى خرافات الهراطقة، ولن يمكنه أن يحتمل تجارة الخياليين المُغرِضة والرخيصة[3]. إن قوة المسيح تفُوق أسئلة البشر، كما أنها ليست على مستوى الفهم كالأحداث المعتادة. المسيح أكل آنذاك جزءًا من سمك بسبب القيامة، أما النتائج الطبيعية للأكل فلا يمكن أن تحدث في حالة المسيح بالطريقة التى يمكن أن يعترض بها غير المؤمن، الذى لا يعرف سوى أنَّ ما يدخل الفم يلزم بالضرورة أن يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج (مت17:15)، أمَّا المؤمن فلن يفسح مجالاً لمثل هذه الاعتراضات التافهة في عقله، ولكن يترك الأمر إلى قوة الله.
(عدد 45): “ حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ“.
بعد أن هدَّأ الرب أفكارهم بما قاله لهم، وبلمسة أيديهم له، وبمشاركته لهم في الأكل، حينئذٍ فتح ذهنهم ليفهموا أنه كان ينبغى له أن يتألم وأن يُعلَّق على خشبة الصليب. هنا يعيد الرب إلى أذهان التلاميذ ما قاله لهم سابقًا، لأنه سبق أن أخبرهم بخصوص آلامه على الصليب بحسب ما تكلم الأنبياء قبل ذلك بوقت طويل كما أنه فتح أيضًا عيون قلوبهم حتى يفهموا النبوات القديمة.
لقد وعد المخلص تلاميذه بحلول الروح القدس الذى سبق أن أعلن الله عنه في القديم بيوئيل النبي (يؤ28:2)، والقوة النازلة من الأعالى حتى يصيروا أقوياء لا يُقهرون ويكونوا بلا خوف تمامًا لكي يعلِّموا السر الإلهي للناس في كل مكان.
إنه يطلب إليهم الآن بعد القيامة أن يقبلوا الروح القدس: ” اقبلوا الروح القدس” (يو22:20)، ويضيف: ” أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذى سمعتموه مني، لأن يوحنا عمَّد بالماء وأما أنتم فستتعمَّدون بالروح القدس” (أع5،4:1). إنه لا يضيف ماء إلى ماء، ولكنه يكمل ما كان ناقصًا بإضافة ما كان مكملاً له (أي الروح).
(عدد 51): ” وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ “.
أنه ارتفع إلى السماء حتى يشترك في عرش الآب بالجسد الذى هو متَّحد به.
هذا الطريق الجديد قد صنعه الكلمة لنا بعد أن ظهر في الطبيعة البشرية. وبعد ذلك، وفي الوقت المناسب، سوف يأتي ثانيةً في مجد أبيه مع الملائكة، فيأخذنا إليه لنكون دائمًا معه.
لذلك دعنا نُمجِّده، هذا الذي وهو الإله الكلمة صار إنسانًا لأجلنا، هذا الذي تألم بإرادته في الجسد وقام من الأموات وأبطل الفساد، هذا الذي ارتفع إلى السماء، وسوف يأتي بمجدٍ عظيم ليدين الأحياء والأموات، وليعطي كل واحد بحسب أعماله، هذا الذي به ومعه لله الآب يليق المجد والقوة مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.
1 يقول أوريجينوس في ديباجة شرحه لإنجيل يوحنا نفس التقليد، فيذكر أنَّ رفيق كليوباس كان يُسمى سمعان، أما في المؤلفات المتأخرة مثل ثيؤفلاكت، فإنه يظن أنَّ هذا الرفيق كان لوقا نفسه.
2 ذكر القديس يوحنا في إنجيله ظهورات بعد ظهوره يوم القيامة نفسه وذلك في يوحنا 24:20ـ31، ويوحنا ص21 كله (المُترجِم).
3 يقصد هنا هؤلاء الذين يُروِّجون إشاعة أنَّ جسد الرب خيالي أو شبح أى ليس جسدًا حقيقيًّا.