قيامة الأموات – إنجيل لوقا 20 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو27:20ـ38): ” وَحَضَرَ قَوْمٌ مِنَ الصَّدُّوقِيِّينَ الَّذِينَ يُقَاوِمُونَ أَمْرَ الْقِيَامَةِ وَسَأَلُوهُ: يَا مُعَلِّمُ كَتَبَ لَنَا مُوسَى: إِنْ مَاتَ لأَحَدٍ أَخٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ وَمَاتَ بِغَيْرِ وَلَدٍ يَأْخُذُ أَخُوهُ الْمَرْأَةَ وَيُقِيمُ نَسْلاً لأَخِيهِ. فَكَانَ سَبْعَةُ إِخْوَةٍ. وَأَخَذَ الأَوَّلُ امْرَأَةً وَمَاتَ بِغَيْرِ وَلَدٍ. فَأَخَذَ الثَّانِي الْمَرْأَةَ وَمَاتَ بِغَيْرِ وَلَدٍ. ثُمَّ أَخَذَهَا الثَّالِثُ وَهَكَذَا السَّبْعَةُ. وَلَمْ يَتْرُكُوا وَلَدًا وَمَاتُوا. وَآخِرَ الْكُلِّ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ أَيْضًا. فَفِي الْقِيَامَةِ لِمَنْ مِنْهُمْ تَكُونُ زَوْجَةً؟ لأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِلسَّبْعَةِ!. فَأَجَابَ يَسُوعُ: أَبْنَاءُ هَذَا الدَّهْرِ يُزَوِّجُونَ وَيُزَوَّجُونَ. وَلَكِنَّ الَّذِينَ حُسِبُوا أَهْلاً لِلْحُصُولِ عَلَى ذَلِكَ الدَّهْرِ وَالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يُزَوَّجُونَ. إِذْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَمُوتُوا أَيْضًا لأَنَّهُمْ مِثْلُ الْمَلاَئِكَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ إِذْ هُمْ أَبْنَاءُ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا أَنَّ الْمَوْتَى يَقُومُونَ فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مُوسَى أَيْضًا فِي أَمْرِ الْعُلَّيْقَةِ كَمَا يَقُولُ: اَلرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ. وَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ “.
الجهالة يصحبها التهوُّر عادة، وهى تؤدى بالناس إلى أن يُعلِّقوا أهمية كبرى على أوهامهم البائسة، وهكذا فإن أولئك الذين هم ضحايا لهذا الداء، عندهم فكرة عظيمة عن أنفسهم ويتصورون أنهم يملكون معرفة لا يستطيع أحد أن يُنكرها. ويبدو أنهم قد نسوا قول سليمان: ” لا تكن حكيمًا في عيني نفسك” (أم7:3)، أي بحسب حُكمك الشخصي، وأيضًا إن الحكمة التى لا تُمحَّص تضل الطريق. فإنه ليس بالضرورة أن تكون آراؤنا صحيحة عن كل تعليم نعتقد به، إذ ربما يحدث أن نحيد عن الطريق الصحيح فنخطئ، ونسقط في ما هو غير مناسب، ولكن، أظن أنه من الصواب إذا مارسنا حكمًا نزيهًا وبلا تحيُّز، وبغير استسلام لاندفاع العواطف، فإننا يجب أن نحب الحق ونسعى إليه باشتياق.
أما الصدوقيون الأغبياء، فإنهم لا يعطون احترامًا لمثل هذه الأفكار. كان الصدوقيون شيعة من اليهود، وقد أوضح لنا لوقا ما هو رأيهم الذي كانوا يفكرون به من جهة قيامة الأموات، فيكتب في أعمال الرسل: ” لأن الصدوقيين يقولون إنه ليس قيامة ولا ملاك ولا روح، وأما الفريسيون فيقرون بكل ذلك” (أع8:23). لذلك، قد حضر قوم منهم إلى المسيح مخلِّصنا جميعًا ـ الذي هو الحياة والقيامة ـ وحاولوا أن يدحضوا (عقيدة) القيامة؛ ولأنهم قوم ممتلئون بالخزى وغير مؤمنين، فإنهم اخترعوا قصة مفعمة بالجهالة ومملوءة بالافتراضات السخيفة، محاولين بخبث أن يلغوا رجاء العالم كله. إننا نؤكد أنَّ رجاء العالم كله هو القيامة من الأموات، الذين صار المسيح هو البكر والباكورة[1] بالنسبة لهم، ولذلك فإن الحكيم بولس أيضًا إذ يجعل قيامتنا معتمِدة على قيامته فإنه يقول: ” إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام” (1كو16:15)، ثم يضيف إلى ذلك أيضًا، كما لو كان يمتد بالفكر المضاد إلى نهايته: ” إن كان المسيح قد قام من الأموات، فكيف يقول قوم بينكم أن ليس قيامة من الأموات؟” (1كو12:15)، والذين يقولون هذا كانوا هم الصدوقيون الذين نتكلم عنهم الآن.
ولكن دعنا نفحص ـ إن أردتم ـ هذه الرواية المزيَّفة التي بلا معنى التي صاغوها. يقولون كان سبعة إخوة وصاروا على التوالى أزواجًا لامرأة واحدة بحسب متطلّبات ناموس موسى، ثم ماتت هى أيضًا بدون أولاد، ففى القيامة لمن منهم تكون زوجة؟ إن السؤال الذي يطرحونه، هو بلا معنى، كما أنه لا يتوافق بأي حال مع الكتب الموحَى بها، وإجابة مخلِّصنا فيها تكفي تمامًا لإثبات حماقة روايتهم. وتجعلنا نرفض خيالهم المزيَّف، كما نرفض الفكرة التى تأسَّس عليها.
وأظن أنه من الصواب أن نتَّهمهم بأنهم يقاومون ـ بغباء، الكتب الموحى بها، وأن نُوضِّح أنهم قد جانبوا الصواب تمامًا وابتعدوا عن المعنى الذي تعلِّمه الكتب المقدسة. تعالوا ودعونا نرى ماذا قالت جماعة الأنبياء القديسين بخصوص هذا الموضوع، وما هي التصريحات التي أعلنها رب الجنود بواسطتهم. إنه يقول عن أولئك الراقدين: “من يد الهاوية أُخلِّصهم، من الموت أفديهم، أين قوَّتك يا موت؟ أين شوكتكِ يا هاوية” (هو14:13س). أما بخصوص المقصود بقوة الموت وبشوكته أيضًا، فإن المبارك بولس قد علَّمه لنا بقوله: “ أما شوكة الموت فهي الخطية، وقوة الخطية هي الناموس ” (1كو56:15)، لأنه يقارن الموت بالعقرب، الذي شوكته هي الخطية، لأنه بسمه يقتل النفس، ويقول إن الناموس هو قوَّة الخطية. ويتعرض (القديس بولس) هو نفسه ثانية في موضع آخر ويقول: ” لم أعرف الخطية إلاَّ بالناموس” (رو7:7)، ” إذ حيث ليس ناموس ليس أيضًا تعدٍّ” (رو15:4). ولهذا السبب فإن المسيح أخرج أولئك الذين يؤمنون به من تحت سيادة الناموس الذي يدين، وقد أبطل أيضًا شوكة الموت، أي الخطية، وإذ قد أبطل الخطية، فإن الموت بالتالي ـ كنتيجة حتمية ـ قد بطل، لأنه نتج عنها وبسببها دخل الموت إلى العالم.
وكما إنَّ الله قد أعطى الوعد: ” أُخلِّصهم من يد الهاوية ومن الموت أفديهم“، هكذا أيضًا فإن الأنبياء القديسين يتوافقون مع الأحكام الصادرة من فوق، لأنهم يكلموننا، ليس ” برؤيا قلبهم، ولا من مشيئة إنسان، ولكن من فم الله” (انظر إر26:23) كما هو مكتوب، طالما أنَّ الروح القدس هو الذي يتكلَّم فيهم (انظر 2بط21:1) هو الذي يُعلن في كل أمر ما هو حكم الله وما هى مشيئته المقتدرة وغير القابلة للتغيير. لذلك يقول لنا إشعياء النبى: ” تحيا أمواتك، وأولئك الذين في القبر سيقومون، والذين في الأرض سيبتهجون، لأن طلَّك هو شفاء لهم” (إش19:26س). وأنا أعتقد أنَّ النبي يقصد بالطلِّ قوة الروح القدس المحيية، وذلك التأثير الذي يلاشي الموت، لأنه قوَّة الله وقوَّة الحياة.
ويقول أيضًا داود المبارك في موضع ما في المزامير عن كل ما على الأرض: ” تنزع روحهم فيموتون وإلى ترابهم يعودون، تُرسِل روحك فيُخلقون وتجدد وجه الأرض” (مز29:103س). هل تسمع أنَّ نعمة الروح القدس العاملة والمحيية سوف تُجدِّد وجه الأرض، ويقصد بوجه الأرض جمالها، ويُفهم بذلك أنَّ جمال الطبيعة البشرية سوف يكون على غير فساد، لأنه مكتوب: ” يُزرع في فساد ويُقام في عدم فساد، يُزرع في ضعف ويُقام في قوة، يُزرع في هوان ويُقام في مجد” (1كو42:15و43). ومرة أخرى فإن النبى إشعياء يؤكد لنا أنَّ الموت الذي دخل بسبب الخطية لا يحتفظ بقوَّته على ساكني الأرض إلى الأبد، ولكنه يتلاشى بقيامة المسيح من بين الأموات، وهو الذي يُجدِّد العالم ويعيد تشكيله إلى ما كان عليه في البداءة، كما هو مكتوب: ” لأن الله خلق جميع الأشياء لعدم فساد” (حكمة14:1). فالنبى إشعياء يقول: ” يبلع الموت بعد أن قوى جدًّا، ويمسح الرب الدموع عن كل الوجوه، وينزع عار الشعب عن كل الأرض” (إش8:25س). والآن هو يُسمِّي الخطية عار الشعب، وهذه عندما تُبطل، فإن الموت أيضًا يُبطل معها، والفساد يتلاشى، وإذ يأتى به إلى نهاية، فإنه ينزع الدموع من الجميع، والنوح أيضًا ينتهي، فلا يكون للناس سبب فيما بعد يجعلهم يبكون وينوحون.
هذا يكفي لبحثنا بخصوص تفنيد كُفر اليهود. ولكن دعنا نرى أيضًا ماذا قال المسيح لهم: أبناء هذا الدهر يُزوِّجون ويُزوَّجون، أما أولئك الذين عاشوا حياة كريمة ومختارة وممتلئة من كل سمو، وقد حُسبوا أهلاً أن يبلغوا قيامة مجيدة ورائعة، فهم بالضرورة يرتفعون فوق الحياة التى يحياها أبناء هذا الدهر، لأنهم سيعيشون كما يليق بقديسين قريبين لله، فهم يكونون مثل الملائكة وهم أبناء الله. وحيث إنه يكون قد انتُزع منهم كل شهوة جسدية، ولم يعد يوجد موضع باقٍ فيهم للذة الجسدية، فإنهم يشبهون الملائكة القديسين، وهم يُكملون خدمة روحانية وليست مادية ـ كما يليق بالأرواح المقدسة، وفى نفس الوقت يكونون مستحقين لمِثل هذا المجد الذي تتنعم به الملائكة.
وقد أظهر المخلِّص أيضًا جهل الصدوقيين العظيم بأن استشهد لهم بمعلم أقداسهم موسى، الذي كان مطلعًا جيدًا على أمر القيامة من الأموات. فإنه يضع أمامنا الله الذي يقول من العليقة: ” أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب” (خر6:3). ولكن لمن يكون إلهًا إذا كان بحسب ادعائهم إنَّ هؤلاء لم يعودوا أحياء؟ فهو إله أحياء. لذلك فبالتأكيد ـ وبكل ما في الكلمة من معنى ـ سوف يقومون عندما تقيمهم يمينه المقتدرة، وليس هم فقط، بل أيضًا جميع الذين على الأرض.
أما القوم الذين لا يؤمنون بأن هذا سوف يحدث، فإنه يليق بهم جهالة الصدوقيين، وهم لا يستحقون على الإطلاق (أن يُحسبوا ضمن) أولئك الذين يُحبون المسيح. أما نحن فنؤمن بالقائل: ” أنا هو القيامة والحياة” (يو25:11). لأنه سوف يقيم الأموات “ في لحظة، في طرفة عين، عند البوق الأخير، فإنه سيبوَّق، والأموات في المسيح سوف يقومون في عدم فساد، ونحن نتغير” (1كو52:15)، لأن المسيح مخلِّصنا جميعًا سوف ينقلنا إلى عدم فساد وإلى مجد وإلى حياة غير مضمحلة، هذا الذي به ومعه يليق التسبيح والسلطان لله الآب مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.
[1] بناء على قول الرسول ” المسيح قام من الأموات وصار باكورة الراقدين ” (1كو20:15).