Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

دفع الجزية لقيصر – إنجيل لوقا 20 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

دفع الجزية لقيصر – إنجيل لوقا 20 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

دفع الجزية لقيصر – إنجيل لوقا 20 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو19:20ـ26): ” فَطَلَبَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ أَنْ يُلْقُوا الأَيَادِيَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَلَكِنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ لأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْمَثَلَ عَلَيْهِمْ. فَرَاقَبُوهُ وَأَرْسَلُوا جَوَاسِيسَ يَتَرَاءَوْنَ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ لِكَيْ يُمْسِكُوهُ بِكَلِمَةٍ حَتَّى يُسَلِّمُوهُ إِلَى حُكْمِ الْوَالِي وَسُلْطَانِهِ. فَسَأَلُوهُ: يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ بِالاِسْتِقَامَةِ تَتَكَلَّمُ وَتُعَلِّمُ وَلاَ تَقْبَلُ الْوُجُوهَ بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ. أَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نُعْطِيَ جِزْيَةً لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟. فَشَعَرَ بِمَكْرِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟. أَرُونِي دِينَارًا. لِمَنِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟ فَأَجَابُوا: لِقَيْصَرَ. فَقَالَ لَهُمْ: أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ. فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ بِكَلِمَةٍ قُدَّامَ الشَّعْبِ وَتَعَجَّبُوا مِنْ جَوَابِهِ وَسَكَتُوا “.

 

          ها مرة أخرى تشتعل عُصبة الفريسيين بغضب غير مكبوح، وهم يُصوِّبون قوس حسدهم ويُصرُّون بأسنانهم على هذا الذي يدعوهم إلى الحياة، وهاهم يهاجمون بوحشية هذا الذي يسعى أن يُخلِّص، والذي أخلى نفسه من مجد الألوهية العالي جدًّا ونزل إلى حالتنا، وها هم يتآمرون على موته، هذا الذي صار إنسانًا لكي يُبطِل الموت. والسبب الوحيد الذي منع جسارتهم الوقحة يُوضِّحه لنا الإنجيلي الحكيم بقوله: ” إنهم خافوا الشعب“. لقد فهم أنه لا توجد عندهم أى مشاعر تقوى نحو الله يمكن أن تضبطهم. والوصية التى أُعطِيَت بواسطة موسى والتى تقول بوضوح:” لا تقتل البريء والبار” (خر3:23) لا تضع لجامًا يمنع عنفهم، إذ هم يراعون مخافة الناس أكثر من مخافة الله.

          ولكن ما هو السبب الذي جعلهم يفسحون مجالاً لمثل هذا الغضب الشديد والعنيف؟ يقول (الكتاب): ” إنهم عرفوا أنه قال هذا المثل عليهم“. وما هو المثل؟ واضح أنه المثل الذي أظهر فيه أنهم بسبب كونهم كرَّامين أشرار وغير أمناء، فإنهم استهزءوا بالأنبياء القديسين وذبحوهم، هؤلاء الذين أُرسلوا إليهم من الله لكي يحثُّوهم على إكرامه بأن يعطوا ثمارًا روحية وافرة، وبالمِثل فإنهم هكذا عملوا بالابن نفسه رب الكرم، لأنهم قتلوه أيضًا قائلين: ” هذا هو الوارث هلمُّوا نقتله لكي يصير لنا الميراث“. ولكنهم أخطئوا وأثاروا غضب الله عليهم، وقاوموا الشرائع التى من فوق وجلبوا على أنفسهم الغضب الإلهى، وبسبب أنهم أشرار، فقد هلكوا هلاكًا رديًّا ورُفضوا من أن يكونوا كرَّامين، وأُعطىَ الكرم لآخرين. كان هذا هو السبب الذي من أجله تذمَّروا ضد المسيح، ومع ذلك، ألم يكن من واجبهم أن يهربوا من الغضب وأن يتجنَّبوا شراكه، بعد أن عرَّفهم المسيح بما سوف يحدث؟

 

          لقد كان الطريق أمامهم ممهَّدًا وسهلاً لكي يفعلوا هذا. كان عليهم أن يقبلوا الذي يدعوهم إلى الخلاص، وأن يكرِّموا بالإيمان ذاك الذي يُبرِّر الفاجر، الذي يغفر ويحل من كل إثم، وبنعمته التى لا تذكر الشر، يُخلِّص أولئك الواقعين في شراك الخطايا.

 

          أما هؤلاء القوم المجترئون القساة، إذ كانوا متأهِّبين للشر فقط، فلم يبدوا أية رغبة نحو التوبة والرجوع، ولكن بذهنهم المملوء بمكر الشيطان، لجأوا إلى المكائد الشريرة. لقد أخذوا يحيكون شراكًا للمسيح ويخترعون مصيدة ليجدوا علة ضده، ويجمعون حججًا ليتهموه كذبًا، وفى مرارة حقدهم بدأوا يُجهِّزون الكلمات الكاذبة التى نطقوها ضده أمام بيلاطس.

 

          هؤلاء الناس ينتحلون لأنفسهم سمعة الصلاح ويتظاهرون بأنهم أبرار، كمن يستعير قناعًا، بينما هم في الحقيقة أشرار عادمو الأخلاق، وقلبهم ممتلئ من المرارة والإثم وكل كلام كذب. لقد تظاهروا بأنهم أبرار ولطفاء، وتخيَّلوا أنه يمكنهم أن يخدعوا هذا الذي يعرف الأسرار والخفايا، وذلك عندما أضمروا هدفًا معيَّنًا في الفكر والقلب، بينما هم ينطقون بكلمات مخالفة تمامًا لقصدهم، كلمات تخفى وراءها مكرهم الشرير. ربما يكونون قد نسوا الله الذي يقول: ” من ذا الذي يخفى قصده ويغلق على كلماته في قلبه ويظن أنه يخبأها عنِّي؟” (أى3:42س). كما يقول سليمان: ” الهاوية والهلاك مكشوفان أمام الرب، كم بالحري أفكار الناس” (أم11:15س). ولكنك تقترب من المسيح مخلِّص الجميع كما لو كان مجرد إنسان عادي، لذلك فإنك تظن أنك يمكنك أن تخدعه، كان هذا هو سبب تصرفك الأحمق، لكن كان من الأفضل أن تفكر مليًا أن الكلمة وهو الله قد صار في هيئة بشرية مثلنا، وقد تبرهن بالمعجزات الإلهية والفائقة الوصف وبواسطة مجده الإلهى أنه ليس مجرد إنسان فقط مثلك بل هو إله، كما أظهَرَت ذلك أعماله المجيدة. لقد كان في المظهر إنسانًا مثلنا، ولكنه وهب النظر للعميان، أقام الموتى من قبورهم، وأمر أولئك الذين قد اضمحلوا (بالموت) أن يسرعوا إلى الحياة. لقد انتهر البحار وظهر للتلاميذ ماشيًا على الأمواج حينما كانوا يبحرون في بحيرة طبرية، لقد كان في مقدورهم أن يروا من الحقائق الفعلية أنه لم يكن مجرد إنسان، بل بالأحرى هو إله كما أنه إنسان أيضًا.

          ولكنهم لم يقبلوا هذا (الإيمان) في قلوبهم، كيف يمكنهم هذا؟ بل إنهم اقتربوا منه وجرَّبوه مُخفين عنه غرضهم المخادع. وهاهم يخاطبونه بكلمات رقيقة، وهم مثل وحوش كاسرة في ثياب حملان. إن مثل هؤلاء هم الذين يوبخهم داود النبى بقوله: “كلماتهم ألين من الزيت وهى سيوف مسلولة” (مز21:54س)، وأيضًا ” لسانهم يخترق مثل طرف سهم حاد، كلمات فمهم خادعة، يتكلم بالسلام لقريبه وفى قلبه يضمر عداوة” (إر8:9س) ولكن ماذا يقولون؟ ” يا مُعلِّم، نعلم أنك بالاستقامة تتكلم وتُعلِّم ولا تقبل الوجوه، بل بالحق تُعلِّم طريق الله، أيجوز أن نعطي جزية لقيصر أم لا؟” آه من مكرهم الدنس! لأن إله الجميع أراد لبني إسرائيل أن يُعفوا من تسلُّط البشر عليهم، ولكن لأنهم داسوا تحت أقدامهم الوصايا الإلهية، واحتقروا تمامًا الأوامر التى أُعطِيَت لهم، ولجأوا إلى المكائد والحيل، فإنهم سقطوا تحت يد أولئك الذين تسلَّطوا عليهم في ذلك الوقت، الذين فرضوا عليهم الجزية والضريبة ونير العبودية القاسي. وإن النبي إرميا يرثى أورشليم كما لو كانت بالفعل قد عانت من هذا المصير بقوله: ” كيف جلست المدينة الكثيرة الشعب وحيدة، السيدة في البلدان صارت تحت الجزية!” (مراثى1:1س).

 

          لذلك فقد كان هدفهم من هذا (كما يقول الإنجيل)، ” أن يُسلِّموه إلى حُكم الوالي“، لأنهم توقعوا أن يسمعوه يقول: ” بالتأكيد إنه لا يجوز أن تُعطى جزية لقيصر”. ولكن كيف تغلَّب المسيح على مكرهم؟ قال لهم: ” أرونى دينارًا“، ولما أروه إياه سأل أيضًا: ” لمن الصورة والكتابة التى عليه؟” فأجابوا وقالوا: “لقيصر”، وبماذا أجاب المسيح على ذلك؟ “ قال لهم، أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله“، لأن الحُكَّام القائمين على حكم الشعوب، من عملهم أن يفرضوا ضريبة من المال على رعاياهم، أما الله فلا يبغى شيئًا من الأشياء القابلة للفساد، الزائلة، ولكن يريد بالأحرى، الطاعة والخضوع، يريد الإيمان والمحبة والرائحة الحلوة التى للأعمال الحسنة. كان من الواجب على بنى إسرائيل أن يُقدِّموا هذه الأشياء للرب، ولكنهم كانوا مهملين ويزدرون بهذه الأمور ويحتقرونها، كما كانوا مستعدين أن يذهبوا بأنفسهم إلى كل ما هو وضيع.

 

          لذلك فقد تعجبوا من إجابته، وكان هذا أمام جميع الشعب، أي أمام شهود كثيرين، ومع ذلك ـ وكأنهم قد تناسوا هذه الأمور ـ فعندما قادوا يسوع إلى بيلاطس فإنهم أتوا بنفس هذا الاتهام عليه، لأنهم قالوا: ” وجدنا هذا الرجل يُفسد الأمة ويمنع أن تُعطى جزية لقيصر” (لو2:23). إنك تتعجب من إجابته، ولا يمكنك أن تخدعه، لقد رجعتَ خازيًا، وكيف جعلتَ شرّك نفسه نقطة اتهام ضده؟ ماذا قال المُخلِّص عنهم بصوت المرنم: ” لأنهم بلا سبب أخفوا لي هلاك شبكتهم، بلا سبب عيَّروا نفسي، لتأتهم التهلكة وهم لا يعلمون، ولتمسكهم الشبكة التى أخفوها لي وليقعوا في فخهم نفسه” (مز7:34و8س). إنهم حقًّا سقطوا، إذ لما سلموا يسوع إلى بيلاطس فإنهم هم أنفسهم سلموا أنفسهم للهلاك، وأهلكهم العدو الرومانى بالنار والسيف وأحرق كل أرضهم، حتى الهيكل المجيد الذي كان بينهم (صار خرابًا).

          كان هذا مجازاة تصرفهم الأثيم نحو المسيح، فلنتحاش بحرص هذه الخطايا، وأن نُكرم بالإيمان كلمة الله، الذي من أجلنا صار إنسانًا، وأن نكون مجتهدين في تعظيمه بتسابيح لا تنقطع، الذي به ومعه يليق التسبيح والسلطان لله الآب مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.

دفع الجزية لقيصر – إنجيل لوقا 20 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

Exit mobile version