مصدر سلطان المسيح – إنجيل لوقا 20 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
مصدر سلطان المسيح – إنجيل لوقا 20 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
مصدر سلطان المسيح – إنجيل لوقا 20 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو1:20ـ8): “ وَفِي أَحَدِ تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ كَانَ يُعَلِّمُ الشَّعْبَ فِي الْهَيْكَلِ وَيُبَشِّرُ وَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ مَعَ الشُّيُوخِ. وَقَالُوا لَهُ: قُلْ لَنَا بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هَذَا أَوْ مَنْ هُوَ الَّذِي أَعْطَاكَ هَذَا السُّلْطَانَ؟. فَأَجَابَ: وَأَنَا أَيْضًا أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً فَقُولُوا لِي: مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا مِنَ السَّمَاءِ كَانَتْ أَمْ مِنَ النَّاسِ؟. فَتَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ قَائِلِينَ: إِنْ قُلْنَا مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: فَلِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟. وَإِنْ قُلْنَا: مِنَ النَّاسِ فَجَمِيعُ الشَّعْبِ يَرْجُمُونَنَا لأَنَّهُمْ وَاثِقُونَ بِأَنَّ يُوحَنَّا نَبِيٌّ. فَأَجَابُوا أَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: وَلاَ أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هَذَا “.
أعتقد أنكم قد اجتمعتم ثانية لكي تتعلَّموا، وأنا أمتدح تصرُّفكم وأعتبر رغبتكم جديرة بكل إعجاب لأنه مكتوب: ” الحكمة خير من الحجارة الكريمة الثمينة، وكل الأشياء النفيسة لا تُقارن بها” (أم11:8س). لأن الحكمة النازلة من فوق من عند الله هى عطيَّة لا مثيل لها، وعندما ندركها بواسطة الكتاب المقدس الموحى به من الله وننال النور الإلهي ليسكن في أذهاننا، نتقدم آنذاك بلا انحراف إلى كل ما هو نافع لفائدتنا الروحية. هلمُّوا إذن لنفحص الآن أيضًا بتدقيق معنى الدروس التى سبق أن قُرِئت علينا.
فى اجتماعنا الماضي، كان الحديث الذي وجَّهناه إليكم هو عن جهل الفريسيين وجنونهم المطبق وهجومهم الدنيء، فقد تقدَّموا إلى المسيح مخلِّصنا جميعًا، قائلين: ” بأيِّ سلطان تفعل هذا، ومن هو الذي أعطاك هذا السلطان“؟ ما هو الذي كان المسيح قد فعله؟ ما فعله هو أنه طرد من الهيكل أولئك الذين يبيعون الغنم والبقر والحمام واليمام وقلب موائد الصيارفة قائلاً: ” ارفعوا هذه من ههنا، لا تجعلوا بيت أبى بيت تجارة” (يو16:2) وأيضًا قال: ” بيتى بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص” (لو46:19).
تكلمنا آنذاك عن هذه الأشياء على النحو التالى:
إن الرب كان يجمع[1] gathering up ظل الناموس كشيء أصبح غير نافع ولا لزوم له، وكان يسعى أن يُعطّل الذبائح الدموية، لأن الوقت الذي كان ينبغي فيه الإعلان عن العبادة التى بالروح والحق قد صار الآن قريبًا جدًا. لأنه هو نفسه الحق، وحيث إن الحق قد ظهر الآن، فيلزم بالضرورة أن تصير الرموز نافلة. ومع ذلك فقد هاجم أولئك التعساء رب الكل بشراسة. وهذا هو ما وصل إليه حديثنا في الاجتماع الماضي.
سوف نبيِّن الآن بطريقة أخرى أنَّ رؤساء ومعلمي المجمع اليهودي قد هاجموا المسيح بعنف. كان المخلص يعلِّم في الهيكل كما أنه من المؤكد جدًّا أنه كان يعلن ـ من أجل تعليم سامعيه ـ أشياء تسمو على الناموس، وهى طريق الحياة بحسب الإنجيل، أما هم فلأنهم كانوا مغتاظين من هذا أيضًا فإنهم اقتربوا منه بخبث وسألوه قائلين: من أعطاك هذا السلطان، ماذا يعنى هذا أيضًا؟ إنهم يقولون ” أنتَ تعلِّم في الهيكل ولكنك خرجت من سبط يهوذا ولست من عداد أولئك الذين وظيفتهم أن يخدموا في الهيكل ككهنة، ولماذا تُعلِّم ما يتنافر مع وصية موسى ولا يتوافق مع الناموس الذي أُعطِىَ لنا منذ القديم؟“.
لذلك، فلنقل لأولئك الذين تكلَّموا هكذا: هل هذا يلدغ أذهانكم ويدفعكم إلى حسد وحشي؟ أخبروني: هل تتَّهمون معطي الناموس بإبطال الناموس؟ هل تلومونه وتحتجُّون عليه بشدَّة لأنه لا يطيع شرائعه الخاصة به؟ أخبروني: هل الله مُلزَم بالخضوع لناموسه الخاص؟ ألعلَه شرّع الوصايا التى قيلت بواسطة الأنبياء القديسين لأجلنا أم لأجل نفسه؟ وحتى لو لم تعترفوا بذلك فإنه من المؤكَّد أنَّ الله يعلو على كل شريعة، وأما نحن أنفسنا فإننا نُوجَد تحت نير وصاياه. لذلك فإن تعدَّى أي شخص منَّا الناموس، فلوموه واحكموا عليه بسبب تعدِّيه، أما الذي وضع الوصايا ـ ليس لأجل نفسه بل لأجلنا لكي نطيعها ـ فإنه من حين لآخر وبحسب مسرة صلاحه، قد يُغيِّر أي شيء مما قد أعطاه سابقًا من وصايا، ويقصد بهذا لا أن يُخضِع أولئك الذين تحت الناموس لأي شيء شرِّير، بل بالأولى يريد أن يرفعهم إلى ما هو أفضل. وها قد حان الوقت الآن لتتوقَّف تلك الأشياء التى كانت ظلالاً، ولتزول تعاليم الناموس التى أُعطِيَت لتعليم القدماء، لكيما يُستعلَن شيء أفضل، ألا وهو التعليم المُعطى لنا في الإنجيل.
ولكنكم تقولون “هل كان هذا بحسب مشيئة ذاك الذي أسَّس بواسطة موسى تلك الوصية السابقة لمن كانوا في القديم؟” وأنا أجيب “نعم”، وأبلُغ إلى هذا الاستنتاج ليس من فكري الخاص بل إنى أستقي البرهان عليه من الأسفار النبويَّة. لأن الله قال في أحد المواضع بصوت ميخا النبى “وسأجعل شرائع شعبي تزول” (مى15:6س). فكيف يجعل شرائع الشعب تزول؟ لأنه ـ كما قلت ـ ستصير إلى العدم بظهور وصيَّة جديدة أفضل، أى الوصية التي أُعطِيَت لنا من الابن نفسه، والتى أُعلِن عنها أيضًا منذ القديم بفم إرميا النبى “ هأنذا أجمعهم من كل الأراضي التي طردتهم إليها بغضبي وغيظي وبسخط عظيم، وأردُّهم إلى هذا الموضع وأُسكنهم آمنين، ويكونون لى شعبًا وأنا أكون لهم إلهًا، وأُعطيهم طريقًا آخر وقلبًا آخر ليخافوني كل أيامهم” (إر37:32ـ39). لذلك فقد أعطى لهم طريقًا آخر وكما قلتُ سابقًا فهو يجمع الخدمة الناموسية والتعليم الذي في حروف ورموز، ويُدخِل تعاليم الإنجيل التى أول بدايتها وطريقها هو الإيمان، الذي ـ بواسطة العبادة الروحية ـ يكمِّل إلى التبرير ويرفع إلى التقديس أولئك الذين يتقدمون إلى الله.
أما كون شرائع موسى كان مقدَّرًا لها أن تبلغ النهاية وأن يُعطَى بواسطة المسيح ناموس جديد وعهد جديد، فهذا يمكن لأى إنسان أن يراه بسهولة كما يقول النبي بوضوح: ” ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتُ بيدهم لأُخرجهم من أرض مصر، لأنهم نقضوا عهدى وأنا رفضتهم يقول الرب” (إر31:31ـ32). لذلك فهو يَعِدُ بعهد جديد، وكما يكتب بولس الحكيم جدًّا ” فإذ قال جديدًا جعل الأول عتيقًا، وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال” (عب13:8). وحيث إن العهد السابق قد شاخ كان يلزم أن يحلَّ ما هو جديد محلَّه، وهذا تمَّ ليس بواسطة أحد الأنبياء القدِّيسين، بل بالأحرى بواسطة مَن هو رب الأنبياء.
فلماذا تتذمر أيها الفريسي عندما ترى الكتاب الموحَى به من الله يتحقَّق، وترى تلك الأشياء التى قالها الأنبياء القديسون في القديم تبلغ كمالها.
إذن، فعندما سألوه بأي سلطان تفعل هذا، أجابهم المخلِّص ” وأنا أيضًا أسألكم كلمة واحدة، فقولوا لي، معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس؟ فتآمروا فيما بينهم إن قلنا من السماء يقول فلماذا لم تؤمنوا به وإن قلنا من الناس فجميع الشعب يرجموننا لأنهم واثقون بأن يوحنا نبي، فأجابوا أنهم لا يعلمون من أين. فقال لهم يسوع ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا“. انظروا خبث الفريسيين العظيم، إنهم يهربون من الحق ويرفضون النور ولا يرتعبون من اقتراف الخطية، لأن الله الآب أرسل المعمدان الطوباوي كسابق للمسيح يصرخ قائلاً “ أعدوا طريق الرب اجعلوا طرق إلهنا مستقيمة ” (إش3:40س). كما كتب عنه أيضًا الإنجيلى الحكيم يوحنا ” كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا، هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، لم يكن هو النور بل ليشهد للنور” (يو6:1ـ8) ـ أي للمسيح. كما شهد هو نفسه (المعمدان) قائلاً: ” الذي أرسلني لأُعمِّد بالماء ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومستقرًا عليه فهذا هو الذي يُعمِّد بالروح القدس، وأنا قد رأيتُ وشهدتُ أنَّ هذا هو ابن الله” (يو33:1و34). لذلك فالمعمدان الطوباوي لكونه عظيم جدًّا وباهر، فهو شخص جدير بأن نَقبَله ليقودنا إلى الإيمان بالمسيح، وليكون شاهدًا للمسيح. لكن إذ كان من عادة اليهود أن يفتروا بخفَّة على القدِّيسين وأن يدعوهم متكلِّمين كذبة وأن يقولوا عنهم إنهم لم يُرسَلوا من الله بل يَدعون كذبًا معرفة النبوَّة من عندياتهم، فإن المسيح سألهم ما هو رأيهم في المعمدان؟ هل هو شخص جاء من فوق من عند الله، هل أكرموه لكونه مرسل يعمِّد بحسب مشيئة الله؟ أم بحسب عادتهم وبدافع من رغبات بشرية أنكروا أنه جاء لهذا الغرض؟ لقد كانوا في الواقع يخشون أن يقولوا الحق لأنهم كانوا يخافون أن يُقال لهم فلماذا لم تؤمنوا به؟ لذلك فإنهم لم يوجهوا اتهامًا ليوحنا السابق، ليس بدافع خوفهم من الله بل بدافع خوفهم من الجموع، لذلك فإنهم أخفوا الحق وقالوا لا نعرف. فإذ هم غير مستحقِّين أن يتعلَّموا الحق وأن يبصروا الطريق الذي يؤدِّي مباشرة إلى كل عمل صالح، فإن المسيح أجابهم: ولا أنا أقول لكم بأيِّ سلطان أفعل هذا. لذلك فإن اليهود لم يعرفوا الحق لأنهم لم يكونوا متعلِّمين من الله، أي من المسيح. أما لنا نحن المؤمنون به فإن المسيح يُظهِر الحق لنا حتى إذا ما قبلنا في ذهننا وقلبنا سره الإلهى المكرّم جدًّا، أو بالحري معرفة السر، وإذا ما حرصنا على إتمام الأمور التى ترضيه، فإننا سوف نملك معه، هذا الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى أبد الآبدين. آمين.
[1] الهامش بالمخطوطة يشرح كلمة ” يجمع gathering up ” بمعنى يهدم، ولكن من الواضح أنه لم يكن هذا هو القصد، إنما كان تعبيرًا مجازيًّا فقط. أما بالنسبة للقديس كيرلس، فربما كان يستخدم الكلمة اليونانية sustšllei، والتى كان يستعملها باستمرار بمعنى يُقلّص.